نظَّم مركز الجزيرة للدراسات وقناة الجزيرة مباشر ندوة عن بُعد بعنوان "الانتخابات التونسية: مقاطعة واسعة وعزوف غير مسبوق وأزمة بلا أفق"، الخميس،29 ديسمبر/كانون الأول 2022، شارك فيها: نور الدين العلوي، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة التونسية، والهادي الغيلوفي، الأكاديمي والمحلل السياسي، ولمياء الخميري، عضو الهيئة السياسية لجبهة الخلاص الوطني، وجنات بن عبد الله، الكاتبة المختصة في الاقتصاد والتجارة الدولية، وصبري الزغيدي، الصحفي والمحلل السياسي، وأدارتها سماء الصعبي، المذيعة بالجزيرة مباشر.
قدمت الندوة قراءة معمقة في نتائج الانتخابات التشريعية التونسية التي جرت في السابع عشر من ديسمبر/كانون الأول الجاري باعتبارها المحطة الأخيرة في خارطة الطريق التي أعلنها الرئيس، قيس سعيِّد، عقب دخول البلاد في حكم التدابير الاستثنائية، في 25 يوليو/تموز 2021، والتي سبقها تنظيم استفتاء على دستور جديد بعد إلغاء العمل بدستور 2014، وحل البرلمان المنتخب، والمجلس الأعلى للقضاء، والعديد من الهيئات الدستورية التي نشأت في سياق الانتقال الديمقراطي منذ ثورة 2010-2011.
وحلَّل المتحدثون دلالات تدني نسبة المشاركة في تلك الانتخابات، والتي وصلت إلى 11.22%، ما جعلها النسبة الأضعف في تاريخ الانتخابات التونسية. وتساءلوا عما إن كانت هذه النسبة من شأنها أن تدفع إلى التشكيك في شرعية الرئيس وفي البرلمان الذي سينتصب بناء عليها، وكذلك في المنظومة القانونية والتشريعية التي ستصدر عنه.
واستقرأت الندوة كذلك حركة الشارع التونسي، وحاولت التنبؤ بردود أفعاله إزاء ما يرزح تحته من أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية خانقة، مع انغلاق منافذ الحوار بين سلطة الأمر الواقع والمعارضة السياسية والاجتماعية.
وتساءلت الندوة عن الطريقة التي سيواجه بها الرئيس، قيس سعيِّد، تحديات المرحلة القادمة في ظل العزلة الشعبية والسياسية سابقة الذكر، كما تساءلت إن كانت المعارضة السياسية تملك القدرة على أن تكون بديلًا مقنعًا للشارع التونسي.
وقد خلصت الحوارات والنقاشات التي دارت في الندوة إلى أن عزوف الناخبين بهذه النسبة التي لم يشهدها التاريخ التونسي الحديث من قبل كان متوقعًا لدى أغلبية النخب السياسية والفكرية، وأن رسالة الناخبين المقاطعين لهذه الانتخابات كانت واضحة، ومفادها أن البلاد لا يمكن أن تسير على هذا النهج الذي يتبعه الرئيس قيس سعيد حاليًّا، ولا على ذات الأسلوب الذي كانت تنتهجه المعارضة قبل ذلك.
وأكد المتحدثون في الندوة أن الشعور السائد في تونس الآن هو شعور بـ"خيبة الأمل واليأس والإحباط"؛ ذلك لأن الشعب كان يريد إنجازات اقتصادية وحلولًا لمشكلاته المعيشية لكن "انقلاب قيس سعيد" فاقم من تلك المشكلات ولم يحلها.
وأوضحت الندوة أن نتائج الانتخابات الأخيرة عقَّدت الوضع السياسي المأزوم بأكثر مما كان عليه من قبل، وتنبأت بأن الوضع في تونس يتجه نحو مزيد من التأزم على كافة الأصعدة، وأرجعت السبب في ذلك إلى كون "الرئيس والدائرة المحيطة به ليس بيدهم حلول في المديين، القريب والمتوسط".
وأشارت الندوة كذلك إلى أنه لوقت قليل قبيل الانتخابات ونتائجها الكاشفة، كان الرئيس قيس سعيد "يعيش حالة إنكار تام لحجمه الحقيقي" لكن بعد تلك النتائج "الهزيلة" عرف مقدار شعبيته التي تآكلت بشدة.
وأوضحت أن الشعب التونسي "خاب أمله" في الرئيس بعدما ظن -وقت انتخابه- أنه ينتخب أستاذًا جامعيًّا متخصصًا في القانون الدستوري، وأنه سيكون حاميًا للدستور وللمؤسسات الشرعية، و"لكنه انقلب على ذلك كله".
وخلصت الندوة من قراءتها لنتائج الانتخابات التونسية إلى أنها "بداية النهاية" لحكم قيس سعيد.
من جهة أخرى، أوضحت الندوة أن المعارضة لم تكن قبل 25 يوليو/تموز 2021 "متحدة على كلمة سواء"، وبعد "الانقلاب" وحتى اليوم لا يزال الأمل في توحيدها قائمًا، حتى تتمكن البلاد من "الخلاص من الحالة المزرية التي وصلت إليها، ولفتح الأفق المسدود الذي يعترض مسارها".
وأشارت الندوة كذلك إلى أن المعطى الاقتصادي في طرح رئيس الجمهورية غائب ومن ثم خاب أمل التونسيين في أن يستطيع تغيير واقعهم الاقتصادي المأزوم.
وأضافت أنه مع أول قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 1.7 مليار دولار فرض الصندوق شروطه على تونس وفقد البنك المركزي استقلاله وأصبح القرار الاقتصادي للبلاد مرتهنًا للخارج.
وأشارت إلى أن الحكومة لم تتوقف لتقيِّم المسار الاقتصادي، وبدلًا من ذلك فإنها لا تزال تصر على استكمال برنامج الإصلاحات الهيكلية الذي من ملامحه سياسة التقشف التي أنهكت التونسيين. وأضافت أن قانون المالية الجديد، لسنة 2022، يعتمد القروض الخارجية كتمويل أساسي لميزانية الدولة ولا ينظر إلى الديناميكية الاقتصادية كمموِّل للاقتصاد.
وأوضحت أن الشارع التونسي ومؤسسات المجتمع المدني والنقابات ترفض تبعات القرض الذي يتم التفاوض بشأنه حاليًّا مع صندوق النقد الدولي بقيمة 4 مليارات دولار. وتساءلت الندوة: ما قيمة هذا القرض الصغير لـ"اقتصاد بصدد الاحتضار"؟
وعن سبل الخروج من الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعيشها تونس حاليًّا، اقترحت الندوة أن ينبني أي تصور للحل على دستور 2014 لكي يكون الحل شرعيًّا. وأوضحت أن الخطوات الكفيلة بتحقيق ذلك تبدأ بالعودة لدستور 2014 كأحد أهم منجزات الثورة، ثم عودة البرلمان الشرعي، وبعدها يفوض البرلمان رئيسه أو أحد أعضائه برئاسة البلاد خلال الفترة الانتقالية، وأن تُجرى انتخابات تشريعية ورئاسية جديدة وفق قانون انتخابي جديد، ، وألا تخشى النخب التي تعادي التيار الإسلامي في تونس من عودة الإسلاميين إلى "المشاركة السياسية"، لأنهم مكون أصيل من مكونات الطيف السياسي لا يمكن استئصاله أو إقصائه.
واختتمت الندوة نقاشاتها بالقول: إنه دون ذلك المسار المبني على دستور 2014 فإن البلاد ستظل في حالة "ضياع"، ضياع المقود السياسي والاقتصادي، وستظل الحالة الاجتماعية "مثيرة للشفقة".
ولمزيد من التفاصيل، يمكن إعادة مشاهدة الندوة كاملة عبر (الرابط التالي).