نظَّم مركز الجزيرة للدراسات وقسم الإعلام بجامعة قطر مؤتمرًا بحثيًّا، يومي 1و2 مارس/آذار 2023، تحت عنوان "شبكات التواصل الاجتماعي والاستقطاب الأيديولوجي: علاقات القوة والتأثير الثقافي والاجتماعي"، بمشاركة عدد من الأكاديميين والباحثين المتخصصين في علوم الإعلام والاتصال والاجتماع من أنحاء متفرقة من العالم.
في كلماتهم الافتتاحية، أعرب نائب رئيس جامعة قطر للشؤون الأكاديمية، الدكتور عمر الأنصاري، ومدير عام شبكة الجزيرة الإعلامية، الدكتور مصطفى سواق، ومدير مركز الجزيرة للدراسات، الدكتور محمد المختار الخليل، ورئيس قسم الإعلام بجامعة قطر، الدكتور بسيوني حمادة، عن شكرهم الحضور، وأملهم في أن يتوصل المتحدثون في جلسات المؤتمر إلى توصيات عملية تجعل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أكثر نفعًا للأفراد والمجتمعات، وتجنِّب المستخدمين أضرار هذه الشبكات التي أصبحت إحدى سمات العصر.
بعد ذلك بدأت جلسات المؤتمر تتوالى، وقد ناقشت كل جلسة موضوعًا من الموضوعات لتسليط الضوء على هذه الشبكات من زوايا مختلفة؛ من ذلك على سبيل المثال: جلسة ناقشت موازين القوى الدولية وانعكاسها على بنى وأداء هذه الشبكات، وأخرى سلطت الضوء على المصالح الاقتصادية لشركات التكنولوجيا الكبرى التي تقف وراء هذه الشبكات، وثالثة عن الحروب الثقافية والاستقطابات الأيديولوجية وترويج الأخبار الزائفة والمضلِّلة ونشر خطابات الكراهية والحض على العنف، ورابعة عن التشريعات والأخلاقيات الضابطة لعمل هذه الشبكات، والتوصيات التي من شأنها تصميم شبكات تواصل اجتماعي تراعي مبادئ الحوكمة والشفافية والالتزام بالضوابط القانونية والأخلاقية.
استعرض المتحدثون -كما سبق القول- أبحاثهم التي شاركوا فيها بالمؤتمر، ودار حول كلٍّ منها نقاشات معمقة، وكانت هذه الأبحاث مدعاة لبروز العديد من الأفكار المهمة، والتي نجمل بعضها في النقاط التالية، تاركين التفاصيل للمتابعة عبر مشاهدة روابط الجلسات الملحقة.
- مع نشوء التكنولوجيات الجديدة لوسائل التواصل وامتلاكها من قبل شركات الاتصالات والدول أصبح التأثير الناجم عنها "مؤسساتيًّا وموجَّهًا"، وقد باتت المجتمعات -نتيجة ذلك- أكثر استقطابًا سياسيًّا وأيديولوجيًّا، خاصة بعدما أصبحت تلك الشبكات "تؤثر سلبًا على النظم السياسية والمالية"، فضلًا عن تسببها، إلى حد كبير، في "فقدان الثقة بالدين والعلم والديمقراطية"، جرَّاء بثها الكثير من المعلومات الزائفة والمضللة.. ومع ذلك، فإن من المهم القول: "إن غالبية مستخدمي تلك الشبكات ليسوا مؤدلجين ولا مُسْتقطَبين" كما يغلب على الظن.
- شبكات التواصل الاجتماعي في ذاتها "لا تخلق الاستقطاب السياسي والأيديولوجي"، وإنما تعكسه، لأنها بمنزلة مرآة لما يحدث في المجتمع.. غير أن المهم القول: إن "الفضاء الرقمي واسع الانتشار يُعظِّمُ ويُوسِّعُ من هذا الاستقطاب".
- شبكات التواصل الاجتماعي تعمل بحسب نسق معرفي ومنظومة خطابية يسمحان لمنتِج هذا الخطاب بـ"النفاذ التفضيلي إلى هذه المنصات"؛ حيث المسالك تكون ممهدة للهيمنة الأيديولوجية وترويج الخطاب.
- قوى الهيمنة تعمل دون كلل للسيطرة على شبكات التواصل الاجتماعي والتأثير فيها، خدمةً لمصالحها، ولذلك لا مناص من توعية المستخدم بكيفية فرز المعلومات الصحيحة من الزائفة لتعزيز الإفادة من هذه الشبكات، وتجنب الضرر ما أمكن.. ومن الأمور المهمة لتعزيز دورها "دخول وسائل الإعلام ذات المصداقية على الخط"، وذلك لضمان دقة المعلومات التي تؤثر في الرأي العام.
- المعلومات الزائفة ليست هي وجه الضرر الوحيد الذي يمكن أن ينجم عن سوء استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، وإنما ترويج خطاب الكراهية يعد أيضًا أحد أخطر هذه الاستخدامات، ذلك لأن هذا الخطاب بعدما يدعو إلى الكراهية ينتقل إلى التحريض على العنف، وهو عملٌ مجرَّم، لأن هذا السلوك "نوع من التمييز بين البشر، وانتهاك لحق الإنسان في الحماية". ومع ذلك، فمن الضروري معرفة أنه ليس كل استعمال لكلمة "كراهية" يعتبر خطابًا من خطابات الكراهية؛ فإذا قلت مثلًا: "إنني أكره الحرب"، فهذا ليس خطاب كراهية، لكن إن قلت: "إنني أكره الروس" في معرض تعليقي على حرب روسيا على أوكرانيا فهذا خطاب كراهية.
- من المهم إجراء أبحاث تطبيقية لمعرفة إلى أي حد ينتشر خطاب الكراهية، وسمات مروِّجيه، وطبيعة جمهوره المستهدَف.. وقد اتضح من تحليل خطاب الكراهية لبعض حسابات تطبيق "تيك توك" التي تعود لمسلمين وهندوس، في الهند، على سبيل المثال، أن "نسبة الاستقطاب كانت متدنية"، وكانت "النسبة الأكبر هي لدعاة التعايش"، وذلك لأن غالبية مستخدمي هذا التطبيق هم من فئة الشباب الصغير "غير المؤدلَج".
- دول الجنوب بحاجة إلى تبادل الأسئلة المتعلقة بشبكات التواصل الاجتماعي فيما بينها، والبحث عن أجوبة تتناسب وثقافتها وتتماشى ومصالحها، وذلك لفك الارتباط بـ"الاستعمار الجديد" الذي يستغل بيانات المستخدمين استخدامًا سيئًا.
- محاصرة شبكات التواصل الاجتماعي للسردية الفلسطينية بات جزءًا من الصراع العربي-الإسرائيلي؛ وأن الدافع لذلك هو تصاعد المساندة للسردية الفلسطينية على تلك الشبكات؛ خاصة في بلاد مثل بريطانيا والولايات المتحدة والعديد من بلدان أميركا اللاتينية.
- "الفعل القولي أكثر دلالة من الفعل المادي"، كما أثبتت ذلك، على سبيل المثال، أحداث الشيخ جرَّاح في القدس عام 2021، والتي أكدت أيضًا على أن الندية في مواجهة المحتل الإسرائيلي أصبحت "متاحة رقميًّا"، خاصةً بعدما وجدت المقاومة الفلسطينية في وسائل التواصل الاجتماعي "فرصة سانحة لمواجهة سردية الاحتلال"، فَعَلا صوت الفلسطينيين الذين طالما فُرض عليهم الصمت.. وقد أصبح بإمكانهم -بفضل منصات التواصل- توعية الجمهور حول العالم بحقوقهم المسلوبة، ومعاناتهم التي يقاسونها تحت نير الاحتلال.
- نسبة عالية ممن هم دون الخامسة والثلاثين أصبحوا لا يشاهدون التليفزيون وإنما المواد السمعية والبصرية على منصات التواصل الاجتماعي؛ وعلى هيئة "ومضات سريعة"، وهو ما يدعو المهتمين بتوجيه المضامين الإعلامية للشباب لأن يأخذوا هذه النسبة المهمة بعين الاعتبار.. ذلك لأن وسائل التواصل الاجتماعي -من الناحية النظرية- فتحت الآفاق لتبادل المعلومات بين الأفراد، لكن عمليًّا أصبح لها تأثير سلبي ناجم عن سوء استخدامها، وذلك بسبب "التلاعب بالمعلومات"، ونتيجة منع الأفكار والرؤى المضادة، وانتهاك الخصوصية، والتنمر على بعض المستخدمين، فضلًا عن "الإدمان على تلك الشبكات، والذي أدى بالأفراد لأن ينفصلوا عن محيطهم".
- من المهم التفكير عربيًّا في تحسين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتعظيم الإفادة منها، ولزيادة تدفق المحتوى الذي يخدم المجتمع، ولتوعية الأفراد بـ"حيل الشركات التجارية التي تستغل بيانات المستخدمين لتحقيق مكاسب على حسابهم"، وللعمل كذلك على توفير محتوى يتناسب والثقافة والقيم العربية، وللمساهمة في حل مشاكلهم الأساسية؛ لأنه اتضح أن "بناء الفضاء الرقمي العام على أساس من التربُّح المحض كان أمرًا خاطئًا"؛ وقد ازدادت وطأة هذا التوجه بعدما توقفت الصحف الرصينة عن الصدور للأزمات المالية التي واجهتها.. فكانت النتيجة "سيطرة ما هو ليس احترافيًّا على محتوى وسائل التواصل الاجتماعي".
- الأخبار الزائفة تزداد على شبكات التواصل الاجتماعي وقت الأحداث الكبرى والمناسبات المهمة؛ فيكثر حينئذ استخدام الوسائط البصرية لترويج تلك الأخبار لتحقيق أهداف سياسية أو تجارية أو دينية أو بدافع من التعصب الرياضي. ولمواجهة هذا النوع من الأخبار فالأمر بحاجة إلى بناء وتكوين عقلية نقدية للمستخدمين عبر التعليم من خلال إدخال "مقررات للتربية الإعلامية" لمناهج التدريس، وعبر التوعية المستمرة، وكذلك من خلال التشريعات، والأنشطة الطوعية المجتمعية.
- لا يمكن فصل ما يجري في الحياة اليومية عن التفاعل الحاصل في الفضاء الافتراضي، وقد تشكَّلت نتيجة هذا التفاعل "مجالات عمومية"، ولذلك من المهم أثناء تحليل "المجال العام" الأخذ بعين الاعتبار خصوصية البلدان العربية وطبيعة الأنظمة السياسية السائدة فيها.
- الوظيفة الأيديولوجية لشبكات التواصل الاجتماعي تسعى إلى "إعادة تركيب الذهنية الفكرية والأداء الاجتماعي للمجتمعات، وتشكيل مفاهيم جديدة للهوية".
- أغلب الدراسات العربية التي تناولت شبكات التواصل الاجتماعي تمحورت حول دور مواقع التواصل في تعزيز وتشكيل الوعي السياسي عند الشباب خلال الفترة من 2011 حتى 2022، وهي فترة الربيع العربي، وخلصت تلك الدراسات إلى قدرة هذه الشبكات على إيصال الرسالة السياسية إلى الرأي العام، وأوضحت أن "الاكتفاء بالإحصاء الكمي على حساب الشق التحليلي الكيفي يفقدها قيمتها العلمية.
- لا يمكن مناهضة الخطاب الشعبوي في شبكات التواصل الاجتماعي دون ترسيخ عمل المؤسسات الديمقراطية، أو بعيدًا عن قيام النخبة السياسية بدورها الاقتصادي والاجتماعي المنشود، فضلًا عن تعزيز الحوار وثقافة التعايش بين المكونات الاجتماعية، والتوسع في نشر التعليم، وسن القوانين اللازمة لتنظيم عمل تلك الشبكات، والاهتمام بـ"التربية الإعلامية" القائمة على نشر الوعي، وتعليم الجمهور مهارة التعامل مع وسائل الإعلام.
لمتابعة كلمات المتحدثين في جلسات المؤتمر، بالإمكان زيارة (الرابط التالي).