"التوافق الوطني" مخرج السودان من صراعاته وأزماته

المتحدثون في الندوة من اليمين: إبراهيم الزين، عبد الفتاح محمد، محمد سليمان، حامد التجاني.. والمذيعة روعة أوجيه. (الجزيرة)

توقع باحثون وأكاديميون سودانيون شاركوا في ندوة "السودان: من الأزمة إلى الحرب بين شريكي المكون العسكري" أن ينتصر الجيش السوداني على قوات الدعم السريع في المعركة الدائرة بينهما الآن، واشترطوا لتحقيق ذلك النصر ألا يأتي لقوات الدعم مساندة عسكرية من دول الجوار. وبنوا توقعاتهم على افتقاد قوات الدعم للحاضنة الشعبية والقبلية، ونظرة أغلب السودانيين لهم على أنهم قوات متمردة لها ماضٍ في ارتكاب أعمال نهب وتخريب.

وأكد المشاركون في الندوة على أن السودان لن يعرف استقرارًا طويل الأمد -حتى بعد اجتيازه عقبة الدعم السريع الحالية- ما لم تحكمه نخبة سياسية تعمل وفق مبادئ الحكم الرشيد من ديمقراطية ونزاهة وشفافية واحترام لحقوق الإنسان.

وشدَّد المتحدثون على أن التوافق الوطني هو السبيل الوحيد لخروج السودان من أزماته، وأن نهج الإقصاء والتهميش على أساس من الانتماء السياسي والتوجه الأيديولوجي لن يعود على البلاد إلا بمزيد من التفتت والإنهاك.

وكانت الندوة سابقة الذكر قد نظمها مركز الجزيرة للدراسات وقناة الجزيرة مباشر، يوم الخميس، 11 مايو/أيار 2023، وشارك فيها: حامد التجاني علي، عميد كلية الإدارة العامة واقتصاديات التنمية في معهد الدوحة للدراسات العليا، ومحمد سليمان، الكاتب ومحلل سياسي، وإبراهيم محمد الزين، أستاذ الدراسات الإسلامية ومقارنة الأديان في جامعة حمد بن خليفة بالدوحة، وعبد الفتاح محمد، رئيس وحدة دراسات اللاجئين والعمل الإنساني في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بالدوحة، وقد أدارتها المذيعة بقناة الجزيرة مباشر، روعة أوجيه.

انتصار الجيش مؤكد ما لم تصل تعزيزات لقوات الدعم

وصَّفَ الدكتور حامد التجاني، ما يحدث في السودان بأنه "ليس حربًا أهلية وإنما صراع بين ميليشيا متمردة والجيش الوطني"، وقال: "إنَّ النصر محسوم لصالح الجيش ما تصل تعزيزات لقوات الدعم السريع عبر دول الجوار".

وأشار التجاني إلى أن الشعب السوداني سئم من الحروب التي ما فتئت تندلع عبر تاريخه الحديث والمعاصر، ولأن مزاجه العام ليس مزاجَ حربٍ فإنَّ التعويل عليه كبير لإنهاء تلك الحرب والعودة بالبلاد إلى حالة السلم.

وحمَّل التجاني مسؤولية المعركة الدائرة حاليًّا بين الجيش وقوات الدعم على عاتق "حكومة حمدوك والبرهان"، وقال: "إنَّ السودان ضيَّع على نفسه فرصًا متعددة حينما لم يأخذ بأطروحات شباب الثورة، ولو كان قد أخذ بها "لكان الآن في حال أفضل".

توافق وطني لا يقصي أحدًا

من جانبه، قال الدكتور إبراهيم الزين إنه يعتقد أيضًا بقدرة الجيش السوداني على حسم المعركة لصالحه في نهاية المطاف، لكنه شدد على أن هذا الحسم لا يعني "وضع حدٍّ نهائي للعنف في السودان"، واشترط لنهاية العنف الدائر حاليًّا "إنهاء العنف اللفظي".

وقال الزين: "إننا نحتاج لمشروع قومي وطني تقف بموجبه صيحات الإقصاء، ويتجه الجميع نحو التوافق الوطني".

وعن مصير قوات الدعم السريع في حال فاز الجيش في معركته معها، قال الزين: "يجب على الجيش -بعد هزيمته لقوات الدعم- ألا يدمجها في صفوفه"، وبرر ذلك بأن إدماج "قوات متمردة" سيؤدي إلى قلاقل في الجيش، والبلاد في غنى عن ذلك.

النخبة وإدمان الفشل

أشار محمد سليمان في مداخلته إلى أن للأزمة الحالية التي يشهدها السودان أسبابًا بعيدة تعود بجذورها إلى بداية استقلال الدولة السودانية؛ إذ كانت "النخبة الحاكمة آنذاك عبارة عن سلطة تسلُّطٍ ونهب واستغلال"، كما أنها "لم تلتفت للتنوع السوداني ولم تعرف كيف تديره".

وعن الأسباب المباشرة والقريبة للأزمة السودانية الراهنة قال: إنها تعود لبداية حكم الجبهة القومية الإسلامية بقيادة عمر البشير؛ "إذ دمرت البنية الأساسية، والتعليم، وأشاعت الحروب الداخلية، وصنعت الميليشيات، ومنها الجنجويد التي تحولت إلى قوات الدعم السريع".

ونبه سليمان إلى خطورة التداعيات الإنسانية للحرب الدائرة وحذَّر من إمكانية امتداد "لهيبها لدول الجوار". كما حذَّر كذلك من "خطورة توطين الجماعات الإرهابية في السودان إذا استمر أمد الحرب".

وعلَّق سليمان على الرأي القائل بعدم دمج قوات الدعم في الجيش قائلًا: "إذا وافقنا على الرأي القائل بعدم دمج الحركات المسلحة في الجيش فيجب أن يشمل ذلك أيضًا تطهير الجيش من عناصر الإخوان المسلمين الذين تسللوا إليه منذ العام ١٩٨٩".

وعن رؤيته للحل، قال سليمان: " لابد في النهاية من التوافق الوطني، لأن الحرب ليست حلًّا" لكن يسبق ذلك "محاسبة قادة الجيش وقادة الدعم على هذه الحرب لأنهم ارتكبوا فيها جرائم".

سيناريوهات الحرب

في مداخلته، سلَّط الدكتور عبد الفتاح محمد الضوء على خطورة الحرب الحالية في السودان، وقال: "إنَّ خطرها سيمتد إلى المنطقة برمتها، ومن المحتمل أن يصبح السودان بؤرة صراع إقليمي ودولي، ما لم يجد حلًّا سريعًا لها".

وحذَّر عبد الفتاح محمد من إمكانية انتقال الصراع في السودان إلى دول الجوار "التي تعاني أصلًا من مشكلات سياسية وأمنية"، مثل ليبيا وجنوب السودان وإثيوبيا، وقال: "إنَّ السودان معرَّض لأن يتحوَّل إلى "صومال جديد".

وتحدث عبد الفتاح محمد عن 3 سيناريوهات يمكن أن تؤول إليها الأزمة السودانية الحالية: أولها: أن يصل الصراع إلى "حالة الإنهاك"، وحينها سيدرك الطرفان المتصارعان أن الخسائر التي لحقت بهما أكبر من المكاسب التي حققاها، ومن ثم يتوقفان عن الاقتتال. وثانيها: أن يتوصل الطرفان إلى اتفاق بينهما حتى ولو لم يكن يحظى بدعم شعبي. أما السيناريو الثالث فيتمثل في إحلال قيادات جديدة محل القيادات الحالية لكل من الجيش والدعم السريع، وساعتها قد يتوقف القتال.

وأكد عبد الفتاح محمد أن "الحوار الوطني بمشاركة القوى كافة"، مخرج للأزمة السودانية، شريطة "وضع الشروط والضمانات الضرورية لإنجاح مثل هذا الحوار، مع توافر الدعم الدولي له".