المتحدثون في ندوة "مسار ومصير الأزمة السودانية": الحوار السوداني-السوداني هو مفتاح الحل

المتحدثون من اليمين: حسن حاج علي، وحمزة بلول، والمزمِّل أبو القاسم، وأدارتها أسماء علي، المذيعة بقناة الجزيرة مباشر. (الجزيرة)

عقد مركز الجزيرة للدراسات وقناة الجزيرة مباشر ندوة حوارية بعنوان "مسار ومصير الأزمة السودانية" أمس، الأربعاء 14 فبراير/شباط 2024، بالعاصمة القطرية، الدوحة، شارك فيها حسن حاج علي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم، الباحث الزائر بمركز دراسات النزاع والعمل الإنساني في قطر، وحمزة بلول، القيادي بقوى الحرية والتغيير، وزير الإعلام السابق، والكاتب الصحفي، المزمِّل أبو القاسم، وأدارتها أسماء علي، المذيعة بقناة الجزيرة مباشر.

تناول المتحدثون الأزمة السودانية عبر ثلاثة محاور، الأول والثاني حاولوا فيهما توصيف الأزمة والبحث في أسبابها الداخلية والخارجية، فيما خصصوا المحور الثالث لتقديم تصوراتهم لما يرونه حلولًا للخروج بالسودان من المأزق الراهن.

خلص المتحدثون في الندوة إلى أن الأزمة الراهنة التي تتخذ شكل الحرب الضروس بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني لها جذور أبعد وأعمق من ذلك، وأن أسبابها الحقيقية لا تبدأ من يوم تفجر الصراع بين هذين الطرفين يوم 15 أبريل/نيسان 2023، وإنما تعود إلى أن السودان بلدًا ومجتمعًا عانى لعقود من تهميش الأقاليم والمناطق النائية، والانقلابات العسكرية، وسوء توزيع الثروة والسلطة، والصراعات الإثنية والقبلية والعرقية والجهوية، وسوء إدارة الفترة الانتقالية ورغبة كل طرف من الفاعلين السياسيين في الاستئثار لنفسه بأكبر قدر من السلطة، والاستقطابات السياسية والفكرية والأيديولوجية، ومن ترهل أجهزة ومؤسسات الدولة وانتشار الفساد المالي والإداري فيها، فضلًا عن التدخلات الإقليمية والدولية التي وجدت الفرصة سانحة أمامها لتحقيق أجنداتها المتضاربة. وأشار المتحدثون إلى أن هذه الأسباب كلها مجتمعة أدت إلى الحالة التي وصل إليها السودان والتي اتخذت شكل الصراع الضاري والقتال الشرس بين قوات الدعم السريع، التي تحتمي بالمدن وتتلقى دعمًا خارجيًّا عسكريًّا وماليًّا وإعلاميًّا وسياسيًّا، والجيش الوطني.

واستعرض المتحدثون الجهود الدبلوماسية وجهود الوساطة التي تقوم بها بعض الأطراف الخارجية عبر بعض المنابر مثل منبر جدة ومنبر المنامة وغيرهما للوصول إلى تسوية للأزمة والاتفاق على حل سياسي ينهي الصراع ويعيد الأمن ويهيئ الأجواء لعودة النازحين والفارين والمشردين واللاجئين الذين قدَّرتهم الأمم المتحدة بعشرة ملايين وسبعمئة ألف، واعتبرتها أكبر أزمة نزوح يشهدها العالم في الوقت الراهن، وانتهوا من هذا الاستعراض إلى أن هذه الجهود باءت بالفشل، وأرجعوا أسباب ذلك إلى أن تلك الجهود لا تعالج المشكلات من جذورها، ولأن بعض الأطراف الإقليمية لا تريد للأزمة أن تنتهي، بل ولا تريد للجيش السوداني الذي يمثل الدولة أن ينتصر على قوات الدعم السريع ويخمد "الفتنة" التي أحدثتها بـ"انقلابها" الذي قامت به يوم 15 أبريل/نيسان 2023، وذلك لأن هذه القوى الإقليمية لها مصالح تريد تحقيقها في السودان، مستغلة ثرواته ومقدراته وموقعه الإستراتيجي، وأن تحقيق هذه المصالح سيكون أسهل بالنسبة لها من خلال قوات الدعم السريع وليس الجيش السوداني. وأشاروا في هذا السياق إلى الدور المصري الذي تراجع -رغم الأهمية الإستراتيجية للسودان بالنسبة له- أمام الدور الإماراتي الذي تعاظم من خلال تقديمه أشكالًا متعددة للدعم والمساندة إلى قوات الدعم السريع عبر عديد البلدان مثل ليبيا وإفريقيا الوسطى وتشاد.

وحذَّر المتحدثون من ترك الأزمة السودانية تتفاقم دون الإسراع في حلها، وذلك ليس فقط بسبب ما يمكن أن تصل إليه الأوضاع الإنسانية من تردٍّ وإنما كذلك لإمكانية تحول السودان إلى بؤر تؤوي الإرهاب وجماعات الجريمة المنظمة؛ ما سيكون له بالغ الضرر على القرن الإفريقي والبحر الأحمر ودول الجوار.

وعن الرؤية وتصور الحل، أكد المتحدثون على أن السودان بحاجة إلى أن تأخذ القوى الوطنية والفاعلون السياسيون على عاتقهم مصلحة السودان وطنًا ودولة وشعبًا، وأن يُغلِّبوا هذا المصلحة على مصالحهم الذاتية والآنية الضيقة. وأشاروا في هذا الصدد إلى أهمية جلوس السودانيين معًا في حوار وطني شامل وجامع للبحث في القضايا التي أدت بالسودان إلى هذه الحالة المزرية وإيجاد حلول جذرية لها، بموجبها يتم القضاء على ظاهرة الجماعات المسلحة التي وصل تعدادها إلى ثماني جماعات، كل منها يحمل السلاح ويحارب لتحقيق مطالبه، وقالوا: إن المطلوب من الجميع تقديم تنازلات، وتغليب مصلحة الوطن، والدخول في حوار هادئ وعقلاني بعيد عن الاستقطاب والتشنج، يقطع الطريق أمام التدخلات الإقليمية والدولية، للعودة بالسودان إلى حالة الأمن والاستقرار والتعايش بين كل مكوناته ومن ثمَّ ينطلق في مسيرته النهضوية والتنموية التي انتظرها طويلًا.