الصين واليابان ومقومات القطبية العالمية

تبحث هذه الدراسة في المقومات التي تمتلكها الصين واليابان لتبوأ موقع القطبية في النظام العالمي، كما تقف نتائجها عند المعوقات التي تقف في وجه تحقيق هذا الطموح في عالم مقبل على تعددية قطبية

 


ازدادت مؤخرا الاهتمامات العالمية بالاقتصادات ذات السرعة المتنامية في شرق آسيا، وخصوصا الاقتصادين الصيني والياباني. فوسائل الإعلام ومراكز الأبحاث العالمية ودوائر صنع القرار السياسي في الغرب عامة وفي الولايات المتحدة خاصة، بدأت التركيز أكثر على تحليل توجهات الاقتصادات الآسيوية، ضمانا لحماية اقتصاداتها في أسواق المنافسة العالمية.








 


 


 



الباحث: فوزي حسن حسين
الجامعة: بيروت العربية– كلية الحقوق والعلوم السياسية)
إشراف:الدكتور فوزت فرحات والدكتورة سناء حمودي
السنة:2008

"


أما الولايات المتحدة فلها مخاوفها الخاصة، من نمو اقتصادي متسارع للصين قد يسخر لتطوير البنى التحتية العسكرية والتكنولوجية للصين، الأمر الذي يشير إلى وجود منافس إستراتيجي للولايات المتحدة قد يظهر على الساحة العالمية في آسيا خلال المستقبل المنظور، ويعمل على تغيير بنية النظام الدولي من نظام أحادي القطبية إلى نظام ثنائي أو متعدد القطبية.

بينما اليابان، فبسبب ظروفها السياسية وعلاقاتها الاستراتيجية المتميزة مع الولايات المتحدة الأميركية، فإن الغرب ينظر إليها كمنافس اقتصادي وتكنولوجي عالمي، بسبب امتلاكها لثاني أقوى اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة.

وتحلل هذه الدراسة المقومات الاستراتيجية لهاتين الدولتين(الصين واليابان) للتعرف عن كثب، على ما تمتلكانه من مؤهلات يمكن أن تدفع بهما إلى تبوء مواقع قطبية في النظام الدولي خلال المرحلة المقبلة.

وتجيب هذه الدراسة عن الأسئلة التالية:



  1. هل يمكن لدول كالصين واليابان أن تتبوأ مواقع قطبية في النظام الدولي خلال المستقبل المنظور، وذلك من خلال مشاركة الولايات المتحدة الأميركية في اتخاذ القرارات العالمية؟


  2. ما هي المقومات التي تمتلكها الصين واليابان اللتان تتيحان لهما تبوأالمواقع القطبية العالمية؟


  3. ما هي أنواع القطبية التي يحتمل أن تصل إليها دول كالصين واليابان، هل هي قطبية اقتصادية؟ أم عسكرية؟ أم سياسية؟ أم أنها قطبية عالمية شاملة لجميع أبعاد القوة الاقتصادية والعسكرية والطبيعية والبشرية والسياسية؟

نتائج البحث


وأكدت الدراسة في بحثها لمقومات الصين على:




  • الصين هي الأولى عالميا من حيث الموارد البشرية.


  • الأولى عالميا من حيث معدل سرعة النمو الاقتصادي.


  • تمثل ثاني أكبر اقتصاد عالميا من حيث القوة الشرائية.


  • تمتلك أضخم جيش في العالم تسانده قوات احتياط.


  • "تكنولوجية"وقوات مسلحة هي الأضخم عالميا.


  • لديها ثاني أكبر ميزانية معلنة للدفاع بعد الولايات المتحدة الأميركية.


  • الرابعة عالميا من حيث المساحة بعد روسيا وكندا والولايات المتحدة.


  • تمتلك موقعا استراتيجياً يربط شرق آسيا بشرق أوروبا، وتتحكم بعدد من طرق الملاحة البحرية والجوية والبرية.


  • الثالثة فضائيا بعد الولايات المتحدة وروسيا.


  • القوة النووية الثالثة في العالم بعد الولايات المتحدة وروسيا.


  • استراتيجية الصين القومية والفكر السياسي للنخب الصينية المتمثلة بقيادات الحزب الشيوعي الصيني، وأقطاب الحكومة وكبار القادة العسكريين وطبيعة اتجاهات التنمية الوطنية، تسير باتجاه التمهيد لتبوء الموقع القطبي العالمي من خلال السعي إلى مشاركة الولايات المتحدة في صنع القرارات ذات الشأن العالمي. وبوادر هذا التوجه واضحة عبر تحفظاتها المتكررة بشأن  العديد من مشاريع القرارات الأميركية المقدمة إلى مجلس الأمن الدولي، فضلا عن مقعدها الدائم في مجلس الأمن الدولي.


  • انضمام تايوان إلى الصين سيزيد بلا شك من قوة الصين الاقتصادية والسياسية والعسكرية وسيجبر الولايات المتحدة على إعادة نشر قواتها في منطقة بحر الصين الجنوبي.


  • إن أي حلف استراتيجي قد يحدث بين الصين وروسيا مستقبلا، سيعجل بتعزيز قدرات الصين وروسيا معا لتبوأ موقع قطبي عالمي.


  • تتميز الصين بالتلاحم الوطني بين طوائف شعوبها، وبنظام أمني واستخباري قادر على توفير التغطية الأمنية والاستخبارية داخل الصين وخارجها، فضلا عن قبضة الحزب الشيوعي الصيني على السلطة في الصين.


  • الصين مرشحة للتفوق على الاقتصاد الأميركي عام 2020، إذا ما استمر نموها الاقتصادي على نفس الوتيرة.


  • قد تستغل الصين الظروف الدولية المناسبة لفرض آرائها على الولايات المتحدة في عدة قضايا عالمية.




"
الصين هي الأقرب من اليابان في الوقت الحاضر إلى موقع القطبية العالمية لما تمتلكه من مقومات عسكرية واقتصادية وطبيعية وبشرية قد تقودها بتخطيط استراتيجي متماسك، إلى المساهمة في إعداد القرارات العالمية بالتشارك مع الولايات المتحدة الأميركية
"

أما المعوقات التي قد تقف في طريق الصين نحو توجهها العالمي، فيأتي أبرزها من خلال مشكلة نقص الطاقة الذي تعاني منه الصين، وهذا ما دفعها إلى رفع نسبة استيراد البترول من المملكة العربية السعودية بنسبة 38%،  وتتمثل المشكلة الثانية في التلوث البيئي بسبب اعتماد الصين المفرط على الفحم الحجري كمصدر من مصادر الطاقة، وقد يدفع ذلك المجتمع الدولي إلى الضغط عليها من أجل تخفيض اعتمادها على الفحم  للتقليل من عوامل الاحتباس الحراري وتغيير المناخ.

 

وتبقى المشكلة الأهم هي عودة تايوان، فقد تدفع بالصين إلى نزاع عسكري مسلح مع الولايات المتحدة لاستعادة تايوان، أو قد تدفع الولايات المتحدة إلى استخدام مسألة تايوان كورقة ضغط على الصين.

 

ومن جهة أخرى فإن السياسة الخارجية الصينية بدأت في الآونة الأخيرة تبحث عن مكانة عالمية، أفرز ذلك عدد من المؤشرات، أهمها تدخل الصين في عدد من القضايا الدولية كإرسال قوة دولية إلى السودان في دارفور، الأمر الذي أزعج الإدارة الأميركية، ووقوف الصين إلى جانب روسيا في تصويتها ضد فرض العقوبات في مجلس الأمن على إيران، وإبرام العقود والاتفاقيات التجارية مع عدد من دول الخليج العربي كالإمارات والسعودية. كل هذه المؤشرات تدل على أن الصين تتطلع إلى مشاركة واشنطن في اتخاذ القرارات العالمية ولو في المستقبل المنظور.

وخلصت الدراسة في تناولها لمقومات اليابان إلى:

يمكن تحديد عدد من المقومات التي تؤهل اليابان لموقع القطبية العالمي، كما يمكن تحديد جملة من المعوقات التي تعيق اليابان لتحقيق أهدافها، رغم سعيها للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي:



  1. اليابان تمتلك ثاني اقتصاد في العالم من حيث سعر الصرف للعملات.


  2. اليابان هي الثانية عالميا من حيث المعرفة التكنولوجية.


  3. اليابان تحظى بحماية أمنية وعسكرية من قبل الولايات المتحدة الأميركية بموجب معاهدة حماية موقعة بين الطرفين أدت إلى إنشاء خمس قواعد عسكرية أميركية في اليابان، ساهمت وبشكل كبير في تقييد السيادة اليابانية.


  4. النظام التعليمي والأكاديمي لليابان يعتبر الثاني عالميا، بعد الولايات المتحدة.


  5. اليابان تمتاز بالاندماج الوطني داخل المجتمع الياباني، وتقديس أوقات العمل وتشجيع روحية العمل الجماعي وتوطيد العلاقة بين الموظف والمؤسسة التي يعمل بها.

أما المعوقات التي تقف أمام تطلع اليابان للقطبية العالمية فيمكن حصرها بما يلي:




  • قلة الموارد الطبيعية والاعتماد في توفيرها على الاستيراد الخارجي.



  • 12% من مساحة اليابان فقط صالحة للزراعة.



  • الكوارث الطبيعية كالزلازل تعيق بدرجة كبيرة حركة الإستثمارات في اليابان.



  • القوات العسكرية محدودة ومخصصة للدفاع الذاتي فقط، على الرغم من استحداث وزارة للدفاع مؤخرا.



  • عدم امتلاك اليابان لمقعد دائم في مجلس الأمن الدولي، وتوافقها الدائم مع سياسيات الولايات المتحدة الأميركية، ومشاركتها بقوات عسكرية في حرب العراق عام 2003 بناء على طلب أميركي، ومساهماتها المالية في العديد من برامج التنمية الدولية، استجابة لمتطلبات العلاقات الدولية مع الولايات المتحدة الأميركية.



  • غياب الإتجاه الفكري للنخب السياسية اليابانية الذي يطالب بفك الإرتباط مع الولايات المتحدة، كل ذلك عزز الاتجاه القائل بأن هناك نوعا من التبعية السياسية اليابانية للولايات المتحدة الأميركية.



  • الموقع الجغرافي والشكل الأرخبيلي لليابان (الجزر الرئيسية الأربع والتي تتبعها أكثر من 3000 جزيرة متناثرة في المحيط الهادي) ، يجعل من مهمة الدفاع عن اليابان دون حماية خارجية، مهمة صعبة.



  • إن استراتيجيات السياسة الخارجية لليابان على مدى السنوات السابقة والحالية، وتوجهات وأفكار النخب السياسية فيها، لا تنبىء أن اليابان تتطلع في المدى القريب إلى الاستغناء عن الحماية العسكرية الأميركية لها، بل تسعى إلى تعزيزها في ظل تنامي القدرات العسكرية الاستراتيجية للصين وكوريا الشمالية وروسيا.

    وإدراك القيادة اليابانية أن الاستغناء عن الحماية الأميركية سيجبر اليابان على دخول سباق تسلح محموم مع جيرانها من أجل تحقيق أمنها القومي، وقد ينعكس هذا الأمر سلبا على الاقتصاد الياباني. وأكثر من ذلك فإن اليابان باتت تركز على مسألة التعاون الدولي مع الولايات المتحدة الأميركية تحت مظلة هيئة الأمم المتحدة لحل القضايا العالمية كمسائل التلوث البيئي  والاحتباس الحراري.



  • إضافة إلى ذلك كله، فإن التيار الفكري السائد في الولايات المتحدة الأميركية يضع الصين في خانة المنافس العالمي بجميع الأبعاد السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، وهذا المنافس يجب احتواؤه من الآن حتى لا يصعب ذلك مستقبلا، ولا تضطر الولايات المتحدة إلى خوض حرب باردة جديدة مع الصين.

    وفي الوقت نفسه تتبلور رؤية الولايات المتحدة لليابان على أنها "حليف عالمي"  يجب الدفاع عنه والمحافظة عليه، وهو شريك مالي كبير يدعم البرامج الدولية التي تلتقي مع مصالح الولايات المتحدة، كصندوق المانحين لإعادة إعمار العراق والبرامج الدولية لمكافحة الإرهاب الدولي.



  • عدم السماح لليابان ببناء قدرات عسكرية ذات طابع استراتيجي، وإمكانية استخدام اليابان كمنافس سياسي واقتصادي ضد الصين، أو كقاعدة للهيمنة الأميركية في المحيط الهادىء، كل ذلك يمكن أن يتيح لليابان بأن تكون قطبا اقتصاديا وتكنولوجيا عالميا، دون الوصول إلى القطبية العالمية التي تتطلب قوة عسكرية استراتيجية وموارد بشرية وجغرافية وإرادة سياسية تستند إلى توجه وطني نحو العالمية، وذلك ما تفتقر إليه اليابان في الوقت الحاضر.



  • الدستور الياباني يحرم لجوء اليابان إلى الحرب إلا في الحالات الدفاعية، ويحرم امتلاك اليابان للأسلحة الهجومية، إضافة إلى التحالف الاستراتيجي بين اليابان والولايات المتحدة الذي يمكن أن يوصف  بأنه أشبه ما يكون بالتبعية السياسية للولايات المتحدة، والمبالغة اليابانية في ما يسمى بفرادة تجربة النهضة اليابانية وخصوصيتها، وإبعاد اليابان نفسها عن الحلول الإستراتيجية الواقعية للمشاكل العالمية، والاكتفاء بتقديم الهبات والمساعدات المالية فقط، كل تلك العوامل يمكن أن تشكل عقبة في طريق اليابان للوصول إلى موقع قطبي عالمي.

    وبالتالي فالسيناريو المرجح لليابان خلال المستقبل المنظور، سيكون الاستمرار تحت الحماية العسكرية الأميركية، وانصراف اليابان إلى النمو الاقتصادي.

من خلال تحليل السياسة الخارجية اليابانية يلاحظ أن اليابان لا ترغب في المشاركة في القضايا العالمية بمفردها، بل تسعى إلى التنازل عن دور رئيسي في تلك القضايا إلى الولايات المتحدة الأميركية، والاكتفاء بالمساهمة في التعاون الدولي بشأن عدد من القضايا العالمية عبر هيئة الأمم المتحدة، الأمر الذي يعكس عدم رغبة القيادة اليابانية في الوقت الحاضر في التنافس الحقيقي من أجل مشاركة واشنطن في اتخاذ القرارات عالميا، على عكس ما لاحظناه في الصين.

ومن مجمل ما تقدم، يمكن القول إن الصين هي الأقرب من اليابان في الوقت الحاضر إلى موقع القطبية العالمية لما تمتلكه من مقومات عسكرية واقتصادية وطبيعية وبشرية قد تقودها بتخطيط استراتيجي متماسك، إلى المساهمة في إعداد القرارات العالمية بالتشارك مع الولايات المتحدة الأميركية، ما لم تحدث مفاجآت عالمية كتلك التي أودت بوحدة الإتحاد السوفيتي السابق عام 1991.