موقف روسيا من انتخاب أوباما

ظلت وجهات النظر الروسية لأوباما، بوصفه مرشحا محتملا لمنصب رئيس الولايات المتحدة في بداية السباق الرئاسي، محايدة. فأوباما لم يكن معروف عمليا في روسيا، وصفحته ما زالت بيضاء.







 
إعداد: أندرو رايبوف*
ترجمة: رشا الطاهر


في بداية السباق الرئاسي في الولايات المتحدة الأمريكية لم تعتقد الأوساط الحاكمة في موسكو أن أفضل نتيجة ستكون في صالح روسيا هي فوز السيناتور باراك أوباما.


فمنذ البدء افترض المسئولون في العاصمة الروسية أن الشريك المقبول في العاصمة الأمريكية من شأنه أن يكون المرشح الجمهوري السيناتور جون ماكين.





صورت حملات الدعاية الرسمية في السياسة الداخلية الروسية تحت رئاسة بوتين وميدفيديف فترة التسعينيات كأكثر فترة فاشلة في التاريخ المعاصر لروسيا
وقد قام هذا الافتراض على التجربة التاريخية للعلاقات السوفيتية-الأمريكية، الروسية-الأمريكية، والتي اقتنع من خلالها المسئولون في موسكو بأن التعاون مع الجمهوريين الذين يسعون لبناء علاقات ثنائية على أساس مراعاة المصالح الروسية هو الأفضل. وقد عززت تجربة التعامل مع إدارة جورج بوش هذا الفكر.

ومع ذلك، فقد اتضح في وقت لاحق، أن ماكين ينتمي إلى جيل آخر من السياسيين الأميركيين، حيث تشكلت شخصيته في سنوات "الحرب الباردة". ومنذ وقوعه في أسر الفيتناميين، لم يكره ماكين الشيوعية فقط، بل وأرض مولدها "روسيا" أيضا. وفهم الروس في وقت لاحق أنه على الرغم من النهج الجمهوري التقليدي في إدارة العلاقات الروسية-الأمريكية، فقد يتخذ ماكين سياسته مع روسيا من موقف القوة.


وفي الفترة التي قاتلت فيها هيلاري كلينتون حتى آخر لحظة كمرشح للحزب الديمقراطي، اعتبر المسئولون الروس انتصارها نتيجة غير مرغوب فيها تماما للانتخابات. فبارتباطها الوثيق مع فريق زوجها بيل، الذي حكم الولايات المتحدة في التسعينيات، تمثل كلينتون رمزا لأصعب الأوقات بالنسبة لروسيا، حيث كانت ضعيفة وذليلة.


فقد أجبر عجز الموارد المتكرر الحكومة الروسية على اتباع سياسة الولايات المتحدة التي وضعها الرئيس كلينتون وفريقه. لذا فقد مثل انتخاب هيلاري كلينتون المحتمل عودة تلك الفترة العصيبة. ولكن لا يفوتنا هنا أن نذكر أن حملات الدعاية الرسمية في السياسة الداخلية الروسية تحت رئاسة بوتين وميدفيديف قد صورت فترة التسعينيات كأكثر فترة فاشلة في التاريخ المعاصر لروسيا.


مخاوف روسيا
وعلى خلفية هذه المواقف فقط، ظلت وجهات النظر لأوباما، بوصفه مرشحا محتملا لمنصب رئيس الولايات المتحدة في بداية السباق الرئاسي، محايدة. بمعنى أنه قد تم التوصل لهذه النظرة عن طريق إقصاء المرشحين الآخرين الذين كانوا يمثلون الشر الأعظم في الأوساط السياسية الروسية. فأوباما لم يكن معروف عمليا في روسيا، وصفحته ما زالت بيضاء.





وفقا لمسئولين في موسكو، فإن من إيجابيات أوباما أن رؤيته لسياسة العالم ليست منغلقة أو مفتوحة للمناقشة.
ويعد هذا التقييم عاملا إيجابيا بالنسبة للساسة الروس. فقد افترضوا أن بوتين بموهبته في طرح نفسه للزعماء الآخرين سيكون قادرا على أن يقيم علاقات بناءة مع أوباما. ووفقا لمسئولين في موسكو، فإن من إيجابيات أوباما أن رؤيته لسياسة العالم ليست منغلقة أو مفتوحة للمناقشة.

في أكتوبر/ تشرين الأول من السنة الحالية، وفي ذروة السباق الرئاسي، قام ممثلون من موظفي مكتب أوباما الانتخابي بزيارة موسكو بشكل غير رسمي، وقد أعطى ذلك الانطباع أن أوباما يود تحسين العلاقات مع روسيا في حالة انتخابه.


ووفقا لما ذكروه، فإن أوباما على استعداد لإجراء حوار مع موسكو لمناقشة أية مشاكل، على الرغم من الخلافات العميقة بين الولايات المتحدة وروسيا على قضايا حادة مثل مشاريع إنشاء نظام دفاع صاروخي أمريكي في أوروبا والوضع في جنوب القوقاز بعد "خمسة أيام" من الحرب الروسية-الجورجية. وقد كان لهذه المبادرة تأثير إيجابي في موسكو.


إلا أن الأوساط السياسية في العاصمة الروسية، مقارنة مع العديد من البلدان الأخرى في العالم، لم تعلق الكثير من الآمال على انتخابه المحتمل. فكما ذكرنا من قبل أن المسئولون الروس متفائلون من أن أوباما ليست لديه وجهات نظر مسبقة حول القضايا الرئيسية للسياسة في العالم، وبالتالي فهو لن يكون منساقا للأوهام أو متحيزا بشأن روسيا كبقية الإدارات الأميركية الأخرى.





المسئولون الروس متفائلون من أن أوباما لن يكون منساقا للأوهام أو متحيزا بشأن روسيا كبقية الإدارات الأميركية الأخرى.
إلا أن جهل أوباما بسياسة العالم أثار عددا آخرا من التكهنات حول تقييمه في الأوساط السياسية في موسكو. فمن وجهة نظر بعض السياسيين والمعلقين، طالما أن أوباما ليست لديه الآن رؤيته الخاصة للمشاكل الرئيسية في العالم، فمن المحتمل أن يعتمد على تأثير مختلف المجموعات في واشنطن، بما في ذلك من سيحثونه على مواصلة اتخاذ السياسة من موقع القوة.

وقد أثيرت المخاوف في الأوساط السياسية الروسية بشكل خاص بسبب وجهات نظر أوباما قبل انتخابه، عندما صرح بأن الفرصة مواتية لشن حملات عسكرية على الجزء من الأراضي الباكستانية الذي توجد فيه حركة طالبان الأفغانية والجماعات المسلحة الأخرى التي تقوم بشن هجمات ضد قوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان.


ولكن بحلول نهاية السباق الرئاسي في الولايات المتحدة الأمريكية كان الجزء الأكبر من القادة الروس قد تخلوا عن هذا التصور المشكك لأوباما باعتباره سياسيا ضعيفا ومنقادا.


صراع الدفاع الصاروخي
ومن الجدير بالذكر أن السلطات الروسية لم تكن حثيثة في سعيها لإقامة علاقات بناءة مع أوباما. فقد وجه الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف في خطابه السنوي أمام الجمعية الاتحادية، في اليوم التالي لانتخاب أوباما رئيسا جديدا للولايات المتحدة، انتقادات حادة وأنذر برد فعل عنيف إذا قررت واشنطن إقامة نظام الدفاع الصاروخي في بولندا والجمهورية التشيكية.


وبالفعل فقد أعلن ميدفيديف منطقة "كالينينغراددسكايا أوبلاست"، وهي إحدى الكيانات الفدرالية الروسية وتقع في جنوب بحر البلطيق، مجمعات للصواريخ التكتيكية.


وقد كان لهذا التصريح وقع سلبي في الولايات المتحدة حيث نظر إليه كمحاولة لممارسة الضغط على الرئيس الجديد لإرغامه على تقديم تنازلات لصالح روسيا. وعليه، فقد بدا للوهلة الأولى أن مواقف مؤيدي تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا في إطار حكم أوباما قد أصبحت ضعيفة الآن. ولكن كلا الجانبين نجح في قمع الصراع بسرعة بعد محادثة هاتفية بين الرئيسين.
 
ولم يخيب أوباما آمال السياسيين الروس لاحقا، عندما أوضح لهم أن توزيع نظام الدفاع الصاروخي في بولندا وجمهورية التشيك سوف يعتمد على نجاح تجارب التكنولوجيا الجديدة المضادة للصواريخ. وقد كان لهذه الخطوة تأثير إيجابي في موسكو.





يعتقد المسئولون الروس أنه سيأتي الوقت على الإدارة في واشنطن الذي تعلن فيه عن طيش قرار إقامة نظام الدفاع الصاروخي في أوروبا
ويعتقد المسئولون الروس أنه سيأتي الوقت على الإدارة في واشنطن الذي تعلن فيه عن طيش قرار إقامة نظام الدفاع الصاروخي في أوروبا.

وقد أعطى تأخير اتخاذ قرار نهائي بشأن هذا الأمر سببا للمسئولين الروس للاعتقاد بأنه من الممكن إقامة حوار بناء مع رئيس الولايات المتحدة، إن لم يكن الآن، ففي المستقبل القريب.


كما قيَّمت الأوساط الروسية الحاكمة أيضا المعلومات التي وردت حول نية أوباما في تطبيع العلاقات مع إيران ومحاولته لجعلها حليف الولايات المتحدة في حربها ضد القاعدة بشكل إيجابي.


أصول أوباما الأفريقية وسياسته
أوباما، ذو الأصل الأفريقي-الأمريكي، والذي ترتبط عائلته وثقافته بالعالم الإسلامي، وعلى الرغم من أنها لم تنعكس على وجهات نظره السياسية، إلا أنها لم تؤثر أيضا على مواقف النخبة الروسية والعامة اتجاهه.


فالتحيز العنصري، على الرغم من انتشاره الواسع في الخارج، وحتى لو وجد في الحياة اليومية، إلا أنه لا يؤثر في تشكيل مواقف العامة في روسيا اتجاه السياسيين ونشاطهم المهني، لا في داخل روسيا ولا في أي بلدان أخرى في العالم.


وعلى خلفية أصول أوباما الأفريقية وتجربة حياته في بعض البلدان الإسلامية، يعتقد بعض السياسيين الروس أن إدارة الرئيس الأميركي الرابع وأربعون من شأنها أن تولي اهتماما أكبر لتنمية العلاقات بين الولايات المتحدة ودول آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. وعلى العكس من ذلك، فإن العلاقات مع أوروبا سوف تصبح ضعيفة.


مثل هذا السيناريو ملائم لروسيا لأنه سيقلل من تضامن أوروبا والمحيط الأطلسي ويؤدي إلى إضعاف منظمة حلف شمال الأطلسي من داخلها. بيد أن هذه الآمال لم تكن حجر الزاوية في نظر الساسة الروس لوضع سياساتهم المحتملة اتجاه إدارة أوباما.


وبالمقارنة مع معتقدات روسيا التي أدت إلى تغيير موقفها اتجاه أوباما مع تقدم سباق الانتخابات الرئاسية، ظل العامة من الشعب ينظرون لمرشح الحزب الديمقراطي بتفاؤل حذر منذ بداية الحملة الانتخابية. وقد ظل هذا الموقف كما هو قبل وبعد انتخاب أوباما رئيسا للولايات المتحدة.





يعتقد الروس أن أوباما هو الأفضل بسبب أصله وتجربته في الحياة، فهو الأقل انتماءً لأمريكا من بين أسلافه.
وفقا لاستطلاع الرأي الجماعي الذي أجراه مركز روسيا لدراسة الرأي العام (WCIOM) في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني، فإن 38٪ من الشعب يعتقد أن العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة ستتحسن خلال حكم أوباما. ويعتقد 5٪ فقط أن العلاقات بين البلدين ستزداد سوءً. وكان رأي الثلث تقريبا (32٪) أن لا شيء سوف يتغير تحت رئاسة أوباما. بينما واجه 24٪ من أفراد العينة صعوبة في الإجابة على هذا السؤال. أما في أجزاء أخرى من العالم، فقد كان تقييم النتائج المحتملة لانتخاب أوباما أقل تفاؤلا.

ووفقا لنفس استطلاع للرأي، يعتقد 12٪ فقط أن الوضع في العالم سيكون أقل توترا بعد انتخاب أوباما. ويرى 11٪ أن العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة ستتحسن (ستصبح أقل عدائية وستكون السياسة أكثر عدلا).


بينما علق عدد قليل جدا من الروس آمالا ملموسة على أوباما، حيث يعتقد 2٪ فقط من الروس أن الولايات المتحدة سوف تسحب قواتها من العراق خلال حكم أوباما. ويأمل 1٪ منهم أن تتطور الديمقراطية في عهده. وفي رأي 4٪ من أفراد العينة أن لا شيء سيتغير في العالم المعاصر. 2٪ من الروس أجابوا: "الوقت ما زال مبكرا جدا لفهم سياسة أوباما المحتملة". بينما تباينت أجوبة أقل من 1٪ من أفراد العينة. ولكن الجزء الأكبر من الروس (71 ٪) اعترف بصعوبة الإجابة على هذا السؤال.


قد يعزى هذا الفرق الكبير فيما يتعلق بمستوى التفاؤل في الرد على سؤالين من نفس الدراسة أنه في الحالة الأولى كان السؤال مغلقا، بمعنى أن واضعي الدراسة اقترحوا عددا محدودا من الأجوبة. أما في الحالة الثانية فقد عرض على أفراد العينة الإجابة على السؤال المطروح، ولذلك كانت لديهم الحرية لوضع الأجوبة التي يرونها مناسبة.


نخلص إلى أنه يمكننا القول بأن المجتمع الروسي لا يتوقع من إدارة أوباما أي قرارات ملموسة لحل المشاكل الدولية الهامة. باستثناء القليل من الآمال فقط فيما يتعلق بالحرب في العراق وتطوير الديمقراطية في العالم.


وبالتالي فإنه ليس من قبيل الصدفة أن تجد الأغلبية الساحقة من أفراد العينة صعوبة في الإجابة على عواقب انتخاب أوباما في العالم. بيد أن هذا التفاؤل الحذر بشأن أوباما قد جعل الروس يأملون أن تتحسن الأوضاع في العالم، فقط لأن الرئيس الرابع والأربعون للولايات المتحدة يعد رجلا جديدا في نخبة واشنطن، وهو خال من الأخطاء والقوالب النمطية لأسلافه.





المجتمع الروسي لا يتوقع من إدارة أوباما أي قرارات ملموسة لحل المشاكل الدولية الهامة
ومن الضروري أيضا أن يؤخذ في الاعتبار أن الصورة السلبية للولايات المتحدة قد تشكلت في الرأي العام الروسي بالفعل منذ فترة طويلة. ووفقا لهذا التصور، تم تقييم أمريكا باعتبارها سلطة عدوانية تهتم فقط بتعزيز سيطرتها العالمية، وبالتالي تحاول أن تفرض على شعوب العالم أنماط تنظيمها السياسي والاجتماعي.

وعلى ضوء هذه الخلفية يعتقد الروس أن أوباما هو الأفضل بسبب أصله وتجربته في الحياة، فهو الأقل انتماءً لأمريكا من بين أسلافه. وبالتالي يأمل البعض أن يتخذ أوباما سياسة تختلف عن النهج الأحادي الذي ظلت الولايات المتحدة تتبعه عادة في العلاقات الدولية.


سجلت هذه المواقف أيضا بشكل جزئي في استطلاع للرأي أجراه معهد وطني اجتماعي آخر، مركز ليفادا، في منتصف نوفمبر- تشرين الثاني.


ووفقا لهذا الاستطلاع فإن 16٪ من أفراد العينة أبدوا دهشتهم لانتخاب أوباما؛ 15٪ -- الارتياح؛ 5٪ -- السرور؛ 2٪ -- الانزعاج ؛ 1٪ -- السخط ؛ أقل من 1٪ -- الحسد.


ولكن الجزء الأكبر من أفراد العينة (58٪) لا يرى أي شيء فيما يتعلق بانتخاب أوباما. ووجد 3٪ صعوبة في الإجابة على هذا السؤال.


تلفت الأجوبة على هذه الدراسة الانتباه إلى أن نسبة العنصرية والتحيز في المجتمع الروسي ضئيلة جدا -- 3٪ فقط من أفراد العينة. وعلى العكس فقد أعطى عدد اكبر من الأشخاص (20٪)  تقييما إيجابيا لانتخاب رئيس أسمر البشرة في الولايات المتحدة الأمريكية.


وقد نفترض أيضا أن جزءا ممن أعربوا عن دهشتهم لانتخابه كانوا من المعجبين به. ولكن في الوقت نفسه تجدر الإشارة إلى أن أكثر من نصف الروس (58٪) أظهروا موقفا غير مبالِ على الإطلاق اتجاه نتائج الانتخابات الأمريكية.


وتشير هذه البيانات إلى أن الروس في معظمهم يركزون على مشاكلهم الداخلية. فقد حظيت مسألة الانتخابات الرئاسية الأميركية بالاهتمام من قبل الشرائح المتقدمة والنشطة في المجتمع الروسي والتي تهتم في العادة بالسياسة، أما بالنسبة للبقية، فإن نتائج الانتخابات الأمريكية لم تعنِهم على الإطلاق.


تشاؤم روسي
في الوقت نفسه، نجد أن التفاؤل الحذر الذي ساد في الكرملين، فيما يتعلق بأوباما، قبل انتخابه وبعده، قد تبدل بموقف متشائم عقب معرفة الموظفين الذين تم تعيينهم في المناصب الرئيسية في الإدارة الأميركية الجديدة.





التفاؤل الحذر الذي ساد في الكرملين، فيما يتعلق بأوباما، قبل انتخابه وبعده، قد تبدل بموقف متشائم عقب معرفة الموظفين الذين تم تعيينهم في المناصب الرئيسية في الإدارة الأميركية الجديدة.
فقد بدا من الواضح أن ممثلي إدارة كلينتون القديمة وعلى رأسهم زوجة الرئيس السابق للولايات المتحدة وعضو مجلس الشيوخ من ولاية نيويورك، هيلاري كلينتون، سوف تلعب دورا ملحوظا في فريق أوباما الجديد، وبخاصة فيما يتعلق بقضايا السياسة الخارجية.

فالقادة الروس لا يتوقعون منها أية أفكار أو نهج جديد، بل إنهم يخافون أن تحاول الولايات المتحدة مرة أخرى إملاء سياستها على روسيا، كما كان الحال في التسعينات إبان حكم بيل كلينتون.


ولكن العديد من الخبراء في روسيا والخارج يرون أن انخفاض أسعار النفط والغاز وتدهور المستوى المالي لروسيا يمكن أن يضعف السلطة السياسة الخارجية للبلاد بشكل ملحوظ.


وعلاوة على ذلك لا يمكن، في إطار السيناريو السلبي للأزمة الاقتصادية في روسيا، استبعاد أن تفقد الحكومة السيطرة على شركات النفط والغاز الروسية لصالح الشراكات الخارجية.


وفي هذه الحالة من الممكن تعزيز الضغوط الأمريكية على الكرملين من أجل إرغامه على إجراء تغييرات في السياسة الروسية لصالح أمريكا.


وقد حذر مسئولون روس أيضا من أن أوباما قد يضطر، تحت تأثير الضغوط الاجتماعية والاقتصادية الصعبة للدولة، إلى تركيز كل جهوده على السياسة الداخلية للولايات المتحدة، على الأقل خلال الخمس سنوات القادمة.


وفي هذه الحالة فقد يوكل حل قضايا السياسة الخارجية لكلينتون ونائب الرئيس "جو بايدن" والذي يحتفظ أيضا بموقف سلبي اتجاه روسيا.


آمال بعلاقات ثنائية أفضل
ولكن على الرغم من بعض المخاوف، لا يزال المسئولون في موسكو يعتقدون بأنه إلى جانب مشروع الدفاع الصاروخي في أوروبا، فإنه من الممكن تحقيق تقدم في اتجاهات أخرى للعلاقات الثنائية بين البلدين.


حيث يتوقعون إعادة تفعيل المعاهدة الروسية- الأمريكية بشأن التعاون في مجال الطاقة الذرية السلمية التي كانت مجمدة من قبل الإدارة الأمريكية كعقوبة لروسيا في أعقاب حربها مع جورجيا في أغسطس/آب 2008.


وهناك توقعات بأن يتم إحراز تقدم أيضا في مثل هذا المجال الهام للحد من الأسلحة النووية. وسبب هذه الاعتقادات حقيقة أن أوباما عندما كان عضوا في مجلس الشيوخ وقد عمل في هذه القضية مع سياسي أمريكي معروف ومتخصص في الحد من التسلح النووي "ريتشارد لوغار".





ويعتقد مسئولون في موسكو أن الإدارة الأميركية الجديدة سوف تعزز القضاء على القيود التي تعوق نمو الاستثمارات الروسية لاقتصاد الولايات المتحدة
ونظرا لهذا، فمن المتوقع أيضا تكثيف العمل من خلال تمديد وتحسين المعاهدات القائمة بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية في مجال الأسلحة الإستراتيجية.

ويعتقد مسئولون في موسكو أن الإدارة الأميركية الجديدة سوف تعزز القضاء على القيود التي تعوق نمو الاستثمارات الروسية لاقتصاد الولايات المتحدة.


وبشكل عام، فإن الساسة في الكرملين يتفهمون أنه حتى في ظل إدارة الرئيس الجديد، فمن الصعب أن ترفض الولايات المتحدة خطط توسيع حلف شمال الأطلسي شرقا وقبول أوكرانيا وجورجيا في الحلف.


بيد أن المسئولين في موسكو يتوقعون ألا يصر أوباما على تنفيذ مشاريع الدفاع الصاروخي في المستقبل القريب، وأن مشكلة قبول أوكرانيا وجورجيا أعضاء في منظمة حلف شمال الأطلسي سوف تتأجل لوقت طويل.


ولكن في نفس الوقت يعتقد كثير من المراقبين في موسكو أنه إذا ما أرادت روسيا التوصل فعلا إلى تقدم في العلاقات الثنائية خلال رئاسة أوباما، فعليها العدول عن الخطابات المناهضة لأميركا، والكف عن النظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها أصل كل المصائب والمشاكل في العالم المعاصر.






_______________
*خبير سياسي من مؤسسة كارنيغي في موسكو
مركز الجزيرة للدراسات