![]() |
تكتسب الهند أهمية متنامية، كدولة مؤثرة في النظامين الإقليمي والدولي.ومن الضروري معرفة موقفها إزاء القضية الفلسطينية، حيث لم يكتب حتى الآن حول سياسة الهند الخارجية تجاه القضية الفلسطينية كما اتضح بعد إجراء المسح الببلوغرافي الذي تم القيام به.
" محمود نعمان الفطافطة جامعة بيرزيت، فلسطين معهد إبراهيم أبو لغد للدراسات الدولية، كلية الآداب إشراف: د. سمير عوض ـ جامعة بيرزيت د. روجر هيكوك ـ جامعة بيرزيت د. أيمن يوسف:الجامعة العربية الأميركية ـ جنين (2006) " |
ولعل قيامها بتعيين مبعوث خاص لعملية السلام في المنطقة، وتردد مسؤوليها بين الحين والآخر لزيارة دولها يعتبر إحدى تجليات هذا الأثر.
وتهدف هذه الدراسة إلى:
- التعرف على موقف السياسة الخارجية الهندية من القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في التحرر والاستقلال بصورة خاصة، والموقف من قضايا الصراع العربي ـ الإسرائيلي بشكل عام.
- رسم صورة دقيقة لتحولات هذه السياسة، خصوصا ما يتعلق بتوجهها الملحوظ نحو إسرائيل وتمتين العلاقة السياسية والاقتصادية والعسكرية معها.
- معرفة الإمكانات المتاحة لصانع القرار العربي والفلسطيني بهدف تيسير التعامل، واستمرار الاستفادة من الثقل الهندي المتصاعد على الصعيدين الإقليمي والدولي.
- معرفة موقف الهند تجاه القضية الفلسطينية من خلال المؤسسات الدولية، وفي مقدمتها الأمم المتحدة وحركة دول عدم الانحياز التي لعبت الهند دورا رئيسا في تأسيسها.
ومن هنا تبرز الإشكالية في فهم هذا السلوك ومعرفة العوامل المؤثرة فيه، ومدى انعكاسه على مجريات ومستقبل القضية الفلسطينية، كما تجيب على أسئلة فرعية تتمثل بعضها في الآتي:
- ما هي أهم التحولات التي شهدها الموقف الهندي تجاه القضية الفلسطينية؟
- كيف تطور هذا الموقف على امتداد فترة الصراع العربي ـ الإسرائيلي؟
- هل اقتراب الهند نحو إسرائيل هو تحول إستراتيجي نابع من تأثير المصالح والأيديولوجيا أم مجرد علاقة دبلوماسية تقليدية بين دولتين؟
- ما هو حجم تأثير السياسة الخارجية الهندية على القضية الفلسطينية وعلى التطورات التي تشهدها وتتفاعل معها؟
- هل للمتغيرات الدولية بعد أحداث الحادي عشر من أيلول / سبتمبر 2001 أثر في سياسة هذه الدولة نحو تلك القضية؟
- ما أثر البيئة الداخلية الهندية على موقف الهند من قضية فلسطين، وما مقدار الدور الذي يمكن أن تلعبه الهند في إيجاد تسوية سياسية للقضية الفلسطينية؟
وخلصت الدراسة إلى أن:
التوجه العربي نحو الهند في مرحلة ما بعد استقلالها اعتراه كثير من القصور، نتيجة استمرار الرؤية العربية للهند من منظور الماضي الذي كان يتمتع فيه العرب والمسلمين بدور قيادي في مختلف جوانب هذه العلاقات، طيلة الفترة الممتدة من الفتح العربي حتى الاستعمار الأوروبي. فالعرب لم يدركوا أن الهند في مرحلة ما بعد الاستقلال، والتي لم تكن نسبة المسلمين فيها تتعدى(10 %) لن تكون هي ذاتها قبل حصولها على الاستقلال، حيث كانت نسبة المسلمين فيها تتجاوز ثلث عدد السكان، ولم تكن مواقفها تجاه القضايا العربية في تلك المرحلة السابقة على الاستقلال سوى استجابة لضرورات أملتها ظروف السياسة الهندية الداخلية وطبيعة تركيبتها السكانية.
وأدى تشابه التجربتين الفلسطينية والهندية في التحرر الوطني، وأمل التخلص من الاحتلال إلى تقارب في الفكر السياسي، والسياسة الخارجية لكلا الطرفين، لكن بانتهاء الحرب الباردة وانهيار الإتحاد السوفيتي وما نتج عنه من تغيرات كونية، دفع بنيودلهي لانتهاج سياسة خارجية متزنة في منطقة الشرق الأوسط عامة، وفي ملف القضية الفلسطينية خصوصا، حرصا على ضمان تحقيق مصالحها وإبقاء نظرة الجانبين المتصارعين لها على أنها طرف محايد، ينشد استتباب الأمن والسلام في المنطقة.
![]() |
وأكدت الهند على اهتمامها بمسار عملية التسوية السياسية، وضرورة التوصل إلى سلام عادل وشامل في الشرق الأوسط، يقوم على تطبيق ما سبق التوصل إليه من اتفاقات بين الفلسطينيين والإسرائيليين،مع إتاحة الفرصة للشعب الفلسطيني وبقية شعوب المنطقة بما فيها إسرائيل، للعيش داخل حدود معترف بها.
ومما ساعد الهند وشجعها على محاولة تنشيط دورها في منطقة الشرق الأوسط، وتحديدا ف يما يتعلق بالصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي عوامل عدة، أهمها أن الهند جزء رئيس ومؤسس لحركة عدم الانحياز، إلى جانب تعاملاتها الاقتصادية الواسعة، سواء مع العرب كدول الخليج أو إسرائيل على حد سواء، وغيرها من العوامل التي قد تيسر لها تحقيق غاياتها الشرق أوسطية.
وفي مقابل كل ذلك، فإن محاولات الهند المتكررة لتفعيل سياستها الخارجية إزاء العديد من قضايا العالم المتناثرة، ومنها القضية الفلسطينية لم يؤهلها لغاية الآن للعب دور سياسي فاعل وملحوظ على المسرح الدولي بشكل عام، ومنطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، على الرغم من نجاحها الاقتصادي والتكنولوجي.
ورغم حاجة الهند الكبيرة إلى إسرائيل في العديد من المجالات، سيما المجالين العسكري والاقتصادي، إلا أنها لم تقدم على التغيير السلبي في سياستها الخارجية إزاء الشعب الفلسطيني وقضيته، في الوقت الذي غلب على هذه السياسة الحذر والتوازن مع التركيز على المصالح المتبادلة بدلا من المفهوم الأيديولوجي الذي أصبح يتراجع بعد انتهاء الحرب الباردة، وطغيان مفاهيم العولمة، وبروز تجليات السوق الحرة والشركات متعددة الجنسيات، وما إلى ذلك من تعابير الليبرالية الجديدة.
" بعد تفرد الولايات المتحدة الأمريكية في الهيمنة على العالم، وفي ظل الضعف العربي وتصاعد وتيرة تفتته بسبب حرب الخليج الثانية، وجدت السياسة الخارجية الهندية مصلحتها في التقرب من الولايات المتحدة وحليفتها العضوية إسرائيل، سيما أن الفترة التي أعقبت هذين المتغيرين، شهدت صعودا لحزب بهاراتيا جاناتا اليميني، وتبوء زعيمه آتال بيهاري فاجباي مقاليد الحكم عام 1998، والذي عرف عنه انحيازه لإسرائيل وسياساتها " |
إن الهند انتهجت لفترة طويلة مواقف مؤيدة للعرب في صراعهم مع إسرائيل، لكن نتيجةً للتغيرات التي طرأت على النظام الدولي مع بداية تسعينيات القرن الماضي(كانهيار الإتحاد السوفيتي وصعود اليمين الهندي المتطرف، والموالي لإسرائيل إلى سدة الحكم، وتطبيق برامج تحرير الاقتصاد الهندي، لينسجم وينضم "للاقتصاد المعولم"، إلى جانب توثيق علاقتها مع واشنطن من خلال العلاقة مع إسرائيل، دفع بالهند إلى توثيق العلاقة مع إسرائيل.
ومن التجليات الناجمة عن تحول الهند نحو توثيق علاقتها مع إسرائيل، تراجع الموقف الهندي المؤيد تاريخيا لقضية فلسطين وحركات التحرر الوطنية، ورفض الهند أو امتناعها عن إدانة إسرائيل لامتلاكها أسلحة دمار شامل، ومساواة الهند بين الإرهاب الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية واعتبارهما أعمال استفزازية وعنفا، فضلا عن تصويت الهند لصالح إلغاء القرار الذي اعتبر الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية.
إن المصلحة القومية للهند هي المحرك الرئيس لسياستها الخارجية، خصوصا بعد التحولات الهامة التي طرأت على الساحة الدولية عقب انتهاء الحرب الباردة، وما صاحب ذلك من اشتداد قوة العولمة، وتركيز كثير من دول العالم على مصالحها، وكيفية التعاطي مع هذه ظاهرة العولمة اقتصاديا وسياسيا، واستراتيجيا، إلى جانب أن الطبيعة الديمقراطية التعددية للنظام السياسي الهندي جعل من السياسة الخارجية الهندية حصيلة تفاعل لقوى وتجمعات مختلفة، رأت معظمها أن عامل المصالح والمنفعة المتبادلة هي السياسة السليمة التي يجب أن يُعمل بها مع الدول الأخرى، وفي مقابل ذلك فإن المحدد الأيديولوجي الذي كان المعيار الأساس لتلك السياسة قبل هذه الحرب أصبح يتلاشى.
![]() |
أما التأثيرات السلبية للعلاقة الهنديةـ الإسرائيلية على القضية الفلسطينية فقد كانت متعددة، حيث إن وصول هذه العلاقة إلى درجة عالية من التحالف والتعاون، وما تعرضت له مفاهيم المقاومة من تشويه وخلط بمصطلح الإرهاب بعد أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر 2001، ساهم بشكل كبير في "حيادية" الهند تجاه النضال الفلسطيني، سيما أن إسرائيل استغلت الأحزاب الهندية اليمينية الموالية لواشنطن والمعادية للشيوعية، لإقناعها بأن المقاومة الفلسطينية هي جماعات إرهابية تضر بمصالح وعلاقة الهند مع تل أبيب.
وإضافة إلى تلك الانعكاسات السلبية، فإن للتعاون(الهندي ـ الإسرائيلي) آثارا خطيرة على العرب من خلال توافق المصالح الهندية مع محاور الحركة الإسرائيلية في المنطقة، خاصة فيما يتعلق بالترتيبات الأمنية وإقامة المحاور التي تتعارض وأهداف الأمن القومي العربي.
ومن شأن هذا التعاون تقوية الجانب الإسرائيلي وتوسيع اختلال الميزان العسكري والاستراتيجي لصالح إسرائيل، إلى جانب ما سيسببه من تنشيط جبهة الصراع الهنديةـ الباكستانية، حيث سيعمل على تحييد قوة إسلام أباد في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وكذلك تحييد القوة الإيرانية إذا ما انشغلت بالخطر القادم من الهند، مع ما تغذيه إسرائيل من محاربة "الاتجاهات الراديكالية الإسلامية" التي تمثل إيران واحدة منها.
وفي مجمل هذه الانعكاسات، فإن علاقة الهند الوثيقة بإسرائيل ستنعكس سلبا على منطقة الشرق الأوسط والدول العربية، ومستقبل العملية السلمية نفسها، خصوصا في ظل تبلور آفاق علاقات جديدة وقوية بين إسرائيل ودول عديدة في منطقة آسيا. كما أن القضية الفلسطينية التي كانت تشكل عامل تنافر في العلاقات بين الهند وإسرائيل قبل فترة إنتهاء الحرب الباردة لم تعد كذلك.
إن العلاقات المستقرة التي باتت تجمع بين إسرائيل والهند قد تخطت حدود الوفاق الآني المؤقت القائم على حماية مصالحهما كبائع ومشترٍ في سوق السلاح. وبما أن إسرائيل قد استفادت بمنافع اقتصادية كبيرة من الهند، فإن الأخيرة هي الأخرى أصبحت تجني ثمار هذه العلاقة على الصعيدين العسكري والاقتصادي، وصار واضحا أن كلتا الدولتان قد توصلتا إلى الأسلوب الصحيح لوضع علاقاتهما الثنائية على المسار السليم، وتجاوز مسببات الخلاف. وإذا بقيت الدولتان تواجهان تحديات أمنية وطنية خطيرة، فإن التوجهات الرئيسية الاستراتيجية لكل منهما ستسهم دون شك في ترسيخ أسس العلاقات القائمة بينهما.
ومع ذلك، فإن هذه العلاقة الآخذة بالنمو لم ترق إلى مستوى التحالف العسكري، فلا أحد من الطرفين يريد الانجرار إلى الصراع الإقليمي الذي يخوضه الآخر، بل إن كلاهما ما برح يؤكد على أن صلات التعاون العسكري القائمة بين الطرفين لا تستهدف أي طرف ثالث، ولا يُراد لها غير تعزيز القدرات الوطنية للدفاع عن النفس، وتوطيد الاستقرار. وقد يكون ذلك صحيحا، لأن إسرائيل لم تُرد لنفسها أن تعد خصما لباكستان ،كما أظهرت حرصا كبيرا على سلامة علاقاتها مع الصين.
وقد لوحظ من خلال القرارات التي صوتت عليها الهند في منظمة الأمم المتحدة أنها كانت مؤيدة بداية للحقوق والقضايا الفلسطينية، حيث إن الهند وقفت لصالح كافة القرارات التي ترفض تقسيم فلسطين، وتطالب بالاعتراف بالشعب الفلسطيني، وأن الاحتلال شكل من أشكال العنصرية، ومرورا بالتأكيد على ضرورة الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة، والمطالبة بحق الفلسطينيين في إقامة دولة لهم ذات سيادة على أرضهم، مع عودة الذين تم تهجيرهم وانتهاء بالاعتراف بفلسطين كدولة لها أعلى مستوى دبلوماسي في الهند.
لكن المشهد الدولي المصبوغ بالمصالح الاقتصادية بين الدول، والذي كان للهند قسط من التداخل فيه والتأثر به، أدى بسياستها الخارجية إلى التركيز على المصلحة الوطنية كنهج متبع مع الدول الأخرى، وبالتالي كان توجهها نحو إسرائيل لربط علاقة وثيقة معها مهتديا بهذا النهج، في حين تباعدت علاقتها إلى حد ما مع العرب، وفتر حماسها وتأييدها للقضية الفلسطينية، بسبب تضاؤل العامل الأيديولوجي الذي كان (الملهم) للعلاقة بين الطرفين، لفترة طالت أكثر من أربعة عقود.
وأكدت الدراسة أن:
على العرب والفلسطينيين إدراك خطورة العلاقات الهندية ـ الإسرائيلية التي وصلت نقطة اللاعودة في نموها، وتنوع مجالاتها، وخاصة في المجالات الأمنية والعسكرية والتكنولوجية وصناعة السلاح، فإسرائيل هي المورد الثاني للسلاح للهند منذ عام 1998، في الوقت الذي ليس للعرب فيه بديل يقدمونه في هذا الصدد.