مستقبل الحركة القومية العربية

أصبحت الحركة القومية العربية المعاصرة أكثر استفادة من تجارب الماضي، وأكثر تحررا من الأخطاء والشوائب، وأكثر استيعاباً لمنظومة التواصل والتكامل والتراكم








بقلم: معن بشور



المستقبل المرهون
تيار يجمع الكل
تحديات تفرض التكتل


المستقبل المرهون


مستقبل الحركة القومية العربية في بلادنا مرهون بأمور أربعة:






ليست الحركة القومية مجرد مؤشر على ما يجمع الأمة بل هي أيضا كاشف لتمايزات وفروق وتنوع داخل الأمة وناظم لعلاقات ديمقراطية حضارية بينها
أول هذه الأمور هو التعريف الذي نعطيه لهذه الحركة القومية العربية، هل هي حركة إيديولوجية أخرى من ضمن الحركة العقائدية القائمة في المنطقة تتنافس معها وتتخاصم، تتناحر معها وتتحارب، أم هي حركة جامعة تركز على هوية الأمة وتحمل مشروع نهوضها الحضاري الذي تتلاقى على حمله كل تيارات الأمة الفاعلة.


وثاني هذه الأمور هو القدرة على تحرير هذه الحركة القومية من جملة مصطلحات علقت بها من خارج زمانها والمكان، فألقت عليها شبهة العنصرية الشوفينية، وربطتها بحال الاستبداد وممارسات القمع، وسمحت بان يجرها البعض إلى معارك خارج معركتها الكبرى في التحرر والوحدة، وخارج الصدام الرئيسي الذي أعدت نفسها له وهو الصدام مع قوى الهيمنة والاحتلال والتجزئة والتفتيت.



وثالث هذه الأمور هو نجاح هذه الحركة في استنباط الإستراتيجيات والوسائل والآليات والأدوات القادرة على حشد أوسع الطاقات، وجمع أعرض التيارات والقطاعات الشعبية، والاستفادة من تراث الأمة في التنظيم والتعبئة كما في رسوخها داخل هذا التراث الروحي والحضاري.



ورابع هذه الأمور هو التلازم بين دور الحركة القومية العربية في التركيز على التكامل بين أقطار الأمة وأجيالها ومكوناتها المخترقة وبين قدرتها على فهم خصوصية كل مكون من مكونها، وكل قطر من أقطارها، بل كل جيل من أجيالها، فلا تكون الحركة القومية مجرد مؤشر على ما يجمع الأمة بل تكون أيضا كاشفاً لتمايزات وفروق وتنوع داخل الأمة وناظماً لعلاقات ديمقراطية حضارية بينها.



تيار يجمع الكل





نجحت معظم قوى النهوض العربي في أن تخطو خطوات واسعة على طريق نقد التجربة المريرة الماضية التي حكمت العلاقات فيما بينها واستخرجت من مراجعتها هذه مجموعة عبر ونتائج يمكن تلخيصها برفض الإقصاء والاستبداد والتمسك بالديمقراطية
وفي هذا الإطار، نستطيع أن نقول إن الحركة القومية العربية المعاصرة التي نريدها حركة جامعة لكل تيارات الأمة الرئيسية: الإسلامية واليسارية العروبية والليبرالية الوطنية والقومية الكلاسيكية، قد قطعت خطوات على طريق تحقيق الأمور – الشروط الضرورية لكي تكون الحركة القومية العربية حركة للمستقبل العربي.


فلقد نجحت أولا حركة المؤتمرات العربية الثلاثة القومي العربي، والقومي/ الإسلامي، والأحزاب العربية، ومعها ملتقى الحوار الثوري العربي ومؤتمر القوى الشعبية، والاتحادات المهنية والنقابية والجمعيات العربية المتخصصة، ومخيمات الشباب القومي العربي، وملتقيات كبرى كملتقى القدس في إسطنبول، وملتقى حق العودة في دمشق، ومنتدى بيروت العالمي، ومؤتمر القاهرة الدولي للتضامن مع العراق وفلسطين، في إنشاء آليات حوار وتركيز رابطة جامعة بين تيارات الأمة على قاعدة مشروع نهضوي حضاري انطلق كمشروع استشراف مستقبل كبير قام به مركز دراسات الوحدة العربية في أواسط الثمانينات ليستمر آليات عمل وحوار في كل اتجاه، وفي كل مجال.



كما نجحت معظم قوى النهوض العربي ثانياً في أن تخطو خطوات واسعة على طريق نقد التجربة المريرة الماضية التي حكمت العلاقات فيما بينها، وبينها وبين أبناء أمتها، واستخرجت من مراجعتها هذه مجموعة عبر ونتائج يمكن تلخيصها برفض الإقصاء والاستبداد والتمسك بالديمقراطية، رفض الاحتلال والهيمنة والتمسك بالاستقلال والتحرير، رفض التجزئة والتفتيت والتمسك بالوحدة والتضامن، رفض الاحتكار والاستغلال والتمسك بالعدل والكفاية، رفض التخلف والتبعية والتمسك بطريق التنمية المستقلة، رفض التنكر لتراث الأمة وحاضنها الروحي والتمسك بالتجدد الحضاري.



وعلى مستوى الشرط الثالث، فلقد نجحت الحركة القومية المعاصرة في أن تطلق مبادرات للعمل في كل اتجاه، فكانت مراكز دراسات وأبحاث ومنتديات على المستوى الفكري والثقافي، ومجموعة منابر إعلامية مرئية ومسموعة ومكتوبة ومواقع الكترونية على المستوى الإعلامي، ومجموعة مؤتمرات وملتقيات وهيئات جامعة على المستوى السياسي، ومجموعة أنشطة ومبادرات على المستويات الشبابية والنسائية والطلابية، حيث نجحنا في تحقيق شبكة تواصل بين أقطار وأجيال وتيارات نجحت في ردم هوة كبيرة ساهم أعداء الأمة في حفرها على مدى قرون، كما نجحت هذه الحركة في رسم استراتيجيات لها تحدد أولويات للأمة لا سيما في مجال مقاومة الاحتلال، فأسهمت إسهاما باهراً في ربط مشروع المقاومة بآفاقه العربية، وفي جذب أبناء الأمة إلى التعلق بمقاومتهم في كل الأمكنة والأزمنة رافضة التمييز بين مقاومة وأخرى.



أما الأمر الرابع فقد تجلى بوضوح في حرص المشروع النهضوي الحضاري العربي على أن يدرك التوازن الدقيق بين العالمي والقومي، وبين القومي والقطري، وبين القطري وبين ما دون القطري من مكونات، فلا تصح قوميتك إذا أنكرت على الآخرين مشاعرهم وحقوقهم القومية، ولا يصح معتقدك الديني إذا أنكرت على حملة الرسالات الأخرى معتقداتهم، ولا تصح ديمقراطيتك إذا أنكرت على غيرك حقه الديمقراطي الكامل.


تحديات تفرض التكتل



وختاماً، فالحركة القومية العربية تتقدم بالاتجاه الصحيح، خصوصاً أن تحديات المرحلة من احتلال وعدوان ومشاريع شرق أوسطية تستهدف هوية المنطقة واستقلالها ووجودها تؤكد على أهميتها كحركة لمجابهة لهذه التحديات، كما أن تحديات العصر تؤكد على الحاجة إلى تكتلات كبرى فكيف بأمتنا التي تجتمع في تكتلها وحدة المصالح والعقيدة والثقافة واللغة والمصير، وكذلك فان حركة المقاومة، بكل مستوياتها، يشتد ساعدها، وتتوسع ساحاتها، وهي حركة وطنية وقومية وإنسانية بامتياز وهي طريق العرب إلى مواجهة القوى الساعية إلى تمزيق وحدتهم.



في بداية القرن العشرين جاءت معاهدة سايكس بيكو لتمزق الأمة إلى كيانات، والكيانات إلى دويلات، فانطلقت حركة قومية استقلالية تواجه الاستعمار والتجزئة معاً، ولكن الحركة الوليدة كانت ذات تجربة ضعيفة فلم تصب الهدف تماماًَ وفي كل الأحوال .



أما الآن فالأمر مختلف، فالحركة القومية العربية المعاصرة أكثر استفادة من تجارب الماضي، وأكثر تحررا من الأخطاء والشوائب، وأكثر استيعاباً لمنظومة التواصل والتكامل والتراكم وهي منظومة بات ضرورية لكل نهوض عربي مستقبلي.
_______________
سياسي وكاتب لبناني