موقع المياه في الصراع العربي الإسرائيلي من منظور مستقبلي

يهتم هذا الكتاب بقضية شائكة وهي إحدى أعمدة الصراع العربي الإسرائيلي أي الصراع على المياه على مدى سنوات طويلة، ويصل إلى عدد من النتائج الكفيلة بتوضيح الرؤية لأخطر القضايا التي يعتقد الكثيرون أنها ستقود إلى الحروب في المرحلة القادمة
b7b925aff8314eee94c025a7b16bc87c_18.jpg
موقع المياه في الصراع العربي الإسرائيلي من منظور مستقبلي (الجزيرة)

صدر حديثا عن مركز الجزيرة للدراسات كتاب "موقع المياه في الصراع العربي الإسرائيلي من منظور مستقبلي" للكاتب الفلسطيني حسام شحادة. والكتاب الذي يأتي ضمن سلسلة أوراق الجزيرة يهتم بقضية شائكة ومعقدة ولكنها أيضا إحدى أعمدة الصراع العربي الإسرائيلي منذ قيام هذا الكيان في قلب الأمة العربية. ويحاول الكاتب اعتمادا على واقع المنطقة، وفصول الصراع على المياه بين إسرائيل والدول العربية على مدى سنوات طويلة، الوصول إلى عدد من النتائج التي يعتقد أنها كفيلة بتوضيح الرؤية لأخطر القضايا التي يعتقد الكثيرون أنها ستقود إلى الحروب في المرحلة القادمة، هذا فضلا عن فضح المطامع الإسرائيلية في المياه العربية.

محمد فوراتي 

المياه ومفهوم السيطرة الإسرائيلي
حجم التحديات
الأطماع في المياه العربية
التسوية السياسية وسراب الحلول
منظور مستقبلي

المياه جزء من مفهوم السيطرة الإسرائيلي

"
الأمن الغذائي العربي مهدد برمته، لأن المياه وحدها تؤمن الغذاء، والدول العربية الآن تستورد ما يقارب 40% من مجمل ما يستورده العالم الثالث من المنتجات الغذائية

"

لم تكن المياه موضوع صراع بالشكل الذي أصبحت عليه بعد قيام دولة إسرائيل سنة 1948. ومنذ ذلك التاريخ أصبحت السيطرة على منابع الماء، والبحث عن موارد مائية جديدة الشغل الشاغل للساسة الإسرائيليين. يقول الكاتب في تقديمه: موضوع المياه تحول إلى قضية ساخنة ومركزية في التنمية والسياسيات، وفي الصراع العربي/ الإسرائيلي، حيث يشكل الماء محور الجغرافيا السياسية في كل مرحلة من مراحل التاريخ في المنطقة. ويضيف: والأطماع الإسرائيلية في المياه العربية بشكل عام والمياه الفلسطينية بشكل خاص، هي جزء من مفهوم إسرائيلي متكامل لسياسة السيطرة على الموارد. وانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة في الجولان وما تبقى من جنوب لبنان وأراضي الضفة الغربية، إنما يعني لها التخلي عن "غنائم الحرب".

فالمياه تشكل أحد أهم عناصر الإستراتيجية ( السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية). فخلال المفاوضات عام 1999، أوصى مجلس الأمن القومي الإسرائيلي رئيس الحكومة آنذاك أيهود باراك برفض "توزيع المياه مع الفلسطينيين في ظل التسوية الدائمة والموافقة فقط على إدارة مشتركة لمصادر المياه في الضفة الغربية في نهاية مرحلة انتقالية طويلة تسيطر خلالها إسرائيل على مصادر المياه الجوفية الرئيسية في السفوح الغربية من السلسة الجبلية في الضفة الغربية".

وبسبب هذه السياسة الإستراتيجية التي تنطلق من مسلمات أبرزها التمسك ببقاء السيادة الإسرائيلية على مصادر المياه في المنطقة، يتوقع الكاتب أن المستقبل يخبئ في طياته مفاجآت في علاقة بهذا الملف، فالأمن الغذائي العربي مهدد برمته، لأن المياه وحدها تؤمن الغذاء، والدول العربية الآن تستورد ما يقارب 40% من مجمل ما يستورده العالم الثالث من المنتجات الغذائية.

ومن غير المستبعد أن يشكل الأمن المائي العربي أحد أهم أسباب التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة، خلال المرحلة المقبلة، خاصة في ظل الندرة النسبية للموارد المائية المتاحة والانخفاض العام في كميات الأمطار ونضوب المخزون المائي الجوفي.

حجم التحديات

"
بسبب حاجة إسرائيل المتزايدة للماء فإن المتضرر الأكبر هم سكان الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث تسعى إسرائيل إلى مزيد إحكام قبضتها على مصادر المياه واستغلالها الاستغلال الأمثل

"

ومن خلال سبعة فصول يسعى الكاتب في هذه الدراسة بالأرقام والمعطيات المتوفرة إلى التعمق في إشكالية صراع المياه العربي الإسرائيلي، مبينا حجم التحديات التي تواجه المنطقة العربية، ومشخصا أبعادها المختلفة، ومشيرا إلى بعض الحلول التي تحتاج إلى إرادة عربية موحدة.

الموارد المائية المتاحة
رغم صعوبة الحصول على البيانات الإحصائية، بسبب ندرة المعلومات الإحصائية العربية، ومكر الإحصاءات الصهيونية، فقد حاول الكاتب مسح مصادر المياه في فلسطين التاريخية، وهي أساسا: الأمطار، والعيون، والينابيع، والأنهار، والمياه الجوفية، ونهر الأردن، وبحيرة طبريا. كما عاد الباحث إلى المصادر الإسرائيلية وخاصة وزارة الزراعة للحصول على تقديرها لكميات المياه المتوفرة في الأراضي المحتلة. ويلاحظ في الأخير وحسب تقديرات دائرة المعارف الإسرائيلية، أن كمية المياه المتاحة للأراضي الفلسطينية المحتلة قد هبطت في عشر سنوات من حوالي 3000 مليون متر مكعب عام 1967، إلى 1565 مليون متر مكعب فقط عام 1967. كما تشير الأرقام إلى أن إسرائيل تحصل من خارج فلسطين المحتلة عام 1948، على 48% من إجمالي استهلاكها المائي من جبل الشيخ ولبنان، و25 % من الضفة الغربية، و15 % من قطاع غزة.

الأطماع في مياه فلسطين
يؤكد الباحث أن الأطماع في مياه فلسطين قديمة، وتعود إلى 1839 تاريخ افتتاح بريطانيا قنصليتها في القدس، وبداية دعم الهجرات اليهودية من أوروبا إلى فلسطين. ومنذ ذلك الوقت لم تتوقف المحاولات الدراسات والاستكشافات الهادفة إلى السيطرة على مصادر المياه في المنطقة، لتلبية حاجات الاستيطان الزراعي الضروري لإنشاء الكيان الصهيوني. وقد "شكلت قضية المياه مركبا أساسيا في تصورات القادة الصهاينة لحدود الدولة اليهودية التي سعوا لإقامتها على أرض فلسطين، حيث أرادوها أن تتمتع بمقومات الدولة القادرة على الاكتفاء الذاتي الاقتصادي، لتضم حدودها الأرض الواسعة ومصادر المياه الضرورية للزراعة والصناعة". وبذلك يكون الكيان الجديد قد أدرك منذ البداية أهمية المياه لنجاح مشروعه، فسعى إلى إعداد الدراسات والخطط الكفيلة بالسيطرة على مصادرها. يقول الكاتب: تلخصت المخططات الصهيونية على صعيد الموارد المائية المتوفرة في توسيع حدود الدولة بحيث تشمل الأراضي الواقعة إلى الشمال والشمال الشرقي من فلسطين، وصولا إلى منابع الأردن ونهر الليطاني وجبل حرمون (جبل الشيخ) واليرموك وروافده. وقد كتب بن غوريون مقالا سنة 1918 عبر فيه عن تصوره لحدود الدولة الصهيونية فيقول: "..تضم النقب برمته، ويهودا والسامرة (الضفة الغربية) والجليل وسنجق حوران وسنجق الكرك (معان والعقبة) وجزءا من سنجق دمشق، والذي يضم أقضية القنيطرة، ووادي عنجر حاصبيا في لبنان". وبسبب هذه الأطماع الصهيونية الصريحة انطلقت المشاريع العملية لسرقة المياه العربية واستغلالها في تركيز الكيان الجديد. وقد شملت هذه المشاريع كل مصادر المياه المعروفة في المنطقة، فتم بناء السدود، وتحويل مياه نهر الحاصباني، ومياه نهر اليرموك، واستغلال مياه حوض نهر الأردن للمصالح الإسرائيلية. كما تم استغلال مياه الينابيع المحلية وسيول الوديان غرب الأردن ابتداء من أبو سدرة حتى غور أريحا، بالإضافة إلى عشرات المشاريع الأخرى والتي كان بعضها بإيعاز من مجلس الأمن، والتي انتهى اغلبها لصالح إسرائيل.

في الفصل الثالث يبين الكاتب بالأرقام الخطّ البياني لتوسع استهلاك المياه من قبل إسرائيل وذلك بداية من سنة 1948. وعلى سبيل المثال قدرت كمية المياه المستهلكة في فلسطين المحتلة عام 1948 بحوالي 230 مليون متر مكعب، وقد ارتفعت هذه النسبة إلى مليار و750 مليون متر مكعب سنة 1990، وفي عام 1994 وصل الاستهلاك إلى 2 مليار متر3، وفي عام 2000 وصل الاستهلاك إلى 2100 مليون متر3، وفي عام 2006 قدر الاستهلاك ب2200 مليون متر3.

ويبلغ نصيب الفرد الإسرائيلي السنوي من المياه ما بين 440 إلى 573 م3 (بين سنتي 75-83) مقابل 142 م3 للفرد في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. وتكشف الإحصائيات المختلفة أن إسرائيل ومنذ عام 1980 تستهلك ما يعادل 95% من الموارد المائية المتاحة، وهو مؤشر خطير يؤسس لحجم الأطماع الإسرائيلية المستقبلية في المياه الفلسطينية والعربية. ويتزايد حجم استهلاك الماء من سنة إلى أخرى بسبب حاجات الصناعة والاستهلاك المنزلي التي تكبر بوتيرة عالية بسبب التطور الصناعي وزيادة عدد المهاجرين والمستوطنات، مما سيؤدي حتما إلى تناقص الموارد المائية المتاحة للأراضي الفلسطينية إلى معدل 30% عما هو مطلوب، وتفكير إسرائيل في البحث عن مصادر جديدة للمياه.

يؤكد حسام شحادة انه استنادا إلى متوسط استهلاك الفرد السنوي من المياه في إسرائيل والبالغ 500 متر مكعب سنويا لكافة الأغراض حسب إحصاءات عام 1995، فإن كمية المياه المستهلكة تقارب 3 مليار متر مكعب في عام 1999 على أساس أن عدد السكان 6 ملايين نسمة، وبعد موجة الهجرة من الاتحاد السوفيتي السابق والزيادة السكانية، فإن استهلاك إسرائيل السنوي من المياه اليوم يتجاوز 3.5 مليار متر مكعب. وتشير بعض الدراسات إلى أن إسرائيل في حالة من العجز المائي، ون هذا العجز قدر عام 2000 ب 800 مليون متر مكعب، لهذا ستعمل إسرائيل بكل الوسائل المتاحة لاستغلال مياه نهر الأردن، وستُبقي مياه الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 تحت سيطرتها، وستعمل على سرقة المياه اللبنانية، تماما مثلما تتمسك في المفاوضات بأن تبتعد سوريا عن خطّ ماء نهر الأردن وبحيرة طبريا.

وبسبب حاجة إسرائيل المتزايدة للماء فإن المتضرر الأكبر هم سكان الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث تسعى إسرائيل إلى مزيد إحكام قبضتها على مصادر المياه واستغلالها الاستغلال الأمثل، وهو ما تتناوله الدراسة بكثير من التفصيل في الفصل الرابع.

فبالإضافة إلى إقامة الكثير من المستعمرات فوق أماكن غنية بالمياه، واعتماد هذه المستعمرات على المياه الفلسطينية، فقد عمدت السلطات الإسرائيلية إلى إصدار العديد من الأوامر العسكرية والقوانين التي تؤكد في مجملها على تصرف إسرائيل المطلق في المياه الفلسطينية. كما عمدت سلطات الاحتلال إلى بذل كل الجهود الممكنة لسرقة المياه الفلسطينية عبر حفر الآبار، وإقامة السدود الصغيرة لحجز المياه السطحية للأودية ومنعها من الوصول إلى الأراضي الفلسطينية، بالإضافة إلى نقل المياه ذات الجودة العالية من المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية إلى المدن الإسرائيلية، وغيرها من الأساليب.

الأطماع في المياه العربية

"
تمتد الأطماع الإسرائيلية التي ليس لها حدود إلى نهر النيل ونهر الفرات، وتسعى من خلال علاقاتها مع أثيوبيا ودول افريقية أخرى إلى جانب تركيا إلى فتح قنوات تعاون وإقامة مشاريع تمكنها من الحصول على المزيد من مياه المنطقة

"

لم تقف الأطماع الصهيونية عند حدود المياه الفلسطينية بل تجاوزتها إلى الدول العربية المجاورة، فمنذ قيام هذا الكيان انصب اهتمامه على مياه نهر الأردن، فتوالت المشاريع لاستغلال مياهه، ومع بداية الخمسينات من القرن السابق وظهور الأطماع العلنية الإسرائيلية في مياه نهر الأردن ظهرت المشاريع المختلفة حول توزيع مياهه، ومنها مشروع "جونسون"، ومشروع "كوتن" واللذان شملا أيضا مياه نهر الليطاني.

ويقول الكاتب حسام شحادة أن تطبيع العلاقات بين المملكة الأردنية وإسرائيل، لم يسهم في حماية وتأمين حصة الأردن من المياه حسب بنود الاتفاقية الموقعة. وذهب الأمر بدولة إسرائيل إلى حدّ حفر آبار جديدة في الأراضي الأردنية داخل وادي عربة، للحصول على 10 مليون م3 من المياه من أجل ري الأراضي الزراعية.

وتستفيد إسرائيل من طاقة مائية كبيرة من خلالها احتلالها للجولان، والذي تعادل مساحته 1% من مساحة سوريا الإجمالي، ويتمتع بمردود مائي يعادل 3% من المياه التي تسقط فوق سوريا، و14 % من المخزون المائي السوري. وقد سعت إسرائيل مع توسع مستوطناتها في الجولان إلى إقامة المشاريع المائية، والتي ازدادت خاصة بعد قوانين الضم رسميا بتاريخ 14 ديسمبركانون الأول 1981.

أما الأطماع الإسرائيلية في المياه اللبنانية فهي قديمة جدا، وقد عمدت الحكومة الإسرائيلية إلى تنفيذ مشاريعها للسيطرة على المياه اللبنانية من خلال تعطيل أي مشروع لبناني يرمي إلى الاستفادة من هذه المياه، أو من خلال الاستيلاء بالتقسيط عليها.

وقد أطنب المؤلف في تتبع المسار التاريخي لسرقة المياه اللبنانية. ويكفي القول أن إسرائيل وبعد انسحابها من جنوب لبنان عام 2000، تستولي سنويا على حوالي (250 إلى 350 ) مليون متر مكعب من المياه. ويؤكد الباحث اللبناني الدكتور طارق المجذوب في دراسة أعدها لوزارة الإعلام أن الرقم الإجمالي للمياه السطحية والجوفية التي تستولي عليها إسرائيل من الأراضي اللبنانية يمكن أن تصل إلى 429 متر مكعب سنويا.

وتستغل إسرائيل حاليا، وبصورة كاملة، مياه الحاصباني، والوزاني، وبمعدل يتجاوز في معظم الأحيان مقدار 145 مليون متر مكعب سنويا.

وتمتد الأطماع الإسرائيلية التي ليس لها حدود إلى نهر النيل ونهر الفرات، وتسعى من خلال علاقاتها مع أثيوبيا ودول افريقية أخرى إلى جانب تركيا إلى فتح قنوات تعاون وإقامة مشاريع تمكنها من الحصول على المزيد من مياه المنطقة.

التسوية السياسية وسراب الحلول

ورغم انطلاق المفاوضات بين عدة دول عربية وإسرائيل برعاية دولية، فإن مشكلة المياه مازالت هي الشغل الشاغل للمسؤولين الإسرائيليين. وتؤكد مجمل التصريحات لقادة الكيان الصهيوني أن موضوع المياه سيكون من أصعب الموضوعات على جميع مسارات التفاوض، بل يعد أحد الخطوط الحمراء في أية مفاوضات، حتى أن إسرائيل اشترطت على واشنطن خلال التوقيع على اتفاق شراكة بينهما ضمان توفير المياه لإسرائيل. وقد تم تداول عدة مشاريع تضمن لهذه الدولة الحصول على مياهها، ويكون مصدرها حصة سوريا من نهر دجلة، ومياه مصر من نهر النيل، وكذلك من تحلية مياه البحر، بتمويل أوروبي وأمريكي.

ويقول الكاتب حسام شحادة أن إسرائيل لن تعول على مثل هذه المشاريع، وان الإسرائيليين يصرون على الاستيلاء على مصادر المياه العربية، وحتى لو وقعوا اتفاقا مع أي دولة عربية، فسوف يخرقونه إذا أحسوا بخطر مائي يتهددهم كالجفاف الحالي، وهذا ما فعلوه مع الأردن ثم عادوا للالتزام بالاتفاق بعدما تحسن الوضع المائي.

ويضيف: إن التفاؤل لدى البعض في إمكانية تحقيق تسوية سياسية للصراع العربي الإسرائيلي سوف يتهاوى إذا ما أخذت المسائل المائية بعين الاعتبار فالأطماع الإسرائيلية بالمياه العربية ستبقى مؤججا للصراع في المستقبل.

 

منظور مستقبلي

"
تعيش المنطقة العربية أزمة مائية وقلق حقيقي على المستقبل خاصة مع ازدياد عدد السكان، ونضوب بعض المصادر، وإمكانية دخول بعض الموارد المائية الأخرى ضمن المصالح السياسية المتقلبة في المنطقة

"

يعتقد الكاتب أن رهان الدول العربية على المعالجات الدبلوماسية للنزاع المائي، لن يكون كافيا للوصول إلى تقاسم منصف للموارد المائية المتضائلة في المنطقة. ويرى أن جدلية النزاع من أجل المياه، تكمن في طبيعة الوضع الجيو- سياسي للوطن العربي ويمكن رد الأسباب والدوافع التي تكمن وراء نشوب النزاعات بشأن المياه، واحتمالات تحولها إلى صراع مسلح، إلى ثلاث أسباب رئيسية هي: وقوع أهم منابع المياه خارج الأرض العربية، وتناقص النصيب النسبي للدول العربية من المياه، والاعتداء المباشر بالقول والفعل من قبل الكيان الصهيوني على الحقوق العربية المائية.

وتعيش المنطقة العربية أزمة مائية وقلق حقيقي على المستقبل خاصة مع ازدياد عدد السكان، ونضوب بعض المصادر، وإمكانية دخول بعض الموارد المائية الأخرى ضمن المصالح السياسية المتقلبة في المنطقة. ويقول الكاتب أن الأزمة تشمل مختلف الدول العربية وخاصة فلسطين والأردن ولبنان وسوريا ومصر.

ورغم أن شحادة سمى فصله الأخير "منظور مستقبلي للصراعات المائية" فإنه لم يعطي هذا الجانب حقه، وأطنب كثيرا في الإحصائيات والأرقام والجداول مما يمكن أن يرهق القارئ، برغم أن الدراسة صغيرة الحجم، كما أغفل بصورة كاملة الاستعانة بالخرائط التي توضح مجرى الأنهار والوديان وبقية مصادر الثروة المائية. وتجاهل جانبا مهما في القضية، وهو وجهة نظر بعض الدراسات التي نشرت أو تمثل موقف بعض الحكومات العربية وخططها للتعامل مع المستقبل المائي الملغوم.

وقد اكتفى الكاتب في إشارات سريعة بالخاتمة طالب فيها بوضع استراتيجية عربية شاملة لتحقيق الأمن الغذائي المائي العربي، وتحقيق تكامل عربي في مواجهة القضايا المتعلقة بالأمن المائي، وتبني دعوة الجامعة العربية لعقد قمة مائية، والمواجهة الجماعية للأطماع والسياسات التي تهدف إلى سلب العرب حقوقهم في المياه أو سرقة ثروتهم المائية، وتشجيع المستثمرين العرب على زيادة استثماراتهم في مجال مشروعات المياه وخاصة في مجال تحلية مياه البحر، والاعتماد على الطاقة الشمسية في تحلية المياه، وغير ذلك من الإشارات المهمة والتي تحتاج إلى توسع وتحليل.

وتبقى الدراسة ثرية بما حملته من قراءة مسحية للوطن العربي، وقاعدته المائية، والمسار التحليلي والتاريخي للصراع العربي الإسرائيلي على الثروة المائية، وآفاقه المستقبلية، وهو ما يمثل مرجعية مهمة ولا غنى عنها للباحثين والجهات المهتمة بقضية الأمن المائي العربي.
_______________
كاتب وصحفي تونسي

ويمكن قراءة الكتاب أو تحميله من خلال (الرابط التالي)

نبذة عن الكاتب