المجتمع المدني بليبيا وموريتانيا: صراع القبيلة والدولة (الجزء الثالث)

ملخص للنظام
يتناول الباحث بوحنية قوي في هذا الجزء الثالث من دراسته لأوضاع المجتمع المدني المغربي الحالتين الليبية والموريتانية راصدا ومحللا التركيبة والفاعلية والسياق فضلا عن الميكانيزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تؤطر المجتمع المدني في هاتين الدولتين.
20144237581346734_20.jpg
[الجزيرة]
ملخص

في ليبيا وموريتانيا زحف قوي لعناصر "البَدْونة" على جميع مقومات الحياة السياسية، وبدلاً من أن يقع تمدين وتطوير القبيلة بروح المواطنة وقع العكس؛ إذ افترست القبلية بشرائحها كل مقومات السلطة وعناصر الدولة، وسحقت المجتمع المدني الفتي، فجعلته رقمًا دون فاعلية!
في ليبيا مجتمع غني بتركيبته الديمغرافية والسوسيوثقافية لكن هذا المجتمع الغني والثري لم يواكبه مجتمع مدني فاعل ومؤثر؛ فالقبيلة في ليبيا تزحف على المعترك السياسي فتجعله أرضًا قاحلةً، وقد تم توظيفها سياسيًا في مرحلة حكم العقيد القذافي الذي عمل على تصحير "الحياة السياسية"، وحقنها بأيديولوجيا "رمادية" ترفض كل لون سياسي بدعوى "من تحزّب خان". أما في موريتانيا فهناك مجتمع مدني يحاول أن يتجاوز المجتمع الأهلي والأعراف ومنطق الشرائح المتشظية "بين عرب وزنوج وعبيد سابقين وغيرها من الأطراف المحسوبة على شرائح معينة" في تلون غريب تطبعه ثقافة الشرف والهيبة والهيمنة، إنه مجتمع يصعب التعامل معه بسطحية وسذاجة علمية. الأحزاب والجمعيات الموريتانية تحاول أن تتصالح مع نفسها ومع ماضيها، لكنها تقاوم وتغالب التصالح مع قيم التحديث والتمدن.

نقاط منهجية مهمة للفهم

  • في ليبيا مجتمع غني بتركيبته الديمغرافية والسوسيوثقافية لكن هذا المجتمع الغني والثري لم يواكبه مجتمع مدني فاعل ومؤثر؛ فالقبيلة في ليبيا تزحف على المعترك السياسي فتجعله أرضًا قاحلةً، وهذه القبيلة التي يتجاوز عدد أفرعها "150 قبيلة" تم توظيفها سياسيًا في ليبيا خصوصًا في مرحلة حكم العقيد القذافي الذي عمل على تصحير "الحياة السياسية"، وحقنها بأيديولوجيا "رمادية" ترفض كل لون سياسي بدعوى "من تحزّب خان"، و"الحزبية إجهاض للديمقراطية"، والتمثيل السياسي تدجيل"، وغيرها من الأذرع السياسية الأيديولوجية المقيتة. لكن للأسف الشديد وقعت الثورة الليبية الجديدة لسنة (2011) أسيرة لقبضة القبيلة التي أحكمت خناقها على العمل السياسي والبرلماني والجمعياتي؛ فدخل الجميع في "حرب ضد الكل"، وأصبح الخوف مهيمنًا على الجميع لأننا أمام حالة يتم فيها إسقاط "الدولة" وليس "السلطة"؛ لذلك يتعين على المجتمع المدني الليبي الوليد مهام جسام تتمثل في محاربة "تسييس" (Politisation) العمل السياسي، والقضاء على ثقافة الاقتتال والتناحر وترقية المجتمع المدني في مجال محاربة الفساد وتعزيز الشفافية. ففي ليبيا يبلغ عدد السكان 6.155.000 نسمة بنسبة فقر تجاوزت 37%، وقد تجاوز عدد القتلى من ضحايا المجازر والإرهاب والثورة إلى اللحظة الراهنة أكثر من 1400 قتيل حسب بعض المصادر المطلعة، وهي حاليًا ضمن أسوأ خمس دول في ترتيب مدركات الفساد إذ احتلت المرتبة 172 ضمن 177 دولة لسنة 2013 حسب تقرير منظمة الشفافية الدولية.
  • في الحالة الموريتانية مجتمع مترامي الأطراف يبحث عن هوية سياسية واجتماعية لأن الحاضنة الاجتماعية للأسف فاقدة للبوصلة سياسيًا وثقافيًا واجتماعيًا؛ فموريتانيا "الدولة" أكبر من "موريتانيا السلطة" وأكبر من "موريتانيا الشعب".

    في موريتانيا مجتمع مدني يحاول أن يتجاوز المجتمع الأهلي والأعراف ومنطق الشرائح المتشظية "بين عرب وزنوج وعبيد سابقين وغيرها من الأطراف المحسوبة على شرائح معينة" في تلون غريب تطبعه ثقافة الشرف والهيبة والهيمنة، إنه مجتمع يصعب التعامل معه بسطحية وسذاجة علمية. في موريتانيا الأحزاب والجمعيات تحاول أن تتصالح مع نفسها ومع ماضيها، لكنها تقاوم وتغالب التصالح مع قيم التحديث والتمدن، وإلا كيف نفسر انتشار أكثر من "5000 منظمة غير حكومية" وأكثر من "70 حزبًا"، ورغم ذلك لا يزال التاريخ السياسي المعاصر لموريتانيا يمشي "الهوينا" ويعاني التعثر والاستعصاء الديمقراطي، ويسير بمنطق الإصلاح السياسي عن طريق الانقلابات غير الدموية! إن الخوف أكبر على موريتانيا ومن موريتانيا لكونها للأسف خزانًا لكل عناصر ومقومات الفشل الدولتي (ففي موريتانيا يبلغ السكان 3.796.000 نسمة منهم 46% يعيشون في فقر مدقع، وأكثر من 60% نسبة أمية؛ وهي أعلى نسبة أمية في الوطن العربي).

    وقد احتلت موريتانيا 2013 الترتيب 119 من أصل 177 على مؤشر مدركات الفساد مما يجعلها في الدائرة الحمراء باعتبارها من أكثر الدول فسادًا.

  • في موريتانيا وليبيا زحف قوي لعناصر البَدْونة ( Nomadisatiion) على جميع مقومات الحياة السياسية، وبدلاً من أن يقع تمدين وتطوير القبيلة بروح المواطنة وقع العكس؛ إذ افترست القبلية بشرائحها كل مقومات السلطة وعناصر الدولة، وسحقت المجتمع المدني الفتي، فجعلته رقمًا دون فاعلية!

الحالة الليبية

حتى أواخر القرن التاسع عشر وتحديدًا مع ما يسمى في التحقيب التاريخي الليبي بالعهد العثماني الثاني 1835-1911، عاش الكيان الليبي عدة قرون من ظلام المعرفة الدامس لم يعرف فيها نور العلم والثقافة طريقه إلى عقول أبنائه باستثناء شذرات بسيطة لا تُذكر من التعليم الديني -المرتكز في الأساس في الكتاتيب التابعة للمساجد والزوايا التي قامت بالجهود الشعبية في إطار التبرع أو الأوقاف- بتحفيظ القرآن الكريم وتحفيظ وتعليم القراءة والكتابة وبعض العلوم الفقهية البسيطة. ويصف الرحالة "الحشايشي"، الذي مرّ على مدينة طرابلس في منتصف القرن التاسع عشر، واقع العلوم والمعرفة في البلاد آنذاك "أما العلوم والمعرفة العصرية فلا توجد عندهم، بل لا يشمون لها رائحة، كما لا يوجد عندهم علماء أعلام من فقهاء الإسلام". (1)

في سنتي 1882-1883 عرفت البلاد أول جمعية ثقافية سياسية، هي: القراءخانة، أسسها إبراهيم سراج الدين في طرابلس الغرب، وضمت في عضويتها عددًا من شخصيات البلاد ونخبتها من أمثال المؤرخ أحمد النائب والشيخ حمزة ظافر المدني.

كما يمكن اعتبار مدرسة "الفنون والصنائع" 1898 من ضمن المؤسسات الخيرية الأهلية التي قامت في العهد العثماني بدور النهضة الثقافية. (2)

وفي فترة الاحتلال الإيطالي لم تقم السلطات الإيطالية بأي عمل مجتمعي يمكن أن يُصنّف في خانة العمل المدني بل عملت على تكريس إدارة عسكرية عنصرية لا تهتم إلا برعاياها الإيطاليين، وبالرغم من طبيعة الاستعمار الشرسة كان إنشاء النادي الأدبي في سنة 1920 أول مشروع ليبي مدني، وقد أسسه في طرابلس الأخوان: أحمد وعلي الفقيه حسن كجمعية انبثق عنها مكتبة ومدرسة، ولكن سرعان ما أغلقت السلطات الاستعمارية هذا النادي ثم أُعيد نشاطه الثقافي-السياسي خلال فترة الإدارة البريطانية 1943، وليتحول بعد ذلك إلى حزب سياسي هو الحزب الوطني الذي تحول بعد ذلك ليصبح حزب الكتلة الوطنية. (3)

لقد ساعد تنوع ليبيا من الناحية الجغرافية (انقسامها إلى طرابلس وبرقة وفزان)، وتنوعها الأنثربولوجي والاجتماعي وحتى الإيكولوجي ووجود حساسيات مخيالية على بروز تشكيلات سياسية ودينية محلية، مثل: سلطة أولاد محمد في فزان (1550-1812)، والجمعية السنوسية في برقة (1870-1931)، إضافة إلى السلطة العثمانية المركزية (1835-1911)، والجمهورية الطرابلسية (1918-1920) التي تعد بحق، بداية تمظهر الزعامة السياسية في ليبيا المعاصرة.

ولقد تصدى للعمل الخيري والديني في هذه المرحلة زوايا وأخويات دينية، أهمها:

  • زاوية الشيخ عبد السلام الأسمر في مدينة زليتن.
  • زاوية الشيخ إبراهيم المحجوب بمدينة مصراتة.
  • زاوية الشيخ أحمد زروق بمدينة مصراتة.
  • زاوية الشيخ الدوكالي في مسلاته.
  • زاوية الشيخ النعاس في تاجوراء.

وهذه الزوايا كانت رافدًا اجتماعيًا مهمًا في العمل الأهلي في المرحلة السنوسية الملكية.

بعد سنة 1969، تاريخ إعلان ثورة ليبيا، أُحكم الخناق تمامًا على كل صوت مخالف؛ ففي عام 1977 غيّر القذافي اسم ليبيا إلى الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية؛ إذ مثّلت الجماهيرية نظامًا جديدًا للحكم مبنيًا على مبادئ "الكتاب الأخضر" للقذافي.

أنتج نظام الجماهيرية "نظام حكم رسميًا بالغ التعقيد يشمل وفرة من المؤتمرات واللجان، مع صلاحيات متداخلة في الغالب، أسهمت في نشوء إحساس بالفوضى المنسقة والدائمة"، ويبدو أن هذه الفوضى المنظمة "كانت النتاج المقصود لتصميم القذافي على السيطرة الفردية الكاملة". (4)

ومن اللافت أن العقيد القذافي نفسه لم يشغل أي منصب في السلطة في الدولة الليبية، بل إنه كان يصف حكمه كحكم قائد أو متبصر حيث كان يتبنى لقب "الأخ القائد". وقد مكّن عدم وجود منصب رسمي القذافي من تجنّب المساءلة، وعند الضرورة، تحميل المسؤولية عن أية إخفاقات أو أخطاء حكومية إلى أولئك الذين يتقلدون مناصب رسمية. مع ذلك، تركزت السلطة المطلقة دون شك في يدي القذافي؛ فعلى سبيل المثال، منح مرسوم الشرعية الثورية الصادر بتاريخ 9 مارس /آذار 1990 تعليمات القذافي قوة القانون وجعلها ملزمة لكافة المؤسسات، بما فيها المؤتمر الشعبي العام والمؤتمر الشعبي الأساسي. وبالمثل، وفقًا للقانون رقم 71 لعام 1972، والمادة 206 من قانون العقوبات، يمكن إصدار حكم الإعدام بشأن تشكيل مجموعات أو منظمات أو روابط على أسس أيديولوجية سياسية مخالفة لمبادئ ثورة عام 1969 أو الدعوة إلى إقامة مثل هذه المجموعات.

تم تفويض قدر من الصلاحيات في الدائرة الداخلية للقذافي، المؤلفة أساسًا من عائلته وأصهاره؛ فعلى سبيل المثال، كان أحد أبناء القذافي، سيف الإسلام -الذي كان يُعتبر ولي العهد غير المعلن- أكثر أعضاء هذه الدائرة الداخلية تأثيرًا؛ إذ تصرف كرئيس وزراء فعلياً ومن بين أبنائه الآخرين، كان خميس يقود "كتيبة خميس" القوية، والتي يُزعم أنها كانت مسؤولة عن الأمن الشخصي للقذافي، بينما كان المعتصم يقود كتيبة أخرى قوية، وعُيّن مستشارًا للأمن القومي في عام 2007. عبد الله السنوسي، قائد المخابرات العسكرية، هو عديل القذافي، بينما ابنة اللواء الخويلدي الحميدي -المفتش العام للقوات المسلحة- متزوجة من أحد أبناء القذافي. (5)

وعلى مدار 42 عامًا، أقام العقيد القذافي "نظامًا استبداديًا متفشيًا لحكم الفرد الواحد، تستّر خلف وفرة من الأجسام والمؤسسات الشعبية الهزيلة". (6)

وكانت اللجان الثورية تنظيمًا شبه عسكري أنشأه معمر القذافي في عام 1977، وكانت مهمته "حماية الثورة". وكانت اللجان مؤلفة من أفراد موالين للقذافي، مقسمين على 8 مجموعات من المغاوير تخضع بشكل مباشر لمكتب القذافي، وكانت تلك اللجان تمارس الرعب إذ كانت مسلحة ويُقدّر عدد أفرادها بنحو 60 ألفًا. (7)

ومن أجل ضمان استمرار نظامه والدفع بحلمه المتمثل في "الثورة الدائمة"، اعتمد القذافي على جملة من الأدوات، وتكونت هذه الأدوات من أيديولوجيا فريدة غير قابلة للتغيير أو التعديل، وتأسيس مجموعة من شبكات السلطة غير الرسمية وتعزيز موقع عائلته وقبيلته في النخبة الحاكمة. وقد مكّنته إدارته الذكية وتلاعبه بهذه العناصر من البقاء في السلطة لأربعة عقود. (8)

إن الشيء اللافت للانتباه هو بروز وتنامي دور اللجان الثورية كحركة قوية ساهمت في خنق كل الأصوات السياسية المعارضة، وقد تورطت في الفساد المالي والكسب غير المشروع. (9)

وقد تم في عام 1988 تشكّل ما يُسمى ب"النوادي القبلية" بهدف "محاصرة المطالب المناطقية والمحلية الضيقة، التي بتراكمها، يمكن أن تتحول إلى حركات احتجاجية". وكانت هذه النوادي تهدف إلى مراقبة تحركات الشبان في المناطق القبلية واكتشاف بؤر التوتر الممكنة؛ وهي نفس الأهداف التي وُضعت لتنظيمات "القيادات الشعبية والاجتماعية"، التي تمارس دورًا تجسسيًا على مكونات المجتمع.

ولم يكتف القذافي بهذه السياسات، بل إنه أردف تلك بنشاط شخصي دؤوب، من خلال تنظيم سلسلة من الزيارات إلى المناطق والجهات، وذلك بعد القيام بدراسة مسبقة لكل زيارة والتعرف على خصائص الجماعة القبلية وتاريخها. وتقضي كل زيارة بتوقيع وثيقة عهد ومبايعة من طرف كل مجموعة قبلية يزورها. (10)

ويقدر عدد القبائل الليبية بنحو 150 قبيلة متفاوتة الأحجام، وتنقسم بدورها إلى فروع قبلية. ولكن هذا العدد يتضاءل بسبب ارتفاع معدلات التحضر من جهة، والتداخل في تسمية المدن والمجموعات القبلية من جهة ثانية، وقد عرفت الخارطة القبلية الليبية بعد "ثورة الفاتح من سبتمبر" تحالفات وانقسامات مهمة في علاقاتها بالنظام السياسي من جهة، وفي علاقاتها ببعضها وفي مجالات نفوذها من جهة ثانية. (11)

يتميز المشهد القبلي في صورته السياسية الراهنة بنوع من الانقسام لدى القبائل وخاصة بالنسبة إلى المجموعات القبلية المتوزعة بين شرقي البلاد وغربها. وفق ما تبرزه الملاحظات التالية:

  1. يتميز المشهد القبلي والمناطقي الليبي بالتحول المستمر، نتيجة عوامل عديدة منها حركية الأحداث ومنها المصالح والضغوط وغير ذلك (مثال ذلك أن قبيلة مسلاتة انتفضت إلى جانب الثوار يوم الخميس 4 رمضان 1432- 4 أغسطس/آب 2011).
  2. ترتبط مواقف المجموعات القبلية والمناطقية على الوجه العام من النظام برصيدها العلائقي السياسي التاريخي معه إيجابًا أو سلبًا.
  3. إن اصطفاف عديد من القبائل الليبية المهمة إلى جانب النظام السياسي، لا ينفي وجود معارضين أو مجموعات فرعية ساندت الثورة، ولا تزال، (ورفلة، ترهونة) كما أفرزت القبائل المعارضة أشخاصًا موالين للنظام، سرعان ما التجأوا إلى المدن التي يسيطر عليها النظام (مصراتة، الزاوية، الزنتان). (12)

وفي مرحلة ما بعد الثورة 2011 أبصرت النور مئات من منظمات المجتمع المدني الجديدة، وتم تشكيل منظمات المجتمع المدني في جميع قطاعات الحياة في ليبيا تقريبًا، يتمتع هذا العدد المتزايد من منظمات المجتمع المدني بدور فريد ليؤديه في المجالات التالية: (13)

  • في ظل غياب سلطة الدولة، تستطيع منظمات المجتمع المدني أن تسد هذه الفجوة من خلال ممارسة بعض مسؤوليات الدولة ووظائفها. خلّف انهيار نظام القذافي فراغًا في السلطة ليس فقط في طرابلس، ولكن أيضًا في المناطق النائية حيث تزيد الخطورة، وفي كثير من الحالات؛ فإن منظمات المجتمع المدني هي التي ساعدت على استعادة الأمن والنظام في هذه المناطق كحال مجلس حكماء ليبيا. 
  • إن عمل مجلس حكماء ليبيا والشورى هو دليل على مساهمة منظمات المجتمع المدني الممكنة في المصالحة الوطنية. عمل المجلس في مناطق تشهد توترًا في أنحاء ليبيا كافة، خاصة في جبل نفوسة؛ إذ (ركّزت المجموعة على نزع فتيل الصراع بين القبائل التي استخدمها القذافي للدفاع عن حكمه وجيرانهم المؤيدين للثورة، ومع غياب سلطة الدولة أساسًا في هذه المناطق، لعب المجلس دورًا فعالاً في إنهاء اشتباكات قبَلية قاتلة).

وقد أدت هذه الشبكة من منظمات المجتمع المدني دورًا حاسمًا في دفع عجلة بناء السلام وتوحيد ليبيا، ويتراوح عدد منظمات المجتمع المدني حاليًا ما بين 1800 و1900 منظمة وجمعية منتشرة في كل ربوع ليبيا. 

وقد شهدت منظمات المجتمع المدني التي تأسست ونشأت بعد ثورة فبراير/شباط 2011 في ليبيا تسارعًا في العدد؛ ففي عهد النظام السابق كان هناك ما يقارب 90 إلى 95 جمعية، تم تسجيلها وفقًا لقانون الجمعيات الأهلية رقم (111) لسنة 1970 وقانون رقم (19) لسنة 2001 والذي كان يوصف بقانون كبت الجمعيات وتقييدها ووضعها في مسار النظام.

ويرى المتابعون لشأن الجمعيات في ليبيا أنه لضمان تعزيز دورها في عملية بناء الدولة الليبية يجب الارتكاز على محورين: (14)

  • المحور الأول: هو الرغبة في الوجود والمشاركة في الحراك والمبادرات.
  • المحور الثاني: هو الرسمي التشريعي والقانوني.

يجب العمل بسرعة على وضع قانون عصري يكرس استقلالية المجتمع المدني لتفعيل دوره في التنمية والنهوض بالمجتمع مما يؤمّن استقلالية مؤسسات الدولة وعدم تبعيتها لأية جهة.

 الحالة الموريتانية

تُعتبر موريتانيا كيانًا سياسيًا حديثًا بمدلول النشأة؛ فهي بلد إفريقي عربي حديث الاستقلال (1960)، ولم تتشكّل سياسيًا وإداريًا تحت هذا الاسم إلا مع قدوم طلائع الاستعمار سنة 1900.

لم تعرف البلاد سلطة مركزية تؤسس لتقاليد متينة في عالم السلطة نظرية وممارسة، بل إن دولة المرابطين التي قامت في البلاد في القرن الخامس الهجري ومدّت سلطانها على جميع بلاد المغرب وتطلعت شمالاً فسيطرت على الأندلس، هذه الدولة لم تعرف استقرارًا فيما يُعرف اليوم بموريتانيا، وإن قام ملكها في مراكش وامتد عقودًا عديدة فإن المنشأ ظل قبائل بدوية لا تعرف استقرارًا ولا تخضع لنظام، هذا مع أن أجزاء من الجنوب والشرق خضعت لإمبراطورية غانا الإفريقية. وقد عرفت البلاد نظام إمارات قبلية تتوزع السيطرة الجغرافية على امتدادها الجغرافي، و"إن تداخلت الحدود أو تماهت بفعل عوامل التنقل بحثًا عن الكلأ والمرعى. ولم تستطع هذه الإمارات تشكيل أي نمط من أنماط الوحدة بل ظل طابع الصراع والحرب طاغيًا في علاقاتها فيما بينها". ورغم تأسيس تلك الإمارات فإنها لم تأخذ شكل دول بالمعنى الحديث وكل ما كان هناك هو "جماعة من شيوخ القبائل ونظام قانوني مستمد من الشريعة الإسلامية".

لم يحكم الفرنسيون موريتانيا بنظام إداري مستقل بل ألحقوها بمجموعة غرب إفريقيا الفرنسية FRANCAIS AFRIQUE OCCIDNTAL والتي كانت تدار من داكار وتضم مجموعة مستعمرات فرنسا في تلك المنطقة، ووزع المستعمر البلاد إلى دوائر إدارية يرأسها فرنسي ويعاونه بعض الموريتانيين، وقد أسس نظامًا قانونيًا يُخضع المواطنين الموريتانيين للقوانين الفرنسية فيما عدا الأحوال الشخصية التي ترُكت بقانونها الإسلامي.

لقد شكّل دستور 22 مارس/آذار 1959 إعلانًا عن تأسيس نظام برلماني، وهو النظام الذي جاء مستنسخًا من الناحية الشكلية والإجرائية فقط عن النموذج الاستعماري الفرنسي. (15)

لقد كفل دستور 1991 حرية إنشاء الجمعيات وما يستتبع ذلك من حرية الانخراط في أية منظمة سياسية مشروعة حسبما ورد في المادة العاشرة منه وما تضمنته المادة الثالثة من الأمر القانوني المتعلق بالأحزاب السياسية والصادر في يوليو/تموز 1991، وقد تضمن الأمر جملة ضوابط تتعلق بالوحدة الوطنية.

وبعد تنامي ظاهرة الانقلابات التي تتبنى الديمقراطية كمدخل إصلاحي أو ما يمكن تسميته ب"التناوب الانقلابي" على السلطة منذ الإطاحة سنة 2005 بمعاوية ولد سيدي أحمد الطايع وصولاً إلى مرحلة محمد ولد عبد العزيز؛ يمكن ملاحظة ما يلي:

  1. لم يطرأ أي تغير يمكن وصفه بالإيجابي لا من حيث هزالة النصوص القانونية ولا من حيث نمط العمل السياسي والجمعوي السائد في الركح السياسي والجمعوي الموريتاني، والمقصود هنا مشروع قانون (الأحزاب السياسية رقم 91-24 الصادر بتاريخ 25 يوليو/تموز 1991)، والذي جاء فقيرًا من حيث مواده القانونية "31 مادة" ومن حيث إجراءات تطبيقه؛ إذ لم يتضمن آليات تطوير الممارسة الحزبية والجهوية مما حوّل العمل الحزبي إلى مجرد رقم لا قيمة له لافتقاره للجدوى السياسية، والحال نفسه ينطبق على قانون الجمعيات رقم 64-98 والمؤرّخ بتاريخ 9 يونيو/حزيران1964. (16)
  2. رغم الثراء السوسيوثقافي للحالة الموريتانية لم يستطع المشرّع الموريتاني استحداث نصوص قانونية صارمة تستجيب لخصوصيات المجتمع وتقلع به إلى عوالم الحداثة السياسية، بل ظل يغض الطرف عن جميع الممارسات المجتمعية المناقضة لقيم الحداثة والديمقراطية باستثناء النص القانوني المجرم للعبودية والاسترقاق.
  3. شكّلت الحاضنة الاجتماعية للطبقية والتراتبية المنغرسة في المجتمع الموريتاني، نفس الحاضنة المؤثرة على حركات المجتمع الموريتاني وكذا الأحزاب السياسية؛ فتعمقت التجزئة والتراتبية في الوسط الجمعوي والحزبي الموريتاني أفقيًا وعموديًا ولم تشكّل ساحة العمل السياسي الاستثناء إلا في حالات نادرة كحالة رئيس البرلمان الموريتاني الحالي "ولد بلخير مسعود" الذي ينتمي إلى فئة "الحراطين" وليس لفئة العرب البيضان، كما كانت تقتضيه الخبرة السياسية التاريخية لموريتانيا.
  4. لم يستطع الموريتانيون تشكيل نخبة جمعوية موريتانية تقاوم مظاهر موغلة في السلبية كظاهرة "ترييف المدن" و"الزبونية السياسية"، و"بَدْونة العمل السياسي"؛ ويتحمل هذه المسؤولية جميع الفاعلين السياسيين "سلطة، معارضة، جمعيات"، وهؤلاء الفاعلون وإن استطاعوا في أحايين كثيرة تجاوز الخطوط الحمراء في خطاباتهم إلا أنهم عجزواً عمليًا عن تقديم بدائل لبلد يزخر بالموارد المادية والبشرية ولكنه يسجل أعلى معدلات الفقر والتخلف. (17)

إن نظام الشرائح الاجتماعية ذا الطابع التقليدي الذي يلخص البنية الاجتماعية للمجتمع الموريتاني بمختلف أعراقه يختلف عن الطبقات الاجتماعية ذات الطابع الحديث بعدة مميزات أساسية أشار إليها لويس ديمون (Louis Dumont) ولعل من أبرزها: (18)

  • أنه نظام يقسّم المجتمع إلى عدد كبير من المجموعات الوراثية المتميزة بارتباطاتها بعدد من الخصائص التي تعمّق عملية تجزئة المجتمع.
  • إن المجتمع التقليدي الموريتاني يجعلنا بالمقابل نكتشف عدة تحديات تنموية وأسباب سوسيوثقافية مباشرة ما انفكت تقف عقبة أمام سير عجلة التحديث في المجتمع نتيجة عدة أسباب، أهمها:
  1. أن النظام الاجتماعي في هذا المجتمع يتأسس على القرابة أو النسب أو ما في معناه والذي يؤسس بدوره المكانة الاجتماعية التقليدية المسؤولة عن وجود سلّم تراتبي صارم شيئًا ما في مختلف المجموعات العرقية الموريتانية بدءًا "بالسراكولي مرورًا بالبولار والوولوف وانتهاء بالبيظان" (19) وهو السلم المسؤول عن تراتب الشرائح كل حسب مكانته التي هيأتها له التقاليد ولا دخل للشخص في رفع حرجها ولا الدولة بما تحمل من تباشير الحداثة والديمقراطية والعدالة والمساواة والتنمية.
    وحاليًا لا تزال الشرائح الاجتماعية والمكانة التقليدية عصية على الاندثار بل أداة قوية لدعم أصحاب الشهادات الحديثة في ولوج مراكز السلطة.
  2. نتج عن ذلك وجود نظام مغلق في الزواج والمصاهرة ما زالت موريتانيا تعيش بعض تجلياته في كل المجموعات العرقية بالبلاد، إنه نظام ينفتح أمام التعامل الاقتصادي والثقافي بين مختلف الشرائح والمجموعات العرقية الأخرى دون أن ينفتح أمام تبادل النساء بين هذه المجموعات والشرائح بل بين الأسر والعشائر في الشريحة الاجتماعية الواحدة تبعًا لتراتبية السلم الاجتماعي المحدد سلفًا من طرف التقاليد ومجموع المبادئ المتوارثة عبر الأجيال في موريتانيا.

يعتبر المجتمع المدني ناشئًا، وهو يمر الآن بمرحلة حساسة في تاريخ تطوره، تجعله يقف على مفترق طرق.

ولأول مرة في تاريخ التعاون الدولي متعدد الأطراف، نجح اتفاق "كوتونو" للشراكة(Cotonou Accord de partenariat de)، الموقّع سنة 2000 بين دول مجموعة ال 77 (دول إفريقيا والبحر الكاريبي والمحيط الهادئ)، من جهة والاتحاد الأوروبي من جهة ثانية، في إرساء مبدأ الشراكة -من الناحية القانونية- كحق ثابت بين الدولة من جهة و"الأطراف الفاعلة غير الدولتية (acteurs non étatiques) بما في ذلك منظمات المجتمع المدني من جهة أخرى.

الدولة الموريتانية، التي سبق أن صادقت من قبل على اتفاق كوتونو بموجب القانون رقم 2001-2 بتاريخ 25 يناير/كانون الثاني 2001 وبموجب المرسوم رقم 37-2001 بتاريخ 3 فبراير/شباط 2001، قامت من أجل الوفاء بتعهداتها بإدراج إطار قانوني وتنظيمي لدعم إصلاح المجتمع المدني وتعزيز قدراته تم تضمينه في البرنامج الإرشادي الوطني 2001-2007 (PIN) لموريتانيا في إطار التعاون مع اللجنة الأوروبية، بهدف توطيد الديمقراطية وسيادة القانون ومساعدة المجتمع المدني ليصبح شريكًا حقيقيًا في الحياة الوطنية والتنمية الاجتماعية الاقتصادية والسياسية للبلد. (20)

لكي يكون المجتمع المدني داعمًا للعملية الديمقراطية فإن ذلك يقتضي العمل على إجراء إصلاحات قانونية ومؤسسية عميقة لمختلف الجوانب المتعلقة بمؤسسات المجتمع المدني تتضمن (21) ضرورة إعادة النظر في شروط تأسيس منظمات المجتمع المدني ومراجعة طريقة عمل مؤسسات المجتمع المدني وشروط عضويتها وطريقة تمويلها بحيث تمارس دورًا حقيقيًا في تعزيز الحكم الراشد والرقابة الشعبية.

ويقترح الباحث محمد الأمين ولد محمد موسى بعض الإجراءات الملموسة لدعم أدوار المجتمع المدني، أهمها: (22) العمل على إرساء قيم ثقافية وطنية، تصون الهوية الوطنية؛ مما يتطلب أن تقوم التنشئة الاجتماعية على الأساليب العلمية والموضوعية والتعاون بين الأسرة والمدرسة والمؤسسات الاجتماعية ووضع مدونة عملية للعمل الأهلي، ودعمه وإفساح المجال أمامه ليحقق رسالته في نشر الوعي الثقافي والاجتماعي، وتدريب الكوادر على العمل الخلاق التطوعي، وإعطائه الفرصة للعمل بحرية في الميدان الإنساني.
_______________________________
أ.د. بوحنية قوي، أكاديمي جزائري، جامعة قاصدي مرباح-ورقلة.

الهوامش

1-إدريس المسماري، مؤسسات المجتمع المدني والثقافة في ليبيا مجلة )عراجين:8)، ص3.

http://www.libyaforum.org/index2.php?option=com_content&task=view&id=697&Itemid=213&pop=1&page=0

2- إدريس المسماري، رضا بن موسى، المرجع السابق، نفس الصفحة.

3- نفس المرجع السابق.

4- المنصف وناس السلطة والمجتمع المدني والجمعيات في ليبيا: دراسة توثيقية وميدانية، مطبعة الوفاء تونس، سنة 2000، الصفحات 37 و41.

5- تقرير بعثة المجتمع المدني لتقصى الحقائق في ليبيا، وثيقة من إنتاج "المنظمة العربية لحقوق الإنسان"– المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان– مجموعة المساعدة القانونية الدولية ilac ، يناير/كانون الثاني 2012، ص12-13. http://arabsi.org/index.php?option=com_content&view=article&id=2914:2013-07-30-11-12-44&catid=50:2012-02-25-14-11-24&Itemid=72

6- نفس المرجع السابق، ص15.

7- تقرير الشرق الأوسط رقم (107)، 6 يونيو/حزيران 2011، الاحتجاجات الشعبية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط: فهم الصراع في ليبيا، مجموعة الأزمات الدولية ICG، 2011، ص5-6.

8- عوض يوسف الحداد، البُعد الجغرافي للفساد في ليبيا، دار البداية، الأردن، 2011، ص48.

9- محمد نجيب بوطالب، الأبعاد السياسية للظاهرة القبلية في المجتمعات العربية: مقارنة سوسيولوجية للثورتين التونسية والليبية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة 2011، ص10.

10- محمد نجيب بوطالب، نفس المرجع، ص13.

11- محمد نجيب بوطالب، المرجع السابق، ص14.

12- إبراهيم شرقية، إعادة إعمار ليبيا: تحقيق الاستقرار من خلال المصالحة الوطنية دراسة تحليلية عن مركز بروكنجز الدوحة، 9 ديسمبر/كانون الأول 2013، ص27-28. http://anbaaonline.com/?p=176312

13- يُراجَع بهذا الصدد الدراسة التفصيلية التالية: وليد الصالحي، خليل جبارة، دراسة ميدانية لأوضاع واحتياجات منظمات المجتمع المدني في ليبيا، المجتمع المدني الواقع والتحديات، مؤسسة المستقبل، ليبيا.

14- محمد المختار، انتخابات موريتانيا خطوة في الانتقال الديمقراطي، مقالة منشورة على النت بتاريخ 13 أغسطس/آب 2007.

-15 التسمية تعود للباحث الموريتاني يعقوب سيف.

loi n: 64-098 du 96--16 - juin 1964 , Mauritanie: loi relative aux association16 .

17- للاستزادة أكثر حول تجزئة الدولة الموريتانية ودور القبيلة في السياسي يطالع

Zekeria ould ahmed salem ,une segmentarité d’état ?tribus et politique en Mauritanie á la la fin du vingtième siècle

-Revue mauritanienne de droit et déconomie numére 18 , juin2010, université de Nouakchott , p:79-107.

18- عبد الوهاب ولد محفوظ، التنظيم الاجتماعي بموريتانيا، ورقة غير منشورة مقدمة ضمن أعمال الندوة الدولية حول: المجتمع والتنمية في موريتانيا، نواكشوط، جامعة نواكشوط ، قسم الفلسفة وعلم الاجتماع أيام 21/22 يناير/كانون الثاني 2014.

19- أهم الأعراق الموريتانية، وهي بدورها لها شرائح وطبقات داخلية.

20- محمد السالك ولد إبراهيم، المجتمع المدني والديمقراطي في العالم العربي: تأملات وأفكار للنقاش 18 إبريل/نيسان 2013. http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=356546

21- يود الباحث أن يشكر الأساتذة الباحثين من جامعة نواكشوط على ملاحظاتهم القيمة المقدمة له أثناء مشاركته في الندوة الدولية المنظمة من طرف منسقية الماستر في الفلسفة وعلم الاجتماع أيام 21/22 يناير/كانون الثاني 2014 بجامعة نواكشوط، وخصوصًا د/محمد سيدي أحمد فال البوتاتي (المركز الموريتاني للدراسات الاستراتيجية )، د/عبد الوهاب ولد محفوظ (رئيس قسم الفلسفة)، أ. يعقوب سيف، الدكتور الباحث: ديدي ولد السالك مدير المركز المغاربي للدراسات الاستراتيجية بنواكشوط على الملاحظات والنقاش العميق الذي قدموه للباحث أثناء مناقشة الشأن الموريتاني وتحديدًا أدواره يمكن مطالعة تقرير حلقة نقاش حول: الإصلاحات الدستورية والسياسية المطلوبة لإنجاح الانتقال الديمقراطي في موريتانيا ديسمبر/كانون الأول 2012.

22- محمد الأمين ولد محمد موسى، ورقة غير منشورة بعنوان: "العادات والتقاليد في المجتمع الموريتاني وعوائق التنمية"، مداخلة مقدمة الندوة الدولية حول: "المجتمع والتنمية في موريتانيا" أيام 21/22 يناير/كانون الثاني 2014.