التنظيمات الجهادية وأثرها على الأمن القومي للقارة الإفريقية

شكل الفراغ الأمني في القارة الإفريقية وهشاشة الدولة مناخا ملائما لتمدد الحركات الجهادية في غرب ووسط وشرق إفريقيا. ولعل هذا العنف الذي يزعزع الأمن ويقضي على البرامج التنموية بإفريقيا سيتفاقم خصوصا وأن الحركات الجهادية في القارة تتقوى يوما بعد يوم في غياب سياسة أمنية قارية ناجعة.
20152485525862734_20.jpg
أعمال العنف اضطرت 250 ألف نيجيري للنزوح من الولايات الثلاث التي تشهد هجمات بوكو حرام [غيتي إيميجز]

ملخص

شجعت هشاشة الدولة على ظهور العديد من الحركات الجهادية بإفريقيا من أبرزها: بوكو حرام المتأسسة 2002 بنيجيريا لكن مواجهاتها الدامية مع الجيش النيجيري تكثفت فيما بعد. ولم يعد نشاطها مقصورا على نيجيريا بل تجاوزها نحو الكاميرون. ومن أبرز الحركات بمالي حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا التي ظهرت 2011 واستفادت من السلاح الليبي الذي انتشر في منطقة الساحل بعد الإطاحة بالعقيد القذافي. وفي الشرق الإفريقي: حركة الشباب المجاهدين بالصومال التي تأسست 2004 واعتمد تكتيكات نشطة وفعالة في مواجهة الحكومة الصومالية الضعيفة، إلا أن حضور القوات الإفريقية بالصومال والتعاون العسكري مع بعض الدول الغربية أضعف من قدرات حركة الشباب. وتشكل هذه الحركات تحديا كبيرا لإفريقيا نظرا لتزايد أتباعها ولما تجنيه من أموال مقابل الفديات وغيرها، ولخبرتها القتالية ولما تمارسه من عنف. ولعل مستقبلها في إفريقيا سيعرف تطورا وتمددا لغياب رؤية استراتيجية إفريقية. وقد شكل موضوع الحركات الجهادية نقطة بارزة في جدول أعمال مؤتمر الاتحاد الإفريقي مؤخرا بأديس أبابا.

يبدو أن القارة السمراء تشهد في الآونة الأخيرة مزيدًا من التهديدات الأمنية وعدم الاستقرار السياسي، فالصومال يعاني من عاصفة أمنية متدهورة من قِبل حركة الشباب المجاهدين التي ما زالت تقاوم الحكومة الصومالية وتستهدف مؤسساتها وأعضاءها بذريعة التدخل الأجنبي للبلاد، ولم يكتوِ بنيرانها الصومال فحسب بل تجاوز ذلك إلى دول الجوار، وفي مقدمتها كينيا التي تلقت عدة ضربات موجعة من حركة الشباب، منها الهجوم الدامي الذي شنَّته الحركة 21 سبتمبر/أيلول عام 2013 والذي راح ضحيته زهاء 70 شخصًا على الأقل، وهناك نيجيريا التي تعيش هجمات عنيفة من جماعة "بوكو حرام" التي قامت مؤخرًا باختطاف أكثر من 200 طالبة في شمال البلاد، ولا تزال تخوض حربًا حامية الوطيس مع تلك الجماعة.

كان الهدف من هذه القمة التي تم انعقادها في الثاني من سبتمبر/أيلول 2014 في العاصمة نيروبي، هو توقيف أو تقليل الهجمات الإرهابية التي تعانيها القارة في الآونة الأخيرة، والتي حولت القارة إلى جزء من ساحة يسودها العراك الدائم، بقدر ما أفسدت الأمن والاقتصاد والبنية التحية لها. وشارك فيه جمع غفير من الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي؛ حيث كان رؤساء كل من تشاد والنيجر والصومال وتنزانيا من الحضور.

كما شارك أيضًا المجموعات الاقتصادية الإقليمية ولجنة أقسام المخابرات والأمن الإفريقية والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وممثلو المصرف الدولي ومنظمة التعاون الإسلامي، وهذا ما ستجادل به هذه الدراسة، ويمكن إجمال محدداتها في ثلاثة عناصر رئيسية، هي: التنظيمات الجهادية في القارة، والآفاق المستقبلية لهذه التنظيمات وانعكاساتها على أمن القارة، وأخيرًا مسار الأزمة ومصيرها على ضوء ما صدر من القمة، ومدى فاعليته على الأمن القومي للقارة.

التنظيمات الجهادية في القارة

لا شك في أن هذه المنطقة تشكِّل أرضًا خصبة وبيئة حاضنة لنشاط الجماعات المتشددة، وتتميز بعوامل تجعل من نمو هذه الجماعات أمرًا سهلًا، ولعل الأفكار والأيديولوجية الإسلامية بدأت في الانتشار بين الأفارقة، من خلال الطلاب الذين يعودون عقب انتهاء دراستهم إلى بلد يمكن أن ترصده أجهزة الأمن الوطنية، كما يظهر عامل آخر يخص البلدان الإفريقية وطبيعة إسلامييها، وهي أن هناك طبيعة متطرفة في فهم الإسلام، خاصة من الأفراد الذين لا يعرفون اللغة العربية الأصلية بعد أن يتعرضوا إلى عمليات تجنيد منظمة، بالإضافة إلى أن التوجهات الإسلامية الجديدة التي تتفاعل بين مواطني القارة ظهرت فيها أفكار متطرفة حول تغيير أنظمة البلدان بالقوة، وفرض الشريعة الإسلامية، وهو ما تكرر في نيجيريا والصومال على وجه التحديد.

1 - حركة بوكو حرام النيجيرية

لا يُعرف تاريخ دقيق لبداية ظهور جماعة بوكو حرام، وتعزو وسائل الإعلام المحلية والدولية بداية ظهورها لسنة 2002 مع ظهور محمد يوسف قائدًا للجماعة؛ لكن السلطات الأمنية النيجيرية تعزو بداية ظهور الجماعة لعام 1995، عندما أنشأ أبو بكر لوان جماعة أهل السنة والهجرة في جامعة مادوجيري في ولاية بورنو.

وبعد ذلك تأسست عدة حركات من بينها ‏‏بوكو حرام التي يُطلق عليها اسم "طالبان نيجيريا" ويعني اسمها بلهجة قبائل الهوسا "التعليم الغربي حرام"، وقد تأسست في عام 2002 على يد محمد يوسف، وبالنسبة للملامح الفكرية لجماعة بوكو حرام، فإنها ترتكز على عدد من الأصول الفكرية، أهمها: العمل على تأسيس دولة إسلامية في نيجيريا بالقوة المسلحة، كما تسعى إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، وتسعى أيضًا إلى منع التعليم الغربي والثقافة الغربية عمومًا، التي ترى أنها إفساد للمعتقدات الإسلامية، وإلى تطبيق الشريعة. وتتكون الحركة أساسًا من الطلبة الذين غادروا مقاعد الدراسة بسبب رفضهم المناهج التربوية الغربية إضافة إلى بعض الناشطين من خارج البلاد على غرار بعض المنتسبين التشاديين.

ومن حيث العنف أصبح وجود هذه الجماعة موضع قلق محلي ودولي كبير في أعقاب الانتفاضة المعارضة للحكومة التي قادها محمد يوسف في يوليو/تموز 2009. وقد تم تعيين محمد يوسف، الخطيب الكاريزمي، قائدًا للجماعة من طرف لجنة من "الشيوخ" عام 2002. وقد أطاح محمد يوسف بالشيوخ الذين عيَّنوه بعد اتهامه إياهم بالفساد والفشل في الوعظ بـ"الإسلام الحقيقي". وأوضح أنه لا يعتقد فيما سُمي بالقوانين الوضعية، وكروية الأرض، ودوران الأرض.

وكثفت جماعة بوكو حرام هجماتها خصوصًا ما بين فترة يوليو/تموز 2009 ويناير/كانون الثاني 2012، على المناطق الشمالية من نيجيريا، وعبَّر مراقبون عن قلقهم من امتداد تلك الهجمات إلى الجنوب الذي تقطنه غالبية مسيحية في الوقت الذي تضيِّق فيه الأجهزة الأمنية الخناق على الحركة في الولايات الشمالية. وكانت عواقب تمرد جماعة بوكو حرام كبيرة جدًّا؛ ومن أبرز ملامح هذه العواقب: الخسائر الكبيرة في الأرواح، والنزوح الداخلي للسكان، والتدمير المتعمد للممتلكات، وتمزيق الأسر، وطرد الاستثمارات المحلية والخارجية هذا عدا تشويه صورة البلاد خارجيًّا.

ويتزعم الحركة الآن أبو بكر شيكاو، وُلِد شيكاو في جمهورية النيجر، بقرية "شيكو"، والتي يعيش سكانها على الزراعة وتربية الماشية، في شمال شرق ولاية يوب درس الشريعة وعلوم الأديان، وعمل كمترجم لشركة متخصصة في التوحيد، ويجيد لغته الكانوري، والفولاني فضلًا عن لغات الهوسا والعربية(1).

وتستهدف الحركة في عملياتها عناصر الشرطة ومراكز الأمن وكل من يتعاون مع السلطات المحلية.
ورغم التقارب الموجود بينها وبين حركة طالبان، فإنه ليس هناك أي دليل قد يؤكد وجود صلة بين بوكو حرام وحركة طالبان الأفغانية. وقد تم اغتيال قائدهم محمد يوسف في 30 يوليو/تموز 2009.

وتعاني الحكومة النيجيرية من هجمات هذه الجماعة التي وسَّعت عملياتها في نيجيريا، بالإضافة إلى الخطف الذي تمارسه الحركة في داخل البلد، وتم اختطاف 200 طالبة من قِبل الحركة في شمال البلاد.

وتقوم الحكومة النيجيرية بقصف مواقع الحركة وشنِّ هجمات على أماكنها كحل وحيد يقلِّل من خطرها، وهناك مخاوف حول العمليات التي تقوم بها هذه الجماعة داخل العاصمة التي اكتوت بنيرانها، وأيضًا مخاوف من حدوث تحالف بين حركة الإصلاح بدلتا النيجر وجماعة بوكو حرام في الشمال؛ مما يؤدى إلى عدم استقرار الأوضاع الأمنية في البلد، وهي تشكِّل تحديًا أمنيًّا على الإقليم.

2 . حركة التوحيد والجهاد (جماعة مالي)

حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا إحدى أهم الحركات الإسلامية المسلحة التي تنشط بالمناطق الشمالية، وهي حركة منبثقة عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ويقودها (محمد ولد نويمر)، ومعظم عناصرها من العرب. وتدعو الحركة إلى الجهاد في غرب إفريقيا، وتتقاسم السيطرة على المدينة مع (الحركة الوطنية لتحرير أزواد) بعد طرد الجيش المالي منها، وقبل أن تطرد -فيما بعد- عناصر الحركة الأزوادية على خلفية صراع بين الطرفين استمر نحو شهرين. وبينما باتت الحركة تسيطر على عدد كثير من مدن الشمال فإنها أعلنت تطبيق الشريعة الإسلامية فيها.

ويشار إلى أن حركة "التوحيد والجهاد" مسلَّحة بشكل جيد، وممولة بشكل أفضل، حتى أصبحت من أخطر المنظمات الإرهابية في شمال مالي. والغالبية الساحقة من أعضاء الحركة من العرب؛ حيث انشقت الحركة بالأصل عن تنظيم القاعدة بعد رفضه تشكيل كتيبة أو سرية خاصة بالمقاتلين العرب على غرار سرية الأنصار التابعة للتنظيم والتي تضم في عضويتها بالأساس مقاتلين طوارق(2).

وتفيد التقارير الصحفية أن الظهور الأول للجماعة كان في عام 2011، أما بالنسبة إلى الأماكن التي تتحصن الحركة فيها فقد أشار بعض التقارير إلى أن الهضبة الصحراوية الشاسعة الممتدة من منطقة تساليت في أقصى شمال مالي إلى مدينة غاو هي معقل حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا حيث تفرض الحركة سيطرتها بلا منازع على عدد من القرى في تلك المنطقة، ويشار إلى أن حركة "التوحيد والجهاد" مسلَّحة بشكل جيد، وممولة بشكل أفضل، حتى أصبحت من "أخطر المنظمات الإرهابية" في شمال مالي.

وأرجع متابعون من خبراء الحركات الراديكالية أسباب نفوذ حركة "التوحيد والجهاد" المالية والمادية، إلى كونها تتشكَّل من عصابات لتهريب المخدرات، ولأنها أيضًا استولت على كمية كبيرة من الأسلحة الثقيلة القادمة من ليبيا، بعد سقوط نظام الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، فضلًا عن كونها لا تفوِّت فرصة لتضيف المزيد إلى خزائنها باللجوء إلى عمليات الاختطاف بالإضافة إلى نهب المدن.

أما عن جانب البنية الهيكلية لجماعة "التوحيد والجهاد" فقد كشف بعض الوثائق أن الحركة تتشكل قواتها من مقاتلين معظمهم من مالي وموريتانيا، فضلًا عن مقاتلين عرب، وكانت قبل أن تعلن انفصالها عن تنظيم القاعدة، تعمل نيابة عنها في تلك المناطق.

وبفضل ما يتوفر لديها من موارد مالية، وما تملكه من روابط قبلية، وما لها من حضور ميداني، استطاعت حركة "التوحيد والجهاد" طرد جميع مناوئيها الطوارق من مدينة أسونغو بعدما ألحقت بهم هزيمة كبرى في 27 يونيو/حزيران في مدينة قاو، إحدى المدن الثلاث الكبرى في شمال مالي.

3 - حركة الشباب المجاهدين في الصومال

يرجع تاريخ تأسيس حركة الشباب المجاهدين إلى ما بعد عودة شباب الاتحاد الإسلامي إلى الصومال في أوائل التسعينات، وعلى الرغم من أنه لا يوجد تاريخ دقيق لتأسيس هذه الحركة إلا أنه يشار إلى أن التأسيس كان في عام 2004، كما أن هناك خلافًا لدى المحللين بخصوص المؤسس الحقيقي للحركة، لكن القول الراجح لدي المراقبين أن مؤسس الحركة هو أحمد عبد (غودني) المعروف بـ(مختار أبو الزبير) ولكن ظهور نجمها كان في عام 2006 إثر سقوط المحاكم الإسلامية وانتشر اسمها في ذلك الوقت بعد أن تداولته وكالات الأنباء والصحف الدولية، واحتلت مكان الصدارة في الأخبار التي تتناول تطورات الأحداث في الصومال، فعرفها الجميع على أنها حركة "مقاومة" انشقت عن اتحاد المحاكم الإسلامية لتكافح الاحتلال الإثيوبي الذي غزا الصومال في نهاية عام 2006. انشقت حركة شباب المجاهدين عن اتحاد المحاكم الإسلامية في عام 2007، بعد رفضها الانضمام إلى تحالف إعادة تحرير الصومال، معتبرة أن هذا التحالف انحرف عن المنهج الإسلامي الصحيح وضمَّ بين صفوفه علمانيين. كما أن هذا التحالف لا يتفق مع مبادئ حركة الشباب التي تؤكد عدم التفاوض مع المحتل الإثيوبي، فضلاً عن رفضها التعامل مع الحكومة الانتقالية ووصفها لها بالعمالة والانضواء تحت الأهداف والرغبات الغربية والإقليمية حسب أدبياتها.

وضمت الحركة مع بداية تأسيسها أعضاء حاليين وسابقين من تنظيم القاعدة في شرق إفريقيا، وحظي المحاربون القدامى من أفغانستان بامتيازات في داخل الحركة بناء على علاقاتهم القديمة بتنظيم القاعدة، لتكون هذه هي بداية العلاقة بين الحركة والتنظيم.

وتتميّز الحركة بقساوة الفكرة، وشذوذ المعتقدات وشدة الحكم، وتكتيكاتها المدهشة التي أذهلت العقول؛ مما جعل الأحزاب التي كانت ضدها تتصدع أمام هجماتها الشرسة مثل الحزب الإسلامي الذي انهار أمامها نتيجة صراع سياسي أدى إلى معركة فاصلة.

وإلى جانب ذلك تتمتع الحركة بقوة تنظيمية بين أفرادها، وبالحفاظ أيضًا على التسلسل الهرمي للإدارة، رغم الصفعة الشديدة التي تلقتها مؤخرًا بمقتل زعيمها في الأول من سبتمبر/أيلول عام 2014.
وتستهدف عملياتها أساسًا قوات أميصوم وفريق الأمم المتحدة وتسهيلاته، بما في ذلك مؤسسات الأمم المتحدة، وأعضاء القطاع الأمني في المؤسسات الحكومية كالقضاة والسياسيين والشخصيات الفعالة في المجتمع.

الأهداف والمعتقدات

1. تطبيق الشريعة الإسلامية على وجه الكرة الأرضية.
2. كفر الأنظمة والحكومات.
3. الجهاد ماض إلى يوم القيامة.
4. محو الكفر العالمي من على الأرض.
5. عدم الاعتراف بجميع المؤسسات والهيئات الدولية.
6. عدم اعتقاد الحدود المرسومة بين الدول.

وهذه الجماعات يمثل ارتباطها بعصابات الجريمة المنظمة المحلية منها والعابرة للحدود، وتشابك علاقاتها معها بداية الطريق للتدمير، والرفض العنيف لكل شيء ابتداء من أنظمة الحكم. ويزداد القلق على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي من تفشي الجماعات الإرهابية حتى أصبح نشاطها الهدام بمثابة وصفة جديدة للفوضى.

ورغم الجهود الجبارة التي تبذلها الولايات المتحدة والاتحاد الإفريقي لمكافحة الإرهاب الدولي في المنطقة إلا أن هناك شبه إجماع لدى المراقبين الغربيين والإفريقيين بأن الوضع ازداد سوءًا وتعقيدًا، وظلت الجماعات المتشددة تنفذ عملياتها بهدوء في أرقى التجمعات التجارية وأمنعها، وما حدث في مجمع "ويست غيت" في العاصمة نيروبي ظهر يوم السبت 21 من سبتمبر/أيلول عام 2013 يكفي دليلًا؛ ما يعني أن الجهود المبذولة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الإفريقي لكبح جماح العمليات الإرهابية في القارة لم تصبح حسب المتوقع أو لم تحقق شيئًا يُذكر، بغضِّ النظر عن بعض الغارات الجوية -على مواقع هذه الجماعات- التي تم تنفيذها في المنطقة مؤخرًا.

ويكون قطاع السياحة الأكثر تضررًا في الدول بالنظر إلى أن أغلب العمليات الإرهابية تستهدف السياح الأجانب والمناطق السياحية، كما تؤدي العمليات الإرهابية إلى توجيه مخصصات أكبر لأغراض الأمن والدفاع بما يمثل استقطاعًا من الموارد التي يمكن توجيهها نحو أغراض تنموية أخرى.

على الرغم من احتواء المنطقة على ثروات ضخمة إلا أنه في ظل هشاشة الحدود انتشر الفقر والمجاعة والبطالة والأمية بين قطاعات كبيرة من المواطنين في القارة، كما انتشرت أنواع مختلفة من الأسلحة وأشكال من الجريمة المنظمة مثل تجارة المخدرات مما يعزز احتمالات لجوء المواطنين وخاصة من الشباب إلى العنف لمواجهة الفساد واستخدام تفسيرات دينية خاطئة لتبرير استخدام العنف ضد الحكومات والدول.
وتشكِّل الحركة تحديًا أمنيًّا للحكومة الصومالية، ومحاولات بناء الدولة فيها عن طريق استهداف مسؤوليها، وزرع عبوات ناسفة لها، وشنِّ هجمات على المرافق الحكومية، كما تشكِّل الحركة خطرًا على كينيا المجاورة للصومال.

أما بالنسبة لمستقبلها فالحركة الآن تقف الآن أمام منعطف خطير إثر مقتل زعيمها مما ينبئ بأن شمس زمانها في غياب، وهناك شبه اتفاق لدى المحللين المختصين على أنه لا مجال لبقاء الحركة في أدغال الصومال لأسباب، أهمها: عدم دراية الأمير الجديد بضبط الأمور، وعدم وجود حاضنة شعبية في داخل المنظومة الصومالية، وأيضًا ضعف الولاء التنظيمي له، وعدم وجود قادة تنظيميين في هذه المرحلة. وبناء على هذا، يمكن القول: إن نسبة كبيرة من عناصرها ستستسلم إلى الحكومة عاجلًا أو آجلًا، والقسم الآخر من المنطقي القول: إنهم سيذهبون إلى منازلهم وأسرهم، والاحتمال الأخير هو الذي سيكثُر لكونه أقل خطرًا وأسلم من الأول.

الآفاق المستقبلية لهذه التنظيمات وانعكاساتها على أمن القارة
لا يشك المراقب لنشاط هذه الجماعات وتحركاتها في أنها سوف تشكِّل تحديًا أمنيًّا كبيرًا على المنطقة، وينعكس ذلك على الحالة الأمنية للقارة. ومن الملاحظ أن بقاء هذه التنظيمات يستند على ثلاث ركائز:

أولًا: العدد الكبير من الأتباع والمجندين من الأطفال، خاصة من الدول المجاورة في المنطقة، التي تعاني كثيرًا من الاضطراب الداخلي، مثل: الصومال، وتشاد، والنيجر، والذين يعبرون بسهولة الحدود النيجرية.

ثانيًا: الدعم المالي الكبير الذي تتلقاه هذه الجماعات من السياسيين وبعض الأغنياء، خصوصًا الذي يؤمنون بشدة باستمرار عمليات جماعة ما من هذه الجماعات، والتعويضات التي يقدمونها لمن يصابون أثناء تنفيذ عملياتها وكذلك لأقارب الانتحاريين من الجماعة.

ثالثًا: التأثير الكبير لمنظِّري الحركة الذين يقومون بالتأطير الفكري لأعضاء الحركة ويستغلون علاقاتهم مع التنظيمات الخارجية، الموصوفة من طرف بعض الجهات بالإرهابية، كحركة الشباب وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي من أجل كسب مجندين جدد.

وبناء على هذا يتكهن خبراء مهتمون بشؤون إفريقيا بأن تشهد القارة السمراء خلال السنوات العشر القادمة قدرة تنظيم القاعدة على تحقيق تواجد قوي فيها، خاصة في منطقة الوسط ما يؤثر سلبًا على الحالة الأمنية في المنطقة. ويعتقد الخبراء أيضًا بناء على معلومات رصدتها الجهات المعنية بمتابعة القاعدة في المنطقة، أن التنظيم يرغب في أن يكون له احتياطيات استراتيجية في بعض الدول الإفريقية، حتى تستطيع كوادره أن تجد ملاجئ آمنة في دول تعاني من بعض الاضطرابات السياسية؛ مما يمكِّن القاعدة من إخفاء قيادييها وكوادرها بأوراق مزورة، أو باصطناع هويات رسمية. فمستقبل نماذج القاعدة في إفريقيا قابل للانتشار والزيادة، ما دام هناك الفقر، والبطالة، والفساد، وعدم وجود عدالة في التوزيع، وعدم قيام رجال الدين الإسلامي بمهامهم على الوجه الأكمل، إضافة إلى الانتهاكات الصارخة التي تقوم بها حكومات بعض الدول الإفريقية تجاه مواطنيها ومعارضيها.

مسار الأزمة ومصيرها على ضوء ما صدر عن القمة

لاحظ البيان الذي صدر من هذه القمة أنه نظرًا لخطورة التهديد الذي يطرحه الإرهاب بالنسبة للقارة فقد شدَّد المؤتمر على الضرورة العاجلة لبذل جهود متجددة على درب التنفيذ الفعلي لإطار الاتحاد الإفريقي حول مكافحة الإرهاب.
وبعد القلق والمخاوف التي عبَّر عنها الرؤساء الذين حضروا القمة تجاه المنطقة المتوترة، اتفق رؤساء وحكومات الاتحاد الإفريقي على أن القارة السمراء ما زالت تواجه العديد من التحديات، والارهاب الذي يشكِّل تحديًا كبيرًا فيها.
وكان من أهم نقاط البيان الذي صدر من القمة التالي:

(1) التعاون والتنسيق مع الشركاء الدوليين، وتبادل المعلومات حول نشاطات وتحركات الجماعات الإرهابية، وذلك من خلال المشاركة والمساهمة من كل أعضاء الدول وأجهزة الاستخبارات في مراقبة تحركات التنظيمات الجهادية، وإفشال العمليات الإرهابية التي ترمي إليها هذه الجماعات.
(2) ضرورة إيجاد عمل دولي محدد من أجل حرمان الجماعات الإرهابية والمتطرفة من كل دعم مالي أو آخر مباشر أو غير مباشر، وهي تتمثل في أخذ خطوات جديدة تهدف إلى تجفيف منابع اقتصاد هذه الجماعات.
(3) إنشاء المركز الإفريقي للدراسات والبحث حول الإرهاب.
(4) ينبغي على كافة دول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي تعزيز الأمن بصفة عامة.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: إلى أي مدى يمكن للقادة الأفارقة الذين شاركوا في هذه القمة تغيير الوضع الأمني المتردي للقارة؟ وكيف يمكن لهم توقيف أو تقليل الهجمات الإرهابية في القارة؟ وما هي انعكاساتها على أمن القارة؟
وللإجابة على هذا السؤال، نشير إلى عدة نقاط يكون القيام بها إنقاذًا للقارة من كل التوترات والإرهاب الذي تعانيه، وربما يمكن للقادة الإفريقيين تبديل الوضع إذا ما قاموا بالنقاط التالية:

(1) منع الجماعات الإرهابية من الحصول على أي شكل من أشكال الدعم المالي، وتجفيف منابعها.
(2) عدم توفير الملاذ الآمن لهم، وتبادل المعلومات مع الحكومات الأخرى عن أية جماعة تمارس أعمالًا إرهابية أو تخطط لها.
(3) التعاون مع الحكومات الأخرى في التحقيق في تلك الأعمال الإرهابية، واكتشافها، واعتقال المشتركين فيها وتسليمهم وتقديمهم للعدالة.
(4) فرض السيطرة بيد من حديد على الوضع الأمني للقارة ومداخله، حتى لا يسهل وقوع أية عملية إرهابية.
(5) الحذر من الفساد المنظَّم المستشري في القارة حتى لا يؤثر على الأمن.

ولئن كان الصراع والتوتر في إفريقيا أصبح السمة البارزة للقارة، فإنه ترك تدهورًا وفراغًا أمنيًّا على الوضع، وعلى الرغم من صعوبة التنبؤ أو الجزم بشأن المصير الذي قد تتجه نحوه القارة، فإن استقراء أحداث المنطقة يشير إلى أن السيناريو الأقرب هو تفاقم الحالة الأمنية للمنطقة التي تشهد يومًا بعد يوم مزيدًا من الاضطراب؛ ما يغيِّر المعادلات السياسية في المنطقة تمامًا، خصوصًا أن منظمة الشرطة الدولية (الإنتربول) حذرت الأسبوع الماضي من تهديدات أمنية جديدة سوف تواجه القارة، إذا لم يدرك القادة الأفارقة خطورة الموقف، ويتخذوا أسباب الوقاية منها.

هذا إلى جانب التكاتف الدولي والجهود الجبارة التي يبذلها الاتحاد الإفريقي بشأن توقيف العمليات الإرهابية في المنطقة، إلا أن قمة الاتحاد الإفريقي هذه بشأن تقليل الأخطار الناجمة عن هذه الجماعات أو التعهد بمكافحة الإرهاب، والتي تحظى بموافقة كافة الدول أعضاء الاتحاد ستكون مُحكًّا رئيسيًّا في الكشف عن مسار المشكلة في المرحلة القادمة.

ووسط هذه الأجواء الضبابية يتكهن المحللون بأنه سوف يزداد العنف في إفريقيا ليسود في الواجهة إلى حين، إذا لم تتسلح بالمقومات الأساسية والأدوية الناجعة التي توفر الأمن والرخاء وتعيد الهدوء للقارة السمراء. وعليه، فإنه ما لم ينهض الأفارقة ويحملوا على عاتقهم عبء التطور والتنمية في مجتمعاتهم، لن تُجدي مثل هذه القمم والمؤتمرات نفعًا، وإنما ستشهد مزيدًا من العنف والتوتر، وهذا هو التحدي الأكبر.
_________________________________________________
* كمال الدين شيخ محمد عرب، كاتب وباحث كيني.

الهوامش والمراجع:
(1) مركز السكينة للبحوث والدراسات، انظر هذا الرابط:
: http://www.assakina.com/center/parties/50381.html#ixzz3Prtq2hdB
(2) شبكة الجزيرة نت، انظر الرابط:
http://www.aljazeera.net/news/reportsandinterviews/2013/1/15/%D8%AD%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D8%AD%D9%8A%D8%AF-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%87%D8%A7%D8%AF-%D9%81%D9%8A-%D8%BA%D8%B1%D8%A8-%D8%A3%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A7

نبذة عن الكاتب