مأزق العبادي: بناء دولة وطنية بميليشيات طائفية

وعد حيدر العبادي بإصلاح اختلال النظام السياسي نتيجة المحاصصة الطائفية، لكن تطبيق برنامجه سيقضي على بقائه في السلطة، لأنه يهدم قاعدته المكونة من المليشيات الطائفية التي أوصلته للحكم وثبَّتته فيه.
201542092355188580_20.jpg
العبادي مكبل بقيود الطائفية (أسوشيتد برس)

ملخص
فور تسلمه مهمة تشكيل الحكومة العراقية شرع حيدر العبادي بمحاولات إعادة صياغة وتشكيل المجالين السياسي والاجتماعي، وأعلن برنامج حكومته الذي ركَّز على محاربة الفساد، ولإثبات ذلك قاد حملة إصلاحات في وزارتي الدفاع والداخلية.

وخلاصة الأمر أن تطييف العملية السياسية أدى إلى شلل العملية السياسية وأجهزة الدولة، وأعاق عملية مأسسة السلطة، وهو بشرعنته للولاء الطائفي صبغ المسار السياسي بطابع الصراع والعنف، ومن ثَمَّ غيَّب الهوية الوطنية ومبدأ المواطنة، وهمَّش منطق الحقوق والحريات والالتزام بالقانون، وهو بذلك عامل تفتيت للدولة والمجتمع.

مقدمة

فور تسلمه مهمة تشكيل الحكومة العراقية شرع حيدر العبادي بمحاولات إعادة صياغة وتشكيل المجالين السياسي والاجتماعي، وأعلن برنامج حكومته الذي ركَّز على محاربة الفساد، ولإثبات ذلك قاد حملة إصلاحات في وزارتي الدفاع والداخلية. بَيْدَ أن هناك مجموعة تساؤلات تطرح نفسها للنقاش، وهي: في ظل هذه المتلاطمات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تعصف بالدولة والمجتمع العراقي اليوم، هل ينجح العبادي في تحقيق هدفه؟ وإذا نجح في محاربة الفساد المالي والإداري، فهل ينجح في محاربة الفساد السياسي؟ وهل محاربة الفساد المالي والإداري تؤدي إلى مزيدٍ من الاندماج داخل المجتمع العراقي، أم أن محاربة الفساد السياسي تستلزم محاربة كل أشكال الفساد، وتؤدي إلى مزيد من الاندماج بين مكوِّنات المجتمع؟

ولتحليل ما تقدَّم، تم تقسيم الورقة إلى محاور ثلاث، هي: 

  • مُدخلات العملية السياسية.
  • مُخرجات العملية السياسية.
  • التداعيات.

أولًا: مُدخلات العملية السياسية

في مخططه لتحليل النظم السياسية، يرى ديفيد إيستون (David Easton) أن حجم مُخرجات النظام السياسي تتناسب مع حجم المُدخلات الجارية عليه، وبالضرورة -حسب إيستون- أن طبيعة المُخرجات تتناسب مع طبيعة المُدخلات(1).

لذا عند قراءة مُدخلات العملية السياسية في العراق، نجدها تمحورت في أركان ثلاث، هي: الطائفية، والمحاصصة، وصراع القيم(2).

فمنذ أن أعلن بول بريمر رئيس الإدارة الأميركية في العراق (سلطة الائتلاف المؤقتة) عن تأسيس (مجلس الحكم الانتقالي) في 13 من يوليو/تموز 2003، شهد الشأن السياسي العراقي استقطابا حادًّا مسَّ كل مفاصله، فكريًّا ومذهبيًّا وسياسيًّا، وفق مسارات طائفية(3)؛ حيث اصطفَّ الجميع طائفيًّا حتى إن أقصى اليسار (الحزب الشيوعي العراقي) اصطف مع أقصى اليمين (الأحزاب الإسلامية الشيعية) خلف هوية مذهبية واحدة؛ فجاءت تشكيلة المجلس لتعبِّر عن حجم الفساد السياسي الذي ارتضته كل القوى المشاركة في العملية السياسية، فهي لم تصطف وطنيًّا، وإنما اصطفت طائفيًّا وعرقيًّا.

إن الفساد السياسي للعملية السياسية في العراق لم يتوقف عند هذا الحد، بل تجاوزه إلى تحويل التعددية المجتمعية إلى تعددية سياسية، لم تقم على أساس الأغلبية السياسية بقدر ما قامت على أساس الأغلبية المجتمعية، وهي بذلك أغلبية عمودية تقسِّم المجتمع على أساس العلاقات الأولية والانتماءات الطائفية والمذهبية والإثنية؛ لذلك فإنّ الأحزاب التي نشأت في هذا المشهد هي أحزاب طائفية مذهبية عرقية تعتمد على الجماعة أو الطائفة، وتعدُّها الأصل في الوجود(4)، فباتت تشكيلات مجتمعية ليس لها حضور ووجود خارج إطار مكونها المجتمعي، الذي أضحى يشكِّل هويتها الأساس وآصرتها المتحكمة(5).

ونتيجة لتطييف جميع مفاصل الدولة العراقية بكل مؤسساتها وتشكيلاتها، تحوَّلت القوى السياسية إلى مجاميع متنازعة ومتصارعة، وهي بهذا اللباس الطائفي غير قابلة للتوحُّد على المدى الطويل في ظل كيان سياسي متماسك أو دولة وطنية موحدة؛ مما أسهم في تقطيع أواصر الثقة ومنظومة القيم المجتمعية التي تدعمها. ففي الوقت الذي يفترض من السلطة السياسية أن تعمل على تعزيز وتنمية الثقة المتبادلة بين المكونات المجتمعية، فإنها أسهمت في تمزيقها، وهو ما يعدُّ عائقًا أمام عملية بناء الدولة (6).

وبذلك أضحت الطائفية والإثنية المرجعية الوحيدة في الميدان، وبرز منطق الاختلاف والتنافر والتخاصم بدلًا من التجانس، وباتت التعددية المجتمعية عاملَ تهديدٍ، ليس لشرعية النظام فحسب بل لشرعية الدولة أيضًا، وبذلك تحوَّلت العملية السياسية من صيغة لتحقيق المشاركة السياسية إلى صيغة لتقاسم مراكز السلطة والحكم عبر محاصصة لكل مفاصل الدولة وفقًا للمكون المجتمعي، وهذا -بحد ذاته- يعني تجذير الطابع الطائفي لشكل السلطة؛ الأمر الذي يلغي إمكانية تحقيق التمثيل الوطني، ناهيك عن فعليَّة التمثيل الحقيقي للطوائف.

إن هذا الفساد السياسي الذي مورس بحق المجتمع العراقي، نقل الولاء من الوطن إلى الطائفة وما تبعه من موالاة للهوية الفرعية على حساب تهميش الانتماء للهوية الوطنية، ومن ثَمَّ غياب الفواصل واختلاط العلاقة بين المجتمع السياسي والمجتمع الأهلي (التقليدي)؛ مما مزَّق شعور الولاء للدولة، وغيَّب أشكال الثقة بها(7).

إن تطييف السياسة والمجتمع في العراق يعود إلى عوامل حزبية ضيقة تعمل على إذكاء وتأجيج منطق الشك والارتياب، ومن ثَمَّ الاختلاف والتنافر والتنابذ والصراع، بما يحقق لها حشدًا تعبويًّا ضد الخصوم من جهة، ويدعم مواقفها السياسية داخل المجتمع؛ ومن ثَمَّ محاولة فرض هيمنة قوية على السلطة من خلال عدّ العملية السياسية مباراة صفرية من جهة أخرى. لذا تعمل هذه القوى الحزبية في خضم هذا المعترك على توظيف منطق الاختلاف الديني والمذهبي والقومي في خدمة أهدافها، وتأييد سلطتها وسطوتها ومركزيتها الاجتماعية-السياسية، وهي بذلك تعمل على ترسيخ الموالاة المذهبية والطائفية حتى تُصبح الطائفة كتلة اجتماعية-سياسية تُقاد وفقًا لشعاراتها وطموحاتها، وغالبًا ما يتم توظيف الدين والرموز الدينية في خدمة هذه الشعارات والطموحات، وبذلك يغدو الزعماء السياسيون قيِّمين على الطوائف والمذاهب ومؤهلين حصريين لتمثيلها في تبوُّء مراكز السلطة(8).

وخلاصة الأمر أن تطييف العملية السياسية أدى إلى شلل العملية السياسية وأجهزة الدولة، وأعاق عملية مأسسة السلطة، وهو بشرعنته للولاء الطائفي صبغ المسار السياسي بطابع الصراع والعنف، ومن ثَمَّ غيَّب الهوية الوطنية ومبدأ المواطنة، وهمَّش منطق الحقوق والحريات والالتزام بالقانون، وهو بذلك عامل تفتيت للدولة والمجتمع.

ووفقًا لهذه المدخلات، فإن دولة المواطنة وسيادة القانون تختفي. فهل تنجح مُخرجات العملية السياسية في إقامتها؟ وهل تستطيع هذه المُخرجات تحجيم وإزالة تموضعات القوة داخل العملية السياسية؟

ثانيًا: مخرجات العملية السياسية

استنادًا لتحليل إيستون، فإن طبيعة المدخلات تحدِّد بشكل كبير طبيعة المخرجات، ولما كانت مُدخلات العملية السياسية في العراق تحددت بالتطييف والمحاصصة وصراع القيم، ومن ثَمَّ إفساد المجال السياسي عبر استبدال أدواته التنافسية المفترضة بأخرى صراعية؛ لذلك كان من الطبيعي أن يكون نفي الآخر المختلف طبيعةً لهذا الصراع، ومن ثَمَّ فإن جوهر العملية السياسية لا يعني تحقيق المشاركة السياسية بقدر ما يعني تقاسم مراكز السلطة والحكم، أو بالأحرى الاستئثار بها لصالح فئة ضد فئات أخرى، وآية ذلك ما جرى من عُرف سياسي عراقي منذ عام 2005 بأن يكون رئيس الوزراء عربيًّا شيعيًّا، ورئيس البرلمان عربيًّا سنيًّا، ورئيس الجمهورية كرديًّا، وهو منطق يلغي إمكانية تحقيق التمثيل الوطني، ناهيك عن التمثيل الحقيقي للطوائف.

لذلك نلحظ أنه لغرض تجذير الطابع الطائفي لشكل السلطة في ممارسة السلوك، حُكِم العراق وفقًا لفرضية التماهيات المركزية التي حرص الماسكون بالسلطة أن تكون وفقًا لمعادلتين: 

  • الأولى: تكوين تماهيات فضفاضة بين السُّنَّة، والبعث، والإرهاب.
  • والثانية: تكوين تماهيات فضفاضة بين مفهوم المظلومية، والشيعة، وإيران. وأيُّ جزء في المعادلتين يعني أنه بالضرورة الحتمية يحمل بقية الصفات في تلك المعادلة؛ لهذا نجد أن التطييف حوَّل العملية السياسية إلى مباراة صفرية الرابح فيها يربح كل شيء، والخاسر فيها يخسر كل شيء. ووفقًا لهذه التماهيات، انعكس سوء التوزيع في الموارد بين الفئات؛ ما أدى إلى انعدام العدالة التوزيعية وما نتج عنها من إعطاء فئات امتيازات معينة وحرمان فئات أخرى منها؛ مما ولَّد شعورًا بالحرمان نتج عنه إحساس بالاختلاف القيمي بين المكونات، والأخير بدوره عزَّز الشعور بالاحتكام للهوية الفرعية والتركيز عليها نتيجة للعمل الدؤوب على إعادة إنتاج بنى النظام التقليدي، حيث العصبية القبلية والطائفية والمذهبية والعرقية هي التي تسود، وبذلك شعر كل مكونات المجتمع العراقي بأن منظومته القيمية أصبحت في خطر، فاندفع إلى الانكباب على الهوية الفرعية.

ومن جهة أخرى، ووفقًا لطبيعة المدخلات نجد أن جميع القوى السياسية السنية والشيعية والكردية لم تستطع الخروج من منطقها الطائفي-العرقي في التعبئة والحشد ضد الآخر المختلف إما اضطرارا أو اختيارا؛ لذلك أعلن الجميع إيمانه بالديمقراطية فكريًّا وبنقضها إجرائيًّا، وإلا كيف نفسِّر عملية شخصنة السلطة وما جرى حولها من اصطفافات عندما فازت القائمة العراقية في انتخابات 2010 بـ(91) مقعدًا مقابل (89) مقعدًا لائتلاف دولة القانون، ورغم التنافس الحزبي داخل التحالف الوطني إلا أن الجميع اصطفَّ طائفيًّا لاسيما حين نجح المالكي في إثارة مخاوف الشيعة من أن صعود العراقية يمثِّل عودة البعث للسلطة، ونجح في كسب الدعم الإيراني في سياق العملية التفاوضية بعد الانتخابات، وهو ما ترُجم إلى ضغط قوي على الأحزاب الشيعية للقبول بولاية ثانية له(9). وبذلك تنكَّر الجميع للديمقراطية وارتضى تسييس القضاء لحرمان الآخر المختلف من الوصول إلى السلطة، وجرى إفراغ العملية السياسية (للديمقراطية) من حقيقتها بوصفها وسيلة للتداول السلمي للسلطة، بموجب قرار المحكمة الاتحادية العليا في الدعوى المرقّمة (25/اتحادية 2010) (10)، والخاصَّة بتفسير تعبير "الكتلة النيابية الأكبر" الوارد في المادة (76) من الدستور العراقي لعام 2005، والذي جرى بموجبه تكليف ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي، بالرغم من فوز ائتلاف العراقية بانتخابات عام 2010.

ونفس هذه الاصطفافات حدثت وأفرغت الديمقراطية من محتواها ومعها النظرية البرلمانية التي تقول بالتوازن والتعاون بين السلطات في النظام البرلماني بموجب قرار المحكمة الاتحادية العليا(11)، الذي قضى بعدم حق البرلمان بالتشريع، وأعطت لمجلس الوزراء حصرًا حق تقديم واقتراح مشاريع القوانين، فضلًا عن الإقصاء السياسي واتهام الخصوم السياسيين بالإرهاب، كما حدث مع نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، ووزير المالية رافع العيساوي، والنائب أحمد العلواني.

وانعكست هذه الطوأفة-الشخصنة على أداء جهاز الدولة، الذي اتسم بالضعف والتسييس نتيجة لتلك الاصطفافات-الانقسامات، فأصبح جهازًا يعمل لخدمة الجهة السياسية والمكوّن الاجتماعي الذي ينتمي إليه المسؤول بدلًا من أن يعمل لتحقيق مصالح الدولة والمجتمع معًا.

ونتيجة لهذه الطوأفة-الشخصنة فإن العملية السياسية في انتخابات 2006 و2010 وحتى في انتخابات 2014 لم تخرج عن المسار الطائفي والاصطفافات الطائفية والإثنية للمكون المجتمعي لعموم المجتمع العراقي، ومن ثَمَّ فإن نتائجها أيضًا لا تخرج عن هذا المسار، إذ لا يمكن للعبادي أو غيره أن يتجاوز بسرعة هذه الترسبات، فتولي مناصب الرئاسات الثلاث (الجمهورية، الوزراء، البرلمان) لا تخرج عن هذه الاصطفافات، فعلى الرغم من دعوته إلى تقديم مرشحين أكفاء نجد أن حكومة العبادي مرَّت بمنعطف خطير منذ بدايتها عبر تسنُّم قيادي في منظمة بدر لحقيبة الداخلية، وهو مؤشر يعيد إلى الذاكرة استسلام الدولة المدنية إبَّان استعار العنف الطائفي 2006-2007، حين تم دمج الميليشيات في المؤسسات الأمنية، فأصبح السلاح خارج سلطة الدولة وما ترتب على ذلك من عنف على الهوية وفقدان للسلم القيمي، واليوم يتكرر نفس المشهد في إدارة الملف الأمني حين أُسندت حقيبة الداخلية لمنظمة بدر (الجناح العسكري للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق-سابقًا)، ولم يتأخر وزير الداخلية في ذلك حين أعلن طلب مساعدة من أسماهم "الفصائل الجهادية" بضبط الأمن في بغداد(12).

فالعبادي -وفقًا لهذه الترسيمة- لا يستطيع مغادرة هذه القوالب إلا إذا خلع رداء الحزب والطائفة والمذهب وارتدى رداء الوطن والهوية الوطنية، لاسيما أن المجال السياسي للعبادي يشهد ضغوطًا متوالية سواء من خصومه أو غرمائه أو حزبه أو ائتلافه أو تحالفه الوطني، وكل جهة لها أجندة خاصة بها تتعارض أحيانًا وتلتقي أحيانًا أخرى، غير أنها دائمًا مستعدة للاصطفاف ضد الآخر المختلف. لذلك فإن هذه المرحلة من حكم العبادي لن تقود إلى درجة عالية من الاندماج، وإنما تفتح أفقًا نحو إيجاد حلول سياسية لمشاكل مستعصية منذ أكثر من عقد من الزمان، وهو أمر يتطلب من العبادي أن يُبدي المزيد من الجرأة في التنظيم والممارسة والسلوك.

ثالثًا: التداعيات

يمكن وضع مشهدين لهذه التداعيات ضمن إطار معادلة الاندماج والتفكك:

المجال السياسي الذي يمارس به العبادي سياسته مليء بالمتناقضات التي لا يستطيع أن يتملص منها في المرحلة الراهنة، فمن جهةٍ نجد المعادين للإصلاح يمتلكون تموضعات للقوة والنفوذ داخل وخارج أروقة السلطة، فهم من جهة صُنّاع قرار أو مُسهِمون فيه أو في أسوأ تقدير مؤثرون فيه، ومن جهة ثانية هم يسيطرون بشكل مباشر أو غير مباشر على خيوط المشهد الأمني من خلال العلاقة المباشرة أو غير المباشرة مع الميليشيات تارة، أم من خلال استيعاب الميليشيات المسلحة في أجهزة الدولة الأمنية تارة أخرى؛ مما يوفِّر لهم الدعم والإسناد ضد خصومهم (مثال ذلك ارتباط ميليشيا العصائب بمكتب نوري المالكي)، ومن ثَمَّ إمكانية عرقلة خطوات العبادي وإفراغها من محتواها. لذا فإنّ الإصرار على تطييف الممارسة السياسية وتقاسم مراكز السلطة في الدولة على أساسه، أجبر العبادي على أن يجعل حقيبة الداخلية لمنظمة بدر المتحالفة مع المالكي، والتي لم تُعطِ صوتها لترشيح العبادي لرئاسة الوزراء، ومن ثَمَّ فإن تصريح وزير الداخلية فور تسلمه حقيبة الوزارة إلى دعوة ما أسماها "الفصائل الجهادية" لمساعدة وزارته على ضبط الأمن في بغداد، لهو تحدٍّ صريح لبرنامج العبادي ورسالة واضحة إلى كل معارضيهم بأنهم هم أصحاب الكلمة والسلطة؛ مما يؤشِّر على إمكانية تحول هذه الوزارة إلى دولة داخل الدولة؛ إذ إن جعل السلاح والقوة خارج إطار الدولة يزيح عن المشهد السياسي حُلم الدولة المدنية وحلم التعايش والاندماج في العراق، لاسيما في ظل محاولات استيعاب ما يُسمى بـ"الحشد الشعبي" في المؤسسة العسكرية للدولة، مقابل رفض تسليح العشائر السُّنِّية لمواجهة خطر الجماعات المسلحة في مناطقها.

إن هذا الإصرار على ممارسة الطائفية السياسية عبر محاصصة العملية السياسية وتقاسم مغانم السلطة، كفيلٌ بإعادة العراق إلى سيناريو الاقتتال الطائفي في أعوام 2005- 2007، ومن ثَمَّ تجسيد الدولة الإقصائية بكل قسماتها.

وختامًا، فإن القضاء على الطائفية السياسية يُعدُّ خطوة لا بديل عنها نحو الاندماج في المجتمع العراقي.
________________________________
وليد سالم - باحث في الشؤون السياسية العراقية.

الهوامش
(1) David Easton," An Approach to the Analysis of Political Systems", World politics, 3,(1957): 383-400.
(2) لمزيد من التفاصيل: وليد سالم محمد، "مأسسة السلطة وبناء الدولة الأمة: دراسة حالة العراق"، (عمّان، الأكاديميون للنشر والتوزيع، 2014)، ص261-375.
(3) عبد الحسين شعبان، "المشهد العراقي الراهن: الاحتلال وتوابعه في ضوء القانون الدولي"، المستقبل العربي، العدد 297، (2003)، ص64.
(4) ياسين سعد محمد، "إشكاليات الديمقراطية التوافقية وانعكاساتها على التجربة العراقية"، المستنصرية للدراسات العربية والدولية، العدد 72، (2008)، ص65، 66.
(5) المرجع السابق، ص68.
(6) علي حسن الربيعي، "تحديات بناء الدولة العراقية: صراع الهويات ومأزق المحاصصة الطائفية"، المستقبل العربي، العدد 337، (2007)، ص85، 86.
(7) وليد سالم محمد، "مأسسة السلطة وبناء الدولة الأمة: دراسة حالة العراق"، ص347.
(8) الربيعي، "تحديات بناء الدولة العراقية: صراع الهويات ومأزق المحاصصة الطائفية"، ص95، 96.
(9) حارث حسن، "الأزمة الطائفية في العراق إرث من الإقصاء"،
http://carnegie-mec.org/2014/04/23/%A1/h8vh#
 (10) المحكمة الاتحادية العليا، الدعوى المرقمة (25/ اتحادية 2010)، في: 25 مارس/آذار 2010.
(11) المحكمة الاتحادية العليا، الدعوى المرقمة (44/ اتحادية 2010)، في: 12 يوليو/تموز 2010.
(12) مؤتمر صحفي لوزير الداخلية، المدى برس،
 http://www.all-agencies.com/iq/l.php?id=273432

نبذة عن الكاتب