محددات نجاح الثورات: الثورة المصرية مقارنة بالثورتين الهندية والإيرانية

تخلص هذه الورقة إلى أن الحالة المصرية أمامها الكثير لتحقيق النجاح؛ مقارنة بالثورتين الهندية والإيرانية، وعليها التركيز على خيار السلمية بشكل أساس، ولا تنجر إلى العنف أو عسكرة الثورة الذي يصب في صالح النظام المصري.
201562352711976734_20.jpg
(الجزيرة)

ملخص
يتوقف نجاح أو فشل أي ثورة على مجموعة من المحددات الداخلية والخارجية، فضلاً عن المنهج الذي تتبعه في عملية التغيير، سواء كان سلمًا أو عنفًا أو الجمع بينهما؛ هذه المحددات ربما تحدد أيضًا المدى الزمني اللازم لتحقيق الثورة أهدافها. وبالنسبة للحالة المصرية، فقد سادت نبرة تفاؤلية منذ الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي في الثالث من يوليو/تموز عام 2013 على أن عودته إلى الحكم باتت وشيكة؛ مما جعل أنصاره يتمسكون باعتصامهم في رابعة والنهضة.

لكن بعد فضِّ هذين الاعتصامين بات الحديث حتى داخل أنصار التيار الثوري خاصة الإخوان عن إمكانية نجاح الثورة، وهل السبب في الفشل يرجع إلى المنهج "السلمي"، وبالتالي لابُدَّ من إجراء مراجعات لهذه الاستراتيجية أم إلى غياب هذه المحددات؛ ومن ثم فإن هذه الورقة تحاول الإجابة عن هذا السؤال تحديدًا من خلال إجراء مقارنة بين الحالة المصرية والثورتين الهندية والإيرانية.

وقد خلصت الورقة إلى وجود تباينات كبيرة في هذه المحددات لصالح هاتين الثورتين، أو بمعنى آخر: فإن الحالة المصرية أمامها الكثير لتحقيق هذا النجاح؛ الذي لابُدَّ أن يرتكز على خيار السلمية بشكل أساس، ولا ينجر إلى العنف أو عسكرة الثورة الذي يصب في صالح النظام.

مقدمة

قد تتفق الثورات في الغايات "الإطاحة بالنظم المستبدة"، وتتشابه في المحددات "الداخلية والخارجية التي تشكل وقودًا لها"، وربما تتباين في الآليات "الاستراتيجيات والوسائل"، والمآلات "نجاح أو فشل".

فنجاح أو فشل أي ثورة في تحقيق أهدافها، والمدى الزمني اللازم لذلك، وكذلك التكلفة البشرية والمادية اللازمة والمطلوبة يتوقف على مجموعة من المحددات الداخلية والخارجية؛ التي ربما تجعل ثورة تنجح بتكلفة أقل في مدى زمني أقل أو أكثر، والعكس صحيح أيضًا.

ومن هنا قد يكون من المفيد -ونحن بصدد بروز ظاهرة ثورات الربيع العربي قبل أربع سنوات- تناول هذه المحددات؛ لاسيما أن المنطقة بحسب بعض المحللين لا تزال في مرحلة المد الثوري؛ التي لم تتوقف عند الإطاحة ببعض هذه النظم؛ كما هو في حالات مصر واليمن وليبيا، أو انتصار الثورة المضادة عقب الإطاحة بالنظم المنتخبة "الحالة المصرية".

لذا سوف نحاول في هذه الورقة تناول الإطار النظري للمحددات الداخلية والخارجية؛ التي تؤثر على الثورات بصفة عامة، ثم تطبيق ذلك على الحالة المصرية بعد الانقلاب الذي شهدته البلاد في الثالث من يوليو/تموز عام 2013، وبروز حالة ثورية جديدة، من خلال عقد مقارنة بينها وبين كلٍّ من الثورتين الهندية والإيرانية؛ باعتبار التشابه فيما بينها في كلٍّ من الغاية والاستيراتيجية "السلمية"؛ مع وجود تباينات تميز كلاًّ منها وتكسبها وضعية خاصة بها.

أولاً: محددات نجاح الثورات" الإطار النظري"

هناك مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية التي تحدد مسار الثورات؛ سواء من حيث النجاح والفشل، ومن حيث الاستراتيجية "السلمية أو استخدام العنف"، هذه المحددات تنقسم إلى محددات داخلية وأخرى خارجية:

1- المحددات الداخلية
تتشابك مجموعة من المحددات الداخلية المؤثرة على الحراك الثوري أبرزها ما يلي:

  1. طبيعة النظام السياسي: "ديمقراطي، ديكتاتوري، إقصائي شامل أم هجين authoritarianism hybrid"؛ بمعنى هل هذا النظام قائم على إقصاء شبه كامل لخصومه السياسيين وغيرهم من الفئات الأخرى في المجتمع؛ وذلك مع إبقاء معارضة صورية "ديمقراطية شكلية وانتخابات وغيرها"؛ بحيث لا يحدث إجماع في القوى الثورية المناوئة له على إسقاطه؛ وبطبيعة الحال كلما كان النظام إقصائيًّا شاملاً لخصومه، ربما كان هذا أدعى لحدوث حالة من التوحد الثوري ضده، والعكس أيضًا صحيح.
  2. قوة النظام السياسي.. ونعني هنا تحديدًا عدة أمور:
  • موقف المؤسسة العسكرية من النظام "مؤيدة، محايدة، معارضة"؛ وهي نقطة في غاية الأهمية على اعتبار أنها تشكل حجر الزاوية في نجاح أو فشل أي ثورة؛ فكما أنه تشكل حجر الزاوية في الانقضاض على الديمقراطية من خلال آلية الانقلابات "العسكرية"، نجدها -أيضًا- تشكل أداة مهمة في الثورة للإطاحة بهذه النظم المستبدة، أو حتى العسكرية شريطة أن تكون هذه المؤسسة متوافقة مع مطالب الشعب، أو حتى تكون محايدة في الصراع بين النظام المستبد وخصومه الثوريين.
  • موقف باقي المؤسسات من النظام تأييدًا أو معارضة أو تحييدًا، ونقصد بها مؤسسات القضاء، والإعلام بكل أنواعه، والمؤسسة الدينية للطوائف المختلفة لأبناء الشعب، وجهاز الشرطة؛ فلا شك أن تبعية هذه المؤسسات للنظام تكسبه قوة كبيرة في مواجهة الخصوم السياسيين؛ بل تحسين صورته أمام الطرف الثالث (THIRD PARTY) في المعادلة، أو الأغلبية الصامتة (SILLENCE MAJORITY) كما يطلق عليها في بعض الدول، مقابل تشويه صورة الخصوم بمصطلحات "العمالة، الخونة، الإرهابيون".. وهنا يبرز دور الإعلام بصورة كبيرة وربما يتكامل معه دور المؤسسة الدينية؛ التي ربما تعطيه مبررًا شرعيًّا لممارسات النظام في مواجهة الخصوم؛ التي قد تجعلهم من الخوارج الذين لا يجوز الانضمام إليهم ابتداء؛ كما حدث في موقف الأزهر المؤيد لممارسات عبد الناصر ضد الإخوان عام 1965(1)؛ بل وجوب القضاء عليهم في بعض الحالات الأخرى؛ وذلك في حين تلعب مؤسسة الشرطة المدنية -جنبًا إلى جنب مع المؤسسة العسكرية- دورًا مهمًّا في القمع الأمني للخصوم واستمرار سياسة القبضة الحديدية(2).
  • مدى قوة المعارضة السياسية "الثورية" للنظام، وهناك مجموعة من الأمور المهمة تندرج تحت هذه الجزئية؛ منها مدى توحدها أو تفتتها حول هدف إسقاط النظام، وهل توجد مظلة سياسية واحدة تعمل في إطارها أم لا، وحجم الثقل الشعبي الذي تحظى به، ومدى قدرتها على الحشد في الفاعليات المختلفة "مظاهرات، إضرابات، اعتصامات، وغيرها"، ونهج المواجهة سلمي أم يقوم على المواجهة بالعنف.
  • موقف القوى الشعبية غير المسيسة "الطرف الثالث" من الصراع بين النظام والمعارضة؛ حيث يعد استمالة هذا الطرف مهمًّا، إما لدعم النظام في ممارساته القمعية، وهو ما يضفي عليه بعدًا شرعيًّا "شعبويًّا"، أو من خلال الانضمام للصف الثوري؛ والتي تتوقف على عدة عوامل منها المكاسب التي ستحصل عليها، والتكلفة التي سيتم دفعها، ومدى قناعتهم بإمكانية نجاح الثورة.

2- المحددات الخارجية
ونقصد بها ما إذا كان هناك تأييد خارجي للنظام الاستبدادي أو الانقلابي، أو حتى غض الطرف عن ممارساته، وفي المقابل مدى وجود دعم للثورة أو حتى حياد خارجي تجاهها؛ فقد يكون هناك صعوبة كبيرة في نجاح الثورة من دون هذا الدعم، اللهم إلا إذا كانت الكفة الداخلية في غير صالح النظام؛ مما يضطر الخارج في نهاية المطاف إلى الانحياز ولو بشكل مؤقت للثورة، كما حدث في الموقف الأميركي من ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 في مصر(3). ???

ثانيًا: مقارنة الحالة المصرية مع الثورتين الهندية والإيرانية "الجانب العملي"

سوف نحاول في هذه الجزئية إجراء مقارنة بين تأثير هذه المحددات في الحالة المصرية "الثورية" بعد انقلاب 2013 من خلال عقد مقارنة بينها وبين الثورتين الهندية (1930-1947)، والثورة الإيرانية (1963-1979).

الثورة الهندية (1930-1947)
على الرغم من اختلاف النظام السياسي في الحالة الهندية عنه في الحالتين المصرية والإيرانية من حيث كون الأول نظامًا خارجيًّا "مستعمِرًا"، وهو ما كان أحد أسباب حدوث مزيد من التكاتف الثوري الوطني ضده، مقابل نظم "داخلية" في مصر وإيران؛ فإن جميعها يشترك في كونها نظمًا قمعية.

المحددات الداخلية
فقد استغل غاندي وجود حالة من السخط العام على المستعمر البريطاني في حشد حالة من الاصطفاف الثوري في مواجهته؛ لاسيما في ظل الاضطهاد السياسي والتمييز الذي تعرض له الهنود طوال ثلاثة قرون من ناحية، والاحتكار الاقتصادي للشركات البريطانية لمجالات النشاط الاقتصادي من ناحية ثانية، ولقد تم تحقيق هذا الاصطفاف من خلال تنظيم احتجاجات وإضرابات فئوية؛ شملت الفلاحين والمزارعين والعمال في المناطق الحضرية، ثم قيامه ببناء وئام ديني ووطني، ووَضْعِ حدٍّ للفرقة بين المواطنين، وزيادة الاعتماد على الذات اقتصاديًّا.. كما بدأ في عملية تأسيس نقابات للعمال، وكذلك الدعوة إلى تعميم صناعة الغزل محليًّا من أجل مقاطعة الملابس البريطانية.. وكانت هذه البدايات الممهدة للقيام بثورة الملح عام 1930(4).

ولقد شجعت تجربة العصيان المدني لقانون الملح الذي كان استخراجه حكرًا على الشركات البريطانية (British Raj)، فضلاً عن الهجوم السلمي على مصانع ومراكز إنتاج الملح واحتلالها سلميًّا(5) شجَّع ذلك على انضمام المزيد من فئات الشعب إليه، وبالتالي زيادة حالات العصيان المدني متمثِّلة في رفض الكثير من المواطنين دفع الضرائب المستحقة عليهم، وكذلك الإضرابات العامة في مختلف المجالات، والاستقالات الجماعية للموظفين؛ بل والمقاطعة الاجتماعية لمن استمر في وظيفته باعتبارهم عملاء.

وعلى الرغم من أن السلطات البريطانية قابلت هذه الاحتجاجات بعنف شديد تمثَّل في إطلاق النار عليهم، واعتقال أكثر من 100 ألف شخص بينهم 17 ألف امرأة، بل اعتقال غاندي ذاته(6)، ومصادرة الأموال، فإن هذه الممارسات لم تزد هؤلاء إلا تصميمًا على الصمود.

المحددات الخارجية
فقد أدت هي الأخرى دورًا مهمًّا في الثورة، تمثلت في "الحرب العالمية الثانية (1939-1945)"، واحتياج بريطانيا لدخول الهند معها في الحرب.. فقد أعلن غاندي عام 1940 عن حملة جديدة للعصيان احتجاجًا على إعلان بريطانيا مشاركة الهند في الحرب؛ مما اضطرها إلى التفاوض معه، وموافقته عام 1943 على المشاركة في الحرب مقابل الاستقلال(7)، ويبدو أن حالة الإنهاك التي أصابتها بعد الحرب مقابل التصعيد السلمي من قبل غاندي، أسهم في التفاوض على الاستقلال عام 1947.

الثورة الإيرانية (1963-1979)
مرت الثورة الإيرانية بمرحلتين أساسيتين؛ الأولى منذ عام 1963، والثانية في الفترة من 1978 وحتى سقوط حكم الشاه عام 1979.

المحددات الداخلية
لقد استغل الخوميني مجموعة من المحددات الداخلية؛ المتمثلة في أخطاء نظام الشاه ذي النزعة العلمانية منذ عام 1963 في توحيد الصف الثوري بشتى فصائله، وكذلك الطرف الثالث "عموم الشعب" معتمدًا على مجموعة من التكتيكات في الداخل والخارج؛ أدَّت في نهاية المطاف إلى الإطاحة به عام 1979.

ومن أبرز ممارسات النظام ما يلي:

  1. محاولة إخضاع رجال الدين الشيعة لسيطرة الدولة؛ وذلك عن طريق سحب جزء كبير من الأراضي التي يمتلكونها من الوقف وإعادة توزيعها، والأمر نفسه بالنسبة لكبار الملاك المزارعين، كما أدى استقدامه للعمالة الأجنبية لتشغيل المعدات العسكرية الأميركية باهظة التكاليف، إلى غضب طبقة العمال.
  2. توجهاته الليبرالية ساهمت في توحيد المعارضة السياسية بكافة أطيافها الإسلامية واليسارية والماركسية في صف واحد في الداخل والخارج أيضًا؛ وذلك من خلال وجود مؤيدين لها في لندن وباريس والعراق وتركيا(8)، ويرتبط بذلك نهجه الإقصائي الشامل عن طريق السماح بإنشاء حزب واحد فقط؛ هو حزب "رستاخيز" (أي النهضة).
  3. استخدام المؤسسة العسكرية في تصفية الثوريين، ومن ذلك ما حدث إبان إضرابات عام 1963؛ التي راح ضحيتها أكثر من ألفي شخص، ثم ما حدث في قمع مظاهرات تبريز عام 1978؛ التي أدَّت إلى مقتل 4 آلاف، فضلاً عن ألفين آخرين في مدينة قم، وبصفة عامة بلغت حصيلة القتلى من الثوار في العام الأخير للثورة أكثر من 76 ألف شخص.

ولقد استغل الخوميني هذه العوامل في توحيد الصف الثوري على النحو التالي:

  1. توحيد كافة فصائل المعارضة تحت إمرته، وتجنب الإشارة إلى القضايا الخلافية مثل ولاية الفقيه(9). وتوسيع نطاق الإضرابات لتشمل مختلف القطاعات العامة والخاصة "إضراب رجال الأعمال وأصحاب الأسواق، الفلاحين، عمال الكهرباء، إضرابات القطاع الخاص".
  2. استخدام الدين في تثوير العاطفة الدينية لدى الشعب "المحافظ" من خلال الربط بين خروج سيدنا الحسين على الظلم، وخروج الشعب على الشاه، كما سعى لإقامة مؤسسات دينية بديلة للمؤسسات الرسمية وتوظيفها في خدمة الثورة كالاتحاد الإسلامي لرفض كل ما يصدره الشاه، كما استغل المناسبات الدينية مثل يوم عاشوراء للتنديد بممارسات النظام(10).
  3. تشكيل إعلام موازٍ قوي للثورة في الداخل والخارج، أسهم في ترويج الشائعات ضد النظام مثل اتهامه بالاستعانة بالصهاينة في عمليات المواجهة، فضلاً عن وجود مؤيدين له داخل الإعلام الرسمي "التليفزيون"؛ الذين قاموا بقطع الإرسال يوميًّا لمدة ساعتين عن نشرة الأخبار الرئيسية، علاوة على احتجاب بعض الصحف عن الصدور(11).
  4. السعي لتحييد، بل تفكيك مؤسسة الجيش باعتبارها الطرف الأقوى في المعادلة؛ حيث خصص جانبًا من خطبه للجيش، مشيرًا إلى حرمة خدمة "الطاغوت" في إشارة إلى الشاه؛ بل طالب الجنود بالتمرد، وقد نجح في هذا؛ حيث هربت كتيبة مضادة للطائرات بكامل أسلحتها عام 1978، ورفضت المشاركة في القيام بتوجيه ضربة جوية للثوار؛ الذين قاموا في المرحلة الأخيرة للثورة باستخدام بعض وسائل العنف النوعي لمواجهة هذا البطش؛ مثل إشعال النار في أي عربة أو ناقلة جند تستخدمها قوات الجيش أو الشرطة؛ مما أدى إلى إضعافهما(12).
  5. التأكيد على نهج السلمية رغم وجود بعض التشكيلات المسلحة التي ظهرت أواخر الستينات وتدرب بعض عناصرها في دول مثل مصر، الأردن، لبنان، مثل: "فدائيو خلق الماركسية"، و"مجاهدو خلق ذات الوجه الإسلامية"، إلا أن عملياتهما كانت محدودة(13).

المحددات الخارجية
لقد كانت هناك مجموعة من المحددات الخارجية لدعم الثورة؛ أبرزها وجود خلافات للنظام مع بعض القوى الخارجية الإقليمية مثل العراق أوائل السبعينات، وبعض القوى الدولية مثل فرنسا، بل والإدارة الأميركية الجديدة في حينها برئاسة جيمي كارتر.

ولقد استغل الخوميني هذه المحددات عبر مجموعة من الخطوات؛ أهمها: الضغط على الدول المؤيدة للشاه وغيرها عبر ورقة النفط من خلال امتداد نطاق الإضرابات الداخلية لتشمل مصافي تكرير البترول، كما استغل حرية الحركة الممنوحة له في فرنسا للتشهير بالنظام وفضحه في كافة وسائل الإعلام••، كما زادت مظاهرات الإيرانيين الموجودين في الخارج للتعريف بالقضية وفضح النظام خلال زياراته الخارجية كما حدث إبَّان زيارة الشاه لأميركا.

ثالثًا: الحالة المصرية

على الرغم من أن المدى الزمني للحالة المصرية منذ الانقلاب عام 2013 "عامان" يختلف عن الحالتين الهندية "17 عامًا"، والإيرانية "16 عامًا"، كما أن العديد من المحددات ربما تتغير سلبًا أو إيجابًا خصمًا أو إضافة للحالة الثورية مع مرور الزمن؛ فإنه مع ذلك سيتم توصيف هذه المحددات كما هي، حتى اللحظة الراهنة لمعرفة مستقبل هذه الحالة.

أولاً: المحددات الداخلية

  1. عدم قيام النظام بسياسة إقصائية شاملة لكل المعارضة السياسية له باستثناء التيار الإسلامي "الإخواني"؛ بل سعيه لاستمالة بعضها نظرًا إلى صعوبة التخلص منها في وقت واحد؛ لاسيما في ظل استمرار المواجهة مع الإخوان؛ ومعنى هذا أن هذه الفصائل "الفلول من أتباع مبارك، ورجال الأعمال، ومؤيدي أحمد شفيق" ربما تنتظر حدوث مساومات معها بشأن مقاعد البرلمان تحديدًا، ومن سيتم إبعاده لن ينضم للصف الثوري لوجود تباينات شديدة مع الإخوان، أو للخوف من القمع الأمني. 
  2. استمرار قوة النظام من خلال استمرار ولاء المؤسستين العسكرية والأمنية له؛ فبالرغم من وجود حالة من الإنهاك للمؤسسة الأمنية تحديدًا بسبب المظاهرات شبه اليومية لرافضي الانقلاب، فإنه يتم التغلب على هذا من خلال الاعتماد على ما يطلق عليه جيش "المواطنون الشرفاء" أو البلطجية Thuggery(14).
    ويبدو أن النهج العلماني القائم على استبعاد الإسلاميين والمتأصل للجيش والشرطة منذ نظام عبد الناصر، فضلاً عن معايير الولاء والعائلية في عملية الاختيار، يجعل هناك صعوبة على رافضي الانقلاب في التأثير داخل هاتين المؤسستين؛ بل إن بروز بعض الحركات الرافضة للانقلاب، التي تستهدف أفرادهما كالعقاب الثوري وأجناد مصر وغيرهما، جعل أفرادهما أكثر ولاءً للنظام.
  3. استمرار هيمنة نظام الانقلاب على كل المؤسسات المهمَّة في الدولة؛ "الإعلام، والقضاء، والمؤسسة الدينية الإسلامية والمسيحية"، بل توظيفها في صراعه ضد رافضيه.
    فالإعلام يعمل على "شيطنة" الثورة والإسلاميين تحديدًا؛ بحيث يؤثر في الصورة الذهنية لدى الأغلبية الصامتة بشأنهم، ثم يأتي دور المؤسسة الدينية لتبرير الأعمال القمعية التي تقوم بها مؤسستا الجيش والشرطة؛ الذي يكتمل بدور المؤسسة القضائية في إصدار أحكام رادعة لإجهاض الثورة وصلت إلى الإعدام حتى بحق الرئيس المعزول محمد مرسي؛ وبذلك تكتمل ثلاثية قمع الثورة، وتصبح هناك صعوبة على أتباعها في الدعوة لعصيان مدني شامل كالذي نفذه غاندي، أو حتى الخوميني.
  4. حدوث حالة من التفكك في الصف الثوري الرافض للانقلاب الراهن بسبب أزمة الثقة مع الإخوان تحديدًا؛ بسبب الممارسات السياسية لهم بعد ثورة يناير/كانون الثاني؛ إذ لا تزال حركات كـ 6 إبريل والاشتراكيين الثوريين وغيرهما تتهم الإخوان بالانتهازية السياسية وإقصاء الآخرين، وبالتالي ترفض الدخول معهم في مظلة ثورية؛ لاسيما في ظل وجود نقاط خلافية لم يتم حسمها؛ مثل عودة الشرعية والرئيس محمد مرسي للحكم(15).

ثانيًا: المحددات الخارجية
منذ بروز ظاهرة الربيع العربي، وهناك حالة من الرفض لها لاسيما لدى الأنظمة غير الديمقراطية في المنطقة؛ التي بذلت قصارى جهدها لعدم إنجاح بعض هذه الثورات خشية انتقال العدوى إليها؛ ومن هنا يمكن فهم أسباب رفض بعض دول الخليج خاصة الإمارات والسعودية والكويت الإطاحة بمبارك؛ بل رفض وصول الإخوان للحكم؛ وبالتالي عملت هذه الدول على دعم الانقلاب ضد الرئيس مرسي عبر كل الوسائل.

وبالنسبة للحالة التركية، فربما تؤثر نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي شهدتها البلاد، وتراجع النسبة التي حصل عليها حزب أردوغان على دعم الثورة.

وبالنسبة للسياق الدولي، يلاحظ كذلك وجود دعم كبير للانقلاب؛ لاسيما في ظل تقديم السيسي نفسه كحليف لإسرائيل لكسب وُدِّ الولايات المتحدة والدول الأوروبية الداعمة لتل أبيب وفي مقدمتها فرنسا وألمانيا، كما يقدم الرجل نفسه كأحد الأطراف المهمة في الحرب ضد داعش.

ومن ثمَّ فهو يحظى بالتأييد الدولي؛ الذي ظهر من عدة مؤشرات؛ منها مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة "سبتمبر/أيلول 2014"، والمشاركة الدولية في المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ "مارس/آذار 2015 "، والموافقة الأميركية مؤخرًا على إعادة المساعدات العسكرية لمصر.

هذا التأييد الدولي الكبير للانقلاب مقابل الدعم المحدود "كمًّا وكيفًا" لرافضي الانقلاب يشكل تحديًا كبيرًا للصف الثوري؛ الذي لا تتوفر له حاضنة دولية قوية داعمة له.

ملاحظات على الحالات الثورية الثلاث

في ضوء دراسة الحالات المصرية مقارنة بالحالتين الهندية والإيرانية، يمكن إيراد الملاحظات التالية:

  1. إن النظام في مصر في مرحلة التمكين السياسي من خلال سيطرته على كل مفاصل ومؤسسات الدولة، فضلاً عن وجود حاضنة شعبية كبيرة له؛ وهذا لم يكن موجودًا في الحالتين الهندية والإيرانية، ربما لسبب بسيط هو قصر العمر الزمني للحالة المصرية. 
  2. إن النظام في مصر حتى اللحظة الراهنة ليس إقصائيًّا شاملاً مقارنة بالنمط الاستعماري في الهند أو الشاه في إيران؛ وهو ما يعني عدم توحد المعارضة في مواجهته، ناهيك عن تشرذم وتفكك الصف الثوري أيضًا.
  3. وجود حالة من الانقسام لدى الطرف الثالث "الحاضنة الشعبية" في الحالة المصرية مقابل حالة من التوحد لهذه الحاضنة وراء الثورة في الحالتين الهندية والإيرانية، وربما يرجع ذلك إلى أن النظام في مصر لم يمارس القمع بصورة كبيرة ضد هؤلاء، كما أنه يروج -من خلال الإعلام- بأن عدم تحقيق تقدم اقتصادي مرتبط بوجود "إرهاب" الثورة، هذا الانقسام يجعل هناك صعوبة في استجابة هذه الحاضنة لدعوات الإضراب؛ كما حدث بالنسبة لإضراب 6 إبريل في ذكرى تولي السيسي الحكم "11 من يونيو/حزيران 2015".
  4. إن استخدام بعض الأدوات غير السلمية في المواجهة مثل حرق بعض السيارات كما حدث في الثورة الإيرانية، لا يتم إلا في المراحل الأخيرة من الثورة، وبعد توافر مجموعة من المحددات الداخلية، أبرزها الاصطفاف الشعبي، وهذا غير متوفر حتى هذه اللحظة في الحالة المصرية.

وبصفة عامة يمكن القول: إن الحالات الثورية التي استخدمت العنف المسلح كوسيلة في الثورات ربما لم تنجح إلا في حالات قليلة، وانتهت معظمها بوجود تسوية سياسية مع النظم القائمة بعد كلفة بشرية ومادية باهظة كحالتي السلفادور 1991، وغواتيمالا 1996(16).

خاتمة

يمكن القول: إنه على الرغم من وجود تشابه بين الحالات الثلاث في نهج السلمية، فإن محددات نجاح الثورة المصرية ربما ليست متوافرة كما كان في الحالتين الهندية والإيرانية، وهو ما يطرح تساؤلاً عن السيناريوهات المتاحة للحراك الثوري في مصر في الفترة القادمة.

وعلى ذلك يمكن أن يكون هناك سيناريوهان:

الأول: الاستمرار في الحراك الثوري، والرهان على عنصر الوقت، وهذا السيناريو يتضمن ثلاث آليات فرعية:

  1. الاستمرار في السلمية بالمعنى الحرفي للكلمة، بغض النظر عن حجم التكلفة المادية والبشرية؛ التي تصيب الطرف الثوري، وفق مبدأ سلميتنا أقوى من الرصاص.
  2. الاستمرار في نهج السلمية "المبدعة"؛ التي تعتمد على استخدام أساليب العنف دون السلاح، وفق مبدأ: "ما دون الرصاص فهو سلمي"، وبالتالي لا يجوز استخدام للسلاح أو عسكرة الثورة، وعدم استخدام القوة إلا في حالة الدفاع الشرعي عن النفس.
  3. عسكرة الثورة بمعنى استخدام السلاح في المواجهة في ظل استمرار النظام في عمليات التصفية الجسدية ضد المعارضين، لاسيما وأن نهج السلمية لم يؤدِّ إلا إلى التصعيد من قبل سلطات الانقلاب.

الثاني: القبول بالتفاوض السياسي لصعوبة حسم الموضوع في ظل المعادلة الصفرية ولميل العوامل الداخلية والخارجية لصالح سلطات الانقلاب.

وبالرغم من أن المعطيات الراهنة تدفع إلى القول: إن السيناريو الثاني قد يكون هو الأصوب في ظل غياب المحددات الثورية من جهة، مقابل حالة ارتباك واضحة في أداء النظام؛ الذي لم يحقق نجاحات تسمح باستمرار التأييد الشعبي له على المدى الطويل؛ لكن من الواضح أن خيار التفاوض ليس مطروحًا في أجندته؛ بل يعمل على التصعيد يومًا بعد يوم، وكان آخر ذلك أحكام الإعدام ضد الرئيس المعزول محمد مرسي، وقيادات في جماعة الإخوان المسلمين.

ومن ثم لا يوجد خيار أمام الطرف الثوري سوى السيناريو الأول؛ سواء من خلال الخيار الأول "السلمية" أو الثاني "الاستخدام النوعي للعنف"؛ ولكن على مستوى محدود وسري على غرار ما حدث في التجربتين الإيرانية والهندية، مع ضرورة إسقاط خيار عسكرة الثورة لأنه يصبُّ في صالح النظام فقط(17). وأظن أن هذا هو الذي يتم الحديث عليه داخل الإخوان حاليًّا.
__________________________________
د. بدر حسن شافعي، دكتوراة في العلوم السياسية.

الهوامش والمراجع
(1) - حول دور الأزهر في دعم عبد الناصر انظر: السعيد رمضان العبادي، موقف الأزهر من صدام الإخوان مع عبد الناصر، مركز الدراسات التاريخية ويكيبيديا الإخوان المسلمين، (تاريخ الدخول 15 من يونيو/حزيران 2015):
http://www.ikhwanwiki.com/index.php?title=%D9%85%D9%88%D9%82%D9%81_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B2%D9%87%D8%B1_%D9%85%D9%86_%D8%B5%D8%AF%D8%A7%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86_%D9%85%D8%B9_%D8%B9%D8%A8%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B5%D8%B1
(2) - عن دور الشرطة والجيش في الثورة المصرية انظر: أيمن عبد المعطي، عن الجيش والشرطة والثورة المضادة، دورية جدلية على النت، (تاريخ الدخول 15 من يونيو/حزيران 2015)
http://www.jadaliyya.com/pages/index/853/%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%8A%D8%B4-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D8%B7%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B6%D8%A7%D8%AF%D8%A9_on-the-army-polic
(3) - حول هذا الموقف انظر: د. عصام عبد الشافي، السياسة الأميركية والثورة المصرية (دار البشير للثقافة والعلوم، القاهرة 2014) ط 1، ص76- 85.
(4) - لمزيد من التفاصيل انظر: المهاتما غاندي، موسوعة ويكيبيديا على الرابط التالي:
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D9%87%D8%A7%D8%AA%D9%85%D8%A7_%D8%BA%D8%A7%D9%86%D8%AF%D9%8A
(5) - لمزيد من التفاصيل حول الثورة الهندية انظر: عادل عبد الحكيم، أحمد، مرسي، هشام، عادل، وائل، "حرب اللا عنف.. الخيار الثالث" (القاهرة: أكاديمية التغيير، 2013) ط3، ص200-2002.
(6) - مركز الشرق الأوسط للدراسات "بدون محرر"، المقاومة السلمية للطغيان (مركز الشرق الأوسط للدراسات: القاهرة 2008) ص 84-87.
(7) - لمزيد من التفاصيل انظر: المهاتما غاندي، موسوعة ويكيبديا، مرجع سابق.
(8) الثورة الإيرانية الإسلامية، موسوعة ويكيبيديا:
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9
(9) - عادل، أحمد، مرجع سابق. ص 205 وما بعدها.
(10) عادل، أحمد، مرجع سابق.
(11) الثورة الإيرانية الإسلامية، موسوعة ويكيبيديا، مرجع سابق.
(12) حول هذه الجزئية انظر: فوده، أحمد، "هل تدخل الثورة المصرية مرحلة العنف"، صحيفة الشرق القطرية 19 من ديسمبر/كانون الأول 2013 (تاريخ الدخول 3 من يونيو/حزيران 2015):
http://www.al-sharq.com/news/details/190987#.VW8LeM-qqko
(13) - عادل، أحمد، مرجع سابق، ص 206. 
•• أجرى الخوميني خلال ثلاثة أشهر فقط 500 حديث للصحف والمجلات ووسائل الإعلام المختلفة.
(14) - حول هذه الظاهرة انظر: أبو زيد، أحمد محمد، "البلطجية: معتادو الإجرام في فترات ما بعد الثورات"، موقع مجلة السياسة الدولية على النت (تاريخ الدخول: 3 يونيو/حزيران 2015):
http://www.siyassa.org.eg/NewsQ/2089.aspx
(15) - لمزيد من التفاصيل انظر: شافعي، بدر، "6 إبريل" والتوافق الوطني في مصر، صحيفة العربي الجديد اللندنية 16 من سبتمبر/أيلول 2014 (تاريخ الدخول 25 من يناير/كانون الثاني 2015).
http://www.alaraby.co.uk/opinion/2015/1/25/6-%D8%A5%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D9%84-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D8%A7%D9%81%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B7%D9%86%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B5%D8%B1
(16) - العناني، خليل، "في الفروق بين الثورة والتمرد"، صحيفة العربي الجديد اللندنية 16 من سبتمبر/أيلول 2014 (تاريخ الدخول 3 من يونيو/حزيران 2015):
http://www.alaraby.co.uk/opinion/db5ce39b-d2de-4171-8403-4a0ba85ea687#sthash.JWbSiobI.dpuf
(17) - لمزيد من التفاصيل انظر: شافعي، بدر، "هل انتهت السلمية في مصر؟" صحيفة العربي الجديد اللندنية 28 من مايو/أيار 2015 (تاريخ الدخول 16 يونيو/حزيران 2015).
http://www.alaraby.co.uk/opinion/2015/5/27/%D9%87%D9%84-%D8%A7%D9%86%D8%AA%D9%87%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B5%D8%B1