(الجزيرة) |
في رحاب كلية الآداب بجامعة الإسكندرية، ناقش الباحث، إيهاب حمدي جمعة مجاهد، رسالته الجامعية المعنونة بـ"الاستخدامات المجتمعية لتقنيات الفيديو الرقمي.. التعليم المدني نموذجًا: دراسة مستقبلية"؛ وذلك في إطار متطلبات حصوله على درجة الدكتوراه بقسم الاجتماع، شعبة الاتصال والإعلام. وتعالج الرسالة موضوعًا مثيرًا للاهتمام يتعلق بتأثيرات وسائل الاتصال الحديثة في مجال التعليم المدني، ومحاولة صياغة تصور مستقبلي لسيناريو مستهدف خلال العقد 2013-2023 لاستخدام تقنيات الفيديو في هذا المجال. وفيما يلي عرض لمشكلة الدراسة وإطارها المنهجي وأهم النتائج التي خلص إليها الباحث.
مشكلة الدراسة
يثار جدل كبير حول التأثيرات المتوقعة لتقنيات الاتصال عبر الإنترنت والإقبال المتزايد على إنتاج الفيديو الرقمي وما يمكن أن تسهم به هذه التقنية في مختلف مجالات التعليم، ويلاحظ المتتبِّع للأدبيات في مجال استخدامات التقنيات الحديثة للاتصال في مجال التعليم أن التركيز غالبًا ما يكون على تناول واقع تقنية التعليم من منظور أحادي يهتم بالحاضر فحسب. وسعت هذه الدراسة إلى صياغة تصوُّر مستقبلي لسيناريو مستهدف خلال العقد 2013-2023 لاستخدام تقنيات الفيديو الرقمي الحديثة في مجال التعليم المدني في ضوء آراء بعض خبراء تكنولوجيا الاتصال والإعلام والتعليم وقادة مؤسسات المجتمع المدني المهتمة بالتعليم المدني والمستفيدين من المعلمين والطلاب. وتستمد الدراسة أهميتها من حداثة وحيوية وأهمية الموضوع الذي تطرحه، ومن حيث الانتشار الكبير الذي يحظى به الفيديو الرقمي، كما أن الدراسات المستقبلية باتت من الحتميات، أي إنها صارت دراسات ضرورية لا يمكن الاستغناء عنها.
منهج الدراسة
اعتمدت الدراسة على المنهج المستقبلي، وهو منهج استشرافي تنبُّئي اجتهادي علمي منظَّم؛ حيث يسهم في استشراف المستقبل بصياغة مجموعة من التنبؤات المشروطة (سيناريوهات) توضح المعالم الرئيسة لأوضاع القضية المجتمعية المدروسة عبر فترة زمنية متصلة. وتستخدم الدراسات المستقبلية العديد من التقنيات العلمية في تصوُّر المستقبل وتوقعه، تمهيدًا لاتخاذ قرارات الحاضر بصدد ذلك المستقبل الممكن أو المحتمل؛ ومن هذه التقنيات: العصف الذهني، وتتبع الظواهر، والبحث المستقبلي الإثنوغرافي، وتحليل الآثار المقطعية، ونماذج المحاكاة، وطرق السلاسل الزمنية، وتقنية دلفي، إضافة إلى طريقة أو تقنية السيناريوهات التي تستخدمها الدراسة الحالية باعتبارها تقنية أساسية للدراسات المستقبلية. وتتخذ عملية بناء السيناريو في هذه الدراسة الشكل الاستهدافي المعياري.
نتائج الدراسة
توصلت الدراسة إلى سيناريو معياري لمستقبل استخدام تقنية الفيديو الرقمي في التعليم المدني خلال العقد القادم (2013-2023)، وينبني السيناريو على التوسع التدريجي في استخدام تقنيات الفيديو الرقمي تبعًا لمدى زمني معين إلى أن يتم استيعاب هذه التقنية وتعميمها.
وقد حدَّد الباحث لهذا السيناريو نقطة انطلاق أو مجموعة شروط أولية، منها: تحقيق قدر من الاستقرار السياسي لتهيئة المناخ المناسب للانطلاق للعمل، وإجراء دراسة شاملــة للسياسات التعليمية والبحثية والتكنولوجية في مصر وتطويرها، وتحقيق الشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني المعنية بالتنمية والتعليم المدني.
وشمل السيناريو المعياري أربعة محاور للعمل، هي: المتعلِّم، والمعلِّم، والبيئة التعليمية، والمناهج والمقررات. كما حدَّدت الدراسة التغييرات المستهدفة خلال الفترة الزمنية الانتقالية (2013-2018):
-
تدريب الطلاب على أسس إنتاج وتحرير الفيديو الرقمي، وإنشاء مركز لتصميم المناهج المعتمِدة على هذه التكنولوجيا، وإجراء دراسات عن سُبُل تطوير العملية التعليمية باستخدام تقنيات الفيديو الرقمي من وجهـة نظر المعلمين أنفسهم.
-
إعادة صياغة برامج معاهد وكليات التربية لضمان تمتُّع الخريج بدراية كافية بسبل إدماج التكنولوجيا الرقمية في التدريس، بالإضافة إلى التأكيد على أهمية وزيادة حجم المادة الخاصة بالمواطنة ضمن المقررات الدراسية، والتعامل مع مفاهيم حقوق الإنسان بشكل صريح وواضح وعلى أساس التوازن وعدم حصر الاهتمام بحقوق دون الأخرى.
أمَّا التغييرات المستهدفة خلال الفترة الثانية (2018-2023)؛ فقد شملت:
-
ضرورة تغير البيئة التعليمية لتعطي نموذجًا يجسِّد مبادئ الحياة الديمقراطية، والحذر من التعامل مع التعليم المدني بشكل نظري يقتصر على ما يتم داخل الصف.
-
اعتماد نظام لاحتساب علامات الطلاب بحيث يتم التركيز على الأنشطة الطلابية للمشاركة في أنشطة المناهج الإثرائية التي يكون محورها الحياة المدنية؛ مما يشجِّع الطلاب أيضًا على استثمار الإقبال الكبير على الشبكات الاجتماعية في إنتاج وتحرير مقاطع الفيديو "المدنية" ومشاركتها في تدريس المواطنة من خلال مداخل غير تقليدية، مثل: التعلُّم الاجتماعي، أو التعلُّم بالخدمة.
وقد اعتبر الباحث، فان دير هايدن، أن من أهم الأساليب المؤدية إلى زيادة فائدة السيناريوهات إشراك المستخدمين المحتملين لهذه السيناريوهات في عملية بنائها وتحليلها، بدلًا من مواجهتهم بعد إتمام هذه العملية بمنتج نهائي قد يرون أنه لا يخاطب قضايا مهمة من وجهة نظرهم. لذلك، قام الباحث باستقصاء آراء الطلاب في موضوع السيناريو المطروح؛ حيث حدَّد الباحث عينة مكونة من 300 مفردة لطلاب في المراحل التعليمية الثلاث: الإعدادية، الثانوية، الجامعية، من 17 مؤسسة تعليمية بمحافظة الإسكندرية، وقد خضعت الاستمارة للاختبار الميداني للتأكد من الصدق والثبات.
تم عُرض ملخص لملامح السيناريو على عيِّنة الدراسة من الطلاب وتم سؤالهم عن موقفهم من فكرة إدماج تقنيات الفيديو الرقمي في التعليم وأعربت نسبة 96.7% من عينة الطلاب عن موافقتها على استخدام تقنيات الفيديو الرقمي في التعليم وتراه مهمًّا بشدة أو إلى حدٍّ ما، ونسبة 3.3% عارضت الفكرة. وقد تم إجراء تحليل التباين باستخدام مُعامِل "أنوفا" لقياس مدى وجود فروق نوعية بين أكثر من مجموعتين من المبحوثين وتبيَّن عدم وجود أي فروق نوعية بين مجموعات الطلاب المدروسة.
وعند سؤال الطلاب عن أسباب موافقهم على إدماج تقنيات الفيديو الرقمي في مجال التعليم تنوعت الإجابات؛ إذ احتلت حيوية التعلم الترتيب الأول بنسبة 42.7%، وجاء سبب زيادة تحصيل المعلومات في المرتبة الثانية بنسبة 24.7%، واحتلَّ سبب إمكانية التكرار ومراعاة الفروق الفردية الترتيب الثالث بنسبة 12%، وجاء سبب التعلُّم من ثقافات متعددة في المرتبة الرابعة بنسبة 9.3%، واحتلَّ سبب تنمية مهارات الاتصال المرتبة الخامسة بنسبة 6.7%، وأخيرًا التحفيز والدافعية بنسبة 4.7%.
وعن تقييم المستفيدين لهذا السيناريو المعياري ورؤية الطلاب لمدى قابلية السيناريو للتطبيق في المؤسسات التعليمية في مصر جاءت استجابات المبحوثين بنسبة 88% وترى أن سيناريو الإدماج التدريجي قابل للتطبيق، ونسبة 12% تراه غير قابل للتطبيق. أمَّا في استجابتهم لتحديد القوى التي يرونها فاعلة وقادرة على تحقيق هذا السيناريو فقد توزعت آراء الطلاب لتحديد القوى المؤثرة في نجاح السيناريو؛ حيث جاء في المرتبة الأولى البيئة التعليمية بنسبة 30% تلاها المعلم بنسبة 29.3%، ثم المناهج والمقررات بنسبة 21.3%، ثم الطالب بنسبة 18%, وأخرى منها الإدارة المدرسية بنسبة 1.3%.
كما تم إجراء مقابلات مقنَّنة مع عيِّنتين من الخبراء، عيِّنة قوامها 25 خبيرًا أكاديميًّا وباحثًا تربويًّا ومعلِّمًا، وعينة قوامها 25 خبيرًا فنيًّا من المتخصصين في مجالات الإنترنت والفيديو والمونتاج. وقد انتهت نتائج التحليل الإحصائي إلى أن 34% من إجمالي المبحوثين قد اعتبرت أن هذا السيناريو صالح للتطبيق بشكل كبير، في حين ذكرت نسبة 30% من نفس الإجمالي أنه يصلح للتطبيق ونسبة 14% تراه يصلح للتطبيق إلى حدٍّ ما، وذكرت نسبة 22% أنه لا يصلح للتطبيق. وأشار الخبراء إلى أن ما يجعل هذا السيناريو مقبولًا أكثر من غيره أنه جاء متوافقًا مع العديد من التجارب المعاصرة التي أثبتت نجاحًا في مجال الاعتماد على التقنيات الحديثة للإنترنت في مجال التعليم المدني، وأشارت نسبة 44% من الخبراء الأكاديمين إلى أن أحد عناصر القوة في السيناريو أنه يقوم على فكرة دمج التقنية في التعليم بدلًا من استراتيجية إضافة التقنية إلى البيئة التعليمية التقليدية من خلال مقرر "تكنولوجيا الاتصال"، واستراتيجية الدمج تحتاج إلى نَفَس طويل وخطط بعيدة المدى، بينما أشارت نسبة 32% منهم إلى أن من أهم عناصر القوة في السيناريو اعتماده التدرُّج في التحول التدريجي من خلال البدء في تعديل طرق تدريس مقررات محددة خلال العقد القادم من (2013-2023) ثم الانتقال بعد تقويم هذه التجربة إلى باقي المقررات والعلوم وهو ما يمثِّل نقطه قوة في السيناريو تجعله أكثر قابلية للتطبيق بخلاف محاولات تمت في السابق لرسم سيناريوهات ترتكز على فكرة سيناريو التغيير الجذري؛ حيث يعاد توصيف المناهج والمقررات في المراحل التعليمية المختلفة كلها في وقت واحد، بينما أشارت نسبة 60% من الخبراء الفنيين إلى أن من عناصر قوة هذا السيناريو كونه يرتكز على إدماج تقنية تتميز بأنها جذابة وممتعة وتتميز بالثراء وهي الفيديو الرقمي؛ حيث يمكن دمج مقاطع متحركة ونصوص مكتوبة ورسوم وتعليق صوتي أو موسيقى وعناصر إبهار متنوعة كلها تجعل من تجربة استخدامه، بالنسبة للطالب، تجربة ثرية وممتعة لدرجة كبيرة، في حين أن الاعتماد على مواقع الإنترنت فقط أو النصوص الإلكترونية يفتقد مثل هذا الثراء والتنوع.
أمَّا من حيث آراء الخبراء في عناصر الضعف في السيناريو فقد أشار 60% من الخبراء الأكاديميين إلى أن السيناريو يتناول فترة متصلة من 2013 إلى 2023 بينما يرى الخبراء أن عملية الانتقال التدريجي عبر الزمن تُعد من الضمانات الرئيسية في إمكانية السيطرة على السيناريو والتحكم في مساراته المحتملة وغير المحتملة، كما أشار 24% من الخبراء الأكاديميين إلى التحول المطلوب من الفهم الضيق للتعليم المدني في كونه مجرد مقرَّر يتم تدريسه تحت اسم التربية الوطنية أو الدراسات الاجتماعية أو المواطَنة إلى فهم أوسع للتعليم المدني باعتباره الهدف والمهمة الرئيسية للمدرسة والجامعة، ونبَّه الخبراء إلى ضرورة أن يشمل السيناريو توسيعًا لأهداف التعليم المدني لتشمل ثلاثة أهداف: معرفية، وقيمية، ومهارية، بدلًا من التركيز على الهدف المعرفي.
وأوصى الباحث بإجراء دراسات مستقبلية تتعلق بدور تطبيقات الويب 2 في مجالات جديدة لا تقتصر على التعليم بل تشمل مستقبل الاقتصاد والتسويق والمشاركة السياسية والعلاقات الاجتماعية في المجتمع المصري والعربي ليكون الفهم أكثر موسوعية لطبيعة دور هذه التقنيات في مستقبل المجتمع المصري.