مقدمة
في عامي 2010 و2011، أجرى فريق بحثي دراسة موسَّعة على إعلام الخدمة العامة في تسع دول عربية يُشكِّل سكانها نحو 200 مليون نسمة، توصل هذا المشروع البحثي إلى وجود أدلة قوية تؤكد أن النموذج القائم للبث الإذاعي والتليفزيوني العام (الرسمي) في العالم العربي، عفَا عليه الزمن، ويُمَثِّل النهج السائد في البث الإذاعي والتليفزيوني للنموذج السلطوي التقليدي؛ حيث إن البرمجة على القنوات العربية العامة تفتقر إلى الرؤية، ولا تتوافق مع معايير الخدمة العامة للبث المتمثلة في الإخبار والتثقيف والترفيه، والالتزام بالجودة المهنية والشمولية والتنوع(1).
لم تكن النتيجة السابقة صادمة أو غير متوقعة، في ذلك الوقت، فعلى الرغم من أن عددًا من الدول العربية قطعت شوطًا في تحرير ملكية البث الإذاعي والتليفزيوني من الاحتكار الرسمي، والسماح للقطاع الخاص بالاستثمار في هذا المجال، فإن أداء مؤسسات البث الإذاعي والتليفزيوني في العالم العربي لم ينلها تغير جوهري ينقلها إلى مجال الخدمة الإعلامية العامة.
هناك اتجاهات متعددة وغموض في تقييم دور الإعلام في التحولات التي شهدها العالم العربي بعد عام 2011، سواء في الثورات والحركات الاحتجاجية التي أنهت أنظمة استبدادية في عدد من الدول، أو في الحركات الارتدادية والحروب الأهلية وحالة الفوضى التي يشهدها عددٌ من الدول العربية التي تأثرت بهذه التحولات، ولكن بدون شك، فقد ازداد الوعي العام والمطالب بحاجة الإعلام الرسمي العربي إلى إصلاح جذري والانتقال به إلى نموذج الخدمة العامة.
وتسعى هذه الدراسة إلى تناول ملامح التحولات التي شهدها الإعلام الرسمي العربي في مرحلة ما بعد "الربيع العربي"، والإجابة على سؤال: ما مدى اقتراب وسائل البثِّ الرسمي العربي من تَمَثُّل وظائف إعلام الخدمة العامة في خدمة التحول الديمقراطي وفي نشر وإرساء الثقافة الديمقراطية؟، في نفس الوقت، هل لا تزال مؤسسات البث الرسمي تُمَثِّل أدوات السلطة في إعاقة التحولات لصالح الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم العربي أم أن التحولات الجارية وتداعياتها تحمل بذور التغيير لصالح إعلام يسهم في غرس جذور الديمقراطية؟
يُقصد بالإعلام الرسمي العربي، وسائل الإعلام التي تملكها الدولة أو الحكومة في البلدان العربية، وهي تحديدًا، وسائل البث العام المتمثلة بالبث التليفزيوني الرسمي والبث الإذاعي بالدرجة الأولى، ولا تزال بعض الدول العربية تملك أو تدير بشكل مباشر أو غير مباشر، صحفًا يومية. وتحاول الدراسة رسم خارطة عامة لملامح هذه الوسائل في نماذج من الدول التي شهدت ثورات أو احتجاجات وحراكًا شعبيًّا، بالاعتماد على مراجعة الدراسات والتقارير وملاحظة الأداء العام لهذه الوسائل.
وتتناول هذه الدراسة موضوعها من خلال أربعة محاور أساسية:
1. الإطار النظري: خدمة إعلامية عامة جديدة في بيئة إعلامية جديدة
حدَّدت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، في عام 2005، معايير بث الخدمة العامة، ووصفت مؤسسات الخدمة العامة بأنها أداة لضمان التعددية والاندماج الاجتماعي وتقوية المجتمع المدني، ووسيلة لتزويد المجتمع بالمعلومات الأساسية التي تُمكِّن الأفراد من اتخاذ قرارات رشيدة حول واقعهم ومستقبلهم(2)،وبقيت الأدبيات التقليدية لبث الخدمة العامة المرتبطة بهيئة الإذاعة البريطانية تتحدث عن ثلاث وظائف للخدمة العامة، هي: الإخبار والتعليم والترفيه، وتأسيسًا على هذه الوظائف ترسخت الوظائف الأساسية لبث الخدمة العامة في(3):
أ. توفير قناة حرة ومستقلة لتدفق المعلومات والأخبار للمجتمع: الإخبار بما يجري في البيئتين، الداخلية والخارجية، وحماية حق المجتمع بالمعرفة؛ ما يسهم في تمكين المواطنين من زيادة مستوى معرفتهم بالشؤون العامة.
ب. توفير منبر حرٍّ للنقاش العام: ساحة للنقاش العام ضمن معايير التعددية والتنوع في الآراء، وخلق المجال العام الذي يدفع نحو زيادة دور المواطنين في المشاركة السياسية والاقتصادية والثقافية.
ج. الرقابة وتمثيل الرأي العام: توفير أداة لرصد أداء المؤسسات العامة، أي أداة للرقابة باسم الصالح العام.
د. التثقيف والترفيه: المساهمة في بناء وجدان المجتمع والتعبير عن ثقافته وهويته.
وتوصف الخدمة العامة الإعلامية، وفق نماذجها التاريخية، بأنها نتاج مجتمعات ديمقراطية، ويصعب أن ينشأ هذا النموذج ويستدام في بيئات سلطوية، وينسحب ذلك على صيغ التنظيم والتمويل التي تكفل استقلالية هذه المؤسسات. وقد تكون الخدمات الإعلامية العامة مُمَوَّلة بوجه عام، من رسوم ترخيص أجهزة التليفزيون، كما هي الحال في هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، أو مباشرة من قِبَل الحكومة، مثل هيئة الإذاعة الأسترالية، أو من خلال اشتراكات الأفراد والمنح ورسوم البرامج، كما هي الحال في حالة الإذاعة الوطنية العامة (NPR) في الولايات المتحدة، وجزئيًّا من خلال الإعلانات أو المصادر التجارية كما هي الحال في خدمة الإذاعة الأسترالية.
لكن الخبرة في النصف الثاني من القرن العشرين الماضي، أفضت إلى أن بثَّ الخدمة العامة قد يكون أحد معالم المجتمعات المتحولة ديمقراطيًّا؛ حيث طورت هذه المجتمعات نماذجها في الخدمة العامة الإعلامية أثناء مرحلة التحول الديمقراطي، كما حَدَثَ في عدد من دول أوروبا الشرقية مطلع التسعينات من القرن الماضي، وفي جنوب إفريقيا في مرحلة التحول الديمقراطي(4)، وفي كثير من الأحيان يُعدُّ وجود الخدمة العامة الإعلامية مؤشرًا قويًّا على مدى سلامة ومعافاة التحول الديمقراطي؛ إذ تبدو وكأنها جهاز عصبي يقيس ويعطي المؤشرات على سلامة التحول الديمقراطي.
وتعمل معايير الخدمة الإعلامية العامة على خدمة الحياة الديمقراطية وغرس الثقافة الديمقراطية وسط المجتمعات وبين الأجيال الجديدة. ويفيد استعراض هذه المعايير لملاحظة تطورها؛ إذ صُمِّمت من أجل ضمان الحياة الديمقراطية وسلامة استدامتها، وأبرز هذه المعايير:
أولًا: الاستقلالية؛ أي ابتعادها عن التدخل والضغوط السياسية والاقتصادية والتجارية والاجتماعية، وتوفير الضمانات الفعلية لهذه الاستقلالية، من خلال التشريعات، وآليات تعيين قيادات هذه المؤسسة، ومصادر التمويل، وتمثيل المجتمع بكافة مكوناته السياسية والثقافية والاجتماعية(5).
ثانيًا: الشمولية والتمثيل؛ أي أن تصل هذه الخدمة إلى فئات المجتمع كافة باختلاف انتماءاتهم ولغاتهم وأصولهم واختلاف أماكن وجودهم وسكنهم.
ثالثًا: التنوع؛ يتطلب من الخدمة الإعلامية العامة أن تقدم محتوى إعلاميًّا منوعًا يشتمل على الخدمة الإخبارية والاقتصاد وشؤون المجتمع والرياضة والترفيه وغير ذلك من موضوعات تلبِّي اهتمامات جمهور متنوع أيضًا.
رابعًا: التميز والابتكار، من خلال التجديد والإبداع في المضامين والأشكال وطرق العرض والأدوات والتطبيقات وجودة التقنيات المستخدمة.
خامسًا: التمويل والحاكمية الإدارية؛ الاعتماد على التمويل العام من خلال أموال الخزينة العامة المقررة من قبل البرلمان وليس بمنحة حكومية، وهذا يتطلب نموذجًا إداريًّا رشيدًا يعتمد على وجود مجالس إدارة مستقلة وإدارات منتخبة ومجالس تحرير يوجد فيها تمثيل للجمهور، وإفساح المجال أمام الصحفيين لتنظيم أنفسهم.
لقد شهد نموذج الخدمة العامة تحولات واسعة في آخر عقدين؛ حيث بات مصطلح "هيئات الإعلام العامة" يحلُّ مكان "هيئات البث العامة"، وأول ما ظهر هذا التحول في وثائق المفوضة الأوروبية بهدف مراعاة التحولات التكنولوجية، وتحديدًا ما أتى به البث الرقمي من ناحية تقنية، وجاء هذا التحول لما قد تفضيه التقنيات الجديدة من فائدة للخدمة العامة. فالبث الرقمي سوف يُنهي لأول مرة محدودية الطيف التي تحد وتُقيِّد البث الإذاعي والتليفزيوني، كذلك ما توفره التقنيات الرقمية من منصات متعددة توفر للخدمة العامة أدوات وإمكانيات غير مسبوقة، مثل: البودكاست والبث الرقمي والمحتوى والفيديو الذي ينتجه الجمهور. وكل ذلك يتطلب من خدمة البث العامة أن تتكيف مع هذه التحولات ما يجعلها خدمة إعلامية عامة أكثر من كونها خدمة بث فقط، وهذا التحول يحمل دلالات مهمة على دور هذه الخدمة في الدَّمَقْرَطَة ونشر ثقافة حقوق الإنسان نتيجة توسع جمهورها وقدرتها العالية على الوصول وإتاحة المجال أمام الجمهور للمشاركة والتفاعل.
العامل الآخر الذي دفع إلى بروز تحولات في نماذج الخدمة العامة، ظهور وسائل إعلام خاصة منافسة بقوة بأشكال ووسائل جديدة تتوافق مع التطور الذي بدأ بالازدياد مع دخول القرن الحادي والعشرين، ومن هنا بدأ القائمون على وسائل إعلام الخدمة العامة يخشون من دخول منافسين أقوياء ربما يسرقون منهم جماهيرهم(6)؛ مما يعني مع الوقت، إيقاف الدعم المالي الشعبي لقنوات الخدمة العامة(7). وبالإضافة إلى الوظائف التقليدية السابقة لإعلام الخدمة العامة، يورد الباحثون وظائف جديدة للخدمة الإعلامية العامة في مجالات دعم الديمقراطية والمواطنة، أبرزها: إِعْلَام المواطنين بأعمال المنظمات الدولية، ومراقبة أداء هذه المنظمات، والمساهمة في صناعة فضاء عام لعناصر المجتمع المدني على الصعيد الإقليمي والعالمي، وتطوير رأس المال الاجتماعي والإحساس بالانتماء للمجتمع والمسؤولية المشتركة للدولة، في الوقت الذي بات الفضاء الإلكتروني يسمح للأفراد بالمشاركة في المجتمعات الافتراضية؛ حيث أصبحوا بعيدين عن مجتمعاتهم ودولهم، وخدمة الأقليات والجاليات المهاجرة واللاجئين بطريقة تُرْضِي احتياجاتهم الثقافية واللغوية(8).
وفي الخلاصة، ثمة اتجاهات تقول: إن إعلام الخدمة العامة في طريقه إلى الزوال، بينما تؤكد اتجاهات أخرى أن هذا النوع من الإعلام في طريقه إلى المزيد من الانتشار والقوة نتيجة موجات التحول الديمقراطي وحاجات المجتمعات في العالم إلى استعادة الثقة في مصادر الأخبار والمعلومات في الوقت الذي تزداد فيه الفوضى وحالة تراجع المصداقية التي تشهدها وسائل الإعلام وانتشار ظاهرة ما بات يُسمَّى "عصر ما بعد الحقيقة" الذي يشير بشكل مباشر إلى الأزمة الأخلاقية والمهنية التي تشهدها وسائل الإعلام وإلى تشتت الجمهور وتراجع اليقين في البيئة الاتصالية الجديدة، ما يذهب إلى أن فرصًا أكثر أمام قوة وانتشار نموذج الخدمة الإعلامية العامة.
2. الإعلام الحكومي العربي بعد الثورات: الاستمرارية والقطيعة
في نهاية الثمانينات من القرن العشرين، ظهر كتاب "الصحافة العربية: الإعلام الإخباري وعجلة السياسة في العالم العربي" لمؤلِّفه وليم روو، وشكَّل أول محاولة شاملة لدراسة حالة الإعلام العربي وعلاقته بالنظم السياسية وبمنظور علمي نقدي. صنَّف رو الصحافة العربية آنذاك، إلى ثلاثة نظم أساسية:
الأول: التعبوية، ومهمته الأساسية توحيد وتعبئة الجماهير خلف الأيديولوجيا السائدة، وفي هذا الصنف هناك قدسية للقادة وللسياسيين، ولا يوجد فيها مساحة لانتقاد السياسات العامة. وسادت الصحافة التعبوية في مصر والعراق وسوريا والسودان والجزائر وليبيا واليمن الجنوبي.
الثاني: صحافة الموالاة التي انتشرت في الأردن وتونس والسعودية والبحرين وقطر، وأبرز سماتها أنها موالية ومؤيدة للنظام الحاكم وأكثر محافظة.
الثالث: التعددية أو التعددية المقيدة، في لبنان والكويت والمغرب، وتتمثل التعددية في أنماط المِلكية والمحتوى الإعلامي والولاءات السياسية(9).
ودخلت النظم الاتصالية العربية حقبة التسعينات وهناك شبه احتكار رسمي للبث الإذاعي والتليفزيوني الرسمي؛ حيث لم يكن يُسْمَح للقطاع الخاص أو القطاع الأهلي بالاستثمار في هذا المجال سوى تجارب محدودة في لبنان وبعض المشاريع الأجنبية في بعض دول الخليج؛ حيث تغلَّب هاجس السيطرة السياسية على وسائل البث الإعلامي بقوة، وكانت هناك قناعة لدى النظم السياسية بأن وسائل البث الإعلامي على درجة كبيرة من الخطورة التي يجب ألا تُفلت من السيطرة الرسمية.
لقد بقيت أخبار القنوات التليفزيونية الرسمية في العالم العربي حتى نهاية التسعينات مملة ولا تقول شيئًا حقيقيًّا للناس؛ حيث يروي مذيعو الأخبار في الليل ما يقوم به رؤساء الحكومات في النهار(10)، ويصبغون على أفعالهم هالة من التقدير.
وفي عام 2009، بيَّن تقرير أن عدد الفضائيات العربية بلغ 510 قناة تليفزيونية بحجم استثمارات وصل 6 مليارات دولار، في المقابل تُحقِّق هذه القنوات دخلًا يُناهِز نحو 700 مليون دولار فقط، ما يعني عمليًّا أن الفرق هو استثمار سياسي. ويشير تقرير اتحاد الإذاعات العربية لعام 2015 إلى وجود نحو 1320 قناة فضائية عربية، بمعنى أن البث الفضائي تضاعف مرتين ونصف خلال نحو ست سنوات فقط، وتُشكِّل القنوات المملوكة للقطاع العام منها نحو 11%. ويشير آخر إحصاء (2015) إلى وجود 133 قناة عامة (حكومية) عربية مقابل 1097 قناة خاصة ودولية، وأكثر القنوات الرسمية انتشارًا حسب الاختصاص، هي قنوات المنوعات الشاملة وعددها نحو 56 قناة، ثم القنوات الرياضية وعددها 33 قناة، والقنوات التعليمية، والقنوات الإخبارية والدينية(11).
لقد بقي الاتجاه السائد في تقييم دور الإعلام الرسمي العربي حتى عام 2010 أنه يُمَثِّل أدوات في يد السلطة، وعلى الرغم من الانفتاح الذي أحدثته القنوات الإخبارية في ثقافة الأخبار بالعالم العربي إلا أن الإعلام الرسمي لم يُوَفَّق في إحداث تغيرٍ تاريخي في مصادر معلومات المجتمع العربي عن الديمقراطية وحقوق الإنسان. ولئن كانت هذه المرحلة شهدت توسعًا في المضامين التي تتناول حقوق الإنسان والمشاركة السياسية والمطالب الشعبية وحركة الجماهير العربية فإنه من المبالغة القول: إن هذه الوسائل شجَّعت بشكلٍ جادٍّ مُسَاءَلَةَ الحكومات أو ممارسةَ رقابة حقيقية أو هَيَّأَت الجماهير إلى التحول الديمقراطي(12).
الاتجاه الآخر فسَّر التحولات في البث التليفزيوني خلال العقد الأول من القرن العشرين، بأنها لم تكن سوى صمام أمان، ومحاولة للتنفيس عن المجتمعات العربية. وثمة مناقشات ناقدة جادة لقضايا السياسة العامة تجري بصورة أكثر على القنوات التليفزيونية الإخبارية وانتقل بعضها إلى القنوات الرسمية الوطنية. وأصبح المواطنون العرب يألفون انتقاد حكوماتهم ومناقشة قضاياهم بصورة أكثر انفتاحًا. ولكن بقي السؤال: هل أسهمت هذه الظاهرة في إرساء قاعدة صلبة لحرية الإعلام على المستوى الوطني؟ فيما تأتي الإجابة سلبية، إن كل هذه التحولات لم تؤسِّس لحرية حقيقية في الإعلام.
الموجة الجديدة من التحولات العاصفة التي شهدتها المنطقة بعد عام 2011، أسهمت في تغيير وجه الإعلام بشكل عام، ونالت أطراف الإعلام الرسمي، ويبرز ذلك ضمن المحددات التالية:
- اتشار أوسع لوسائل الإعلام التقليدية، وتحديدًا البث التليفزيوني الفضائي؛ حيث تزايد عدد القنوات الفضائية نحو ثلاثة أضعاف من 500 قناة في عام 2010 إلى نحو 1400 قناة في عام 2014.
- تراجع أعداد القنوات الرسمية مقارنة بإجمالي قنوات البث التليفزيوني؛ حيث أصبحت لا تتجاوز 10% من مجموع القنوات العربية.
- لم تستثمر القنوات الرسمية الوطنية تراجع مكانة بعض القنوات الإخبارية العربية في كسب ثقة المشاهدين العرب بل في بعض الدول ازدادت أزمة هذه القنوات.
- شهدت بعض الدول محاولات لإصلاح البث التليفزيوني الرسمي، ونالت هذه المحاولات الأطر التنظيمية الوطنية حيث يوجد هناك 8 دول عربية أنشأت هيئات جديدة لتنظيم البث المرئي والمسموع أو عدلت على أنظمة هيئات موجودة، وفي الأغلب تُعرِّف هذه الهيئات نفسها بأنها هيئات مستقلة.
- لم يصل التغيير الذي حدث في الدول العربية التي شهدت تحولات على شكل ثورات أو حركات احتجاجية، لإصلاحات جوهرية في التنظيم الداخلي والممارسات المهنية والمحتوى بما يرتقي إلى معايير الخدمة العامة، وتفاوتت هذه التجارب بين دولة وأخرى.
- على الرغم من التطور الكبير الذي شهدته بعض المجتمعات العربية في "حرية التعبير" في فترة الربيع العربي فإنه في المجمل لم تشهد حرية الإعلام تطورًا إيجابيًّا واضحًا، كما يعكسه رصد تقارير حرية الإعلام في عدد من الدول العربية التي تصدرها بعض المؤسسات الدولية المتخصصة (انظر جدول رقم 1).
جدول رقم (1) يُبيِّن مؤشرات الحرية الإعلامية في عدد من الدول العربية
العام |
2010 |
2012 |
2014 |
2016 |
2017 |
|||||
الدولة |
بيت الحرية |
مراسلون بلا حدود |
بيت الحرية |
مراسلون بلا حدود |
بيت الحرية |
مراسلون بلا حدود |
بيت الحرية |
مراسلون بلا حدود |
بيت الحرية |
مراسلون بلا حدود |
الأردن |
63 |
120 |
63 |
128 |
68 |
141 |
66 |
135 |
68 |
138 |
البحرين |
71 |
144 |
84 |
173 |
87 |
163 |
87 |
162 |
87 |
161 |
تونس |
85 |
164 |
51 |
134 |
53 |
132 |
96 |
89 |
54 |
97 |
سوريا |
83 |
170 |
89 |
138 |
89 |
177 |
90 |
177 |
90 |
177 |
العراق |
65 |
130 |
69 |
152 |
69 |
153 |
158 |
158 |
71 |
158 |
لبنان |
55 |
78 |
51 |
93 |
53 |
106 |
98 |
98 |
56 |
99 |
مصر |
60 |
127 |
57 |
166 |
68 |
159 |
159 |
159 |
77 |
161 |
المغـرب |
66 |
135 |
68 |
138 |
66 |
135 |
66 |
131 |
66 |
133 |
موريتانيا |
56 |
95 |
52 |
67 |
48 |
60 |
51 |
48 |
53 |
55 |
اليمن |
80 |
170 |
83 |
177 |
76 |
167 |
83 |
170 |
85 |
166 |
3. التغيير المقيد: ثلاثة نماذج
بهدف الوصول إلى صورة أكثر وضوحًا حول طبيعة التحولات التي شهدها قطاع الإعلام الرسمي ومدى اقترابه من نموذج الخدمة العامة بعد "الربيع العربي"، تستعرض هذه الدراسة ثلاثة نماذج عربية مختلفة لمجتمعات شهدت تحولات سياسية خلال هذه المرحلة، ما بين ثورات مكتملة، وثورات مرتدة وحراك شعبي سلمي.
أ- الحالة الأردنية: الاستقرار المقيد
الحالة الأردنية التي شهدت حراكًا شعبيًّا سلميًّا طالب بإصلاحات سياسية واسعة وبإصلاحات إعلامية، بعد أن شهدت المؤسسات الإعلامية الرسمية وعلى رأسها مؤسسة الإذاعة والتليفزيون، تراجعًا في الأداء العام. وتشير استطلاعات مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية التي كانت تقيس نسبة ثقة الجمهور بالتليفزيون، إلى تراجع حاد في ثقة الجمهور بالتليفزيون الأردني مصدرًا أساسيًّا للأخبار المحلية؛ إذ كانت نسبة من يثقون بالتليفزيون الأردني عام 2002 نحو 52% وتراجعت عام 2009 إلى 45% ثم تراجعت عام 2011 إلى 34%(13). وتصل الدراسة التقييمية الصادرة عن اليونسكو (MDI.2015) إلى أن التليفزيون الأردني يميل نحو تَمْثِيل رسالة الحكومة أكثر من مفهوم "الخدمة العامة للبث"؛ حيث تُعْطِي التغطيات الإخبارية الأولوية للأخبار الحكومية والأنشطة الرسمية ولا يُمارِس التليفزيون نقدًا جادًّا وفعليًّا لأنشطة الحكومة(14).
شكل رقم (1) يوضح ثقة المجتمع في التليفزيون الأردني مصدرًا للأخبار السياسية المحلية*
* المصدر: استطلاعات مركز الدراسات الاستراتيجية/الجامعة الأردنية في أوضاع الديمقراطية بالأردن من العام 2002-2011، مركز الدراسات الاستراتيجية/الجامعة الأردنية، http://www.jcss.org/Contents/Publicationsar.aspx |
لا يحدد قانون مؤسسة الإذاعة والتليفزيون في الأردن مهمة واضحة ومحددة للبث التليفزيوني، وفي قانون الإعلام المرئي والمسموع، يُطلب من التليفزيون الأردني وفق المادة 24/أ، التقيد التام بالسياسات والتعليمات الصادرة عن هيئة الإعلام الحكومية(15)؛ ما يجعل الأطر التشريعية تفتقد لمفهوم صلب وواضح لبث الخدمة العامة من المفترض أن يقوم على الاستقلالية.
لا تتوفر الضمانات التشريعية والسياسة ولا المهنية لاستقلالية المؤسسة، وعلى الرغم من محاولات عديدة لإصلاح المؤسسة لكي تتحوَّل إلى خدمة بث عامة تراعي المعايير المهنية، إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل؛ فقد ألغى الأردن عام 2003 وزارة الإعلام وأنشأ مكانها المجلس الأعلى للإعلام، وبموجب هذا التعديل تم تطوير إدارة المؤسسة، ولم يعد وزير الإعلام هو من يدير مجلس الإدارة، ولكن لم تستمر التجربة طويلًا وعاد وزير الإعلام ليترأس مجلس الإدارة من جديد.
لقد بقي النموذج الأردني في إدارة الإعلام الرسمي يمثِّل "الاستقرار المقيد" ويبدو ذلك في تتبع مسار الإصلاحات مقابل مسار التراجع والتقييد والذي يُختَصر في "خطوة إلى الأمام وخطوة إلى الخلف" في ضوء وجود مؤسسات إعلامية رسمية مستقرة لكنها ضعيفة، ويشير الجدول رقم (2) إلى أبرز ملامح هذا النموذج.
جدول رقم (2) يُبيِّن التقدم والتراجع في أحوال الإعلام الرسمي الأردني
إلى الأمام |
|
إلى الخلف |
|
2002 |
إلغاء وزارة الإعلام واستحداث المجلس الأعلى للإعلام |
2003 |
استحداث منصب وزير الدولة لشؤون الاتصال |
2003 |
إنشاء مجالس إدارة لمؤسسات الإعلام الرسمي |
2008 - 2014 |
عودة السيطرة الحكومية على مجالس إدارة الإعلام الرسمي |
2002 - 2003 |
نهاية احتكار الدولة للبث الإذاعي والتليفزيوني |
2010 - 2016 |
تراجع الثقة بوسائل الإعلام العامة |
2007 |
قانون الحق في الحصول على المعلومات |
2008 |
إلغاء المجلس الأعلى للإعلام |
2011 |
الاستراتيجية الوطنية للإعلام |
2011 - 2015 |
عدم الوفاء بمعظم التزامات الاستراتيجية |
2015 |
قانون معدَّل للمرئي والمسموع |
2011 |
تعديلات قانون المطبوعات والنشر وضعت قيودًا على الصحافة الإلكترونية |
2016 |
نظام المحطة المستقلة لإعلام الخدمة العامة |
2014 |
قانون معدَّل لمنع الإرهاب |
لقد ظهر لأول مرة مفهوم "بث الخدمة العامة المستقلة" التي تعمل من أجل الصالح العام وتُمثِّل المجتمع في وثيقة الاستراتيجية الوطنية للإعلام في عام 2011؛ حيث دعت الاستراتيجية إلى تحقيق استقلالية مؤسسات الإعلام الرسمي وتحويلها إلى مرافق إعلامية للخدمة العامة، لكن لم تتحقق معظم أطروحات تلك الاستراتيجية بعد انتهاء الإطار الزمني لها.
التطور المهم الذي شهده إعلام الخدمة العامة في الأردن، صدور نظام "محطة الخدمة الإعلامية العامة المستقلة" عام 2016؛ حيث تم إنشاء مؤسسة بث تليفزيونية جديدة، تشير الوثائق المعلنة عنها إلى أنها تراعي معايير الخدمة العامة، ومن المنتظر أن يبدأ بثها نهاية 2017.
لقد أوردت الحكومة الأردنية في تقريرها الدوري الخامس لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، ما يلي: "بهدف تعزيز أركان العملية الديمقراطية والحرية في التعبير، وترسيخ مبدأ استقلالية الإعلام"؛ لذا صدر في الجريدة الرسمية، بتاريخ 22 يونيو/حزيران 2015، نظام رقم 53 لسنة 2015/نظام محطة الإعلام العام المستقل؛ حيث أشار إلى أن الهدف الرئيسي من إنشاء هذه المحطة هو "مناقشة كافة القضايا مما يهم المواطن الأردني، وتنويع المشهد الإعلامي الأردني، مع الحفاظ على استقلالية الخدمة العامة في البث التليفزيوني وتوفير الضمانات الفعلية لهذه الاستقلالية، يتم ذلك من خلال التشريعات، وآليات تعيين قيادات هذه المؤسسات ومصادر التمويل"(16).
وعلى العموم، ورغم الجدل الواسع الذي أثاره إعلان إنشاء هذه المؤسسة، فإنه إلى هذا الوقت لا يمكن الحكم على مدى استقلاليتها واقترابها من مفهوم الخدمة العامة.
ب- الحالة التونسية: الانتقال الصعب
من بين الخبرات العربية المهمة في الانتقال التدريجي إلى بث الخدمة العامة، التجربة التونسية التي أنجزت بعض التحولات المهمة بعد مرحلة الثورة 2011. وتعود نشأة مؤسسة التلفزة التونسية إلى عام 1966، ومنذ التسعينات، أخذت التلفزة التونسية تبث بثلاث قنوات، واحدة منها تبث للشباب، وفي عام 2007 تم فصل التلفزة عن الإذاعة، وعلى الرغم مما يشير إليه العديد من الدراسات والتقارير إلى وجود تنوع في المحتوى الإعلامي والشمولية إلا أن التلفزة التونسية كانت أقرب إلى مفهوم الإعلام الحكومي من ناحية الاستقلالية وقبول التعددية. إن التحولات التي شهدها القطاع السمعي والبصري في تونس وضع التلفزة التونسية على طريق الخدمة العامة المستقلة وإن كانت لا تزال تحتاج إلى المزيد من العمل في هذا الاتجاه، ويمكن القول: إن التلفزة التونسية تشهد مرحلة تحول نحو الخدمة العامة المستقلة في ظروف صعبة، ولكنها عمليًّا لم تكتمل بعد.
في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، صدر المرسوم رقم 116 المتعلِّق بحرية الاتصال السمعي البصري، وقد دعا هذا المرسوم إلى إنشاء هيئة عليا للسمعي والبصري تقوم على مبادئ، أهمها: "دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون، ودعم حرية التعبير وحمايتها، ودعم قطاع الاتصال السمعي والبصري الوطني العمومي والخاص والجمعياتي وجودته وتنوعه، ودعم حقوق العموم في الإعلام والمعرفة من خلال ضمان التعددية والتنوع في البرامج المتعلقة بالشأن العام"(17).
وبعد سقوط نظام زين العابدين بن علي بات الإعلام مُهيَّأً لنقلة كبيرة من التحولات، وعملت الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال على بناء نموذج تعددي للإعلام قائم على ثلاثة نماذج فرعية: إعلام عمومي وإعلام خاص وإعلام مجتمعي(18).
وبالفعل، تم في 3 مايو/أيار 2013، إنشاء الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري، وعُرِّفت مهمتها الأساسية بضمان حرية الاتصال السمعي البصري وتعدديته، والعمل على تسهيل التكيف الإعلامي في مرحلة التحول الديمقراطي، أي نشر ثقافة إرساء استقلالية وسائل الإعلام عن كل السُّلَط السياسية والاقتصادية ما سيؤدي ضرورة إلى طريقة جديدة في حَوْكَمَة الإعلام وخاصة إلى الحد من تدخل السلطة في إعداد المضامين الإعلامية.
ووجدت الهيئة أساسًا دستوريًّا لعملها؛ إذ نصَّ الفصل 31من الدستور التونسي الجديد على "حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام، وعدم جواز ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحريات". وجاء في الفصل 127: "تتولى هيئة الاتصال السمعي البصري تعديل قطاع الاتصال السمعي البصري وتطويره، وتسهر على ضمان حرية التعبير والإعلام، وعلى ضمان إعلام تعددي نزيه. وتتمتع الهيئة بسلطة ترتيبية في مجال اختصاصها وتُستشار وجوبًا في مشاريع القوانين المتصلة بهذا المجال. وتتكون الهيئة من تسعة أعضاء مستقلين محايدين من ذوي الكفاءة والنزاهة، يباشرون مهامهم لفترة واحدة، مدتها ست سنوات، ويجدد ثلث أعضائها كل سنتين".
شهدت التلفزة التونسية تحولات مهمة خلال هذه المرحلة على طريق تطوير خبرة وطنية في بث الخدمة العامة، وذلك على الصعد الإدارية وطرق تصعيد القيادات والإدارات الإعلامية، والاستقلالية والخط التحريري للمؤسسة والتعددية والتنوع والشمولية، فقد ظهرت التلفزة التونسية بعد الثورة بمظهر جديد وبالمزيد من الانفتاح وإعادة تعريف دورها باعتبارها مرفقًا للخدمة العامة الإعلامية، وحددت قيمها المهنية وعلى رأسها الاستقلالية،وعرَّفت التلفزة التونسية نفسها بأنها "مرفق عمومي للسمعي البصري يتمتع بالاستقلالية هدفه تقديم مادة إعلامية شاملة تلبِّي حق المواطن في إعلام حرٍّ ونزيهٍ ملتزم بأخلاقيات المهنة، لذلك تمارس التلفزة التونسية مهامها بشكل مستقل عن أي ضغوط سياسية أو اقتصادية وذلك في جميع مجالات إنتاجها في إطار احترام القانون، ومن قيمها أيضًا القرب والمسؤولية والابتكار والانفتاح". ولكن على أرض الواقع لا تزال مؤسسة التلفزة ومؤسسة الإذاعة تدار بموجب قانون 2007 والذي يبقيهما تحت سلطة وزير الاتصال، ولا يقدم هذا القانون ضمانات حقيقية لاستقلالية هذه الوسائل.
ومنذ عام 2013، بدا أن مرحلة من النقاشات والأجندات الداخلية باتت تحكم المشهد الإعلامي العام في تونس، قبل ذلك ساد فراغ مؤسساتي في تنظيم قطاع البث، وبعد إنشاء الهيئة العليا برز عدم انسجام في سلوك مؤسسات البث العمومي مع متطلبات الهيئة، ففي نهاية 2013، أصدرت الهيئة بلاغًا انتقدت فيه مماطلة الحكومة في تنفيذ مسار الإعلام العمومي، وانتقدت مخالفة القانون في التعيينات على رأس مؤسسات البث العام، كما أشار البلاغ إلى التدخل المستمر من قِبل مديري مؤسسات البث الإذاعي والتليفزيوني العام في القرارات التحريرية ومنعهم بث أخبار الاحتجاجات(19).
وفي عام 2014، سادت حالة من الشد بين المؤسسة العامة للتلفزة وبين المؤسسات النقابية وبعض القوى السياسية والمؤسسات المدنية، وشهدت المؤسسة سلسلة من الإضرابات والاتهامات بالفساد وعدم الاستقلالية، استمرت هذه المحددات وسط ظروف مالية صعبة، وفي نهاية عام 2015، شكا المدير العام لمؤسسة التلفزة التونسية من محاولات متكررة للتدخل الحكومي في عمل المؤسسة وتوجيهها إلى جانب استمرار الصعوبات المالية والفنية. كما أن المؤسسة بقيت دون إصلاحات تشريعية جادة(20).
وفي عام 2016، صدر في تونس "بيان تونس حول الإعلام العمومي" عن المؤسسات الأعضاء في الشبكة الفرانكفونية لهيئات تعديل وسائل الاتصال، ودعا إلى ضمان استقلالية مؤسسات الإعلام العمومي وتوفير الإمكانات الضرورية لها لأداء رسالتها على أفضل وجه والمساعدة في تمكين مؤسسات الإعلام العمومي من تبوُّء موقع متميز في ظل محيط تنافسي. كما دعا البيان، مسيِّري مؤسسات الإعلام العمومي، لمواصلة الجهد في مجال الحَوْكَمَة الرشيدة، خاصة من خلال تبادل الممارسات الجيدة وبرامج التقييم، علاوة على دعم وتشجيع التعددية وتمثيل مختلف التيارات الفكرية من خلال مضامين جيدة(21).
وعلى الرغم من المكتسبات الديمقراطية والمهنية التي حققها الإعلام التونسي عامة بعد الثورة، إلا أن بث الخدمة العامة المتمثل بالتلفزة والإذاعة التونسية يواجه تحديات عديدة، وما زال دوره في التحول الديمقراطي مشوبًا بالغموض، فيما تبرز ضغوطات حكومية مستمرة على التعددية في البث التليفزيوني، ولعل أحد أبرز الأمثلة ما تعرضت له القناة التاسعة، بتاريخ 15 سبتمبر/أيلول 2016، من ضغوط من قِبَل مسؤولين برئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة بهدف عدم بث حوار تم إجراؤه مع الرئيس السابق، المنصف المرزوقي.
جدول رقم (3) يوضح الفاعل والتعددية السياسية في القناة الوطنية التونسية حسب المدة الزمنية
السنة |
مؤسسة الرئاسة والحكومة |
الأحزاب السياسية |
فبراير/شباط 2016 |
51% |
49% |
مارس/آذار 2016 |
28% |
72% |
يونيو/حزيران 2016 |
21% |
79% |
أكتوبر/تشرين الأول-ديسمبر/كانون الأول 2016 |
76% |
24% |
وتوضح تقارير رصد التعددية السياسية في قنوات التلفزة والإذاعات التونسية، خلال السنوات 2014- 2016، أن قنوات التلفزة الخاصة تتيح مجالًا أوسع للحوار السياسي من قنوات الخدمة العامة، وتحتل الأحزاب الممثلة في البرلمان والحكومة، المرتبة الأولى والثانية في حضور الفاعلين السياسيين، بينما حزب نداء تونس (الحزب الحاكم) 22 في المئة من حضور الفاعلين، وهو الأعلى بين بقية الأحزاب، بينما تمنح القناة الوطنية الأولى مؤسسة الرئاسة والحكومة فترات زمنية أوسع بشكل عام، إلا أنه يُلاحَظ بمراجعة خمسة تقارير رصد (الجدول رقم 3)، صادرة عن الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري لعام 2016، تطور واضح في منح الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان والأخرى خارج البرلمان مساحة زمنية أوسع للتعبير على القناة الرسمية الأولى في البلاد.
ج- التجربة المصرية: استمرار القيود
الحالة الدراسية الثالثة، هي الحالة المصرية التي شهدت تحولات سياسية متتابعة منذ عام 2011 تركت آثارًا واسعة على أداء الإعلام ودوره في الحياة الديمقراطية. وعلى الرغم من ازدهار القنوات التليفزيونية في مصر قبيل ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، واتساع مساهمتها في النقاش العام حول السياسات العامة، إلا أن البث التليفزيوني المصري لم يسهم في تهيئة الظروف للتغيير الديمقراطي، وحينما اشتعلت الثورة كان الإعلام الرسمي المصري مربَكًا، ويتعامل بردود الأفعال المتأخرة.
بالإضافة إلى قطاع البث الإذاعي والتليفزيوني الرسمي الكبير، لا تزال الدولة تملك مؤسسات كبرى للنشر الصحفي فيما يسمى في مصر بـ"الصحف القومية"، وعلى الرغم من فتح المجال أمام إصدار الصحف الخاصة في التسعينات، ما زالت قوة منافسة الصحف الرسمية (القومية) تتجاوز الصحف الخاصة والحزبية، وهي على وجه التحديد "جريدة الأهرام" ويصدر عنها 18 مطبوعة صحفية دورية، و"جريدة الأخبار" ويصدر عنها 12 مطبوعة صحفية دورية، و"دار التحرير" ويصدر عنها 12 مطبوعة صحفية. تزاول هذه المؤسسات نشاطها الصحافي في ظل سيطرة بارزة من جانب الجهات الحكومية إضافة إلى وكالة الأنباء الرسمية الوحيدة "الشرق الأوسط"،ومع استمرار سيطرة الصحافة الرسمية ونفوذها ازدهرت الصحافة الخاصة بعد الثورة وازدادت أرقام توزيعها، وحسب تقرير لليونسكو 2013، فإنه بالرغم من الضمانات الرسمية التي تكفل استقلالية الصحف القومية التابعة للدولة، إلا أنه على مستوى الممارسة العملية، يفتقر الوضع إلى ضمانات تكفل مبدأ الاستقلالية التحريرية(22).
وبينما تراجعت مؤسسة البث الرسمي (اتحاد الإذاعة والتليفزيون) أمام منافسة القنوات الفضائية الخاصة والإقليمية والاستثمارات العربية الموجهة للجمهور المصري، فقد ظهرت 22 فضائية خلال ثلاثة أشهر فقط، من مارس/آذار إلى مايو/أيار 2011، في الوقت الذي ظهرت 69 قناة خلال عشر سنوات من 2001 إلى 2010(23).
وعانت المؤسسة الإعلامية المصرية وعلى رأسها التليفزيون المصري، من أزمة ثقة ومصداقية غير مسبوقة بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني، نتيجة التغطية المتحيزة لأحداث الثورة، والتي أغفلت أحداثًا بأكملها، ووصْف أحداث الثورة بأنها أحداث شغب، ونصْب كاميراته أثناء الثورة في مواجهة مياه نهر النيل الهادئة(24)، وتفاقمت أزمة الشرعية للمؤسسات الإعلامية المملوكة للدولة بعد مضي سنوات بعد الثورة دون إحداث تحولات إصلاحية حقيقية.
ونتج عن التحولات التي شهدها التنظيم الرسمي للإعلام بموجب الدستور المصري الجديد في العام 2014، إنشاء ثلاث هيئات تنظيمية جديدة، هي: المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام، وذلك طبقًا لنصوص ومواد القانون رقم 92 لسنة 2016، والتي تطلب ترشيحات مجلس الدولة ومجلس النواب ونقابة الصحفيين والإعلاميين والعاملين بالطباعة والصحافة والإعلام والمجلس الأعلى للجامعات ووزارتي الاتصالات والمالية.
وتهدف الهيئة الوطنية للإعلام إلى إدارة المؤسسات الإعلامية المملوكة للدولة التي تقدم خدمات البث والإنتاج التليفزيوني والإذاعي والرقمي والصحفي والخدمات الهندسية المتعلقة بها. لقد حلَّت هذه الهيئة محل اتحاد الإذاعة والتليفزيون الرسمي. أما المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام فهو هيئة مستقلة ذات شخصية اعتبارية أُنشئ طبقًا للقانون رقم 92 لسنة 2016 في شأن التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام ليتولى تنظيم شؤون الإعلام المسموع والمرئي والرقمي والصحافة المطبوعة والرقمية وغيرها.
وورثت الهيئة الوطنية للإعلام اتحاد الإذاعة والتليفزيون بكل ما يعنيه من تحديات، فما زالت هذه المؤسسة العملاقة تعاني من ضخامة في العمالة حيث يتجاوز عدد العاملين فيها 40 ألف عامل بما يجعلها أضخم مؤسسة إعلامية في العالم من ناحية عدد العاملين، إضافة إلى مديونية عالية، وضعف النموذج الاقتصادي الذي يقوم على أساسه في ضوء ضخامة وتنوع الخدمات الإعلامية المطلوبة منه(25)؛ حيث يوجد في مبنى ماسبيرو الشهير 28 قناة تليفزيونية و58 محطة إذاعية.
ويخضع التليفزيون المصري لهيمنة الحكومة والمؤسسات السيادية على السياسات التحريرية وعلى تصعيد القيادات الإعلامية، وعلى الهياكل التمويلية. وفي ظل الظروف السياسية الراهنة وتحت مبررات الحفاظ على الأمن القومي ما زالت مؤسسات الإعلام المصري الرسمي بعيدة عن الاستقلالية على الرغم من بعض الإصلاحات التي حدثت.
4. الإعلام العام والمجال العام العربي للديمقراطية: مهمة لم تكتمل
بدءًا من سنوات نهاية التسعينات من القرن العشرين، برزت ملامح أُفق عربي جديد في علاقة الإعلام بالعملية السياسية وكان يُنظر إلى هذه التحولات في سنوات العقد التالي باعتبارها بداية لتوسيع قاعدة المعرفة الديمقراطية وسط المجتمعات العربية، فقد وفرت القنوات التليفزيونية الفضائية فرصة غير مسبوقة لانتقال رسائل إعلامية جديدة عبر الحدود السياسية التي ستتحول في نهاية هذا العقد إلى حدود شفافة قادرة على نقل المعلومات والأفكار والمعتقدات والحراكات الشعبية.
منذ ذلك الوقت، أصبح بإمكان القنوات الفضائية العربية الناشئة المساهمة الجادة في خلق نقاشات عامة تتجاوز الكثير من المحظورات التقليدية، وبالتالي كسر الاحتكار السياسي الرسمي الذي كانت تمارسه النظم العربية، ما دفع إلى بدايات الإدراك بأن سلطة الدولة في منع تدفق المعلومات وانتقال الأفكار داخل الدولة الواحدة وعبر الحدود أصبحت محدودة(26)؛ الأمر الذي دفع بعض النظم السياسية العربية إلى مراجعة أداء الإعلام التليفزيوني الرسمي والبحث عن بدائل أو الاستثمار المباشر أو غير المباشر في الإعلام التليفزيوني الرسمي.
يُعرَّف المجال العام بأنه مساحة عامة للنقاش بين الدولة والمجتمع، تتيح فرص النقاش لأفراد مختلفين ولكن تجمعهم اهتمامات مشتركة، وهو شبكة اتصالية من الشبكات القائمة في المجتمعات ترتبط ارتباطًا عميقًا بالحياة العامة أو الخبرات اليومية للأفراد، ومن خلال هذا المجال يتم تبادل الآراء والوصول إلى المعلومات، وفي هذا المجال يتم غربلة هذه المعلومات والآراء وتنقيتها حتى تصبح رأيًا عامًّا. الاتصال الذي يتم في المجال العام تتراجع فيه مظاهر الإكراه السياسي، كما أن الحوار في هذا المجال يمكن أن يُؤَسِّس لخطاب ديمقراطي من خلال ما يوفره من معلومات وأفكار تتنافس في مجال مفتوح تصل في النهاية إلى التعددية وفي نفس الوقت التوافق على الأفكار والممارسات الكبرى(27).
ويؤكد يورغن هابرماس الدور الكبير لوسائل الإعلام في المجال العام، ويفرِّق في هذا الإطار بين الصحافة وبين التطورات الحالية لتكنولوجيا الاتصال والتي تتمثل في الإنترنت، فالصحافة البريطانية الأولى -خلال القرن السابع عشر- كانت عضوًا فاعلًا وشريكًا قويًّا في الجدال السياسي(28).
وأعاد مُنظِّرو المجال العام رسم دور الإعلام في مرحلة الانتقال الديمقراطي وفق الخبرة التي تحققت خلال انتقال مجتمعات أوروبا الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي نحو الديمقراطية؛ حيث لعب المشهد التليفزيوني دورًا حاسمًا في خلق مجال عام جديد في فترة الثورات البرتقالية، وترسخت هذه الخبرة في انتقال البث التليفزيوني والإذاعي في هذه الدول إلى مفهوم بثِّ الخدمة العامة؛ حيث عمل تليفزيون الخدمة العامة على إعادة إنتاج المجال العام بالمشاركة نتيجة القدرة المولِّدة للنقاشات العامة وتوسيع الفرص أمام الجمهور للحصول على معلومات أكثر استقلالية وتشكيل وجهات نظر متعددة.
لا شك في أن ظاهرة الفضائيات العربية قد فتحت الطريق أمام تأسيس مجال عام عربي جديد، وتحديدًا القنوات الإخبارية العربية وفي المقدمة منها "الجزيرة"، لقد فتحت المجال أمام عصر جديد للنقاش العام في العالم العربي، وتم طرح قضايا عديدة كانت في السابق من المحرمات، وأصبحت القنوات الإخبارية تقدم تقارير إخبارية وبرامج ووثائقيات عالية الجودة، وأسهمت بشكل أو بآخر، في إرساء فهم جديد لمفاهيم التعددية والاختلاف والتوافق ونقد السياسات العامة ونزع القداسة عن النخب السياسية والمؤسسات والنظم بشكل عام.
وخلال سنوات العقد الأول من القرن الجديد، حاصرت القنوات الإخبارية الإقليمية القنوات الوطنية الرسمية؛ حيث افتقدت الكثير من القنوات الرسمية ولاء المشاهدين المحليين وثقتهم، وأصبحت القنوات الإخبارية الإقليمية مصدرًا أولًا للأخبار للمواطنين المحليين في معظم الدول العربية. لقد شكَّلت التقارير عالية الجودة التي تقدمها هذه القنوات، صدمة للقنوات الوطنية الرسمية التي لم تكن مؤهَّلة لمنافستها، ولكن العديد من القنوات الرسمية الوطنية حاولت تقليد القنوات الإخبارية وفي مقدمتها "الجزيرة" في الأخبار وفي البرامج، ووجدت أنها مجبرة على تغيير مفهومها للأخبار في العديد من الجوانب(29). وعلى الرغم من الدور الكبير الذي مارسه الإعلام الرقمي والاجتماعي في التحولات العربية منذ عام 2011، وهو دور متنام، إلا أن قوة المشهد التليفزيوني كانت حاسمة، وبقيت الجماهير العربية تحافظ على الولاء للتليفزيون باعتباره مصدرًا أوليًّا أو مصدرًا منافسًا في الحصول على الأخبار والمعلومات في معظم البلدان العربية(30).
إن ظهور القنوات الفضائية كان تحولًا تاريخيًّا في علاقة الإعلام التليفزيوني بالثقافة السياسية والديمقراطية في العالم العربي، ولكن السؤال الذي لم تتم الإجابة عليه إلى هذا الوقت: كيف استطاعت النظم السياسية احتواء هذه الموجة التاريخية الكبيرة التي كان من الممكن أن تدشِّن مجالًا عامًّا عربيًّا عابرًا للحدود؟، ومجالات عامة وطنية قابلة للغرس الديمقراطي.
مع نهاية العقد الأول من هذا القرن، أي عشية الثورات العربية، كان يمكن القول: إن ثمة ملامح أولية وثانوية ناشئة لمجال عام عربي في الثقافة الديمقراطية الشعبية، يتشكَّل بالتدريج وينضج ببطء شديد، وبرزت ظاهرتان إعلاميتان سوف يكون لهما دور كبير في قفزة المجال العام العربي في السنوات التالية وفي الحد من محاولة النظم السياسية من إعادة بناء قوة الإعلام الرسمي وتحديدًا التليفزيون الرسمي التقليدي، الظاهرة الأولى: بروز قوة القنوات الإخبارية العربية التي مثَّلتها في البداية قوة "قناة الجزيرة" القَطَرية ثم ما تبعها من قنوات أخرى شكَّلت نمطًا جديدًا من التعددية الذي عكس التباينات والأجندات السياسية العربية والإقليمية. لقد قدمت هذه القنوات لأول مرة في تاريخ التليفزيون العربي محتوى تليفزيوني عابر للحدود ويخاطب الاهتمامات العربية الجمعية، ثم ظاهرة الإعلام الرقمي الذي تنامى بشكل سريع وأصبح منافسًا قويًّا للمشهد التليفزيوني ومصدرًا أساسيًّا للأخبار والمعلومات وعبَّر عن وعي جمعيٍّ يتشكَّل، تختلط فيه المشاعر والعواطف بالأفكار والمعتقدات.
أسهمت الظاهرتان في تغيير مفهوم الأخبار في العالم العربي، وعَمِل المشهد التليفزيوني في العقد الأول من القرن الجديد على خلق اهتمامات جديدة للمشاهد العربي أكثر قربًا واهتمامًا بالشأن العام وأكثر حساسية وجاذبية لأطروحات الديمقراطية الكبرى مثل حقوق الإنسان والعدالة والحريات العامة وتداول السلطة ومواجهة الفساد والتعسف والاستبداد.
وساد في هذه المرحلة ثلاثة أنماط من الإعلام التليفزيوني الإخباري العربي، وفي الأغلب ينتمي هذا الإعلام من حيث نمط الملكية إلى الجانب الرسمي:
- القنوات التليفزيونية الرسمية الوطنية: جميع الدول العربية تملك قنوات تليفزيونية، تحولت مع نهاية التسعينات إلى البث الفضائي، وجميعها تُقدِّم خدمات إخبارية ومضامين تتناول الشأن العام، إلى هذا الوقت لم تتوفر للقنوات الرسمية الحد الأدنى من مفهوم بث الخدمة العامة المتعارف عليه، فجميعها بدون استثناءات، تمثِّل أدوات السلطة ولا تتمتع بالاستقلالية وتخضع لضغوط سياسية وتمويلية تجعلها في الأغلب تقع في دائرة التصنيف التقليدي لإعلام الموالاة.
- القنوات الإخبارية العربية: بدأت عام 1996 بظاهرة "الجزيرة" وخلقت منافسًا قويًّا للقنوات الرسمية الوطنية، ثم تحولت إلى تحدٍّ سياسيٍّ للنظم السياسية والتي حاولت إعادة التفكير في الاستثمار في البث التليفزيوني بطرق جديدة. تبع ذلك انتشار القنوات الفضائية الإخبارية الدولية التي تبث باللغة العربية (بي بي سي، والحرة، وروسيا اليوم، وفرانس 24، والتركية، والعالم).
- القنوات الإخبارية الوطنية: أحد الردود التي تشكَّلت على قوة تأثير وتحدي القنوات الإخبارية أن عمدت بعض الدول إلى إطلاق خدمات إخبارية رسمية على شكل قنوات إخبارية وطنية مثلما حدث في إنشاء قنوات (الإخبارية السعودية والإخبارية السورية والإخبارية المغربية).
وعلى الرغم من بروز محاولات عديدة لإصلاح القنوات الرسمية الوطنية منذ مطلع القرن الجديد، إلا أن جميع هذه المحاولات التي تُرصَد في مصر والأردن وتونس وغيرها، لم ترتق إلى مستوى المنافسة ومواجهة التحديات الجديدة، فأغلبها ارتبط بالمضامين السياسية التي تحاول استعادة قوة تليفزيون السلطة في التأثير على الجماهير في عصر جديد.
إن قواعد الديمقراطية الحقيقية تتمثل في الاتصال السياسي بحرية التعبير وحرية الاعتقاد والفكر ولا يمكن أن تتوفر هذه الأمور بدون وجود وسائل إعلام مستقلة ومتعددة وتتمتع بالحرية، بينما يذهب اتجاه واسع من الدراسات إلى أن الإعلام الرسمي في النظم الشمولية لا يسهم في التهيئة للتحول الديمقراطي ولا يوفر مصدرًا مستقلًّا لنشر الثقافة الديمقراطية، وهذا ما حدث مع الإعلام الرسمي العربي في مرحلة التحولات منذ عام 2011، بل أسهم في الانتكاسات وحالة الفوضى التي سادت في المرحلة الثانية من هذه التحولات.
وعلى الرغم من بعض التحولات التي شهدتها النظم الإعلامية في عدد من الدول العربية بعد عام 2011، فإنه لم ينشأ عن هذه التحولات قطاع إعلام للخدمة العامة بالمعنى المتعارف عليه في الديمقراطيات الناشئة مع التفاوت في التجارب العربية. لقد فتحت التحولات السياسية والاستراتيجية في المنطقة، فرصة كبيرة أمام القنوات الوطنية للازدهار مرة أخرى وفق أسس ديمقراطية، وفي مرحلة تحوُّل من المفترض أن يُمارَس فيها تأثيرٌ متبادلٌ بين الإعلام والعملية السياسية الديمقراطية، خصوصًا بعد ازدياد حدَّة الاستقطاب السياسي ودخول معظم القنوات الإخبارية دائرة الاستقطاب ما أدى إلى تراجعها المهني وتراجع الثقة بها، ولكن القنوات الوطنية الرسمية لم تستثمر هذه الفرصة ولم تعد قادرة على بناء أطر مهنية وتنظيمية تعزز التحولات الديمقراطية على الرغم من وجود بعض الاتجاهات التي ذهبت إلى إمكانية ازدهار هذه القنوات وعودة المشاهدين المحليين إليها إلا أنه لا توجد أدلة واقعية تثبت هذا الاتجاه بعد مرور ست سنوات على بداية هذه التحولات. ويمكن رصد الملامح التالية:
أولاً: حدود حرية الإعلام، لقد ازداد مشهد حرية الإعلام تعقيدًا في ضوء التحولات العربية، ويوضح الجدول (رقم 1) واقع تطور حالة حرية الإعلام في عدد من الدول العربية خلال هذه المرحلة، وفق نتائج تقارير كل من بيت الحرية ومنظمة "مراسلون بلا حدود"؛ حيث تراجعت مؤشرات حرية الإعلام في المرحلة الثانية من هذه التحولات في معظم الدول العربية باستثناء تونس وموريتانيا، وحافظت الأخيرة على مسار ازدهار حرية الإعلام بخط واضح، في حين تراجعت في كل من مصر والأردن وسوريا واليمن والبحرين ولبنان، وحافظت على نفس المسار تقريبًا، في دول محدودة مثل المغرب.
ثانيًا: استمرار نموذج الإعلام الرسمي الداعم للوضع القائم في معظم الدول العربية، في معظم تجارب الدول العربية الراهنة؛ حيث عادت وسائل الإعلام الرسمية إلى ممارسة دور أدوات السلطة، ودعم ترسيخ الأوضاع القائمة، من خلال تدعيم القيم السياسة التي تتبناها النظم القائمة، وأحيانًا بإضفاء شكلٍ من التعددية الزائفة، التي تحاول إضفاء شرعية جديدة على النظم السياسية.
إن وسائل الإعلام الرسمي وحتى الخاص في هذه الدول، تقوم في هذا الوقت بإعادة إنتاج شرعية سياسية للنظم الجديدة والقديمة على حدٍّ سواء في وقت اختلف فيه إدراك الجماهير العربية لمفهوم الأخبار وللقيم السياسية المرتبطة بها.
لم تشهد هذه النظم تحولات عميقة في العلاقة بين وسائل الإعلام والنظم السياسية تؤدي إلى تدشين علاقة اعتماد متبادل يسعى من خلالها النظام السياسي إلى زيادة تدعيم القيـم السياسية مثل الحرية والمشاركة واحتـرام القانون والحفاظ على النظام السياسي من خلال التكامل الاجتماعي وتدعيـم المواطنـة، ويعتمد الإعلام على النظام السياسي من خلال اكتساب الحماية التشريعية والحصول على المعلومات، ولم يحدث صراع بين النظام السياسي ووسائـل الإعلام، كما يحدث معظم الأحيان في مراحل التحول السياسي، وغالبًا ما يتخذ هـذا الصراع أشكالًا جذرية في أوقات التحول السياسـي. وفي المراحل الأولى للانتقال السياسي يسود صراعٌ حول القيم السياسية بسبب رغبـة النظـام السياسـي في فرض الرقابة وضبط عملية التحول ومنح الأبعاد الأمنية أولوية، ورغبة وسائل الإعـلام بـدور رقابـي علـى السياسـات العامـة، لم تقترب النظم العربية المتحولة من هذه العلاقة باستثناء مؤشرات محدودة في التجربة التونسية.
لقد شهدت هذه المرحلة تعديلات تشريعية في الإطار الناظم لحرية الإعلام واستقلاليته في عدد من الدول العربية: (الأردن، ومصر، وتونس، وموريتانيا، والجزائر، والمغرب)، نالت بعض هذه التعديلات أطر تنظيم الإعلام الرسمي وأُنشئت بموجب هذه الأطر التشريعية، هيئات تنظيمية جديدة في بعض الدول، معظمها تُعرِّف نفسها بأنها هيئات مستقلة، وعمليًّا بقيت هذه الاستقلالية شكلية سواء في نماذج التمويل أو في تعيين القيادات أو في طبيعة تنفيذ الأدوار والمهام.
ثالثًا: المزيد من التوظيف السياسي في إدارة الصراع المحلي والإقليمي: ازداد بروز دور الإعلام الرسمي في حالة الاستقطاب السياسي والثقافي الذي شهده عدد من الدول العربية حول المصالح السياسية والقيم السياسية والثقافية الكبرى، كما وُظِّف الإعلام الرسمي بقوة في الصراع الإقليمي والأجندات السياسية التي أفضت إليها هذه المرحلة، ما هشَّم من إمكانيات بروز اتجاهات أكثر قربًا لِدَمَقْرَطَة الإعلام الرسمي أو الميل نحو خلق أنوية للتعددية الثقافية والسياسية.
رابعًا: معرفة ديمقراطية أقل، لقد أشارت سلسلة الدراسات التقييمية التي أعدتها منظمة اليونسكو في عدد من الدول العربية (تونس، مصر، فلسطين، والأردن) إلى أن الإعلام الرسمي لا يعد مصدرًا حقيقيًّا للمعلومات والأخبار للجمهور بما يساهم في الحياة الديمقراطية مع التفاوت بين دولة وأخرى(31).
ومع ازدياد الازدحام في المشهد الإعلامي العربي ووفرة مصادر المعلومات، تبقى الخشية بأن هذه الوفرة لا تشكل ضمانة حقيقية لوصول الجمهور للمعلومات والأخبار بطريقة تضمن الحق في معرفة نزيهة وحرة وتحترم التعددية، وبالتالي تشكِّل معارف المجتمع نحو الديمقراطية.
وحسب تحليل مضمون رصد أداء وسائل الإعلام المصرية في تغطية الانتخابات البرلمانية الأولى بعد الثورة، تبيَّن أن وسائل الإعلام الرسمية بقيت حذرة في الاشتباك مع الحالة الديمقراطية الوليدة، وأفردت هذه الوسائل مساحة ووقتًا للتيارات الإسلامية في الوقت الذي لم تتوقف عن نقدها أحيانًا، ولم تقدِّم وسائل إعلام الدولة تغطية إعلامية معمقة حول الحدث الديمقراطي(32). وفي دراسة حول تغطية الإعلام لأداء المجلس العسكري في مصر 2011، تبيَّن أيضًا أن حجم الاهتمام قد توزع بنسب متقاربة بين الصحافة الرسمية (الأهرام) والصحافة الخاصة (المصري اليوم)، بينما غطت الصحافة الخاصة ثلاثة أضعاف ما غطَّته الصحافة الرسمية حول خلافات المجلس العسكري مع الأطراف الأخرى(33).
في الأردن، اتسمت المضامين الإعلامية التي تناولتها الشؤون الانتخابية، بالشمولية والتنوع حسب تقرير رصد الانتخابات الصادر عن الهيئة المستقلة للانتخابات، فيما يتعلق بانتخابات 2013؛ حيث غطت معظم شؤون الانتخابات السياسية، كما اتسمت التغطية بالتنوع حسب القضايا والموضوعات وحسب المواد الإخبارية ومواد الرأي، وفي المجمل كان اهتمام وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية بالانتخابات وتوفير معلومات وتحليلات أكثر من وسائل الإعلام الأخرى مع استمرار تأييدها لاستمرار الوضع القائم(34). وفي رصد تغطية وسائل الإعلام الأردنية لانتخابات 2016 تقاربت تغطية وسائل الإعلام الرسمية مع وسائل الإعلام الخاصة في حجم الاهتمام في الشؤون الانتخابية وفي توفير وجهات نظر بتنوع محدود حول الانتخابات(35). وفي دراسة أخرى حول مدى مساهمة وسائل الإعلام بتوفير معلومات حول حقوق الإنسان في الأردن والانتهاكات التي تتعرض لها، تبيَّن ميل وسائل الإعلام الرسمية إلى توفير معلومات حول الانتهاكات المعنية بحق المواطنين في الخدمات العامة وحقوق المرأة والعدالة واستقلال القضاء. في المقابل، تتراجع التغطية الإعلامية لصالح الإعلام الخاص في موضوعات الحقوق السياسية والحريات العامة وشؤون اللاجئين(36). وتشير استطلاعات مركز حرية وحماية حرية الصحافيين (مؤسسة مجتمع مدني) إلى أن اعتماد الإعلام الرسمي كمصدر رئيس للأخبار لا يحتل أكثر من 5%، وتعكس الآراء التي يطرحها التليفزيون والإذاعة الرسمية ووكالة الأنباء الطابع الرسمي فهناك 25% آراء تمثِّل الحكومة و15% آراء تمثل الديوان الملكي و13% آراء تمثل الأجهزة الأمنية ونحو 8% تمثِّل مجلس النواب(37).
وفي تونس، تشير دراسات رصد الانتخابات إلى هيمنة كل من حزبي النهضة ونداء تونس على تغطية وسائل الإعلام في الانتخابات البرلمانية، في حين أبرزت القنوات التليفزيونية الرسمية والخاصة الصراعات السياسية وحالة الاستقطاب الثنائي على حساب تقديم معرفة ديمقراطية تزود الجمهور بالمعلومات والمعرفة حول البرامج الانتخابية والإجراءات الانتخابية أو تجعل من الجمهور مشاركًا في العملية الانتخابية بمعنى أن الإعلام قدَّم الانتخابات وكأنها مشهد مثير للصراع وليس لتعليم الديمقراطية. وقد شاركت الإذاعات والقنوات التليفزيونية الرسمية بالمخالفات (التجاوزات) التي أصدرتها الهيئة العليا للمرئي والمسموع في تغطية الانتخابات(38). وفي التقارير المبكرة بعد الثورة لرصد أداء الإعلام التونسي في الانتخابات، ذهب تقرير الهيئة المستقلة للانتخابات الذي رصد الفاعلين السياسيين في القنوات التليفزيونية، إلى أن القناتين الوطنيتين الأولى والثانية، ركَّزتا بتغطيتهما على برنامج الحملة الانتخابية مقابل تركيز القنوات الخاصة على البرامج الحوارية السياسية(39)، وأكد تقرير ائتلاف مؤسسات المجتمع المدني الذي رصد انتخابات 2014، أن الفاعلين السياسيين بنوا حملاتهم الانتخابية على "استراتيجية التخويف المتبادل والثنائي بين التخويف من مشروع النهضة الإسلاموي" ومشروع حركة نداء تونس الذي وصفه خصومه بعودة "رموز النظام البائد". هذا التخويف انتقل لوسائل الإعلام التي بنت ثنائية قطبية بين النهضة والنداء. لقد عجزت الوسائل الإعلامية المرصودة عن فتح نقاش انتخابي فعليٍّ حول مضمون هذه الانتخابات، وهذا يقود، حسب التقرير، إلى أن الإعلام بما فيه الإعلام الرسمي، لم ينجح في نقل برامج الفاعلين السياسيين وتصوُّراتهم لمهام وطبيعة مجلس النواب ومؤسسة الرئاسة، بل تمَّ اختصار المشهد في "مع وضد"(40).
وهناك محاولات، وإن كانت محدودة، لتطوير التنظيم الذاتي للصحافيين في عدد محدود من الدول العربية ولكنها لم تصل إلى الإعلام الرسمي، في المقابل هناك محاولات أيضًا خجولة لتنظيم التفاعل مع الجمهور بإنشاء مجالس للصحافة والإعلام مثل المجلس التونسي أو لجان لتلقي شكاوى الجمهور ولكنها لا تزال محاولات في المهد وبعيدة عن الإعلام الرسمي.
الإعلام الرسمي وتحولات تكنولوجيا الاتصال: خلاصات مستقبلية
مع ازدياد انتشار وسائل الإعلامي الرقمي واندماج الجمهور بها يزداد عمليًّا حصار الإعلام الرسمي التقليدي. إن الانفجار الهائل في مصادر المعلومات الإعلامية المفتوحة بدأ عهدًا جديدًا أكثر كثافة وتنوعًا مع مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بفضل الاندماج بين التكنولوجيا والإعلام؛ حيث ازدادت جاذبية وسائل الإعلام لاستيعاب التكنولوجيا الجديدة من جهة، وازدادت قدرة المنتجات التكنولوجية الجديدة على القيام بالوظائف الإعلامية بكفاءة مدهشة وسهولة، ويبدو ذلك واضحًا في الاندماج الهائل في تطبيقات ومنتجات (الأقمار الصناعية، والكوابل، والألياف، والحاسبات، والأجيال المتلاحقة من الهواتف المحمولة الذكية، ومنصات الفيديو حسب الطلب وغيرها) ما أوجد آلاف التطبيقات الجديدة التي صبَّت جميعها في مصلحة الدخول في مسار تاريخي جديد يتراجع فيه أنماط المؤسسات الإعلامية التقليدية وأنماط الملكية وحتى السياسات التحريرية ومفهوم المهنية؛ حيث تعدد وتنوع مصادر المعلومات الإعلامية بشكل كبير خلق لأول مرة بداية موت المرسل التقليدي وبداية نهاية الاتصال الجماهيري وفق نموذجه التقليدي(41)، وكثافة هائلة في مصادر المعلومات وآليات نقلها مقابل طلب هائل واستهلاك واسع؛ حيث إن الوسائل الجديدة بدأت تغيِّر هيكل وبنية الإعلام، وكأنها صمَّمت على أن لا تكون مسيطَرًا عليها مركزيًّا، بل إن السيطرة عليها موزعة بين جميع المستخدمين.
إن ميلاد صحافة المواطن وانتشارها مع مطلع الألفية، أي الانتقال من الاتصال العمودي ذي الاتجاه الواحد إلى الاتصال الأفقي يوفر اليوم مجتمعًا عالميًّا من المحررين والمدققين ما يحصر المساحة أمام الإعلام الرسمي ومنه نموذج إعلام الخدمة العامة.
وعلى مستوى العالم العربي؛ ما زال المجال العام العربي الجديد غير واضح الملامح ولم يتبلور، بين تقدم خطوة إلى الأمام وخطوة إلى الخلف، وتلعب عوامل متعددة في تحديد مستقبل الإعلام الرسمي أبرزها مسارات التحول الديمقراطي المتفاوتة بين دولة وأخرى، وتأثير التكنولوجيا الإعلامية الجديدة وانتشارها وتأثيرها البالغ في تشكيل اتجاهات الشباب العربي، والتأثيرات الإقليمية والدولية، ويمكن رسم خارطة مستقبلية لآفاق الإعلام الرسمي أبرز سيناريوهاتها:
1. استمرار الوضع القائم:تزداد المؤشرات الدالة على احتمالات استمرار الوضع القائم في مرفق الإعلام الرسمي في معظم البلدان العربية، أي استمرار نموذج إعلام السلطة التقليدي مع حيز محدود من التعددية الشكلية. ويبرز ذلك بعد ما شهدته المنطقة من ردَّة واضحة عن أهداف "الربيع العربي" وعودة نخب تقليدية إلى السيطرة على مقاليد الحكم.
إن استمرار الوضع القائم في مؤسسات الإعلام الرسمي يخدم بدون شك استمرار هذه النخب، التي تأكد لها قوة الإعلام وحجم تأثيره في الشارع العربي، بينما تسهم المآلات التي وصلت إليها بعض المجتمعات التي شهدت تحولات ثورية وفوضى وتدخلات خارجية في تهيئة المجتمعات لقبول هذا المصير والعودة -ولو إلى حين- إلى الرواية الرسمية التقليدية ومن مؤسسات تقليدية في خطابها الإعلامي وإن غيَّرت في أشكالها.
2. موجة جديدة من الإصلاحات: هذا السيناريو ليس بالضرورة ينفي السيناريو الأول، بل قد يتعايش معه، أو في أحد التقديرات قد يخلق إزاحة محدودة في الوضع القائم في عدد قليل من الدول العربية المرشحة لإصلاحات ديمقراطية قد تطول وضع الإعلام الرسمي، ومن المحتمل أن تقود إلى ظهور مؤسسات إعلامية جديدة أقرب إلى نموذج إعلام الخدمة العامة أو إجراء تعديلات على أوضاع المؤسسات القائمة.
3. الصراع وازدياد قوة الإعلام البديل: مع ازدياد التناقض السياسي يزداد بروز الفجوة الإعلامية في أداء الإعلام الرسمي، ويزداد ظهور أشكال احتجاج متعددة ناقمة على الانتقاص من حق الناس في الوصول إلى المعلومات العامة حول ما يحدث حولهم، وتعمل وسائل الإعلام الرقمي وتحديدًا الإعلام الاجتماعي على التسريع في إبراز حجم هذه الفجوات ما يجعل الصراع يزداد قوة.
ويشكِّل الشباب في العالم العربي ثلثي الكتلة السكانية وهم الأكثر استهلاكًا وإنتاجًا على وسائل الإعلام الرقمي، وبالتالي باتت هذه المنصات الإعلامية وصحافة المواطن تشكِّل إعلاما بديلًا يسهم بقوة في تكوين الرأي العام، ومع استمرار أوضاع الإعلام الرسمي والتقليدي على أحوالهما فإن فرص ازدياد قوة الإعلام البديل الذي تشكِّله المنصات والشبكات الإعلامية الجديدة باتت أكثر حضورًا.
_______________________________
د. باسم الطويسي، أكاديمي متخصص في علوم الإعلام والاتصال
1- Bugs, R. and Huguenin-Benjamin, R. Public Service broadcasting in the Mena region: Potential for reform, (Institute Panos Paris and Observatoire Méditerranéen de la Communication, 2011), p. 3 -5.
2- Banerjee, I. and Seneviratne, K., “Public Service Broadcasting: A best practices sourcebook”, (UNESCO, 2005), (Visited on 19 March 2016):
http://unesdoc.unesco.org/images/0014/001415/141584e.pdf
3- Sakr, N. Good practice in EU public service media and contemporary practice in Jordan: A comparative analysis, (UNESCO, Amman, 2015), p. 6-9.
4- Fotopoulos, Takis. Mass Media, Culture and Democracy, (Democracy and Nature: The International Journal of Inclusive Democracy, October 2004), p. 2-27
5- رابح، الصادق، "مفهوم الخدمة العامة في التليفزيون: بين المقاربة التجارية والمنظور النقدي"، مجلة الإذاعات العربية، (العدد 2، 432)، ص 16-27.
6 – Nissen, C. Public service media in the information society, (Council of Europe, Strasbourg, 2006), p. 13
7- Jakubowicz, K. Public service broadcasting: a new beginning, or the beginning of the end, (Knowledge Politics, London, 2007), p.12-23.
8- Jakubowicz, Karol, “The Beginning of the End, Or A New Beginning In The 21st Century”, 2007, (Visited on 15 September 2016):
9- Rugh, W. The Arab press: News media and political process in the Arab world. (Syracuse University Press, 1987), p34-89.
10- هارون، ديبورا، رمال متحركة: تأثير الفضائيات على وسائل الإعلام العربية، (مركز مساعدة وسائل الإعلام الدولي والصندوق الوطني للديمقراطية، 2010)، ص 11-15.
11- اتحاد إذاعات الدول العربية، التقرير السنوي: البث الفضائي العربي 2015، ص 11-13.
12- معهد السلام الأميركي، "وسائل الإعلام العربية: أدوات الحكومة؛ هل هي أدوات للشعب؟"، سلسلة الدبلوماسـية الافتراضية، رقم 18، 2005، ص 5-7.ي
13- مركز الدراسات الاستراتيجية، الجامعة الأردنية، استطلاع للرأي العام حول بعض القضايا الراهنة، 2013، يوليو/تموز 2013، (تاريخ الدخول: 17 أكتوبر/تشرين الأول 2016):
http://www.jcss.org/Photos/635088720938942906.pdf
14- UNESCO, “Assessment of Media Development in Jordan: Based on UNESCO’s Media Development Indicators”, 2015, (Visited on 23 September 2016):
http://unesdoc.unesco.org/images/0023/002344/234425e.pdf
15- قانون الإعلام المرئي والمسموع (الأردني) رقم 26 لسنة 2015.
16- اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، التقرير الدوري الخامس المقدَّم من قبل الأردن، 2016.
17- رئاسة الجمهورية التونسية، مرسوم عدد 116 لسنة 2011 مؤرَّخ في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 يتعلق بحرية الاتصال السمعي والبصري وبإحداث هيئة عليا مستقلة للاتصال السمعي والبصري، 2011.
18- UNESCO, “Assessment of Media Development in Tunisia”, Based on UNESCO’s Media Development Indicators (2012), 2013, (Visited on 27 February 2016):
http://unesdoc.unesco.org/images/0022/002227/222701e.pdf
19- الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري (تونس)، بلاغ 25 أغسطس/آب 2013.
20- "صعوبات ونقائص تحول دون تطوير التلفزة التونسية"، الصباح، 23 أبريل/نيسان 2015، (تاريخ الدخول: 17 أكتوبر/تشرين الأول 2016):
http://www.assabahnews.tn/article/102914/صعوبات-ونقائص-تحول-دون-تطوير-آداء-التلفزة-التونسية
21- الشبكة الفرانكفونية لهيئات تعديل وسائل الاتصال، "إعلان تونس حول وسائل الإعلام العمومي"، 2016.
22- UNESCO, Assessment of Media Development in Egypt, Based on UNESCO’s Media Development Indicators (2013), 2013, op, cit.
23- حافظ، محمد ناصر، "الملكية والتمويل والسياسة التحريرية في الإعلام الخاص: قراءة في وضعية الفضائيات المصرية الخاصة"، ورقة قُدِّمت إلى مؤتمر الإعلام المسموع والمرئي في مصر.. رؤية مستقبلية، (القاهرة 28-29 مارس/آذار 2013).
24- بدر، حنان، "كيفية إدارة المؤسسات الإعلامية العامة المملوكة للدولة في الخبرة الألمانية ومقارنتها بالسياق المصري وتحديات التنظيم والإدارة فيه"، ورقة قُدمت إلى أعمال ورشة الإعلام والتحول الديمقراطي في المنطقة العربية "إشكاليات ورؤى"، منتدى البدائل العربي للدراسات، والمعهد السويدي بالإسكندرية، (2016)، ص 46-54.
25- حامد، حسن، "مقترحات حول تطوير الإعلام الرسمي المصري متمثِّلًا في اتحاد الإذاعة والتليفزيون"، ورقة قُدِّمت إلى مؤتمر الإعلام المسموع والمرئي في مصر.. رؤية مستقبلية، (القاهرة 28-29 مارس/آذار 2013).
26- الجابر، خالد، والسيد، خالد، وجونتر، باري، وميلور، نهى، وآخرون، الإعلام العربي في عالم مضطرب (الدوحة، 2013).
27- Habermas, J. The structural transformation of the public sphere: An inquiry into a category of bourgeois society, (MIT press, 1991).p 45-63.
28- Calhoun, Graig, Habermas, and the public sphere, (the MIT press, Cambridge, Massachusetts, and London, 1992), p. 359-377.
30- رضوان، أحمد، "اعتماد الجمهور المصري على وسائل الإعلام التقليدية والحديثة كمصدر للمعلومات أثناء ثورة 25 يناير 2011"، ورقة قُدِّمت إلى مؤتمر الإعلام والتحولات المجتمعية في كلية الإعلام، جامعة اليرموك، (إربد، 23-25 أكتوبر/تشرين الأول 2011).
31- المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، التقرير الرابع لرصد التغطية الإعلامية للساحة السياسية والانتخابات، 2011: إضغط هنا.
32- "التغطية الإعلامية للنظام القضائي والمجلس العسكري"، الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، 2011:
http://anhri.net/?page_id=170467
33- الهيئة المستقلة للانتخاب، التقرير النهائي لرصد التغطية الإعلامية لانتخابات 2013، 2013، ص 2-5.
34- معهد الإعلام الأردني، "أداء الإعلام الأردني في تغطية انتخابات البرلمان الأردني الثامن عشر 2016، ص 11-19.
35- الطويسي، باسم، "انتهاكات حقوق الإنسان في وسائل الإعلام الأردنية: دراسة في تحليل المضمون"، معهد الإعلام الأردني ومنظمة صحافيون من أجل حقوق الإنسان، (د.ن)، ص 23-37.
36- مركز حماية وحرية الصحافيين، تقرير حرية الإعلام في الأردن (تحت المجهر)، 2015:
37- الحمامي، الصادق، "المهني والأيديولوجي في تغطية الإعلام التقليدي التونسي للانتخابات"، مركز الجزيرة للدراسات، 25 ديسمبر/كانون الأول 2014:
http://studies.aljazeera.net/ar/mediastudies/2014/12/20141225114124666159.html
38- الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، تقرير رصد الفاعلين السياسيين في تغطية وسائل الإعلام للانتخابات التونسية، 2011:
39- ائتلاف المجتمع المدني لرصد التغطية الإعلامية للانتخابات في تونس، التقرير النهائي حول الحملات الانتخابية التشريعية والرئاسية في تونس أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول 2014، 2015.
40- Chaffee, Steven. “The End of Mass Communication”, Mass Communication and Society, (4, 4, 2001), p. 365-379.
41- Cover, R. “New media theory: Electronic games, democracy and reconfiguring the author–audience relationship”, Social Semiotics, (14, 2, 2004), p. 173-191.