الدعاية السيبرانية الإسرائيلية لمحاصرة مسيرات العودة الفلسطينية

تستقصي الدراسة آليات الدعاية السيبرانية الإسرائيلية التي تستغل النشاط الاتصالي للمستخدم/الجمهور الفلسطيني عبر منصات التواصل الاجتماعي لإعادة "تدوير" الرسائل التي ينتجها بعد معالجتها دعائيًّا بما يتواءم مع أهدافها السياسية.
6bbac0640d6c4e3dadcca45bf66e0f76_18.jpg
هيئات بالجيش الإسرائيلي تقوم بالجمع الاستخباري للمعلومات على الشبكات الاجتماعية لتضليل الجمهور والساسة حول العالم (الأناضول)

 مقدمة

حتى ظهور منصات الإعلام الاجتماعي، ظلت الأجزاء المكوِّنة لمفهوم الدعاية ثابتة لا تتغير، سواء من حيث قصدية تنفيذها وخضوعها لمركزية التنظيم والتخطيط أو اقتصار ممارستها على جهات ذات إمكانات تحكُّم وسيطرة لوجستية ومالية، كالدول والأحزاب والمؤسسات العملاقة. وفي حين بقيت الأهداف والبِنَى الأساسية متشابهة، فإن إنتاج الدعاية وتقنيات نشرها تغيَّرت بصورة ملحوظة في الآونة الأخيرة. فقد أدى ظهور الإنترنت، وما رافقه من حرية على صعيد استخدامه، إلى بروز مفهوم الإنتاج "الذاتي للدعاية"(1). كما أن تكنولوجيا الاتصال الحديثة، وما أفرزته من مواقع وشبكات اجتماعية، منحت الأفراد سلطة إنتاج ورعاية حملاتهم الدعائية الخاصة، متجاوزين بذلك حدود الرقابة والسيطرة التقليدية(2).

وهنا، يتضح أن تكنولوجيا الاتصال أوجدت ما يتخطى العولمة(3)؛ فقد أفضت إلى نشوء دعاية أكثر خطورة قد تفكك الحدود السياسية والاجتماعية، وتتجاوز قدرات الدول على مواجهتها. فالتكنولوجيا التي مكنت الأفراد من التواصل بطريقة مفتوحة ومجانية في "قرية عالمية"، تتجاوز عوائق العرق والطبقية، جلبت معها أيضًا شبكة متشعبة غير متحكَّم فيها، تعج بالدعاية والكراهية، وغيرها من السلوكيات السلبية(4). إذن، غيَّرت الشبكات الاجتماعية من طبيعة الدعاية؛ إذ أضافت مستوى جديدًا من التعقيدات على مجالها. فالولوج شبه العالمي للبيئة الرقمية منح فرصًا لا متناهية لتنفيذ حملات متنوعة من أجل التأثير في الأحداث بمجاليها: المادي والمعرفي. ومع إدراك خطورة منصات الإعلام الاجتماعي وإمكاناتها الكامنة أخذ الاهتمام بهذا المجال بُعدًا آخر؛ إذ تحولت النظرة من كونها أداة تواصل إلى بيئة يُمكن استثمارها لتحقيق أهداف سياسية وأمنية وعسكرية دعائية؛ فمع حالات بعينها، نراها ساحة للدبلوماسية الرقمية، ومع أخرى مسرحًا للحرب السيبرانية، أو حتى ذراعًا للعمليات المعلوماتية.  

وكشف التوظيف الدعائي لشبكات الإعلام الاجتماعي عن أشكال وممارسات حديثة لم تكن مألوفة في السابق كالتصيد، والتلاعب بالخوارزميات، والقرصنة، والروبوتات الاجتماعية، وغيرها. وكان لهذه الأساليب الدعائية العديد من التداعيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية حول العالم. وحيث إن هذه الدراسة تهتم بالدعاية السيبرانية، فهي تسعى إلى رصد ظاهرة دعائية جديدة وتأصيلها نظريًّا من خلال دراستها ومتابعتها في سياق بيئتها الفعلية من أجل فهم آليات اشتغال الدعاية الإسرائيلية الرسمية عبر موقع فيسبوك، وتتمثَّل في "التنقيب الدعائي" عبر منصات الإعلام الاجتماعي.   

 الإجراءات المنهجية للدراسة  

أ- مشكلة الدراسة

خلال متابعة بعض الصفحات الرسمية الإسرائيلية الناطقة باللغة العربية على موقع فيسبوك، نلاحظ استغلالها للمحتوى الذي ينتجه نشطاء فعاليات مسيرات العودة في قطاع غزة من أجل تحقيق أهداف دعائية بحتة. وسنجد آلية ممنهجة تقوم على رصد وتجميع المحتويين: المكتوب والمرئي، ومن ثم إعادة نشره على صفحاتها بعد معالجته دعائيًّا بشكل يتوافق وأهدافها السياسية. وهو ما يمكن تسميته بـ"التنقيب الدعائي" الذي يصب في تفسير مفهوم إنتاج الدعاية لذاتها التي تعني باختصار: تكاثر وانتشار الموضوعات الدعائية بشكل تشعبي غير منتظم الاتجاه، حيث يصبح الجمهور فاعلًا في بنائها، متأثرًا بها، لا متلقيًّا لها فقط. ومن ثم، تبحث الدراسة في ظاهرة التنقيب الدعائي ضمن سياق فعاليات مسيرات العودة في قطاع غزة من خلال تحليل المنشورات والصور التي نشرتها بعض الصفحات الإسرائيلية. كما تسعى إلى تحديد الأجهزة الرسمية الإسرائيلية المسؤولة عن "التنقيب" وكيفية توظيفه وتحديد الفروق بينه ومفهوم الجمع الاستخباراتي مع بيان آثاره وسبل مواجهته.

ب- تساؤلات الدراسة

- ما المقصود بظاهرة التنقيب الدعائي؟ وما حدود تقاطعها مع أنشطة الجمع الاستخباراتي؟ وكيف يتم تطبيقها على مستوى الممارسة الدعائية عبر مواقع الإعلام الاجتماعي؟

- ما الأذرع الرسمية الناشطة في مجال التنقيب الدعائي عبر مواقع الإعلام الاجتماعي في إسرائيل؟

- كيف وظَّفت ماكينة الدعاية الإسرائيلية التنقيب الدعائي خلال فعاليات مسيرات العودة الكبرى في غزة؟ وما أساليب الدعاية الأخرى التي نشطت بموازاته؟

- ما تأثيرات ظاهرة التنقيب الدعائي على المستخدم/المتلقي الفلسطيني؟ وما سبل مواجهتها؟ 

ج- منهجية الدراسة وأدواتها  

اعتمدت الدراسة منهج دراسة الحالة بهدف جمع معلومات متعمقة عن الظاهرة في بيئتها الحقيقية. ويساعد هذا المنهج، بحسب جنيفر رولي (JenniferRowley)، الباحثَ في تزويده بمعلومات لا يمكن الحصول عليها بأساليب أخرى، كما يعتبر مناسبًا عند تركيز البحث على ظاهرة معاصرة ضمن سياق حياة واقعي(5). وقد تم استخدام دراسة الحالة للتعرف على حقائق ظاهرة التنقيب الدعائي من خلال رصدها وتشخيصها وتحليلها للوصول إلى استنتاجات ومبادئ عامة، تسهم في تقديم تصور حول سبل مواجهتها. كما استعانت الدراسة أيضًا بمنهج التحليل النقدي للخطاب من أجل فهم الممارسات الخطابية للدعاية الإسرائيلية وتحديد الأطر الناظمة لها وقيمها وأبعادها الأيديولوجية. ووظفت أيضًا أداة الملاحظة لفاعليتها في رصد سلوك عينة مجتمع الدراسة، وطريقة استخدامها للتنقيب الدعائي في محيطها الطبيعي؛ الأمر الذي يكفل الإجابة عن تساؤلات الدراسة بطريقة كيفية.

د- مجتمع الدراسة وعيِّنتُها

- مجتمع الدراسة: يتمثَّل في الصفحات الرسمية الإسرائيلية الناشطة على فيسبوك، والتي تستخدم اللغة العربية في توجيه خطابها للجمهور، مثل: صفحة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وصفحة منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية، يوآف مردخاي، وصفحة الناطق باسم الجيش الإسرائيلي باللغة العربية، أفيخاي أدرعي، وصفحة إسرائيل تتكلم بالعربية التابعة لوزارة الخارجية، وصفحة المتحدث باسم رئيس الوزراء للإعلام العربي، أوفير جندلمان، وصفحة إسرائيل في الأردن، وصفحة إسرائيل في مصر...إلخ.

- عيِّنة الدراسة: تتمثَّل في أربع صفحات إسرائيلية، وهي: صفحة منسق أعمال الحكومة، وصفحة الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، وصفحة المتحدث باسم رئيس الوزراء للإعلام العربي، وصفحة إسرائيل تتكلم بالعربية. أما بخصوص الإطار الزمني للعينة فهو يمتد من 28 مارس/آذار إلى 30أبريل/نيسان 2018.

 التنقيب الدعائي عبر مواقع الإعلام الاجتماعي

أ- مفهوم التنقيب الدعائي

تشير كلمة "تنقيب" إلى عملية بحث ترتبط ذهنيًّا بأشغال التفتيش عن المعادن والموارد الطبيعية الثمينة. ولأن البيانات نفسها ذات قيمة عالية، فإن التنقيب عنها يشبه محاولات استخراج النفيس من باطن الأرض إلا أن التنقيب الذي نعنيه هنا لا يرتبط بالبيانات المجردة، بل يهتم بالآراء والمعلومات التي تحظى بقيمة دعائية؛ تلك التي يمكن استغلالها كرسالة للتأثير في الآخر. فالدعاية، بحسب أليكس كاري (Alex Carey)، "جهود اتصالية يتم اختيار محتواها وشكلها لدفع الجمهور المستهدف نحو تبني مواقف ومعتقدات، هي في الأصل من اختيار راعي العملية الاتصالية"(6). ولو تفحصنا التعريف، سنلاحظ كلمة "اختيار"، التي تشمل جهدًا متسلسلًا ينطلق من "التحديد"، ثم "البحث"، فـــ"الانتقاء"، لينتهي بـــ"قرار البث أو إعادة تدوير الرسالة". كما يتضمن كلمة "دفع" التي تشير إلى لون دعائي جديد لا يعتمد التوجيه الجماعي، بل المنفرد في توجيه رسائله؛ في استغلال جلي لخصائص تكنولوجيا الاتصال. فالدعاية تجاوزت مرحلة الخطاب الجمعي، وصارت تتعامل مع الأفراد كحزم منعزلة(7). ولكن، كيف يتم التنقيب الدعائي بلغة تكنولوجية؟

إن عملية البحث عن معلومات ذات أبعاد دعائية تحتاج إلى تقنية ذكية باستطاعتها استخراج المهم وتجاهل عديم القيمة. ويتطلب هذا الأمر، في خطوة أولى، تحديد الموضوعات التي يراد تجميع بياناتها، ثم حصر منشئها وجمهورها، وفحصها وفلترتها، لنصل إلى قائمة نهائية بالبيانات المطلوبة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن عملية الجمع يمكن تقييدها بجغرافيا معينة لتستهدف مجتمعات شبكية بعينها(8).

الشكل رقم (1) يوضح خطوات التنقيب الدعائي في جمع البيانات

 

ولأن عملية جمع المحتوى تمنح القائم بالدعاية فرصة الاطلاع على معظم ما ينشره الجمهور، إلا أنها غير كافية بمفردها لتفسير كيفية استغلال ظاهرة التنقيب الدعائي للبيانات المختارة في إعداد رسائل دعائية. ويمكن القول: إن الجهة أو القائم بالدعاية بعد انتقائه للمنشورات يعمد إلى تدويرها أو إعادة بثها بالمحافظة على جوهرها قدر الإمكان، أي يبحث عن تلك المنشورات الفردية التي توافق توجُّهه الدعائي ليعيد توجيهها باستخدام قنواته بعد تحديده للجمهور المستهدف. وتجدر الإشارة هنا، إلى استفادة الظاهرة من حالة العشوائية، وانعدام السيطرة المركزية على المعلومات؛ فالدول لم تعد مسؤولة حصرًا عن التحكُّم في تفاعلات أي صراع، أو تقييد تدفق معلوماته. فالمواجهات الحديثة باتت تستدعي مشاركة واسعة من كل أطياف الشعب ليتحول الفرد من متلق سلبي إلى فاعل إيجابي، مستفيدًا من حرية النشر والتفاعل التي توفرها منصات الإعلام الاجتماعي، إلا أن هذه الإيجابية قد تتحول إلى نقطة ضعف ينفذ منها القائم بالدعاية.

الشكل رقم (2) يبيِّن خطوات توجيه الرسالة الدعائية بعد إتمام عملية الانتقاء

 

وتستدعي ظاهرة التنقيب الدعائي أيضًا إلى الذهن الجهود السيبرانية الموجهة نحو اختراق الشبكات والحواسيب وقواعد البيانات والحسابات البريدية للحصول على معلومات سرية، قد يمتلك بعضها قيمة دعائية، يمكن استغلالها في حملات موجهة ذات أبعاد سياسية. ولنأخذ تسريبات ويكيليكس، على سبيل المثال، التي نشرت معلومات مصدرها رسائل بريد إلكتروني مقرصن للمرشحة الرئاسية الأميركية، هيلاري كلينتون، الأمر الذي أدى بجانب عوامل أخرى إلى خسارتها للانتخابات في 2016(9). وهنا، نلاحظ أن مفهوم التنقيب لا يقتصر على المعلومات المستقاة من مصادر مفتوحة، بل يمتد ليشمل تلك المقرصنة من مصادر مغلقة. ولأن موضوع الدراسة يميل أكثر نحو المصادر المفتوحة، فالتنقيب الدعائي يسعى نحو معلومات متاحة، ومتداولة عبر منصات الإعلام الاجتماعي، يخطئ الخصم أو جمهوره -عن وعي أو دونه- في نشرها، وتُستغل ضده إما بكونها دليل إثبات، أو أنها ناتجة عن حالة جماهيرية عامة، ما يعني أن القائم بالدعاية يعتمد على جهل الجمهور، أو تلقائيته، أو عدم درايته بأبعاد ما يُكتب ويُنشر حول قضية ما.  

وبناء عليه، فعملية التنقيب في هذه الحالة هي رصد وتجميع المنشورات الشاذة، الصادرة عن نشطاء مسيرات العودة، لاستغلالها في إرساء دعاية مضادة، ترتكز على مبدأ مجابهة الدعاية لذاتها. أي إنه نشاط غير تقليدي، يقوم على استغلال مساوئ ممارسات "الصحفي المواطن" في الميدان، للإفادة منها دعائيًّا، عبر إبراز المتناقض منها مع أطروحات المسيرات.فالسلمية تتحول إلى إرهابية بمجرد الوقوع على منشور يجسد أفرادًا يحملون سكاكين، ويتوعدون "اليهود" بالذبح والثبور. والعودة تصبح فوضى بمجرد نقل تصريح يدعو لحرق المعابر. والمطلب الشعبي يتحول لمخطط إيراني بمجرد نشر مقولات تؤكد مساهمتها في تمويل الأحلام الفلسطينية، فالدعاية الإسرائيلية باتت تتغذى على ما ينشره الفلسطينيون، لا على اجتهادها الخاص(10).

من هذا المنطلق، نستطيع تعريف التنقيب الدعائي بـ"عملية اتصالية دعائية غير حصرية، بشرية-حاسوبية ذكية، مقصودة أو تلقائية، للتنقيب عن معلومات وآراء في مواقع الإعلام الاجتماعي، ينشرها أفراد أو مجموعات أو مؤسسات حكومية أو مستقلة، تعتنق فكرًا معينًا، بهدف استغلال الشاذ منها، في إعداد وتوجيه رسالة دعائية تمس أصل المعتنق بشكل يخدم أهداف القائم بالدعاية".

ويعكس التعريف عددًا من الخصائص التي تَسِم الظاهرة:

  • عملية غير حصرية بجهة ما، ويستطيع الجمهور والمؤسسات العامة تنفيذها إلى جانب الهيئات الرسمية.
  • تعتمد على جهل الفرد، أو تلقائيته وعدم درايته بالأبعاد الدعائية لما ينشر.
  • تستفيد من حالة اللامركزية وغياب السيطرة المعلوماتية التي تختص بها منصات الإعلام الاجتماعي.
  • تتقاطع مع المجهودات الاستخباراتية في توفير معلومات تصلح للاستخدام الدعائي.
  • تدمج بين الجهدين: البشري والآلي، لكونها تحتاج إلى جمع حاسوبي واختيار بشري، الأمر الذي لا يتأتى إلا بانصهارهما معًا.
  • تمتاز بالقصدية والعمدية في حال التخطيط والتوجيه المركزي، وبالتلقائية في أحيان أخرى، لارتباطها بممارسات جماهيرية عشوائية غير مقصودة، إلا أنها تمتلك من الوقع الدعائي الكثير.
  • تسمح للدعاية بإعادة إنتاج ذاتها بشرط تفاعل الجمهور المستهدف مع رسائلها، خاصة إذا سار التفاعل في الاتجاه الذي يرغب فيه القائم بالدعاية، واستطاع التحكم في موضوعاتها الناشئة، ومسار انتشارها وتشعبها.

الشكل رقم (3) يوضح آلية تطبيق التنقيب الدعائي عبر منصات الإعلام الاجتماعي

ب- التنقيب الدعائي وأنشطة الجمع الاستخباراتي

لا يمكن فهم التداخل بين ظاهرة التنقيب الدعائي وأنشطة "الجمع الاستخباراتي" إلا بتحديد مفهوم "الحرب الهجينة"، وهو تعبير عن صيغة مطورة لشكل الصراع، يشمل أساليب تقليدية وغير تقليدية، عسكرية وغير عسكرية، علنية وخفية، سيبرانية ومعلوماتية؛ بهدف إيجاد حالة إرباك وغموض حول طبيعة ومصدر هذه الإجراءات(11). ما يعني أن الحرب الهجينة تصهر أكثر من مستوى تنفيذي داخل بوتقة عملياتية واحدة، استجابةً منها لمتطلبات وتطورات مظاهر الصراع الدولي الحديث. ولأن البيئة الافتراضية تحولت إلى ساحة مواجهة رئيسة، فالآثار التي تتسبب فيها المعلومات قد تؤثر في مسار تطور أي صراع، خاصة وأن إدراك الجماهير لنتائجه بات أهم من حقائقه التفصيلية الفعلية على الأرض(12). وإذا نظرنا إلى الأزمة الخليجية كمثال، سنجد أن وكالة الأنباء القطرية تعرضت للقرصنة، ونشر مواد مزيفة ذات حمولة سياسية على منصتها، أوجدت ذريعة للسعودية والإمارات والبحرين ومصر لفرض حصار بري وجوي وبري ضد قطر. هذه الحالة مثَّلت دليلًا على كيفية المزج بين عملية القرصنة والجهد الاتصالي الدعائي في إيجاد واقع مزيف يخدم أغراض الجهة المخترقة على المستوى السياسي. وفيما يتعلق بحدود العلاقة بين الجمع الاستخباراتي وظاهرة التنقيب الدعائي، فيمكن القول: إن الجمع الاستخباراتي هو "عملية لمراقبة الأنشطة والسلوكيات على شبكة الإنترنت من أجل الإحاطة بالمعلومات والبيانات الموجودة على الشبكات والتطبيقات الاجتماعية، بما يشمل بيانات الأفراد ومن يقفون خلفهم، ثم جمعها وتحليلها، للوصول إلى فهم ومعرفة عامة، أو مساندة مختلف الأنشطة الأخرى، كالاستهداف"(13). أي إن الأجهزة الاستخباراتية المختصة تنفذ عدة أنواع من التحليل المحوسب بهدف تسخير بعض نتائجها في جهود الدعاية، خاصة في مجالات تطوير مضمونها، أو تحديد جمهورها، أو التحكُّم في مدى كثافة ورقعة انتشار رسائلها(14).

 

الشكل رقم (4) يبين أنواع الأنشطة الدعائية وتأثيرها في مواقع الإعلام الاجتماعي (15) 

ويتضح من العرض السابق أن الممارسة الدعائية الحديثة عبر الشبكات لا تستقيم إلا بتقاطعها مع أنشطة البحث وجمع المعلومات؛ ما يعني أن مفهوم التنقيب الدعائي وأنشطة الجمع الاستخباراتي تعبير عن شيء واحد من الناحية التقنية؛ فكلاهما يستخدم ذات البرامج والوسائل، إلا أنهما يختلفان من الناحية الوظيفية. فالأول يستهدف معلومات وآراء شاذة لأغراض وأهداف دعائية بحتة، بينما يسعى الثاني نحو كل أنواع المعلومات، سواء بأسلوب علني أو خفي من أجل دعم مجهودات سياسية أو عسكرية أو أمنية، أو حتى دعائية. ومن هنا نستنتج، أن الجمع الاستخباراتي أشمل، ويمكن أن يستوعب التنقيب الدعائي وليس العكس.

الشكل رقم (5) يوضح مستويات تأثير الجمع الاستخباراتي (16) 

 التنقيب الدعائي في إسرائيل

 

تمثِّل الدعاية في إسرائيل حالة فريدة بدءًا من التسمية وانتهاءً بالجهات الناشطة فيها. فمصطلح "الهاسبارا" (Hasbara)، على سبيل المثال، مصطلح عبري، يعني الشرح والتفسير، اعتمدته إسرائيل كنوع من التحايل والالتفاف على تسمية "الدعاية"؛ حيث ترى أن الاسم يعكس نشاطًا سلبيًّا يتعارض مع قيم ومبادئ الديمقراطية لديها(17). إلى ذلك، تتنوع الجهات الحكومية التي تزاول الدعاية داخل إسرائيل، وهي مهيكلة بطريقة تسمح لمعظم الهيئات والأفرع بممارستها ضمن أنماط اشتغال منسقة، بحسب مجال ونطاق اختصاصها. كما يقوم بعضها، على رعاية جهود جماهيرية داخلية وخارجية لدعم أنشطتها المركزية. وبالعودة إلى الخصائص، نجد أن التنقيب الدعائي جهد اتصالي تستطيع الحكومات والأفراد القيام به، لكن بدرجات وأشكال متفاوتة. ولأن جهود التأثير في إسرائيل مركزية، فعملية جمع البيانات قد تتخذ شكلًا حكوميًّا كونها تتطلب شرعية قانونية وإمكانات كبيرة؛ من غير المتاح للجمهور الحصول عليها. وفي إسرائيل توجد عدة أجهزة تنفيذية تهتم بالمعلومات، وجمعها وتحليلها، لأغراض الدعاية السيبرانية. كما أنها تتفاوت في طريقة تنفيذ التنقيب الدعائي؛ فمنها ما يقوم بالعملية برمتها بدءًا من جمع المعلومات وانتهاءً باستغلالها، ومنها ما يقوم باستغلالها بعد أن تقوم جهة أخرى بتوفير المعلومات. لذلك، فمفهوم التنقيب الدعائي لدى الأذرع الإسرائيلية، يقوم على مبدأ التكامل والتقاطع في المهام، بشكل يتسق وإدارة الدعاية المركزية.

أ- أذرع حكومية ومدنية

ترى إسرائيل نفسها مسؤولة عن شؤون اليهود حول العالم، لهذا أنشأت وزارة "شؤون الشتات"، التي تُعنى بتعزيز العلاقة معهم وتحقيق الاستفادة منهم. كما أن للوزارة مهام دعائية تقوم على مواجهة أنشطة "معاداة السامية" عبر رفع منسوب الوعي حولها، وتفعيل التزام الأفراد والهيئات والحكومات الأجنبية في مواجهتها، إضافة إلى إعداد تقارير ودراسات دورية ترصدها عالميًّا؛ كما تعمل على إقامة وتعزيز العلاقات مع المجتمعات التي ترحب باليهود من خلال رعاية أنشطة ثقافية وسياحية وتعليمية...إلخ، تعود بالنفع على جهود إسرائيل في مكافحة "اللاسامية" من جهة، وتحسين صورتها من جهة أخرى(18). إضافة لما سبق، تحاول الوزارة استثمار قدرات المستقدمين إليها عبر توظيف قدراتهم اللغوية المتنوعة في أنشطة الدعاية؛ وعادةً ما يجري تنسيق مسبق بينها والوكالة اليهودية بهذا الشأن(19)، خاصة أن محاولات بحثها عن كل من له علاقة بالديانة اليهودية حول العالم قد اشتد في الآونة الأخيرة(20). وفيما يخص التنقيب الدعائي، يشير موقع (BigNewsNetwork) إلى تطوير الوزارة لنظام يتيح رصد أنشطة معاداة السامية عبر المواقع الاجتماعية، ويستهدف أيضًا المواقف المعادية لإسرائيل على مستوى العالم. لأجل ذلك، قامت بإنشاء مركز قيادة يُعنى بمراقبة الأنشطة المشار إليها وجمع معطياتها وتحويلها للجهات المعنية لاتخاذ الإجراءات بشأنها(21)، ومن غير المعروف ما إذا كانت الإجراءات تشمل الاستغلال الدعائي من عدمه، لكن ما نستنتجه أن أنشطة الوزارة على علاقة بسياسة "تكميم الأفواه"، وإسكات أي صوت معارض بحجة معاداة السامية. وفي هذه السياسة روح دعائية، لأنها تؤدي إلى هيمنة رواية واحدة. 

بدورها، تهتم وزارة الشؤون الاستراتيجية والمعلومات بمواجهة جهود نزع شرعية إسرائيل على المستويين العالمي والمحلي، خاصة أنشطة حركة المقاطعة، وحركات مناهضة الاستيطان(22). وتضم الوزارة ثلاث إدارات، هي: الاستخبارات، وتهتم بمراقبة وجمع المعلومات عن حركات المقاطعة وناشطيها، إضافة للشخصيات والمجموعات التي تساندها، بالاعتماد على مصادر مفتوحة أو سرية، ميدانية وسيبرانية؛ وإدارة الوعي التي تنشط في التأثير على توجهات وسائل الإعلام الدولية أو الجمهور عبر مواقع الإعلام الاجتماعي، وإدارة العمليات التي تعمل على تنفيذ الخطط المقررة(23). وفيما يتعلق بــالتنقيب الدعائي، تقوم الوزارة على تحليل المواقع الاجتماعية، من حيث المحتوى، والبنية الشبكية والتكنولوجية، إضافة لرصد مراكز الثقل والتركيز، وتحديد الأفراد والمؤسسات والصفحات الناشطة، كما تقوم بدراسة أساليب وأنماط الحملات بهدف تشكيل رؤية لمواجهتها(24). ولا تنتهي أنشطة الوزارة عند الرصد والتتبع، بل تعمل على توظيف المعلومات في جهود اتصالية دعائية ميدانية وسيبرانية، وتقوم أيضًا بالتحريض ضد نشطاء هذه الحركات محليًّا وعالميًّا، وتتخذ لأجل ذلك إجراءات قانونية من قبيل منع دخولهم إسرائيل؛ حيث نجحت في تمرير قانون عبر الكنيست يفرض عقوبات على المؤيدين لها، أو من يعتنقون أفكارها، حتى لو كانوا مواطنين إسرائيليين(25). ويؤكد موقع (MiddleEastEye) أن جزءًا من تركيز الوزارة ينصب على الجمهور الداخلي لرغبتها في نزع الشرعية عن أي حراك معارض للاستيطان(26).  

كما تجتهد الوزارة في إنشاء أذرع وكيانات داعمة لإسرائيل عالميًّا، وتنظم فعاليات تبادل علمي وثقافي ورياضي(28)، ناهيك عن فتح آفاق تعاون مع شخصيات وهيئات ذات تأثير يمكن استغلالها لاحقًا(27). وليست هذه الأنشطة مجتمعة إلا استجابة لمعطيات "التنقيب"، توظفها الوزارة في صياغة استراتيجية اتصالية تساعد على ترجيح كفة إسرائيل في الدول التي تتعاظم داخلها جهود تشويهها. فعلى سبيل المثال، تلقت الوزارة، عام 2018، مبلغ 37 مليون دولار، لإنشاء مؤسسة تدعى (KellaShlomo)، تختص بتنفيذ "أنشطة وعي جمعي" عبر المواقع الاجتماعية، وذلك باستخدام أساليب شبكية معقدة(29) تشتمل على أنماط دعائية خفية وعلنية. وبهذا الخصوص، قام متطوعون مؤيدون لإسرائيل، خلال حرب 2014 على غزة، بتزييف مجموعة من الحقائق والتلاعب بعدد من الصور الفوتوغرافية، ونسب اقتباسات مؤيدة لإسرائيل إلى شخصيات شهيرة، أو اتباع أسلوب "التصيد" بغرض توجيه اتهامات لنشطاء مناصرين للفلسطينيين بمعاداة السامية(30).

وبخلاف مهمتها الرئيسية في إقامة جسور الاتصال الدبلوماسي مع الحكومات والكيانات الرسمية حول العالم، تهتم وزارة الشؤون الخارجية بتنظيم جهود تحسين صورة إسرائيل على الصعيد الخارجي من خلال إدارة الدبلوماسية العامة التي تضم أقسامًا للشؤون الإعلامية والثقافية والعلمية والرقمية(31)، وإدارة الإعلام والعلاقات العامة التي ترعى عددًا من الصفحات الاجتماعية، أهمها صفحة إسرائيل تتكلم بالعربية. والحقيقة، أن آلية عمل الوزارة تجمع بين الصيغتين التقليدية والمستحدثة. فهي من جهة، تقومه على تنفيذ مهام إعلامية رسمية كجزء من استراتيجية الوزارة الاتصالية نحو الخارج، ومن جهة أخرى، ترعى تنظيم وتوجيه أنشطة موجهة للجمهور بنكهة "دبلوماسية" بعيدًا عن البروتوكولات الرسمية التقليدية. ويسمى هذا الجهد بـــ"الدبلوماسية العامة"، وله وجه سيبراني "الدبلوماسية الرقمية" أو الهاسبارا 2.0. إضافة لما سبق، تنخرط إدارة الدبلوماسية العامة في عدة أنشطة دعائية، أهمها التفاعل مع الشركات الخاصة والاتحادات الطلابية، لحثها على المشاركة في جهود الدبلوماسية الرقمية. كما تنشط في مجال رعاية وتوجيه متطوعي الإعلام الاجتماعي الداعم لإسرائيل حول العالم، من خلال تنسيق وتوجيه مشاركاتهم، بما يتلاءم ومخطط الدعاية المركزي. ولأجل ذلك، قامت في فترات سابقة بإصدار نشرات خاصة، تحدد المفردات والتوجهات الدعائية الواجب استخدامها على نطاق عالمي، سواء عبر المنصات الاجتماعية، أو خلال المناظرات المباشرة(32).

وفيما يختص بــالتنقيب الدعائي، تتعاون وزارة الخارجية مع نظيرتها للشؤون الاستراتيجية، في تنسيق جهود الدعاية السيبرانية. فعبر الدمج بين القدرات الدبلوماسية للأولى، وقنواتها المتعددة من جهة، والمهارة البحثية والتشغيلية للثانية من جهة أخرى، صار ممكنًا تحقيق مبدأ توزيع المهام، وممارسة قاعدة التركيز الدعائي؛ ما يعني أن الثانية باتت مصدرًا معلوماتيًّا للأولى، أو بوصلة توجيه، تحدد لها أي المناطق في العالم تحتاج إلى جهد دعائي بلون دبلوماسي. إلا أن ذلك لا يعني غياب الفروق بينهما، خاصة مسلك التنفيذ. ففي حين تنتهج وزارة الخارجية أسلوبًا قائمًا على الحوار، تتبنى الثانية مدخلًا أمنيًّا يعتمد على الرقابة، وبأساليب ناعمة أكثر عدائية(33).

وإذا نظرنا إلى هيكلية مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، نجدها تضم عدة إدارات وهيئات، تختص كل منها بمهام شبه متداخلة إلا أن أهمها، إدارة المعلومات الوطنية التي تهتم بتنسيق أنشطة الدبلوماسية العامة لمختلف الهيئات والوزارات الحكومية الإسرائيلية في مجالات الأمن، والسياسة الخارجية، والقضايا الاقتصادية-الاجتماعية. وإدارة المعلومات الوطنية،التي تم إنشاؤها عقب حرب لبنان عام 2006، كإحدى توصيات لجنة فينوغراد، تتقاطع مع مختلف الوزارات بشكل يومي، وتحدد لها الرسائل الأساسية، لتجنب أي تعارض بينها(34). ويمكن القول: إن إنشاءها جاء لمعالجة وتدارك انهيار صورة إسرائيل على الصعيد الدولي من خلال إشرافها على توحيد الرواية الداخلية أمام العالم(35). وبهذا الصدد، يشير كل من ميچن سليلا(Magen Clila) وإفرايم لابيد (EphraimLapid)، إلى أن جزءًا من توصيات لجنة "فينوغراد" توجه نحو تأسيس وحدة تُعنى بتنسيق أعمال الدعاية والمعلومات عبر الوسائل الإعلامية التقليدية والجديدة، إضافة إلى الأذرع الدبلوماسية(36).

وفيما يتعلق بالدعاية السيبرانية، ترعى الإدارة عددًا من الصفحات على مواقع الإعلام الاجتماعي، كصفحتي رئيس الوزراء، والناطق باسمه للإعلام العربي، كما تنشط في تشكيل غرف مخصصة للنشطاء المحليين، خاصة أوقات الطوارئ بهدف الاستفادة من خبراتهم وقدراتهم(37). كما تسعى الإدارة نحو إقامة صلات مع شخصيات وهيئات غير حكومية ناشطة داخليًّا وخارجيًّا، لتوجيه أنشطتها، بشكل يخدم مسعى الدعاية الرسمي(38). ونستنتج هنا، أن مهام الدائرة في مجال تنسيق وضبط الرسالة الدعائية، تتجاوز المؤسسات الحكومية لتمتد نحو المدونين والنشطاء، وأية مؤسسة تنشط في دعم إسرائيل. وبهذا الخصوص، أطلقت إسرائيل، في العام 2017، تطبيقًا يتيح لنشطاء الإعلام الاجتماعي عبر العالم المشاركة في جهود الدعاية الإسرائيلية، وهو يحتوي على ما يقارب 30 مهمة، يُطلب من المشتركين الانخراط فيها بطرق متنوعة (إعجاب، مشاركة، تعليق، إعادة تغريد، توقيع عرائض، تقديم شكاوى...إلخ)(39). ويسمح المشروع الذي وُصف بـ"قبة الحقيقة الحديدية" أيضًا بمشاركة مواد إعلامية منحازة لإسرائيل، أو تقديم شكاوى ضد فعاليات نشطة على مواقع، مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب، أو حتى توجيه مراسلات لشخصيات وهيئات دولية تطالبها بوقف تحيزها ضد إسرائيل(40). ونستنتج هنا، أن المشروع الذي يأخذ شكل تكليف جماعي، يحاول مركزة عمل الدعاية الجماهيرية عبر توجيه أنشطة الأفراد بشكل منسق كي يخلق كثافة دعائية تبدو وكأنها صادرة عن رأي عام شبكي حقيقي.       

ب- أذرع عسكرية

يضم الجيش الإسرائيلي عددًا من الهيئات والأقسام التي تنخرط في الجهد الاتصالي للتأثير النفسي، حيث تتوزع على مختلف الأذرع، خاصة قيادة الأركان، وشعبتي العمليات والاستخبارات. وتتنوع مهام كل منها، بحسب التوزيع المعتمد للمهام الدعائية. فمثلًا، تنشط هيئة (Sigint8200) في مجال الجمع الاستخباري على الشبكات الاجتماعية، وتضم قاعدة بياناتها -إلى جانب المعلومات الأمنية- معلومات سياسية وشخصية، تُستخدم في جهود تضليل الجماهير والساسة حول العالم(41). والهيئة -التي تتخذ من مقولة: "كل البيانات متاحة" مبدأ لها- لا تراعي مسائل الخصوصية، وتعتبر جميع أنواع المعلومات ذات أهمية، وإن تأجل ظهور تأثيرها. وهنا، نستطيع تمييز نوعين من المعلومات ذات جوهر دعائي: النشطة والخاملة. فالأولى مخصصة للاستخدام بشكل سريع، خدمةً لمساع متنوعة، كتجنيد العملاء، أو تطبيق أساليب دعائية خلال زمن فعلي. أما الثانية، فاستراتيجية، تُحفظ لاستغلالها لاحقًا، بحسب نوع التطور الذي قد تشهده البيئة المستهدفة(42). ونستنتج مما سبق أن الهيئة قد تمارس التنقيب الدعائي لأجل الحصول على معلومات ذات طبيعة جماهيرية -بغض النظر عن نطاق تمركزها الشبكي الجغرافي- ثم تمريرها للجهات المختصة بعد تحليلها بهدف تسخيرها في جهود الدعاية السيبرانية المركزية(43). أي إن عملها قد يشكِّل حلقة من سلسلة وظيفية متكاملة، تبدأ بالجمع وتنتهي بالاستغلال.

ويتبع قسم عمليات الوعي إلى شعبة العمليات في هيئة الأركان، وينظم أعماله إداريًّا معها؛ أما مهنيًّا فينسق مع شعبة الاستخبارات العسكرية، ناهيك عن ترتيب بعض مهامه في مجال الدعاية الدفاعية مع وحدة الناطق باسم الجيش(44)، ويُعتبر مسؤولًا عن الدعاية بمستواها العملياتي والتكتيكي خلال الحروب. لكن في الآونة الأخيرة، طوَّر القسم من نطاق عمله ليشمل التأثير على وسائل الإعلام، والرأي العام المحلي والدولي، رغبةً منه في دعم أنشطة الجيش على جميع المستويات ما يعني ضمه للعمليات "الناعمة" خلال فترات الهدوء(45). كما طوَّر الجيش الإسرائيلي أساليب جديدة للتأثير في وعي الجماهير على مواقع الإعلام الاجتماعي، حيث يتولى القسم تنفيذ أشكالها الخفية(46). فعلى سبيل المثال، يرعى القسم تنفيذ أنشطة التلاعب المعلوماتي تحت ستار خفي بهدف ممارسة التضليل، أو التأثير في المنظومة الإدراكية لمستخدمي الشبكات الاجتماعية(47).

وفي سياق آخر، تنشط وحدة الناطق العسكري داخل شعبة العمليات، ويُعتبر قائدها عضوًا في هيئة الأركان، كما تضم عددًا من الناطقين بمختلف اللغات، إضافة لعدة فروع، منها فرع استراتيجي، وآخر إعلامي ينشط في الاتصال الشبكي من خلال إدارة مختلف المواقع والصفحات والمدونات الخاصة بالجيش(48). ومنذ انطلاقة فرع الإعلام الاجتماعي عام 2009، تزايد حضور الناطق على شبكات التواصل بهدف الانفتاح على جمهور دولي، تحقيقًا لنتائج مرغوبة على صعيد الترويج. وفيما يخص العمل الدعائي، تنتهج الوحدة أسلوبًا علنيًّا مباشرًا، يقوم على استغلال الحقائق، دون أي تلاعب، في محاولة لتمييز نفسها عن قسم عمليات الوعي الذي ينتهج أساليب دعائية تتراوح بين الدعاية السوداء والرمادية؛ ما يعكس رغبتها في الحفاظ على مصداقية رسائلها أمام الجمهور عبر الاكتفاء بممارسة الدعاية البيضاء(49). لهذا، تستخدم الوحدة أساليب منوعة، كنشر مواد جذابة بصريًّا، وبث مشاهد لجولات عسكرية أو تدريبية، إضافة لانخراطها في جهود "الهاسبارا" بمختلف اللغات...إلخ(50). وبالحديث عن الدبلوماسية العامة، يشير كل من صمويل أزران (Samuel Azran) وموران يارتشي (Moran Yarchi)، إلى انخراط الوحدة في "الدبلوماسية العامة العسكرية" عبر الإنترنت لرغبتها في إقامة اتصال ثنائي الاتجاه مع الجمهور، خاصة العربي، الذي يقوم عليه أفيخاي أدرعي(51)؛ كما تهتم بنشر تقارير خاصة عن عمليات الجيش لوسائل الإعلام، والجمهور الشبكي، لإبراز قيم إنسانية وأخلاقية يتحلى بها(52). بالإضافة إلى ما سبق، تمارس الوحدة التنقيب الدعائي وفق المعلومات التي توفرها مختلف الأذرع الأخرى، كهيئة 8200، أو تلك التي تحصل عليها بواسطة العاملين فيها. أي تمارس جهدًا اتصاليًّا دعائيًّا مكملًا لأنشطة الهيئات التقنية الأخرى.

أما وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية فتتبع لوزير الدفاع ويرأسها عضو في هيئة الأركان، كما تضم مكتبًا إعلاميًّا يشرف على موقعها الإلكتروني وصفحاتها على مواقع الإعلام الاجتماعي(53). وفيما يخص الدعاية، تسعى الوحدة إلى فتح حوار مباشر مع الجمهور الفلسطيني أملًا في تحسين وترويج صورة إسرائيل من جهة، وتحقيق نتائج على المستوى الاستخباراتي من جهة أخرى. ويمكن وصف الجهد الدعائي لصفحة منسق أعمال الحكومة على شبكة فيسبوك بكونه استثمارًا في الأنشطة المدنية لأجل تجفيف منابع البيئة الشعبية الحاضنة للمقاومة عبر استغلال الحالة الاقتصادية والمادية المتردية. لذلك، غالبًا ما تنشر مواد دعائية مرتبطة بحياة السكان. وبالعودة إلى التنقيب الدعائي، وبعد تفحص عدد من منشوراتها، نتأكد من تلقي صفحة منسق أعمال الحكومة لمعلومات محدثة عن تطورات الوضع في قطاع غزة، خاصة الإنسانية منها. فمن الواضح أن الأجهزة التي تُعنى بالرصد والجمع، تزودها بالمعلومات دوريًّا، خاصة تلك التي يصلح توظيفها في مجال الدعاية السيبرانية؛ الأمر الذي يؤكده وجود مقاطع حدودية وجوية. وفي نقطة أخرى، تستفيد الدعاية الإسرائيلية من الحالة النفسية للجمهور الفلسطيني. فعبر مراقبة المنشورات، ذات صيغة "التعبير الذاتي"، تستطيع صفحة المنسق، وغيرها، التعرف على الموضوعات التي تشغل عقول الأفراد، وتؤثر في حياتهم، ما يسمح لها بتوجيه دفة الدعاية نحوها أملًا في إيجاد حالة من الاستجابة والتفاعل النفسي مع رسائلها. لهذا، فإن مراقبة ما يصدر عن المواقع الاجتماعية، وضمن نطاق جغرافي محدد، يسمح بالحصول على معلومات لحظية، من غير الممكن الحصول عليها إلا بعد وقت، ما يؤخر جهود استغلالها الفوري.   

التنقيب الدعائي الإسرائيلي خلال مسيرات العودة

أ- حجم التنقيب الدعائي

بالاطلاع على معطيات الجدول رقم (1)، يتبيَّن إحراز التنقيب الدعائي 142 تكرارًا، بنسبة 24.4% من إجمالي العينة التي بلغ عدد وحداتها 582 منشورًا، إضافة إلى نسبة 56.8% من إجمالي المواد التي تناولت مسيرات العودة، البالغ عددها 250. وبالتدقيق أكثر في نسب المنشورات المرتبطة بالمسيرات، نلاحظ مجيء صفحة "الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي" أولى بنسبة 38%، بينما حلَّت صفحة "المتحدث باسم رئيس الوزراء، أوفير جندلمان" ثانيةً بنسبة 34.8%، تلتها صفحة "منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية" بنسبة 20.4%، وأخيرًا، صفحة "إسرائيل تتكلم بالعربية" بنسبة 6.8%.

 جدول رقم (1) يوضح نسب ظهور التنقيب الدعائي


وبمقارنة تكرارات ظهور التنقيب الدعائي الكلية على صفحات الدراسة، مع التكرارات الكلية لمنشوراتها الخاصة بالمسيرات نلاحظ ارتفاع وتيرة توظيف التنقيب الدعائي، ليتجاوز النصف. فعند صفحة الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، مثلًا، سجل 57 تكرارًا من أصل 95، فيما أحرز 50 تكرارًا عند المتحدث باسم رئيس الوزراء، و26 عند منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية من أصل 51، و9 لدى صفحة إسرائيل تتكلم بالعربية من أصل 17.

ب- استغلال المحتوى الفلسطيني

عند متابعة عشرات الصور ومشاهد الفيديو التي ظهرت على الصفحات الإسرائيلية محل الدراسة، نجد أن مصدر معظمها يرتبط بصفحات فلسطينية؛ وكأن الدعاية الإسرائيلية "تتغذى" على ما تنشره هذه الصفحات من محتوى. فالعديد من المنشورات الفلسطينية تضمنت موضوعات متنوعة، كإشعال الإطارات، ورشق الحجارة، وزيارات لمسؤولين، وزجاجات مولوتوف، وشهداء، وجرحى، واحتفالات تأبين، ومحاولات قطع أو اجتياز للخط الفاصل...إلخ. هذه الموضوعات خضعت لمعالجات إسرائيلية متنوعة، بحسب الهدف الدعائي المركزي. فمنها مثلًا، ما استُخدم لتكذيب أطروحات حركة حماس، وأخرى وُظِّفت لشيطنتها، أو تأكيد رواية استغلالها للأطفال والنساء كدروع بشرية، وهناك ما وُظِّف لربطها بجمهورية إيران، أو بالنازية. ويمكن رد هذا الاستغلال، إلى تنوع مشاركات الناشطين الفلسطينيين، وقيامهم بنشر جل ما يوثِّقون على شبكة فيسبوك، بوعي أو بدونه، الأمر الذي خدم جهود إسرائيل على المستوى الدعائي. فعلى سبيل المثال، قامت صفحة "المتحدث باسم رئيس الوزراء" باستغلال تداول المستخدمين لصورة تجمع خمسة شهداء بلباس عسكري لضرب رواية سلمية المسيرات، والتأكيد على أنها ليست نابعة عن رغبة شعبية، وإنما تحركها جهات "إرهابية".

 

الصورة رقم (1) تبرز خمسة فلسطينيين بلباس عسكري لنزع الشرعية عن سلمية المسيرات(54)

وفي مثال آخر، نشر ناشطون صورة لعلمي فلسطين يتوسطهما علم أبيض يحمل شعار الصليب المعكوف. هذا الخطأ، تلقفته إسرائيل لغرض شيطنة الفعاليات، عبر الادعاء بأنها تستقي أيديولوجيتها من النازية ذاتها. ويمكن القول: إن شعار سلمية الفعاليات، وعدالة مطالبها، تتناقض إلى حد ما مع دلالات بعض المواد المرئية المنشورة، وهو ما يشير إلى غياب الوعي الكافي لدى البعض بثقافة الصورة. ويستدعي التركيز الإسرائيلي على المواد المرئية تساؤلًا حول الفرق بينها وبين النصوص على صعيد العمل الدعائي. وهنا نرى أن المشاهد المرئية أكثر قابلية للتصديق من النصوص المجردة، التي قد تُكذَّب بسهولة. وهذا يعني، انتهاج إسرائيل لاستراتيجية دعائية تعتمد مبدأ الحقيقة، أو أنصافها، خاصة وأنها تخوض حربًا لتحسين صورتها المتدهورة. ويؤكد هذا الاستنتاج، ما أشار إليه ناكمان شاي (Nachman Shai)، من تحديد لآلية اشتغال "الناطق باسم الجيش الإسرائيلي" على المنصات الاجتماعية؛ حيث يرغب الجيش بالمحافظة على مصداقية ما يصدر عنه للجمهور، وبالتالي ينحصر دوره في ممارسة إجراءات بيضاء(55). لذلك، فالصورة أبلغ في إيصال الرسالة، كما أن مقدار مواجهتها أضعف مما قد يحتمله النص.

من جهة أخرى، لا يقتصر مفهوم استغلال المحتوى الفلسطيني على الاستخدام المجرد، بل يتعداه نحو إنتاج فنون أخرى؛ فالعديد من الصور ومقاطع الفيديو شكَّلت مادة ثرية لإعداد تصميمات تساعد على إيصال رسائل بصرية أكثر عمقًا. فمثلًا، نشرت صفحة "إسرائيل تتكلم بالعربية" تصميمًا احتوى صورة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، حاملًا قطعة من طائرة استطلاع إيرانية محطمة، ويقابلها في ذاتالتصميم صورة طائرة ورقية تحمل شعار النازية.

الصورة رقم (2) تظهر جهود القائم بالدعاية للربط بين حماس وإيران(56)

هذا التصميم وُظف لخدمة هدف ربط حركة حماس بإيران، والادِّعاء بأنهما يشربان من كأس إرهابية واحدة. وجدير بالذكر، أن بعض المحتويات، وفرت فرصة لاتهام حماس باستخدام المدنيين كدروع بشرية؛ ما منح إسرائيل فرصة التأكيد على اتباع جيشها الإجراءات اللازمة منعًا لإلحاق الأذى بهم، وبالتالي إبراز علو أخلاقه، وسمو إنسانيته.

ج- عملية إعادة تأطير

تبيَّنخلال البحث، وجود عملية ممنهجة تقوم على إعادة تأطير المواد البصرية كي تخدم معنى دعائيًّا مرغوبًا، من خلال الاستعانة بتأثير النص. ويرى كارتر ماكنميرا (Carter McNamara) أن "إعادة التأطير" ما هي إلا عملية للخروج بتفسير مختلف للحدث، عبر تحويل منظور الشخص أو رؤيته للحدث باتجاه جديد، أو إلى زاوية أخرى(57). وبالإسقاط على الصفحات الإسرائيلية، نجدها تتعمد اختيار صور ومشاهد ذات معنى مجرد، ثم ترفقها بنص مصوغ بعناية لإخراجها أو نزعها من إطارها الدلالي الأصلي، فتكتسب معنى آخر جديدًا ينسجم مع مضمون النص الدعائي. فعلى سبيل المثال، وظَّفت صفحة "منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية" صورة طفل فلسطيني يمسك زجاجة حليب وهو بوضعية شبه عارية، من أجل التأكيد على أن حماس تربي جيلًا من الأطفال لا يعرف سوى العنف والإرهاب.  

 الصورة رقم (3) تبرز محاولة الدعاية الإسرائيلية وَسْم حماس بصناعة الإرهاب وتنشئة الفلسطينيين على العنف(58) 

 وعند التدقيق في الصورة، دون اعتبار نصها المرفق، نجد أن لا دلالة تربطها بالإرهاب أو بحركة حماس، ولكن صفحة "منسق أعمال الحكومة" استغلتها بوصفها صورة ملتقطة خلال الفعاليات، من أجل حصرها داخل إطار، يعكس منظورًا جديدًا؛ أي إنه انتقل بها من إطار "الطفولة" إلى إطار "العنف والإرهاب".

د- مصدر تغذية مركزي

بالإشارة إلى مركزية الدعاية في إسرائيل، وتنوع الجهات المسؤولة عن التنقيب الدعائي، نلاحظ إشارات قوية تدل على وجود مصدر موحد، يعمل على تغذية صفحات الدراسة ببعض المعلومات والصور المتعلقة بفعاليات مسيرات العودة. وعلى الرغم من غموض هويته، إلا أن تشابه المواد المرئية المنشورة، يؤكد حضوره. فمثلًا، تماثلت صفحات "منسق أعمال الحكومة"، و"الناطق باسم الجيش"، و"المتحدث باسم رئيس الوزراء" في نشر مقطع فيديو يظهر شابًّا يهم بإلقاء حجر ليرتطم برأس شاب آخر يقف خلفه. المشهد الذي وُظِّف بصورة هزلية-كوميدية، منح الصفحات المذكورة حرية اختيار النص الملائم لها، ما يعني أن المصدر (الخفي) ينشط فقط في مجال تزويدها بالمعلومات، دون أن يتدخل في طريقة معالجتها دعائيًّا؛ على الرغم من اتفاق الصفحات على تأطير المشهد بكونه "إصابة ستدَّعي "حماس" مسؤولية إسرائيل عنها". العديد من الحالات الأخرى المشابهة، التي لا يتسع المجال لعرضها، تدفعنا إلى تصور آلية عمل دعائية، تنسق العلاقة بين مصدر التغذية، والصفحات الرسمية الإسرائيلية على فيسبوك، وفق الشكل الآتي:

 

الشكل رقم (6) يوضح العلاقة بين مصدر المعلومات الدعائية ومنصات نشرها

 

وجود مصدر موحد للتغذية لا يعني عدم قيام صفحات الدراسة بجمع موادها الخاصة بنفسها؛ فالعديد من الصور والمشاهد المرئية ظهرت حصرًا لدى بعضها، دون الأخرى. ورغم حصدها لمواد حصرية، إلا أنها توحدت في إرفاق وسوم معها، إضافة إلى تركيزها على موضوعات دعائية بعينها ما يدل على وجود خطوط عامة تحدد مسار العمل الدعائي، ونقاط تركيزه، ما يجعل عملية الجمع محددة ومرتبطة بها. إلى ذلك، يتصاعد احتمال قيام مصدر التغذية بتحويل مجموع ما يحصده من معلومات مباشرة إلى الصفحات لتقوم بدورها باختيار الملائم منها، بحسب نطاق تركيزها، ونوعية جمهورها. فمثلًا، تقوم صفحة "منسق أعمال الحكومة" بنشر مواد ذات بُعد إنساني مرتبط بحياة الفلسطينيين، بينما تركز صفحة "الناطق باسم الجيش" على مواد ذات علاقة بتصرفات الفلسطينيين على الحدود، وحالة ضبط النفس التي يبديها الجيش.

ه- عملية مشاركة محتوى

تستخدم معظم الصفحات الإسرائيلية أسلوب مشاركة المحتوى، سواء عن بعضها البعض، أو عن صفحات لوسائل إعلام إسرائيلية. والمشاركة عملية استدعاء لمحتوى صادر عن مستخدم آخر بغرض إظهاره على واجهة صفحتك الخاصة. وفي حالاتها الاعتيادية، يقوم المستخدمون بمشاركة مضامين يرونها تنسجم مع توجهاتهم الفكرية أو مشاعرهم العاطفية؛ وفي حالات أخرى، تحديدًا الدعائي منها، يعمدون -خاصة أولئك المدفوعين سياسيًّا- إلى مشاركة محتويات تحقق أغراضًا مختلفة، تتراوح بين نشر أطروحة ما، أو تضخيمها وترويجها، أو تنفيذ عمليات تشهير بحق رافضيها، أو تضليل جمهورها...إلخ. وفي الحالة الإسرائيلية، نلاحظ مشاركة متبادلة بين الصفحات لبعض المحتوى الصادر عنها، أو عن مواقع أخرى، بشكل دعائي مرتبط بطريقة نشر الرسالة، ويهدف إلى:

1.    تضخيم المحتوى، وضمان انتشاره بين المتابعين، من خلال زيادة أعداد المتعرضين له.

2.    استغلال دوافع الجمهور، خاصة المعارضين لفعاليات مسيرات العودة، عبر توفير رسائل من مصادر مختلفة، تحفز

       سلوك مشاركتها، تلبيةً لإشباعات نفسية، تأخذ بالحسبان حالة الانقسام القائم.

3.    اختلاف هوية الجمهور المتابع لكل صفحة، وتنوع توزيعه الشبكي المفترض، دفع هذه الصفحات -من خلال مشاركة   محتوى صفحة أخرى- إلى تعريض متابعيها لرسائل الصفحة الأساسية، بغرض إشهارها، وبالتالي دفع المستخدم إلى تسجيل الإعجاب بها، ما يضمن تعرضًا دائمًا لرسائلها بموازاة الصفحة الأصلية، الأمر الذي يحقق مبدأي: التكثيف والإشباع الدعائي.

  الشكل رقم (7) يبين آلية انتشار الدعاية الإسرائيلية عبر أسلوب مشاركة المحتوى

و- أساليب دعائية بالتوازي مع التنقيب

 التنقيب الدعائي عملية اتصالية تجمع بين جهدين: إلكتروني وبشري، لذلك فهو غير قادر بمفرده على التعبير دعائيًّا عن أهداف القائم بالدعاية؛ إذ يرتبط بآلية بحث تسعى بجانب أساليب أخرى إلى التأثير في الجمهور المستهدف. وقد وجدنا عددًا من الأساليب التي شكلت بمجموعها حالة فريدة من حيث استغلال جهة/القائم بالدعاية لما ينشره الخصم بهدف توظيفها ضده. وأول هذه الأساليب: "الاستشهاد"؛ حيث تنوعت استخداماته بصورة لافتة، تراوحت بين الاستعانة بما ينشره النشطاء، أو ما توثقه كاميرات الرصد الحدودي، أو التي تقوم على نشره صفحات فلسطينية وأجنبية...إلخ. ولأن التنقيب الدعائي بحد ذاته عملية للبحث عن آراء ومعلومات شاذة، فإن الاستشهاد من هذه الزاوية مطابق له، كونه انعكاسًا لمسعى يحاول التأثير في تماسك الحاضنة الشعبية للفعاليات. وبهذا الخصوص، نشرت صفحة "منسق أعمال الحكومة" صورة (لقطة الشاشة) تبرز تعليقات ناشطين فلسطينيين، ينتقدون فيها "حماس"، ويتساءلون عن المستقبل.  

 

االصورة رقم (4) تظهر انتقاد الفلسطينيين لحركة حماس وحيرتهم بشأن المستقبل(59) 

 

 وفي حالة أخرى، نشرت صورة لصفحة تطلق على نفسها اسم "مدينة رفح-الصفحة الرسمية"، تتهكم فيها على واقع غزة. باختصار، أرادت صفحة "منسق أعمال الحكومة" من خلال الاستشهاد بهذه الحالات، التأكيد على أطروحة عدم اهتمام حماس بالواقع المعيشي لسكان قطاع غزة.

ونشط أيضًا أسلوب "نزع الشرعية" بصورة ملحوظة في جميع صفحات الدراسة، في إشارة إلى رغبة المنقِّب الدعائي في إيجاد ما يلائم أطروحاته من معلومات وصور، تنزع أية مشروعية تخص الفعاليات. وبهذا الشأن، توزعت الجهود بين نزع شرعية حركة "حماس"، أو سلمية الفعاليات وشعبيتها، أو عدالة مطلب العودة ذاته...إلخ. وفي سياق آخر، وظفت إسرائيل أسلوب "تحويل الانتباه" لحرف الأنظار عن الفعاليات، والتركيز على مسؤولية حماس عن سوء الأوضاع التي وصل إليها قطاع غزة. كما وظفت أساليب أخرى، مثل "إطلاق التسميات"، و"الربط"، و"الشيطنة"، وغيرها. وهنا، يتضح أن التنقيب الدعائي لا يعمل من فراغ، بل هناك جهد اتصالي رئيسي في حال أرادت جهة الدعاية توفير معلومات تساعدها على تفعيل قدرات أساليب أخرى، خاصة وأن استغلال المواد التي ينشرها الخصم أكثر مصداقية وقوة في حال أُحسن التعامل معها.

تأثيرات التنقيب الدعائي وسبل مواجهته فلسطينيًّا

أ- تأثيرات التنقيب الدعائي

تستدعي خطورة ظاهرة التنقيب الدعائي الإشارة إلى جزء من تأثيراتها المحتملة على المستويات المعرفية والنفسية والسلوكية للأفراد، لاسيما ما يتعلق بفعاليات مسيرات العودة. فبالنسبة للآثار المعرفية، يمكن للظاهرة إعادة تركيب وبناء الأحداث بشكل يشوه ظهورها العام، لما تتعرض له من انتقائية وإعادة تأطير متعمد، تؤثر في إدراك المتلقي لتطوراتها ونتائجها الحقيقية. وللمفارقة، تُسهم سلوكيات بعض المستخدمين، في تفعيل نتائج الظاهرة لصالح الطرف الخصم، مع ما يعنيه ذلك من مشاركة عفوية في تقديم معرفة يمكن أن تُستغل لصناعة أو ترسيخ صور نمطية. وفي حالة مسيرات العودة، حاولت إسرائيل استغلال المحتوى الصادر عن نشطاء فلسطينيين لبناء دوامة معلوماتية مغلوطة تخدم تشكيل أطر معينة في ذهن المتلقي. فمن خلال إعادة تدوير منشورات تدعم بشكل غير مقصود أطروحات الفوضى، والعنف، والإرهاب...استطاعت تقديم أدلة تؤكد رؤيتها، لاسيما تلك التي تؤسس لمفاهيم سياسية وثقافية واجتماعية جديدة، ترى في الفلسطيني عبئًا ثقيلًا، يجب التخلص منه؛ إذ يتمثَّل الهدف في التشويش على الواقع الحقيقي، وضرب القناعات بشأنه لإيجاد معتقد مزيف، يناقض مطلب العودة، وينسجم مع الرؤى الإسرائيلية.

وتتجاوز الآثار المعرفية للظاهرة حدود الإقليم لتشمل المجتمع الشبكي بأسره، ما يمنح إسرائيل فرصة تحسين صورتها دوليًّا؛ إذ من المعلوم أن حركات مناهضتها، تستمد قوتها وديمومتها من مشروعية النضال الفلسطيني ومصداقيته التي تسهم عشرات الصور والمقاطع في تجذيره، خاصة إذا ما وثقت لجرائم الاحتلال. لهذا، فإن أي منشورات جماهيرية تناقض هذه المصداقية، ستشكِّل سلاحًا يرتد بالسلب على صورة الفلسطيني، وتدعم بشكل غير مباشر جهود الاحتلال. فالظاهرة، قادرة على إجهاض أي جهد شعبي حقيقي، يجد تفاعلًا ومتابعة على مواقع الإعلام الاجتماعي؛ لكونها مرتبطة بـأنشطة فردية غير مركزية لا تخلو من الأخطاء، يستطيع الطرف الإسرائيلي رصدها، وتوظيفها لمصلحته؛ فهي مسلك لا يتسبب بأي حرج لها، طالما أن المحتوى نابع من طرف آخر. وبهذا الخصوص، يمكن للتنقيب أن يؤثر في أية حملة إعلامية، داخلية وخارجية، فقط عبر رصد الآراء المحلية التي تعارضها، لتصبح مصدر تغذية دائمة للجهود المضادة، وكأنها تحارب ذاتها بذاتها.  

وفيما يتعلق بالجوانب النفسية، فالظاهرة قادرة على توليد مشاعر سلبية، كالإحباط واليأس والشك، لإفشال الفعاليات. فمن خلال رصد الحالة المزاجية للمواطن الفلسطيني، ومراقبة مشاعره تجاه الأوضاع القائمة، تستطيع إسرائيل إعداد تصور لمخطط دعائي، يناسب مسعاها، خاصة إذا ما استفادت من التداعيات النفسية للفقر والحاجة، اللذين يجدان من يترجمهما على شكل منشورات. ولعل أسوأ ما قد ينجم عن الظاهرة نفسيًّا زيادة الشرخ بين الفلسطينيين أنفسهم، أو صناعة الخلاف بينهم وبين شعوب وكيانات أخرى. فالتعبير عن الآراء عبر الشبكات الاجتماعية، خاصة الحادَّ منها، قد يشكِّل مادة ثرية لإسرائيل؛ التي لا تنفك تزرع الشقاق والفُرقة، في واحدة من أكثر ممارساتها الدعائية استمرارية على مرِّ السنين. باختصار، تستطيع الظاهرة تحويل الأمل إلى يأس، والدافعية إلى إحباط، واليقين إلى شك، فهي تستغل تقلبات الإنسان النفسية، وحالة التراجع التي قد يُبتلى بها البعض.   

وبخصوص التأثيرات السلوكية، فبمجرد أن يتم تشكيل معارف وتصورات الجمهور حول الحدث بصورة محددة، تسعى الدعاية في خطوة ثانية إلى حث سلوك الأفراد باتجاهات معينة مرغوبة. وتستهدف التأثيرات المتوقعة فئتين: داخلية وخارجية. أما الأولى، أي الجمهور الفلسطيني، فالظاهرة، عبر رصدها وتدويرها للأخطاء، تسهم في تحفيز سلوك تنافري، يمتنع عن المشاركة أو تقديم الدعم لمسيرات العودة، كما تستثير سلوكيات معارضة، من خلال تأكيدها على مفهوم الأجندة "الحمساوية"، واستغلالها لعنوان وطني "العودة"، من أجل تحقيق مكاسب حزبية، كالاعتراف بشرعيتها في وجه السلطة. وعلى صعيد الخارج، أي الجمهور الغربي، فعبر تركيزها على سرديات معينة كالإرهاب والعنف، تسعى الظاهرة إلى استثارة ردود فعل رافضة للفعاليات، الأمر الذي قد يؤثر على أية جهود مستقبلية نحو توفير مظلة دعم ميداني ومالي وسياسي لها. وجدير بالذكر، أن إسرائيل من خلال إبرازها لأطر محددة (إرهاب، تهديد، تجريم، فوضى) تحاول التناغم مع العقل الغربي؛ لذلك، ومن خلال ربطها بحركة حماس، تسعى الظاهرة إلى شخصنة الفعاليات، وتركيزها في بوتقة محددة، من خلال تدويرها للمنشورات ذات الأبعاد العاطفية لا العقلية.

ب- سبل مواجهة التنقيب الدعائي

لا يمكن ادعاء وصفة سحرية تستطيع صد الدعاية، كما لا يتوافر نمط واضح يوقف تأثيرات التنقيب الدعائي، خاصة إذا ما علمنا ارتباطه بالنشاط الاتصالي للأفراد أو المؤسسات أو حتى الدول في التعبير عن ذاتها بشتى الطرق. ولكن، ما نستطيع تأكيده، أن الوعي الإنساني، يتصدر أهم الأسلحة، القادرة على مجابهة أية محاولة للتأثير في ذواتنا. لهذا، فإن الناشط في مواقع الإعلام الاجتماعي الفلسطيني، مطالب بامتلاك بصيرة كافية، تؤهله للتمييز بين ما هو نافع أو ضار للذات، وقضيته. كما أنه مطالب بالتوقف للحظة مع نفسه، وأن يتساءل حول كيفية استفادة عدوه مما ينشر. ولأننا نعلم شعبية "الوسيلة التي تتحول إلى الرسالة"، وصعوبة استدعاء وعي ذاتي كاف، فالمؤسسات الفلسطينية الحكومية والحزبية والخاصة، مطالبة أيضًا بتأسيس حالة ثقافية جماعية، تسهم في ضبط النشاط الاتصالي للمستخدمين، بما يشمل التعريف بسبل إسرائيل الدعائية، وطرقها في استغلال المحتوى الفلسطيني لصالحها. بدورها، الأجهزة المختصة في مجال تكنولوجيا المعلومات، مدعوة للتعمق أكثر في عرض خطورة مواقع الإعلام الاجتماعي، وما يترتب عليها من جمع للبيانات، وبالتالي خدمة جهود أي طرف يرغب في استغلالها دعائيًّا. بالإضافة إلى ما سبق، يقع سر نجاح أية حملة في تخطيطها المسبق، وقدرتها على التنبؤ بأساليب وخطوات الحملات الدعائية المضادة. لهذا، فإن مركزية التوجيه أساسية وضرورية، كما أن المتابعة الدائمة لأنماط اشتغال الخصم تساعد على تخطي استغلاله لأي أخطاء تُرتكب.

خاتمة

تكشف ظاهرة التنقيب الدعائي مدى خطورة الممارسات الدعائية المستجدة عالميًّا، ومستوى إفادتها من غياب الوعي الشبكي الكافي لدى مستخدمي مواقع الإعلام الاجتماعي، خاصة في مجال جمعها لمعلومات وبيانات تُستخدم في تشكيل انطباع مزيف، يؤثر في مدركات الجمهور للواقع الحقيقي، وسياقات تطوره. كما تُظهر درجة الاقتران بين التطورات التقنية الحديثة من جهة، والدعاية من جهة أخرى، وسعيها -البشري والآلي- نحو الآراء والمنشورات الشاذة بغية استغلالها، مستفيدةً من غياب المركزية الاتصالية، وصعوبة السيطرة على حركة تدفق المعلومات في البيئة الرقمية.

ويتضح من خلال الملاحظة أن التنقيب الدعائي -كاستراتيجية تنفيذ- يرقى لمستوى أسلوب دعائي سيبراني، الأمر الذي يؤكد طبيعة الدعاية، في كونها جهدًا مخططًا يرتبط بنشاط إنساني يستطيع استحداث أشكال تأثير مبتكرة. فالدعاية الإسرائيلية على موقع فيسبوك، سارت وفق منحى متسلسل، استهلته بجمع مختلف الهفوات، ثم عالجتها دعائيًّا، كي تعيد نشرها داخل إطار معلوماتي جديد يخدم خطابها، وكأنها دليل إثبات، مُستشهد به من صاحب الرسالة الأصلية. ولعل أهم ما كشفته الظاهرة انتهاج إسرائيل مبدأ مواجهة الدعاية لذاتها، في ممارسة غير تقليدية، تستغل مساوئ ممارسات المستخدم أو "الصحفي المواطن" عبر إبراز المتنافر والمتناقض منها مع أطروحات المسيرات. وهنا، عمدت إسرائيل إلى دراسة طبيعة تفاعل شرائح الجمهور الفلسطيني مع دعوات مسيرات العودة من خلال مراقبة ما يصدر عنهم من تعليقات وصور، لتتمكن من تخطيط استراتيجية اتصالية دعائية، تستجيب لأهدافها بشأن إجهاض الحاضنة الشعبية للمسيرات، وبالتالي تحويلها من مطلب عادل ذي طبيعة سلمية إلى تحرك إرهابي عنيف بطبعه.

ورغبةً منها في بلوغ أقصى درجات التأثير، ركزت الصفحات الإسرائيلية على استغلال المنشورات المرئية، لإمكاناتها الإقناعية التي تتجاوز قدرات النص، إضافة إلى توظيفها لأساليب دعائية متنوعة، كالربط والاستشهاد، في إشارة جلية إلى قدرة التنقيب الدعائي على تنشيط أساليب تأثير أخرى بموازاته. ولأن خطورة الظاهرة باتت واضحة، فتبني جهود تثقيفية بات مطلبًا ملحًّا، خاصة من أجل رفع منسوب وعي مستخدمي مواقع الإعلام الاجتماعي، وأولئك المنخرطين في جهود نضالية شعبية، كالحالة الفلسطينية.  

_____________________________

*حيدر المصدر، باحث في مجال الإعلام السياسي والدعاية

مراجع

(1)O’Shaughnessy, Nicholas, “The death and life of propaganda”, Journal of Public Affair, (Vol.12, No.1, February 2012), p. 33.

(2)Ibid.

(3) e3Pozon, Ira Paulo & Tupaz, Anthony Edsel Conrad, “Cyber Warfare: The Effects of Technological Advancements in Expanding the Concept of War and the Role of Non-state Actors and Individuals”, Ateneo Law Journal, (Vol.57, No.4, March 2013), p. 1081.

(4)Coyne, Richard, “The Net Effect: Design, the rhizome, and complex philosophy”, Futures, (Vol. 40, issue. 6, August 2008), p. 553.

(5)Rowley, Jennifer, “Using case studies in research”, Management Research News, (Vol. 25 issue.1, 2002), p. 16-27.

(6)Carey, A. Taking the risk out of democracy: Corporate propaganda versus freedom and liberty1thed, (University of Illinois Press, Urbana, 1996), p. 1-2

(7) Derrig, Ríán Tuathal, “Trump used sophisticated propaganda to win US election”, The Irish Times, December 2016, (Visited on 12 April 2018):

https://www.irishtimes.com/opinion/trump-used-sophisticated-propaganda-to-win-us-election-1.2916964.

(8)"نظام تحليل وسائل التواصل الاجتماعي"، Social Intelligence، (ب.ت)، (تاريخ الدخول: 9 أبريل/نيسان 2018):

http://intelligence.social/site/index.php/advanced-analytics

(9) Murdock, Jason, “Hillary Clinton blames WikiLeaks and Russian hackers for election loss to Donald Trump”, International Business Times, April 2017, (Visited on 12 April 2018):

https://www.ibtimes.co.uk/hillary-clinton-blames-wikileaks-russian-hackers-election-loss-donald-trump-1615993.

(10) المصدر، حيدر، فلتحذر كتائبنا السيبرانية، فلسطين الآن، 31 مايو/أيار 2018، (تاريخ الدخول: 31 مايو/أيار 2018):

https://bit.ly/2KTWdnA

(11)Andersson, Jan Joel, “Hybrid operations: Lessons from the past”, European Union Institute for Security Studies, October 2015, (Visited on 10 April 2018):

 https://www.iss.europa.eu/content/hybrid-operations-lessons-past.

(12)NATO Strategic Communications Centre of Excellence, “Social Media as a Tool of Hybrid warfare”, Startcomcoe, May 2015, (Visited on 10 April 2018):

https://www.stratcomcoe.org/social-media-tool-hybrid-warfare.

(13)Nissen, Thomas, The Weaponization of Social Media: Characters of Contemporary Conflicts, (Royal Danish Defence College, 2015), p. 62-63.  

(14) Ibid.

(15) Ibid, p. 161.

(16) Ibid, p. 65.

(17) Schleifer, R., Psychological Warfare in the Arab-Israeli Conflict, (Palgrave & Macmillan, 2014), p. 5-6

(18) Israeli Ministry of Diaspora Affairs, “About Us”, MDA, (Visited on 18 April 2018):

 http://www.mda.gov.il/EngSite/About/Pages/default.aspx  .

(19) Aouragh, Miriyam, “Hasbara 2.0: Israel’s Public Diplomacy in the Digital Age”, Middle East Critique, (Vol. 25, Issue. 3, January 2016), p. 284.

(20) مجلي، نظير، "وزارة إسرائيلية تبتكر طريقة استثنائية لزيادة عدد اليهود في إسرائيل"، الشرق الأوسط، 29 مارس/آذار 2018، (تاريخ الدخول: 18 إبريل/ نيسان 2018):

 https://aawsat.com/print/1220551.

(21)Jackson, Jay, “Israeli government to spy on social media users worldwide”, Big News Network, January 2018, (Visited on 22 April 2018):

https://www.bignewsnetwork.com/news/256255130/israeli-government-to-spy….

(22)Handel, Ariel, & Dayan, Hilla, “Multilayered surveillance in Israel/Palestine: Dialectics of inclusive exclusion”, Surveillance & Society, (Vol. 15, No. 3/4, August 2017), p. 474.

(23) Melman, Yossi, “Israel's anti-BDS campaign: Propaganda and dirty tricks”, Middle East Eye, September 2016, (Visited on 18 April 2018):

http://www.middleeasteye.net/columns/israels-anti-bds-campaign-973473055.

(24) Blau, Uri, “Inside the Clandestine World of Israel's 'BDS-busting' Ministry”, Ha’aretz, March 2017, (Visited on 18 April 2018):

https://www.haaretz.com/israel-news/MAGAZINE-inside-the-clandestine-world-of-israels-bds-busting-ministry-1.5453212.

(25) Ibid.

(26) Melman, “Israel's anti-BDS campaign”, op, cit.

(27) Winstanley, Asa, “Meet the spies injecting Israeli propaganda into your news feed”, Electronic Intifada, January 2018, (Visited on 18 April 2018):

https://electronicintifada.net/blogs/asa-winstanley/meet-spies-injecting-israeli-propaganda-your-news-feed.

(28)  Ibid.

(29) Israel launches secret squad to challenge negative image & boycott campaign”, Russia Today, January 2018, (Visited on 18 April 2018):

https://on.rt.com/8wjd.

(30) Aouragh, “Hasbara 2.0”, opm cit, p. 286

(31) Ibid, p. 280.

(32) Ibid, p. 285

(33) Blau, “Inside the Clandestine World of Israel's”, op, cit, Ibid.

(34) Shabi, Rachel, “Special spin body gets media on message, says Israel”, The Guardian, January 2009, (Visited on 16 April 2018):

https://www.theguardian.com/world/2009/jan/02/israel-palestine-pr-spin.

(35) Dart, Jon, "Brand Israel: Hasbara and Israeli Sport”, Sport in Society, (Vol. 19, Issue. 10, January 2016), p. 1406.

(36) Magen, Clila, & Lapid, Ephraim, “Israel's military public diplomacy evolution: Historical and conceptual dimensions”, Public Relations Review, (Vol. 44, Issue. 2, June 2018), p.293.

(37) Abunimah, Ali, “Israel setting up “covert units” to Tweet, Facebook government propaganda”, Electronic Intifada, August 2013, (Visited on 17 April 2018):

https://electronicintifada.net/blogs/ali-abunimah/israel-setting-covert-units-tweet-facebook-government-propaganda.

(38) Shabi, “Special spin body gets media”, op, cit.

(39) Rubin, Jesse, “In war against ‘cell phones,’ Israeli launches social media app”, Mondoweiss, July 2017, (Visited on 21 April  2018):

http://mondoweiss.net/2017/07/against-israeli-launches/.

(40) Sommer, Allison Kaplan, “Sexy Women, 'Missions' and Bad Satire: Israeli Government App Recruits Online Soldiers in anti-BDS Fight”, Ha’aretz, June 2017, (Visited on 21 April 2018):

https://www.haaretz.com/israel-news/.premium-how-israel-recruits-online-foot-soldiers-to-fight-bds-1.5483038.

(41) Any Palestinian is exposed to monitoring by the Israeli Big Brother”, The Guardian, September 2014, (Visited on 22 April 2018):

https://www.theguardian.com/world/2014/sep/12/israeli-intelligence-unit….

(42). Ibid.

(43)In-depth Report: Israeli Intelligence”, Global Investigative Reporting, January 17, (Visited on 18 April 2018):

https://globalinvestigativereporting.wordpress.com/2017/01/27/in-depth-report-israeli-intelligence/.

(44) Maheshwari, N. & Kumar, V., Military psychology: concepts, trends and interventions, (Sage Publications, 2016), p.149.

(45)Harel, Amos, “Israeli Army Sets Up 'Consciousness Ops' Unit to Influence Enemy Armies, Foreign Media and Public Opinion”, Ha’aretz, March 2018, (Visited on 19 April 2018):

https://www.haaretz.com/israel-news/with-eye-on-hearts-and-minds-israeli-army-sets-up-consciousness-ops-1.5888362.

(46) Shai, N. Hearts and Minds: Israel and the Battle for Public Opinion. Translated by: Ira Moskowitz, (State University of New York Press, 2018), p. 88.

(47) Ibid, p. 89.

(48) Leong, Daniel, “Battlefront New Media: Lessons For The SAF Based On A Study Of The Information Campaign During Operation Pillar Of Defence”, Pointer Journal of Singapore Armed Forces, (Vol. 41, No. 4, 2015), p.58.

(49) Shai, Hearts and Minds: Israel and the Battle for Public Opinion, op, cit, p. 88.

(50) Leong, “Battlefront New Media”, p. 60-61.

(51) Azran, Tal Samuel, & Yarchi, Moran, “Military Public Diplomacy 2.0: The Arabic Facebook Page of the Israeli Defense Forces’ Spokesperson”, The Hague Journal of Diplomacy, (Vol.13, January 2018), p.3.

(52) Ibid, p. 9.

(53) أبو عامر، عدنان، "صفحة المنسق الإسرائيلي: تجاوز الإنساني إلى السياسي والأمني"، موقع عدنان أبو عامر، 5 مارس/آذار 2018، (تاريخ الدخول: 20 إبريل/نيسان 2018):

  http://adnanabuamer.com/post/834.

(54) "حماس تعترف الآن بأن 5 من قتلى #مسيرة_الفوضى انتموا إلى كتائب القسام وذلك بعد أن ادعت أمس أنهم كانوا متظاهرين مسالمين"، ويتضمن الصورة المشار إليها على صفحة المتحدث باسم رئيس الوزراء للاعلام العربي-أوفير جندلمان على موقع فيسبوك، 31 مارس/آذار 2018، (تاريخ الدخول: 15 مايو/أيار 2018):

https://www.facebook.com/OfirGendelmanpmo/photos/a.233365166770320.50713.233341413439362/1634621223311367/?type=3&theater

(55) Shai, “Hearts and Minds: Israel and the Battle for Public Opinion”, p. 88.

(56)  "غطاءان، حمساوي وإيراني، لفكرة إرهابية واحدة تستهدف إسرائيل"، ويتضمن الصورة المشار إليها على صفحة إسرائيل تتكلم بالعربية على موقع فيسبوك، 27 أبريل/نيسان 2018، (تاريخ الدخول: 16 مايو/أيار 2018):

 https://www.facebook.com/IsraelArabic/photos/a.207041069333309.45235.173441069359976/1693925607311507/?type=3&theater 

(57) McNamara, Carter, “Basic Guidelines to Reframing -to Seeing Things Differently”, Free Management Library, February 2012, (Visited 1 May 2018):

https://managementhelp.org/blogs/personal-and-professional-coaching/2012/02/02/basic-guidelines-to-reframing-to-seeing-things-differently/.

(58)"عندما يُعطَى الطفل حجرًا بدلًا من القرآن والتربية الصالحة، فلا عجب أن #غزة لا تتقدم!"، ويتضمن الصورة المشار إليها على صفحة منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية على موقع فيسبوك، 22 أبريل/نيسان 2018، (تاريخ الدخول: 16 مايو/أيار 2018):

https://www.facebook.com/COGAT.ARABIC/photos/a.599677736849976.1073741828.435957679888650/1013593172125095/?type=3&theater 

(59)"شاهدوا الفلسطينيين يئسوا من الوضع ويقولون: إن مستقبل #حماس هو#زمبليطة و #فوضى. هكذا يكون الوضع عندما لا تهتم"، ويتضمن الصورة المشار إليها على صفحة منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية على موقع فيسبوك، 1 أبريل/نيسان 2018، (تاريخ الدخول: 17 مايو/أيار 2018):

 https://www.facebook.com/COGAT.ARABIC/photos/a.599677736849976.1073741828.435957679888650/1001194613364951/?type=3&theater