صناعة صحافة الروبوت وتحدياتها المهنية والأخلاقية

تكشف الدراسة أن الاتجاه نحو أتمتة الصحافة سيقود إلى تغييرات جوهرية في العملية الصحفية من حيث بناؤها، والمسؤوليات المنوطة بعناصرها، والأدوار التي من الممكن القيام بها، إلى جانب تأثيراتها على اللغة الصحفية والإعلامية، والجوانب المهنية والأخلاقية التي تحكم العمل الصحفي الخوارزمي.
5257c6fba3c0404da33cf686ab34e575_18.jpg
تزايد الاهتمام باستخدام الخوارزميات في مجال الإعلام يثير أسئلة تتعلق بالأبعاد السياسية والمهنية والأخلاقية للعمل الصحفي (الأناضول)

هل هذا هو عصر الاستغناء عن البشر واستبدال مخرجات التطور التكنولوجي بهم؟ حين قدَّم مارشال ماكلوهان (Marshal McLuhan) نظريته "الحتمية التكنولوجية" خلال الستينات من القرن الماضي، استقطبت في حينه ردود فعل متباينة، كان أبرزها يكمن في تساؤل مهمٍّ يرتبط بكيفية النظر لوسائل الإعلام وتأثيراتها على المجتمع. وطُرحت في تلك الأثناء فكرتان أساسيتان حول كيفية النظر لهذه الوسائل وتأثيراتها. فإذا نظرنا إليها باعتبارها وسيلة لنشر المعرفة والترفيه، فنحن نُقِرُّ بأن محتوى هذه الوسائل هو محور التأثير الأول. أما إذا نظرنا إليها باعتبارها جزءًا من التطور التكنولوجي فإن تأثيراتها تكمن في طبيعة الوسيلة نفسها وتكون هي مصدر التأثير الأول. وكانت أطروحة ماكلوهان مؤيدة للاتجاه الثاني؛ فالعامل الأكثر حسمًا في عملية التأثير، من وجهة نظر ماكلوهان، يكمن في طبيعة الوسيلة التي يستخدمها الإنسان في عملياته الاتصالية. هذه الوسيلة هي المعنية بتشكيل المجتمعات أكثر من المضمون الذي تحمله. من هنا، ظهرت نظرية الحتمية التكنولوجية التي ترى أن التكنولوجيا تؤثِّر بشكل أساسي في طبيعة المجتمعات، وينطبق ذلك في حالة الوسائل التقليدية والوسائل الرقمية على حد سواء(1).

ويمكن الارتكاز في معالجة التحولات التكنولوجية في مجال الإعلام على نظرية البيئة الإعلامية (Media Ecology) التي طوَّرها نيل بوستمان (Neil Postman) (2)، وتبحث في كيفية تأثير وسائل الاتصال في الإدراك الإنساني والفهم والشعور والقيمة؛ وكيف أن تفاعل البشر مع وسائل الإعلام قد يُسَهِّل أو يُعَوِّق فرصهم في البقاء والاستدامة. وتقوم نظرية البيئة الإعلامية على دراسة البيئات: هيكلها ومحتواها وتأثيرها في الناس؛ إذ تشكِّل البيئة نظام رسائل معقدًا يفرض على البشر بعض طرق التفكير والشعور والتصرف. فهي تعمل على بناء ما يمكننا رؤيته والبوح به، ومن ثم القيام بممارسته، وتعمل كذلك على تحديد الأدوار التي نقوم بها وتساعدنا على القيام بها، وتُحدِّد ما يُسْمَح، وما لا يُسْمَح لنا فعله. وفي حالة البيئات الإعلامية، مثل الكتب والصحف والراديو والأفلام والتليفزيون ووسائل الإعلام الرقمي وغيرها، تكون المواصفات في الغالب ضمنية غير ظاهرة بافتراض أن ما نتعامل معه ليس بيئة بل مجرد آلة أو وسيلة؛ لذا فان نظرية البيئة الإعلامية تحاول أن تجعل هذه المواصفات واضحة، كما تحاول تعريفنا بالأدوار التي تدفعنا وسائل الإعلام إلى القيام بها، وكيف تعمل وسائل الإعلام على بناء رؤيتنا للمحيط. فنظرية البيئة الإعلامية تهدف إلى دراسة الإعلام ووسائله باعتبارها بيئات وليست وسائط وحسب(3).

ويعرِّف الباحث المكسيكي، فيرناندو غوتيريز (Fernando Gutierrez)، نظرية بيئة (إيكولوجيا) وسائل الإعلام بأنها نظام فرعي (Metadicipline) يتعامل مع دراسة مجموعة معقدة من العلاقات أو العلاقات المتبادلة بين الرموز والإعلام والثقافة. ويشير مفهوم علم البيئة إلى دراسة البيئات وترابطاتها ويشمل ذلك المحتوى والبنية والتأثير الاجتماعي. وتُعَدُّ البيئة الإعلامية بيئة مستمدة من العلاقات المتبادلة بين الإنسان وتكنولوجيا الاتصال المختلفة، مثل: الكتب والإذاعة والتليفزيون والإنترنت وغيرها، حيث تهتم بدراسة التقنيات وأنماط رموز المعلومات والاتصال باعتبارها جزءًا من بيئة مترابطة تؤدي تأثيرات مختلفة في سياق معين(4).

لقد أسهم التطور التكنولوجي في مجال الاتصال في إحداث تأثيرات هائلة على أصعدة مختلفة، ومن بين هذه التطورات التكنولوجية شبكة الإنترنت والأقمار الاصطناعية والتكنولوجيا الرقمية وأجهزة الحاسوب، وكاميرات الفيديو الرقمية صغيرة الحجم، والهواتف المحمولة التي تسجل الصور والفيديو وترسلها إلى أي مكان في العالم، والأتمتة، ومخرجات الذكاء الصناعي، وغيرها كثير.

وعملت شبكة الإنترنت على تسريع حالة التقدم التقني بفضل وجودها، بل امتد تأثيرها إلى تشكيل حالة لم تكن معروفة من قبل، فقد أسهمت في بلورة مفاهيم وقيم وآليات إعلامية جديدة، قادت بدورها إلى ظهور خريطة اتصالية جديدة، من أبرز ملامحها اندماج وسائل الإعلام الإذاعية المسموعة والمرئية والمطبوعة، والتحول من ندرة وسائل الإعلام إلى وفرتها، والانتقال من المحتوى الموجه للجماهير العريضة إلى محتوى مصمم خصيصًا للمجموعات والأفراد، إلى جانب الانتقال من الاتجاه الأحادي للاتصال إلى الوسائط التفاعلية، فضلًا عن الاعتماد على التكنولوجيا للقيام بأدوار كانت مسندة قبل ذلك للبشر.

من جهة أخرى، قدَّم الذكاء الصناعي للعالم مفهومًا آخر يعكس تطورًا لافتًا في مجال الإعلام يعرف اليوم بالصحافة الخوارزمية (Algorithmic Journalism)، أو صحافة الأتمتة (Automated Journalism)، أو صحافة الروبوت (Robot Journalism). ويشكِّل هذا التطور مظهرًا آخر من مظاهر التقدم التكنولوجي الذي سيقود إلى تحولات كبيرة في بنية المؤسسات الإعلامية، وطرق عملها، كما يمثِّل حالة فريدة في جمع الأخبار وكتابتها، إلى جانب إعداد وكتابة التحليلات الصحفية حول الأحداث والقضايا المختلفة؛ الأمر الذي سيقود إلى تحولات مهمة في مفهوم الإعلام وخصائصه وآلياته وتأثيراته المجتمعية.

ويهدف علم الذكاء الصناعي إلى محاكاة السلوك الإنساني، من خلال فهمه وتحويله إلى برامج حاسوبية، تعمل على اتخاذ قرارات، والبحث عن حلول لمسائل معينة من خلال توصيفها، الأمر الذي يمكِّن العمليات الحاسوبية من أن تجد الطريقة المناسبة لتحديد هذه القرارات أو تلك الحلول بالرجوع إلى العمليات الاستدلالية التي تم تغذية الحاسوب بها.

وستحاول هذه الورقة سبر غور مفهوم صحافة الروبوت من حيث تعريفه ونشأته إلى جانب سياقاته المهنية والأخلاقية، والتعرف على تأثيراته المباشرة وغير المباشرة في اللغة الإعلامية. كما تتطرق إلى التحديات الأخلاقية والمهنية والاجتماعية التي سيفرضها المفهوم الجديد. مع الاعتراف مقدمًا بأن الظاهرة ما زالت جديدة، والأدبيات التي تناولتها ما زالت محدودة للغاية

صحافة الروبوت: المفهوم والنشأة

تشير الأدبيات إلى أن العقدين الماضيين شهدا اندفاعًا كبيرًا في نشاطات الأتمتة واستخدام "الروبوتات" سواء كان ذلك في نشاطات البحث العلمي، أو جذب انتباه الناس إلى ما يبدو نشاطًا متنوع الاحتمالات ولا نهاية له. وقد ترافقت هذه الفترة الزمنية بنضوج واضح في تقنية الروبوتات، ابتداءً بالروبوتات البسيطة، إلى الروبوتات الأكثر تعقيدًا ومن بينها روبوتات إدخال رقائق الدوائر المتكاملة على لوحات الدوائر المطبوعة.

ويعود استخدام كلمة "روبوت" إلى سنة 1921؛ إذ وردت في مسرحية الكاتب التشيكي، كاريل كابيك (Karel Capek)، الساخرة (Rossum’s Universal Robots)؛ حيث صور الروبوتات كآلات تشبه البشر وتعمل بلا كلل ولا ملل، وتتحول في النهاية ضد الإبداع وتعمل على إبادة الجنس البشري(5). ويُعَدُّ إسحاق أسيموف (Isaac Asimov)، كاتب الخيال العلمي، الذي يعمل أستاذًا للكيمياء في جامعة بوسطن، أول من استخدم مصطلح علم الروبوتات في قصته القصيرة التي حملت عنوان "كذاب" عام 1942. كما كان له الفضل في وضع القوانين الثلاثة التي تحكم عملية صناعة الروبوتات، وهي(6):

1. يجب ألا تقود صناعة الروبوتات إلى إيذاء البشر.

2. يجب على الروبوتات أن تطيع أوامر الإنسان، إلا ما يتعارض مع القانون.

3. يجب على الروبوتات حماية نفسها بما لا يتعارض مع ما ورد آنفًا.

وتطورت الروبوتات الحديثة من خلال تعزيز ردود فعلها الحسية؛ حيث طور هاينريش إرنست (Heinrich Ernst)، في عام 1962، روبوتًا يمتلك قوة استشعار تمكِّنه من القدرة على تكديس الكتل. ويُعَدُّ هذا النظام هو الأول من نوعه في قدرته على التفاعل مع بيئة غير منظمة (رجل وحاسوب)، وتم ذلك في معهد ماساتشوستس (MIT) في الولايات المتحدة الأميركية(7).

ترتبط "صحافة الروبوت، التي تم إنشاؤها بواسطة البرمجيات الحاسوبية، بعملية أتمتة الأخبار في المؤسسات الإعلامية؛ الأمر الذي أثار مخاوف كبيرة من بينها الاستغناء عن الصحفيين واستبدال تقنيات الذكاء الصناعي بهم. وما زالت تكنولوجيا الصحافة الآلية في بداياتها، غير أن الأدبيات تشير إلى أن أول قصة إخبارية تم إعدادها بالاستعانة بالخوارزميات كانت قد كُتبت قبل أكثر من أربعين عامًا في جامعة ييل في الولايات المتحدة الأميركية. وخلال السنوات العشر الماضية، ومع استخدام الخوارزميات، استمرت مهنة الصحافة في التغير بشكل كبير نظرًا لهذه التحولات التكنولوجية. وقد بدأت صناعة الإعلام استخدام الخوارزميات لإنتاج الأخبار من البيانات المنظمة وبدون تدخل بشري. فعلى سبيل المثال، بدأت وكالة الأسوشيتدبرس خلال عام 2015 في استخدام الخوارزميات، حيث بدأت باستخدام (Wordsmith)، وهي أداة برمجية تم تطويرها بواسطة شركة (Automated Insights)، لإنتاج تقارير إخبارية حول أرباح الشركات(8).

وقد هزَّت الخوارزميات صناعة الصحافة بسبب قدرتها على إنشاء آلاف القصص الإخبارية لموضوع محدد، مع ارتكاب أخطاء أقل مما يقوم به الصحفيون؛ الأمر الذي أدى إلى السؤال عما إذا كانت الخوارزميات ستلغي تدريجيًّا عمل الصحفيين. وخلال السنوات القليلة الماضية، تزايد الاهتمام باستخدام الخوارزميات (Algorithms) في مجال الصحافة والإعلام. ومع التقدم الذي شهده هذا المجال، وتوفر ما يعرف بالبيانات الضخمة (Big Data)، تغيرت على نحو ما، الطرق والأساليب التي يمكن من خلالها البحث عن المعلومات الصحفية وتحليلها وتوزيعها. وبدا واضحًا أن استخدام الخوارزميات سيغيِّر نمط جمع المعلومات، وتحليلها وتوزيعها وأساليب كتابتها من النمط الذي كان سائدًا من قبل إلى صيغ جديدة، الأمر الذي سيثير أسئلة مهمة متعلقة بالأبعاد الفنية والثقافية والاقتصادية والسياسية والمهنية والأخلاقية للعمل الصحفي والإعلامي في ضوء التحولات الكبيرة التي تجري في المجال التقني(9).

ويمكن النظر إلى صحافة الروبوت باعتبارها عملية الجمع بين الخوارزميات والبيانات والمعرفة المنبثقة عن العلوم الاجتماعية لاستكمال وظيفة المساءلة في العمل الصحفي. وتشير بعض الدراسات إلى أن صحافة الروبوت تعتمد في الأساس على مقاربتين مألوفتين في العمل الصحفي، الأولى: مرتبطة بكتابة التقارير الإخبارية بمساعدة الحاسوب، والثانية: تتصل باستخدام أدوات العلوم الاجتماعية في الصحافة بما يحقق عامل الدقة(10).

خلال الأسبوع الأخير من شهر يوليو/تموز 2009، استضاف مركز الدراسات المتقدمة في العلوم السلوكية (CASBS) في جامعة ستانفورد ورشة عمل لمناقشة تطوير حقل الصحافة الخوارزمية، ضمت صحفيين وإعلاميين وباحثين ومشاركين من المنظمات غير الحكومية، وقد أدار هذه الورشة جيمس هاملتون (James Hamilton) من جامعة ديوك، وفريد ترنر (Fred Turner) من جامعة ستانفورد. وقد حددت المناقشات بين المشاركين في ورشة العمل ما لا يقل عن أربعة مجالات متميزة للابتكار في الصحافة الخوارزمية، من بينها: تقنيات تحويل البيانات وأنماط اكتشاف التقارير الاستقصائية، و"لوحات معلومات رقمية" للصحفيين، وهياكل اجتماعية وتقنية جديدة للتفاعل بين القرَّاء والمراسلين، إلى جانب إحراز تقدم في تخصصات أخرى(11).

وفي اتجاه آخر، يمكن تعريف صحافة الروبوت أيضًا بجمع وتصنيف المعلومات وكتابتها في شكل أخبار وتقارير إخبارية كاملة بطريقة آلية، يتم الاستغناء فيها عن التدخل البشري المعروف خلال عملية جمع الأخبار وتحريرها. فقد عمل العديد من الشركات من بينها (Arria, Applied Semantics, Automated Insights, and Narrative Science) خلال العقد الماضي على إنتاج ما يُعرف بتقنية اللغة الطبيعية (Natural Language Generation (NLG))، وتعني الإنشاء التلقائي للنصوص من البيئة الرقمية من خلال برمجيات حاسوبية؛ إذ ظهرت هذه التقنية لأول مرة في عام 1950 كجزء من الجهود التي بُذلت في مجال الترجمة الآلية. وقد توسع مجال هذه التقنية من حيث الاستخدام ليشمل مهمات أخرى من بينها استخدامها بشكل متسارع في أتمتة مهام روتينية داخل المؤسسة الإعلامية.

وقد اشتملت الاستخدامات المبكرة لتقنية اللغة الطبيعية في مجال أتمتة الصحافة في الغالب على نصوص قصيرة نسبيًّا في مجالات محدودة، لكنها كانت مثيرة للإعجاب من حيث الكم والجودة؛ إذ بيَّنت أن النص الذي يتم إنتاجه آليًّا لا يمكن تمييزه بشكل عام عن النص المكتوب من قبل صحفيين، كما أن عدد الوثائق النصية التي تم إنشاؤها كان كبيرًا بحيث يتجاوز ما هو ممكن من عمليات التحرير اليدوية. وقد توسعت دائرة استخدام الكتابة الآلية للأخبار بحيث تم دمجها في عمليات النشر في عدد من المؤسسات العاملة في مجال الأخبار من بينها وكالة الأسوشيتدبرس وصحيفة لوس أنجلوس تايمز. وعلى الرغم من هذا النجاح، فإن هناك إجماعًا واسع النطاق على أن إمكانات تقنية اللغة الطبيعية لأتمتة الكتابة الصحفية تقتصر على أوصاف بسيطة يتم تمثيلها بالفعل بشكل شائع كبيانات، وأبرز الأمثلة على ذلك هو كتابة الأخبار الرياضية والمالية الروتينية(12).

وفي عام 2015، بدأت دائرة استخدام صحافة الروبوت تتسع حيث أطلقت شركة ميتميديا (MittMedia) السويدية، التي تمتلك 19 صحيفة من الصحف السويدية، أول روبوت صحفي، حيث حددت مهامه في إنتاج تقارير إخبارية عن الطقس وفي المجال الرياضي. ونتيجة لهذه الخطوة، دارت مناقشات وجدل بين الصحفيين السويديين لا يختلف في جوهره عمَّا يدور في مناطق أخرى من العالم، وينصبُّ حول ما يمثِّله التطور الجديد من خطر على الصحفيين البشر، وهل سيحل الروبوت الصحفي مكان الصحفي الإنسان؟ فضلًا عن تناول أسئلة أخرى حول النتائج والآثار التي سيسببها وجود صحفي روبوت. وماذا عن جودة التقارير الإخبارية التي سيكتبها؟ وهل ستساعد الصحافة المؤتمتة الصحفيين أم لا؟ ولماذا الذهاب وراء تقنية قد تضر الإنسان الصحفي من خلال فقدانه لوظيفته(13).

وفي عام 2016، بدأت صحيفة الواشنطن بوست أول استخداماتها للصحافة الخوارزمية بشكل تجريبي خلال الانتخابات الأولية في الولايات المتحدة الأميركية. وقد كانت المحاولة داخلية تسعى إلى تقديم القصص الإخبارية آليًّا من خلال تدفق مباشر للمعلومات. وقد تم استخدام روبوت من أجل تحقيق ثلاثة أهداف، وهي: 1- التفاعل مع المشغلات بناء على الوقت والتغيرات التي تحدث على البيانات. 2- إنتاج قصص إخبارية مختلفة. 3- مخرجات تذهب إلى قنوات توزيع متعددة. وبناء عليه، عمل الروبوت الصحفي على تحديث البيانات كلما تم استدعاء السباقات في هذه الانتخابات، أو إغلاق الاستطلاعات الأخيرة في حالة ما، أو إذا انقضت فترة زمنية معينة دون حدوث تغييرات. وكان الروبوت يبث تلقائيًّا تغريدات مستمرة في اتجاه واحد لتويتر(14).

وعند انتهاء خطوتها التجريبية، سعت الواشنطن بوست إلى تطوير استخداماتها للخوارزميات في العمل الصحفي داخليًّا، بحيث يولِّد الروبوت تحديثات تلقائية قصيرة، متعددة الجمل، تظهر في مدونة على تويتر، وقد استخدمت الصحيفة هذه التقنية خلال دورة الألعاب الأولمبية التي نُظِّمت في ريو دي جانيرو خلال عام 2016، وبثت خلالها متابعات إخبارية حول نتائج المسابقات التي وقعت خلال تلك الدورة. وكانت الصحيفة قد أنتجت ما يقارب من 850 قصة إخبارية باستخدام الروبوت خلال تجربتها الأولى، كان من بينها 500 قصة إخبارية حول الانتخابات، والتي بدورها حصلت على 500 ألف متابعة عبر تويتر. وتشير مصادر الصحيفة إلى أنها، خلال انتخابات الرئاسية الأميركية التي جرت عام 2012، قد نشرت فقط 15% مما تم نشره في عام 2016 باستخدام الروبوت(15).

ولعل التجربة البارزة لاستخدام الخوارزميات في العمل الصحفي على المستوى العربي تتمثَّل في تجربة مجموعة مواقع "سرمدي" في مصر، وهي بوابة فنية ترفيهية، استعانت بالخوارزميات للرد على تساؤلات الجمهور عبر موقعها أو عبر قنوات التواصل الاجتماعي. وتعتمد على روبوت يتيح للمستخدم معرفة مواعيد أكثر من 100 برنامج تتبع حوالي 30 قناة في المنطقة العربية؛ وذلك بهدف تقديم متابعة تليفزيونية أسهل. وقد أطلقت المجموعة تطبيقًا ذكيًّا يتيح خاصية الرد التلقائي لمعرفة مواعيد أكثر من 60 مسلسلًا و100 برنامج في 30 قناة خلال شهر رمضان كي لا يفوت المشاهدين فقرة معينة. أما على المستوى الصحفي، فلم ترصد الدراسة أية محاولة لاستخدامات صحافة الروبوت على المستوى الإخباري، كما لم ترصد تجارب عربية في هذا المجال؛ الأمر الذي يتطلب من وسائل الإعلام العربية وخصوصًا الكبيرة والمهمة أخذ الموضوع بجدية للمبادرة بدخول المجال ضمن فلسفة وأهداف واضحة. فالمطلوب من وسائل الإعلام العربية التصدي لإنتاج خوارزميات تقوم بالمهمة، بدلًا من عملية استيراد التقنية من الخارج، ويمكن الاستثمار في هذا المجال لتوفير التقنية وربما تحقيق موارد جديدة لنفسها.

لابد من الاعتراف بأن الأتمتة قد دخلت بقوة إلى العديد من المؤسسات الإخبارية العالمية، وفي بعض الحالات المؤسسات الوطنية. وبدأت الخوارزميات تنتج الآلاف من القصص الإخبارية دون تدخل بشري، وتقوم بأدوار صحفية متنوعة (جمع المعلومات، وتصنيفها، وتحريرها، ونشرها)، وامتدت تغطياتها إلى مجالات معينة من بينها التغطيات الإخبارية الرياضية والمالية. فعلى سبيل المثال، تنتج وكالة الأسوشيتدبرس تقارير إخبارية آلية عن الأرباح الفصلية التي يحققها ما يقارب 3700 شركة، مقارنة مع 400 شركة كانت تغطيها سابقًا. إلى جانب ذلك، عملت الوكالة نفسها على استخدام الخوارزميات في إنتاج بعض قصصها في مجال التغطيات الإخبارية الرياضية.

وقد بدا التنافس واضحًا بين وكالات الأنباء العالمية في هذا المجال؛ حيث بدأت رويترز والأسوشيتدبرس والفرنسية للأنباء استخدام الخوارزميات في إنتاج الآلاف من القصص الإخبارية سنويًّا باستخدام تقنية الروبوت. وامتد الاهتمام بصحافة الروبوت من الوكالات الكبرى إلى الوكالات الصغرى حيث بدأت الوكالة النرويجية للأنباء ((NTB، على سبيل المثال، في إنتاج قصص إخبارية تتعلق بجميع مباريات كرة القدم في المستويات المختلفة للدوري النرويجي والبالغ عددها عشرين ألف مباراة سنويًّا حيث تعتمد على بيانات من اتحاد كرة القدم في النرويج(16).

وتشير الأدبيات إلى أن تحول وكالات الأنباء إلى الأتمتة الإخبارية يعود إلى أسباب مختلفة. فعلى سبيل المثال، تتجه رويترز إلى الأتمتة الإخبارية من خلال تكريسها لبُعدين اثنين، هما: 1- التركيز على الأخبار المالية. 2- تحقيق عامل السرعة. في حين تستخدم وكالات أخرى الأتمتة الإخبارية لتوسيع نطاق تغطيتها في مجالات محددة، إلى جانب التركيز على التغطيات المتخصصة، ومن بينها التغطيات المتعلقة بالشؤون الرياضية والمالية، فضلًا عن رغبة بعض هذه الوكالات في تقديم محتوى إخباري يلائم الاختلاف في الاهتمامات بين الأقاليم الجغرافية، بحيث تتوجه للقارئ في مناطق مختلفة استنادًا إلى اهتماماته، بمعنى ملاءمة المحتوى للجمهور المستهدف. كما يأمل قادة هذه الوكالات أن توفر عملية الأتمتة قيمة إضافية لعملائهم وتفتح الأبواب لمزيد من الإيرادات لهذه الوكالات(17).

ويشار هنا إلى أن عمليات الأتمتة لم تقتصر على كتابة الأخبار آليًّا، بل امتدت إلى اكتشاف الأخبار وإنتاج المرئيات (الفيديو) الإخبارية. وشملت التحولات الأخيرة في مجال الخوارزميات تطوير أداة (Reuters News Tracer) تقوم على تنبيه الصحفيين للأخبار العاجلة على وسائل التواصل الاجتماعي. كما تستخدم رويترز تقنية تحويل النص إلى فيديو بالتعاون مع شركة البرمجيات (Wibbitz) لإنتاج الأفلام الإخبارية. وفي الوقت نفسه تعمل هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" على تطوير برنامج ترجمة تلقائي للأفلام الإخبارية(18). وقد امتدت صحافة الروبوت لتشمل صحفًا متعددة من بينها نيويورك تايمز ويو إس إي توداي وغيرها. كما تعمل مؤسسات صحفية وإعلامية على تطوير تجاربها في مجال صحافة الروبوت بصورة دائمة؛ الأمر الذي سيقود إلى توجه عام لدى هذه المؤسسات نحو الأتمتة وتوسيع نطاق استخداماتها في مجالات إخبارية جديدة.

وعلى الرغم من بعض الغموض الذي يحيط بمفهوم صحافة الروبوت فإن دور الخوارزميات أصبح ماثلًا للعيان، وتم تقسيم أشكال محددة من العمل الإخباري إلى أجزاء يمكن تشغيلها آليًّا. وعلينا أن نعترف بأن التطور في مجال استخدام الخوارزميات في الصحافة يبدو سريعًا ويتم الاستثمار فيه بشكل واضح. فعلى سبيل المثال، تنتج شركتان هما: ناراتف سينس (Narrative Science) وأوتوميتد إينسايت (Automated Insights) الملايين من القصص الإخبارية وفقًا للبيانات المنظمة المتوفرة في الأسواق المالية، إلى جانب التغطية الإخبارية للشؤون الرياضية وتوفيرها لعملائها من وسائل الإعلام، من بينها الشبكات التليفزيونية العشر الكبرى في الولايات المتحدة الأميركية، إلى جانب مجلة فوربس المعروفة في مجال المال والأعمال على الصعيد الدولي، ووكالة الأسوشيتدبرس.

كما علينا الاعتراف بأن برمجة أجهزة الكمبيوتر لإنتاج قصص إخبارية بأرقام قياسية أصبحت في متناول اليد في مجالات محددة، وأن هذه القصص يستحيل التمييز بينها وبين تلك التي يكتبها البشر. وما زال العمل جاريًا لإنتاج خوارزميات أكثر ذكاء للقيام بمهمات إضافية. وتشير الدراسات إلى أن فيسبوك كان قد وظَّف صحفيين لتدريب خوارزمياته على اختيار القصص الإخبارية التي قد تثير اهتمام الناس(19). مع العلم بأن هناك تقارير صحفية تفيد بأن الصين قد ابتكرت روبوتًا يتجاوز عمله الناحية الإخبارية باتجاه كتابة المقالات والتحليلات في المجالات المختلفة.

صحافة الروبوت ومستقبل الصحفيين

على الرغم من المبادئ الأساسية التي وضعها إسحاق أسيموف، والتي تؤكد على ألا تقود صناعة الروبوتات إلى إيذاء البشر، فإن ما يتم إنجازه من تحولات في هذا المجال ينبئ بخطر على مستقبل الصحفيين من حيث تخلي المؤسسات الإعلامية عنهم لصالح الإنسان الآلي.

ويؤكد برنارد مار (Bernard Marr) من الأسوشيتدبرس، أن ابتكار الروبوت، إلى جانب توفر البيانات الضخمة، يمثِّل مزيجًا قويًّا يمكن أن يشكِّل تحديًّا حقيقيًّا لمعظم الوظائف، ومن بينها الوظائف التي يحتلها الصحفيون والإعلاميون. فالبيانات الضخمة المنظمة وغير المنظمة، إلى جانب البيانات سريعة الحركة مثل المحادثات والبريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي وصور الفيديو والصور والبيانات التي تختزنها الهواتف المحمولة وغيرها، لا تهدد بالاستعاضة عن الوظائف الأقل مهارة في البناء الصحفي والإعلامي وحسب، بل تمتد إلى الصحفيين والإعلاميين كذلك. ويؤكد مار أن ما نشهده من ثورة تكنولوجية سيؤثِّر في حياتنا إلى الأبد. فنحن نعيش فترة مشابهة لما وقع في أثناء الثورة الصناعية عندما بدأت الآلات تعطي مكاسب إنتاجية هائلة، ولكن الفرق بين ما حدث خلال الثورة الصناعية وما يحدث اليوم، يكمن في أن من كان يعمل في الحقل الزراعي قبل الثورة الصناعية أُعطي فرصة للعمل في المصانع، أما اليوم فإن الروبوتات ستأخذ الوظائف دون أن تمنحنا المستوى ذاته من الفرص والوظائف الجديدة(20).

ويشير كيث جرينت ((Keith Grint وستيف وولغار (Steve Woolgar) إلى أن الأخبار التي ينتجها الإنسان الآلي، وأُطلق عليها بشكل مُضَلِّل، إلى حد ما، اسم "صحافة الروبوت"، قد أثارت قضية مهمة للغاية ترتكز على أن الأتمتة في العمل الصحفي ستُظهر أن لا حاجة للاعتماد على الصحفيين ما دام الروبوت يقوم بالمهمات الصحفية التي يقوم بها البشر. هذه الحجج تقوم إلى حد بعيد على منطق الحتميات التي تؤكد أن التكنولوجيا ستؤثر في حياتنا، وفي إعادة بناء المؤسسات والمجتمع في آن واحد. وتُظهر أن مقولة علماء الاجتماع، الذين يبحثون في مجالات التكنولوجيا والعمل والمؤسسات، التي تشير إلى أن قدرة التكنولوجيا وآثارها مرهونة أساسًا بالبناء الاجتماعي، هي مقولة ليست دقيقة وليست شفافة(21).

لكن، علينا الاعتراف بلا تردد أن التكنولوجيا، ونقصد هنا الأجهزة الفنية، والتعليمات والبرمجيات التي تجعلها تقوم بوظائفها، كانت وما زالت وستبقى من العوامل الأساسية التي عملت على تطوير حقل الاتصال، بما في ذلك الصحافة والإعلام. وقد دفعت التحولات التكنولوجية السريعة والمبهرة إلى دفع الصحفيين لتطوير مهاراتهم للتأقلم مع البيئة الجديدة. فعلينا مثلًا أن نتذكر غرفة الأخبار عندما كانت تخلو من تقنيات مثل آلات النسخ والهواتف والماسحات، أو خالية من الإنترنت والهواتف المحمولة والبريد الإلكتروني والأجهزة الرقمية مثل الكاميرات ومسجلات الصوت. هذه التقنيات بالتأكيد سهَّلت إلى حد بعيد العمل الإعلامي والصحفي، وعملت على ترقية تصميم المحتوى، فأصبح الجميع يتطلعون إلى جودة أعلى في العمل الإعلامي ليس على صعيد الشكل فقط بل امتد ذلك إلى المحتوى(22).

ومع ذلك، فإن التكنولوجيا تعكس آثارها بشكل واضح على العملية الإعلامية برمتها، وقد يتأثر بعض الصحفيين بفقدان بعض وظائفهم، غير أن هناك فرصًا متاحة للتأقلم مع البيئة الجديدة ومتطلباتها. فعلى سبيل المثال، تشير مصادر صحيفة الواشنطن بوست إلى أن توجه الصحيفة نحو الأتمتة وتعزيز صحافة الروبوت لا يعني بأي حال التخلي عن الصحفيين بقدر ما يعني مساعدتهم على تحقيق منتج صحفي عالي الجودة. فقد أظهرت التجربة أن استخدام الروبوت قد منح الصحفيين فرصة للقيام بتغطية الأحداث بشكل أفضل؛ إذ ساعد الروبوت على توفير نسبة مهمة من أوقاتهم التي يعملون خلالها على تغطية موضوعات يمكن أن يغطيها الروبوت مع دقة أعلى، ومثال ذلك تغطية أرباح الشركات، إلى جانب موضوعات مالية أخرى أو تغطية الشأن الرياضي. فالهدف كما تشير مصادر الصحيفة هو تحرير الصحفيين من مهام معينة، لإتاحة الفرصة أمامهم للقيام بمهام أخرى ربما تتطلب التركيز عليها بشكل أفضل. كما يؤكد فرانسيسكو ماركوني (Francesco Marconi)، المدير الاستراتيجي في كالة الأسوشيتدبرس، أن أخطاء التغطية الآلية للأخبار المالية قد انخفضت بشكل ملحوظ، بينما زاد حجم التغطية بمعدل عشرة أضعاف بعد توجه الوكالة نحو صحافة الروبوت. وهذا ربما يعطي الصحفيين وقتًا أوفر للتوجه نحو مهمات أخرى، قد لا يكون الروبوت مهيَّأ للقيام بها(23).

ويؤكد كارل كوستاف ليندن ( (Carl-Gustav Linden في دراسته "خوارزميات الصحافة: مستقبل العمل الإخباري" إلى أن الخوارزميات قد ساعدت في مجالات معينة ربما تشكِّل نموذجًا بسيطًا في العمل الإخباري، في حين يصعب تحويل أشكال الصحافة الأكثر تعقيدًا في العمل الصحفي إلى تطبيقات آلية، بسبب درجة عالية من عدم اليقين بشأن القدرة على تطبيق القواعد المتاحة حاليًّا في الخوارزميات. مع الأخذ في الاعتبار أن البيانات في صحافة الروبوت هي قضية جوهرية، وعليه، فإن خوارزميات الأخبار لا يمكن أن تعمل بدون بيانات منظمة، إلى جانب الطريقة التي يتم بها اختيار البيانات وتقييمها وتصفيتها ووضعها بصورة موحدة ومعيارية أو ربما التلاعب بها، الأمر الذي يجب أن يتوقف في النهاية على قرارات الصحفيين. وهذا بالطبع يعني أن على الصحفيين أن يبادروا إلى ملاءمة أوضاعهم وأدوارهم ومهاراتهم للتكيف مع الوضع الجديد. فالتحولات التكنولوجية تتطلب من الصحفيين العمل بشكل وثيق مع العلماء والخبراء في مجال الحوسبة والبرمجة عند ابتكار الخوارزميات في العمل الصحفي والإعلامي، لمهمات صحفية وإعلامية متنوعة، وتقديم رؤى نقدية حول أنظمة الخوارزميات المبتكرة(24).

فكما تطورت التكنولوجيا، وأظهرت تحولات كبيرة ومهمة، فإن العلاقة بين العلوم تتغيَّر كذلك. فلم يعد ممكنًا لمجال معرفي معين أن يكون منعزلًا عن المجالات الأخرى في زمن المعرفة البينية عبر التخصصية (Interdisciplinary Knowledge)، الأمر الذي يستدعي من مؤسسات تعليم الصحافة والإعلام بناء برامج أكاديمية تأخذ في الاعتبار عامل التكنولوجيا بصورة عميقة وعملية في تهيئة كوادر للعمل الإعلامي والصحفي، تكون قادرة على المزاوجة بين التكنولوجيا والإعلام بفروعه المختلفة. لقد أظهرت التجارب التي دمجت بين إمكانيات الحاسوب والبرمجة والإبداع البشري نتائج مثيرة للإعجاب في العمل الصحفي ومن بينها على سبيل المثال تسريبات ويكيليكس، وسجلات حرب العراق، وأوراق بنما(25).

ويرى بعض الدراسات أن ما تقوم به الخوارزميات هو عرض للبيانات والأفكار لكي يتم اكتشافها من قبل الصحفيين. وبهذا يمكن النظر إليها باعتبارها أدوات مكمِّلة وليست بديلًا عن الصحفيين. فهذه الأدوات تعمل أساسًا على التنقيب عن البيانات في ضوء اهتمامات الجمهور. وعلى الرغم من أن عبارة الصحافة الحاسوبية أو الصحافة الخوارزمية تدلِّل على أن الصحفي الآلي هو من يقوم بالمهمة إلا أن الحقيقة تقول: إن هذا العمل هو نتاج تفاعل الممارسين في مجالي علوم الكمبيوتر والصحافة، وفي المستقبل سيتم تطوير أدوات جديدة يستخدمها الصحفيون لاكتشاف قصص جديدة(26)

بينما تشير دراسات أخرى إلى أن الخوارزميات ستحفز الصحفيين على التفكير بجدية أكبر في تحديد قدراتهم البشرية الأساسية، مثل تطوير الذكاء العاطفي والاجتماعي، والفضول، والأصالة، والتواضع، والتعاطف، والقدرة على أن يصبحوا مستمعين أفضل، ومتعاونين، ومتعلمين. فالصحفيون، من وجهة نظر البعض، يميلون إلى تحديد مهنتهم من خلال المهام التي يتم الوفاء بها بدلًا من المهارات والمعرفة التي يحتاج الشخص إلى امتلاكها من أجل تحقيق هذه المهام(27).

ويرى كيم ديوون ((Kim Daewon وكيم سينجشيول (Kim Seongcheol) أن الصحفيين يمكن تقسيمهم إلى ثلاث فئات وفقًا لموقفهم من صحافة الروبوت(28)

- الفئة الأولى: تعتقد بأن الروبوتات لن تحل محل الصحفيين البشر؛ لأنها تواجه قصورًا حاسمًا بالنسبة للأدوار التي من الممكن أن تقوم بها على الصعيد الصحفي. وهناك شك كبير في أن الروبوتات ستكون قادرة على فهم الفوارق البسيطة أو الدقيقة أو قراءة ما بين السطور، وهي الخطوات الرئيسية في تحديد عناصر القصص الإخبارية. إلى جانب ذلك فالروبوتات لا تستطيع تحمل المسؤولية عن محتوى القصص الإخبارية التي تُعِدُّها؛ لأن هذه العملية تتطلب استقلالية أخلاقية، الأمر الذي لا يتوفر لدى الروبوتات. وبسبب كل ذلك، فإن دور الروبوتات سيبقى محدودًا في إطار مجالات محددة، من بينها تقديم معلومات وحقائق ذات طبيعة جافة، فضلًا عن دورها في جمع المعلومات من قواعد معينة للبيانات. وعليه، فإن هذه الفئة ليست قلقة على أوضاعها بسبب صحافة الروبوت، بل هي قلقة من الفساد الذي سيصيب الصحافة بسبب الأخطاء التي ستسببها الروبوتات كونها عاجزة عن القيام بالأدوار الصحفية كاملة.

- الفئة الثانية: تقف موقفًا عدائيًّا واضحًا من صحافة الروبوت، وتعمل على مقاومتها، وتعتبرها منافسًا لها، فضلًا عن رفضها لصحافة الروبوت باعتبار أنها ستكون سببًا محتملًا لتخريب نوعية الصحافة. وتنظر هذه الفئة بعين الريبة للأفكار التي يتم تداولها، والتي تشير إلى أن الإقبال على صحافة الروبوت سيتيح للصحفيين التركيز على كتابة مقالات وقصص أكثر عمقًا. ويؤكد أنصار هذه الفئة أن صحافة الروبوت لن تضيف إلى المؤسسات الإعلامية موارد جديدة. وعليه، فهذه الفئة ترفض بشكل قاطع إدخال الروبوتات إلى العمل الصحفي.

- الفئة الثالثة: تنظر إلى صحافة الروبوتات بشكل إيجابي، مع اعتراف مؤيدي هذه الفئة بأن هناك حدودًا لهذا النوع من الصحافة. وتقدِّم هذه الفئة سيناريوهات إيجابية من بينها أن صحافة الروبوت تساعد على ظهور قصص إخبارية منقحة، وتطوير أخبار متعمقة، وتتيح للصحفيين أوقاتًا إضافية للقيام بمهمات أكثر أهمية مما يمكن أن تقوم به صحافة الروبوت. غير أن هذه الفئة قد طورت بعض المقاومة بسبب الإحساس بأن هناك خطرًا على أوضاع الصحفيين في مؤسساتهم، وحين تتيقَّن هذه الفئة من أن هذا الخطر غير موجود، فإنها تتحول إلى فئة تتسم بعدم مقاومة القادم الجديد.

لقد عملت التكنولوجيا الحديثة على إدخال تحولات كبيرة في العمل الصحفي بعد ظهور الإنترنت، قادت في بعض الأحيان إلى اختفاء صحف كبيرة معروفة عالميًّا وإقليميًّا، ربما لأنها لم تُؤَقْلِم نفسها مع البيئة الجديدة، وبغيابها فَقَدَ كثير من الصحفيين وظائفهم. والمطلوب الآن من الصحفيين ملاءمة معرفتهم ومهاراتهم مع الأوضاع والمفاهيم الصحفية الجديدة، ومن بينها صحافة الروبوتات، من أجل الاستمرار. فالتكنولوجيا ابتُكرت لتحقيق أهداف معينة، وبالتالي لا يمكن تخيل العودة إلى الماضي، مع ما توفره التكنولوجيا من فرص كبيرة، يمكن تطوير الأداء الصحفي من خلالها، ومع كل يوم قد تسهم التكنولوجيا في تحولات جديدة؛ الأمر الذي يتطلب من الصحفيين عدم الانكفاء نحو الماضي بقدر التطلع نحو المستقبل من أجل الاستمرار.

صحافة الروبوت واللغة الإعلامية

ترتبط اللغة من حيث سماتها بالهدف والوظيفة التي تقوم بها. فهناك فروق واضحة بين اللغة الإبداعية من حيث هدفها ووظيفتها عن اللغة العلمية، وكذلك الحال بالنسبة للغة الإعلامية. فاللغة الإبداعية تهتم ببناء صورة جمالية تجعل من اللغة هدفًا بحد ذاته، إلى جانب وظيفتها في نقل رؤية مستخدمها حول الكون والناس والعلاقات والمشاعر، من خلال عملية منظمة للرسم بالكلمات على نحو يركز، وبدرجة عالية، على مكوناتها اللغوية. أما اللغة العلمية، فهي لغة المصطلح، تهدف إلى التصوير الذي لا يهتم بالجماليات بقدر اهتمامه بالوظيفة، فهي أقرب إلى الصورة "الأبيض والأسود" دون ألوان تضفي عليها حسنًا ورشاقة واهتمامًا بعناصر المحسنات البلاغية واللغوية. وهذا بالطبع لا ينفي عنها رقيها، وسلامتها، والاهتمام ببنائها، بحيث تعبِّر بوضوح عن وظيفة فكرية أو علمية غير مسطحة وعميقة من حيث أهدافها(29).

وفي زمن الاتصال ووسائله، وطبيعة خصائصه وتأثيره، برزت لغة الإعلام، التي تشكَّلت لتكون "لغة كل الناس"، فهي بالضرورة لغة وظيفية بالمقام الأول؛ هدفها معرفي تفسيري للمحيط وظاهراته، تخدم كل فئات المجتمع وأفراده على تشتتهم، وعدم تجانسهم، واختلاف خلفياتهم. هي لغة، في الأغلب، تقريرية سردية، التعبير من خلالها لا يخدم إلا قدرتها على توصيل المعلومة كما هي، وفي إطار موضوعي، يرتبط بحدود قدرة الإنسان على أن يكون موضوعيًّا أو دقيقًا. وقد سعى كثير من المؤسسات الصحفية والإعلامية لتطوير قوالب وأنماط وأساليب كتابية تسهم في خروج اللغة الإعلامية عن تقريريتها وجفافها من خلال المزج بين الإبداعية والوظيفية بشكل لا ينتقص من حياديتها ودقتها. وقد نجح بعضها في تطوير أنماط تخفف من جمود اللغة الإعلامية وإعطائها روحًا تؤثِّر في القارئ، وتجذبه إليها. ومن بين هذه المحاولات، على سبيل المثال لا الحصر، تطوير صحيفة وول ستريت جورنال لنمط إخباري يخرج الحالة الإخبارية من صيغها السردية إلى استخدام الوصف والأسلوب القصصي في عرض أحداثها. وكذلك نجحت قناة الجزيرة في استخدام أسلوب يجمع بين الإبداعية والوظيفية في تقاريرها الإخبارية خصوصًا خلال فترة "الربيع العربي" وما بعده. وقد شكَّلت اللغة الجديدة تطورًا واضحًا للخروج من لغة باهتة وجافة إلى لغة تتسم بالحيوية والجاذبية(30).

وفي حالة صحافة الروبوت، يخشى كثيرون أن نعود مجددًا إلى لغة جافة غير رشيقة وغير حيوية. فقد سعت إحدى الدراسات للمقارنة بين اللغة التي يكتبها الروبوت، وبين تلك التي يكتبها الصحفيون من وجهة نظر المستخدمين، حيث بيَّنت نتائجها أن اللغة التي يستعملها الروبوت هي لغة جافة ولا تتضمن صيغًا لأَنْسَنَة المحتوى الإخباري. ويعود السبب وراء هذه الصيغ اللغوية الجافة إلى أن المفردات التي يستخدمها الروبوت أكبر، لأنها تتضمن مفردات اللغة بالكامل (أكثر من مليون كلمة إنجليزية، على الرغم من أن الشخص المتعلم لا يستخدم أكثر من مئة ألف كلمة فقط).

أما الروبوت فهو مجبر على استخدام أكثر الكلمات ملاءمة وأكثرها تقليدية وكذلك أكثرها تكرارًا، وهذا يقود إلى جفاف أسلوبه في عرض الأخبار. علاوة على ما سبق، فإن المفردات التي يستخدمها الروبوت تكون محدودة بالتخصص الذي تدور القصة الإخبارية حوله، في حين أن الصحفي الإنسان يمكن أن يستخدم مفردات نادرة أو ربما غير متكررة كما يمكنه استخدام مفردات جاذبة بحيث يستطيع تطويع اللغة لتكون رشيقة وأكثر جاذبية وبالتالي يمتلك قدرة على توسيع سياقاتها ويُعَزِّز من حيويتها أكثر من الروبوت. يضاف إلى ذلك أن أسلوب الكتابة الأصيل وغير التقليدي هو ما يجعل الإنسان كاتبًا، وهو الأمر الذي يستحيل مطابقته في حالة الروبوت.

كما بيَّنت الدراسة نفسها، في مقارنتها بين قصة كتبها الروبوت وأخرى كتبها صحفي من وجهة نظر العاملين بالشأن المالي، أن الروبوت كان أسرع، وأسلوبه أقرب إلى لغة المجال المالي الذي تنتمي إليه القصة الإخبارية، في حين كانت القصة التي كتبها الصحفي أكثر إنسانية، لكنها أُعِدَّت بشكل أبطأ من الروبوت. وأظهرت النتائج أن القصة التي كتبها الروبوت قد قُيِّمت باعتبارها "موضوعية"، وتتسم "بوصف واضح"، وكذلك تتصف "بالدقة". أما القصة التي كتبها الصحفي فقد حصلت على السمات الآتية: "مكتوبة بشكل ممتاز"، "وسارة للقرَّاءة"(31).

ويشار هنا أيضًا إلى أن المهتمين باللغة الإعلامية يتوقعون أن يسود نمط إخباري بمستوى واحد، عندما يتصدى الروبوت لكتابة القصص الإخبارية، بغضِّ النظر عن طبيعة القصة الإخبارية سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو ربما تكون في إطار الاهتمامات الإنسانية. وهذا ربما يقود إلى العودة للماضي، الذي سعت كثير من وسائل الإعلام للخروج منه، من خلال العمل على كسر النمطية والصيغ التقليدية التي تتسم بالسردية، وابتكار لغة إعلامية تتسم بالحيوية والجمالية دون التأثير على دقة المضامين وحياديتها. وتشير بعض الأطروحات إلى أن أسلوب الروبوت في كتابة الأخبار يمكن تغييره من خلال إجراء تعديلات على الخوارزمية التي يعمل في ضوئها، ويسهم إعادة تصميم الخوارزميات في إمكانية توسيع المفردات التي من الممكن استخدامها وبذلك يمكن تجاوز النمطية والجفاف الذي تتسم به لغة الروبوتات(32).

ومن ثم، فإن البعض يرون أن هيمنة الروبوتات على العمل الصحفي مستقبلًا أمر غير ممكن التحقق لسببين رئيسيين، هما: عدم قدرة الروبوتات على الابتكار، كما أنها لا تستطيع الكتابة كإنسان. وفي الاتجاه الآخر، يجادل البعض بأن صحافة الروبوتات سيكون لها شأن مهم في المستقبل؛ لأن الخوارزميات يمكن تعديلها أو بناؤها بشكل تجعل الروبوتات قادرة على الابتكار على نحو ما، إلى جانب قدرتها على الكتابة بأساليب تتسم بالحيوية والجاذبية. لذا، علينا أن نتوقع أن الاستغناء عن بعض الصحفيين أمر ممكن، وقد تم بالفعل في بعض الحالات، حيث تم استبدال برامج التحرير الآلية بالمحررين، وسيتوالى إنتاج القصص الإخبارية بصورة أكبر من حيث الكم، ومن المتوقع أن يكون التركيز في المستقبل على جودة هذه القصص من حيث محتواها ولغتها.

صحافة الروبوت: الأبعاد المهنية والأخلاقية

علينا الاعتراف بأن التكنولوجيا كانت، وما زالت، وستبقى عاملًا جوهريًّا يؤثِّر بدرجة كبيرة في المسيرة الإعلامية والصحفية على امتداد تطورها التاريخي. فالصحافة وظروف إنتاجها وتوزيعها والتحولات التي طرأت عليها بصورة عامة، كانت قد تأثرت إلى حدٍّ كبير بالتطورات التكنولوجية على اختلاف أشكالها، والفترات الزمنية التي ظهرت خلالها. ومع دخول الخوارزميات مرحلة إنتاج الأخبار وتوزيعها واستهلاكها، بدأت تظهر تحولات لافتة في الهياكل التحريرية للمؤسسات الصحفية والإعلامية، إلى جانب الروتين الصحفي المعتاد في هذه المؤسسات.

ومع التطورات التكنولوجية والاجتماعية، تغيرت القيم والمسؤوليات المخصصة للصحافة والصحفيين وفقًا لذلك. ونظرًا للتقدم في تكنولوجيا توليد اللغة الطبيعية، وهي مجال للبحث في اللغويات الحاسوبية، أمكن إنتاج أعداد كبيرة من النصوص تلقائيًّا من البيانات المنظمة رقميًّا. هذه التحولات أدت إلى نشوء تحديات أخلاقية ومهنية مختلفة. وقد أمكن اكتشاف هذه التحديات على مستويات متباينة من بينها مستوى البحث عن البيانات، فضلًا عن أصالة الخوارزميات المستخدمة وموضوعيتها ومستوى شفافيتها، وطرق استخدام البيانات، ومدى إساءة الاستخدام، إضافة إلى مستوى القيم والمنطق المُضمَّنة في التعليمات البرمجية. يضاف إلى ذلك: التحديات الأخلاقية للمساءلة الخوارزمية مع التركيز على إعداد التقارير الإخبارية(33).

يشير دور قسطنطين (Dorr Konstantin) وكاترينا هولنبشنير (Kathrina Hollnbuchner) إلى أن دراسة البُعد الأخلاقي لصحافة الروبوت تعتمد على تحليل النظريات الأخلاقية لعلم الأخلاق، والنفعية، وأخلاقيات الفضيلة، والتعاقدية من أجل البحث في البعد الأخلاقي للصحافة الخوارزمية، والعمل على التقاط مجموعة متكاملة من التحولات، والتحديات المحتملة التي تواجهها أخلاقيات الصحافة. ويؤكد الباحثان أن دراستهما كشفت عن تحديات أخلاقية جديدة، وتحولات في المسؤولية عن إنتاج الأخبار في مجال الممارسة الصحفية، وكذلك في مجال بحوث الصحافة على مستوى الموضوعية والشفافية والسلطة، إلى جانب القيم الضمنية أو الصريحة. ويؤكد الباحثان أن ظهور الخوارزميات التي تبني الواقع في مجالات الحياة المختلفة، بالإضافة إلى التفويض التدريجي للوكالة الأخلاقية، وإضفاء الطابع المؤسسي على الخوارزميات، والنظر إلى الروبوتات كحالات مبدعة، تثير بلا شك تحديات أخلاقية ومهنية في مجال الصحافة. إلى جانب ذلك حددت الدراسة هذه التحديات التي فرضتها صحافة الروبوت في إطار مجالات متداخلة هي أخلاقيات الوسائل الرقمية والأخلاقيات الإلكترونية فضلًا عن أخلاقيات الصحافة(34).

كما أبرزت نتائج الدراسة أن هناك تحولًا كبيرًا قد لوحظ في مجال المسؤولية عن إنتاج الأخبار. ومع ظهور صحافة الروبوت، لم يعد الصحفي الإنسان هو الوكيل الأخلاقي الرئيسي في عملية إنتاج الأخبار، فقد أصبح يشاركه في عملية الإنتاج الإخباري وكلاء آخرون صحفيون وغير صحفيين من بينهم الخوارزميات، وجامعو البيانات، وتقنية توليد اللغة الطبيعية، ومقدمو البرامج والخدمة، والمؤسسة الإعلامية وغيرهم. لذا، فإن دور الصحفي الإنسان قد تراجع كوكيل أخلاقي مقابل تزايد أهمية دور المؤسسة ونظام الإعلام في هذا المجال. وبما أن الجهات الفاعلة غير الصحفية قادرة على استخدام تقنية توليد اللغة الطبيعية، فيصبح لديها إمكانية الوصول إلى جمهور على نطاق معين، وهذا بالطبع يقود إلى تحد آخر يتطلب بناء وتدوين مبادئ أخلاقية بحيث تشكِّل خلفية أخلاقية للجهات الفاعلة غير الصحفية المعنية. وهذا ينطبق أيضًا على المؤسسات الإعلامية، حيث يتعين عليها تطوير وتبني قواعد سلوك أخلاقية للصحافة الخوارزمية.

وتعود بعض التحديات الأخرى إلى التسلسل الهرمي داخل المؤسسة الإعلامية وقسم التحرير الذي تراجع دوره بسبب الطبيعة التقنية للصحافة الخوارزمية، فضلًا عن الأدوار التي يقوم بها مقدمو الخدمات الخارجيين. ومع ذلك، يمكن أن تكون التحيزات مشكلة أخلاقية فيما يتعلق بالبيانات أو معالجتها، لذلك تنشأ الأسئلة القانونية والتنظيمية في هذا المجال. كما أن العلاقة بين الصحفيين والمبرمجين في أثناء عملية إنتاج الأخبار تشكِّل موضوعًا آخر يجب أن يخضع للبحث والمناقشة، كون هذه العلاقة مهمة في فهم أفضل لهياكل السلطة التي تحكم عمل الصحافة الخوارزمية. ومع أن التجارب تشير إلى أن الجمهور لا يكاد يميز بين المحتوى الذي يُعِدُّه بشر، والمحتوى الذي يتم إنتاجه آليًّا، إلا أن بحث دوره في الإطار الأخلاقي مطلوب، رغم أنه ربما لا يمثِّل المستوى المناسب للمطالبة بالمسؤولية الأخلاقية بسبب عدم قدرته على اكتشاف ما الذي ينتجه البشر وما الذي ينتجه الروبوت بالنسبة للمحتوى الذي يتم إعداده(35).

ويؤكد كايلا ماثيوس (Kayla Matthews) أن صحافة الروبوت أصبحت حاضرة وبطريقة قابلة للقياس بشكل ملموس. ومن جهة أخرى، وكي يتم مواجهة التحديات الأخلاقية المتأصلة في الصحافة الخوارزمية، هناك العديد من الأسباب التي تجعل صحافة الروبوت غير قادرة على أن تحلَّ محل الصحفيين كليًّا. والأكثر من ذلك، لا تستطيع الصحافة المؤتمتة تصنيع الجو المطلوب لإلهام ردود أفعال عاطفية عند القرَّاء مثل الضحك، أو استثارة الخوف أو التحفيز لعمل معين. وهذا يعني أن الروبوتات لا يمكن أن تكون مبدعة، ولا تمتلك القدرة على الخروج إلى الميدان وإجراء المقابلات مع الناس، وعليه، فالمؤسسات، وليس روبوتاتها، هي من يجب أن تكون مسؤولة عن أية أخطاء محوسبة. كما يظهر في الأفق تحدٍ آخر يتمثَّل في عدم قدرة الروبوتات على التمييز بين البيانات الواردة من الأخبار والبيانات القادمة من الإعلانات وحملات الترويج والتسويق وبذلك يقع الخلط في المعلومات الواردة(36).

وترى الباحثة سينا الجزائري (Sena Aljazairi) أن الفكرة الأساسية وراء صحافة الروبوت هي تحرير الصحفيين من مهامهم الروتينية، مثل العمل المتكرر والممل لتوليد تقارير أرباح الشركات. وعلى الصحفيين البشر أن يقوموا بدورهم كاملًا في وصف المصادر المحددة التي يجب على الروبوتات من خلالها جمع بياناتها لمنعها من تضمين مصادر غير ذات صلة عند جمعهم البيانات وكتابتها إخباريًّا(37).

وفي دراسة بحثت في استنباط تجارب الصحفيين المحترفين، ممن كان لهم خبرة مع المورِّدين في مجال برامج الكتابة الخوارزمية، والتي هدفت إلى تقديم رؤية حول كيفية استخدام كبار موردي الأخبار والمعلومات حاليًّا للتشغيل الآلي، والمبادرات التي يمكن أن نتوقع ظهورها في المستقبل القريب. أظهرت الدراسة أن تجربة تومسون رويترز، تتضمن مبادرات استخدام الأتمتة لتغطية أحداث كان من غير الممكن تغطيتها بطريقة أخرى، مثل بعض الألعاب الرياضية في الولايات المتحدة، واستخدام التكنولوجيا ليس لإنتاج نصوص وحسب، بل لإنتاج تقارير سمعية بصرية قصيرة. أما في المؤسسات الإخبارية الأخرى الممثلة في الدراسة، حيث كان التركيز على التحليل والترفيه أكثر، بينما الاهتمام في التقارير السريعة والواقعية أقل، كان التشغيل الآلي أقل وضوحًا وبدرجة كبيرة. وإلى جانب هذه الاستنتاجات، سعت الدراسة إلى توثيق وتحليل أحكام الصحفيين بشأن إمكانات وحدود الأتمتة في سياق تنوع الأدوار التي تؤديها، والمخرجات التي تنتجها، والآثار الأخلاقية والمجتمعية الأوسع التي يمكن ظهورها. وقد رصدت الدراسة ستة قيود رئيسية للصحافة الآلية، هي(38)

1. اعتمادها على قواعد بيانات منفردة ومعزولة.

2. اعتمادها على بيانات كمية أحادية البُعد.

3. صعوبات التحقق من تلك البيانات.

4. عدم وجود زوايا إنسانية في النصوص التي يتم إنشاؤها.

5. اعتمادها على نماذج؛ الأمر الذي يتيح التنبؤ سلفًا بمقدماتها.

6. صعوبة العمل بشكل خلاق مع البيانات في أثناء عملية التركيب (النمذجة).

ويؤكد المشاركون في الدراسة، أن التكنولوجيا المستخدمة لا تزال في مرحلة مبكرة نسبيًّا من التطور، وقد يتم تخفيف العديد من هذه القيود في نهاية المطاف استنادًا إلى ما تفرزه التجربة. ومع ذلك، ترى الدراسة أنه من غير المرجح أن يتغلب التطوير التقني على ما يُعتقد بأنه يمثِّل قيودًا أساسية أمام الصحافة المؤتمتة. فعلى سبيل المثال، قد تكون تدفقات البيانات الثانوية على مستوى ما وراء السطح "Meta" قادرة على توفير خلفية تاريخية وحقائق ثابتة للقصة الإخبارية، لكنها ربما تكون أقل قدرة على توفير سياق معاصر ضروري لكثير من التقارير الإخبارية. إلى جانب ذلك، فإن صحافة الأتمتة قد لا تكون قادرة على تحليل المشاعر والحقائق الناعمة حول الموضوعات، فضلًا عن فهم جميع الفروق الدقيقة في التعبير البشري التي تساعد على تحديد كيفية حدوث الأحداث، وكيف يتم الإبلاغ عنها، أو التعرف باستمرار على زاوية الأخبار الأكثر أهمية "السطر العلوي أو المقدمة"(39).

وخلصت الدراسة إلى أن الصحافة المؤتمتة سيتم استخدمها بشكل متزايد لإنتاج تقارير واقعية بسيطة، لزيادة السرعة التي يتم بها نشر مثل هذه التقارير، لتغطية موضوعات رياضية ومالية في نطاق محدد، إلى جانب إعادة إصدار أو تكييف المحتوى الخاص لتلائم أجهزة معينة (مثل الهواتف المحمولة) أو الأذواق الفردية، أو مساعدة الصحفيين على اكتشاف الأخبار. كما خلصت الدراسة إلى أن الصحافة المؤتمتة قد تجلب في المستقبل منافع مالية للمؤسسات الإخبارية، غير أن ذلك لن يكون على المدى القصير. وقدم المشاركون في الدراسة بعض الأفكار حول الأسئلة الأخلاقية التي تنشأ عن مثل هذه التغييرات في إنتاج الأخبار. ومع الاعتراف بإمكانية الأتمتة في الحد من التحيز وعدم الدقة، فقد رأوا أيضًا تحديات في الحفاظ على معايير التحقق والتوازن وتحديد من، أو ما الذي ينبغي أن يخضع للمساءلة عن المنتج الإخباري النهائي.

وحدد "دور" في دراسته، "رسم خريطة مجال الصحافة الخوارزمية (Mapping the field of Algorithmic Journalism)، الإمكانيات التكنولوجية والقيود المفروضة على توليد اللغة الطبيعية في مجال الصحافة. وقد تم تعريف تطبيقها الصحفي كصحيفة خوارزمية، واعتبار توليد اللغة الطبيعية بوصفها الابتكار التقني المركزي الذي يمكِّنها من أداء عملها. إن القيود التقنية المحددة، وكذلك اعتماد توليد اللغة الطبيعية على البيانات المنظمة، لا يغيِّر من حقيقة أن اللغة الطبيعية قادرة على أداء مهام مؤسسية للصحافة المهنية على المستوى التكنولوجي(40).

وبالتالي، فإن النقاش، في المجال التكنولوجي، يضع الأساس بشكل رئيسي لتحليل التحديات القادمة لأبحاث الصحافة عند تقاطع البيانات الكبيرة، ومن أمثلة ذلك تحول الأدوار الصحفية قبل وأثناء وبعد إنتاج المحتوى، والتحديات الأخلاقية والقانونية المرافقة لإنتاج الأخبار التي تبحث في مسائل مثل الدقة والتوازن والتحقق من المعلومات، فضلًا عن معرفة مصدر هذه المعلومات وغيرها من القضايا التي قد تثير تساؤلات قانونية أو مهنية أو أخلاقية، أو الأسئلة التي يمكن أن تُطرح حول وسطاء جدد في الصحافة مع زيادة الاعتماد على البيانات.

ونظرًا لأن الإنتاج الإخباري لا يزال يمثِّل نشاطًا ربحيًّا، فمن الواضح أن الناشرين يسعون لخفض التكاليف من جهة، والتطلع نحو تقديم خدمة إخبارية تلبي رغبات الجمهور من جهة أخرى. وقد أظهرت الدراسة أن سوق الصحافة الخوارزمية ما زالت صغيرة، غير أن مقدمي الخدمة يضغطون بقوة على وسائل الإعلام التقليدية لإدماج الصحافة الخوارزمية في بنائها المؤسسي باعتبار أن نظام توليد اللغة الطبيعية غير مكلف مقارنة بالكلف التي تتحملها هذه المؤسسات عند استخدامها للصحفيين البشر. فاستخدام الصحافة المؤتمتة يُدِرُّ ربحية أعلى من وجهة نظرهم، إلى جانب إمكانية إنتاج الأخبار بلغات متعددة وهذا يقود إلى الوصول إلى جمهور أكبر.

خلاصة واستنتاجات 

بدا واضحًا أن صحافة الروبوت أو الصحافة الخوارزمية أو المؤتمتة لم يعد مجالًا متوقعًا، بل أضحى من المجالات المهمة التي بدأت تأخذ لها مكانًا في العملية الصحفية. وفي السنوات القليلة الأخيرة، غيَّرت الحوسبة المنتشرة في كل مكان المشهد الصحفي؛ إذ أثَّرت إلى حد لا يستهان به على النماذج الإخبارية التقليدية في جمع الأخبار وتصنيفها وكتابتها فضلًا عن سرعة إعدادها ونشرها على مستوى العالمي. كما أعادت توازن القوة النسبية للصحفيين والجمهور، وسارعت بنشر المعلومات على نطاق واسع لجميع أنحاء العالم.

وعلى الرغم من أن الأنماط الصحفية التقليدية بدأت تتراجع، فإن الخوارزميات قد بدأت في تزويد الصحفيين بسلسلة من التقنيات الجديدة التي يمكن من خلالها متابعة اهتمامات الجمهور. ووسعت مصادر البيانات العامة والخاصة بشكل مطَّرد الأمر الذي حفز المدافعين عن الشفافية نحو طلب المزيد. وفي الوقت نفسه، تقدم الصحافة الخوارزمية طريقة جديدة للمساعدة في الحفاظ على دور الصحافة في الرقابة الذي يُعَدُّ من أهم الأدوار التي تقوم بها الصحافة في المجتمعات الديمقراطية. ويشمل هذا الدور مراقبة أداء مؤسسات المجتمع من خلال التحقيقات التقليدية والاستقصائية إلى جانب التغطيات اليومية للمؤسسات الرئيسية داخل المجتمع. ومع انهيار نماذج العمل الصحفي التقليدي، لا يمكن للصحافة الخوارزمية أن تحل مكان الصحافة المعاصرة بصورة كلية، ولكن يمكنها أن تخلق أدوات جديدة قد تقلِّل من الكلف، وتستفيد بشكل أفضل من بيئة المعلومات الجديدة، وتساعد في النهاية على الحفاظ على العمل الرقابي المنوط بالصحافة وخصوصًا في أثناء التغيرات التكنولوجية المتسارعة. 

وبناء على ما سبق يمكن تقديم الاستنتاجات الآتية:

1. تُظهر الدراسات أن صحافة الروبوت أصبحت واقعًا يجب التعامل معه باعتباره ظاهرة لا يمكن تجاهلها أو التقليل من أهميتها، كما يجب عدم المبالغة في الفرص التي تقدمها، أو التحديات التي تفرضها فما زالت صحافة الروبوت في بداياتها، ويصعب إطلاق أحكام مطلقة بشأن الفرص التي من المحتمل تقديمها والتحديات التي تفرضها. 

2. لا شك بأن الاتجاه نحو أتمتة الصحافة سيقود إلى تغييرات جوهرية في العملية الصحفية من حيث بناؤها، والمسؤوليات المنوطة بعناصرها، والأدوار التي من الممكن القيام بها، إلى جانب تأثيراتها على اللغة الإعلامية والصحفية، والجوانب المهنية والأخلاقية التي تحكم العمل الصحفي. 

3. تُظهر الأدبيات أن المجالات التي تغطيها صحافة الروبوت ما زالت محددة؛ إذ تهيمن على نشاطاتها التغطية الإخبارية المتعلقة ببعض الشؤون المالية والرياضية وأحوال الطقس. وهناك توقعات محتملة بأن تتوسع دائرة المجالات التي تغطيها صحافة الروبوت في مجال التغطية الإخبارية. 

4. يؤكد العديد من مصادر وسائل الإعلام التي تُظهر حماسة للدور الذي تقوم به صحافة الروبوت، أن التوجه نحو استخدام الخوارزميات في العمل الصحفي، لا يستهدف الاستغناء عن الصحفيين، بقدر ما يتيح لهم تقديم نشاط صحفي متميز، من خلال توفير الوقت لهم للتصدي للقضايا المهمة. 

5. يؤكد العديد من مصادر وسائل الإعلام التي بدأت استخدام صحافة الروبوت أن توجهها مرتبط بتقديم خدمة إخبارية لعملائها، مع التطلع لأن تضيف صحافة الروبوت موارد جديدة لهذه المؤسسات. 

6. تؤكد الأدبيات أن هناك حدودًا لقدرات صحافة الروبوت، فمن الممكن أن تقوم بدور في المجال الإخباري، لكنها لن تكون قادرة على القيام بالدور نفسه في مجال التحليل والتحقيق الاستقصاء.

7. بدخول صحافة الروبوت مجال العمل الصحفي، من المتوقع أن يؤدي ذلك إلى تحديات في الجوانب المهنية والأخلاقية للعمل الصحفي، حيث تتبدل الوكالة الأخلاقية من الصحفيين البشر إلى الصحفيين الآليين. وهذا يتطلب وضع مواثيق أخلاقية جديدة تتحمل فيها المؤسسة ما يترتب على أخطاء الدقة والتوازن والشفافية وتضارب المصالح وغيرها.

8. يرى البعض أن صحافة الروبوت لا تستطيع تشكيل ردود أفعال عاطفية لدى الجمهور مثل الضحك، أو استثارة الخوف أو التحفيز لعمل معين. وهذا يعني أن الروبوتات لا يمكن أن تكون بنفس الدرجة التي يكون فيها الإنسان مبدعًا، ولا تمتلك القدرة على الخروج إلى الميدان وإجراء المقابلات مع الناس. في حين يرى فريق آخر أن الخوارزميات قادرة على تشكيل حالة مبدعة في حدود ما، في مجال صحافة الروبوت، بحيث تكون قادرة على التمييز بين البيانات ومصادرها. 

9. بيَّنت الدراسات أن مقدمي الخدمة يضغطون بقوة على وسائل الإعلام التقليدية لإدماج صحافة الروبوت في بنائها المؤسسي، تحت ذريعة أن نظام توليد اللغة الطبيعية غير مكلف مقارنة بالكلف التي تتحملها هذه المؤسسات عند استخدامهم للصحفيين البشر. 

10. لم ترصد الدراسة أي نشاط صحفي حقيقي في هذا المجال في المنطقة العربية. وهذا يدفع باتجاه التنبيه بأخذ التطور التكنولوجي في مجال صحافة الروبوت بجدية أكبر، وفي إطار فلسفة واضحة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*د. محمد نجيب الصرايرة، أستاذ الاتصال الجماهيري بكلية الإعلام جامعة البترا في الأردن.

شروق طومار، باحثة في علوم الإعلام والاتصال.

نبذة عن الكاتب

مراجع

(1)      Severin, Werner J. and Tankard JR., James W. Communication Theories Origins, Methods, and Uses in the Mass Media, Fifth Editions, (Addison Wesley Longman, New York, USA, 2000), p. 280-379.

(2)      Islas, Octavio and Juan David Bernal, “Media Ecology: A Complex and Systemic Metadiscipline”, MDPI, 2016, (Visited on 5 July 2018).اضغط هنا 

(3)      Levinson, Paul, “McLuhan and Media Ecology, Proceedings of the Media Ecology Association”, Vol. 1, 2000, (Visited on 2 July 2018): http://www.media-ecology.org/publications/MEA_proceedings/v1/levinson01.pdf

(4)    Ibid.

(5)      Murray, Richard M. A, Li, Zexiang and Sastry, Shankar S. A Mathematical Introduction to Robotic Manipulation, (University of California, Berkeley, USA, 1994), p. 1. (Visited on 4 May 2018):  https://www.cds.caltech.edu/~murray/books/MLS/pdf/mls94-complete.pdf

(6)       Agarwall, Akanksha, Shahin, Zeba and G. Michael, "Effective Automatic Robot Control System to Education Social Cause – Library System," International Journal of Advanced Research in Computer Science and Soft Engineering, Vol. 3, Issue 4, 2013, p. 66, (Visited on 5 June 2018):https://pdfs.semanticscholar.org/3c48/692c9edc2797a9b191b787e9b3036608a518.pdf

(7)      Murray, Richard M. A, Li, Zexiang and Sastry, Shankar S. A    Mathematical Introduction to Robotic Manipulation, op. cit.

(8)   Aljazairi, Sena, Robot Journalism: Threat or an Opportunity, Master thesis, School of Humanities, (Orebro University, Sweden, 2016), p. 4,  (Visited on 20 May 2018):https://www.diva-portal.org/smash/get/diva2:938024/FULLTEXT01.pdf

(9)      Thurman, Neil, Dorr Konstantin, and Kunert Jessica, "When Reporters Get Hands-On With Robo-Writing: Professionals Consider Automated Journalism's Capabilities and Consequences", Digital Journalism, 2017, p. 1. (Visited on 14 May 2018):     http://dx.doi.org/10.1080/21670811.2017.1289819

(10)    Hamilton, James T. & Turner, Fred, "Accountability through Algorithm: Developing the Field of Computational Journalism”, Paper Presented at the Summer Workshop, 2009, p. 27-41. (Visited on 16 May 2018):http://web.stanford.edu/~fturner/Hamilton%20Turner%20Acc%20by%20Alg%20Final.pdf

(11)    Ibid.

(12)    Caswell, David & Dorr, Konstantin, Automated Journalism 2.0: Event-driven narratives. From simple descriptions to real stories, Zurich Open Repository and Archive, (University of Zurich, 2017), p. 2-3. (Visited on 4 May 2018):   http://dx.doi.org/10.1080/17512786.2017.1320773

(13)    Aljazairi, Robot Journalism: Threat or an Opportunity, op, cit.

(14)    Al Johri, Han, Eui-Hong and Mehta, Dhrumil, “Domain Specific Newsbots”, CJ 30 September– 1 October 2016, Stanford, CA, USA, (Visited on 15 June 2018):      file:///C:/Users/melsarayrah/Desktop/Newsbots.pdf

(15)    Moses, Locia, “The Washington Post’s Robot Reporter has Published 850 Articles in the Past Year”, 2017, (Visited on 4 July 2018): https://digiday.com/media/washington-posts-robot-reporter-published-500-articles-last-year/

(16)    Fanta, Alexander, “Putting Europe’s Robots on the Map: Automated Journalism in News Agencies, Reuters Institute for the Study of Journalism, Fellowship Paper, (University of Oxford, 2017), p.4, (Visited on 9 June 2018): اضغط هنا 

(17)    Ibid. p. 4

(18)    Ibid. p. 4

(19)   Linden, Carl-Gustav, “Algorithms for Journalism: The Future of News Work”, op, cit.

(20)    Marr, Bernard, "Big Data and Robots - Together They Might Challenge You for Your Job" KPI Library, 2013, (Visited on 5 May 2018):http://kpilibrary.com/topics/big-data-and-robots-together-they-might-challenge-you-for-your-job

(21)    Grint, K. & Woolgar, S. The Machine at Work: Technology, Work and Organization, (Polity Press, Cambridge, 1997), p. 165.

(22)    Linden, Carl-Gustav, “Algorithms for Journalism: The Future of News Work”, op, cit.

(23)    “The Washington Post Robot Reporters has Published 850 Articles in the Past Year”, digiday, 14 September 2017, (Visited on 15 May 2018):

https://digiday.com/media/washington-posts-robot-reporter-published-500-articles-last-year/ 

(24)    Linden, Carl-Gustav, “Algorithms for Journalism: The Future of News Work”, op. cit.

(25)    Ibid.

(26)    Hamilton, James T. & Turner, Fred, “Accountability through Algorithm”, op. cit.

(27)  Linden, Carl-Gustav, “Algorithms for Journalism: The Future of News Work”, op. cit.

(28)    Daewon, Kim and Kim Seongcheol, “Newspaper Journalists' Attitudes toward Robot Journalism”, Telematics & Informatics, Vol 35, Issue 2, 2018, p. 340-357 (Visited on 9 May 2018):https://web.b.ebscohost.com/ehost/detail?vid=18&sid=c2c1af0b-5b3f-48c3-a383-40651893b25f%40sessionmgr103&bdata=jnNpdGU9ZWhvc3QtbgI:

(29)    الصرايرة، محمد نجيب، العلاقات العامة: الأسس والمبادئ، (مكتبة الرائد العلمية، عمَّان الأردن، 2017).

(30)     المرجع السابق.

(31)    Miroshnicheko, Andrey,Robo-Journalism: TheThird Threat”, Conference Paper, York-Ryerson Future Communications Conference, At York University, 2016, (Visited on 24 May 2018): اضغط هنا

(32)    Ibid.

(33)    Dorr, Konstantin Nicholas and Katharina Hollnbuchner, Digital Journalism, Vol. 5, Isuue:4, 2017, (Visited on 13 May 2018):          https://www.tandfonline.com/doi/abs/10.1080/21670811.2016.1167612

(34)    Ibid.

(35)    Ibid.

(36)    Aljazairi, Robot Journalism: Threat or an opportunity, op. cit.

(37)    Ibid.

(38)    Thurman, Neil, Konstantin Dorr, and Jessica Kunert, When Reporters Get Hands-on With Robo-Writing: Professionals Consider Automated Journalism’s Capabilities and Consequences Digital Journalism, 2017, (Visited on 28 May 2018): http://dx.doi.org/10.1080/21670811.2017.1289819

(39)    Ibid.

(40)    Dorr, Konstantin Nicholas,Mapping the field of Algorithmic Journalism”, Research Gate, 2015, (Visited on 28 June 2018):  https://www.researchgate.net/publication/282642995