*عبد الفتاح بنشنَّة، *إدريس كسيكس،*دومينيك ماركيتي
تُعَدُّ الدراسة جزءًا من المشروع البحثي المشترك بين مركز الجزيرة للدراسات وجامعة كامبريدج، والذي يتناول "الإعلام في مراحل الانتقال السياسي: الحالة المغربية نموذجًا". وتبحث الدراسة تاريخ الصحافة غير الحزبية وسياقها الاقتصادي والسياسي بالمغرب، والصعوبات التي تواجهها عند محاولة التوسع باتجاه جمهورها.
مقدمة
تَعْقِد الدراسات الأكاديمية الدولية المتاحة حاليًّا مقارنة بين وضع وسائل الإعلام في المغرب من جانب وبين نظيراتها إما في دول ما بعد الاتحاد السوفيتي (حيث المزيج بين السيطرة والاستثمار الخاص دونما تأثير في البناء الهيكلي للقوة)، أو في دول جنوب أوروبا في أعقاب سقوط الديكتاتورية (حيث ضعف المهنية وقوة تدخل الدولة لا لإرساء قواعد ناظمة، بل لترسيخ التبعية الاقتصادية). وبالنظر إلى الافتقار لمادة بحثية وفيرة عن الحالة المغربية؛ فإن هذه الدراسة تنظر في المكونات المعقدة لمؤسسات الصحافة من حيث تاريخها، وسياقها الاقتصادي والسياسي، وهي نظرة مشفوعة بتحليل تفاعلات القوى واستراتيجيات الفاعلين الإعلاميين وخلفياتهم.
أما الشق الميداني من البحث فيركز على الصحف والمجلات ذات الملكية الخاصة وعلى الفاعلين الخُلَّص (أي الكيانات التي تقتصر على الفضاء الافتراضي) ممن خرجوا للنور منذ منتصف تسعينات القرن المنصرم في صورة: (أ) الاقتصاد السياسي لمؤسسات الصحافة؛ و(ب) الفئات القليلة المحتكرة المحيطة بالفضاء الإعلامي وما يرتبط بها من تنظيمات وأنماط السيطرة الاقتصادية؛ و(ج) التوزيع الاجتماعي لمالكي الصحف ومديريها.
وبالرغم من أهمية ما هو على المحك (وربما ترتيبًا عليه)، فإن البحث العلمي الذي يستهدف وسائل الإعلام الإخبارية في المغرب لا يزال محدودًا، لاسيما الأبحاث التي تناولت التغييرات التي شهدتها تلك الوسائل منذ تسعينات القرن الماضي. وللحقيقة، فإنه بالرغم من تناول تاريخ الصحافة المغربية في العديد من الدراسات (1) على غرار دراسات التلفزة (2)، إلا أن صور الحوار المعاصرة لاقت حظًّا ضئيلًا من الدراسة والبحث باستثناء شهادات المشاركين (3)، أو التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية (4)، أو صور الحوار المحفزة أحيانًا لكنها لا تستند إلى تحقيقات أو استقصاءات (5). ولعل هذا يعلِّل نمطًا معياريًّا اعتياديًّا معينًا لهذا النوع من الأدبيات البحثية، وهو نمط مقصور في الغالب على قياس مستوى "الدَّمَقْرَطَة" في وسائل الإعلام المغربية. علاوة على ذلك، ثمة منهجيات أخرى نظرية مسيطرة لا تُعِينُنَا على توصيف التعقيد الذي يعتري مؤسسات الصحافة وطرائقها التشغيلية ومشكلاتها الملحَّة المتصلة بالقوى المسيطرة على المشهد. فمثلًا، تميل الأعمال البحثية التي تتناول علم التحول السياسي (Transitology) إلى النزعة التطورية، أي الاعتقاد في "التقدم" الممكن وفي التغييرات التي تصاحب أي "تحول ديمقراطي" حتمي. وبالمثل، يُروَّج لمفهوم التهجين في كتابات بعض المحلِّلين (6) باعتباره بديلًا عساه أن يتيح لنا دراسة أسلوب أداء مختلف النظم السياسية الوطنية في دول مثل المغرب.
وبعيدًا عن الاعتماد على تلك الدراسات ومناحيها اعتمادًا مفرطًا وفق النمط المعياري الاعتيادي المذكور آنفًا، أو الاعتماد على أطر تأويلية عامة أو متمحورة حول الذات العِرقية، فإن البحث (7) يميل إلى تحليل المشهد الصحفي المغربي منذ تسعينات القرن الماضي، مُسْتَعِينًا في سبيل ذلك بأدوات علم الاجتماع العلائقي بغية النظر في شركات الخدمات الإخبارية واستعراض اعتمادها القوي على المجالين الاقتصادي والسياسي. وهذا المنظور العلائقي يحيل -في جانب منه- إلى الأعمال التي تناولت نظرية مجالات الحراك البشري؛ وهي النظرية التي أوجدها بيير بورديو (Pierre Bourdieu) (8)، فيما يحيل في جانبه الآخر إلى الأعمال التي تركز على الاقتصاد السياسي لوسائل الإعلام (9). كذلك يُعَوِّل هذا البحث على نظرية الاقتصادي، ألبرت أوتو هيرشمان (Albert Otto Hirschman)، في كتابه "الخروج والصوت والولاء" (Exit, Voice and Loyalty (1970))؛ إذ تتيح لنا استقصاء السلوك المعتبر عقلانيًّا لمختلف أصحاب الشأن فيما يتصل بتفاعلهم مع الفاعلين الاقتصاديين، والقوى ذات الصلة بذلك التفاعل، ومحله. وإن شئنا الإيجاز فسنقول: إن مفهوم المجالات مفهوم مفيد عند النظر في الإطار البنيوي حتى يتسنى رسم صورة للمراكز النسبية للفاعلين والمؤسسات في مهنة الصحافة بالمغرب من جانب، وحتى تتسنى إعادة صياغة العلاقة الوثيقة بين هذا الفضاء والسياقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية من جانب آخر. هنا تنهض المجموعة الثانية من المصادر بدور مصدر الإلهام عند السعي إلى فهم المنطق الاقتصادي والسياسي المستخدم فيما يتصل بأسلوب عمل "مؤسسات الصحافة" في المغرب (10).
ذلكم التحليل المبدئي للصحافة الورقية والإلكترونية غير المتخصصة* (ومديريها) يدرس خمس مشكلات رئيسية؛ يرتبط أولها بتاريخ الصحافة غير الحزبية وطرح المشكلات الاجتماعية والتظاهرات السياسية على صفحاتها منذ الاستقلال؛ وتستكشف المشكلة الثانية التوسع الهائل في حجم الأخبار التي تقدمها الصحافة منذ فترة التسعينات، وما تبعها من صحافة إلكترونية، لاسيما منذ عام 2011، مع التأكيد على أن هذه الزيادة في العناوين -بحد ذاتها- ينبغي ألا تخفي السمات المميزة لهذا السياق، علمًا بأنها سمات متسقة تاريخيًّا. أما المشكلة الثالثة فتصف سوق عمل مؤسسات الصحافة، التي تتسم باستمرارية مكانية بين قطبين: الحانوت (أي متجر البقالة) وتكتل وسائل الإعلام (والمسارات المهنية لكبار مسؤوليها التنفيذيين). وهذا يبيِّن أيضًا أن استمرارية المنشورات الصحفية رهين بالتوازن بين المعيارين السياسي والاقتصادي، واحترام "خطوط حمراء" بعينها لا يُسمح بتجاوزها (الملك، والصحراء، والإسلام). وأما القضية الرابعة فتركز على الأثر المباشر للثُّلة المحتكِرة لسوق الإعلان التجاري في عمل صناعة الصحافة، وهي ثلة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالقوى الرئيسة. وأخيرًا، تتمثَّل القضية الخامسة في تحولات الفضاء الاجتماعي بالمغرب، والتي تتيح لنا تعليل الصعوبات التي تواجهها الصحافة المغربية عند محاولة التوسع باتجاه جمهورها.
منشأ الصحافة غير الحزبية: استحداث الأخبار "الناقدة"
إن خضوع الفضاء الصحفي في المغرب لقوة المركز لا يزال خضوعًا قويًّا، لكنه اختلف أيما اختلاف منذ التسعينات؛ أي منذ انتهاء الحرب الباردة ونهاية حكم الملك الحسن الثاني. بعد نيل المغرب استقلاله في العام 1956، تشكَّلت البنية الصحفية أساسًا بالاستتباع إلى الأحزاب السياسية الرسمية، وظلت كذلك حتى العام 1971 بفعل هيمنة المجموعة الفرنسية "ماص" (Mas)، ناشر صحيفتي (Le Petit Marocain) و(La Vigie Marocaine)، تحت السلطة المباشرة للبلاط الملكي (11). مضت مجموعة "ماروك سوار" (Maroc Soir) في هذه المنظومة من الصحافة "الرسمية" بعد ذلك، فنشرت الصحيفة اليومية (Le Matin). ثم جاء تأسيس هيئة وطنية للصحافة عرفت باسم "وكالة المغرب العربي للأنباء" (MAP) في العام 1959(12) بالإضافة إلى محطات الإذاعة وقنوات التلفزة المملوكة للدولة. يضاف لما سبق أن الرقابة لم تكن مباشرة للغاية فحسب حتى التسعينات، بل إن المعلومات الواردة من المنافذ الصحفية الحكومية كانت تعتبر غير ذات ثقة في المقام الأول، لأنها تخضع للرقابة الشديدة وتميل إلى التعليق دون التقارير الاستقصائية في ظل تقليد صحفي يجنح للنزعة الأدبية وصحافة الرأي (13).
ورغم ذلك، فإن هذا الخضوع في عالم الصحافة الإخبارية للسلطة السياسية وسلطة الدولة في المغرب تغيَّر تغيرًا كبيرًا حسب زمن النشر ونوع الوسيلة (14)؛ فبعد الاستقلال ظهرت المعارضة في المطبوعات والمجلات الثقافية والفكرية الصادرة بالعربية وبالفرنسية، فنهضت بدور مهم في الحوارات العامة حتى مطلع السبعينات (15)؛ ومن ذلك صحف ومجلات "لام ألف" (1988-1966)، و"سوفل" (Souffles) (1966-1972)، و"الأساس" (1977–1995) و"كلمة" (1986–1989). غير أن المطبوعات غير الحزبية -وهي ضئيلة العدد أصلًا- تسلَّط عليها سيف رقابة السلطات، ومنها الصحيفة اليومية (Maroc Informations) (1960–1966) التي ركزت في جُلها على الشأن الاقتصادي؛ والصحيفة الأسبوعية اليسارية "البلاغ المغربي" (1984-1981)؛ ولم يكن مستغربًا أن يطول سيف الرقابة العديد من المطبوعات الساخرة، مثل: "أخبار السوق" (1981-1975)، و"الهدهد" (1981- 1982). ولعل مصطفى العلوي، الصحفي مؤسِّس "الأسبوع" (1965)، هو الاستثناء الذي يثبت القاعدة ولا ينفيها؛ إذ تمكن من البقاء من خلال تغيير عنوان الصحيفة المسجلة باسمه عقب كل حظر أو ضربة رقابية (16).
وبداية من أواخر الثمانينات، تجلى في المشهد المغربي تمازج بين عمليتين: الأولى: زيادة الاشتراطات الدولية المرتبطة بأمور من بينها حقوق الإنسان؛ والثانية: ازدياد التحرر الاقتصادي في المغرب، مما أدى بالقيادات السياسية المغربية لأن تدرك -وإن بصفة تدريجية-(17) أنها بحاجة إلى استحداث صورة ذهنية لدولة تسعى إلى التقدم صوب "الحداثة الليبرالية". وتزامن ذلك مع تطورات أسهمت في الاتجاه ذاته، وقد تمثلت في: انهيار الكتلة السوفيتية؛ وانعقاد القمة الفرنسية-الإفريقية في "لابول" التي كانت إيذانًا بانتهاء الدعم الفرنسي للديكتاتوريات ومطالبة المغرب بتحسين "صورته الديمقراطية"؛ واندلاع حرب الخليج الأولى التي أبدى خلالها الملك الحسن الثاني دعمًا للتدخل الأجنبي (ونُظِر إليه في المغرب باعتباره "أمارة ضعف")؛ والإضراب العام في ديسمبر/كانون الأول 1990 الذي نظمته نقابات الاتحاد الديمقراطي المغربي للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب؛ وإصدار كتاب "صديقنا الملك" في العام 1990، وهو أول كتاب يوجه سهام النقد للملك، وكان له تأثير هائل. أعقب ذلك حوار تضمن مناقشات بشأن "التحول الديمقراطي"، وذلك بغية اجتذاب استثمارات أجنبية (18) فضلًا عن مناقشات "حرية الصحافة".
وفي مستهل التسعينات، انطلق جيل جديد من العناوين الصحفية غير الحزبية التي ركزت تركيزًا ملحوظًا على الشأن العام؛ منها عنوانان جديدان أسبوعيان: "ليكونوميست" (L’ Économiste) و"ماروك إيبدو إنترناسيونال" (Maroc Hebdo International) (1991)؛ فيما استحوذ قطب من أقطاب الصحافة الفرنسية، جون-لوي سيرفان-شريبير (Jean-Louis Servan-Schreiber)، رئيس مجموعة (L’Expansion Group)، على صحيفة "لا في إيكو" (La Vie Eco). ثم حملت الأقدار صفقة بيع تالية للصحيفة نفسها في العام 1997، لكنها استعانت قبل ذلك بالعديد من الشخصيات البارزة التي تحولت فيما بعد إلى محرِّرين/كتَّاب مشهورين باتوا يُعرفون باسم "المستقلين" (في مقابل كتيبة "الصحافة الحزبية" القائمة)، ومن بينهم: علي عمار، وأحمد بن شمسي، وأبو بكر الجامعي، وعلي المرابط. لم تقتصر تلك التجربة على كونها أولى المحاولات الاختبارية للاستقصاء الصحفي في المجالات السياسية والاقتصادية في المغرب، بل آذنت بظهور الإشارات الأولى لصحافة يمكن صياغتها وإدارتها وفق مبادئ ريادية.
ومما لا شك فيه أن لُبَّ الفرصة كان منصبًّا على التقارير الاقتصادية. وفي هذا السياق، أفاد صحفي سابق في صحيفة "لا نوفيل تربيون" (La Nouvelle Tribune)، في مقابلة معه، قائلًا: "جاءت الأخبار السعيدة في صورة معلومات اقتصادية، وهو ما دعا الجميع إلى التحول نحو الشأن الاقتصادي؛ لأنه لم يكن بالإمكان التفوه بشيء يخص الشأن السياسي؛ فذلك ببساطة لم يكن أمرًا ممكنًا".
بيد أن تأسيس أسبوعيات سياسية آذن بظهور جديد لصحافة تجابه السياق المؤسسي والسياسي والشأن الملكي، ومن ذلك صحيفة "لو جورنال" (Le Journal) (1997) و"الصحيفة" (2000) (19). بدا الأمر في بعض جوانبه كما لو كان تحررًا سياسيًّا أعقب تحررًا اقتصاديًّا. واستنادًا لما جاء في العديد من المقابلات الشخصية مع مديرين سابقين لكل من "لو جورنال" و"تيل كيل" (TelQuel) (في أكتوبر/تشرين الأول 2015؛ وأبريل/نيسان 2016)، فإن ذلك الزخم لاقى في الواقع تشجيعًا من العديد من المستشارين و/أو الاستشاريين في البلاط الملكي، وهو ما حدا ببعض محرري الصحف إلى السماح لأنفسهم بمزيد من الحرية، لاسيما لتغيير "سمعة المغرب في الخارج" بعد "السنوات الأولى" (وهو وصف يُطلق على سنوات القمع خلال حُكم الملك الحسن الثاني) وكذلك للتجهيز لخلافة الملك. كانت تلك الحقبة فرصةً لجيل جديد من الصحفيين الذين اكتسبوا الحرية من وصاية الصحف الإخبارية الحزبية؛ إذ انخرطوا بقوة في المؤسسات البارزة وفي الصحيفة اليومية "الأحداث المغربية" (تأسست في 1998) والصحيفة الأسبوعية "الأيام" (تأسست في 2001)، وكلتاهما مستمرتان في النشر، وكذلك في صحيفة "الجريدة الأخرى" (2004-2006). غير أن الطموح إلى تغيير الممارسات المهنية لم يكن له أساس قانوني كما يستبـِـين من الزيادة الهائلة في عدد تجارب الإصدارات وفي ازدياد الضغط الاقتصادي على مؤسسات تلك التجارب بدءًا من العام 2003 فما بعده؛ ويشهد على ذلك تعرض الصحف اليومية الناطقة باللغة العربية -والمعروفة بمهنيتها وتحررها السياسي، وهي "المساء" التي انطلقت عام 2007، و"أخبار اليوم" التي تأسست عام 2009- للقمع من جانب السلطات، وهو قمع مدفوع بقلق ظاهر من تنامي انتشار الصحف وتعاظم قاعدة متابعيها، ومن ثم نفوذها (20).
تمثَّلت النتيجة في اتجاه أصوات سياسية بديلة صوب المواقع الإلكترونية الإخبارية شيئًا فشيئًا. ومن المسلَّم به أن الانتفاضات العربية التي عرفها عدد من الدول، ومنها المغرب الذي شهد إقرار دستور جديد في العام 2011، قد سرَّعت من وتيرة الانفجار الإخباري الرقمي؛ كما أورد مدير مجلة أسبوعية (أثناء تواصل شخصي مع المؤلفين): إن "قارئ المعلومات المتاحة على شبكة الإنترنت في المغرب لم يكن قارئ صحافة، لأننا حظينا بما لا يجاوز 300 ألف قارئ صحافة يومي لكل العناوين الصحفية الصادرة، أما اليوم فلدينا نحو 9 ملايين قارئ على الإنترنت". وقد أنشأ صحفيون سابقون من عالم الصحافة المطبوعة الكثيرَ من المواقع الإلكترونية خلال الأشهر التي سبقت انطلاق "حركة 20 فبراير/شباط 2011"؛ ومن ذلك -على سبيل المثال لا الحصر- العديد من المنصات الرقمية باللغة العربية مثل "لكم" (أبو بكر الجامعي، المؤسس المشارك لصحيفة "لو جورنال"، وعلي أنوزلا الذي انتمى في السابق إلى "الجريدة الأخرى" و"الجريدة الأولى" و"المساء")، و"كود" (أحمد نجم، من "نيشان")، و"فبراير" (ماريا مكرم من "الأيام").
وفي هذا السياق، اتخذ النمو في إصدارات الرؤى البديلة أشكالًا مختلفة وأدى -بسرعة بالغة- إلى بناء جدران نارية عديدة تمثَّلت في: إطلاق المنصات الإلكترونية من جانب جهات ترتبط بالسلطات التي أدركت مَوَاطن الخطر داخل الدولة وخارجها، واتخاذ إجراءات قانونية بحق العديد من مسؤولي المواقع الإلكترونية، وهو ما أدى إلى تغيير سياسي وقانوني في طبيعة التغطية الخبرية عبر إصلاح كامل طال "قانون الصحافة" في العام 2016 وتعزيز تدابير الرقابة. وخلال العام 2013، تعرض علي أنوزلا -محرر النسخة العربية من الموقع الإخباري "لكم"- للسجن بقرار من النائب العام بتهم "الدعم الكبير" و"المناصرة" و"تحريض الآخرين على تنفيذ أعمال إرهابية"، وذلك بعد نشره رابطًا إلكترونيًّا لمقطع فيديو دعائي صادر عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. أعقب ذلك إغلاق هذا الموقع (باللغتين الفرنسية والعربية) قبل أن يعاود الظهور في العام 2014 باسم جديد، "لكم 2"، معولًا على مصادر محدودة للغاية.
هيكلة وسائل الإعلام الإخبارية: زيادة هائلة في المعروض أم "سراب مضلِّل"؟
إصدارات تناضل وعالم إخباري محدود
ليس على المرء سوى النظر فيما تعرضه أكشاك الصحف في كبرى مدن المغرب، أو أن يزور المواقع الإخبارية الإلكترونية المغربية حتى يدرك وجود الكثير من الإصدارات المتاحة ووجود شيء من التعددية السياسية الظاهرة، وذلك بالرغم من "الخطوط الحمراء" التي يحظر المساس بها. من الثابت أن وزير الاتصالات حدد في العام 2014 نحو 488 صحيفة (شملت 15 إصدارًا حزبيًّا و171 صحيفة إقليمية "مستقلة")، بالإضافة إلى 500 موقع إخباري إلكتروني وطني وإقليمي ومحلي. إلا أن تلك البيانات "الخام" تميل أولًا إلى إخفاء صعوبات مالية كبيرة تكابدها الصحافة المغربية حسبما هو ثابت من "معدل الموات" المرتفع للإصدارات، وتميل ثانيًا إلى انخفاض هائل في أعداد توزيع الصحف الورقية، وهي أعداد ضعيفة للغاية أصلًا في ظل سوق إعلانية تصارع من أجل البقاء (21). في المقابل، ارتفع عدد خدمات القراءة مدفوعة الأجر في حالات بعينها.
إن الفترة المشمولة بالبحث في هذا المقام تمتد بين عامي 2004 و2012، وهي فترة تتسم بالتفاوت في البيانات. لم يتجاوز وقت التعرض لكل وسائل الإعلام المطبوعة: من كتب وصحف.. إلخ، في 2011/2012، دقيقتين في اليوم للفئة العمرية المتراوحة بين 15 عامًا فما أكبر (22). وهنا، تضيف شركة التدقيق المعروفة "كيه بي إم جي" (KPMG)، في تقريرها للعام 2011، أن توزيع المطبوعات في العام 2008 لم يتجاوز 10 نسخ لكل 1000 مواطن؛ علمًا بأن المغرب يُنظر إليه في الغالب باعتباره واحدًا من الدول ذات الأغلبية العربية التي تسجل أدنى معدل لمتابعة الصحف (23). ويؤكد ذلك أن إجمالي مبيعات الصحف البالغ عددها 36 صحيفة في المغرب (24) انخفض انخفاضًا مطردًا (25) من 87.4 مليون نسخة إلى 61.9 مليون نسخة بين عامي 2009 و2014، وذلك وفق بيانات المكتب المغربي لمراقبة توزيع الصحف (OJD)، وهو الكيان المعني بتدقيق بيانات التوزيع. ومع ذلك، فإن الفترة بين 2004 و2008 كانت مثمرة على وجه الخصوص؛ ذلك أنها حملت زيادة قوية في عدد الصحف الإخبارية الأسبوعية (من 5 إلى 18) والمجلات الإخبارية (من 6 إلى 19) وخدمات المتابعة الإخبارية مدفوعة الأجر ( 160.13% بالنسبة للصحف الأسبوعية و 72.5% بالنسبة للمجلات). وهناك اتجاهات مماثلة معقدة في قطاع الصحف اليومية، فقد تضاعف عدد الاشتراكات المدفوعة ثلاث مرات تقريبًا بعد مطلع الألفية الحالية ليرتفع من 116.358 نسخة في 2004 إلى 300.871 نسخة في العام 2008. علاوة على ذلك، وأثناء الفترة نفسها التي شهدت تسامحًا أعلى مع الأصوات الناقدة وانفتاحًا في السوق على المؤسسات الخاصة، زاد عدد الإصدارات بنحو خمسة أضعاف؛ علمًا بأن تلك الفترة مشهودة في الذاكرة نظرًا لزيادة نسب المتابعة للإصدارات اليومية العربية المطبوعة، أي في مستهل إصدار "المساء" (2007) و"أخبار اليوم" (2009)، وذلك لأنها كانت أعوامًا بلا منافسة من قبل المواقع الإلكترونية. غير أن هذا الواقع تغيَّر في العام 2009 عندما انخفض إجمالي معدل توزيع الصحف اليومية من 250.296 نسخة في 2009 إلى 175.760 نسخة في 2014.
تشير البيانات المتاحة عن المواقع الإلكترونية الإخبارية المغربية، في أحد جانبيها، إلى أن تلك المنصات الجديدة "تمامًا" حققت نجاحًا لا مراء فيه من حيث عدد الزوار الذي يفوق المنصات المرتبطة بالأخبار المطبوعة بكثير، وهذا واقع يدعو للدهشة (26) حقًّا في بلد تصل فيه نسبة مستخدمي الإنترنت 56.8% من الساكنة حسب بيانات العام 2014. وشهد العام 2015(27) إجراء استطلاع لعينة محددة من المواطنين غير الأميين من الفئة العمرية البالغة 15 عامًا فما أكبر، وأظهر الاستطلاع أن 67% من المستجيبين أفادوا بأنهم يقرؤون الصحافة الرقمية، وذلك في مقابل 17% فقط يقرؤون الصحافة الورقية، و26% يقرؤون الصحافة الرقمية والورقية معًا. علاوة على ذلك، يبدو أن السواد الأعظم من قراء الصحافة الإلكترونية في المغرب يختلفون اختلافًا كبيرًا عن نظرائهم من قرَّاء الصحافة الورقية؛ إذ تشير النتائج إلى غلبة العنصر النسائي (73% من النساء قلن إنهن يقرأن الصحافة الإخبارية الإلكترونية، مقابل 8% فقط للصحافة الورقية)، والأمر ذاته يشمل أيضًا الفئات العمرية الأصغر سنًّا (79% من الفئة العمرية بين 15 و24 عامًا تقرأ الصحافة الإلكترونية، مقابل 8% للصحافة الورقية). واعتبارًا من 30 من أغسطس/آب 2016، أفادت "أليكسا" أن المنصات الأكثر استقبالًا للزيارات كانت المواقع الإخبارية الإلكترونية المغربية الناطقة بالعربية. ولعل أشهر تلك المنصات "هيسبريس" (Hespress)؛ إذ بلغ عدد زواره 2.5 مليون زائر يوميًّا ليحل رابعًا بعد مواقع "غوغل" و"فيسبوك" ويوتيوب". وجاء بعده موقع "شوف تيفي" (Chouftv)، في المرتبة الخامسة، يليه موقعان متخصصان في كرة القدم (elbotola.com وkooora.com [التاسع والحادي عشر على التوالي]). وهناك مواقع إلكترونية عامة أخرى حازت نصيبًا من الشهرة، من بينها مثلًا موقع "Le 360" باللغتين العربية والفرنسية (المركز الثالث عشر) والعديد من المواقع العربية الناشطة مثل "كود" (الرابع عشر)، و"اليوم 24" (التاسع عشر)، و"فبراير" (في المركز الحادي والثلاثين) و"هبة بريس" (Hibapress) (الرابع والثلاثين).
وعلى الرغم من الزيادة المهولة في المنصات الورقية والرقمية، فإنه من المهم الإشارة إلى أن الصحفيين في المغرب لا يزالون يعانون ضعف التدريب والانتماء إلى دائرة محدودة للغاية (يوجد 2130 صحفيًّا معتمدًا من وزارة الاتصالات في 2012) تتمحور حول وسائل الإعلام الوطنية الأقرب صلة بالدوائر الرسمية؛ بل إن قرابة نصف المتخصصين المعتمدين (46.9%) يعملون في مؤسسات الإعلام السمعي البصري التابعة للدولة -سواء في التلفزة أم في الإذاعة العامة، أم في وكالة المغرب العربي للأنباء (10.28%) (28). وخلاصة القول إنه بالرغم من وفرة الإصدارات الجديدة التي ظهرت تحت مظلة التحرير حملت صورة ظاهرية لمشهد إعلامي أكثر حرية، إلا أنها اكتست ثوب "السراب المضلل" بالنسبة لسوق اتسم بالتشرذم؛ فيما ظل احتكار الحكومة لشركات الإنتاج الإخباري الكبرى قائمًا كما هو، فاستمر دورها باعتبارها صاحب العمل الأقوى في القطاع.
هيمنة اللغة العربية والصحافة اليومية الوطنية العامة
تتيح لنا البنية الهيكلية لقطاع الأخبار المغربي، وهو قطاع يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالسمات الفريدة للمشهد الوطني الاجتماعي، إمكانية التحرك بعيدًا عن نتيجة "السراب المضلل" المذكورة آنفًا. ومع ذلك، تكشف تلك البنية -أول ما تكشف- عن تناقض يمس التاريخ السياسي الوطني للمغرب: ألا وهو اللغة العربية؛ فبالرغم من أنها اللغة الأكثر قراءةً إلا أنها تظل الأكثر إدرارًا للربح من المنظور التجاري. في المقابل، تجتذب الصحافة المكتوبة بالفرنسية الحصة الأكبر من الاستثمار التجاري. لقد استغرقت العربية وقتًا طويلًا حتى ظهرت؛ لأنها كانت تخضع لقيود صارمة بدأت مع الحماية الفرنسية (التي لم تزد في ظلها الصحف العربية عن نسبة 5% في العام 1951((29)، ثم انتقلت إلى السلطات على مر عقود عديدة بعد الاستقلال. ولعل التعارض بين اللغتين مرده، في جُلِّه، إلى بنية الفضاء العام؛ فالإصدارات الورقية كانت مخصصة لشريحة محدودة للغاية من المشهد الاجتماعي، أي الأثرياء منهم الحائزين على رأس المال الثقافي والموارد الاقتصادية، فتلك الشريحة السكانية كانت تتحدث الفرنسية لوقت طويل. أما الخصوصية المغربية في هذا الشأن فتتمثَّل في أن العربية والفرنسية (وهما اللغتان الرئيسيتان اللتان تُدرَّسان في المدارس وتُستخدمان في الصحافة الورقية والإلكترونية) ليستا اللغة الأم لمعظم الطلاب المغاربة، فاللغة الأم بالنسبة لهؤلاء هي "الدارجة" أو الأمازيغية في بعض الأحياء؛ علمًا بأن الهيمنة النهائية للعربية الفصحى -كلغة الحديث والكتابة- كانت تدريجية للغاية؛ فقد بلغت نسبة الإصدارات العربية 57.4% مقابل 42.6% بالفرنسية؛ إذ كانت شبه متكافئة في العام 1985(30). أما إحصاءات العام 2014 فتبين أن تلك النسبة تغيرت تغيرًا كبيرًا، إذ ارتفعت الإصدارات العربية إلى 70.9% مقارنة بنحو 19% فقط للفرنسية؛ فيما بلغت الإصدارات الجامعة بين اللغتين نسبة 6.6%، تقابلها نسبة 2.5% للغات الأخرى (الإنجليزية والإسبانية)، واقتصرت إصدارات الأمازيغية على 1% من جملة الإصدارات؛ وهنا تتجلى هيمنة العربية على المنصات الإلكترونية.
شهدت الصحافة العربية المطبوعة والإلكترونية توسعًا غير مسبوق خلال السنوات الممتدة بين تسعينات القرن الماضي ومطلع الألفية؛ فإذا نظرنا إلى الإصدارات اليومية سنجد أن اثنين منها جسَّدتا التطور الذي طال الصحافة الشعبية (بمعنى اتساع قاعدة الإقبال الشعبي عليها، وتقديمها لونًا يلقى قبولًا) حتى وإن كان معدل متابعتها أعلى في الطبقات الاجتماعية الأعلى، وذلك حسب ما كشفته مقابلة شخصية مع المدير التنفيذي السابق لجريدة "المساء" الذي يعمل حاليًّا لدى "الأخبار" (من خلال مقابلة أُجريت معه في أكتوبر/تشرين الأول 2015). تأسست جريدة "المساء" اليومية على أيدي صحفييْن ناطقين بالعربية يحظيان بمتابعة واسعة (توفيق بوعشرين ورشيد نيني) ومصرفي سابق اتخذ لنفسه مسارًا مهنيًّا جديدًا في الصحافة (سمير شوقي)، فيما جاء جُلُّ التمويل من المخرج والمنتج السينمائي محمد العسلي. أما صحيفة "الأخبار" اليومية فتأسست على يد رشيد نيني بعد مغادرة "المساء". نجحت كلتا الصحيفتين خلال عامين في بناء قاعدة معتبرة من المتابعين والقرَّاء (باعت "المساء" 114.458 نسخة في 2008، وباعت "الأخبار" 60 ألف نسخة وفق إحصاءات العام 2014). ويُعزى ذلك النجاح في جانب منه إلى وفرة قرَّاء العمود اليومي "شوف تشوف" لصاحبه رشيد نيني الذي يكتبه بمزيج من العربية الفصحى واللهجة المغربية؛ إذ أدى هذا العمود إلى زيادة المبيعات في أول يوم شارك فيه بصحيفة "الصباح"، ثم استمر الكاتب في إصدارين آخرين شارك في إنشائهما وتطويرهما، وهما: "المساء" و"الأخبار"(31). استغل الكاتب عموده لشجب ممارسات الفساد والظلم الاجتماعي، بما في ذلك ما يطول الدوائر الحكومية، فضلًا عن نشر العديد من حالات "السبق الصحفي"، فنال من كل ذلك حظوة كبيرة. وبالرغم من كون رشيد نيني ظاهرة حقيقة، إلا أنه يندرج ضمن سلسلة ممتدة من كتَّاب الرأي المشاهير في الصحافة العربية ممن اجتذبوا آلاف القرَّاء إلى صفحاتهم في أوقات عديدة. بيد أن الصحافة الناطقة بالفرنسية تفتقر إلى هذه الظاهرة؛ فالصحيفة اليومية "الرسمية" الأكبر، "لو ماتان" (Le Matin) والصحيفة المتخصصة "ليكونوميست" تحظيان باستقرار نسبي منذ مطلع الألفية بمعدل توزيع ناهز 20 ألف نسخة للأولى، وما بين 16 إلى 18 ألفًا للثانية.
ثمة مبدأ بنيوي آخر في عالم الصحافة المغربية، وهو مرتبط بهيمنة الصحافة الوطنية على ما سواها؛ فبالرغم من وجود إصدارات إقليمية (تمثل نحو 23.7% من الإصدارات الورقية في 2005) إلا أنها تعاني من إشكالية الاستمرار، فيما يظل القطاع -والحال هذه- متركزًا بشدة في العاصمة الاقتصادية للبلاد، الدار البيضاء، تليها العاصمة السياسية، الرباط، وإنْ بدرجة أقل. أما نسبة الصحفيين العاملين في الصحافة الإقليمية الحاملين بطاقة صحفية مهنية سارية فلم تتجاوز نسبتهم 5.4% في العام 2005 (حسب التقرير السنوي الصادر بشأن "الصحافة الورقية ووسائل الإعلام العامة السمعية البصرية" عن وزارة الاتصالات في العام 2005). وبالمثل، يستند قطاع الصحافة المغربي بالأساس إلى الصحف اليومية، مع محدودية نسبية في توزيع المجلات. وهناك إصداران يصدران بالفرنسية يُعَدَّان رمزي "الصحافة المستقلة"، لكنهما لم يحظيا البتة بنسب توزيع كبيرة، وهما: صحيفة "لو جورنال" (Le Jounral) التي تجاوزت حاجز 20 ألف نسخة أسبوعيًّا مرتين فقط في تاريخها (في 1999 و2000)، و"تيل كيل" (TelQuel) التي اعتادت يومًا أن تصل إلى متوسط أسبوعي قوامه 20.436 نسخة في 2005؛ ثم آلت إلى تراجعٍ تدريجي منذ العام 2009 حتى وصلت مبيعاتها إلى 10.376 نسخة فقط أسبوعيًّا في 2014.
من "متجر البقالة" إلى تكتل الصحافة
من التحديات الماثلة أمام الإحاطة بفهم كامل لقطاع الصحافة في المغرب، من وجهة نظر الباحث، هو التحدي المرتبط بتحليل حملة الأسهم، ذلك بأن تحديد ماهية حملة الأسهم في أي إصدار معين يشكِّل العقبة الأولى إما لأن شركة النشر ليس لها كيان قانوني (كما هي الحال في العديد من المواقع الإخبارية الإلكترونية) وإما لأنها قد تكون من إنشاء "السلطات" أو تلقى دعمًا في السر من سياسي أو مسؤول رفيع أو رجل أعمال. وهنا، تهدف الإحصاءات التي نشرها وزير الاتصالات إلى تأكيد الطابع "التعددي" و"مراجعة الحال الراهنة للجهود المبذولة لتعزيز حرية الصحافة في المغرب"، لكن تلك الإحصاءات لم تقدم أية معلومات بشأن الاتجاهات التحريرية المتبعة أو الخصائص المتنوعة للإصدارات الصحفية بما يعين على تكوين فهم شامل لقطاع الصحافة في المغرب؛ ومن ذلك البنية الاقتصادية للقطاع، أو طبيعة الهياكل التحريرية المتنوعة لكل الإصدارات، فضلًا عن ماهية المالكين لتلك الإصدارات أو العلاقة بين المالكين والسلطات السياسية والاقتصادية. ورغم ذلك، فإن العقبة الثانية تتجلى في الوقوف على المسارات المهنية للمستثمرين؛ فمع أننا نسلِّم بأن الاستقصاءات الميدانية لم تكن شاملة، إلا أنها أسهمت في رصد العديد من المعلومات المهمة عن المستثمرين في عالم الصحافة.
نبذة عن المستثمرين في عالم الإعلام
ينتمي المستثمرون والمالكون في عالم الإعلام -ممن صاروا أقطابًا في دنيا النشر- إلى تخصصات مهنية متنوعة؛ غير أن التخصصات الرئيسة تشمل صحفيين، وأكاديميين، ومالكي مؤسسات أو ورثتهم، ومنتسبين للدوائر الفنية والإعلانية، وقيادات حزبية، ومنتسبين لأوساط "المخزن".
الكثير من المالكين أو المستثمرين الأصليين هم من الصحفيين والمهنيين في عالم الإعلام؛ غير أن دورهم نادرًا ما يقتصر على الجانب الاستثماري المالي، بل إنهم يحملون في الغالب لقب "مدير النشر" و/أو "مدير التحرير". ثم وقعت انتكاسات مهنية -من بينها مصاعب اقتصادية كابدها داعمو هؤلاء المالكين أو المستثمرين- أفضت بدورها إلى إدانات جنائية بتهمة نشر مواد تثير حفيظة السلطات، فيما برزت مصاعب أخرى من قبيل الخلافات مع الشركاء، وهي خلافات أدت إلى قيام البعض بتأسيس إصدارات إعلامية عديدة بعد ذلك؛ ومن أمثلة هؤلاء: علي أنوزلا، وتوفيق بوعشرين، ورشيد نيني.
يشكِّل الأكاديميون فئة ثانية بين كبار المستثمرين/المالكين، لاسيما في عالم الصحافة الاقتصادية. فعلى سبيل المثال، عمل عبد المنعم ديلمي أستاذًا للقانون في جامعة الرباط ورئيسًا تنفيذيًّا منذ العام 1991 لمجموعة "إيكو ميديا" (Eco-Medias)، وهي تكتل يضم أكبر صحيفة يومية صادرة بالفرنسية "ليكونوميست"، وثالث كبريات الصحف اليومية الصادرة بالعربية حسب نسب التوزيع (الصباح)، وإذاعة راديو الأطلسي، بالإضافة إلى مدرسة عليا للصحافة والاتصال، وشركة طباعة تحمل اسم "إيكو برينت" (Eco-print). وهناك أيضًا فهد يعتة، مؤسس الصحيفة الاقتصادية الأسبوعية "لانوفيل تريبيون" (La Nouvelle Tribune) في 1995، وهو أستاذ بكلية القانون والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس في الرباط، وما زال يحاضر في مركز الدراسات الاستراتيجية. يحمل فهد يعتة درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة باريس 1، وهو أستاذ محاضر في جامعة الحسن الثاني منذ العام 1979. وقد بدأ كلاهما (ديلمي ويعتة) الاستثمار في الصحافة الاقتصادية خلال فترة غير مسبوقة من التحرر الاقتصادي.
يمثِّل فهد يعتة النوع الثالث من أقطاب وسائل الإعلام أيضًا؛ أي القطب الوريث، على غرار أبوبكر الجامعي وعبد المالك العلوي. وقد كان والد فهد يعتة، علي يعتة، مديرًا لصحيفة "البيان" (لسان حزب التقدم والاشتراكية). أما أبوبكر الجامعي فهو ابن خالد الجامعي، صحفي وعضو سابق بالمكتب السياسي لحزب الاستقلال. تخرج الرجل في المعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات (ISCAE)، ويحمل درجة ماجستير الأعمال من جامعة أكسفورد بالإضافة إلى درجة مماثلة في تخصص الإدارة العامة من كلية هارفارد كنيدي؛ ثم أصبح في العام 1997 واحدًا من مؤسسي صحيفة "لو جورنال" (Le Journal) الأسبوعية. وأما عبد المالك العلوي فهو ابن أحمد العلوي، الوزير السابق والوزير الأول للحسن الثاني، ورئيس مجموعة "ماروك سوار" (Maroc Sour).
تتجلى الفئة الثالثة من أقطاب الإعلام في هيئة مدير مؤسسة و/أو رجل أعمال/وزير؛ وهذه حال مولاي حفيظ العلمي، مؤسس شركة "سهام للتأمين" (Saham Assurance) ووزير الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي منذ العام 2013. ولكونه من أصحاب ألقاب الحظوة (كما يتجلى من لقب "مولاي" التشريفي الذي يسبق اسمه)، يُعَدُّ الرجل من أثرى رجال إفريقيا والمساهم الأول في الصحيفة الاقتصادية اليومية "لي زانسبيراسيون إيكو" (Les Inspirations Econ) التي تأسست في العام 2009، بالإضافة إلى الصحيفة الشهرية المتخصصة في التاريخ المعاصر، "زمان" (Zamane) (32). كما يحمل الرجل صفة مساهم في مجموعة "إيكو ميديا"، علمًا بأنها تدير مجموعة "كاراكتير" (Caracteres) التي تتولى إنتاج العديد من الإصدارات الصحفية من بينها صحيفة "لا في إيكو" الأسبوعية، وصحيفة "فام دي ماروك" (Femme du Maroc) الشهرية. ومن الأمثلة الأخرى: عزيز أخنوش، رئيس مجموعة "أكوا" (Akwa) المتخصصة في الطاقة والعقارات، وهو أيضًا وزير الفلاحة والصيد البحري منذ العام 2007. ولعل القارئ يجد في المثالين السابقين دليلًا على "الصبغة الاقتصادية للسياسة" إن شئنا الاقتباس من كاتوس (33). إن امتلاك وسائل إعلام بالنسبة لرجال الأعمال هؤلاء إنما يعلله -على أرض الواقع- ثلاثة دوافع سياسية رئيسة بأكثر ما يعلله حبهم للنشر، وتلكم الدوافع هي: الاستثمار في القطاع الصحفي مدفوع بالرغبة في حماية مصالحهم الاقتصادية، والمساعدة في بناء مشهد سياسي مستقر من خلال استغلال ألقابهم الكثيرة دعمًا للتواصل السياسي، وإضافة الجدارة التجارية إلى قائمة السمات اللازمة لنيل لقب سياسي قدير.
إلى ذلك، يوجد اسمان آخران مهمان في عالم الأعمال لابد من إضافتهما إلى قائمة أقطاب وسائل الإعلام المرصودة هنا، وهما: خالد الحريري، البرلماني السابق عن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ومدير شركة؛ وكريم التازي، مدير مجموعة "ريتشبوند" (المتخصصة في عوالم الأثاث والصناعات الكيميائية والعقارات، وغيرها من المجالات). ثم أصبح المذكوران مساهمين مشتركين في شركة "تيل كيل ميديا" (TelQuel Media) في 2013، وهو الاسم التجاري لشركة النشر المعروفة باسم "تيل كيل" التي أصدرت أول مجلة بالفرنسية في 2001 على يد أحمد رضا بنشمسي؛ وهو بدوره مساهم في "بريس ديريكت" (Presse Directe). ومنذ نهاية العام 2013، أضحى خالد الحريري المساهم الأوحد في "تيل كيل ميديا" بعد انسحاب التازي. بيد أن نموذج خالد الحريري يمثِّل اتجاهًا جديدًا؛ فمنذ أواخر العقد الأول من الألفية دخل مستثمرون على شاكلة الحريري إلى قطاع الصحافة الإلكترونية مستغلين في ذلك خبراتهم التقنية، وتواكب ذلك مع إحاطة أنفسهم بشركاء أكفاء على المستوى التحريري ممن يملكون القدرة على إدارة محتوى النشر. من هنا رأينا محمد لكبير (من "هبة بريس")، والأخوان محمد الأمين وحسان الكنوني (من "هسبريس" ومحمد الزواق (من "يا بلادي") (34)، وكل هؤلاء صمموا مواقعهم في بادئ الأمر لتكون وعاء للمحتوى، لكنهم أصبحوا اليوم مديرين لثلاث من أهم المنصات الإخبارية المغربية وأكثرها زيارة وشعبية.
ثمة فئة رابعة لمديري وسائل الإعلام المغربية، وهي فئة وافدة من عالم الفنون، ومن أمثلتها عزيز داكي، وهو مساهم مشارك في مجموعة "إديت هولدينغ" (Edit Holding) ويتولى إدارة بوابة المعلومات المسماة "Le 360" بمحتواها الفرنسي والعربي، وهي البوابة الأثرى بمصادرها الإنسانية والمادية، كما يحمل صفة المؤسس المشارك في معرض "لاأتلييه 21" (L’ateleir 21) الفني، والمدير الفني لمهرجان "موازين" الدولي (الذي ابتدأه منير الماجدي في العام 2001، وهو السكرتير الخاص للملك محمد السادس ومسؤول تنفيذي كبير بشركة "فيرست كونتاكت كوميونيكيشن" (First Contact Communication)، وهي شركة متخصصة في اللافتات الإعلانية بشتى أنحاء المغرب). كل هذه الحقائق تلقي بظلال قوية من الشك على الهوية الحقيقية للمساهم الآخر في مجموعة "إديت هولدينغ" (Edit Holding)، لاسيما بالنظر إلى الطبيعة المهنية لعالم الإعلام.
والآن إلى الفئة الخامسة التي تتألف من المعلنين ومتخصصي الاتصال؛ فعلى العكس من الصحافيين نجح هؤلاء في بناء مجموعات إعلامية تضم صحفًا ومجلات و"فاعلين خُلص"(35)، حتى بلغوا الآن مبلغ المحطات الإذاعية الخاصة. ولعل أشهر الأمثلة في هذا الباب: كمال لحلو، مؤسس مجموعة "نيو بابليسيتي" (New Publicity) التي تتمحور حول ثلاثة محاور هي: الصحافة (وتحديدًا مجلة "في إتش" (VH)، و"تشالينج" (Challenge) و"لالة فاطمة" (Lalla Fatema)، والإذاعة (وتحديدًا إذاعة "إم إف إم" (MFM) وشبكة "إم إف إم" الإقليمية)، واللافتات الإعلانية بالمناطق الحضرية. وفي السياق ذاته، يُعِدُّ ابنا المذكور نفسيهما حاليًّا -من خلال التعليم واكتساب الخبرات الداخلية- لتولي أمور المؤسسة في نهاية المطاف. كما يدخل في عداد الفئة الخامسة أحمد الشرعي، مالك مجموعة "غلوبال ميديا هولدينغ" المؤلفة من الصحيفة الأسبوعية "لوبزيرفاتور دو ماروك إي دافريك" (L’Observateur du Maroc et d’Afrique)، وصحيفة "الحدث المغربية" اليومية (المستجلبة من أصحاب شأن سابقين)، والمجلة الموسمية "بوفوار دافريك" (Pouvoirs d’Afrique)، ومحطة "ميد" الإذاعية، والموقع الإخباري (kifache.com) (36). كذلك تضم الفئة نفسها آخرين من بينهم محمد العراقي، مدير مجموعة "جيوميديا" (Geomedia) (37)؛ والشخصية الإعلانية المهمة كريم بناني (38)، وشريكه السياسي ورجل الأعمال إلياس العمري، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة المدعوم من "المخزن". يتولى بناني إدارة وكالة الاتصال الرقمي المعروفة باسم "مارشمالو ديجيتال" (Marshmallow Digital)، والأهم من ذلك أنه حامل أغلبية الأسهم في مجموعة "آخر ساعة" (Akhir Saa) الصحفية التي أطلقها العمري برأس مال قدره 40 مليون درهم (حوالي 4 ملايين دولار) أواخر العام 2015. ويصدر عن "آخر ساعة" ستة إصدارات بالعربية والفرنسية والأمازيغية: اليومية العربية (آخر ساعة)، والأسبوعية الفرنسية "لا ديبيش" (La Depeche)، وموقع إلكتروني "كشك" (qoushk.ma)، وثلاثة إصدارات شهرية هي: "لكل النساء"، و"أفكار"، و"تافوكت"، وشركة طباعة ونشر هي "بريستيجيا برينت" (Prestigia Print). واستنادًا لما ورد على موقع desk.ma (بتاريخ 18 من أكتوبر/تشرين الأول 2016)، فإن بناني يعتزم إعادة هيكلة المجموعة لإتمام الفصل بين الأنشطة التحريرية والعمليات التصنيعية. وفي هذا الصدد، يمثِّل إلياس العماري عودة لصورة ذهنية يغلب عليها الطابع التقليدي في عالم الصحافة؛ أي صورة السياسي-رجل الأعمال ورئيس حزب سياسي (ومقرب من العرش)؛ ولعل مثاله هو الأوضح من بين غالبية الإصدارات المغرقة في الحزبية والخاضعة لإدارة قيادات حزبية.
متطلبات الاستمرارية: احترام "الخطوط الحمراء" والكفاءة الإدارية
يُعَدُّ قطاع الصحافة مسيَّسًا للغاية في المغرب، وهو ما يتجلى من الخطوط التحريرية المختلفة التي تعتمدها الإصدارات الصحفية الوفيرة في الدولة. ومن المؤكد أن الجدارة الإدارية في أي فريق قيادي لأي إصدار صحفي هي العامل المحدد لاستمرارية الإصدار (كما هي الحال في أي اقتصاد، لاسيما في المغرب نظرًا للدقة المطلوبة في إدارة القيود المفروضة من جانب البلاط والملك). تلكم هي النتيجة المستفادة بعد مقابلة أعضاء الإدارة العليا في عدد من مؤسسات الإعلام المتنوعة؛ فمنذ مطلع الألفية والسيطرة تُمارَس من خلال التخلي شيئًا فشيئًا عن الرقابة المباشرة ليقابله زيادة في التضييق الاقتصادي على الإصدارات التي تتبع خطًّا تحريريًّا يثير حفيظة السلطات السياسية. ويتأتى ذلك من خلال توجيه المعلنين (الممثلين في شركات تابعة للدولة وأخرى خاصة قريبة من السلطات) إلى مقاطعة تلك الإصدارات المناوئة وعدم مباشرة حملاتهم الإعلانية من خلالها. وقد انتهى البحث إلى أن قيادات ثلاث صحف مقتنعون بأن إصداراتهم "اختفت" بسبب هذا النوع من السيطرة الاقتصادية، وتلك الصحف هي: "لو جورنال إيبدومادير" (Le Journal Hebdomadaire) في يناير/كانون الثاني 2010، و"الجريدة الأولى" في مايو/أيار 2010، و"نيشان" في أكتوبر/تشرين الأول 2010. وهناك صحف تُستهدَف من المساهمين المقربين من السلطات، وذلك من خلال ممارسة الضغوط على الخط التحريري للمؤسسات محل مساهماتهم. وهذا ما يتجلى في استحواذ رجل الأعمال، عبد العزيز أخنوش، على مجموعة "كاراكتير" (Caracteres) في 1997.
ومن الوسائل الأخرى التي يكثر استعمالها لخنق النشر الاتهامات بسوء الإدارة والتهرب الضريبي؛ ففي إحدى الحالات الخاصة أُثبتت التهم الرسمية في العام 2010 على "ميديا ترست" (Media Trust) ومجموعة "تريميديا" (Trimedia) -صاحبتي "الصحيفة" و"لو جورنال إيبدومادير" على الترتيب- بعدم سداد الديون المستحقة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS) ولهيئات إدارة الضرائب وللعديد من البنوك. ومن ثم، كان "سوء الإدارة" في تلك الكيانات الناشرة هو المطية المستغلَّة لوأد هذا الإصدار الأسبوعي الشهير بصورة قانونية؛ وهو الإصدار الذي رأى فيه مؤسسوه "باعثًا للكوابيس بصفة أسبوعية للنظام العلوي"(39). أما صحيفة "لو جورنال" فقد صودرت في أبريل/نيسان 2000 بعد نشرها مقابلة مع أحد قادرة جبهة البوليساريو، ما عُدَّ افتئاتًا صفيقًا على أحد "الخطوط الحمراء" الثلاثة، وتحديدًا ذلك المتصل بقضية الصحراء. وبعد أشهر عديدة حُظرت الصحيفة بمرسوم صادر عن رئيس الوزراء اليساري، عبد الرحمن اليوسفي.
يبيِّن ذلك سبب اتسام التطور العملي في قطاع الصحافة على مرِّ السنين العشر الماضية بالتحصن المقترن أيضًا بتزايد التعقيد المترتب على ممارسة الرقابة الذاتية؛ ذلك بأن كبار التنفيذيين في عالم الصحافة سعوا إلى تطوير مؤسساتهم في بيئة متآكلة، ما دعاهم إلى إدارة علاقاتهم بالسلطات الحالية من خلال طرق عديدة: أولها: البحث (بأسلوب شبه منهجي) عن "رعاة" و"ضامنين" وغيرها من صفات التحالفات لتحقيق وصول أيسر إلى الأسواق وحماية أنفسهم من الصفعات السياسية غير المتوقعة أو غير المحسوبة؛ وثانيها متصل بالتحالفات الدولية؛ وثالثها يتمثَّل في تحديد جمهور عريض والتقرب إليه للاستعانة به في مواجهة القوة السياسية وتحقيق الضمانات الاقتصادية اللازمة.
قطاع معلول البنية تهيمن عليه كيانات صغيرة
إن استعانة السلطات بالقيود الاقتصادية والسياسية والتعويل عليها لِلَجْمِ القطاع إنما يفسر جانبًا من جوانب الهيمنة على القطاع بأيدي مؤسسات صغيرة (ذات أعداد قليلة من الموظفين وأصول محدودة). وقد كشفت دراسة -أُجريت في العام 2008 وشملت 42 مؤسسة إعلامية- عن أن أصول 23 منها تقل عن 10 ملايين درهم مغربي (ما يقارب مليون دولار)، فيما تجاوزت 4 منها فقط حاجز الخمسين مليون درهم، أي ما يعادل 5 ملايين دولار تقريبًا؛ بيد أن هذا الوضع تغير تغيرًا ضئيلًا منذ ذلك الحين، لاسيما مع نجاح إلياس العماري في إنشاء مجموعة صحفية على وجه السرعة بنهاية العام 2015 (KPMG 2011). كما أنشأ الأستاذ الجامعي، عبد المنعم ديلمي، مجموعة "إيكو ميديا" (Eco Medias)، فيما أطلق الإعلامي المتخصص أحمد الشرعي مجموعة "غلوبال ميديا هولدينغ" (Global Media Holding) التي عُرفت في السابق باسم "ميد إيديسيون" (Med Editions). ويعزى نجاح الكيانات الثلاثة -في جانب ليس بالقليل منه- إلى قربهم من العديد من الكيانات في السلطة، فضلًا عن تمحور الخط التحريري لإصداراتها حول الموضوعات الاقتصادية، وتوجيهها صوب تعزيز النظام الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، لا الإخلال به. أما الكيانات القليلة الأخرى في هذا القطاع المخلخل اليوم فهي على الأرجح مجموعة "لحلو ميديا" (Lahlou Media) في الدار البيضاء، والشركات الإعلامية القابضة لعزيز أخنوش ومولاي حفيظ؛ وذلك بالرغم من عدم وجود بيانات مالية متاحة عن تلك المؤسسات، فيما تظل التقارير المالية مجالًا محمومًا في دولة تتلاقى فيها أهواء منسوبي "المخزن" لمزاولة أعمال تجارية مريبة تهربًا من ضوابط الشفافية الاقتصادية. ومع ذلك، شهدت البلاد محاولات أخرى لإنشاء مجموعة صحفية، لكنها باءت بالفشل؛ لأن نهجها تجاه السوق كان أكثر حرصًا؛ فهذا أحمد رضا بنشمسي (الذي أطلق "بريس ديريكت" (Presse Directe) (الإصدار الذي خرج من رحمه "تيل كيل" (TelQuel) و"نيشان") وأبوبكر الجامعي (مدير "ميديا ترست" (Media Trust) التي كانت تصدر صحيفتي "الصحيفة" و"لو جورنال") قد سعيا إلى النشر بطرق مختلفة ومتنوعة، لكنهما قررا في النهاية ألا طائل من وراء ذلك النشر، ففضَّلا مغادرة البلاد.
الإرادة السياسية لهيكلة القطاع
يضاف سوء الهيكلة واختلال البنية إلى التشرذم الجلي في قطاع الصحافة؛ فبالرغم من استمرار بعض المؤسسات لأكثر من 10 أعوام إلا أن عددًا كبيرًا منها (لاسيما "الفاعلين الخُلص") ذهب في مهب الريح أو طي النسيان بعد أن انتظرت الاعتراف الرسمي من الوزير المختص واللجنة المشتركة ردحًا من الزمن. علاوة على ما سلف، حصرت وزارة الاتصالات 488 صحيفة في العام 2014، منها 10 فقط يوميات وطنية غير حزبية (7 تصدر بالعربية و3 بالفرنسية)، و22 أسبوعية (10 منها بالعربية و12 بالفرنسية)، و25 شهرية (12 بالفرنسية و13 بالعربية) هي من يوظِّف صحفيين فعلًا (40). وهناك حالة مماثلة في المواقع الإلكترونية الإخبارية: ذلك بأن 23 موقعًا منها فقط (من أصل 500 موقع مثبت في الحصر) توظف صحفيين. لقد ظل بعض مُلاك الصحف حتى منتصف العقد الماضي يفكرون في تنظيم هذا القطاع من حيث النشر، لكنهم كادوا ينسون التفكير من حيث التنظيم المؤسسي، وذلك بالرغم من الإشارة إلى هذا المفهوم إشارة صريحة ووافية في قانون الصحافة لسنة 1958 (المواد 5 و13 و15 منه)، لكن هذا الوضع قد تغير اليوم.
شهد العام 2004 دعوة الملك للحكومة للعمل على "تشجيع ظهور مؤسسات إعلامية متخصصة"(41). وقد أدى ذلك القرار -بالنسبة للصحافة المكتوبة- إلى إنشاء اللجنة المشتركة وتدشين برنامجيْ تعاقد يحينان كل أربع سنوات (في 2005، ثم طالهما التعديل في 2009، وفي 2013). وقد مُهرت وثيقة القرار بالتوقيع من جانب "الفيدرالية المغربية لناشري الصحف" (FMEJ) ووزير الاتصالات، موضحة الهدف بأنه "تعزيز وعصرنة الصحافة المكتوبة" و"مساعدتها على التطور".
أدى القرار والبرنامجان إلى صرف منح لمجموعة كبيرة من مؤسسات نشر الصحف بلغت في مجموعها 46.4 مليون درهم موزعة على 40 عنوانًا صحفيًّا، مقارنة بنحو 54 عنوانًا في 2011 و71 في 2012، ليبلغ مجموع المنح الكلي 56 مليون درهم (حسب تقرير وزارة الاتصالات في 2012). ورغم ذلك، فقد تعيَّن على المستفيدين من تلك المنح تلبية شروط محددة للغاية أفضت إلى اختزال عدد المتقدمين اختزالًا شديدًا، وتلك هي: استصدار رقم تسجيل من اللجنة المشتركة، واستيفاء شروط الهيئات الضريبية، وتوفيق الأوضاع بشأن مساهمات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ورفع الحدود الدنيا للأجور على الأقل، والتزام الشفافية بخصوص عدد النسخ المطبوعة الموزعة عند نشر البيان السنوي الختامي، وتقديم ما يثبت النفقات والتحقق من استخدام العدد الأدنى على الأقل من الصحفيين الموظفين بأجر. وينص هذا البرنامج التعاقدي على أن "الإصدار الصحفي أو مؤسسة الصحافة المطبوعة يجب أن توظف -بحد أدنى- رئيس تحرير وسبعة صحفيين متخصصين وسبعة موظفين بالنسبة للإصدارات اليومية؛ ورئيس تحرير وأربعة صحفيين متخصصين وخمسة موظفين بالنسبة للإصدارات الأسبوعية"؛ كما تقرر أن تكون تلك الاشتراطات محلًّا للمراجعة والمناقشة على فترات منتظمة.
نشر موقع "كود" (Goud) (42) مقالًا أكد فيه استفادة عدد من الإصدارات من تلك المنح دون أن تطلبها أصلًا؛ ثم نشر مقال آخر في "هسبريس"(43) يطعن في أهلية المستفيدين لنيل المنحة، بل وفي المبالغ الممنوحة في هذا الصدد. ويصف المقال جملة أمور من بينها الإصدار الأسبوعي الذي ينشره مصطفى العلوي، مدير "الأسبوع الصحفي" وحصل على مليون درهم مغربي بالرغم من عدم حيازته شركة نشر ولا فريقًا تحريريًّا مستقرًّا إلا بعد سنوات قلائل من تقلد مصطفى الخلفي منصب وزير الاتصالات (2012). ومن ثم، تطعن تلك البيانات في مساحة التحرك المتاحة للوزير بغية هيكلة القطاع وتحسين مهنيته والتحقق من "استقلالية" الصحافة عن السلطة السياسية.
إلى ذلك، شهد العام 2016 صرف منحة بقيمة 12 مليون درهم على مدار عامين صرفًا مباشرًا إلى صحفيين معتمدين؛ فأفضى ذلك إلى جدل في الأوساط المهنية. وبالرغم من تصريح الوزير بأن الغرض من ذلك هو "تحسين الوضع الاجتماعي لصحفيي الصحافة المطبوعة"، إلا أن عددًا من المتخصصين في المجال أعرب عن قلقه من تلقي مبالغ مباشرة من وزارة الاتصالات؛ حتى طالبوا في فبراير/شباط 2016 بنشر اتفاقية جماعية جديدة في هذا الخصوص في أسرع وقت ممكن (44).
لقد أضحت المساعدة المالية المقدمة من الدولة للصحف والمواقع الإلكترونية غير الحزبية منذ العام 2015 إشكالية معروفة لدى شركات النشر التي تكابد صعوبات مالية في ظل أرقام توزيع متناقصة وفق المعطيات الثابتة. ولعل الإشكالية أظهر وأقوى في شركات الإصدارات العربية؛ لأن مداخيلها من الإعلانات تقل عن نظيراتها الصادرة بالفرنسية (Groupment des announceurs du Maroc 2014).
من أين تأتي الأموال (لعبة الاتهامات المتبادلة)؟
يتسم قطاع الصحافة بأنه مغرق بالسياسة أيضًا، وهذا مثبت من لعبة الاتهامات المتبادلة التي لا تنتهي؛ ذلك بأن أهل المهنة -وكذلك السياسيين- يطرحون أسئلة بين الفينة والأخرى عن هوية المساهمين الحقيقيين في مؤسسات بعض الإصدارات، فتصدر عنهم حينئذٍ بعض الاتهامات (وجُلُّها اتهامات حذرة مُبَطَّنة) إلى القائمين على إصدار أو آخر باعتباره "يتصرف" في الواقع نيابة عن حزب سياسي أو شخصية سياسية، أو حتى نيابة عن أجهزة سرية. وبلغ الأمر بالبعض أن أنكر وجود "صحافة مستقلة" من الأساس. فمثلًا، وجَّه رشيد نيني اتهامًا خلال الآونة الأخيرة إلى رجل الأعمال، كريم التازي، بوصفه المساهم الرئيس في أحد "الفاعلين الخُلص"، أي موقع "الأول" (Alaoual.com) الذي أطلق في العام 2016 على يد صحفيين سابقين من صحيفة "المساء"، بمن فيهم مدير النشر، سليمان الريسوني. وردًّا على الاتهام، كال الأخير لرشيد نيني اتهامًا بأنه ساوم على إطلاق سراحه إبَّان سجنه في العام 2011 بأن وعد بإصدار صحيفة "الخبر" لتحمل مضمونًا من اختيار سلطات سياسية وبغية تحقيق هدف وحيد: مهاجمة حزب العدالة والتنمية الحاكم بقيادة عبد الإله بنكيران (45).
تفضي تلك الاتهامات أحيانًا إلى الطعن في مشروعية الأموال المستثمرة في الكيانات الصحفية. وفي هذا الصدد، طلب بنكيران، رئيس الوزراء**، من الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة (PAM)، العماري، الكشف عن مصدر 60 مليون درهم استثمرها في المجموعة الإعلامية "آخر ساعة" التي انطلقت أواخر العام 2015. هنا يتجلى أن العلاقات المتشابكة بين السياسيين ورجال الأعمال بلغت من القوة مبلغًا طمس الحدود بين الصحف الحزبية والصحف "المستقلة عن الأحزاب السياسية".
طرق التمويل المختلفة
تم رصد طريقتين اقتصاديتين رئيستين باعتبارهما الأكثر استخدامًا لتأسيس الكيانات الصحفية المطبوعة والإلكترونية واستدامة إصدارها؛ أما الأولى فهي التمويل من خلال مصادر تمويلية خفية لا سبيل للتَّحقُّق منها (ذَكَر بعض ضيوف المقابلات أن تلك المصادر تشمل أجهزة استخبارية وأفرادًا يفضلون عدم الظهور...إلخ)، وهذه الطريقة غالبًا ما توفر التمويل للصحف الشعبية (التابلويد) والصحف والفاعلين الخُلص ممن يجنحون إلى اتباع نهج غير حزبي وغير متحيز؛ علمًا بأن تلك الكيانات الصحفية غالبًا ما تتخصص في حملات التشهير، ونادرًا ما تخضع لأية ضغوط قضائية أو سياسية؛ بل تكاد تأمن جانبها تمامًا.
وأما الطريقة الثانية الأشهر فهي محصورة في عدد ضئيل للغاية من المؤسسات الصحفية التي نشرت -منذ اللحظة الأولى- أسماء مساهميها، وعادة ما تكون أعدادهم كثيرة للغاية. وهذا هو حال مؤسسة "بريس ديريكت" (Presse Directe) عند إطلاقها في العام 2001 (صاحبة "الحدث المغربية" وتيل كيل")، وعندما حدث الاستحواذ على مؤسسة "تيل كيل ميديا" (TelQuel Media) ثم إطلاقها في العام 2013. أي إن الطريقة الثانية تنم عن أسلوب تشاركي؛ وهو عينه المتبع عندما انطلقت "الجريدة الأولى" في العام 2008. ومع ذلك، ترتكز هذه الطريقة على شخصية رجل أعمال-سياسي متمرس وقادر على حشد الدعم المطلوب لنفسه لتحقيق "الاستقلالية" والإعلان الصريح عن مساهمين متنفذين ذوي صيت يجعل التلاعب بهم متعذرًا، وفي ذلك ضمانة للاحترام. لكن هذا الأسلوب غير شائع.
ثمة متوالية من الأوضاع الممكنة بين النموذجين المذكورين آنفًا؛ ومنها ما يجده المغامر الحذر ذو الموارد المحدودة والقدرة على اجتذاب التمويل الذاتي، بل وسبر حلول غير رسمية للتمويل عند الاقتضاء. أي إن الخيارات المتاحة محفوفة بالمخاطر، لكنها غالبًا ما تجمع بين ما يلي: آجال دفع ممتدة، وقروض محدودة الأجل من الموزعين مثل "سابريس" (Sapress) (الشركة العربية الإفريقية للتوزيع والنشر والصحافة)، وهي الشركة الأكبر في مجالها (46)، فضلًا عن اللجوء لعقود الإعلان الحصرية طويلة الأجل. ومن الأمثلة الحاضرة في السوق "ماروك إيبدو" (Maroc Hebdo) (التي تمتعت لوقت طويل بمساندة المكتب الوطني للمطارات) و"كود" (المستند لعدد النقرات والعقود الجزئية)، و"الأسبوع" و"اليوم" و"فبراير" و"كيد" (Quid). إن الملكية الإعلامية لها بريق معين في كل مكان، وليس المغرب استثناءً من ذلك، ففيه يتطلع الصحفيون ورجال الأعمال دومًا لخوض التجربة بإنشاء نظام إنتاجي رخيص حتى يتحقق الاعتماد على الذات.
من الطرق الشائعة أيضًا وجود المستثمر المهني القادر على تدبير التمويل الذاتي بل وإشراك حلفاء من البداية لهم صلات وثيقة بالأوساط المهيمنة على الساحة السياسية أو الاقتصادية. هنا تنجلي حالات "لا في إيكو" (مجموعة "كاراكتير")، و"ليكونوميست" (مجموعة "إيكو-ميديا") والشهرية "دين ودنيا" وموقع "ميديا 24" الإلكتروني، فكلها حازت التمويل من صحفيين مهنيين مهرة وذوي علاقات وثيقة، وهو تمويل مقترن بمساندة قوية من مديرين فائقي الكفاءة يطمحون لحماية سمعتهم ونفوذهم والارتقاء بهما على أصعدة مختلفة. لكن القاسم المشترك بين هؤلاء وغيرهم هو تلقيهم المساندة من مهنيين أقاموا شبكة عريضة من العلاقات والأواصر التجارية المدعومة من شركات اقتصادية مزدهرة بالتوازي مع أنشطتهم الإعلامية. وهناك أصحاب شأن أعز مكانة مثل كمال لحلو، الذي تمحورت مجموعته الصحفية في البداية حول "لا غازيت دي سبور" (La Gazette du Sport) ("لا غازيت دي ماروك" (La Gazette du Maroc) الآن)، وشركة لافتات إعلانية في المناطق الحضرية هي "نيو بابليسيتي" (New Publicity)؛ بالإضافة إلى أحمد الشرعي الذي أطلق موقع (observateur.ma) قبل أن يدشن مجموعة صحفية متعددة الأنشطة، وذلك بعد أن قطع مسيرة مهنية طويلة كوكيل لمبيعات الصحف، وأدار شركته الخاصة في مجال العلاقات العامة والفعاليات؛ وأخيرًا هناك عزيز داكي، وهو صحفي سابق كان رجل أعمال في مجال الفنون البصرية من خلال شركة "غاليري 21" (Galerie 21) التي تعد من أشهر الوجهات في زمنها، وذلك قبل أن يطلق موقع (Le 360.ma) الإلكتروني الذي حقق نجاحًا كبيرًا.
ثلة احتكار الشهرة
تشكِّل الإعلانات التجارية مجالًا رئيسًا آخر في التوازن بين الاقتصاد والسياسة، وهو التوازن الذي تسعى المؤسسات الصحفية لتحقيقه. كان المحتوى الإعلاني قبل مطلع الألفية محدودًا للغاية بالنظر إلى قلة عدد المنصات التجارية. علاوة على ذلك، كان قطاع التوزيع مشتركًا بين الشق الناطق بالفرنسية منه (وعلى رأسه "سوشبريس" (Sochepress)) (47)، وكبار قيادات أحزاب المعارضة الذين امتلكوا أسهمًا في "سابريس". وما إن أخذ سوق الإعلان في النمو وبلغت الصحف الكتلة الحرجة اللازم توافرها لاغتنام هذا النمو، سعى لويس سيرفان-شريبر -المساهم الخفي المتنفذ في "بريس ديريكت" (Presse Directe) التي كانت يومئذٍ مملوكة لأسبوعية "تيل كيل"- إلى تشجيع نشر أرقام المبيعات على سبيل الاحتجاج على المحسوبية التي تنظم العلاقة بين المعلنين والصحف، والمنْح غير المنصف للإعلانات (كما أفاد في مقابلة شخصية في ديسمبر/كانون الأول 2015). ثم شهد مطلع الألفية إنشاء "الفيدرالية المغربية لناشري الصحف" (FMEJ) و"المكتب المغربي لمراقبة توزيع الصحف" (OJD) على النسق الفرنسي، ثم أعقب ذلك نشر بعض أرقام المبيعات، وهو ما أعطى عددًا من مديري الصحف سببًا للأمل في أن يكون اختيار المعلنين والمؤسسات الحاصلين على معونة الدولة محفوفًا بمزيد من "الشفافية" و"الإنصاف". ورغم ذلك، أوضح العديد من الاستقصاءات اللاحقة إلى الفجوة بين آمال المؤسسات الطامحة، والإرادة المعبَّر عنها من جانب مؤسسة أصحاب الشأن لحماية حصتهم من السوق أيًّا ما كانت أرقام مبيعاتهم الفعلية، والممارسات الاقتصادية الفعلية.
سوق الإعلان
حصة الصحافة من عوائد الإعلان ليست ضئيلة للغاية فحسب داخل المغرب، بل إنها تراجعت (19.5% بنهاية مايو/أيار 2014 مقارنة بنسبة 22.6% في 2012) أمام منافسة شرسة من التلفزة (التي استأثرت بنحو 27.8% في مايو/أيار 2014) واللوحات الإعلانية (27.7%). ومع ذلك، تظل تلك الحصة أكبر من حصة الإذاعة، لكن هذا الواقع لن يستمر طويلًا على الأرجح، ذلك بأن الإذاعة تحقق تقدمًا متسارعًا (إذ تحصد الصحافة حاليًّا نسبة 23.6% مقابل 16.5% للإذاعة) (Imperium 2014). وتخضع السوق لسيطرة ثلة محتكِرة؛ إذ تستأثر خمس شركات إعلانية بمعظم الحملات الدعائية المدفوعة لفائدة شركات ومؤسسات عامة وخاصة كبرى. وتلك الشركات الخمس هي: (1) "شمس" (Shems): التي تأسست في 1972 ويقودها رجل الأعمال، نور الدين عيوش؛ و(2) "كلام" (Klem): التي تأسست في 1976 لتصبح "كليم يورو آر إس سي جي" (Klem Euro RSCG) أواخر الثمانينات، وهي مملوكة لمؤسسها عبد الحميد قديري الذي كان يعمل لدى مجموعة "هافاس" (Havas) ومجموعة "يورو آي إس سي جي" (Euro RSCG) الفرنسية؛ و(3) "ساغا كوميونيكيشن" (Saga Communication): التي تأسست في 1993 على يد شاكر الفاسي الفهري، وهو مدير سابق للبنك المغربي للتجارة الخارجية؛ و(4) "دي دي بي زون بلو" (DDB Zone Bleue): التي تأسست في 1995، وهي فرع للمجموعة الإعلانية الأكبر في العالم: "ببليسيس-أمنيكوم" (Publicis-Omnicom)؛ و(5) "موزايك" (Mozaik): التي خرجت للنور في 1993 على يد مونيك الجريشي، وهو موظف سابق لدى وكالة "كليم يورو آر إس سي جي".
شهدت الآونة الأخيرة -حسب آراء العديد من ضيوف المقابلات- تغييرًا في منظومة تسويق الدعاية؛ فقد تزايد اعتماد المعلنين على خدمات الوكالات الاستشارية بدلًا من خدمات الشركات التسويقية، وذلك لتقليل تكاليف الوساطة. وهذا الاتجاه أظهر ما يكون في صورة الممارسات الرقمية والصحافة الإلكترونية، ولعل الأشهر بين شركات الاتصال الرقمي المتصرفة بصفة شبكات الإعلان مؤسسة "تاتش ميديا" (Touch Media)، وهي أحد فروع (FinanceCom) المملوكة لأثرى أثرياء المغرب: عثمان بنجلون، وهو مصرفي ورجل أعمال، ورئيس البنك المغربي للتجارة الخارجية (BMCE). وبالإضافة إلى بيع مساحات للمعلنين وإدارة العديد من المحافظ، فإن شركته أطلقت بوابة "إن أو إيه ميديلون ديريك" (NOA Medaillon Direct) التي جمعت بين أكثر المواقع الإلكترونية زيارةً سواء بغرض الاستعلام أو التجارة الإلكترونية. ولما استشعرت المؤسسات القديمة هذا النوع من الهجوم من الوافدين الجدد إلى المجال، وجدت نفسها مضطرة -بعد أن كانت تتقاسم كل عوائد سوق الدعاية فيما بينها- إلى السعي لكسب موطئ قدم في سوق الدعاية الإلكترونية. ومنذ العام 2014، دأبت المؤسسات القديمة على التعامل مع هياكل رقمية متخصصة، مثل: "كنز ميديا" (Kenzmedia) لمؤسسة "شمس"؛ و"إنيشيتيف ديجيتال" (Initiative Digital) لمؤسسة "كلام"، و"آدويب" (Adweb) لمؤسسة "إف سي كوم" (Fccom) و"دي دي بي ديجيتال" (DDB Digital) لمؤسسة "زون بلو".
التغيير وظهور فاعلين جدد في عالم التوزيع
تعرَّضت سوق التوزيع لثلاثة تحولات كبرى خلال الآونة الأخيرة؛ أولها كان التغيير في ملكية موزعين كبيرين؛ ولعل الأشهر منهما كان استحواذ فرع البنك الشعبي على شركة التوزيع "سابريس" التي كانت مملوكة من قبل لقيادات في أحزاب يسارية. ويكشف ذلك تراجع دور الأحزاب في قطاع الصحافة من جانب؛ وفي جانب الآخر بروز القوة المتنامية للقطاع المالي، وهي قوة تعززت خلال العام 2015(48). واليوم، أضحت ملكية "سابريس" مشتركة بالتساوي بين ثلاثة فاعلين ماليين: صندوقين للتأمين في حالات الطوارئ (CIMR و MAMDA) ومجموعة البنك الشعبي. كما يكشف هذا الواقع عن نهاية عصر مهني تخلله قيام مؤسِّس "سابريس" ومديرها السابق، محمد برادة، بدور المنظم غير الرسمي للعديد من الصحف التي انطلقت حديثًا أو تنكَّبت الطريق، بالإضافة إلى مصرفيٍّ وموفرٍ للسيولة النقدية. غير أن تلك الحقبة استُبدل بها اليوم نظام أكثر أخذًا بالطابع التجاري والعملياتي (من مقابلة مع مدير صحيفة أسبوعية، أكتوبر/تشرين الأول 2015).
أما التغيير الثاني فهو مرتبط بالأول، ألا وهو إنشاء شركة توزيع جديدة في 2008: "الوسيط برس" (Al Wasit Press) على يد مجموعة "المساء"، وذلك في وقت حققت فيه صحيفتها الأهم مبيعات قياسية (114.458 نسخة)، وهو عينه الوقت الذي شهدت فيه "سابريس" تراجع عوائدها (من مقابلة مع تنفيذي كبير بمجموعة "المساء" في أكتوبر/تشرين الأول 2015) (49). ظهر تأثير هذا التحرك الاستراتيجي بعد عامين عندما حققت شركة النشر الاستقلال المالي، وهو ما أتاح لها أن تعرض نفسها كفاعل إعلامي بارز.
وأما التحول الثالث فهو وصول الإصدارات المجانية إلى السوق؛ ولعل أشهر حالاتها حالة محمد العراقي الذي جاء إلى المغرب من فرنسا بخلفية إدارية/لوجستية، فأنشأ مؤسسة "جيوسيبل" (Geocible) التي تعد حاليًّا من رواد التوزيع الإعلاني في الدولة؛ إذ تصل منتجاتها لنحو 1.5 مليون صندوق بريدي في الدار البيضاء والرباط وطنجة ومراكش (من مقابلة مع اثنين من المؤلفين في أبريل/نيسان 2016).
وفي ظل هذا المشهد المتحول، ظل شيء واحد دون تغيير؛ ألا وهو الهيمنة التاريخية للشق الناطق بالفرنسية ليستديم بذلك التوزيع غير المتوازن لعوائد الإعلان بين الإصدارات العربية ونظيراتها الناطقة بالفرنسية. وفي هذا الصدد، أفادت مجموعة المعلنين المغاربة في العام 2008 بأن أعلى عوائد إعلانية مسجلة لفائدة الإصدارات الفرنسية (50)، مثل "ليكونوميست" (بواقع 125.3 مليون درهم؛ أي ما يقارب 12.5 مليون دولار أميركي)، و"لو ماتان" (Le Matin) (بواقع 88.6 مليون درهم)؛ غير أن الإصدارين المذكورين يحظيان بجمهور محدود (بواقع 19.556 و25.439 نسخة يوميًّا على الترتيب)؛ في حين أن الإصدارات العربية مثل "المساء" تحقق عائدًا قدره 66 مليون درهم وتطبع 114.784 نسخة يوميًّا؛ فيما تحقق "الصباح" 42.9 مليون درهم يوميًّا وتبيع 69.545 نسخة. ورغم ذلك، واستنادًا إلى الاستطلاع نفسه، فإن 77% من استثمارات الإعلان عرفت طريقها إلى الصحافة الفرنسية (KPMG 2011).
إعادة هيكلة الجمهور وأنماط استهلاكية محددة
إن فهم الاقتصاد السياسي لقطاع الصحافة المغربي يقتضي مراجعة سمات المشهد الاجتماعي الوطني في الدولة؛ فالمؤشرات الديمغرافية قد تفيد بوجود بديهي لجمهور ضخم لمنتجات الصحافة، فالنمو السكاني كان هائلًا مع تضاعف عدد السكان ثلاث مرات تقريبًا خلال السنوات الخمسين الماضية (من 11.6 مليون نسمة في 1960 إلى 33.8 مليون نسمة في 2014) وعلى شاكلته مضت معدلات التمدين؛ إذ يعيش نحو ثلثي السكان حاليًّا في المدن، وكانت النسبة أقل من الثلث في 1960. يضاف إلى ذلك أن المغرب دولة شابة للغاية؛ فنحو 28.8% من السكان دون 15 عامًا، لكن هذا المشهد الاجتماعي لا يزال يقدم جمهورًا محدودًا للصحافة. لقد صيغت سياسة التعليم الوطنية على مدار عقود بعد الاستقلال لإعادة إنتاج الأوضاع الاجتماعية ذاتها بصورة صريحة، فاقتصر التمكين على دائرة القوى بنطاقها المحدود للغاية، وهي دائرة كانت بالأساس من الناطقين بالفرنسية القادرين على الازدهار والنمو لكونها محض امتداد للحقبة الاستعمارية. وهذا يعلِّل معدل الأمية المرتفع بالرغم من تناقصه المطَّرد خلال العقود القليلة الماضية؛ إذ لا يزال المعدل المسجل هو 32% في 2014، بعد أن كان 43% في 2004، و55% في 1994، و65% في 1982، و87% في 1960(51). في المقابل، كان ذلك المعدل 18.8% في تونس حسب بيانات العام 2014 (بعد أن كان 23.3% في 2004) (52) و15% في الجزائر (الديوان الوطني لمحو الأمية وتعليم الكبار) (53)؛ علمًا بأن نحو 45% من المغاربة في الفئة العمرية من 25 فما أكبر حَظَوا بتعليم محدود، أو غير متعلمين.
لا شك أن ذلك أثَّر سلبًا في حجم الجمهور القارئ، فاقتصر مستهلكو المنتج الصحفي على مجموعات ديمغرافية ضيقة ومحدودة ألا وهم أصحاب رأس المال الاقتصادي والثقافي القوي، وقاطنو المدن. وقد أفاد العديد من ضيوف المقابلات بأن معظم قراء الصحافة الوطنية المغربية موجودون في جهة الرباط-سلا-القنيطرة وفي منطقة الدار البيضاء-سطات.
ومن السمات الكاشفة لتركيبة الجمهور الصحفي في المغرب ما هو مرتبط بأوجه التفاوت بين الجنسين؛ فعلى سبيل المثال، يصل معدل أمية الإناث إلى 41.9%، أي نحو ضعف معدل أمية الذكور (".1)، وإن كانت هذه الفجوة قيد التضييق حاليًّا. لا تتوفر سوى بيانات محدودة عن زيارات الإناث لمواقع المعلومات الإلكترونية، لكن المؤشرات تبين أن الفجوة في هذا الصدد قيد التضييق هي الأخرى. يضاف لما سبق أن البنية الاجتماعية واللغوية في المغرب تكشف عن تزايد أهمية اللغة العربية بوصفها لغة للنشر، فيما تنزوي الفرنسية شيئًا فشيئًا لتصبح بمنزلة "الديكور" وفق ما يتردد على ألسنة المعلنين. ويفيد أحدث إحصاء عام بأن 99.4% من المتعلمين ضمن الفئة العمرية بين 10 أعوام فما أكبر بإمكانهم القراءة والكتابة بالعربية، مقابل 66% بالنسبة للفرنسية، و18.3% بالنسبة للإنجليزية.
عادات القراءة عند الجمهور من العوامل الأخرى المؤثرة في السوق (54)، وهو ما يؤدي إلى تراجع العوائد، ذلك بأن نسبة القراء في المقاهي (69% مقابل 39% في المنازل، حسب دراسة TMS-CSA)، أو في العمل (23%) مرتفعة للغاية. وهذا يعني أن القراءة منتشرة على نطاق واسع نسبيًّا حسب المستفاد من معدل توزيع الإصدارات الصحفية اليومية: فنحو 70% من المستجيبين الذين أفادوا بأنهم يقرؤون صحيفة يومية يقدمونها لغيرهم (لشخص واحد على الأقل) بعد الفراغ من القراءة، فيما يقدمها 45% لشخصين على الأقل. كما أكد أقل من نصف القراء أنهم اشتروا النسخ التي قرأوها.
ومن الخصائص الأخيرة الجديرة بالعرض أن نسبة مئوية محددة من المغاربة لا يعملون أو يعيشون داخل الأراضي الوطنية نظرًا لارتفاع معدلات الهجرة، وهو ما يؤثر تأثيرًا إيجابيًّا في فضاء وسائل التواصل الاجتماعي. وبالإضافة إلى شهرة موقع "يا بلادي" الإلكتروني المصمم بوضوح للمغاربة المقيمين في الخارج(55)، فإن الزيارات للصحافة الإلكترونية من خارج الحدود الوطنية باتت مرتفعة. وقد جرت العادة بأن تأتي منطقة باريس في المرتبة الثالثة بعد الرباط والدار البيضاء من حيث عدد الزيارات، وذلك حسب الأرقام المعلنة من (Google Analytics). وقد عُرضت علينا في العديد من المقابلات أرقام مباشرة من أهم المواقع الإلكترونية.
الخروج والصوت والولاء
كشف هذا العمل البحثي عن معاناة الكثير من الهياكل الإعلامية في المغرب من مستوى عال من المخاطرة ومن ضعف استقلاليتها. وفي سياق يظل فيه جمهور الصحافة المرتقب محدودًا نسبيًّا، وتملك فيه الهياكل الإعلامية الرسمية قدرة استقلالية محدودة أو منعدمة، فإن ما يحوز منها سلطة سياسية واقتصادية يتمكن من بناء ظروف اقتصادية وسياسية وفنية واجتماعية يجعل من المستحيل -عمليًّا- على وسائل الإعلام البديلة أن تسلط الضوء الناقد على النظام السياسي والاجتماعي.
إن نموذج "ألبرت أوتو هيرشمان" لأنماط السخط الثلاثة (الخروج، والصوت، والولاء) التي تجابه المؤسسات في عملها (1970) من شأنه أن يسهم إسهامًا إيجابيًّا في تلخيص المواقف التي اتخذها كبار المديرين والتنفيذيين في عالم النشر بالمغرب. وبالرغم من الندرة الإحصائية لحدوث "الخروج"، إلا أنه كان "خيارًا" لجأت إليه قلة مثل أحمد رضا بنشمسي (مؤسس "تيل كيل" و"نيشان") وأبوبكر الجامعي (ناشر "لو جورنال")، فقد ترك الرجلان المغرب بل وخرجا من دائرة النشاط الصحفي؛ فأولهما هو مسؤول الاتصال حاليًّا لدى "هيومان رايتس ووتش"، أما الآخر فهو عميد كلية الأعمال والعلاقات الدولية بالمعهد الأميركي للجامعات (آي إيه يو كوليدج) في "إين-أون-بروفينس" (فرنسا). غير أن مجموعة أخرى اختارت المكوث في المغرب، لكنها غيرت مسارات التعبير أو أنماطه، ومن ثم يمكن فهم مكون "الصوت" في النموذج المذكور باعتباره مستمرًّا في الصدوع، لكن باستحداث خيارات منها المنصات الإلكترونية التي تقوم في الغالب الأعم على وسائل متواضعة للغاية، وهي حقيقة مقترنة بالهشاشة الاقتصادية المستمرة فيها. ولعل الأمثلة الأفضل في هذا الصدد هي نسختا موقع "لكم" لصاحبه علي أنوزلا. وأما المكون الثالث من النموذج المذكور فهو "الولاء"، وقد انتصر هذا المكون بصفة عامة حتى أضحى العامل المهيمن؛ لاسيما في ظل استمرار الكثير من التنفيذيين/المديرين في إنتاج الأخبار بالاعتماد على المجموعة الاقتصادية ذات المكان والمكانة، مع التحسس للخطوط الحمراء التي طالما كان الحذر منها مطلبًا رئيسًا للنجاح في هذا القطاع في البلد محل نشأتها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*عبد الفتاح بنشنَّة- أستاذ الإعلام والاتصال في جامعة باريس 13 بفرنسا.
*إدريس كسيكس- أستاذ الإعلام والثقافة والكتابة الإبداعية بالمدرسة العليا للإدارة (HEM)، المغرب.
*دومينيك ماركيتي- مدير البحوث بالمركز الأوروبي لعلوم الاجتماع والعلوم السياسية في باريس، فرنسا.
ملاحظة: أُعد النص في الأصل باللغة الإنجليزية، ترجمه د. كريم الماجري إلى اللغة العربية.
(1) Miège, Jean Louis,“Journaux et Journalistes à Tanger au 19ème siècle”, Hespéris, Tome XLI, (1954), p. 191–228; Baida, J. La Presse marocaine d’expression française, (Faculté des Lettres et Sciences Humaines de Rabat, Casablanca, 1996); Aouchar, A. La Presse marocaine dans la lutte pour l’indépendance (1933–1956), (1990).
(2) (2) Zaid, B. Public Service Television Policy and National Development in Morocco, (University of South Florida, 2009); Campaiola, Jill, “The Moroccan Media Field: An Analysis of Elite Hybridity in Television and Film Institutions”, Communication, Culture & Critique, (Vol. 7, Issue 4, 25 August 2014), p. 487–505; Guaaybess, Tourya, “L’audiovisuel public marocain, à la croisée des chemins?” Ina Global, 22 September 2015, (Visited on 12 December 2017):
(3) Bensmaïn, A. Alors l’information? Les journalistes parlent du journalisme…et d’eux-mêmes, (Relié, 2014); Alaoui, M. Le Journaliste et les trois rois, (Casa Express Editions, Rabat, 2012); Daoud, Z. Les Années Lamalif: 1958–1988, trente ans de journalisme au Maroc, (Broche, 2007).
(4) ACRLI (The Arab Center for the Development of the Rule of Law and Integrity), The Rule of Law-Meetings and Lectures, 2005; Bouziane. Z., Ibahrine, M. Mapping Digital Media: Morocco, (Open Society Foundations London, 2011).
(5) (5) من الاستثناءات النادرة:
Hidass, Ahmed, “Quand ‘l’exception’ confirme la règle. L’encadrement juridique de la liberté de la presse écrite au Maroc”, L’Année du Maghreb, 15, (2016), p. 29–44; Naïmi, M. “Liberté de presse écrite au Maroc: l’évolution au regard de l’évaluation”, L’Année du Maghreb, 15, (2016), p. 45–60; El-Issawi, Fatima, “Moroccan National Media: Between Change and Status Quo”, LSE Middle East Centre Report, (April 2016); Benslimane, M. Presse “indépendante” et pouvoir: Le Journal (1997–2010) promoteur du trône au Maroc. Une psycho-socio-anthropologie historique du journalism politique, PhD diss, (University of Grenoble-Alpes, 2015); Benchenna, Abdelfettah, “De la mobilisation identitaire à l’entreprise lucrative? Le cas du portail d’information Yabiladi.com”, in Tristan Mattelart (ed.) Médias et migrations dans l’espace euro-méditerranéen, (Mare et Martin, Paris, 2014), p. 431–464 ; Miller, Catherine, “Observations concernant la présence de l’arabe marocain dans la presse marocaine arabophone des années 2009–2010”, In Mohamed Meouak, Pablo Sánchez, and Ángeles Vicente (eds.) De los manuscritos medievales a internet: la presencia del árabe vernáculo en las fuentes escritas, (Universidad de Zaragoza, Zaragoza, 2012), p. 419–440 ; Cohen, Anouk, “La langue du silence dans le Maroc urbain contemporain”, Revue de l’histoire des religions, 2, 2011, p. 245–263; Marley, Dawn, “Language Use in Women’s Magazines as a Reflection of Hybrid Linguistic Identity”, In Annabelle Cone and Marley Dawn (eds.) The Francophone Women’s Magazine. Inside and Outside of France, (University Press of the South, New Orleans, LA, 2010); Iddins, Annemarie, “Debating Darija: Telquel and Language Politics in Modern Morocco”, Media, Culture & Society, 37, 2015, p. 1–14.
(6) انظر أيضًا: السلسلة التي نشرتها مطبوعة "زمان" الشهرية التاريخية في 2012، وقد خُصصت بالكامل لـ"قصة الصحافة المغربية":http://zamane.ma/fr/?s="La±saga±de±la±presse±marocaine"
Belghazi, Taieb, “Identity Politics in Morocco”, In Edris Mackward, Mark L. Lilleht, and Ahmed Saber (eds.) North-South Linkages and Connections in Continental and Diaspora African Literatures, African Literature Association Annual, Vol. 12, (Africa World Press, Trenton, New Jersey, 2005), p. 459–473; Chadwick, A. The Hybrid Media System: Politics and Power, (Oxford University Press, New York, 2013).
(7) (7) تمثِّل هذه الدراسة المرحلة الأولى من مشروع بحثي مستمر، وتعتمد على مقومات منها المقابلات الشخصية، لكن مقتضيات التنسيق تطلبت عدم عرض هذه المادة عرضًا مباشرًا في هذا النص؛ فقد شهد العامان 2015 و2016 إجراء إحدى وثلاثين مقابلة، علمًا بأن تلك المقابلات والبحوث الوثائقية ذات الصلة متعلقة بعينة ممثِّلة لمختلف الاتجاهات الحالية في قطاع الصحافة الخاصة الورقية والإلكترونية بالمغرب. تُراعي الدراسة العديد من المعايير؛ وهي: معدل التوزيع، ونوع الدعم، والارتباط بالسلطات، والنموذج الاقتصادي المتبع.
(8) (8) للاطلاع على صلتها بوسائل الإعلام، انظر على وجه الخصوص:
Benson, R., and E. Neveu, (eds.(Bourdieu and the Journalistic Field, (Polity Press, Cambridge, 2005).
(9) Tunstall, J. and M. Palmer. Media Moguls, (Routledge, London, 1991); Wasko, J; G. Murdock, and H. Sousa (eds.) The Handbook of Political Economy of Communications, (John Wiley & Sons, Chichester, 2011).
(10) (10) Benchenna, Abdelfettah, “Une économie politique critique de l’entreprenariat culturel dans les pays du Maghreb est-elle envisageable?” In Abdelfettah Benchenna and Luc Pinhas (eds.) Industries culturelles et entrepreneuriat au Maghreb, (L’Harmattan, Paris, 2016), p. 38–58.
* تيسيرًا لقراءة هذه الدراسة، تستخدم كلمة "صحافة" لتصف كلًّا من الصحافة المطبوعة والإلكترونية.
(11) El Ayadi, Mohamed, “Presse écrite et transition”, Cahiers bleus, (Fondation Abderrahim Bouabid/Fondation Friedrich Ebert Stiftung, Rabat, 2006); Tiers, Joëlle, and Ruf, Ruf, “La presse au Maghreb”, In Centre de recherches et d’études sur les sociétés méditerranéennes (ed.) Introduction à l’Afrique du Nord contemporaine, (IREMAM-CNRS éditions, Aix-en-Provence, 1975).
(12) Mouhtadi, N. Pouvoir et communication au Maroc: monarchie, médias et acteurs politiques (1956–1999), (L’Harmattan, Paris, 2008), p. 76.
(13) Hidass, “Quand ‘l’exception’ confirme la règle. L’encadrement juridique de la liberté de la presse écrite au Maroc”, op, cit, p. 29–44.
(14) Ksikes, Driss, “Chronique des liens contrastés entre médias et pouvoirs au Maroc”, Economia.ma, (Visited on 1 January 20170):
(15) http://economia.ma/content/chronique-de-liens-contrastés-entre-médias-et-pouvoirs-au-maroc
(16) Daoud, Z. Les Années Lamalif: 1958–1988, trente ans de journalisme au Maroc, (Broche, 2007); Parrilla, Gonzalo Fernández, “The Challenge of Moroccan Cultural Journals of the 1960s”, Journal of Arabic Literature, (Vol. 45, Issue 1, 2014), p 104-128; Sefrioui, K. La Revue Souffles: 1966–1973: espoirs de révolution culturelle au Maroc, (Éditions du Sirocco, Casablanca, 2012).
Alaoui, Le Journaliste et les trois rois, op, cit.
(17) Bennani-Chraïbi, Mounia, “Le Maroc à l’épreuve du temps mondial”, In Zaki Laidi (ed.) Le Temps mondial, (Complexe, Bruxelles, 1997), p. 105–141.
(18) Hibou, Béatrice, and Tozy, Mohamed, “De la friture sur la ligne des réformes. La libéralisation des télécommunications au Maroc”, Critique internationale, 14, (2002), p. 91–118.
(19) Benslimane, Presse “indépendante” et pouvoir: Le Journal (1997–2010) promoteur du trône au Maroc. Une psycho-socio-anthropologie historique du journalism politique, op, cit.
(20) Cohen, “La langue du silence dans le Maroc urbain contemporain”, op, cit, p. 261.
(21) Naji, J. E. (dir.). Media et Société au Maroc. Diagnostic et feuille de route, (Parlement du Royaume du Maroc, Rabat, 2011).
(22)
(23) تقرير الاستقصاء الوطني لنسب القراءة في المغرب، 2011/2012، Haut-commissariat au Planhttp://www.hcp.ma/region-drda/attachment/534458/(23) Bouziane; Ibahrine, Mapping Digital Media: Morocco, op, cit, p. 29.
(24) (كل البيانات الواردة في هذا القسم مستمدة من هذه المؤسسة، ما لم يحدد خلاف ذلك.
(25) هذا التأطير المستمر لا يراعي سوى الإصدارات الموجودة خلال الفترتين المذكورتين، لكنه يتجاهل كل الإصدارات الجديدة أو حالات انتقال الملكية.
(26) الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات (ANRT).
(27) جهد LMS-CSA لفائدة الفيدرالية المغربية لناشري الصحف (FMEJ).
(28) وزير الاتصالات بالمملكة المغربية، "جهود تعزيز حرية الصحافة: التقرير السنوي"، ص 36.
(29) Baida.La Presse marocaine d’expression française, op, cit, p. 18.
(30) (30) نشر وزير الاتصالات هذه الأرقام وأوردها:
Mouhtadi. Pouvoir et communication au Maroc, op, cit, p. 79.
هذه النوعية من البحوث لم تجرها الوزارة بعد 2006، لذلك لا تتوافر بيانات أحدث.
(31) (31) انظر عدة مصادر، منها:
Akalay, Aicha, “Enquête. Le phénomène Niny”, telquel.ma, 8 Mai 2012, (Visited on 1 January 2017):
https://telquel.ma/2012/05/08/enquete-le-phenomene-niny_352_2649
(32) (32) استحوذ مولاي حفيظ العلمي على مجلة "زمان" و"لا في إيكو" في 30 أبريل/نيسان 2012.
(33) (33) Catusse, M. Le temps des entrepreneurs? Politique et transformations du capitalism au Maroc, (IRMC-Maisonneuve & Larose, Paris, 2008), p. 37.
(34) (34) Benchenna, “De la mobilisation identitaire à l’entreprise lucrative? Le cas du portail d’information Yabiladi.com”, op, cit.
(35) (35) الشركات الإلكترونية فقط.
(36) (36) http://www.globalmediaholding.ma.
(37) (37) Http://www.geomedia.ma.
(38) (38) حمل كريم بناني صفة مساهم مشارك في "إنتغرال ميديا" (Integral Media) مع المستشار السياسي لمحمد السادس، فؤاد عالي الهمة، وكريم بوزيدة، مسؤول التواصل بالقصر الملكي؛ وتقدمت الشركة بطلب لترخيص البث المتلفز في 2008 (المصدر، Maghreb Confidentiel, no. 1138، 8 من يناير/كانون الثاني 2015).
(39) (39) Amar, A. Mohammed VI: le grand malentendu, (Calmann-Lévy. Paris, 2009), p. 15.
(40) (40) http://adala.justice.gov.ma/production/html/Fr/liens/..\44731.htm.
(41) (41) خطاب الملك بتاريخ 30 يوليو/تموز 2004.
(42) (42) "لائحة الدعم العمومي الممنوح للصحافة المكتوبة: صحف تنال ملايين من الدعم العمومي دون أن تقدم شيئًا"، كود، 12 أبريل/نيسان 2012، (تاريخ الدخول: 1 يناير/كانون الثاني 2017):
https://www.goud.ma/لائحة-الدعم-العمومي-الممنوح-للصحافة-ا-100480
(43) (43) "مفارقات لائحة الصحف المستفيدة من الدعم"، 2 أبريل/نيسان 2012، (تاريخ الدخول: 1 يناير/كانون الثاني 2017):
http://www.hespress.com/medias/50941.html.
(44) (44) “L’aide aux journalistes: La liberté de la presse en otage!”, journalinbled.wordpress.com, 14 February 2016, (Visited on 1 January 2017):
(45) (45) "الصحفي سليمان الريسوني يلمِّح لصفقة رشيد نيني مع الحكم بعد خروجه من السجن"، Anwalpress.com، 19 يوليو/تموز 2016، (تاريخ الدخول: 1 يناير/كانون الثاني 2017):
https://anwalpress.com/الصحفي-سليمان-الريسوني-يلمح-لصفقة-رشي/
** رئيس الحكومة المغربية بين 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2011-5 أبريل/نيسان 2017.
(46) (46) تأسست "سابريس" (الشركة العربية الإفريقية للتوزيع والنشر والصحافة) في العام 1977 على يد ثلاثة أحزاب سياسية (الاستقلال، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وحزب التقدم والاشتراكية)، وذلك بغية بناء صحافة وطنية في بلد كانت الإصدارات الأجنبية تستحوذ على حصة كبيرة من السوق فيه.
(47) (47) ظهرت "سوشبريس" (Sochepress) (الشركة الشريفة للتوزيع والصحف) في الخمسينات خلفًا لـ"ماساجيري هاشيت" (Messageries Hachette) بوصفها موزعًا صحفيًّا في المغرب. بعد الاستقلال وفي ظل "مغربة" (تأميم) الشركات، خضع الكيان المذكور للإدارة المشتركة من قبل الدولة ومجموعة "هاشيت". وفي العام 1975، استحوذت الدولة على جميع الأسهم قبل أن تتم الخصخصة بعد ذلك بعشرين عامًا لفائدة عائلة "الحريزي" التي غيرت اسم الشركة إلى "Mouvelles Messagerie de la Presse Parisienne" (ثم إلى Presstalis). ومنذ العام 2008، آلت ملكية "سوشبريس" بالكامل إلى الشركة الفرنسية المذكورة.
(48) Chennaoui, Samir, “Sapress: nouveau patron, nouveau mode de gestion”, le360.ma, 12 Janvier 2015, (Visited on 1 January 2017):
http://fr.le360.ma/medias/sapress-nouveau-patron-nouveau-mode-de-gestion-29481
(49) (49) OJD Maroc2008.
(50) http://www.ojd.ma/Adherents/Presse-payante/AL-MASSAE Naji. Media et Société au Maroc. Diagnostic et feuille de route, op, cit, p. 265-266.
(51) هذا الرقم محسوب على الفئة العمرية من 10 أعوام فما أكبر من السكان. Haut-Commissariat au Plan (HCP).
(52) “Baisse à 18,8% du taux d’analphabétisme en Tunisie”, directinfo, 14 Avril 2015, (Visited on 1 January 2017):http://directinfo.webmanagercenter.com/2015/04/14/baisse-a-188-du-taux-danalphabetisme-en-tunisie/.
(53) (53) "الجزائر: انخفاض نسبة الأمية إلى 15.5%"، الشرق، 8 سبتمبر/أيلول 2014، (تاريخ الدخول: 1 يناير/كانون الثاني 2017): https://www.al-sharq.com/article/08/09/2014/الجزائر-انخفاض-نسبة-الأمية-إلى-15-15
(54) Daghmi, Fathallah; Pulvar, Olivier; and Toumi, Farid, “Médias et publics au Maroc”, Les Enjeux de l’information et de la communication 13 (1), 2012, p. 85–98.
(55) Benchenna, “De la mobilisation identitaire à l’entreprise lucrative? Le cas du portail d’information Yabiladi.com”, op, cit.