مستقبل الدور السعودي في المنطقة- الورقة الأولى

تقوم هذه الدراسة على أن افتقاد السعودية لشرط الفعل الذاتي سيجعلها مكتفية على المدى القصير والمتوسط بدور القوة الإقليمية المساعدة وليس الرائدة، ويتعزز هذا التصور بالمحددات الداخلية والمحددات الإقليمية ولن يتجاوز حدود فعلها استخدام القوة الناعمة








 

النتائج والتوصيات
مقدمة
التحليل



النتائج والتوصيات



1 - تمثل كل من إسرائيل وإيران ومصر القوى المركزية المنافسة للدور السعودي في المنطقة، وتسعى كل دولة من هذه الدول إلى توظيف متغيرات القوة الناعمة والخشنة على حد سواء لإقناع القوى الدولية الكبرى بشكل خاص بأن مصالحها في المنطقة تصان من خلال المرور بعاصمة هذه الدولة.


2 - هناك ظروف داخلية وخارجية تحدد مستقبل الدور السعودي في المنطقة، بحيث يظل دور السعودية التقليدي وهو دور اللاعب المساعد، وليس اللاعب الرئيسي في المنطقة، بعكس كل من إسرائيل وإيران اللتين تتمتعان بمرونة أكبر للعب دور اللاعب الرئيسي في المنطقة.


3 - إن هذه المحددات تجعل الدبلوماسية السعودية لا تندفع بقوة نحو لعب دور الدولة الإقليمية المركزية على المدى القصير مهما تكن إغراءات الدور، وستعود إلى لعب دور القوة المساعدة على المدى المتوسط.


4 - تاريخ الشرق الأوسط المعاصر، يظهر أن متغيرات القوة الخشنة هي مفتاح التربع على كرسي القيادة الإقليمية، ومراجعة التاريخ السعودي المعاصر، يدل على أن خبرة السعودية في مجال القوة الخشنة هي خبرة محدودة إلى أبعد الحدود، وهو ما يجعلها تقتصر دبلوماسيتها على أدوات القوة الناعمة (تقديم المبادرات، تسوية الخلافات، التوسط في الخلافات، السعي للتهدئة، تقديم الأموال، فتح القنوات الدبلوماسية الخلفية مع إسرائيل، توظيف استثمارات مالية لضمان نفوذ سياسي، استضافة بعض الرموز، محاولة التأثير على اقتصاديات الدول الأخرى من خلال زيادة الإنتاج البترولي أحيانا... إلخ).


5 - تسعى السعودية إلى توسيع دائرة شبكة علاقاتها الدولية، إلى جانب علاقاتها التقليدية مع الولايات المتحدة وأوروبا واليابان، من خلال الانفتاح المتزايد على روسيا، وتنامي علاقاتها الاقتصادية مع الصين.


6 - رغم بعض التوتر في علاقات الولايات المتحدة مع السعودية (بعد 11 سبتمبر 2001، ونتيجة لانتقادات بين الحين والآخر من مؤسسات أميركية لسياسات حقوق الإنسان في السعودية، أو بعض التعبيرات السعودية حول احتلال العراق كما حدث في القمة العربية الأخيرة)، فإن هذه التباينات لا تطغى على "التفاهمات الإستراتيجية" بين الطرفين.


7 - القضية المركزية في الفترة الحالية هي التفاهم على "تطويق الدور الإيراني في المنطقة"، ويبدو أن السعودية تسعى لأن تقوم بدور اللاعب الإقليمي المساعد في هذه المهمة، خوفا من تصاعد المشكلة إلى حد المواجهات العسكرية الشاملة، التي قد لا تكون السعودية مستعدة لتحمل تبعاتها البشرية والمالية والسياسية.



مقدمة




تتبوأ الدول مكانتها السياسية في المجتمع الدولي من خلال مستويات بنيوية ثلاثة، البنية الداخلية ممثلة في مدى التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدولة ومجتمعها، والبنية الإقليمية وتتجلى في موازين القوى النسبية بينها وبين القوى الأخرى في المنطقة من خلال قدرة كل منها على توظيف مواردها المختلفة لصالح سياساتها، وأخيرا بنية دولية تعكسها درجة التناغم مع الاتجاهات السائدة والمؤثرة في النظام الدولي.


وقد تتضارب هذه البنيات في توجهاتها، مما يضفي على التخطيط السياسي لبناء المركز الإقليمي والدولي للدولة قدرا من عدم اليقين نتيجة التعقيد الشديد. وفي ضوء ما سبق سنعمل على تحديد المركز الإقليمي للمملكة العربية السعودية وتفسير الحيوية الدبلوماسية التي تجلت لها في السنوات القليلة الماضية.



التحليل






"
كل نشاط دبلوماسي خارجي يجب أن يرتكز غلى بنية داخلية متماسكة، وبالمقابل فإن أي نجاح دبلوماسي خارجي يمكن توظيفه داخليا لتعزيز مكانة النظام السياسي

"
أدى الانكفاء المصري التدريجي منذ عام 1975، وانحسار المد اليساري مع انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991، والحاجة الغربية لقاعدة ارتكاز لمواجهة تنامي الدورين العراقي والإيراني في أهم مناطق المخزون النفطي العالمي، والقبول المبدئي من قبل النظم السياسية العربية بالوجود الإسرائيلي، إلى حدوث فراغات جيوإستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط تنتظر من يشغلها من ناحية، وتراجع للأيديولوجيات لصالح الثقافات (والدين أبرزها) من ناحية ثانية... وكل ذلك أوجد بيئة إقليمية مهيأة لتنامي الدور السعودي.

فإذا كان المسرح الإقليمي قد توافقت ظروف عدة على تهيئته لصالح ممثل معين (السعودية)، فهل استطاع هذا الممثل أن يؤدي دوره بشكل جيد؟ وهل قدّر له أن يستمر في أداء هذا الدور بنجاح؟ هذا ما سنحاول الغوص في ملابساته.




أولا: إشكالية البعد الداخلي
ثمة مجموعات ثنائيات متقابلة في بنية السلوك السياسي والمجتمعي السعودي، ويشكل الانحياز الرسمي لأي منها معضلة لصانع القرار السياسي السعودي، وتتركز أبرز هذه الثنائيات في الرغبة في تحديث وإصلاح المجتمع السعودي (استجابة لمطالب البيئة الدولية من ناحية وضرورات التكيف مع متطلبات الحياة من ناحية ثانية) يقابلها الخوف من أن يؤدي التحديث والإصلاح إلى فقدان القاعدة الوهابية والقوى المحافظة التي تشكل أحد ركائز النظام السياسي، وقد يؤدي الضغط على هذه القاعدة إلى تنامي انحيازها نحو تيار المعارضة المسلحة ممثلة في "القاعدة" تحديدا.


وكل نشاط دبلوماسي خارجي يجب أن يرتكز على بنية داخلية متماسكة، وبالمقابل فإن أي نجاح دبلوماسي خارجي يمكن توظيفه داخليا لتعزيز مكانة النظام السياسي. ومن هنا فإن الإشكالية الأولى هي في كيفية التوفيق بين الرغبة في التحديث والإصلاح وبين الخوف من عدم القدرة على التحكم في مخرجات هذا التحديث.


ومن الواضح أن تنامي الحاجة الدولية للدور الإقليمي السعودي (ضد إيران ولضبط التوتر في العراق ولتعزيز المسار السلمي في الصراع العربي الإسرائيلي)، سيجعل مطالب التحديث والديمقراطية من قبل البيئة الدولية تتوارى في الظل، وهو أمر مرجح على المدى القصير.


غير أن الانغماس في الوظيفة الإقليمية المطلوبة من القوى الدولية، سيعطي مصداقية متزايدة للأدبيات السياسية المعارضة لا سيما أدبيات "القاعدة"، وسيجعل القدرة على التوفيق بين النصوص الدينية التي تربى عليها المجتمع السعودي لعقود متتالية وبين السلوك السياسي للسلطة أمرا غير يسير، ولعل المخرج من هذه الثنائية هو التوفيق بين بعديها بأن تنكفئ السعودية لتلعب دورها التقليدي وهو دور اللاعب المساعد وليس اللاعب الرئيسي في المنطقة.


وثمة عوامل أخرى مساعدة على دفع السعودية إلى عدم الإغراق في السعي نحو مركز إقليمي قيادي:



أ-اتساع قاعدة الطبقة الوسطى في ظل التنامي المتواصل لأسعار البترول (فقد تضاعف إجمالي الناتج المحلي منذ 1996)، وهذه الطبقة الوسطى ستعمل للحصول على نصيب لها في السلطة، وهو الأمر الذي قد يخلق توترات داخلية تدفع السلطة نحو التركيز على الوضع الداخلي على حساب الدور الإقليمي، وقد يكون ذلك على المدى المتوسط.


ب-توسيع قاعدة النخبة الحاكمة، فمن المعروف أن النخبة السياسية تنتمي بشكل أساسي إلى الرياض والمدينة المنورة، وقد يكون صعود دور الشيعة في الدول الخليجية الأخرى حافزا للشيعة في السعودية (ويشكلون 5% من السكان، ولكنهم يشكلون 33% من سكان المنطقة الشرقية ذات الموارد البترولية الكبرى) للعمل على توسيع قاعدة مشاركتهم في السلطة، وهو ما سيزيد من التوترات الداخلية التي ستعمل على الانكفاء إلى الداخل على حساب الدور الإقليمي.


ج- من الملاحظ أن الصف الأول من النخبة الحاكمة في السعودية يتسم بالتقدم الكبير في العمر (عبد الله وسلطان تجاوز كل منهم ثمانين سنة)، وهو ما يعني أننا قد نشهد تغيرا في الحكم أو ولاية العهد أكثر من مرة خلال المدى القصير، وهو ما سيجعل وتيرة التحديث والإصلاح تتلكأ لمواجهة الفترات الانتقالية المتلاحقة، وهو ما يتسق مع النتيجة السابقة.


د-إن الانغماس في دور إقليمي أكبر من الدور التقليدي قد يفتح المجال أمام تباينات في صفوف النخبة الحاكمة، ولعل استقالة السفير السعودي في واشنطن (ديسمبر 2006) بعد أقل من سنة ونصف من توليه هذا المنصب، يعطي نموذجا على مثل هذه الحالة دون المبالغة في تداعيات مثل هذه المسالة.


ذلك يعني بداية أن المحددات الداخلية ستجعل الدبلوماسية السعودية لا تندفع بقوة نحو لعب دور الدولة الإقليمية المركزية على المدى القصير مهما تكن إغراءات الدور، وستعود إلى لعب دور القوة المساعدة على المدى المتوسط.




ثانيا: إشكالية البعد الإقليمي



"
يعزز البترول مكانة الدولة، لكنه يعزز من التنافس الدولي عليها وتعطي الرمزية الدينية "قدرا من المهابة والاحترام" للدولة، لكنها تجعل المسلمين ينتظرون من "رمزهم" سلوكا سياسيا يتسق مع هذه الرمزية
"
تمثل كل من إسرائيل وإيران والسعودية ومصر القوى المركزية في المنطقة (وقد خرجت العراق من هذه المجموعة، وتتجه النخبة التركية نحو أوروبا بشكل أساسي)، وتسعى كل دولة من هذه الدول إلى توظيف متغيرات القوة الناعمة والخشنة على حد سواء لإقناع القوى الدولية الكبرى بشكل خاص بأن مصالحها (مصالح القوى الكبرى) في المنطقة تصان من خلال المرور بعاصمة هذه الدولة.

وتتمثل متغيرات القوة السعودية في البترول (بوصفه سلعة إستراتيجية ومصدر نفوذ مالي) وفي الرمزية الدينية (الأماكن المقدسة)، ولكن هذين المتغيرين مزيج من "النعمة والنقمة"، ومحاولة توظيف"النعمة" لكل منهما ليست بالأمر الهين كما يبدو للوهلة الأولى.


فالبترول يعزز من مكانة الدولة، لكنه يعزز من التنافس الدولي عليها بكل تبعات هذا التنافس، والرمزية الدينية تعطي "قدرا من المهابة والاحترام" للدولة، ولكنها تجعل المجتمع المسلم ينتظر من "رمزه" سلوكا سياسيا يتسق مع دلالات هذه الرمزية، وهو أمر له مغارم قدر مغانمه.


وذلك يعني أن متغيرات القوة السعودية ستجعل صانع القرار السياسي يوظفها بقدر من الاتزان وبلا رعونة، متجاوزا إغراءات الريادة الإقليمية.


فإذا أضفنا لذلك أن القوى الدولية -من خلال التنافس- ستعمل على توظيف القوة السعودية لصالحها في بعض الأحيان، فإن ذلك يشكل تقليصا لقدرة السعودية على توظيف متغيراتها لصالحها فقط.


ولعل هذا الجانب هو الذي يعطي كلا من إسرائيل وإيران قدرة ومجالا أرحب للمنافسة على "الريادة الإقليمية"، فأدوات القوة الإسرائيلية (القوة العسكرية، تطور النظام السياسي، النفوذ الدولي عبر شبكات اللوبي، التطور التكنولوجي... إلخ)، وأدوات القوة الإيرانية (مركزية مذهبية تحظى بتأييد قوي من قبل شظاياها في لبنان والعراق والخليج، نظام سياسي له قاعدة انتخابية هامة، موارد بترولية، عدد سكاني كبير جدا قياسا بدول المنطقة، قدر كاف من الاستقلالية السياسية الفعلية... إلخ) تمنحهما ميزات تنافسية نسبية على حساب السعودية (مع الإقرار بأن للدولتين نقاط ضعف ليس هنا مكان مناقشتها لخروجها عن الموضوع).


ويبدو أن السعودية تدرك "حدود قوتها"، وتدرك أن انغماسها في مواجهات عسكرية تقتضيها منافسات الريادة الإقليمية قد يدخلها في دوامة من عدم الاستقرار، والنموذج العراقي شاخص أمامها.


ومن الواضح من تاريخ الشرق الأوسط المعاصر، أن متغيرات القوة الخشنة هي مفتاح التربع على كرسي القيادة الإقليمية (وهو ما يتضح في الدور المصري في الحقبة الناصرية وتراجع هذا الدور بعد التخلي عن هذه الأداة، وتنامي الدور العراقي في المراحل الأولى من الحرب مع إيران، وتنامي الدور الإيراني مع تزايد القوة العسكرية لإيران وهواجس الطموح النووي، واستمرار المكانة المركزية الإسرائيلية بسبب متغيرات القوة الخشنة لديها).


ومراجعة التاريخ السعودي المعاصر تدل على أن خبرة السعودية في مجال القوة الخشنة هي خبرة محدودة إلى أبعد الحدود، وهو ما يجعلها تقتصر دبلوماسيتها على أدوات القوة الناعمة (تقديم المبادرات، تسوية الخلافات بين الفرقاء في المنطقة مثل ما حدث بين فتح وحماس ومحاولة التوسط في الخلافات اللبنانية، السعي لتهدئة التوتر الطائفي بين السنة والشيعة في المنطقة كما حدث في مؤتمر مكة، تقديم الأموال لبعض الأطراف في العراق أو غيرها، الدعاية السياسية من خلال شبكة من الصحف والمحطات الفضائية في المنطقة أو خارجها، فتح القنوات الدبلوماسية الخلفية مع إسرائيل، توظيف استثمارات مالية لضمان نفوذ سياسي كما في لبنان وغيره، استضافة بعض رموز المعارضة السورية -خدام والبيانوني ورفعت الأسد-، محاولة التأثير على الاقتصاد الإيراني من خلال زيادة الإنتاج البترولي أحيانا... إلخ).


وفي الحقيقة، نجحت السعودية في توظيف أدوات القوة الناعمة نجاحا لا شك فيه رغم بعض ثغراته، وتعززت مكانتها الدولية والإقليمية. لكن النجاح في استثمار القوة الناعمة لا يكفي في منطقة مضطربة إن لم تسنده متغيرات القوة الخشنة، وهو أمر تبدي السعودية قدرا كبيرا من التردد في الإقدام عليه رغم صفقات شراء الأسلحة بأموال طائلة، التي قد تكون الاعتبارات الداخلية في عقدها أكبر من اعتبارات التوظيف الخارجي.


وفي الجانب الديني، باعتباره متغيرا من متغيرات القوة الناعمة ثمة إشكالية مهمة، فمقارنة الاتساق بين إيران "كمركز شيعي" وبين التجمعات الشيعية في المنطقة من ناحية، مع الاتساق بين السعودية "كمركز سني" وبين المجتمعات السنية العربية، تدل على أن حجم التمرد على المركزية السعودية بين السنة أكبر وأعمق من التمرد على المركزية الإيرانية بين الشيعة، وهو أمر يحاصر نفوذها من هذه الزاوية، ويجعل المكانة الرمزية لها أقل فاعلية، وهو أمر تعيه القيادة السعودية جيدا.


وذلك يعني أن السعودية ستكتفي بدور القوة الإقليمية المساعدة للقوى الدولية، ليس من باب "التعفف السياسي"، ولكن من باب حساب النتائج المترتبة على محاولة لعب دور إقليمي أكبر، وما يقتضيه هذا الدور أحيانا من ضرورات اللجوء للقوة الخشنة، وهو أمر ربما لا تتمكن هياكل الدولة وبنية المجتمع السعودي من تحمل أعبائه.


خلاصة الأمر في هذا الجانب أن السعودية ستعمل على تحسين مركزها الإقليمي المساعد (بإضعاف إيران، ومنع وجود حكومة عراقية مساندة لإيران، أو منع تنامي نموذج حزب الله، أو خلق وتكريس صورة الوسيط النزيه حتى بين العرب وإسرائيل... إلخ)، ولكنها ستحرص على عدم الوقوع في غواية القوة الإقليمية المركزية.




ثالثا: إشكالية البعد الدولي



"
عرف تاريخ الشرق الأوسط ثلاث محاولات هي المحاولة الناصرية التي نجحت في بداياتها ثم انهارت، والعراقية التي انتهت إلى ما نشاهده، والمحاولة الإيرانية التي يبدو أنها تدير فعلها بقدر من المغامرة وقدر من العقلانية
"
سعت السعودية إلى توسيع دائرة شبكة علاقاتها الدولية، إلى جانب علاقاتها التقليدية مع الولايات المتحدة وأوروبا واليابان، من خلال الانفتاح المتزايد على روسيا (مثلته زيارة الرئيس بوتين الأخيرة) وتنامي علاقاتها مع الصين (بالتنامي في حجم العلاقات التجارية بين البلدين إلى أكثر من 11 مليار دولار مع نهاية العام الماضي).

ورغم بعض التوتر العابر في علاقات الولايات المتحدة مع السعودية (بعد 11 سبتمبر 2001 وتورط عدد غير قليل من السعوديين في ملابساتها، ونتيجة لانتقادات بين الحين والآخر من مؤسسات أميركية لسياسات حقوق الإنسان في السعودية، أو بعض التعبيرات السعودية حول احتلال العراق كما حدث في القمة العربية الأخيرة)، فإن هذه التباينات لا تؤثر في "التفاهمات الإستراتيجية" بين الطرفين، التي تطغى عليها في كل مرحلة من المراحل قضية معينة.


وقد تكون القضية المركزية في الفترة الحالية هي التفاهم على "تطويق الدور الإيراني في المنطقة"، وهو أمر يبدو أن الولايات المتحدة تسعى فيه على المدى البعيد إلى التخلص من النظام الإيراني، لتصبح المنطقة كلها منطقة نفوذ أميركية، وتكتمل حلقات تطويق روسيا والصين والسيطرة على مناطق البترول ووسائل نقله.


ويبدو أن السعودية تسعى لأن تقوم بدور اللاعب الإقليمي المساعد في هذه المهمة، خوفا من تصاعد المشكلة إلى حد المواجهات العسكرية الشاملة، التي ربما لا تكون السعودية مستعدة لتحمل تبعاتها البشرية والمالية والسياسية، لذا فإنها تؤدي دورها من خلال محاولة "إغواء" إيران بالتقارب معها (الاتصالات المختلفة على مستوى القمة وما دونها بين البلدين)، أو بتطويق نفوذها في العراق ولبنان وفلسطين.


ومن الملاحظ أن السعودية استفادت من اتساع دائرة حركتها، فقد تم تطويق نتائج اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول 2001 على العلاقات بين البلدين، كما أن صور التعذيب في العراق وغوانتانامو جعلت الدعوات الأميركية إلى الإصلاح السياسي أقل جذبا واهتماما.


إن ضرورات الدور الإقليمي القائد يشترط امتلاك "القدرة على الفعل الذاتي وامتلاك المبادرة الذاتية والتصور الخاص" بانفصال عن إستراتيجيات الدول الكبرى، ولعل تاريخ الشرق الأوسط المعاصر لم يعرف إلا ثلاث محاولات في هذا الجانب: المحاولة الناصرية التي نجحت في بداياتها ثم انهارت، والتجربة العراقية التي انتهت إلى ما نشاهده على المسرح العراقي، وأخيرًا المحاولة الإيرانية التي يبدو أنها تدير فعلها بقدر من المغامرة وقدر من العقلانية.


إن افتقاد السعودية لشرط الفعل الذاتي، سيجعلها مكتفية بشكل واضح على المدى القصير والمتوسط بدور القوة الإقليمية المساعدة وليس الرائدة، ويتعزز هذا التصور بالمحددات الداخلية والمحددات الإقليمية التي سبقت الإشارة لها، ولن يتجاوز حدود فعلها استخدام القوة الناعمة.