محمود محارب |
1- استمرار الضغط متعدد الجوانب على الشعب الفلسطيني وقيادته من أجل إحداث تآكل في الموقف الفلسطيني من قضايا الصراع الأساسية.
2- استمرار الاستيطان لخلق واقع جديد في الأرض الفلسطينية المحتلة، تسعى إسرائيل لفرضه على الشعب الفلسطيني.
3- استمرار حصار الشعب الفلسطيني في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة:
أ- بالنسبة إلى قطاع غزة، تسعى إسرائيل لإحكام الحصار عليه ومنع وصول غالبية المواد الأساسية إليه لتدمير اقتصاده وإيصاله إلى حافة الجوع، وتحضير الرأي العام المحلي والدولي لمزيد من العقوبات الجماعية ضد قطاع غزة -بما في ذلك قطع التيار الكهربائي- بهدف إفشال حكومة حماس وتأليب الشعب ضدها وخلق حالة من اليأس والإحباط ليسهل تقبل السياسة الإسرائيلية.
ب- بالنسبة إلى الضفة الفلسطينية المحتلة، حيث تجرى المعركة الأساسية لاقتطاع مساحة واسعة منها وضمها إلى إسرائيل، تستمر تل أ[يب في حصارها وسيطرتها العسكرية المباشرة عليها، وفي تقطيع أوصالها وتقسيمها إلى ست مناطق بواسطة الحواجز والمستوطنات وجدار الفصل، وهذه المناطق هي: شمال الضفة، وسط الضفة، جنوب الضفة، غور الأردن، المناطق المحاطة بجدار الفصل، ومنطقة القدس. وتتحكم إسرائيل في حركة السير بين كل منطقة وأخرى.
4- الحفاظ على الانشقاق وتعميقه داخل الحركة الوطنية الفلسطينية بين فتح وحماس، وتعميق الانفصال الجغرافي بين الضفة والقطاع.
5- رفض وقف إطلاق النار أو الهدنة، ومنح الآلة العسكرية الإسرائيلية حرية الحركة بالاستمرار في البطش بالفصائل الفلسطينية بشكل خاص وبمجمل الشعب الفلسطيني بشكل عام. وهناك قناعة لدى القيادة الإسرائيلية بأن إسرائيل تستطيع في ضوء الانقسام الفلسطيني والوضع الإقليمي والدولي، الاستمرار في محاولة إيجاد حل عسكري للصراع مع الفلسطينيين، وأنها تستطيع تحمل الأعباء الاقتصادية والخسائر البشرية المترتبة عن هذا الحل العسكري. فقد بلغت خسائرها البشرية 13 قتيلا عام 2007، و24 قتيلا عام 2006، و50 قتيلا عام 2005.
رغم حديثها الدائم عن السلام، تنطلق إستراتيجية إسرائيل تجاه الشعب العربي الفلسطيني والدول العربية أيضا، من منطلقات القوة والحرب والصراع وموازين القوى. وهي تسعى لتحقيق أهدافها وفرض الحل الذي ترتئيه على الشعب الفلسطيني مستندة إلى عوامل قوة ترجح ميزان القوى لصالحها.
فوضعها الاقتصادي المتطور الذي يصل دخل الفرد السنوي فيه إلى 20 ألف دولار، يمكنها من تخصيص ميزانية مرتفعة للأمن. وهي تتفوق على جميع الدول العربية في الأسلحة التقليدية، وتحتكر السلاح النووي، وتمتلك القدرة على القيام "بالضربة النووية الثانية"، وتتمتع بإرادة سياسية موحدة تساهم المؤسسة الأمنية في بلورتها وفي تعبئة المجتمع الإسرائيلي من خلال عملية "الديمقراطية الإسرائيلية" القائمة على "مقدسات" أيدولوجية وسياسية وأمنية تتمحور حول قدسية الدولة اليهودية والجيش والأمن. وفوق ذلك كله، تتمتع إسرائيل بعلاقات مميزة وراقية للغاية مع الولايات المتحدة تحصل بموجبها على مساعدات ودعم أميركي حيوي هام جدا في المجالات العسكرية والاقتصادية والسياسية بهدف الحفاظ على تفوق إسرائيل على كل من يحيط بها من العرب.
في ضوء ذلك ونتيجة ضعف الدول العربية واضمحلال العمل العربي المشترك وتكريس حالة الانقسام والصراع بين الدول العربية، واستفحال الصراعات الداخلية في الكثير من الدول العربية، وتخلي العرب عن مواجهة إسرائيل وتعاملهم مع التفوق الإسرائيلي العسكري عليهم كمعطى ثابت، يشكل العامل الديمغرافي الفلسطيني ووجود الحركة الوطنية الفلسطينية -بإيجابياتها وسلبياتها- العامل الأساسي المؤثر على الإستراتيجية الإسرائيلية تجاه مصير المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967 بشكل خاص والقضية الفلسطينية بشكل عام.
فاستمرار وجود الشعب الفلسطيني في وطنه وتزايده رغم الاحتلال وبطشه، شكل معضلة مزمنة لإسرائيل ما فتئت تتفاقم يوما بعد آخر. وتنبع هذه المعضلة من التناقض القائم بين الهدف الصهيوني القاضي بضم الضفة الفلسطينية من ناحية، وبين هدف الحفاظ على إسرائيل كدولة يهودية من ناحية أخرى.
وقد حسمت إسرائيل أمرها وبلورت منذ عقد إستراتيجيةً تجاه المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967، تهدف إلى حل هذا التناقض لصالحها وعلى حساب الشعب الفلسطيني، بضم أكثر ما يمكنها ضمه من أراضي الضفة والانسحاب من المناطق المكتظة بالفلسطينيين وإقامة دولة فلسطينية فيها وفي قطاع غزة تكون تحت النفوذ الإسرائيلي المكثف، وتخترقها أسافين أكثر من خمس كتل استيطانية كبيرة، يحيط بها جدار الفصل العنصري والقواعد العسكرية الإسرائيلية.
وفي هذا السياق تتمحور المعركة التي تخوضها إسرائيل حول توسيع المساحة الجغرافية التي تزمع اقتطاعها من الضفة الفلسطينية، وخاصة في القدس وفي "الكتل الاستيطانية" لتكثيف الاستيطان فيها وضمها إلى إسرائيل في أي حل مستقبلي، سواء كان ذلك الحل مفروضا من قبل إسرائيل أو متفقا عليه مع القيادة الفلسطينية.
إسرائيل اعتبرت اجتماع أنابوليس معركة سياسية سعت من خلالها إلى تحقيق جملة من الأهداف على الصعيدين الفلسطيني والعربي. فعربيا هدفت إسرائيل إلى تطبيع علاقاتها مع الدول العربية -خاصة مع السعودية وبقية دول الخليج- في ظل استمرارها في احتلال الأراضي العربية، وقبل أن تستجيب للحد الأدنى من المطالب العربية. كما سعت لطرح أن الخطر الذي يتهدد المنطقة لا ينبع من رفضها الانسحاب من المناطق العربية المحتلة وإنما من المشروع النووي الإيراني، بغية حشد تحالف إقليمي ودولي ضد إيران ومشروعها النووي.
أما فلسطينيا، فقد سعت إسرائيل لإحداث تاَكل في الموقف الفلسطيني تجاه قضايا الصراع الأساسية (الثوابت) وخاصة في الموقف الفلسطيني من الاستيطان والكتل الاستيطانية وحق اللاجئين في العودة (والضغط الكبير للحصول على اعتراف فلسطيني بيهودية دولة إسرائيل) والقدس وحدود الدولة الفلسطينية المزمع إقامتها، اعتقادا منها بأن أي تاَكل في الموقف الفلسطيني يمس الثوابت الفلسطينية سيقود إلى تاَكل شبيه في الموقف العربي منها. كما سعت إلى تعميق الانشقاق في الساحة الفلسطينية بين فتح وحماس، وعملت من خلال اجتماع أنابوليس وبعده على استمرار حصار حكومة حماس وقطاع غزة.
يشكل الاستيطان اليهودي في الضفة الفلسطينية المحتلة الأداة الأساسية في يد إسرائيل لخلق أمر واقع لفرضه على الفلسطينيين. ويبلغ عدد المستوطنين اليهود في الضفة نحو 380 ألفا يتوزعون على 120 مستوطنة: 12 مستوطنة في القدس الشرقية يزيد عدد المستوطنين فيها عن 240 ألفا، و109 نقاط استيطان عشوائية تعهدت الحكومة الإسرائيلية بإزالتها مقابل رسالة الضمانات الأميركية. بيد أن إسرائيل وعبر وزارات الحكومة وأذرع الدولة، تقوم برعاية هذه المستوطنات وتعزيزها بهدف ربط إزالتها بقبول فلسطيني بالكتل الاستيطانية في الضفة المحتلة.
ومع استئناف "العملية السلمية" وانطلاق المفاوضات بين إسرائيل والقيادة الفلسطينية بعد اجتماع أنابوليس، كشف النقاب في إسرائيل عن حملة استيطانية واسعة النطاق في الضفة وخاصة في محافظة القدس المحتلة. فقد أعلنت وزارة الإسكان الإسرائيلية في بداية ديسمبر/كانون الأول 2007 عن مناقصات لبناء 300 وحدة سكنية في مستوطنة جبل أبو غنيم (هار حوماه) في القدس الشرقية المحتلة. وبعد ذلك بأسبوع أعلنت الوزارة نفسها أنها شرعت في عملية التخطيط لبناء مستوطنة في شمال القدس الشرقية المحتلة تضم عشرة آلاف وحدة سكنية (صحيفة هآرتس، 19/12/2007). وفي أواخر ديسمبر/كانون الأول 2007 وبعدما ربط رئيس الوزراء الإسرائيلي الإعلان عن أي استيطان جديد بموافقته وموافقة وزير الدفاع، أعلنت "إدارة أراضي إسرائيل" عن مناقصة لبناء وحدة سكنية في جبل المكبر في القدس الشرقية المحتلة.
لا يفتح المستقبل أوراقه لنا لقراءته فيما يخص القضية الفلسطينية، ولكن يمكن القول إنه يحمل عدة احتمالات أبرزها:
أ- استمرار الانشقاق في الساحة الفلسطينية: إذا استمر هذا الانشقاق فإنه قد يقود إلى مزيد من الصراع الداخلي الفلسطيني، الأمر الذي يضرب النضال والمناعة الوطنية الفلسطينية في الصميم ويقود إلى إضعاف الحركة الوطنية الفلسطينية برمتها، ويسهل على إسرائيل تحقيق سياستها وفرض حل وفق رؤيتها سواء بشريك فلسطيني أو بدونه.
وفي حالة تفاقم الصراع الداخلي واستمرار ذلك لفترة طويلة، سيقود إلى ابتعاد الشعب عن الفصائل الفلسطينية وازدياد الفوضى واللامبالاة مما يفقد فصائل الحركة الوطنية إرادتها الوطنية، وقد يؤدي ذلك إلى عودة إسرائيل والدول العربية إلى طرح الخيار الأردني لإيجاد حل، ليس مع الشعب الفلسطيني وقيادته وإنما من وراء ظهره وبفرضه عليه.
ب- وحدة وطنية فلسطينية: إذا تمكنت الفصائل من تحقيق وحدة وطنية ذات قيادة وطنية موحدة وبرنامج سياسي واضح يحدد الهدف الذي يناضل الفلسطينيون لتحقيقه ووسائل النضال المتفق عليها والتي تضمن استمرار النضال وتساهم في حشد الشعب والدول العربية والمجتمع الدولي.. إذا تم ذلك فسيفتح إمكانية واسعة لإزالة الاحتلال والاستيطان من المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967 وإقامة دولة فلسطينية فيها.
_______________
أعدت هذه الورقة بتاريخ 14 يناير/كانون الثاني 2008