محمد الأمين محمد الهادي
محمد شريف محمود
سمير العبدلي
ملخص النصوص الثلاثة
النص الأول: القرصنة.. رؤية من الداخل
النص الثاني: تأثير القرصنة في المسألة الصومالية
النص الثالث: تأثير القرصنة الصومالية في البحر الأحمر
تتأسس هذه المقاربة على ثلاثة محاور أساسية، الأول يعرف بالقرصنة والقراصنة، فيتحدث عن تاريخ هذه الظاهرة، وأعداد هؤلاء القراصنة، وتوزيعاتهم الجغرافية، وانتماءاتهم القبلية، والأهداف التي يسعون لتحقيقها، والطرق والأساليب التي يتبعونها. كما يقترب هذا المحور أكثر من العالم الداخلي للقراصنة، فيقدم صورا تفصيلية عن أنماط حياتهم، ومدى قبول أو رفض السكان المحليين لهم، ودرجة انتشار "حرفة" القرصنة في هذه المنطقة أو تلك من أرض الصومال، وأسباب كل ذلك.
أما المحور الثاني فيقرأ ظاهرة القرصنة من منظور تداعياتها السياسية والإستراتيجية على المسألة الصومالية. ويطرح عدة تساؤلات مهمة، من بينها ما إذا كانت هناك قوى إقليمية ودولية تقف خلف هذه الظاهرة وتشجع عليها لتحقيق مخططات إستراتيجية في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي.
ويحاول هذا المحور الربط بين هذه الإستراتجيات وظاهرة القرصنة، ويتلمس الأسباب الكامنة وراء دعم دول مثل أثيوبيا وكينيا وإسرائيل والولايات المتحدة لإقليمي صومالي لاند وبونت لاند اللذين ينشط فيهما القراصنة.
ويسلط المحور الثالث والأخير من هذه المقاربة الضوء على تداعيات مشكلة القرصنة على الأمن القومي العربي عموما وأمن وسيادة دول المنطقة، وخصوصا اليمن ومصر والسعودية. ويستعرض الحلول التي لا تزال ممكنة أمام الدول العربية لمعالجة هذه الظاهرة الخطيرة، خاصة في ظل تشابك المصالح وتضارب الإستراتيجيات، وبعد أن تباطأ العرب في التعامل معها.
أصبحت القرصنة على الشواطئ الصومالية وخليج عدن قضية دولية مؤرقة وأخذت أبعادا بعيدة تهدد أمن الدول وتجارتها. فما يمر أسبوع إلا وتسمع في وكالات الأنباء ووسائل الإعلام أن سفينة كبيرة ومهمة قد استولى عليها القراصنة الصوماليون، مما حدا بالأمم المتحدة وحلف الناتو والدول الكبرى إلى التدخل في القضية، وكأننا أمام أزمة قد تفجر حربا عالمية ثالثة. فما هي القصة ومن هم هؤلاء القراصنة؟ وما الذي دفعهم إلى القرصنة؟ وماذا يريدون وما هي أهدافهم؟ ومن يقف خلفهم – إن كان هناك من أحد أو جهة- وكيف يقومون بعملياتهم البحرية؟
بداية الظاهرة في الصومال
يشك الصيادون المحليون من أن شباكهم تتعرض للتدمير من قبل السفن الأجنبية العملاقة مما أثار المواجهة المباشرة بين السفن الأجنبية والصيادين في المناطق القريبة من الشاطئ فنشأت لدى الشباب رغبة للانتقام فحاولوا مطاردة هذه السفن باستخدام زوارق سريعة وبنادق |
كان الصيادون المحليون يشكون من أن شباكهم الصغيرة وغيرها من معدات صيد الأسماك تتعرض للتدمير من قبل السفن الأجنبية العملاقة مرارا وتكرارا مما أثار المواجهة المباشرة بين السفن الأجنبية والصيادين في المناطق القريبة من الشاطئ الصومالي. وقد بح صوت سكان السواحل الصومالية في طلب مساعدتهم على وضع حد لممارسات سفن الصيد الأجنبية التي لا قبل لهم بها، ولكن شيئا من ذلك لم يحدث.
ونشأت لدى بعض الشباب رغبة للانتقام فحاولوا مطاردة هذه السفن باستخدام زوارق سريعة وبنادق مما يدافعون بها عن أنفسهم في فوضى الحرب الأهلية. وهنا لجأت الشركات المتسللة إلى تغيير أساليبها في مواجهة هذا التحدي فسعت إلى استصدار تراخيص تمنحهم حق صيد الأسماك على طول الساحل من أمراء الحرب الذين سهلوا المهمة في مقابل ملايين الدولارات التي تمنح لهم من طرف هذه الشركات. فقد كانت كل منطقة تخضع لأمير حرب ومليشياته القبلية، وكانت كل مجموعة تجوب المنطقة التي تخضع لها مدعية أنها تقوم بدور خفر السواحل. وهكذا تمكنت هذه السفن من ممارسة عملها دون خوف من الشباب المحليين. وكانت تمخر البحر تحت حماية مليشيات تابعة لأمراء الحرب المنتفعين وتمنع الشباب المحليين من التعرض لها(2). وإذا حدث أن اقتربت السفن الكبيرة جدا إلى الشواطئ بحيث تحرم قوارب الصيادين المحليين من رزقهم اليومي فإنهم يضطرون عندئذ لمقاومتها، في مقابل ذلك كانت السفن الكبيرة تواجههم بعنف مبالغ فيه بالأسلحة النارية الثقيلة وبخراطيم ضغط المياه لقلب قواربهم الصغيرة.
وعلى هذا الأساس أصبحت المياه الصومالية محط سفن الصيد الكبيرة التي تمارس الصيد باستخدام معدات الصيد المحظورة عالميا، بما فيها الشبكات ذات الفتحات الصغيرة جدا والنظم المتطورة للإضاءة تحت الماء لجذب الأسماك إلى الفخاخ والتجريف المحرم دوليا والشباك الخيشومية التي تقضي على مصائد الأسماك الشاطئية مما يعرض الموارد البيولوجية لخطر انهيار يؤثر على المدى الطويل على الرفاه الاجتماعي والاقتصادي للمجتمعات الساحلية. فقد جرى نهب جواد البحر وسمك القرش والموارد الأخرى. ويقدر ما جرفته هذه السفن من الشواطئ الصومالية ٢٥٠٠٠ طنا سنويا(3). وكانت الاستفادة متبادلة بين الأساطيل الأجنبية والمليشيات وأمراء الحرب الذين يستصدرون لهم الرخص ولذلك كان الجميع يعمل على عدم عودة الاستقرار للصومال. وشملت شركات الدول المستفيدة فرنسا وأسبانيا والهندوراس واليابان وكينيا وسريلانكا وكوريا وباكستان وتايوان وغيرهم. وكانت السفن تحمل أعلاما لدول غير مشهورة حتى تتجنب أنظمة دولها(4).
وبعد أن أصيب الشباب بالإحباط بعدما تولت مليشيات أمراء الحرب حماية سفن الصيد، تحولوا إلى السفن التجارية بدل سفن الصيد، وأصبح الهدف بعد ذلك سهلا باستخدام زوارق سريعة مسلحة بمجموعة من الأسلحة. فبعد الاستيلاء على السفينة التجارية وطاقما يطلبون الفدية مقابل إطلاق سراحهم، وقد انضمت إليهم لاحقا مليشيات أمراء الحرب بعد أن رأى رجالها أن هذه الطريقة أسرع في الكسب من العمل لدى أمراء الحرب، وهنا بدأت القرصنة تنحرف عن مسارها لتتعرض للسفن التي تقوم بإيصال المساعدات الغذائية من برنامج الأغذية العالمي للصوماليين أنفسهم الذين تتعرض حياتهم للتهديد جراء الكوارث الطبيعية والحروب الأهلية. وهناك تقارير تفيد بأن الخلافات داخل المجموعات أحيانا تؤدي إلى أن تصفي مجموعة واحدة الأخرى(5).
كما كانت المليشيات التي تدعي أنها تقوم بدور خفر السواحل تطوعيا تستولي على بعض السفن التي لا تدفع لهم مقابلا ليتم دفع الفدية لإطلاقها. وبدأ ذلك في السنين الأولى من الحرب الأهلية، وربما تكون أول محاولة قرصنة قد تمت في آذار / مارس ١٩٩٥ حيث أطلقت المليشيات قذائف هاون على يخت بريطاني اسمه (لونجو باردا) في خليج عدن وحاولوا الصعود على اليخت لولا اقتراب البحرية الكندية (فريدريكتون) التي كانت تمر بالمكان(6).
وفي كانون الثاني/يناير ١٩٩٨م استولت مليشيات في شمال شرقي الصومال على سفينة بلغارية مربوطة بأخرى سورية وساعد في التفاوض شيوخ عشائر ورجال أعمال في بوصوصو، شمال شرقي الصومال، وتم الإفراج عن الطاقم والسفينة في فبراير مقابل ١١٠٠٠٠دولارا(7). ومنذ ذلك الحين عرضت إدارة بونت لاند في شمال شرقي الصومال استصدار رخص لسفن الصيد بشرط التزامها بممارسة ما أسمته "عمليات صيد سليمة"(8).
وكانت المواجهات بين سفن الصيد والقراصنة متواصلة في صمت دون أن تثير أحدا حتى بلغت سفن الصيد في عام ٢٠٠٥م حسبما تشير بعض الدراسات إلى نحو ٧٠٠ سفينة صيد أجنبية تقوم بالصيد غير المشروع في المياه الصومالية(9). ويقدر مسؤول في الأمم المتحدة أن عمليات الصيد غير المشروع في المياه الصومالية تدر ما يربو على ٣٠٠ مليون دولار سنويا(10). وحسب المكتب البحري الدولي فإن عمليات القرصنة المنفذة أو تلك التي تمت محاولتها والمبلغ عنها في مياه أفريقيا الشرقية ومنذ عام ٢٠٠٠ وحتى عام ٢٠٠٤ على التوالي تبلغ ١٣،١٨،١٩،٢٢،٢٨(11)، وهذا يشير إلى أن معدل القرصنة كان في تراجع ملحوظ. ولكن بدأ في الارتفاع بعد ذلك منذ ٢٠٠٥م حتى الآن فيما عدا فترة المحاكم الإسلامية وهي النصف الأخير من عام ٢٠٠٦.
إلقاء النفايات السامة والنووية على سواحل الصومال
تخلصت الشركات الأوروبية من النفايات الخطرة بالصومال بتكلفة أقل من ٢.٥ دولار بينما يكلفهم ٢٥٠ الأمر دولارا في أوروبا وتلقى الشركات نفايات اليورانيوم المشع والمعادن الثقيلة كالزئبق والكاديوم والنفايات الصناعية والكيميائية ونفايات المستشفيات |
وما أثار الجدل حينها في ١٩٩٢ كان ورود أنباء عن إبرام شركات أوروبية عقودا مع أمراء الحرب الصوماليين ورجال الأعمال لإلقاء النفايات في البلاد. وكانت الشركات المتهمة حينها شركات إيطالية وسويسرية. وفي بيان صحفي من جانب المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) في حينه الدكتور مصطفى كمال طلبه(13)، الذي كان حينها مقيما في نيروبي أشار إلى أنه أصبح من الواضح أن الشركات الأوروبية تتخلص من نفاياتها الخطرة في الصومال. ولكن برنامج الأمم المتحدة لم يبدأ في التحقيق في القضية إلا بعد خمس سنوات أي في عام ١٩٩٧م حيث انتدب لمهمة القيام بالتحقيق الميداني فريق يترأسه صومالي لتنفيذ تحقيق ميداني في كثير من المناطق في الصومال وخاصة في المناطق الساحلية. ولكن المثير في الأمر أن نتائج التحقيق الذي كتبه الفريق في تقريره لم تنشر أصلا. ولكن مجلة "الأسرة المسيحية" الإيطالية (Familgia Cristiana) نجحت في العثور على نسخة منه في عام ١٩٩٨. وقامت المجلة بتحقيقات خاصة بها أيضا ثم تولت نشر عدة مقالات حول هذا الموضوع(14).
وفي ضوء هذه التقارير وما أثارته من ضجة حينها باتهام شركات إيطالية وسويسرية بالضلوع في الموضوع، طالب البرلمان الإيطالي بدراسة المسألة وأنشئت لجنة لتقصي الحقائق، وقد خلص التقرير النهائي الذي نشر في عام ٢٠٠٠ إلى أن ما يسمى بـ "المافيا البيئية” تدير شركات تتعامل مع ٣٥ طنا من النفايات سنويا(15).
ووجدت الشركات الأوروبية أنه يمكنها في ظل الفوضى الصومالية التخلص من النفايات الخطرة بتكلفة أقل من ٢.٥ دولار بينما يكلفهم ٢٥٠ الأمر دولارا في أوروبا. وتلقى في الصومال مختلف أنواع النفايات ومنها نفايات اليورانيوم المشع وهناك نفايات المعادن الثقيلة مثل الزئبق والكاديوم والنفايات الصناعية والكيميائية ونفايات المستشفيات إلخ(16). ولا يزال إلقاء النفايات والصيد المحرم مستمرا حتى اللحظة، وجاء تأكيد ذلك على لسان مفوض الأمين العام للأمم المتحدة في الصومال السيد أحمدو ولد عبد الله في أكثر من مناسبة(17).
ومما يغضب الصوماليين بصفة عامة أن الدول والمنظمات لم تحرك ساكنا بل التزمت الصمت عندما كانت السفن الأجنبية تقوم باستغلال الموارد السمكية بصورة غير قانونية وبإلقاء النفايات السامة والنووية في البلد، بينما تقيم الدنيا ولا تقعدها عندما تتعرض سفنهم للقرصنة، ويعدون ذلك من قبيل الكيل بمكيالين والنفاق السياسي. ويقول الأكاديمي الصومالي المعروف البروفيسور عبدي إسماعيل سمتر، من قسم الجغرافيا والدراسات الدولية في جامعة منيسوتا بالولايات المتحدة تعليقا على قرار الأمم المتحدة رقم ١٨٣٨ الذي يعطي الحق للدول المتعرضة للقرصنة الدفاع عن نفسها: "إن على الأمم المتحدة أن تنظر إلى قضية إلقاء النفايات السامة، وهذا ما لم يتم التعرض له في القرار ١٨٣٨"(18). وما يثير الاستغراب والقلق، الإثارة الدولية التي صاحبت عمليات القرصنة البحرية الأخيرة دون أن تجلب القرصنة السياسية التي كان يمارسها أمراء الحرب بدعم إقليمي ودولي وراح ضحيتها ملايين الصوماليين(19).
من هم هؤلاء القراصنة؟
بعد التعاون الذي تم بين الشباب في المناطق الساحلية شمال شرقي الصومال وبقايا المليشيات الذين استقلوا عن أمراء الحرب برزت مجموعات قوية تتشكل من ثلاثة عناصر أساسية(20).
١- المليشيات التي كانت تعمل لدى أمراء الحرب وهم يشكلون القوة العسكرية.
٢- الصيادون المحليون وهم يشكلون الخبرة اللازمة بالبحر.
٣- مجموعة من التقنيين الذين يجيدون التعامل مع الأجهزة المتطورة التي يستخدمها هؤلاء.
وهذه المجموعة الأخيرة هي التي تقوم بالتواصل مع العالم الخارجي والتحدث إلى الطاقم كونها تجيد اللغات الأجنبية.. إلخ. وهناك مصادر تشير إلى أن عددا من قوات الشرطة في بونت لاند وعددا من المدرسين والمحامين تركوا عملهم والتحقوا بالقراصنة. بل إن مجموعات كبيرة من الشبان باتوا يأتون من مختلف أنحاء الصومال بما فيها العاصمة مقديشو ليجدوا لهم موضع قدم في سوق القرصنة المربح(21). وهناك تقارير إخبارية تشير إلى انضمام بعض الصيادين اليمنيين إلى القراصنة الصوماليين، ولكن الصورة لم تتضح بما يكفي في هذا الجانب بعد(22).
كيف تتم العملية؟
يتم احتجاز كل السفن المختطفة في مناطق مثل "أيل" و"غرعدي" في "بونت لاند" أو منطقتي "حرطيري "و"هبيو" الخاضعتين لقبيلة الهوية. ويملك القراصنة عددا من "السفن الأم" حيث يخزنون الأسلحة والوقود والإمدادات الأخرى على متنها. وعندما يجدون صيدهم الثمين من السفن الكبيرة فإنهم ينطلقون إليها بقوارب سريعة مجهزة بأسلحة ورجال يحملون بنادق AK47 ويتسلقون على متنها مستخدمين سلالم حبالية مفتولة حيث يصعدون بها إلى متن السفن الكبيرة. وتقول مصادر استخباراتية إن هناك ثلاث سفن صيد في خليج عدن يعتقد أنها تابعة للقراصنة.
ويمكن استخدام ثلاثة زوارق سريعة في الهجوم الواحد، يحمل كل واحد منها ما بين ستة إلى عشرة رجال مسلحين ببنادق AK47 الهجومية وأحيانا قذائف صاروخية. أما الأسلحة فهم لا يستخدمون أسلحة غير متوفرة في الصومال بل كل البنادق والقذائف الصاروخية التي بحوزتهم فهي مما يتوفر في الصومال وربما يتم تهريب بعضها من اليمن.
حياة القراصنة
يجني القراصنة أموالا فيشترون منازل وسيارات فاخرة ونبتة القات المخدرة ويبيضون أموال نشاطاتهم بإبقائها داخل بلادهم أو ينخرطون في العمل التجاري بإنشاء فنادق في مدن بونتلاند |
وبرغم الأموال الكثيرة التي يجنيها القراصنة فإن إنفاقهم غالبا لا يتجاوز شراء المنازل والسيارات الفاخرة وتعاطي نبتة القات المخدرة(24). كما أنهم وجدوا الطريقة التي يمكن من خلالها تبييض أموال نشاطاتهم تلك من دون أن يتركوا أثرا، كما هو الحال في بعض حالات غسيل الأموال، وهي ببساطة إبقاؤها داخل بلادهم(25). ويترك بعضهم عمل القرصنة ليطهر أمواله بالانخراط في العمل التجاري المحض كأن ينشئوا فنادق في بعض المدن في بونتلاند أو يقوموا باستيراد البضائع. وفي بعض الأحيان تغري هذه العملية بعض الفقراء ليمتهنوا القرصنة مدة حتى يثروا ثم يتحولون إلى تجارة أخرى(26).
ويشكل الهدف المشترك أهم علاقة بين القراصنة رغم انتماءاتهم القبلية المختلفة، فأكثرهم ينتمي إلى قبيلة المجرتين الغالبة على شمال شرقي الصومال وبعضهم إلى قبيلة الهوية في وسط وجنوب الصومال. ولديهم ما يمكن تسميته "قواعد أخلاقية" في التعامل، ومنها ألا تشاع الفوضى برا، وأن لا يعتدى على أية رهينة، ولا يستولى على ممتلكاته، وفي حال خالف أحدهم ذلك يدفع غرامة كبيرة من نصيبه في الفدية(27).
ولا ينظر القراصنة إلى عملهم كجريمة ولا يحزهم وخز ضمير حين يروون قصصهم بل يؤكد أحدهم "أنها مجرد عمل بالنسبة لنا. فنحن ننظر إليها كما ينظر أى امرئ إلى مهنته." فهم يجوبون المحيط لمطاردة السفن والاستيلاء عليها ويقولون "إننا ندافع عن مياهنا من الأجانب الذين يرمون النفايات فيها."
كيف يراهم الناس؟
يختلط شعور سكان القرى الساحلية في الشمال الشرقي للصومال حيث ينطلق منها القراصنة حيث تجد بعضهم يكنون لهم احتراما كبيرا، ويعتبرونهم حقا كخفر سواحل متطوعين وحريصين على المنفعة العامة، بينما يراهم آخرون على أنهم يشوهون صورة الصوماليين ويجرون الويل لهذه السواحل.
ولا شك أن التجار الذين تزدهر تجارتهم بسبب ما لدى القراصنة من قدرة شرائية لا يملكها الناس العاديون ولا يفكرون في سعر السلعة هم من بين المستفيدين من ظاهرة القرصنة. وكثير من الناس ينظرون إلى القراصنة من زاوية المصلحة التي يجلبونها، لذا يتجه النظر إلى جيوبهم وما يدفعونه أكثر من أي شيء آخر. ولا يبخل القراصنة ببعض ما لديهم "فيوزعونه على أصدقائهم وأقاربهم – والقرابة في الصومال تمتد لتشمل القبيلة كلها – وينتقل المال بين أيد عديدة ما يوفر لهم في المقابل دعما داخل المجتمع"، وفى بعض مناطق بونتلاند ينتشر بسرعة خبر عودة القراصنة إلى اليابسة محملين بأكياس من الأوراق النقدية. وغالبا ما يتوجه القراصنة مباشرة إلى مطعم أو فندق باهظ الثمن ويحتفلون بعودتهم بمضغ القات.
ويأتي كثير من الناس لرؤيتهم في الفندق حيث يمضى القراصنة يومهم وهم يوزعون المال على زوارهم ويتحدثون عن حواسيبهم آخر صرعة كما لو أنهم من كبار رجال الأعمال. وهذا الاستعراض للثروات يثير الكثير من الرغبات غير المتوقعة أحيانا لدى بعض الناس، ومثال ذلك أن مدرسين فى بوصاصو تركوا قاعات الدراسة ليعملوا مترجمين لدى القراصنة ومن ثم يكسبون في بضعة أيام ما يوازى راتبهم الشهري(28).
الأهداف
البحث عن صلة بين المقاومة والقرصنة تهدف إلى تشويه صورة المقاومة وتحميلها مسؤولية الإضرار بالأمن في ممرات البحر الأحمر والمحيط الهندي حتى يسهل تبرير توجيه الضربات إليها دون أن تحرج أحدا |
هناك محاولات لربط القرصنة وجماعات القرصنة بالمقاومة الشرسة للاحتلال الأثيوبي والحكومة الانتقالية التي جاءت بها. وتشير الكثير من الكتابات الصحفية الغربية إلى ربط موضوع القرصنة بالمقاومة والإشارة إلى أن القراصنة يدفعون أموالهم إلى المقاومة أو أنهم مرتبطون عضويا بهم. ولكن هذا لا يثبت إذا أخضعنا الادعاء إلى التفسير المنطقي للأشياء بسبب:
١- أن القرصنة حسبما رأينا لها تاريخ طويل أما المقاومة فقد بدأت فقط بعد احتلال القوات الأثيوبية للبلاد في بداية عام ٢٠٠٧م
2- أن الخلفية التي جاءت منها القرصنة حسبما أوضحناه سابقا والمتفق عليها لدى معظم الدارسين لموضوع القرصنة في الصومال، لا تتفق مع روح المقاومة الإسلامية وخلفياتها. بل يمكن اعتبارهما يقفان على طرفي نقيض.
3- أن القراصنة يعلنون مرارا أنه لا صلة لهم بأي طرف سياسي داخل الصومال. وليس معنى ذلك أن بعض الأطراف السياسية لا تستفيد من وجود القرصنة ولو بطريق غير مباشر.
4- إن المقاومة بكل أطيافها أعلنت شن حرب على القرصنة مرارا، وآخرها الأنباء الأخيرة التي أشارت إلى أن حركة الشباب المجاهدين سيقومون بهجوم على القراصنة لإجبارهم على تحرير السفن والرهائن.
5- لو كان للقراصنة صلة بالمقاومة لكان المستفيد الأول منها الشعب الصومالي ولأنزلوا الأسلحة التي يستولون عليها وسلموها للمقاومة لكي تحارب بها الاحتلال الأثيوبي، وهي أسلحة تكفي ليس فقط لدحر الاحتلال بل لتحرير بقية أجزاء الصومال.
6- معظم السفن التي يسيطر عليها القراصنة تحمل بضائع كثيرة وسلعا ومواد غذائية ولو كان لهم صلة بالمقاومة التي تعمل على تحرير الشعب الذي يتضور جوعا لقامت بإنزال الشحنات وتوزيعها على الفقراء في كل مكان.
ولكن البحث عن صلة بين المقاومة والقرصنة تهدف إلى تشويه صورة المقاومة أولا، ثم تحميلها مسؤولية الإضرار بالأمن في ممرات البحر الأحمر والمحيط الهندي حتى يسهل تبرير توجيه الضربات إليها دون أن تحرج أحدا.
ويشير أحد المفاوضين مع القراصنة – وهو يتعامل معهم منذ سنين من مقره في ممباسا بكينيا- إلى أن عصابات تتعاون مع أمراء الإجرام في دبي ونيروبي تقوم برصد طرق الملاحة لأهداف الربح ثم تمرر المعلومات حول اتجاهات السفن إلى ما يصل إلى خمسة من عصابات القراصنة الذين يدفعون "رسوم الترخيص" لأمراء الحرب أو شيوخ العشائر(29).
ولكن بالمقابل هناك إشارات من عدد من الباحثين العرب والخبراء الأمنيين إلى وجود صلة ما لإسرائيل أو لدوائر غربية بالقراصنة لم تثبت حتى الآن بالرغم من أنها قد تكون المستفيد الأول منها. فقد اتهم صلاح الدين نبوي، الخبير الأمني المصري والمتخصص في شؤون الملاحة البحرية الولايات المتحدة و"إسرائيل" بالوقوف وراء عمليات القرصنة في البحر الأحمر(30). كما يشير بعضهم إلى وجود دعم استخباراتي وتكنولوجي من قبل إسرائيل وبعض الأطراف الأخرى. ولكن كل هذا لم يثبت بأدلة قاطعة إلى حد الآن.
ولكن هذا لا يمنع من وجود نوع من "غض الطرف" عن الموضوع من طرف قوى دولية وإقليمية كثيرة ودفعه بطرق أخرى حتى يتفاقم، للاستفادة منه واستغلاله بالسعي إلى تضخيمه بطريقة مبالغ فيها بحيث تصور على أنها "أم الدواهي" ثم يتم من خلال ذلك تمرير مشاريع إقليمية ودولية كمشروع تدويل أمن البحر الأحمر.
وأول خيط خارجي قد يفتح أسرارا أخرى مجهولة حتى اللحظة هو ما حدث مؤخرا من كتابة القراصنة لاسم امرأة يقال إنها على صلة بعمليات عسكرية نفذتها القوات الأميركية في الصومال عام ٢٠٠٦م على السفينة السعودية والأوكرانية باسم تدليلها "أميرة". وقالت في حديث مع موقع عسكري أمريكي إنها على اتصال منتظم مع القراصنة عبر هاتف يعمل بالأقمار الصناعية(31). وقد يؤدي خيط هذه المرأة إلى فتح ملفات وأسرار أخرى قد يجري طمسها.
تأثير القرصنة في المسألة الصومالية
علاوة على الحصار المفروض على الصومال من قبل كل من أثيوبيا وكينيا بعد الغزو، جاء حصار القرصنة ليشد حبل المشنقة على رقبة الشعب الصومالي |
ونزلت القرصنة بكل ثقلها لتحارب الشعب الصومالي في أرزاقه بفرض حصار عليه بتعقبها للسفن المتجهة إلى موانئه وبتعريضها حياة الملاحين للخطر وبطلبها فديات طائلة، الأمر الذي أدى إلى توقفها عن العمل والمساهمة في تجويع الشعب بتوقف التجارة وغلاء الأسعار وتعطل إمداد البلاد بالمواد الغذائية، في وقت يعانى فيه الصومال من الغزو الإثيوبي الذي دمر المدن، وأدى إلى نزوح مليون ونصف من العاصمة إلى العراء بدون غذاء أو مأوى وأصبح أكثر من ثلاثة ملايين إنسان مهددين بالموت جوعا، ناهيك عن الجفاف والفيضانات بشهادة منظمات الإغاثة الدولية، ولاسيما برنامج الغذاء العالمي، وفى ظل منع قوات الاحتلال من توزيع المساعدات الإنسانية كسلاح لكسر شوكة المقاومة.
ولم يفلت أحد من هذا الحصار، حتى البواخر المحملة بالمعونات الغذائية الإنسانية لحساب برنامج الغذاء العالمي تعرضت للسطو المسلح مما أدى إلى توقف النقل البحري من وإلى الصومال. وهذا الحصار مفروض حتى الآن، وإن استطاع برنامج الغذاء العالمي فك الحصار حينا بالاتفاق مع الدول الغربية وخصوصا فرنسا وأسبانيا وكندا وهولندا على حراسة سفنها الحربية للبواخر المؤجرة له التي تحمل المعونات الإنسانية المتجهة للصومال. فعلاوة على الحصار المفروض على الصومال من قبل كل من أثيوبيا وكينيا بعد الغزو، جاء حصار القرصنة ليشد حبل المشنقة على رقبة الشعب الصومالي.
وتمتد جذور القرصنة من فقدان الدولة الصومالية سيطرتها على برها وبحرها منذ انهيار السلطة المركزية في الصومال جراء تورط الدولة الصومالية في عصر الحرب الباردة في نزاعات الدول الكبرى بتحالفها مع السوفييت حينا ثم تمردها عليه وانحيازها للولايات المتحدة وانخداعها بوعودها المعسولة وذلك بالدخول في حرب الأوغاد ين 1976، ثم اتفاق الدولتين الأعظم على إنذارها بالانسحاب وإلا تعرضت لعقاب عسكري مشترك. ولما انسحب الصومال بدأت إثيوبيا تلاحقه بالتحرش على حدوده وتسليح حركات التمرد المناوئة للنظام الصومال وتوجيهها لتنفيذ مخططاتها الإستراتيجية التي هي تفتيت الصومال الموحد إلى كيانات عشائرية صغيرة حماية لأمنها الوطني كما تزعم، وللحصول على موانئ في البحر.
وفى الوقت الذي كانت إثيوبيا تجد فيه الدعم العسكري من الاتحاد السوفييتي امتنع الغرب وقتها عن تقديم السلاح للصومال، مما أثر في توازن القوى، واستمرار انهيار الدولة الصومالية، بفضل تضافر هذه العوامل جميعا.
وفى عام 1993 عندما فشل التدخل الأمريكي في الصومال بعد كارثة مقتل 18 من أفراد الجيش الأمريكي قررت الولايات المتحدة ترك الصومال وشأنه واعتبرته مرتعا للإرهاب الذي يتوجب يجب استئصاله، ومكنت إثيوبيا من أن تتدخل في شؤونه وتغزو أراضيه، ومن ثم تفرض حقائق سياسية على الأرض على مرأى ومسمع من العالم وبمباركة أمريكية.
وكانت الخطوة الأولى رعايتها لإنشاء كيان ذاتي في صومالي لاند ومن بعد خلق إقليم بونت لاند، ثم الإشراف على شن حروب بين المليشيات المتعددة في الجنوب التي كانت تمولها بدون استثناء. وهنا يلتقي المخطط الإثيوبي لزعزعة الاستقرار وتفكيك الدولة الصومالية والمشروع الأمريكي لمحاربة الإرهاب.
تتمتع واشنطن بسلطات واسعة في إقليم بوتلاند الذي تجرى في شواطئه عمليات القرصنة وتستطيع واشنطن التحرك لوضع حد لها |
وفى تقرير آخر لمجموعة الأزمات الدولية ورد "أن جهاز الأمن في كل من حكومة بوتلاند وصومالي لاند يخضعان للإشراف المباشر للحكومة الأثيوبية، وهى التي تسدد رواتب ضباطه". وتأسيسا على هذه السلطات الواسعة التي تتمتع بها واشنطن في إقليم بوتلاند الذي تجرى في شواطئه تقريبا كل عمليات القرصنة تستطيع واشنطن التحرك لوضع حد لها، لاسيما وأن الإقليم واسع الأرجاء، قليل السكان، عدد قاطني مدنه لا يتجاوز بضعة آلاف ويسوده النظام العشائري، بمعنى أنهم خاضعون لولاءات قبلية، وهو الأمر الذي يسهل الرجوع إلى عناوين وانتماءات كل المتورطين في عمليات القرصنة، ومن ثم اعتقالهم بسهولة.
هذا وقد حدث عدة مرات أن تدخلت الحكومة المحلية لفك أسر السفن المختطفة التي كانت تحمل بضائع مملوكة أو ركاب من مواطني الإقليم بدون إراقة دماء أو دفع فدية، الأمر الذي يثبت التواطؤ في حالات القرصنة الأخرى. إذن تستطيع الولايات المتحدة التدخل لوقف عمليات القرصنة من المنشأ ولكنها لا تفعل لغرض في نفس يعقوب.
وكما أن زعزعة الاستقرار في البر الصومالي ساعدت على تكوين كيانات انفصالية وتبرير الغزو الإثيوبي بتمويل أمريكي وحمايته من العقاب الدولي، فإن زعزعة الاستقرار في المياه الإقليمية الصومالية ستؤدى إلى تهديد المصالح التجارية الدولية وتبرير استصدار قرارات من مجلس الأمن ومن غيرها من المنظمات الدولية للسيطرة على الموقع الجغرافي الإستراتيجي للصومال بحكم إطلاله على شبه الجزيرة العربية وعلى البحر الأحمر وعلى الخليج العربي وعلى المحيط الهندي.
وقد ساندت الولايات المتحدة مشروع القرار الذي تقدمت به فرنسا في أكتوبر/ تشرين أول الماضي (القرار رقم 1838) الذي أقره مجلس الأمن بالإجماع، وسمح للدول الأعضاء باستخدام كل الوسائل الضرورية لمكافحة القرصنة جنوب البحر الأحمر قبالة السواحل الصومالية بما في ذلك استخدام القوة المسلحة ونشر السفن وطائرات عسكرية، بل طالب دول العالم التي تملك قوات عسكرية في المنطقة (الولايات المتحدة وأوربا) باستخدام كل الوسائل الضرورية في عرض البحر وفى المجال الجوى لمكافحة القرصنة. كما نشرت المدونات الالكترونية الإثيوبية مقالات مماثلة بمناسبة خطف الباخرة الأوكرانية المحملة بالأسلحة المتطورة والمتوجهة إلى جنوب السودان بتغطية كينية، داعية إلى الإلحاق الفوري لكل من صومالي لاند وبونت لاند بالأراضي الإثيوبية.
وقد تقرر قبل أسبوعين في مؤتمر قمة طارئ لدول الإيجاد عقد في أديس أبابا أن ترسل كينيا قوات لإحلال السلام في الصومال على نقيض قرار مجلس الأمن الذي يحظر إرسال قوات من الدول المجاورة للصومال إليه تحت أية ذريعة. وتقرر أيضا وبمبادرة إثيوبية وتحت مظلة منظمة الوحدة الإفريقية إنشاء قوات خاصة مكونة من ثلاثة عشر دولة من شرق إفريقيا من بينهما إثيوبيا وكينيا للقيام بمهمات خاصة في الصومال، وقد اجتمع قادة هذه القوات من جميع الدول الأعضاء للتدرب في كينيا وانتظارا لصدور الأمر بتنفيذ هذه القوات لمهامها داخل الصومال.
مختطفو ناقلة النفط السعودية" سيرس ستار قطعوا مفاوضاتهم مع مالكي السفينة السعودية مفضلين التحدث مع سيدة أمريكية ثرية تدعى ميشيل لين بالارين لها ارتباطات وثيقة بالجيش الأميركي وبالمجتمعات الاستخباراتية |
وفي تقديري أنه يتم غض الطرف عن عمليات القرصنة بل ويتم تشجيعها لتكوين رأي عام معاد للصومال يستسيغ تمرير بعض المشاريع، ويكفى أن نسرد هذه القصة التي أذاعتها محطة التليفزيون الأمريكية في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2008، وكذلك ما كتبه كولن كلارك في الموقع الإلكتروني "ميلاتارى كوم" في 25 نوفمبر 2008 للتدليل على علاقة الاستخبارات الأمريكية بالقرصنة.
ويقول الخبر "إن مختطفي ناقلة النفط السعودية" سيرس ستار "المختطفة قطعوا مفاوضاتهم مع مالكي السفينة السعودية مفضلين التحدث مع سيدة أمريكية ثرية تدعى ميشيل لين بالارين لها ارتباطات وثيقة بالجيش الأميركي وبالمجتمعات الاستخباراتية". وهذه السيدة لها تاريخ عريض من شبكة علاقات مع الصومال من بينها اتهامات من مطبوعات محترمة مثل "أفريكان كون فيدنشيال"بأنها كانت تساعد في تخطيط عمليات عسكرية في الصومال في عام 20006.
وفى حديث مع كاتب المقال في 24 نوفمبر/تشرين الثاني قالت بالارين "أنها كانت على اتصال منتظم مع القراصنة بالتليفون الفضائي، وكان آخر اتصال بهم الاثنين الماضي الساعة الخامسة مساء، وأنها راجعة توّا من الصومال في 18 نوفمبر". وأضافت إ أنها لا تتفاوض مع محتجزي الناقلة السعودية فحسب، ولكنها على اتصال أيضا بالباخرة الأوكرانية المحملة بالأسلحة ومنصات الصواريخ والذخيرة و33 دبابة روسية الصنع ت-72"، واستطردت "إنني على اتصال بهاتين السفينتين بشكل منتظم". وتدير هذه السيدة شركة أمنية مقرها في فرجينيا "سيليكيت آرمور". وفى تعاطف بين مع القراصنة، قالت "أن هذه ليست مهنتهم رغم كسبهم مبلغ 150 مليون دولار من هذه العمليات وأنها تريد تشجيعهم بتجنيد 500 منهم للعمل في خفر السواحل انطلاقا من ميناء بربرة".
إن ما يجرى من مساع حثيثة لفرض إرسال قوات إفريقية بناء على تمويل وأجندة أمريكية في جنوب الصومال، والقرارات المستخرجة من مجلس الأمن التي تستبيح السيادة الصومالية في شماله برا وبحرا تحت ذريعة مقاومة القرصنة هي وجهان لعملة واحدة، فالسياسة الأمريكية إزاء الصومال تتلخص في كلمة واحدة وهى محاربة الإرهاب. في إطار سياستها الكونية المعروفة بالحرب ضد الإرهاب. أسوة بما تفعل في أفغانستان والعراق. وكما تحشد هناك تحالف الراغبين، فإنها تستنفر هنا الدول الإفريقية التي تعيش على مساعداتها للقيام بالمهمة نيابة عنها.
وتستكمل الولايات المتحدة المهمة التي بدأتها إثيوبيا بممارسة سياسة حازمة لفصل صومالي لاند عن الجنوب، ولذلك صرح متحدث رسمي للقوات الأمريكية في جيبوتي في أوائل هذا العام بأن بربرة قاعدة مثالية للولايات المتحدة لا نظير لها، ولذلك تحبذ الولايات المتحدة منح الاستقلال لهذا الإقليم، إلاّ أن البنتاغون ينتظر رأى وزير الخارجية في هذا الصدد.
كما استقبل وفد في نفس الفترة من صومالي لاند برئاسة رئيسه في واشنطن بترحاب من قبل وزارة الدفاع ووزارة الخارجية الأمريكية، وتم خلاله تقديم الوعود بالمساعدة والترحيب بالسير على نهج الانفصال، وتعامل الولايات المتحدة هذا الإقليم كدولة مستقلة.
وقد قامت نائبة وزير الخارجية الأمريكي السيدة جنداى فرايزر بزيارة عمل لهرجيسا كالت خلالها المديح لإنجازات صوماليلاند. وفى رد على سؤال حول موقف الولايات المتحدة من إعلان استقلال صومالي لاند، قالت فرايزر أنها تفضل أن تقوم منظمة الاتحاد الإفريقي باتخاذ مبادرة في هذا الشأن، في تلميح لتأييد الانفصال لكنها تأخذ في الحسبان بعض الإشكالات الدبلوماسية التي تحول دون أن تقوم الولايات المتحدة باتخاذ قرار أحادى الجانب قبل إنضاج الموضوع على مستوى منظمة الوحدة الإفريقية.
وتعتبر إثيوبيا الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في القارة الإفريقية، فموقعها الإستراتيجي الفريد بسيطرتها على منابع النيل وعلاقاتها الوثيقة مع كينيا وأوغندا ودول البحيرات الكبرى، وفى قدرتها على التأثير في مسار الأحداث في جنوب السودان وفى دارفور، الأمر الذي يؤهلها لتحجيم دور كل من السودان ومصرفي إفريقيا والعالم العربي. ناهيك عن كثافتها السكانية ودورها القيادي لمنظمة الاتحاد الإفريقي بحكم وجودها في أديس أبابا، كما أن علاقاتها الإستراتيجية بإسرائيل يتيح لها أن تلعب دورا محوريا في سياسات الشرق الأوسط.
لكل هذه الأسباب فإن الغرب يعتمد على إثيوبيا اعتمادا كليا في استراتيجياتها في إفريقيا والشرق الأوسط. وتستمع إليها دول الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالشأن الصومالي، كما أنها تدفع كل فواتير الحساب للمخططات الإثيوبية في الصومال بدءا من نشاط الحكومة المؤقتة إلى تثبيت الوقائع على الأرض بعد الغزو.
ساهمت الضجة الإعلامية التي رافقت عمليات القرصنة على إعطاء الأولية لمعالجة آثارها السلبية على المصالح الدولية وأدت إلى خلق ردود فعل صاخبة أفضت إلى تشويه سمعة البلاد |
ونظرا لكون الغرب لا يثق في العالم العربي بحكم التناقضات المتراكمة بين الطرفين والصراع العربي الإسرائيلي والكراهية المتبادلة بينهما وعدم ثقة الغرب باستمرارية النظم العربية الموالية له فإنه (الغرب) يعتمد على محور إثيوبيا-إسرائيل في المنطقة. ونظرا لأن استقرار السودان ورخائه وموارده الاقتصادية يعتبر إضافة إلى القوة العربية، كما أن وجود دولة الصومال المستقلة الآمنة في القرن الإفريقي من شأنها أن تشكل رصيدا ايجابيا آخر للعالم العربي فلا بد من كسرهما وتفتيتهما، ولذلك فإن إثيوبيا تقدم السلاح والتدريب لجنوب السودان لفصله عن الشمال، وتتآمر لاقتطاع دارفور عن سائر السودان ودائما يتم ذلك بالتنسيق والتعاون مع حليفتها المخلصة كينيا، وحادثة الباخرة الأوكرانية المختطفة التي كانت تحمل الأسلحة الثقيلة المتطورة والمتجهة إلى جنوب السودان بتغطية كينية، والطائرة الإثيوبية التي ضبطت وهى تنزل حمولتها العسكرية في مطار جوبا خير دليل على ذلك.
ساهمت الضجة الإعلامية التي رافقت عمليات القرصنة على إعطاء الأولية لمعالجة آثارها السلبية على المصالح الدولية، وأدت إلى خلق ردود فعل صاخبة وإن كانت مشروعة أفضت إلى تشويه سمعة البلاد وتبرير إصدار قرارات من مجلس الأمن ومن المنظمات الدولية الغربية تعتبر شكلا جديدا للاحتلال وتسوغ للعدوان على الصومال، وألقت ظلا كثيفا على القضية الجوهرية، ألا وهى الاحتلال الإثيوبي وعواقبه الوخيمة على الصومال، وقد تجاهل الإعلام العالمي أنه قبل الغزو استطاعت سلطة المحاكم الإسلامية بما كان لها من هيبة وشرعية داخلية القضاء على ظاهرة القرصنة وساد الأمن والاطمئنان في كل ربوع الصومال، ولم تنتعش القرصنة من جديد إلاّ بعد الغزو الإثيوبي الذي جلب الفوضى والدمار والنهب والسلب والتشريد والقتل، والقرصنة هي السلاح الفتاك الذي استخدمه الاحتلال لإكمال "ذبح" الصومال دولة ووطنا وشعبا ووجودا.
أما في المجال السياسي فإن المفاوضات الجارية بين الحكومة المؤقتة والتحالف من أجل إعادة التحرير تحت رعاية الأمم المتحدة رغم الترويج لنجاحها بإعلان وقف إطلاق النار وتكوين قوات مشتركة والمشاركة في السلطة فإنها لا تبشر بالخير. وقد تسببت الاتفاقيات المبرمة بينهما إلى كسر شوكة المقاومة وتصدع الجبهة العريضة المكونة من فصائل مختلفة وحدوث انشقاقات متلاحقة لا بين الأطراف الرئيسية فحسب، بل حتى في داخل الطرف المؤيد للاتفاقات. وقد أحبطت هذه المساعي الجماهير المؤيدة للمقاومة وحطمت الروح المعنوية لدى المناضلين الحاملين للسلاح، وأضعفت بصفة عامة قدرة المقاومة على كسب معركة عسكرية حاسمة رغم سيطرتها على كافة البلاد باستثناء مدينتي مقديشو وبيدوة.
ويرجع هذا التراجع إلى تفرد القيادة باتخاذ القرارات دون الرجوع إلى المؤسسات أو القاعدة ودون التشاور مع كل من يهمه الأمر وعدم وجود رؤية إستراتيجية واضحة، وقد كانت بنود الاتفاقيات غامضة بل وتمنح إثيوبيا الفرصة للتنصل من كل التزام، كالنص على انسحاب إثيوبي إذا وصلت قوات كافية من الأمم المتحدة، وفى اتفاقية لاحقة بالتنازل عن هذه الصياغة وإحلالها بأخرى تتضمن إحلال قوات من الإيجاد، وهذا يعنى أن القوات الإثيوبية ستكون متواجدة بغطاء جديد.
وفى الوقت الذي تنسق فيه إثيوبيا جهودها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ومنظمة الاتحاد الأفريقي لتنفيذ مخططاتها الإستراتيجية فإن فريق التفاوض الممثل للتحالف قانع بانتظار تحقيق الوعود الخلابة التي يوزعها الدبلوماسيون المحنكون بالمجان.
والخوف اليوم في أن ينتهي الفريق الموقع على اتفاقيات المصالحة بالوقوع في فلك المشروع الأثيوبى بعلمه أو بدون علمه بعد قبوله الرضوخ للأطر المتفق عليها في مواثيق مباجاتى التي على أساسها يقوم النظام السياسي في مقديشو، الحائز على رعاية الأمم المتحدة وتمويل الاتحاد الأوروبي، التي يرتكز على جعل الصومال كانتونات عشائرية متناثرة خاضعة للهيمنة الإثيوبية. وطالما أن الشكل الإطاري للنظام مضمون من الأمم المتحدة وممول من الاتحاد الأوروبي فإنه لا بد من الانحناء والامتثال له.
وفى ظل هذه الظروف يتطلب الأمر إعادة كل الأطراف المشاركة في المقاومة الوطنية النظر في مواقفها، والإجماع على القاسم المشترك بينها وهو تحرير البلاد من براثن الاحتلال الإثيوبي وضمان استقلاله الوطني ووحدته الترابية، والدخول في العملية التفاوضية بعد تنسيق المواقف وتوفيق الرؤى. وما يجعل هذا الأمر ملزما هو أن المقاومة (المعارضة للاتفاقات) لا تزال مسيطرة على معظم القطر، وأنها تملك أوراقا قوية يمكن أن تلعبها وأنه لا يمكن تجاهلها إطلاقا.
وإذا لم يتم هذا فإن الفريق المفاوض للحكومة المؤقتة سيصبح ضحية لتنفيذ المشروعات الأجنبية. وقد هللت إثيوبيا لتفاهمات جيبوتي ووصفتها بأنها نصر إستراتيجي لها، إذ أنها أفضت إلى تشتيت المقاومة وإضعافها، وفى تقديرها أنها كسبت معركة حاسمة، وقادرة على تجاوز مشكلة انسحاب القوات الإثيوبية بإقناع البرلمان بطريقة أو بأخرى على إصدار قرار جديد يصادق على بقاء القوات الإثيوبية في الصومال.
إن الأجندات الأجنبية التي تحاك خيوطها في الصومال وفى السودان بهدف تمزيقهما وكذا السيطرة على الموقع الإستراتيجي للصومال وفرض هيمنة عسكرية أجنبية على باب المندب والبحر الأحمر لا تستهدف هذين البلدين فحسب، وإنما تستهدف المنطقة العربية برمتها. ولذلك فإنه يقع على عاتق العالم العربي ضرورة إدراك الخطر المحدق، واتخاذ مواقع دفاعية في الخطوط الأمامية بدعم السودان والاهتمام بمشاكل الصومال وبناء جسور الثقة مع كل الأطراف المشاركة في العملية السياسية لمساعدتها على الخروج من المحنة وتقديم يد العون وتعزيز قوى الرفض للاحتلال الإثيوبي.
تأثير القرصنة الصومالية في البحر الأحمر وتداعياتها على الأمن القومي العربي
إن عمليات القرصنة المتزايدة في جنوب البحر الأحمر ليست فقط تهديداً للأمن والاستقرار والاقتصاد والمصالح الإستراتيجية لكافة الدول المطلة عليه أو المتحكمة في منفذه الجنوبي عبر خليج عدن وباب المندب، اليمن والصومال، أو من قبل مصر المتحكمة في المدخل الشمالي عبر قناة السويس، بل هو تهديد يشمل أمن دول الخليج بشكل مباشر وهي المستفيد الرئيسي من الممر المائي لتسهيل مرور نفطها وتجارتها إلى الشمال وبالعكس، كما أن التهديد يشمل أمن العالم أجمع وتجارته واستقراره.
الأهمية الإستراتيجية للبحر الأحمر
للبحر الأحمر أهمية كبرى للأمن العربي سواء على المستوى القومي أو على المستوى القطري وأيضا للأمن العالمي، وأمن الدول الإفريقية، وهذه الدوائر الأمنية متصلة ومتداخلة ومركز ثقلها الإستراتيجي هو القرن الإفريقي |
1. يعتبر البحر الأحمر قناة وصل بين البحار والمحيطات المفتوحة، ومن هنا تزيد أهميته الإستراتيجية سواء من الناحية العسكرية أو الاقتصادية أو الأمنية.(1).
2. البحر الأحمر هو الطريق الرئيسي الذي يمر من خلاله نفط الخليج العربي وإيران إلى الأسواق العالمية في أوروبا(2). وتحتاج أوروبا إلى نقل حوالي 60% من احتياجاتها للطاقة عبر البحر الأحمر(3)، وأيضاً نقل حوالي 25% من احتياجات الولايات المتحدة الأمريكية من النفط العربي.
3. البحر الأحمر هو أحد الممرات الرئيسية للملاحة والتجارة الدولية بين أوروبا وآسيا(4). وتقدر نسبة السفن التجارية العابرة للبحر الأحمر سنويا بأكثر من عشرين ألف سفينة.
4. للبحر الأحمر أهمية كبرى للأمن العربي سواء على المستوى القومي أو على المستوى القطري للدول العربية المطلة عليه، وأيضا للأمن العالمي، وأمن الدول الإفريقية، وهذه الدوائر الأمنية متصلة ومتداخلة ومركز ثقلها الإستراتيجي هو القرن الإفريقي وما يجاوره من مناطق، وإذا كان القرن الإفريقي هو المركز الحيوي لدوائر الأمن المختلفة فإن باب المندب وخليج عدن يصبحان البؤرة التي تتركز عندها الأهمية القصوى لأمن جميع الأطراف(5).
5. تقع ثروات قاع البحر الأحمر وباطنه في نطاق المنطقة الاقتصادية الخالصة للدول المطلة عليه إذ لا يزيد عرض البحر الأحمر عن 402 كيلو متر، لذا فمن حق هذه الدول وغالبتها دول عربية أن تكون لها السيادة الدائمة على الموارد البيولوجية والمعدنية في البحر(6).
التداعيات الأمنية والإستراتيجية على الدول ذات العلاقة
تشكل أعمال القرصنة الإجرامية المتزايدة في الآونة الأخيرة والمنتشرة قبالة سواحل الصومال وفي المياه الدولية للبحر الأحمر وأمام خليج عدن ضد السفن التجارية المارة حالة من الإرباك والتداعيات الخطيرة على سلامة وأمن البحر الأحمر وعلى استمراره كممر مائي آمن للتجارة، وأيضاً على المصالح الإستراتيجية للدول المطلة عليه أو تلك التي تعتمد عليه بشكل رئيسي في تجارتها الدولية، خاصة وأن حالات القرصنة واختطاف السفن خلال العام 2008 بلغت أكثر من 90 حالة اختطاف طلباً لفدية مالية بحسب تقرير مكتب الملاحة الدولي ومقره لندن. وهو ما دفع العديد من شركات النقل البحري العالمية للإعلان عن تغيير خط سيرها الملاحي وتحويله إلى طريق رأس الرجاء الصالح برغم تضاعف التكلفة حيث اعتبر مكتب النقل البحري أن منطقة البحر الأحمر وخاصة قبالة السواحل الصومالية وخليج عدن من أخطر الممرات المائية في العالم مما رفع من قيمة التأمين على السفن المتجهة إليه.
وتتمثل خطورة القرصنة على البحر الأحمر وممراته في التالي:
- إمكانية تحول طرق التجارة الدولية والنقل البحري عنه مما يضعف من مدخولات الدول المطلة عليه اقتصاديا.
- أن يتحول البحر الأحمر إلى بؤرة للصراعات والحروب والتدخلات الإقليمية والدولية النشطة وجماعات الإرهاب الدولي ومافيا المخدرات.
- أن يتم تدويل البحر الأحمر وممراته مما يفقد الدول العربية السيادة عليه والحصول على الثروات التي يحتويها.
تداعيات القرصنة على اليمن
حاولت اليمن تنبيه المجتمع الدولي والعربي ومنذ وقت مبكر بخطورة استمرار انهيار الدولة الصومالية وما سيترتب عليه من نتائج مأساوية على استقرار شعبها وعلى استقرار دول المنطقة |
واليمن هي من أوائل الدول العربية التي نبهت إلى خطورة الأوضاع في البحر الأحمر ودعت في منتصف سبعينيات القرن الماضي إلى عقد مؤتمر في مدينة تعز 1977 للدول العربية المتشاطئة على جانبيه بهدف تنسيق السياسات الأمنية والإستراتيجية، والمصالح العربية، وأيضاً بهدف تعريب أمن البحر الأحمر باعتباره بحراً عربياً نظراً لأن معظم الدول المطلة عليه دول عربية، ولكن نتيجة لتصادم مصالح الدول الكبرى وإسرائيل خلال مرحلة الحرب الباردة تم إجهاض المشروع اليمني.
وبعد تحقيق الوحدة اليمنية مايو 1990 وظهور حالة الفوضى والصراعات في دول القرن الإفريقي حاولت اليمن القيام بالكثير من الجهود الجادة لاحتواء تلك الصراعات والتقريب بين الفرقاء لشعورها بأن ما يحدث في دول القرن الإفريقي يؤثر مباشرة على اليمن سياسياً واقتصادياً وأمنياً وإستراتيجياً، حيث إن أكثر من مليون لاجئ صومال وإثيوبي قد وصلوا إلى اليمن بطرق غير شرعية عبر البحر الأحمر والبحر العربي، وهو ما شكل عبئاً اقتصادياً مضافاً على الاقتصاد اليمني الضعيف بطبيعته، وأيضاً شكل تهديداً أمنياً وسياسياً لها مما دفعها إلي المساهمة في توفير الأجواء للعديد من المصالحات بين الفرقاء الصوماليين بشكل منفرد أو في إطار الجامعة العربية، كما حدث في لقاء عرتا في جيبوتي عام 2000 ونجاحها في التقريب بين الفصائل الصومالية المتنازعة، وما أسفر عنه من اختيار عبد القاسم صلاد حسن رئيساً انتقاليا للصومال.
دولياً حاولت اليمن أيضاً تنبيه المجتمع الدولي والعربي ومنذ وقت مبكر بخطورة استمرار انهيار الدولة الصومالية وما سيترتب عليه من نتائج مأساوية على استقرار شعبها وعلى استقرار دول المنطقة.
وأفريقياً حاولت اليمن عبر إنشاء تجمع صنعاء مع السودان وأثيوبيا، والصومال تحقيق قدر من الأمن والاستقرار والتوازن بين دول منطقة القرن الإفريقي، ومحاولة إيجاد حلول لازمة غياب الدولة في الصومال.
ومع توسع وانتشار ظاهرة القرصنة الصومالية أواخر عام 2007 حاولت اليمن توفير غطاء عربي لمعالجة المشكلة قبل تفاقمها كما حدث في عام 2008، وهو ما دعا الرئيس على عبد الله صالح إلى التحرك عربياً بزيارات ومشاورات مع المملكة العربية السعودية ومصر والأردن ومؤخراً جيبوتي لمحاولة التوصل إلى حل عربي قبل تدويل الأزمة، والسقوط في دوامة التدخلات الخارجية، وأسفرت التحركات عن عقد لقاء القاهرة نوفمبر/تشرين ثان 2008 للمعنيين في الدول المطلة على البحر الأحمر للتباحث حول أفضل السبل لمعالجة ظاهرة القرصنة، وأهمية إعادة الأمن والاستقرار للبيت الصومالي. ويمكن إجمالا تلخيص أهم تداعيات ظاهرة القرصنة علي اليمن في النقاط التالية:
- مضاعفة الأعباء على الاقتصاد اليمني نتيجة ضعف عائدات السفن التي تتزود بالوقود والخدمات في باب المندب.
- محاولة إعطاء شرعية للدول الكبرى يسمح لها بالتدخل في الشئون الداخلية لدول المنطقة بحجة مطاردة القراصنة ومكافحة الإرهاب.
- عدم استقرار الأوضاع السياسية في منطقة القرن الإفريقي يؤثر بشكل مباشر على استقرار الأوضاع السياسية الداخلية في اليمن.
- إن فكرة تدويل البحر الأحمر ومنافذه ووضعه تحت وصاية الدول الكبرى دون مراعاة لمصالح الدول المطلة عليه يشكل تهديدا رئيسيا ومباشرا على مصالح اليمن وسيادتها في خليج عدن والبحر الأحمر ومضيق باب المندب.
تداعيات القرصنة على مصر
تدرجت النبرة المصرية حيال القرصنة الصومالية من التقليل من أهمية تداعيات هذه الأعمال على اقتصادها وأمنها الخاص إلى التعبير قلقها المتزائد مع وجود أساطيل الدول الكبرى والإقليمية واحتمالات تدخلها في شئون المنطقة |
ويحظى البحر الأحمر في إستراتيجيتها الأمنية بأهمية قصوى لتأمين حدودها الشرقية التي غالباً ما تكون بوابة المستعمر إليها، كما أن البحر الأحمر شكل بالنسبة لمصر في إطار الصراع العربي الإسرائيلي نقطة هامة في نطاق تصادم الإستراتيجيات والمصالح، ولكن بعد توقيع أتفاق السلام المصري الإسرائيلي في 1977 خففت مصر الكثير من حرصها الإستراتيجي غاضة الطرف عن التحركات الإسرائيلية.
ومع اشتداد أعمال القرصنة تدرجت النبرة المصرية إلى التقليل من أهمية تداعيات هذه الأعمال على اقتصادها وأمنها الخاص، ولكن بازدياد أساطيل الدول الكبرى والإقليمية، واحتمالات تدخلها في شئون المنطقة تحت دعاوى مطاردة أعمال القرصنة، والإشارات المنبعثة بأهمية تدويل البحر الأحمر لحماية الملاحة والتجارة البحرية، ازداد قلق مصر مع الوقت من أن هناك أيادٍ خفية تسعي لترتيب أوضاع دولية وإقليمية في البحر الأحمر وممراته على حساب مصالحها الحيوية والإستراتيجية، فتغيرت تصريحات المسئولين نحو الاعتراف بخطورة الأمر عليها اقتصادياً وأمنياً وإستراتيجياً ومحاولة تهميشها، فعمدت إلى التنسيق مع الدول العربية، والدول الصديقة تحت مظلة وشرعية الأمم المتحدة وفي إطار القانون الدولي، مما دعاها إلى المسارعة بعقد مؤتمر للدول العربية المطلة على البحر الأحمر في القاهرة نوفمبر/ تشرين ثان 2008 برعاية مصرية يمنية.
كما صرح مصدر مسئول مصري بأن مصر مستعدة للمشاركة مع أساطيل الدول المتواجدة لتوجيه ضربة عسكرية للقراصنة وحفظ الأمن في البحر الأحمر، مع أهمية معالجة الأسباب الحقيقة لظاهرة القرصنة والمتمثلة في غياب الدولة وسيادتها في الصومال.
ويتطابق الموقف المصري مع الموقف اليمني في تقدير خطورة الوضع على مصالح الدول العربية، وعلى الأمن الإستراتيجي العربي، كما تتفق وجهتي نظر البلدين في الأسباب وطرق العلاج، مع الفارق أن مصر تمتلك قوات عسكرية بحرية تفوق قدراتها كافة القوى البحرية لجميع الدول العربية المطلة على البحر الأحمر، كما أن قواتها البحرية تتمتع بإمكانات مادية وبشرية وتاريخ عسكري بحري مشرف مما يجعلها سند قوي وفعال في أي تحرك عربي.
تداعيات القرصنة على السعودية
المملكة العربية السعودية هي إحدى الدول العربية المطلة على البحر الأحمر، والذي يعتبر بالنسبة لها أحد الشرايين الهامة البديلة لتصدير منتجاتها بعيداً عن موانئ التصدير الواقعة على الخليج العربي والتي تعرضت باستمرار خلال العقود الثلاثة الأخيرة لعدم الاستقرار. فالمملكة العربية سابقاً تحفظت على دعوة اليمن لحضور مؤتمر تعز 1977 للدول العربية المطلة على البحر الأحمر للتباحث حول ترتيبات الأمن العربي فيه وذلك في ظل ظروف دولية وإقليمية كانت تهدف إلى تحجيم الدور اليمني والعربي في البحر الأحمر.
ولكن في ظل المتغيرات والظروف الدولية الراهنة أبدى كثير من المثقفين السعوديين تخوفهم على أمن المملكة واقتصادها واستثماراتها من تطور عمليات القرصنة في البحر الأحمر. وأشار هؤلاء إلى أن نفط المملكة المصدر عبر البحر الأحمر ومشاريع تحلية المياه ومستلزمات عملية التنمية التي يتم استيرادها عبر موانئ المملكة على البحر الأحمر مهددة، وطالبوا الرياض بضرورة دعوة الدول المطلة على البحر الأحمر إلى عقد اجتماع لوضع إطار للتعاون الإستراتيجي المشترك(7).
تعامل القوى الدولية والإقليمية مع ظاهرة القرصنة
مع تزايد أعمال عصابات القراصنة الصوماليين في مياه البحر الأحمر وخليج عدن وباب المندب وتزايد معدلات اختطاف السفن التجارية في الشهور الأخيرة وتطور الأساليب التكتيكية والمعلوماتية واللوجستية التي يتبعها القراصنة في الوصول للسفن التجارية العملاقة، واصلت العديد من الدول الكبرى والإقليمية التعامل مع المشكلة من خلال محورين أساسيين بحجة القضاء على ظاهرة القرصنة:
المحور الأول: محاولة إصدار العديد من القرارات الدولية من قبل الأمم المتحدة وخصوصا مجلس الأمن وهي قرارات من شأنها أن تخول الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية التعامل مع القراصنة بما يخلق حالة من التدويل للبحر الأحمر وممراته وتقود هذا المحور كلا من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وهو ما يؤثر على الأمن القومي العربي للدول المطلة على البحر الأحمر.
وقد أصدر مجلس الأمن القرار رقم 1814 والقرار رقم 1816، الذي سمح للسفن الحربية التابعة للدول الأجنبية بدخول للمياه الإقليمية للصومال لتعقب القراصنة، كما نجحت فرنسا في سبتمبر/أيلول 2008 في استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي رقم 1838 يسمح بمرافقة وتأمين السفن المارة في المياه الإقليمية للصومال وخليج عدن.
المحور الثاني: التحركات العسكرية المباشرة للعديد من الدول الكبرى أو الدول المتطلعة للعب دور إقليمي في المنطقة من خلال حشد قطعها البحرية قبالة سواحل الصومال وخليج عدن تحت دعاوى مكافحة القرصنة وحماية تجارتها وسفنها في الممر الدولي ومضائقه.
فبالإضافة للقوات الأمريكية المتواجدة في منطقة القرن الإفريقي في قاعدتها العسكرية بجيبوتي أي القيادة المركزية للجيش الأمريكي في أفريقيا (أفريكوم)، أو من خلال انتشار قطع أساطيلها التي تجوب مياه البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي، إلى إرسال الاتحاد الأوربي لسبع قطع بحرية، كما أرسلت كل من روسيا والهند وتركيا وكندا وماليزيا وجنوب أفريقيا قطعا حربية لحماية سفنها، وأبدت إيران استعدادها لإرسال سفن حربية للمنطقة لحماية سفنها من القراصنة، ولإثبات تواجدها الإقليمي في منطقة تعتقد أنها تستطيع لعب دور إقليمي مؤثر بجوار الدول الكبرى عند تقاسم المصالح والغنائم.
أهداف الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية
تهدف الولايات الأمريكية والدول الحليفة الرئيسية لها من خلال تواجدهم البحري المكثف في المنطقة، ومن خلال إصدار قرارات دولية متوالية من مجلس الأمن الدولي إلى الوصول لنقطة تدويل منطقة البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن وصولاً لقناة السويس وخليج العقبة مستقبلاً من خلال السماح لهم باستكمال تواجدهم البحري بالتواجد البري على الجزر العربية تحت غطاء من الشرعية الدولية لتقديم الدعم اللوجستي لقواتها البرية، وذلك على حساب سيادة الدول العربية المطلة على البحر الأحمر.
الأهداف الإسرائيلية
تسعى إسرائيلي بعد تفشي ظاهرة القرصنة بأن تقوم بدور اللاعب الأساسي في إطار نظام الشرق الأوسط الجديد كما تسعى لتدويل البحر الأحمر ومنافذه وإعطائها مساحة ونفوذ أكبر فيه وتعطيل حركة الملاحة من خلال دعمها لعمليات القرصنة البحرية |
حقيقة الأمر أن إسرائيل هي الحاضر المستتر، والمستفيد الأكبر مما يحدث من أعمال القرصنة في البحر الأحمر وعلى تخومه ومنافذه، فإسرائيل عودتنا دائماً أينما يكون هناك إضرار بالمصالح العربية تكون حاضرة.
إن من أهم الأهداف الإسرائيلية لتفشي ظاهرة القرصنة هو قيامها بدور اللاعب الأساسي والمحوري في إطار نظام الشرق الأوسط الجديد، والذي من خلاله تسعى إما لتدويل البحر الأحمر ومنافذه وإعطائها مساحة ونفوذ أكبر فيه، أو محاولاتها تعطيل حركة الملاحة من خلال دعمها لعمليات القرصنة البحرية واضطرار شركات الملاحة البحرية لتحويل حركة التجارة عنه لطريق رأس الرجاء الصالح لبعض الوقت، بغية إضعاف الدول العربية المطلة عليه اقتصادياً وأمنياً هذا من جانب، ومن جانب آخر تقديم نفسها باعتبارها ممراً أمناً ووحيداً على البحر المتوسط لتصدير النفط والغاز والتجارة الخليجية كما هو مرسوم في مشروعات الشرق الأوسط الجديد لساسة إسرائيل( شيمون بيريز ونتنياهو) وهو ما تؤكده الشواهد.
ومما يثير التساؤل أنه على الرغم من كم السفن التي تعرضت خلال العامين الماضيين للاختطافات في البحر الأحمر لم يتم اختطاف أو التعرض لأي سفينة ترفع العلم الإسرائيلي أو تحمل شحنات متجهة من وإلى إسرائيل؟ إن سعى الإستراتيجية الإسرائيلية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة إلى تحقيق أهدافها التوسعية بحسبانها قوة إقليمية في المنطقة حتماً يتأتى على حساب مستقبل النظام الإقليمي العربي وأمنه ومستقبل أجياله القادمة.
حلول ومعالجات مقترحة
إن الفرصة الأخيرة لحماية أمن العرب القومي ومصالحهم الإستراتيجية تتمثل في السيادة والاقتصاد والأمن والمصير المشترك، والتي قد يضيعها ضيق أفق بعض الأنظمة وعدم قدرتها على التبصر واستيعاب الأخطار الجادة المحدقة بكل أركان النظام العربي، خاصة وأن أكبر أزمة يمر بها العمل العربي المشترك هي عدم إدراكه للمتغيرات الإستراتيجية التي تدور من حوله، وإن هو أدركها فإنه لا يتعامل معها بالجدية التي تستحقها(8).
ويمكن للنظام العربي العمل لمعالجة ظاهرة القرصنة ومواجهة تهديداتها لمصالحه على النحو التالي:
1. وضع إستراتيجية أمنية عربية شاملة لتأمين البحر الأحمر وحماية حرية الملاحة الآمنة فيه لكافة دول العالم.
2. تشكيل قوة بحرية عربية مشتركة للدول المطلة على البحر الأحمر تعمل وفق اتفاقية الدفاع العربي المشترك وتحت مظلة جامعة الدول العربية.
3. ضرورة تقديم الدعم والمساعدة للصومال مالياً وسياسياً لتشكيل حكومة وحدة وطنية تعمل على نشر الاستقرار والأمن وفرض النظام على كامل ترابه ومياهه الإقليمية.
4. ضرورة التنسيق العربي مع القوات المتواجدة في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن للعمل معاً تحت مظلة الأمم المتحدة وفي إطار القانون الدولي.
5. أهمية تشكيل مراكز للرصد والمتابعة لأمن البحر الأحمر وممراته ومنافذه.
6. تعزيز التعاون الاقتصادي والتنسيق العربي مع الدول الإفريقية وضرورة الاهتمام بدول حوض النيل حماية للأمن القومي العربي.
7. أهمية إشراك الدول الخليجية في أي إستراتيجية عربية لتحقيق الأمن والاستقرار في البحر الأحمر وممراته ومنافذه حيث إن خطورة أعمال القرصنة لها تأثيراتها المباشرة على النفط الذي يعتبر المصدر الاقتصادي الرئيسي لدول الخليج، كما أن لها تداعياتها غير المباشرة المتمثلة في إمكانية امتداد أعمال القرصنة المدعومة بعض الدول الإقليمي والقوى الدولية إلى منطقة الخليج العربي.
_______________
باحث صومالي
سفير صومالي سابق
نائب رئيس مركز الدراسات والبحوث اليمني وأستاذ العلوم السياسية المساعد بجامعة صنعاء
هوامش محمد الأمين محم الهادي:
(5) khalif, “How Illegal Fishing Feeds Somali Piracy.”
(7) Coffen-Smout, “Pirates, Warlords and Rogue Fishing Vessels in Somalia's Unruly Seas.”
(9) Mary Ann Palma, “ANALYSIS OF THE ADEQUACY OF THE PHILIPPINE LEGAL,
POLICY, AND INSTITUTIONAL FRAMEWORK TO COMBAT
.
,
,
.
(15) والغريب أن التقرير يشير إلى أن من الممكن أن يكون الجنود الإيطاليين الذين كانوا متمركزين في الصومال كقوة تابعة للأمم المتحدة في العملية الفاشلة أوائل التسعينات قد تعرضوا لإشعاعات نووية، دون أن يشير إلى الصوماليين الذين قد تعرضوا لذلك فعلا.
(21) المصدر السابق.
(23) “ازدهار القرصنة في الصومال الغارقة في الفقر والياس ,” http:// w w w.alquds.com/node/109213.
هوامش ورقة سمير العبدلي:
1- أمين هويدي، أحاديث في الأمن العربي، إصدار دار الوحدة بيروت، طبعة أولي، 1980، ص 30
3- أحاديث في الأمن العربي، مصدر سابق، ص30.
4- صراع الاستراتيجيات في البحر الأحمر، مصدر سابق، ص 54.
5- أحاديث في الأمن العربي، مصدر سابق، ص31.
7- أمين الساعاتي، الاقتصادية 27/11/2008.