وليد الزبيدي |
ومن أهم عناصر هذا المشروع، الذي يقوم أساسا على إدخال إيران في الموضوع العراقي بشكل مباشر:
- تقديم معلومات مفصلة عن ضباط الجيش العراقي والطيارين والأجهزة الأمنية السابقة، من طرف الأجهزة الأمنية الإيرانية.
- تحديث المعلومات عن المجموعات التي تقود الهجمات ضد قوات التحالف، من طرف فيلق بدر.
- تدريب إيران عناصر من جيش المهدي.
- فتح أبواب استخبارات وزارة الداخلية والمعتقلات الخاصة أمام المخابرات الإيرانية.
- ضمان دور أساسي لإيران في خريطة العراق المستقبلية.
أما حيثيات الحوار المقبل الذي يجري الترتيب له فهي كالتالي:
عن الجانب الإيراني:
- إيهام الولايات المتحدة الأميركية بقدرة إيران على التأثير على فصائل المقاومة.
- استعداد إيران للضغط على المراجع العليا في العراق من أجل تهدئة الأوضاع والدفع في اتجاه مشروع "المصالحة الوطنية".
عن الجانب الأميركي:
- حاجة الأميركيين إلى أكبر قدر من الاستقرار في العراق لترتيب أوضاعهم التي تتأرجح بين الانسحاب السريع أو المبرمج.
- مطالبة الإيرانيين بالتوقف عن دعم المليشيات التي تقف وراء حالات الفوضى والتوتر.
إذا كان هدف أميركا من هذا الحوار هو الخروج من حالتي التخبط والارتباك اللتين تعيشهما، فإن حرص إيران على هذا الحوار يأتي في إطار السعي لتحقيق طموحاتها فيما يخص برنامجها النووي ودورها الإقليمي.
" تردد في الدوائر الأميركية الضيقة أن الأميركيين يئسوا من إمكانية الاستفادة من الأحزاب الشيعية في القضاء على فصائل المقاومة العراقية والتخلص من تنظيم القاعدة في العراق " |
سنحاول هنا أن نقدم قراءة تفصيلية عن الحوار الذي جرى العام الماضي، والذي لم يتسرب منه شيء إلى وسائل الإعلام، ثم نقدم تصورا لطبيعة الحوار الذي يجري الاستعداد له.
صحيح أن المعلومات التي تسربت عن العناصر التي ناقشها الأميركيون والإيرانيون حول العراق بداية العام الماضي، تكاد تكون معدومة، لدرجة أن الجميع لم يتوقف بما فيه الكفاية عند حدث مهم من هذا النوع. فنحتاج إذن إلى إعطاء بعض التفاصيل عن تلك الحوارات، التي جاءت بترتيبات خاصة من قبل رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية عبد العزيز الحكيم ورئيس المؤتمر الوطني الدكتور أحمد الجلبي، وكانت هذه الجهود قد بدأت أواخر عام 2005.
لقد تردد في الدوائر الأميركية الضيقة أن الأميركيين يئسوا من إمكانية الاستفادة من الأحزاب الشيعية (الدعوة بفروعه الثلاثة والمجلس الأعلى والأطراف المتحالفة معهما) في القضاء على فصائل المقاومة العراقية، والتخلص من تنظيم القاعدة في العراق، وكان الائتلاف الموحد قد أعطى وعدا للإدارة الأميركية بالقضاء على هذه الفصائل المسلحة بمجرد تولي قياداته مسؤولية الأجهزة الأمنية، واستنادا إلى هذا الوعد تم الإتيان بإبراهيم الجعفري ليرأس حكومة عام 2005، وظهرت في عهده "فرق الموت" التي كانت تَخرُج بعد منتصف الليل أثناء ساعات حظر التجوال لتعتقل المئات، وتقتل الكثير منهم وترمي جثثهم.
لكن سرعان ما أدرك الأميركيون أن المؤشر يتجه إلى الزاوية الأخرى، بعد ما لوحظ تنامي نشاطات فصائل المقاومة خلال النصف الثاني من عام 2005، وهي فترة حكومة الجعفري.
وبدأ السفير الأميركي زلماي خليل زاد يبحث عن أحزاب وكتل وشخصيات تقدم له مشروعا مفصلا ودقيقا يتمحور حول هذا العنوان: "هكذا سنقضي على المقاومة ونطرد تنظيم القاعدة من العراق".
" إن مصلحة الإدارة الأميركية هي الاستمرار في مشروعها بالعراق بعد التخلص من العقبة الأساسية التي قامت لإفشال هذا المشروع وهي المقاومة " |
- أولا: تقدم الأجهزة الأمنية الإيرانية (المخابرات والاستخبارات) المعلومات التفصيلية عن ضباط الجيش العراقي والطيارين والأجهزة الأمنية وكوادر حزب البعث، خاصة أن إيران تمتلك رصيدا كبيرا من المعلومات يعود إلى بداية الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) والسنوات اللاحقة.
- ثانيا: يتكفل فيلق بدر، الجناح العسكري للمجلس الأعلى وحزب الدعوة والمجاميع الأخرى، بتحديث المعلومات التي طرأت خلال السنوات اللاحقة، ويشمل ذلك جميع من أسموهم "التكفيريين والبعثيين والصداميين"، الذين يُعتقَد أنهم يقودون الهجمات ضد الأميركيين والأجهزة الحكومية.
- ثالثا: يتكفل الإيرانيون بتدريب أكثر من عشر آلاف عنصر من أتباع السيد مقتدى الصدر (جيش المهدي)، للقيام بعمليات التصفية من خلال الاختطاف والتعذيب وتشويه الجثث والقتل الفردي والجماعي. وتفيد المعلومات أن دورات تدريبية سريعة قد جرت في مناطق داخل العراق (النجف والبصرة والكوت) وخارج العراق في إيران، كما أن هناك قيادات لهذه المجاميع تم تدريبها في لبنان.
- رابعا: فتح أبواب استخبارات وزارة الداخلية والمعتقلات الخاصة أمام ضباط المخابرات الإيرانية، وتم تخصيص أحد طوابق وزارة الداخلية لإدارة عمليات التحقيق والإشراف على نشاط "فرق الموت"، التي اتخذت لها مقرات في مناطق الثورة (مدينة الصدر) بالضاحية الشرقية من العاصمة، ومدينة الشعلة غرب بغداد وأماكن أخرى متفرقة منها حي العطيفية (جامع براثا) وأحياء العامل والبياع وأبو دشير والكريعات والحسينية، لتنطلق منها هجماتها، وبذلك تتمكن من تغطية جميع أرجاء العاصمة بغداد.
- خامسا: أن تكون هناك ترتيبات مستقبلية في العراق يكون لإيران الدور الرئيس فيها، بعد أن يتم التخلص من جميع الفصائل التي تشن الهجمات على القوات الأميركية والبريطانية والأجهزة الحكومية والمسؤولين.
إن مصلحة الإدارة الأميركية من وراء كل ذلك، هو الاستمرار في مشروعها بالعراق، بعد التخلص من العقبة الأساسية التي قامت لإفشال هذا المشروع، وهي المقاومة في العراق بجميع فصائلها.
انطلق هذا المشروع قبل تسلم نوري المالكي الحكم، وتم وضع ترتيباته بمعرفة جميع الأطراف الفاعلة في الحكومة والمشاركة في العملية السياسية، واعتقد الكثير من تلك الزعامات أنه سيحقق نتائج باهرة وسريعة.
غير أن النتائج لم تكن كما رسمها الذين قدموا المشروع بجميع تفاصيله، كما أن هذه النتائج لم تكن مخيبة للآمال فحسب، بل إنها جاءت بالكوارث على الحكومة والأميركيين، بسبب الانفلات الأمني التام والفوضى وفقدان الثقة بأميركا وقوتها العظمى، بالإضافة إلى عدم وجود أي شكل من أشكال السلطة في العراق.
" بعد فترة سيكتشف الأميركيون أنهم قد بلعوا الطعم الإيراني وأن إيران غير قادرة على التأثير بأي شكل من الأشكال على برنامج المقاومة العراقية بجميع فصائلها " |
- أولا: وجود أكثر من جناح ومركز قرار في الإدارة الإيرانية، وأن بعض هذه المراكز تعمل على إفشال المشروع الأميركي في العراق، من خلال تزويد المسلحين داخل العراق بالأسلحة، وبالأخص العبوات التي تستهدف الدبابات وعربات "الهامر"، وأن الحوار مع الأميركيين قد يفضي إلى إمكانية الضغط على مراكز القرار تلك، وإيقاف دعمها العسكري.
وهنا لابد من الإشارة إلى مسألة في غاية الأهمية. عملت المخابرات الإيرانية على توزيع أسلحة إيرانية في أماكن مختلفة من العراق، لكي تعثر عليها القوات الأميركية والبريطانية، فتتأكد من وجود الجناح الذي أشرنا إليه، وبذلك تكون قد أوصلت رسالتها للأميركيين، الذين سيصدقون قدرة هذا الجناح في القيادة الإيرانية على التأثير على فصائل المقاومة في العراق. وفي واقع الحال لا يوجد أي تأثير على هذا الصعيد، من قبل أي طرف إيراني على فصائل المقاومة في العراق.
- ثانيا: استعدادها للضغط على المراجع العليا في العراق (الشيعية) للقيام بكل ما يمكن لتهدئة الأجواء في العراق، ومحاولة دفع ما يسمى "مشروع المصالحة" إلى الأمام. وعدم الاعتراض على الإجراءات الجديدة، التي يعتقدون أنها قد تهدِّئ من الأوضاع، ومن أبرزها إعادة النظر في قانون اجتثاث البعث وتعويضه بـ"القانون الجديد" (العدالة والمساءلة)، وتعديل الدستور، وإعادة كوادر الأجهزة الأمنية إلى دوائرهم. وستكون النقاشات بين الأميركيين والإيرانيين في هذا الإطار تحديدًا.
ومن أهم المطالب الأميركية أن تتوقف الحكومة الإيرانية عن تقديم الدعم للمليشيات، التي تقف وراء التوتر والفوضى، والتي لم تتمكن من تحقيق الأهداف التي كانت قد تكفلت بتحقيقها عام 2006 (كالقضاء على الفصائل المسلحة، التي يعتقدون أنها تتكون من "التكفيريين والبعثيين والصداميين"). كما أن الأميركيين يسعون إلى المحافظة على أكبر قدر من الهدوء في العراق خلال الأشهر المقبلة،لأنها تعتبر أحرج المراحل بالنسبة لقواتهم، التي تتأرجح بين الانسحاب السريع أو المبرمج (الأمر الذي يعتمد على التطورات في الميدان القتالي بالدرجة الأولى، وانعكاس ذلك على المؤسسات الأميركية وبالأخص مجلسي النواب والشيوخ.
إن اللقاء الإيراني الأميركي سيمر دون أن يعرف الرأي العام شيئا عن حقيقة ما دار فيه من نقاشات، قبل أن تظهر نتائجه على أرض الواقع. وبعد فترة سيكتشف الأميركيون أنهم قد بلعوا الطعم الإيراني، وأن إيران غير قادرة إطلاقا على التأثير بأي شكل من الأشكال على برنامج المقاومة العراقية بجميع فصائلها، ولا على تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين (دولة العراق الإسلامية). كما سيكتشفون أن تسريبات الأسلحة الإيرانية ليست بأكثر من لعبة مخابراتية إيرانية ذكية، وجدت طريقا سهلا إلى الدوائر الأميركية، وذلك بسبب الارتباك والتخبط اللذين تعيشهما الإدارة الأميركية وأجهزتها الأمنية، خاصة بعد أن ازدادت خسائرها في الميدان تحت وطأة ضربات المقاومة في العراق. وقد تُحقِّق إيران ما تطمح إليه فيما يتعلق ببرنامجها النووي والدور الإقليمي الذي تحاول القيام به، مستغلة الأوضاع القلقة الحالية.
_______________
باحث متعاون