مستقبل الدور السعودي في المنطقة الورقة الثالثة

بادرت السعودية إلى اتخاذ مجموعة خطوات خلال الأشهر الثلاثة الماضية تؤشر إلى تغيير في اتجاه السياسات السعودية في المنطقة قياسا بالسياسات السعودية التي اتبعت خلال السنوات الأربع أو الخمس الماضية وهو ما تحاول هذه الورقة رصده.








النتائج والتوصيات
التحليل



النتائج والتوصيات



1- يمكن إبراز مؤشرات ذات دلالة على تطور الدور السعودي في المنطقة وفي الإقليم، وأبرز هذه المؤشرات:





    • استضافة مؤتمر القمة العربي في الرياض.


    • رعاية اتفاق مكة بين حركتي حماس وفتح.


    • المشاركة في اجتماع الدول السبع في إسلام آباد.


    • المشاركة في المؤتمر الدولي الذي عقد حول العراق في شهر آذار/مارس 2007.


    • التدخل الفاعل في الساحة اللبنانية ومحاولة التوصل إلى اتفاق وطني لبناني.


    • تطور العلاقات السعودية الإيرانية، والتفاهم الذي تم أثناء الزيارة الأخيرة للرئيس الإيراني للسعودية حول القضايا الحساسة في كل من العراق، وفلسطين، ولبنان.


    • الانفتاح المتزايد على دول آسيا خاصة روسيا والصين لا سيما  في مجالي التجارة البينية والطاقة.


2- هناك دلائل على وجود مسافة آخذة في التوسع بين السياسات السعودية والمصرية من جهة والسياسات الأميركية والإسرائيلية من جهة أخرى، ولعل محاولة إسرائيل فتح الجبهة العسكرية مجددًا بعد القمة وبعد حكومة الوحدة الوطنية على قطاع غزة يعطي مؤشرًا على أن السياسات السعودية المشار إليها وتوجهاتها للعام القادم لا تدخل ضمن ما تريده أميركا وإسرائيل (وإن لم تستهدف أو تقصد التعارض معهما).



التحليل






"
قرار السعودية استضافة القمة العربية في الرياض بعد أن كان مقررًا عقدها في المقر بمصر يعني اهتمامًا أكبر بقيادة القمة ولعب دور أنشط من خلال ترؤس المجموعة العربية

"
مجموعة خطوات بادرت إليها السعودية خلال الأشهر الثلاثة الماضية تؤشر إلى تغيير في اتجاه السياسات السعودية (المدعومة مصريًّا ولو بضعف) في المنطقة قياسًا بالسياسات السعودية التي اتبعت خلال السنوات الأربع أو الخمس الماضية.


فمن هذه الخطوات قرار استضافة القمة العربية في الرياض بعد أن كان مقررًا عقدها في المقر بمصر. الأمر الذي يعني اهتمامًا أكبر بقيادة القمة ولعب دور أنشط في عام 2007 من خلال ترؤس المجموعة العربية.



ثم جاء لقاء مكة بعد مقاطعة طويلة لحماس ومشاركة –عملية- في الحصار المالي، مع الإصرار على نجاح مصالحة بين حماس وفتح تمهيدًا لتشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية، مؤكدًا على ما أشير إليه من تغيير في السياسات السعودية، وبالمناسبة ما كان للقاء مكة وبعده تشكيل حكومة الوحدة الوطنية أن ينجحا لولا الدعم المصري لهما.



هذا ويمكن إدخال اجتماع الدول السبع في إسلام آباد ضمن مؤشرات التغيير في السياسات السعودية بالرغم من الشبهات التي أوحت بأنه عقد بوحي أميركي، وبالرغم مما سربته تركيا عما دار داخل الاجتماع من خلاف (يجب التحفظ على دقة هذا التسريب). لأن ظاهر بيان الاجتماع والموقف الأميركي البريطاني الذي هاجم مشرّف في اليوم التالي، يؤكد أن السياسة التي كانت وراء اجتماع إسلام آباد لم تكن بقرار أميركي، وأن نتائجه لم تصب في إطار إستراتيجية أميركا إزاء الحرب على إيران. وبالمناسبة تركيا لا يعجبها تزعم باكستان للقاء الإسلامي.



المساعي الجادة التي بذلها السفير السعودي عبد العزيز خوجة للتوصل إلى اتفاق لبناني ولو بيان نوايا لتوقيعه في مكة تؤكد تلك المؤشرات حول التغيير في السياسات السعودية الرسمية، أما فشل تلك المساعي قبل القمة والتأزم اللاحق بإرسال 70 نائبًا من 14 آذار مذكرة إلى الأمين العام للأمم المتحدة لبحث موضوع المحكمة في مجلس الأمن، وإخراجه من الحوار اللبناني الذي ترعاه السعودية فيُعتبران تمردًا من جانب سعد الحريري على السياسة السعودية الرسمية، بل إن إرسال المذكرة إلى مجلس الأمن (أعلن السفير السعودي الخوجة أن لا علم له مطلقًا بذلك قبل حدوثه) يُعتبر أول ضربة توجه إلى السياسات السعودية في توجهها الجديد.


وخطاب العاهل السعودي في افتتاح القمة عموما، وفي الخصوص الإشارة إلى أن العراق يقع تحت احتلال غير شرعي، والإشارة إلى عدم ترك مصير المنطقة يقرر من خلال التدخلات الخارجية، يؤكدّ أن ثمة نفسًا جديدًا وتوجهًا جديدا للعب دور أكبر وأنشط في سياسات المنطقة للمرحلة القادمة. وهنا يجب أن تعطى أهمية خاصة للمصالحة السعودية السورية في محاولة لإنجاح السياسات الجديدة.



ثم تأتي تحركات كوندا ليزا رايس قبل القمة العربية (اللقاء بالرباعية العربية) والموقف الأميركي في التعامل مع حكومة الوحدة الوطنية، وموقف حكومة أولمرت من المبادرة العربية (التي كررت تقديم التنازل المجاني للدولة العبرية)، لتدل على وجود مسافة آخذة في التوسع بين السياسات السعودية المصرية والسياسات الأميركية الإسرائيلية. ولعل فتح الجبهة العسكرية مجددًا بعد القمة وبعد حكومة الوحدة الوطنية على قطاع غزة يعطي مؤشرًا على أن السياسات السعودية المشار إليها وتوجهاتها للعام القادم لا تدخل ضمن ما تريده أميركا وإسرائيل وإن لم تستهدف أو تقصد التعارض معهما بل حاولت طمأنتهما ولكن دون جدوى، ففتح الجبهة العسكرية هدية للقاء مكة وللقمة.






"
ثمة إمكانات للعب دور سعودي مصري سوري أكبر ضمن معطيات الوضع الراهن إسرائيليًّا وأميركيًّا وإقليميًّا وعالميًّا بشرط توفر درجة أعلى من الحزم في مواجهة الضغوط الأميركية
"
تفسير هذا التغيير يعود بالدرجة الأولي إلى عاملين أساسيين الأول فشل السياسات الأميركية الإسرائيلية في فلسطين ولبنان والعراق وما سمي بإقامة شرق أوسط جديد ثم ما حل من ضعف شديد لا مثيل له بكل من بوش وأولمرت داخليا وعالميا. مما ولد فراغا في المنطقة في مصلحة قوى المقاومة والممانعة وفي مصلحة إيران وسوريا (والأطراف العربية والدولية التي لم تشارك السياسات الأميركية في المرحلة السابقة بالتواطؤ أو السكوت أو الهروب أو الاعتزال). الأمر الذي كان سببا للتغير المشار إليه في السياسات السعودية المصرية.

أما العامل الثاني فهو ما حدث من تدهور في الوضع العربي من انقسامات داخلية في فلسطين ولبنان والعراق، وتدهور في دارفور والصومال، وخطر ما أثير من صراع سني شيعي، فضلاً عن اشتداد المخاطر على دول الخليج خاصة مع تعاظم الاستعدادات الأميركية العسكرية لشن حرب على إيران الأمر الذي يعد سببًا ربما كان أهم من السبب الأول في التغيير المشار إليه. وذلك لوقف هذا التدهور ومحاولة إيجاد حلول سريعة تخفف من أخطار الانقسامات الداخلية، واشتعال العداوات الطائفية. مما أصبح مهددًا لكل الدول التي أخذت النار تقترب من حدودها.



فالوضع الآن يتمثل في:



1) عدم وجود إستراتيجية أميركية تملك زمام المبادرة، ومن ثم تحولت السياسات الأميركية الراهنة إلى التحرك بالقطعة وحسب كل مشكلة بلا بوصلة أو تخطيط مسبق. ويشاع أن ثمة أزمة بين كوندوليزا رايس وديك تشيني، فالسياسات الأميركية فقدت زخمها مع فشل آخر محاولة لتبني الإستراتيجية الجديدة الأخيرة للاستيلاء على بغداد. فهنالك انقسام داخلي أميركي، ورفض من الرأي العام لسياسات بوش بنسب متزايدة، وثمة فشل هائل في المنطقة عندنا حيث تركزت أولويات الإستراتيجية، وهنالك اشتداد للأزمة مع روسيا والصين، وباختصار تراجع أميركي وفقدان لزمام المبادرة، ولم يبق من أوراق غير الحرب على إيران.


2) أوروبا تحاول سد جزء من الفراغ الذي خلفته الإخفاقات الأميركية في المنطقة. وقد ظهر ذلك في زيارة ميركل وقبلها زيارات المبعوثين الأوروبيين، وفي محاولة فرنسا استخدام ورقة المحكمة الدولية في لبنان، وإنقاذ الموقف إزاء حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية. ويبدو أن ثمة فتورًا في العلاقات السعودية الفرنسية بسبب الموضوع اللبناني.


ضعف الدور الأوروبي ناجم عن كونه يحاول الترميم وراء الإخفاقات الأميركية الإسرائيلية، ومحاولة إنقاذ أولمرت وبوش ومنع أطراف غير مرغوب فيها من أن تملأ الفراغ بدلاً من ركوب موجة المتغير في الموقف الرسمي العربي الجديد إن أريد للسياسات الأوروبية أن تلعب دوراً لسد الفراغ.


3) ثمة إمكانات موضوعية للعب دور سعودي مصري سوري (عربي عموما) أكبر ضمن معطيات الوضع الراهن إسرائيليًّا وأميركيًّا وإقليميا وعالميا، أو قل ضمن موازين قوى مالت في غير مصلحة أميركا، ولكن شرط ذلك توفر درجة أعلى من الحزم في مواجهة الضغوط الأميركية، وفي مواجهة حل المشكلة اللبنانية، والرد على التأزيم العسكري على جبهة قطاع غزة وكسر الحصار، وتثبيت توجه عربي إزاء وقف التدهور وامتلاك زمام المبادرة والحيلولة دون اندلاع حرب ضد إيران. وهذا ما يثير أكثر من شك فيه. ولكن أمامه آفاق بقليل من الجرأة والتصميم، فالأطراف الأخرى مرتبكة ومزعزعة.