نبسط فيما يلي ملخصا وافيا للتقرير الأخير الذي أصدره مركز دراسات الشرق الأوسط للسياسات العامة، التابع لمؤسسة راند الأميركية. ويعد هذا التقرير الثالث من نوعه الذي يصدر عن هذه المؤسسة البحثية الأميركية. حاول التقرير الأول الذي صدر بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول تشخيص الخارطة الفكرية والسياسية في العالم الإسلامي، في حين عمل التقرير الثاني الذي صدر سنة 2004 على تصنيف القوى الفكرية والسياسية الفاعلة في الساحة الإسلامية.
أما هذا التقرير الذي نضعه بين يدي القارئ العربي فهو يضبط آليات دعم ما يسميه المعتدلين المسلمين، والتي يلخصها في بناء المؤسسات والهياكل ثم الإسناد المالي، وهو ما من شأنه أن يعطي سبقا لهذا التيار على قوى "التطرف" الإسلامي على ما يقول التقرير.
ترجمة وتلخيص/ د. رفيق عبد السلام
مدخل عام
الملخص العام
دروس الحرب الباردة
مشاريع أميركا للتواصل مع المسلمين
دعم الديمقراطية وبناء المجتمع المدني
خارطة طريق.. بناء شبكة اعتدال
رفيق عبد السلام |
ورغم أن الراديكاليين الإسلاميين يمثلون في البلاد الإسلامية أقلية محدودة غالبا، فإنهم مع ذلك يحرزون قصب السبق قياسا بالمعتدلين. سبب ذلك يعود إلى كون هؤلاء الراديكاليين قد نجحوا في إقامة شبكة واسعة من المؤسسات تمتد على عموم العالم الإسلامي، بل تتعداه في بعض الأحيان إلى ما هو أبعد من ذلك لتشمل الأقليات الإسلامية المنتشرة في أميركا الشمالية وأوروبا.
وخلافا لكل ذلك لم يتسن للمسلمين المعتدلين والليبراليين، الذين يشكلون أغلبية في مجتمعاتهم إقامة مثل هذه الشبكات، وعليه فإن المبادرة بسد هذا الفراغ المؤسسي من شأنه أن يوفر لهم أرضية مناسبة لإبلاغ صوت الاعتدال الذي يمثلونه، فضلا عن حماية أنفسهم من التحرش الذي يواجهونه.
" " |
إن من أوكد الأولويات في المرحلة الراهنة، أولا: استخلاص العبر من تجربة الحرب الباردة، ومعرفة ما الذي بقي منها صالحا للتطبيق على العالم الإسلامي اليوم. ثانيا: بناء "خارطة طريق" من أجل إقامة شبكات للاعتدال والليبرالية الإسلامية، وهذا ما تقترحه هذه الورقة التي نبسطها بين يدي القارئ.
هذه الدراسة مستوحاة في أصلها من أعمال تمهيدية سابقة حول ما أسميناه الإسلام المعتدل، وخاصة الورقة التي أعدتها الباحثة أنجلا رباسا تحت عنوان "العالم الإسلامي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول" ثم الدراسة التي أعدتها شيرلي برنار تحت عنوان "الإسلام المدني الديمقراطي".
" يتمتع الراديكاليون الإسلاميون بعنصريْ سبق قياسا بالمسلمين الليبراليين والمعتدلين: أولهما المال، وثانيهما قوة التنظيم والمؤسسات " |
إن شيوع البنى السياسية التسلطية، وضمور دور مؤسسات المجتمع المدني في أغلب مناطق العالم الإسلامي، قد جعلا من المسجد واحدة من أهم قنوات التعبير -القليلة في أصلها- عن حالة التذمر الشعبي من الأوضاع السياسية الاقتصادية والاجتماعية السائدة.
وهكذا يقدم الإسلاميون الراديكاليون أنفسهم في بعض البلدان التي تعاني من حكومات تسلطية باعتبارهم البديل الممكن والوحيد عن حالة الجمود السياسي السائدة.
وعلى سبيل الجملة يمكن القول إن الراديكاليين المسلمين (كما هو شأن الحكومات التسلطية) قد نجحوا، إلى حد كبير، في التحرش بالمعتدلين المسلمين، وكل من يشاركهم نفس الثقافة الديمقراطية، كما نجحوا في تهميشهم وإخماد أصواتهم.
فقد واجه المفكرون الليبراليون والمعتدلون في بعض الأحيان عقوبة الموت، واضطر بعضهم الآخر للهجرة خارج بلدانهم، كما هو واقع الحال في مصر والسودان وإيران.
وحتى في بعض البلدان ذات التقاليد الليبرالية بعض الشيء، مثل إندونيسيا، فإن الراديكاليين لا يتورعون عن استخدام العنف، والتهديد باستخدامه في مواجهة خصومهم، بل إن نفس هذه الأساليب باتت تستخدم بين الأقليات الإسلامية المنتشرة في الغرب.
وإذا وضعنا جانبا قضية العنف، يتبين أن الراديكاليين الإسلاميين يتمتعون في حقيقة الأمر بعنصريْ سبق قياسا بالمسلمين الليبراليين والمعتدلين: أولهما المال، وثانيهما قوة التنظيم والمؤسسات.
فعلى الصعيد الأول، كان للتمويل السعودي الهادف إلى تصدير نسخة وهابية من الإسلام، خلال العقود الثلاثة الأخيرة، كبير الأثر في نشر التطرف الديني على امتداد العالم الإسلامي، سواء كان ذلك بوعي أم من دون وعي.
أما على الصعيد التنظيمي فقد نجح المسلمون المتشددون في بناء شبكة واسعة من المؤسسات على امتداد سنين متتالية، وهي مؤسسات مندرجة بدورها ضمن شبكة دولية واسعة النطاق.
وبما أن المسلمين الليبراليين والمعتدلين لا يملكون ما يكفي من المؤسسات والهياكل التي تتيح لهم مواجهة المتطرفين، فإن إقامة مثل هذه الشبكات من شأنها أن توفر لهم من بواعث العزم ومقدرات القوة ما يتيح لهم نشر رسالتهم، وحماية أنفسهم من مخاطر المتطرفين.
وعلى الجهة الأخرى، فإن مثل هذا الدعم من شأنه أن يوفر لهم الحماية اللازمة في وجه حكوماتهم التسلطية الضائقة بهم، بحكم كونهم يمثلون البديل الأكثر قبولا عن نظام الاستبداد مقارنة بالمتطرفين.
وبالنظر إلى كون المعتدلين المسلمين لا يمتلكون ما يكفي من مصادر التمويل التي تتيح لهم بناء مؤسساتهم، فإن إقامة مثل هذه الرافعات تتيح لهم دعما خارجيا هم في أمس الحاجة إليه.
" سياسة الاحتواء التي نهجتها أميركا لمواجهة الاتحاد السوفياتي ما كان لها أن تنجح لولا أنها اعتمدت، بالتوازي مع الردع العسكري، بناء شبكة واسعة من المؤسسات الديمقراطية لإضعاف الهيمنة الشيوعية على المجتمع المدني " |
لم يعتمد الاتحاد السوفياتي في أوروبا، خلال حقبة الحرب الباردة على الأحزاب الشيوعية فحسب، والتي كان بعضها أكثر الأحزاب تنظيما وانتشارا، بل هو أكثر من ذلك اعتمد شبكة واسعة ومعقدة من الهيئات والمنظمات، مثل النقابات العمالية، والمنظمات الشبابية والطلابية والجمعيات الصحفية، الأمر الذي أتاح له التحكم في قطاعات واسعة ومهمة من المجتمع.
أما خارج أوروبا فقد تمكن الاتحاد السوفياتي من كسب العديد من حركات التحرر التي كانت تقاوم الحكم الاستعماري إلى جانبه. بيد أنه عند التأمل يتبين أن نجاح سياسة الاحتواء التي نهجتها الولايات المتحدة الأميركية في مواجهة الاتحاد السوفياتي ما كان لها أن تنجح لولا أنها اعتمدت، بالتوازي مع الردع العسكري، بناء شبكة واسعة من المؤسسات الديمقراطية على خلفية إضعاف الهيمنة الشيوعية على المجتمع المدني.
ثمة صلة وثيقة ما بين الإستراتيجية الكبرى (أي إستراتيجية المواجهة العسكرية)، وجهود الولايات المتحدة الأميركية في بناء المؤسسات الديمقراطية. لقد كانت هذه السياسة الشاملة من بين العناصر الأساسية التي ساهمت في نجاح سياسة الاحتواء، وبهذا المعنى يمكن القول إنها تمثل نموذجا ملهما يمكن النسج على منواله من طرف صانعي السياسيات اليوم.
ومن المعلوم في هذا الصدد أنه كانت هناك حركة فكرية معادية للشيوعية وقتها، خصوصا بين اليسار غير الشيوعي في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، وقد احتاج الأمر إلى ضرب من الدعم المالي، والبناء المؤسسي الأميركي حتى تتحول هذه الجهود الفردية إلى تيار منظم ومنسجم. طبعا الولايات المتحدة الأميركية لم تصنع مثل هذه المؤسسات من فراغ، بل هي ولدت في أجواء حركات ثقافية وسياسية واسعة، وكل ما كانت تحتاجه هو نوع من الدعم الصامت من لدن الولايات المتحدة الأميركية وبعض الحكومات الأخرى وليس أكثر.
ثمة ثلاثة عناصر أساسية تجعل الحرب الباردة المنصرمة، شبيهة بالحرب الدولية على الإرهاب التي تدور رحاها اليوم، وهذه العناصر يمكن رصدها على النحو الآتي:
- أولا: إن الولايات المتحدة الأميركية اليوم، كما هو شأنها في أربعينيات القرن الماضي، تواجه محيطا جغرافيا/سياسيا مضطربا، ومصحوبا بتهديدات أمنية جديدة. ففي بداية الحرب الباردة كان التهديد يتمثل في حركة شيوعية عالمية يقودها اتحاد سوفياتي نووي. أما اليوم فإن التهديد يتجسد في حركة جهادية دولية تعمل على ضرب الغرب بأعمال إرهابية واسعة النطاق.
- ثانيا: كما كان عليه الأمر خلال حقبة الحرب الباردة، نحن اليوم بصدد إقامة بيروقراطية حكومية واسعة وجديدة لمواجهة هذه التهديدات الناشئة.
- ثالثا: وهذا هو الأهم، كانت هنالك قناعة عامة بين صانعي السياسات الأميركيين خلال حقبة الحرب الباردة مفادها أن الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها هم منخرطون فعلا في صراع أيديولوجي واسع النطاق، وأن مثل هذا الصراع حري بأن يخاض على الواجهات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية والنفسية على السواء. أما اليوم -وعلى نحو ما أقر ذلك في وزارة الدفاع- فإن الولايات المتحدة الأميركية تخوض حربا قوامها معركة السلاح والأفكار في نفس الوقت، وهي حرب لا يمكن كسبها إلا عندما تفقد الأيديولوجيا المتطرفة مصداقيتها في أعين الشعوب، ويخبو بريقها بين المتعاطفين معها.
مشاريع التواصل مع العالم الإسلامي
يمكن اعتبار مجمل الوثائق والخطب التي ألقاها الرئيس بوش في إطار "أجندة الحرية" بمثابة إستراتيجية أميركية كبرى في مواجهة الإرهاب، إلا أنه عند التحقيق يتبين أنه لم تتبلور بعد الكيفية التي سيتم على ضوئها تحديد الشركاء المحتملين في "حرب الأفكار" هذه، ولم تضبط بعد مسالك دعمهم.
من الواضح أنه لا توجد، وإلى حد الآن، سياسة أميركية صريحة وجلية في المساعدة على بناء شبكات إسلامية معتدلة، رغم وجود شيء من هذا الدعم من طرف بعض المؤسسات الأميركية، وعلى هذا الأساس فإننا نقترح أن يكون بناء شبكات إسلامية معتدلة هدفا معلنا وصريحا في برنامج الحكومة الأميركية.
إن بناء شبكات الاعتدال الإسلامي يمكن أن يجري على ثلاثة وجوه رئيسية:
- أولا: دعم مؤسسات هي أصلا موجودة.
- ثانيا: ضبط شبكات معينة ذات أولوية والعمل على بعثها ورعايتها.
- ثالثا: المشاركة في إشاعة ثقافة التعدد والتسامح، التي تعد شرطا لازما لتطور مثل هذه المؤسسات.
دعم الديمقراطية وبناء المجتمع المدني
" يشتغل مشروع الشراكة الشرق أوسطية عبر أربعة مرتكزات وهي: الإصلاح السياسي والإصلاح الاقتصادي والإصلاح التعليمي وتحسين أوضاع المرأة، كما أنه يعمل فضلا عن ذلك على دعم منظمات المجتمع المدني " |
يشتغل هذا المشروع الجديد (أي مهمة الشراكة الشرق أوسطية) عبر أربعة مرتكزات أساسية ومتكاملة فيما بينها وهي: الإصلاح السياسي، والإصلاح الاقتصادي، والإصلاح التعليمي، وتحسين أوضاع المرأة، كما أنه يعمل فضلا عن ذلك على دعم منظمات المجتمع المدني بصورة مباشرة وبقدر عال من المرونة والابتكار.
ويعد انتعاش الديمقراطية ظاهرة مرافقة لتطور المجتمع المدني، ولهذا السبب يرى الكثير من الأكاديميين والسياسيين في ظهور المجتمع المدني محركا رئيسيا لقاطرة الديمقراطية. وفعلا ثمة علاقة وطيدة بين انتعاش المجتمع المدني وإقامة المؤسسات المدنية بما لا يمكن إنكاره، إذ يعضد الواحد منهما الآخر. فمن الناحية النظرية يمكن القول إنه كلما ظهر المجتمع المدني للوجود، ردفه ظهور المؤسسات المدنية المعتدلة، والعكس صحيح أيضا.
وإذا تناولنا المسألة من الزاوية العملية فسيتضح أن جهود الولايات المتحدة الأميركية اليوم لا تقتصر على دعم المسار الديمقراطي بل تتعداه إلى إرساء المجتمع المدني وتقوية دعائمه. ويشمل هذا البرنامج تحسين الفرص الاقتصادية، وبناء الإعلام الحر والمستقل، وصناعة مناخات عامة تتيح الدفاع عن حقوق الأقليات والنساء، وتحسين فرص التعليم والصحة.
تتأسس هذه الرؤية الأميركية على ضرورة بناء الديمقراطية وتطوير القيم الليبرالية من خلال القاعدة التحتية، والاتجاه من الأدنى إلى الأعلى، بدل الانطلاق من الأعلى نحو الأسفل. وفعلا تمثل هذه المقاربة الجديدة تحديا حقيقيا للإدارة الأميركية التي تعودت على نشر الديمقراطية عبر التعاطي مع الحكومات مباشرة وليس عبر التواصل رأسا مع المجتمع المدني.
لا شك أن البث الإذاعي والفضائي يعدان من بين الآليات المهمة التي يتم استخدامها اليوم فيما تمكن تسميته بالدبلوماسية العامة مع العالم الإسلامي، وفي هذا الإطار يتنزل مشروع قناة الحرة وإذاعة سوا.
ومن المعلوم في هذا الصدد أنه قد وجه الكثير من الانتقادات الشديدة لهذه القناة، نتيجة عجزها عن كسب الجمهور، وذلك خلافا لإذاعة سوا التي نجحت إلى حد مهم في ضم عدد واسع من المستمعين إليها. على أنه يتوجب الانتباه هنا إلى أن كسب الجمهور لا يعني بالضرورة النجاح في إشاعة قيم الاعتدال أو إقامة المؤسسات المدنية، ودليل ذلك أنه على الرغم من الميزانية الضخمة المخصصة لهاتين المؤسستين والتي تصل حدود 700 مليون دولار، فإنهما مع ذلك لم توفقا في تشكيل توجه إيجابي بين الرأي العام الإسلامي إزاء الولايات المتحدة الأميركية.
خارطة طريق.. بناء شبكة الاعتدال الإسلامي
على ضوء تقييمنا للإستراتيجية الأميركية التي كانت منتهجة خلال حقبة الحرب الباردة، قمنا بدراسة الإطار الفكري والمؤسسي في العالم الإسلامي، ومن هنا تأكدت لدينا أهمية صناعة إطار قيمي بديل عن المنظومة القائمة، وتفعيل معارضين مؤثرين، فضلا عن صناعة أوزان وقوى مضادة. ونحن إذ نقدر عاليا اليوم الجهود الدبلوماسية المبذولة من طرف الحكومة الأميركية، والهادفة إلى إعادة تشكيل الثقافة السياسية برمتها في منطقة الشرق الأوسط، فإننا نقترح النقاط التالية:
- أولا: إن الخطوة الأولى التي يجب قطعها تتمثل في اتخاذ قرار حاسم من طرف الإدارة الأميركية وحلفائها ببناء شبكة الاعتدال في العالم الإسلامي، وربط تحقيق هذا الهدف الكبير بصورة واضحة وصريحة بالإستراتيجية، ومجمل البرامج الأميركية.
إن الإنفاذ الجاد والناجع لمثل هذه الإستراتجية يتطلب وجود بنية هيكلية داخل الحكومة تسهر على توجيه ودعم ثم مراقبة ورصد الجهود المبذولة على هذا الصعيد، وهذا الأمر يتطلب بدوره صناعة الخبرات والقدرات اللازمة. ولتحقيق هذه الأهداف العامة فإننا نقترح ما يلي:
- وضع ميزان تقييمي تتم بموجبه غربلة المعتدلين الحقيقيين من الانتهازيين والمتطرفين الذين يتخفون خلف غلاف الاعتدال، فضلا عن تمييز العلمانيين الليبراليين عن العلمانيين التسلطيين.
- بناء قاعدة معلومات دولية تضم الشركاء المحتملين (تحتوي الأفراد والمجموعات والمنظمات، والمؤسسات والأحزاب).
- وضع آليات واضحة تسمح بمراقبة وتوجيه، ثم تطوير البرامج والمشاريع وتقييم القرارات المتخذة في هذا المضمار. ومن هنا تتأتى أهمية إيجاد عدسة رصد تسمح بدعم وتحسين أداء الشركاء الذين هم محل ثقة لدينا.
إن مشروعنا البنائي والمؤسسي يجب أن يعطي الأولوية المطلقة لتلك المجموعات ذات التوجهات الأيديولوجية المقبولة لدينا، أي تلك التي تلتزم فعلا بما تعلنه من أطروحات الاعتدال. فهذه المجموعات هي التي يمكن التعويل عليها دون غيرها، باعتبارها شريكا جادا.
من هنا يتوجب تمحيص التوجهات الأيديولوجية بشكل جيد، وعند الاطمئنان إلى سلامة التوجه يمكن أن تتاح للمجموعات العاملة دائرة أوسع من الاستقلالية والتسيير الذاتي، وهذا الأمر يستوجب بدوره مراجعة الإستراتيجية العامة المتبعة إلى حد الآن مع العالم الإسلامي.
وإذا أخذنا مسألة الشراكة بعين الاعتبار فإنه من الأهمية بمكان تحديد القطاعات الاجتماعية التي يمكنها أن تشكل النواة الصلبة لشبكة الاعتدال الإسلامي، ونحن نقترح التركيز على القطاعات التالية:
- الأكاديميون والمفكرون العلمانيون والليبراليون.
- علماء الدين الشباب والمعتدلون.
- النشطاء الاجتماعيون.
- المجموعات النسوية المطالبة بالمساواة بين الجنسين.
- الكتاب والصحفيون المعتدلون.
أما برامج الدعم والمساعدة فيجب أن تركز على النقاط التالية:
- التثقيف الديمقراطي: ويستحسن هنا الاعتماد على برامج تسوغ نفسها بالنصوص والتقاليد الإسلامية الداعمة للقيم الديمقراطية والتعددية.
- دعم الإعلام المعتدل بهدف مواجهة الهيمنة الإعلامية للعناصر الإسلامية المحافظة والمعادية للديمقراطية.
- المساواة بين الجنسين: إن قضية المرأة تحتل موقعا متقدما في حرب الأفكار في العالم الإسلامي، وعليه فإن دعم المساواة بين الجنسين يعد مكونا رئيسيا وحيويا لأي مشروع يراهن على تقوية المعتدلين المسلمين.
- الدفاع السياسي: إن للإسلاميين أجندتهم السياسية الخاصة بهم التي ينافحون عنها، ومن واجب المعتدلين السياسيين الانخراط بدورهم في الدفاع عن مشروعهم السياسي. ويعد التمرس على المساجلة السياسية والقدرة الجدالية السياسية أمرا حيويا لإعادة تشكيل الحقلين السياسي والقانوني في العالم الإسلامي.
أما من جهة الفضاء الجغرافي السياسي، فإننا نقترح تحويل سلم الأولويات من منطقة الشرق الأوسط إلى العالم الإسلامي (غير العربي)، حيث يتوفر هناك فضاء للحرية أوسع، ومحيط عام مساعد أكثر على النجاح والتأثير.
ومن الواضح أن الأفكار المتشددة تنبعث من منطقة الشرق الأوسط، ومنها تنتشر إلى بقية مناطق العالم الإسلامي، بما في ذلك الأقليات الإسلامية في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.
ويجب هنا رصد أفكار المتشددين وجهودهم، مع العمل على مواجهتها بجهد مقابل من خارج منطقة الشرق الأوسط، أي مواجهة تدفق الأفكار من الشرق الأوسط بموجة مرادفة ومعاكسة لها.
ومن المعلوم في هذا الصدد أن ثمة نصوصا مهمة تصدر عن منظرين ومفكرين وحركيين وزعماء في الشتات الإسلامي في الغرب وفي تركيا وإندونيسيا وغيرها، تجب ترجمتها إلى اللغة العربية ونشرها على أوسع نطاق ممكن.
_______________
باحث في مركز الجزيرة للدراسات
وقد قام بتلخيص هذا التقرير الذي أصدره مركز دراسات الشرق الأوسط للسياسات العامة التابع لمؤسسة راند