قصة الحوار مع المقاومة العراقية

عرف الحوار بين قوات الاحتلال الأمريكي والحكومة العراقية من جهة وبين حركات المقاومة العراقية من جهة أخرى عدة محطات بدأت بالوسطاء ومرت باللقاء مع المسئولين وانتهت بالحوار المباشر ويتناول هذا التحليل حيثيات وتطورات هذا الحوار








النتائج والتوصيات
التحليل


النتائج والتوصيات




  • مر الحوار بين قوات الاحتلال الأمريكي والحكومة العراقية من جهة وبين حركات المقاومة العراقية من جهة أخرى في مراحل ثلاث هي:



    • المرحلة الأولى: وهي مرحلة التواصل عبر وسطاء حكوميين.


    • المرحلة الثانية: وهي مرحلة الاتصال بالمسؤولين العراقيين.


    • المرحلة الثالثة: وهي مرحلة الحوار المباشر مع مسؤولين أمريكيين وبريطانيين.



  • بالرغم من التأكيد المتواصل من قبل عدد كبير من المسئولين العراقيين ومسئولي دول الاحتلال السياسيين والعسكريين حول وجود أشكال من الاتصال والمفاوضات مع المقامة، إلا أن معظم فصائل المقاومة تنفي حدوث هذه الاتصالات خاصة مع الحكومة العراقية التي ترى المقاومة أنها صنيعة للاحتلال.



  • تفرض فصائل المقاومة العراقية شروطا للتحاور مع الأمريكيين، وعلى رأسها الإعلان بوضوح عن جدول للانسحاب في أفق سقف زمني معقول، على أن يكون هذا الإعلان عبارة عن قرار ملزم تتبناه المؤسسات الأمريكية العليا (مجلس الشيوخ والكونغرس)، وعلى أن يتم إلغاء جميع القوانين والإجراءات التي حصلت في زمن الاحتلال، بما في ذلك العملية السياسية والدستور.



  • إن رفض فصائل المقاومة التحاور مع قوات الاحتلال، يعود إلى الإستراتيجية التي تنتهجها المقاومة في العراق، والتي تركز على ضرورة إلحاق المزيد من الخسائر بالقوات الأمريكية، وإجبارها على التخلي عن شروطها.


التحليل




مقدمة



"
انشغلت الدوائر السياسية والاستخبارية بقصة الحوار وتسربت معلومات عن ازدياد عدد الفصائل المسلحة التي أجرت تلك الاتصالات، مما دفع بالبعض إلى التفاؤل بتلك الأخبار التي سرعان ما تلاشى الحديث عنها
"
تنشغل الدوائر الأمريكية والمسؤولون في حكومة المالكي بموضوع الحوار مع الفصائل المسلحة في العراق، وتتابع هذا الأمر العديد من الدول والكثير من الأطراف، وذلك لأهميته والخطورة التي قد يمثلها هذا الحوار في حال حصوله.

وبينما تتحدث السفارة الأمريكية في بغداد والدوائر القريبة منها عن وجود حوار مع مسلحين، وبينما يقول المسؤولون العراقيون إن الحوار يجري منذ مدة، فإن بعض الفصائل المسلحة نفت عبر بيانات على شبكة الانترنت أن تكون قد انضمت إلى حوار من هذا النوع. وهكذا يبقى السؤال بخصوص وجود مثل هذا الحوار أو عدم وجوده قائما. وفي حال عدم وجوده، نتساءل عن الأسباب التي تحول بين فصائل المقاومة وبين التحاور مع الدوائر الأمريكية والمسؤولين في حكومة المالكي.



بداية القصة
يمكن تقسيم الحديث عن هذا الحوار إلى ثلاث مراحل، وهي:




  • المرحلة الأولى: وهي مرحلة التواصل عبر وسطاء حكوميين.



  • المرحلة الثانية: وهي مرحلة الاتصال بالمسؤولين العراقيين. 



  • المرحلة الثالثة: وهي مرحلة الحوار المباشر مع مسؤولين أمريكيين وبريطانيين.


المرحلة الأولى
وتعود هذه المرحلة إلى فترة حكم أياد علاوي، وهي تنقسم إلى فترتين: الفترة الأولى قبل أن تشن القوات الأمريكية رفقة وحدات من القوات العراقية هجومها على مدينة الفلوجة في شهر نوفمبر2004.


جرت اتصالات حينها من خلال أطراف ثانوية مع غازي الياور، الرئيس المؤقت في ذلك الوقت وقد عرضت تلك الأطراف خطة لوقف القتال ثم توسيع الحوار، شرط أن يتضمن ذلك الاتفاق جدولا زمنيا لخروج القوات الأمريكية من العراق بصورة نهائية.


وعندما طلب الطرف الأمريكي، الذي كان ينقل مطالبه عبر أشخاص قريبين من غازي الياور، أن يثبت الطرف المفاوض قدرته في التأثير على المسلحين في مختلف أنحاء العراق، وليس في مدينة الفلوجة ومحيطها فحسب، وصلهم الرد الذي يقول: إننا نستطيع إثبات ذلك بوقف جميع الهجمات على القوات الأمريكية وفي جميع المناطق لمدة24ساعة، على شرط أن يتم إعلان الهدنة من قبل الجانب الأمريكي. إلا أن الأمريكيين فضلوا أسلوبا آخر، فأفرطوا في استخدام القوة لتدمير مدينة الفلوجة.


وحينذاك اشتعلت المقاومة في كل مكان، وتمكنت الفصائل من قطع جميع طرق الإمدادات الرئيسية للقوات الأمريكية، وهي طريق عرعر- بغداد وطريق الأردن- بغداد.وطريق الموصل بغداد.


أما الفترة الثانية، فقد أعلن عنها أحد المسؤولين المقريين من أياد علاوي، وهو د. أيهم السامرائي، حيث قال لوسائل الإعلام، وكان حينها وزيرا للكهرباء، بأن المفاوضات قد قطعت شوطا كبيرا، وأنه سيعلن ذلك في مؤتمر صحافي؛ لكن سرعان ما بادرت بعض الفصائل إلى تكذيب ذلك التصريح.


والواقع أنه قد جرت حينذاك اتصالات غير مباشرة عبر وسطاء مع فصيلين هما الجيش الإسلامي وجيش المجاهدين؛ في حين اعترضت قيادات الفصائل الأخرى على هذا النوع من الحوار، وعبرت عن عدم اقتناعها بجدواه آنذاك. ونظرا لوجود إستراتيجية قتالية ذات أبعاد سياسية، ألغيت تلك الاتصالات، وانتهى الحديث عند مسألة الحوار مع الفصائل المسلحة في مرحلته الأولى.



المرحلة الثانية



"
قامت الفصائل المسلحة بجس نبض من خلال أطراف بعيدة عن تشكيلاتها ولم يتم تطوير تلك الاتصالات لأن هدفها دراسة ردود الأفعال جميع الأطراف وخصوصا الطرف الأمريكي والأطراف الحكومية

"
بدأ الحديث عن اتصالات الفصائل المسلحة العراقية بالحكومة، وتحديدا بجلال الطالباني وبمكتب رئيس الوزراء حينذاك، إبراهيم الجعفري، مع انعقاد مؤتمر المصالحة العراقية (الوفاق) في القاهرة في الفترة ما بين 21و22/11/2005 والذي حضرته للمرة الأولى أطراف معارضة للاحتلال وللعملية السياسية، ومن أبرزها هيئة علماء المسلمين، ممثلة بأمينها العام الدكتور حارث الضاري، والمجلس التأسيسي الذي يرأسه الشيخ جواد الخالصي، وبعض الشخصيات والأحزاب المعارضة للاحتلال، ومنهم ميناس اليوسفي، رئيس الحزب المسيحي العراقي.

كما شاركت في المؤتمر شخصيتان يمثلان حزب البعث وهما د.حسن هاشم و د.سعيد الموسوي، وحملا رسالة من عزت الدوري، وسلماها إلى عمرو موسى، الأمين العام للجامعة العربية، دون أن يحضرا جلسات المؤتمر. وقد تم بالفعل إيصال الرسالة إلى عمرو موسى، عبر أحد المشاركين من قيادات بعثية داخل العراق، وعندها أعلن مكتب الرئيس جلال الطالباني عن حصول اتصالات من قبل ممثلين لعدد من الفصائل المسلحة العراقية، وتم بعد ذلك الإعلان عن فتح الأبواب لإجراء المزيد من الاتصالات والحوار.


وانشغلت الدوائر السياسية والاستخبارية بهذا الأمر، وتسربت معلومات عن ازدياد عدد الفصائل المسلحة التي أجرت تلك الاتصالات، مما دفع بالبعض إلى التفاؤل بتلك الأخبار التي سرعان ما تلاشى الحديث عنها.



ويتردد عبر دوائر ضيقة أن بعض الفصائل المسلحة قامت بعمليات جس نبض من خلال أطراف بعيدة عن تشكيلاتها، تم تكليفها بحذر أمني شديد. لم يتم تطوير تلك الاتصالات، لأن هدفها المتوخى كان هو دراسة ردود الأفعال الصادرة من جميع الأطراف، وأهمها الطرف الأمريكي والأطراف الحكومية والإعلامية.



المرحلة الثالثة
بدأت هذه المرحلة منذ تولي نوري المالكي رئاسة الوزراء، فازداد الحديث عن اتصالات وحوار مع الفصائل المسلحة مع طرح مشروع المصالحة، وقد تسربت الكثير من المعلومات عن الاتصالات المزعومة مع تطبيق خطة أمن بغداد، فوصل الأمر إلى السفارة الأمريكية، التي سربت معلومات عن لقاءات مع قيادات من الفصائل ، جرت في عواصم عربية وداخل العراق؛ وتحدث جنرال بريطاني عن وجود حوار من هذا النوع، وقبله أعلن نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي عن اتصالات مع المسلحين، كما أعلن نوري المالكي عن تفاؤله بهذه الاتصالات، وأخيرا قال د.أياد علاوي أنه أجرى حوارات مع الفصائل المسلحة وأن هذه الاتصالات ما تزال متواصلة.


إلا أن الرد قد جاء عبر بيانات من بعض الفصائل أعلنت فيها تكذيبها لهذه المعلومات جملة وتفصيلا ،واقتصرت بيانات التكذيب على فصائل معينة وهي: كتائب ثورة العشرين، والجيش الإسلامي، وجيش المجاهدين، وحماس العراق. في حين نأت فصائل أخرى بنفسها عن الرد ومن أبرزها: جيش الراشدين، ومجاهدي المنطقة الغربية، والقيادة العامة للقوات المسلحة، وجيش المسلمين، وبقية الفصائل.



هل جرت اتصالات؟
تقول معلومات من مصادر مقرية من فصائل المقاومة العراقية أنه لا وجود لاتصالات مع الحكومة العراقية على الإطلاق، وأن الفصائل ترفض رفضا قاطعا إجراء أي حوار أو اتصال مع الحكومة، لأنها تعتبرها صنيعة الاحتلال وخادمة لمشاريعه ومخططاته.


كما أن أي اتصال مع السفارة الأمريكية أو الدوائر المقربة منها لم يحصل. أما بخصوص ما أعلنه أياد علاوي، فقد أكدت مصادر مقربة من الفصائل المقاومة أنه لم يحصل أي حوار أو اتصال.



شروط الحوار
تفرض فصائل المقاومة العراقية شروطا للتحاور مع الأمريكيين، وعلى رأسها الإعلان بوضوح عن جدول للانسحاب في أفق سقف زمني معقول، على أن يكون هذا الإعلان عبارة عن قرار ملزم تتبناه المؤسسات الأمريكية العليا (مجلس الشيوخ والكونغرس) ويتم إقراره، وعلى أن يتم إلغاء جميع القوانين والإجراءات التي حصلت في زمن الاحتلال، بما في ذلك العملية السياسية والدستور، وتتفق جميع الفصائل المسلحة على ذلك. وحتى دولة العراق الإسلامية لم تبد اعتراضا، حيث لا ترى مانعا من إيقاف الهجمات، في حال قررت الإدارة الأمريكية سحب قواتها؛ ولو أنها تضع شروطا شبه تعجيزية، من أهمها أن يتم الانسحاب التام خلال فترة قصيرة لا تتجاوز الشهر الواحد.



أسباب رفض الحوار
إن رفض التحاور مع قوات الاحتلال في وقت سابق، فضلا عن أنه رفض ينتج عن قناعة فصائل المقاومة بأن الدعوة التي وجهها جلال الطالباني في نوفمبر2005 كانت بتوجيه مباشر من قبل دوائر المخابرات الأمريكية، يعود إلى طبيعة الاستراتيجية التي تنتهجها المقاومة في العراق، والتي تركز على ضرورة إلحاق المزيد من الخسائر بالقوات الأمريكية، وإجبارها على التخلي عن شروطها، التي تم التعرف على بعض تفاصيلها وجوانبها من خلال عمليات جس النبض التي اتبعتها فصائل المقاومة، إضافة إلى تأكد قياداتها من أن قوات الاحتلال تتجه نحو المزيد من الضعف والتدهور، بينما تزداد قوة المقاومة وتتسع قواعدها وإمكاناتها.


في هذا الإطار وضمن هذه الأجواء، جرت قصة الاتصالات والحوار بين فصائل المقاومة المسلحة العراقية والأطراف الأمريكية والحكومية في بغداد وخارجها.
_______________
العدد التاسع من تقدير موقف بتاريخ 5 يونيو 2007