آفاق التعاون التركي السوري الإيراني العراقي

يمثل الوضع في العراق مصدر قلق كبير لتركيا وسوريا وإيران، ذلك أن التطورات الجارية في هذه الدولة يرفقها كثير من القلق من قبل واضعي السياسات في هذه البلدان.







 

بولنت أراس


ترجمة رشا حاتم


يشكل الوضع في العراق مصدر قلق كبير لتركيا وسوريا وإيران، حيث يرافق التطورات الجارية في العراق كثير من القلق من قبل واضعي السياسات في هذه البلدان، مع التركيز على اثنين من التهديدات المحتملة:



  • أولا، يخشى أن يكون لأي استقلال أو حكم ذاتي لأكراد أو شيعة العراق أثر العدوى على السكان الأكراد أو الشيعة في تلك البلدان.
  • ثانيا، يخشى واضعو السياسة التركية أن يؤدي ضعف الحكومة المركزية في العراق إلى تقوية حزب العمال الكردستاني وحزب الحياة الحرة في كردستان بشمال العراق، مما قد يؤدي إلى هجمات على إيران وسوريا وتركيا، وتهيئة الفرص للراديكالية السنية والجماعات الشيعية في وسط العراق وجنوبه لتشكل تهديدا بالانفصال للمملكة العربية السعودية، وتحويل العراق إلى ملاذ آمن للإرهابيين الدوليين، الأمر الذي يشكل خطرا على المنطقة بأسرها.




من المنظور التركي، التعاون على نطاق المنطقة بما فيها العراق ليس مجرد فرصة، بل خطوة ضرورية لضمان مستقبل سلمي ومزدهر في المنطقة

ولا تشكل هذه التهديدات خطرا على مستقبل بلدان المنطقة فحسب، بل والأهم أنها تمثل التهديدات الأساسية التي شكلت السياسات الداخلية في هذه البلدان منذ الغزو العراقي.


ومن ثم أصبحت السلامة الإقليمية للعراق بمثابة "خط أحمر" للبيروقراطية المدنية والعسكرية، وحددت الخيارات المتاحة للحكومات لاتباع خط سياسي مرن وبناء تجاه العراق.


هذا الوضع اضطر الدول المجاورة للعراق لاتخاذ تدابير ضد التحديات التي يشكلها. كما أنها مهدت الطريق للتعاون في منطقة الشرق الأوسط، حيث شهدت عدة زيارات على مستوى رفيع بين تركيا وإيران وسوريا وزيارات متكررة إلى العراق. كما تستضيف وفودا على مستوى عال في العراق لمناقشة قضايا تتراوح بين الترتيبات الأمنية المشتركة وشبكات الطاقة الإقليمية.


انتهت الانتخابات الإقليمية العراقية في يناير/كانون الثاني 2009 برؤية إيجابية لآفاق التعاون الإقليمي، حيث فازت أحزاب الوسط على النظام الفدرالي، كما خسرت الأطراف التي ترفع شعار الإسلام والعروبة أمام الأطراف التي تحمل شعار العراق.


وقد فسرت هذه النتيجة باعتبارها تطورا إيجابيا قويا لظهور الهوية العراقية لدولة موحدة. كما أشار تزايد الحركة الدبلوماسية الإقليمية بين دول الجوار والعراق عقب الانتخابات العراقية إلى إمكانية التعاون بين تركيا وسوريا وإيران والعراق، الأمر الذي لا يؤدي إلى معالجة التحديات في العراق فحسب، بل وأيضا إلى تمهيد الطريق لتعاون إقليمي للتعامل مع قضايا أوسع في المنطقة.


سياسة تركيا تجاه العراق تحوي اثنين من العناصر ذات الأهمية الحاسمة:



  • الأول، هو العلاقات القوية مع الحكومة المركزية العراقية وفتح جسور الحوار البناء، والتعاون مع جميع الأطراف في العراق.
  • والثاني، هو تعبئة دول الجوار العراقي لدعم مسار التطبيع بين مختلف قواه الاجتماعية والسياسية. فظهور التعاون الإقليمي أثبت أن تركيا تتبع سياسة سليمة في معالجة الأزمة العراقية. فهي تضع هذه السياسة من منظور إقليمي للتعاون والتنسيق من أجل السلام والأمن والرفاه الاقتصادي للمنطقة، وهي تختلف في ذلك عن إيران وسوريا.

من المنظور التركي، التعاون على نطاق المنطقة بما فيها العراق ليس مجرد فرصة، بل خطوة ضرورية لضمان مستقبل سلمي ومزدهر في المنطقة.


السياسة التركية تجاه العراق
وجهات نظر إيران وسوريا بشأن العراق
الخاتمة


السياسة التركية تجاه العراق 


اتخذت الحكومة التركية نهجا جديدا تجاه العراق في أعقاب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003. وقد تشكلت هذه السياسة الجديدة في إطار عملية التحول الديمقراطي، وعكست ظهور نهج جديد للسياسات الإقليمية في تركيا، مما ساهم في إيجاد مجال إقليمي أوسع في سياسة أنقرة للمناورة تجاه العراق.


يبدو أن التوجه التركي الجديد يحوي المزيد من المرونة والتكيف لمواجهة التحديات في العراق، وهو يهدف إلى وضع مبادرات بشأن نشوء الدولة العراقية في الوقت الذي يخطط أيضا لتوفير الأمن للأكراد والتركمان في شمال العراق.


وتسعى سياسة تركيا الجديدة النشطة لتطوير العلاقات مع مختلف شرائح المجتمع العراقي بغض النظر عن الاختلافات العرقية والطائفية. ولم يكن هذا الأمر استجابة عملية فقط لحتمية الحكم الذاتي في المنطقة الشمالية الكردية، ولكن أيضا نتيجة للابتعاد عن التقليد في فهم التهديدات القادمة من الخارج. لم تنضم تركيا لقوات الاحتلال في العراق بقيادة الولايات المتحدة، ولكن جاهدت لحشد الدعم الإقليمي لعراق مستقر.


وكجزء من صورتها الإقليمية الجديدة، أظهر صناع السياسة التركية الحالية أن تركيا هي الدولة الوحيدة التي تستطيع مواصلة علاقات بناءة مع كل الأطراف الفاعلة في العراق والدول المجاورة. وأشار رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان إلى أن حكومته تقيم علاقات متواصلة وعلى قدم المساواة مع جميع الفئات العرقية لتحفيزهم على العمل على وحدة العراق ورفاهيته.


كما تابعت تركيا، من أجل المساهمة في تحقيق الاستقرار السياسي في العراق، أربعة مسارات مختلفة من العلاقات الدبلوماسية:



  1. عن طريق مجلس الأمن،
  2. ومنظمة المؤتمر الإسلامي،
  3. عن طريق الدول المجاورة للعراق،
  4. وكذلك من خلال مختلف الإثنيات والجماعات الدينية في العراق.

من بين هذه المبادرات، يمكن القول إن منهاج الدول المجاورة للعراق هو الأكثر أهمية.





تكمن مخاوف تركيا من التوجهات المتناقضة التي تحكم سياسات الحكومة الإقليمية الكردية
وتلعب تركيا دورا نشطا في جعل الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي أكثر وعيا وإحساسا بهذه المسألة. كما تلعب تركيا أيضا دورا دبلوماسيا خلف الكواليس للجمع بين الأميركيين والسنة في عدة مناسبات. خلال واحدة من هذه الاجتماعات التي سبقت الانتخابات في العراق، وافق السنة على وضع حد "للإرهاب"، وبالمقابل وافق الأميركيون على ضمان انتخابات عادلة.

بالإضافة إلى ذلك، فقد جمعت أنقرة شخصيات رئيسية من المعارضة السنية ومبعوثين أميركيين لضمان مشاركة السنة في الانتخابات الوطنية العراقية يوم 30 يونيو/حزيران 2005. وقد التقى الزعيم السني البارز طارق الهاشمي، نائب رئيس جمهورية العراق، بالمبعوث الأميركي السابق في العراق زلماي خليل زاد في إسطنبول خلال واحدة من هذه المبادرات. ولكي تساهم تركيا في العملية الديمقراطية في العراق، فقد نظمت برامج تدريبية للبيروقراطيين والسياسيين العراقيين.
 
شكّل الاجتماع الموسع للدول المجاورة للعراق في إسطنبول في نوفمبر/تشرين الثاني 2007 علامة على قدرة تركيا على مواصلة الدبلوماسية الإقليمية للقضية العراقية. وقد كان تأكيد تركيا على وحدة أراضي العراق وتخوفها من إرهاب حزب العمال الكردستاني الأمر المسيطر على أجندة الاجتماع، والذي حظي بالدعم من الدول المجاورة للعراق وكذلك من وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون. وشدد البيان الختامي على الحاجة الملحة للتعاون على مكافحة المجموعات الإرهابية في العراق.


وتعد بغداد اليوم أقرب إلى الموقف التركي من أي وقت مضى. فعلى الرغم من التغيير المستمر في مواقفه، قال الرئيس العراقي جلال الطالباني في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني "نحن لن نضحي بعلاقاتنا الثقافية والاقتصادية مع تركيا بسبب منظمة إرهابية". وذكر وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري أيضا "لقد اتفقنا على أن يكون موقفنا عاما لمكافحة الإرهاب. ولن نسمح لأي طرف، بما في ذلك حزب العمال الكردستاني، بتسميم علاقاتنا الثنائية". وقال رئيس حكومة إقليم كردستان مسعود البارزاني "إن العراق لا ينبغي أن يكون نقطة لانطلاق الأنشطة الإرهابية".


وتكمن مخاوف تركيا من التوجهات المتناقضة التي تحكم سياسات الحكومة الإقليمية الكردية (حكومة إقليم كردستان في شمال العراق).


حيث تبدو الحكومة المركزية العراقية قريبة من الموقف التركي، ولكنها بالمقابل لا تبدو قادرة على اتخاذ إجراءات ضد حزب العمال الكردستاني. البارزاني نفسه يبدو متخوفا من هذا الأمر، فهناك عملية بناء مستمرة للمجتمع الكردي في شمال العراق، والبارزاني يدعم هذه العملية ولا يريد أن يكون في وضع يمكنه من إلحاق الضرر بأي جماعة كردية.


وعلى الجانب الآخر، هناك ضغوط متزايدة من داخل العراق وغيرها من دول المنطقة، خصوصا تركيا، وكذلك المجتمع الدولي على أن إرهاب حزب العمال الكردستاني لا ينبغي السكوت عليه. كما أن البارزاني يدرك حقيقة أنه في حاجة إلى الانفتاح على تركيا لتأمين وجود الأكراد في شمال العراق. لذا توجب على البارزاني اتخاذ إجراءات ضد حزب العمال الكردستاني إذا كان يرغب في الحفاظ على صورة السياسي المسؤول وعلى علاقات جيدة مع تركيا، فهو عالق بين القومية الكردية ومسؤولية رجل دولة.


وقد يجبر تزايد الضغط على البارزاني على تولية المزيد من الاهتمام للمخاوف الأمنية التركية، وتحرص الهجمات الدبلوماسية التركية واحتمالات اتخاذ تدابير اقتصادية مكثفة على تحقيق ذلك. يمكننا التكهن بأنه إذا تحرك البارزاني في هذا الاتجاه، يمكن لأنقرة أن تعتمد مقاربة أكثر اعتدالا منه في المقابل. وتثبت العلاقات الوثيقة في الآونة الأخيرة بين حكومة إقليم كردستان وتركيا هذا الافتراض.


وجهات نظر إيران وسوريا بشأن العراق 





موقع إيران الجغرافي السياسي بين العراق وأفغانستان جعلها لاعبا إقليميا هاما للعمليات التي تقودها الولايات المتحدة في هذه البلدان

تغير دور إيران في المنطقة بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق. فقد اتخذت دورا يهدف لتحقيق التوازن عبر شبكة من العلاقات الجديدة التي تمتد من أفغانستان إلى العراق ولبنان.


موقع إيران الجغرافي السياسي بين العراق وأفغانستان جعلها لاعبا إقليميا هاما للعمليات التي تقودها الولايات المتحدة في هذه البلدان.


وعلاوة على ذلك، أثرت الأزمات في هذه البلدان على سياسة إيران الداخلية والخارجية باعتبارها مجموعة من التحديات والفرص. فقد أدى بروز الشيعة كقوة جديدة في الشرق الأوسط إلى ظهور إيران في الواجهة باعتبارها حاميا للفرق الشيعية المختلفة في الشرق الأوسط.


ويعد اهتمام إيران الأول والأخير هو الأمن العراقي. فثمة تخوف واسع الانتشار من التهديدات النابعة من العراق بسبب الحرب بين العراق وإيران وأنشطة الانفصاليين الأكراد في شمال العراق. وكان رد فعل الحكومة الإيرانية على الفور إقامة علاقات وثيقة مع الحكومة العراقية لمنع امتداد هذه التهديدات إلى إيران.


وقد أعجب صناع القرار الإيراني بفكرة وجود حكومة شيعية صديقة في العراق، ولكنهم أوضحوا أيضا أن إيران مستعدة للمشاركة في وثيقة سياسية وأمنية للتعاون مع أي من الحكومات العراقية القادمة.


الحكومة الإيرانية على علم أيضا بحقيقة أن الوضع العراقي يمثل تهديدات أمنية كبيرة مرتبطة بالوضع الأمني الداخلي في العراق.


وباعتبار أن المقاومة العراقية والأكراد وجماعات المليشيا الشيعية تمثل مخاوف أمنية لإيران، فقد جاء موقفها تجاه هذه الجماعات في المقدمة، تليها الولايات المتحدة ودول المنطقة والمجتمع الدولي. ويتبع صناع السياسة الإيرانية خطا دقيقا في هذه المسألة، حيث لديهم رغبة أكيدة في إثبات وجود إيران كلاعب أساسي في المسرح العراقي.


وبالإضافة إلى ذلك، فقد فسرت نتائج الانتخابات الإقليمية العراقية على أن إيران قد لا يكون لديها قبول جماهيري حتى لو أرادت ممارسة نفوذها في الساحة الداخلية العراقية.


يشكل الوجود الأميركي في العراق قلقا خطيرا للأمن في إيران. فلهجة الولايات المتحدة الحاسمة ضد البرنامج النووي الإيراني، ومناقشة قضايا حقوق الإنسان، تؤدي إلى تكهنات بضربة أميركية محتملة ضد إيران. حيث لم تتردد الإدارة السابقة للرئيس جورج بوش في تصعيد الخطاب مع إيران. وقد أخذت المؤسسة الأمنية الإيرانية هذا التهديد على محمل الجد، واعتبرت الوجود الأميركي تهديدا مباشرا لإيران وعقبة أمام تحقيق المصالح الإيرانية في العراق.


وقد كانت لدى إيران تحفظات دائمة على وجود قوى أجنبية في الخليج الفارسي/العربي، ولكن هذه المرة تتوقع تهديدا مباشرا أكبر. وهناك مناقشة داخل إيران حول ما إذا كان الموقف الإيراني يمكن أن يتغير لتضييق الفجوة مع الولايات المتحدة، لا سيما في عهد الرئيس باراك أوباما. بيد أن المجتمع الإيراني ليس كله متفائلا في هذا الشأن، فهناك قلق من أن الدعم الإيراني لن يسفر عن أي نتائج إيجابية، وأن الإدارة الأميركية الجديدة سوف تستمر في تصنيف إيران على أنها دولة مارقة.


وينظر واضعو السياسات الإيرانية إلى حالة أفغانستان باعتبارها ساحة اختبار، حيث لم تستجب الولايات المتحدة لحسن النوايا الإيرانية تجاه الوضع الأفغاني.


في ظل هذه الظروف، تظل إمكانية التوصل إلى نتائج ملموسة من المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران حول العراق موضع شك.


وعلى الرغم من عدم وجود أمل في العلاقات بين البلدين، فإن دعوة الولايات المتحدة إيران لحضور مؤتمر أفغانستان تعتبر علامة إيجابية لإمكانية الحوار بين الولايات المتحدة وإيران بشأن العراق.


وربما كان انعدام الثقة في الوجود الأميركي في المنطقة هو الذي حدا بالرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لأن يكون الزعيم الأكثر إصرارا على التعاون الرباعي في المنطقة والذي يتألف من إيران وسوريا والعراق وتركيا.


سوريا



سوريا، بوصفها واحدة من أكبر الدول المجاورة للعراق، لديها القدرة على التأثير على الأحداث في العراق وتجنب الفوضى
الجدير بالذكر أنه عندما قرر الرئيس بوش غزو العراق وإطاحة نظام صدام حسين، رفضت سوريا وعضو آخر غير دائم في مجلس الأمن الدولي دعم أي قرار للتفويض بالحرب على العراق، بناء على رؤية سورية مفادها أنه لا يوجد بلد في المنطقة سيستفيد على المدى الطويل من حالة الفوضى الناجمة عن التدخل الأميركي في العراق، كما أن وجود لاعب جديد في الساحة سوف يزعج الدول المجاورة.

وأعربت دول المنطقة عن قلقها من أن "الوجود الأميركي يمكن أن يسمح على المدى الطويل للولايات المتحدة باستخدام العراق كنقطة انطلاق لشن هجمات ضد جيرانه"، بيد أن العراقيين أصروا على السير في اتجاه مغاير تماما.


سوريا، بوصفها واحدة من أكبر الدول المجاورة للعراق، لديها القدرة على التأثير على الأحداث في العراق وتجنب الفوضى. ومع ذلك فإن انتقاداتها لأميركا وضعتها على "الجانب الخطأ" من اللعبة. فرغم إدانة سوريا للهجمات على مركز التجارة العالمي والبنتاغون وإعلان تأييدها لواشنطن في حربها على الإرهاب، فقد انتهى الأمر بإدراجها في "محور الشر"، الأمر الذي زاد من حدة التوتر بين البلدين.


وبقيامها بذلك، فقد أثارت الولايات المتحدة قضايا ومخاوف أخرى، موضحة محاولات سوريا لزعزعة الاستقرار في العراق. وشملت هذه المخاوف الاحتياطات الأمنية التي تتخذها سوريا على حدودها مع العراق، ودعمها للمجموعات المسلحة مثل حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله، ووجودها العسكري في لبنان، واحتمال امتلاكها "أسلحة الدمار الشامل".


في عام 2006 بذلت سوريا جهودا كبيرة لإعادة "الدبلوماسية" في العلاقات مع العراق، خاصة فيما يتعلق بتزايد أعداد اللاجئين العراقيين الذين يعبرون الحدود السورية، حيث رحبت سوريا بذلك كفرصة للمشاركة "في دعم وتعزيز الأمن والمصالحة الوطنية" في العراق.


في عام 2007، اجتمع الرئيس السوري بشار الأسد مع الرئيس العراقي جلال الطالباني لمناقشة الوضع في العراق، وأصدرا بيانا مشتركا يدين "جميع أشكال الإرهاب التي يعاني منها الشعب العراقي والمؤسسات والبنى التحتية وأجهزة الأمن". وأعلن الأسد والطالباني عن استعدادهما للعمل معا وبذل كل جهد ممكن للقضاء على الإرهاب.


وبعد التوافق بين الجانبين، بدأت سوريا بفرض قيود صارمة على منح تأشيرات للعراقيين. ويعد هذا الأمر غريبا بعض الشيء على سوريا التي اتخذت سياسة ثابتة تخول لأي مواطن عربي دخول أراضيها دون تأشيرة.


في نفس العام، خفف كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مواقفهم تجاه سوريا وفتحوا الباب للمحادثات معها. وقد فسر هجوم انتحاري وقع في دمشق في عام 2008 وكان له علاقة بتنظيم القاعدة بأن هناك نية "لزعزعة الاستقرار في المنطقة".


وقام كبار المسؤولين السوريين ومن بينهم الرئيس الأسد ورئيس الوزراء نوري وزير الخارجية المعلم بزيارات لاحقة إلى تركيا وإيران لمناقشة التعاون بشأن القضايا العراقية، والمشاكل الإقليمية الأوسع نطاقا. وكخطوة أولى، سيقوم رئيس الوزراء نوري المالكي بزيارة إلى بغداد في مارس/آذار 2009.


الخاتمة


لا يزال تطور الوضع في العراق يتطلب أن تتبع الدول المجاورة متابعات متعددة الأبعاد ومعقدة وسياسات دينامية للتصدي للتحديات.





على الرغم من القائمة الطويلة من المشاكل والتوترات بين واشنطن والدول المجاورة للعراق، فإن العلاقات مع الولايات المتحدة بالغة الأهمية
حتى الآن تمكنت تركيا فقط من التكيف مع الوضع الجديد، في حين ركزت إيران وسوريا على المعضلات العراقية.

كما حققت تركيا تقدما كبيرا مع سلسلة الإجراءات الجديدة سواء كان ذلك على صعيد الداخل أو على المستوى الدولي.


ثمة حاجة حقيقية في البلدان الأخرى في المنطقة لإعادة تشكيل السياق المحلي والدولي بطريقة تسهل التعامل مع الوضع العراقي. ومع ذلك، هناك عدد من المسائل التي تحتاج إلى التعامل معها بعناية في السياسات الإقليمية تجاه العراق.


يعتبر عدد الزيارات رفيعة المستوى اليوم بين دول الجوار العراقي أعلى من أي وقت مضى مقارنة ببلدان أوروبا الغربية. هناك مشاريع محددة للتعاون، وهناك بروز وعي إقليمي جديد لضرورة التعامل مع مشاكل المنطقة.


من المنظور التركي، ينبغي على بلدان المنطقة أن تواصل سياسة حماية سلامة أراضي العراق والامتناع عن الأعمال التي قد تتخذها القومية الكردية والشيعية ذريعة لاستخدام تهديدات من دول الجوار لتقوية كيانهما.


المسألة الحاسمة هي أن إيلاء اهتمام جاد للحساسيات العرقية والخلافات الطائفية ومعالجة العنف الطائفي والإرهاب بطريقة لا تؤدي إلى تهميش الأعداد الكبيرة من السكان الأكراد والشيعة في الدول المجاورة.


يشير واضعو السياسة التركية إلى أن التصنيفات مثل سني وشيعي وكردي في العراق لا تمثل الواقع التاريخي والثقافي لهذه الجغرافيا، وأن المشاكل والاشتباكات بين تلك الطوائف هي نتيجة المشاريع السياسية المتنافسة وليس أكثر. فهناك وجود مكثف للصراع على السلطة في العراق، ولا ينبغي لهذه الفصائل السعي لتنمية سلطاتها استنادا إلى الاختلافات الطائفية والعرقية.


كما يحذر صانعو السياسة التركية دول المنطقة من المحاباة لأحد الجانبين فيما يتعلق بالمشاكل الداخلية. من المنظور التركي، سيكون تحويل العراق لساحة قتال للمنافسات الإقليمية هو الأسوأ بالنسبة للعراقيين والدول المجاورة. كما تولي تركيا أيضا أولوية للتنسيق وتوثيق التعاون مع الولايات المتحدة وأوروبا.
 
على الرغم من القائمة الطويلة من المشاكل والتوترات بين واشنطن والدول المجاورة للعراق، فإن العلاقات مع الولايات المتحدة بالغة الأهمية.


لتركيا والولايات المتحدة تاريخ طويل من التعاون. وقد تفرز سياسة أوباما كلينتون الخارجية الجديدة فرصا للتقدم في العراق. الزيارات اللاحقة التي قام بها مبعوث الرئيس الأميركي الجديد الخاص للشرق الأوسط جورج ميتشل، ووزيرة الدولة هيلاري كلينتون إلى تركيا، تؤكد حقيقة أن الإدارة الأميركية تثمّن سياسات تركيا الإقليمية ومساهماتها المحتملة في إنجاح سياسات الولايات المتحدة في المنطقة.


الرئيس أوباما سيزور تركيا في أبريل/نيسان القادم مع عدد من احتمالات التعاون بشأن العراق، وعملية السلام، والقوقاز وأفغانستان. كما يمكن لتركيا أيضا تعبئة دور أكثر فعالية للاتحاد الأوروبي في المنطقة، الأمر الذي قد يأتي في مقدمة عناصر القوة الناعمة في البيئة السياسية الإقليمية.


من المنظور التركي، تشجيع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لخطة التعاون الإقليمي من شأنه تسهيل الأمور وفتح مجال أوسع للمناورة في السياسة الإقليمية.





آفاق التعاون بين تركيا والعراق وسوريا وإيران تشكل تطورا إيجابيا وهي إلى جانب ذلك تدعم الموقف التركي
ينظر واضعو السياسات التركية للعراق كدولة صغيرة في الشرق الأوسط تجمع العديد من الخصائص العرقية والطائفية.

ويشيرون إلى أن التعاون المفيد داخل العراق وفيما بينه وبين دول الجوار قد يشكل نواة للتعاون في المنطقة.


وفي هذا الصدد، يعد "منتدى الجوار العراقي" إنجازا هاما لمنطقة الشرق الأوسط بأسرها في زمن الحرب والفوضى، وعلى تركيا أن تواصل جهودها للتوصل إلى دبلوماسية إقليمية مشتركة. وقد اجتمع أعضاء المنتدى للمرة الأولى في إسطنبول يوم 23 يناير/كانون الثاني 2003 لإيجاد حل سلمي لتجنب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة، وقد تواصلت الجهود حتى بعد بدء حرب العراق.


وكجزء من هذا المنتدى، التقى وزراء خارجية الدول المجاورة للعراق عدة مرات في مختلف المناطق. ومن خلال برنامجه، اتفقوا جميعا على ضرورة السلامة الإقليمية وأهمية الوحدة السياسية في العراق.


وقد حضر الاجتماعات ممثلون عن لجنة الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وكذلك الأمين العام لجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي. كما أخذ مجلس الأمن هذه الاجتماعات على محمل الجد، حيث طلب مزيدا من التعاون الإقليمي بشأن مسألة العراق. وانطلاقا من هذه المبادرة، وضع الأمين العام للأمم المتحدة مجموعة استشارية تضم أعضاء المنتدى.


ويهدف واضعو السياسات التركية إلى توسيع قاعدة المنتدى لتشمل قضايا اقتصادية وثقافية أخرى في المنطقة. يعتبر منتدى الجوار العراقي منبرا لحل قضايا العراق ولتنسيق مشاريع التعاون الإقليمي في المنطقة على نطاق أوسع.


ويبدو احتمال التعاون بين تركيا والعراق وإيران وسوريا أكبر في ظل هذا المنتدى، كما يحرص الموقف التركي على اعتماد مقاربة متدرجة لتحقيق تعاون إقليمي أوسع. حيث يمكن أن تمتد الخطوة التالية لتشمل التعاون في منطقة الخليج ومن ثم توسيع النطاق ليشمل منطقة الشرق الأوسط الغربية. فلتركيا ثقة بالنفس وببلدان المنطقة تجعلها على يقين من أن الترابط والتعاون الإقليمي هدفٌ يمكن تحقيقه.


نخلص من كل ذلك إلى القول بأن آفاق التعاون بين تركيا والعراق وسوريا وإيران تشكل تطورا إيجابيا وهي إلى جانب ذلك تدعم الموقف التركي.


ومن الإنصاف القول بأن تركيا سوف تستمر في أنشطتها الدبلوماسية بإرادة سياسية قوية وحاسمة لتحقيق المزيد من التعاون في المنطقة.
_______________
كاتب تركي وأستاذ في العلاقات الدولية