تجربة الفلسطينيين مع تقرير غولدستون في ظل السلطتين

ورقة تقرأ تجربة الفلسطينيين مع تقرير غولدستون. تجربة أعطت كثيرا من الدلالات والدروس، منها أنها أوضحت تخبط الفلسطينيين في التعامل مع قضاياهم الوطنية في ظل الانقسام السياسي الحاد، وفي ظل وجود "سلطتين" متنازعتين واحدة في رام الله والأخرى في غزة.







 

فراس أبو هلال


الملخص


أعطت تجربة الفلسطينيين مع تقرير غولدستون كثيرا من الدلالات والدروس، منها أنها أوضحت تخبط الفلسطينيين في التعامل مع قضاياهم الوطنية في ظل الانقسام السياسي الحاد، وفي ظل وجود "سلطتين" متنازعتين واحدة في رام الله والأخرى في غزة.





أوضحت تجربة الفلسطينيين مع تقرير غولدستون تخبطهم في التعامل مع قضاياهم الوطنية في ظل الانقسام السياسي الحاد، وفي ظل وجود "سلطتين" متنازعتين.
حيث افتقرت كل منهما للقدرة على التأثير ووقعت في ارتباك شديد خلال تعاملها مع هذه القضية، فسلطة غزة تفتقر للشرعية الدولية، وسلطة رام الله ارتبطت مصالحها بالتعاون مع إسرائيل، مثلما قيدتها اتفاقية أوسلو.

وما يجري التحضير له من مصالحة في مصر لن يمنع تكرار تجربة أخرى شبيهة بما جرى مع تقرير غولدستون. فالمصالحة الفلسطينية التي رعتها مصر يراد لها أن تكون حلا لأزمة كل من "السلطتين" الفلسطينيتين إضافة إلى مصر. فشرعية الرئيس محمود عباس لن تكتمل دون استعادة توحيد الضفة وغزة، وسلطة حماس لن تتمكن من رفع الحصار دون حل النزاع الداخلي، ومصر لن تتخلص من أزمة غزة على حدودها الشمالية الشرقية دون إنهاء الانقسام الفلسطيني.


ولكن هذا المصالحة لن تشكل حلا جذريا للشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، إلا بالاتفاق على انتخابات في الوطن والشتات للمجلس الوطني الفلسطيني، وإعادة بناء منظمة التحرير على أساس نتائج هذه الانتخابات، لتأخذ دورها كممثل شرعي ووحيد للفلسطينيين في الداخل والخارج، وتمسك زمام الأمور فيما يتعلق بالمستقبل السياسي للفلسطينيين، وتمتلك حق تمثيلهم في المحافل الدولية.


أما السلطة فتكون وقتها مجرد إدارة حكم ذاتي محدود يجب أن تترك قيادتها لحكومة "تكنوقراط" دون التزامات سياسية.


*     *     *


النص


أعلن القاضي الدولي ريتشارد غولدستون في مؤتمر صحفي في نيويورك في الخامس عشر من شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، عن انتهاء لجنة تقصي الحقائق المشكلة من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة من إعداد تقريرها الخاص بالتحقيق في انتهاكات القانون الدولي أثناء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في شهري كانون الأول والثاني عامي 2008 /2009.


وقد تضمن التقرير اتهامات خطيرة لإسرائيل بانتهاك القانون الدولي، وبتنفيذ مجموعة كبيرة من الأعمال التي ترقى إلى جرائم حرب ، وبارتكاب بعض الممارسات التي تمثل جرائم ضد الإنسانية أثناء الحرب العدوانية على قطاع غزة، إضافة إلى ممارسة سياسة العقاب الجماعي من خلال الحصار الخانق الذي تمارسه بحق الشعب الفلسطيني في القطاع منذ أكثر من ثلاث سنوات.


موقف حركة حماس
موقف السلطة الفلسطينية
تأجيل مناقشة التقرير
الموافقة على التأجيل ... قرار عابر أم نهج؟
تجربة غولدستون والمشهد الفلسطيني في ظل الانقسام
خيارات الشعب الفلسطيني في المرحلة القادمة


موقف حركة حماس 


اتسم موقف حكومة حماس بالاضطراب، ففي البداية رفضت التقرير وقالت إنه باتهامه لها بارتكاب جرائم حرب يساوي بين المجرم والضحية، ثم عادت مرة أخرى ورحبت بالتقرير واعتبرته دليلا على عدوانية إسرائيل وإجرامها بحق الشعب الفلسطيني.



  • رحب رئيس الوزراء إسماعيل هنية بتقرير غولدستون وبما فيه من إدانة واضحة للاحتلال لارتكابه "جرائم حرب"، ولكنه رفض في نفس الوقت  إدانة حماس معتبرا إياها في موقف الدفاع عن النفس. أما فيما بعد فقد رفض  الناطقون  باسمها ما تضمنه التقرير من إدانة للمقاومة، واتهموه بالمساواة بين الجلاد والضحية، ولكنهم في الوقت نفسه رحبوا بإدانته لإسرائيل بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية.


  • لم تمارس حماس ضغطا إعلاميا للمطالبة بتبني تقرير غولدستون في مجلس حقوق الإنسان، ولم تلعب دورا مباشرا في طرح التقرير للتصويت في المجلس لأنها لا تملك تمثيل الفلسطينيين في المحافل الدولية، ولكنها لعبت دورا إيجابيا فيما بعد من خلال التنسيق مع بعض المنظمات الحقوقية لحشد التأييد الدولي للتقرير.


  • حذرت الحكومة الفلسطينية في غزة  قبل يوم من موعد مناقشة التقرير في مجلس حقوق الإنسان من أن تجاهل الأمم المتحدة لتقرير غولدستون سيشجع إسرائيل على" القيام بحرب جديدة بغطاء دولي"، ولكنها لم تمتلك الأدوات السياسية التي تؤهلها لمنع هذا التجاهل.


  • لم تعلن حماس عن تشكيل لجنة تحقيق في نتائج تقرير غولدستون إلا بعد تأجيل مناقشته في بداية شهر أكتوبر/تشرين أول، على الرغم من تأكيدها لمنظمات حقوق الإنسان بأنها ستتعاون مع أي إجراء يهدف للتحقق من خلاصات التقرير حسب تصريحات إعلامية لممثلي هذه المنظمات.

حماس والمجتمع الدولي



اتسم موقف حكومة حماس بالاضطراب، ففي البداية رفضت التقرير وقالت إنه باتهامه لها بارتكاب جرائم حرب يساوي بين المجرم والضحية، ثم عادت مرة أخرى ورحبت بالتقرير واعتبرته دليلا على عدوانية إسرائيل وإجرامها بحق الشعب الفلسطيني.
ربما لم تكن طريقة تعامل حماس مع التقرير مفاجئة للمراقبين، بالنظر إلى موقفها التقليدي مما يسمى "المجتمع الدولي"، وهو موقف مبني على رفض ما ينتج عن هذا المجتمع من قرارات باعتباره منحازا لإسرائيل، وظالما للفلسطينيين.

ومن الواضح أن "انحياز" المجتمع الدولي ضد الفلسطينيين في معركتهم مع إسرائيل أمر لا جدال فيه، ولكن هذا لا يمنع من وجود بعض الجوانب المضيئة في القرارات التي تنتج عن هذا المجتمع ممثلا بمؤسسات الأمم المتحدة التي لا تخضع لنظام التصويت المعمول به في مجلس الأمن.


إن الاختلاف في طريقة اتخاذ القرارات في مؤسسات الأمم المتحدة، يتطلب من حماس تغيير طريقتها النمطية في التعامل مع هذه القرارات، بما يحقق الاستفادة من أي فرصة قد تساعد الفلسطينيين في الحصول على بعض حقوقهم المشروعة، كما أن افتقاد حماس للتمثيل الدولي يتطلب منها التنسيق مع السلطة الفلسطينية لاستثمار قرارات المؤسسات الدولية لخدمة القضية الفلسطينية، وهذا ما لا يمكن تحقيقه في ظل الانقسام الفلسطيني المستمر.


موقف السلطة الفلسطينية 


لم تكن السلطة الفلسطينية موفقة في تعاملها مع تقرير غولدستون. فهي لم تبد حماسا كبيرا في استثماره في المؤسسات الدولية بهدف محاسبة إسرائيل على جرائمها، ولم يأخذ هذا الموضوع أي اهتمام إعلامي يذكر، من قبل مؤسسات السلطة الإعلامية، أو من خلال الناطقين باسمها.


لقد انشغلت السلطة في الفترة التي أعقبت إصدار التقرير باللقاء الثلاثي الذي جمع محمود عباس مع الرئيس أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي في نيويورك، وركز خطابها الإعلامي على معركتها الداخلية مع حركة حماس، بدلا من التركيز على تقرير غولدستون الذي وجه اتهامات غير مسبوقة لدولة الاحتلال.


تأجيل مناقشة التقرير 


كان من المقرر أن يتم مناقشة تقرير غولدستون في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف في الثاني من شهر أكتوبر/ تشرين أول الجاري، بهدف اعتماده ليصبح قرارا أمميا رسميا، وليتم بعد ذلك رفعه للجمعية العامة للأمم المتحدة.


ولكن مناقشة التقرير أجلت لاجتماع مجلس حقوق الإنسان القادم، الذي يعقد في شهر آذار / مارس من العام 2010، بعد أن طلب ممثل فلسطين في المجلس تأجيل النقاش حسب المصادر الدبلوماسية والحقوقية التي كانت مشاركة في أعمال المجلس.


وتجدر الإشارة هنا إلى أن اعتماد المجلس للتقرير يكتسب أهمية قانونية كبيرة، فعلى الرغم من النتيجة شبه المؤكدة بأن التقرير سوف يواجه بالفيتو الأميركي في حال رفعه لمجلس الأمن، إلا أن إقراره في مجلس حقوق الإنسان سيمكن الجهات والمنظمات الحقوقية من استخدامه لدفع مدعي عام محكمة الجنايات الدولية لفتح تحقيق في التهم الموجه لقادة إسرائيل بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.


أسباب التأجيل
لقد رافق تأجيل مناقشة التقرير عاصفة من الردود والنقاشات، كما رافقه الكثير من التخبط الإعلامي في أداء السلطة الفلسطينية خصوصا:



  • في بداية الأمر نفت السلطة على لسان عزام الأحمد ونبيل أبو ردينة وممثل فلسطين في مجلس حقوق الإنسان أن تكون قد سحبت تأييدها لمناقشة التقرير وأن السلطة ستشكل لجنة تحقيق في الموضوع.
  • ولكن الرئيس عباس والناطقين باسمه أعلنوا بعد ذلك أن السلطة طلبت تأجيل المناقشة بالتنسيق مع المجموعات العربية والإسلامية والإفريقية وعدم الانحياز، وأن الهدف من ذلك هو ضمان تأييد أكبر للتقرير.
  • بعد الغضب الجماهيري والفصائلي والحقوقي الذي سببته حادثة التأجيل اعترفت السلطة وفتح على لسان ياسر عبد ربه وصائب عريقات وناصر القدوة بالخطأ الذي ارتكبته السلطة، وتم الإعلان أن السلطة ستعمل على معالجة الخطأ وستقوم بطلب اجتماع استثنائي لمجلس حقوق الإنسان وهو ما حصل فعلا حيث تم اعتماد التقرير من قبل المجلس في الثالث والعشرين من شهر أكتوبر/تشرين أول الجاري.

وبعيدا عن تخبط السلطة وعن ردود الفعل الكثيرة على أدائها، فإنه يمكن التأكيد حسب معظم المصادر الدبلوماسية والحقوقية والصحفية أن السلطة هي المسؤولة عن قرار التأجيل، وأن السلطة اتخذت قرار التأجيل تحت ضغوطات وتهديدات من أنواع مختلفة:






  • يمكن التأكيد حسب معظم المصادر الدبلوماسية والحقوقية والصحفية أن السلطة هي المسؤولة عن قرار التأجيل، وأن السلطة اتخذت قرار التأجيل تحت ضغوطات وتهديدات من أنواع مختلفة.
    تعرضت السلطة لضغوط أمريكية كبيرة بنيت على أن تمرير تقرير غولدسون سوف يوجه ضربة قاضية لعملية السلام وسيهدد فرص التقدم في هذه العملية، وسيوسع الهوة التي بدأت تضيق بين الفلسطينيين والإسرائيليين من وجهة نظر الإدارة الأمريكية.
  • وجهت إسرائيل حربا إعلامية ضد السلطة ومارست الابتزاز بحقها وهددتها بأنها ستكشف ما قالت أنه "تأييد" من السلطة لقيام إسرائيل بشن عدوانها على غزة.

سربت أنباء عن تهديدات للسلطة بالتعرض لعقوبات اقتصادية قد تعرقل مشاريع وخططا تم الاتفاق عليها مسبقا في حال أصرت السلطة على مناقشة التقرير.


الموافقة على التأجيل.. قرار عابر أم نهج؟ 


على الرغم من أهمية الأسباب التي ذكرت سابقا في إطار تحليل موقف السلطة من تأجيل مناقشة التقرير، إلا أن الأهم هو ملاحظة أن موافقة السلطة على التأجيل لم يكن موقفا عابرا، بل هو نهج مستمر منذ قيام السلطة على أساس اتفاقية أوسلو:



  • في الثالث عشر من يونيو/حزيران وافقت السلطة الفلسطينية على تأجيل مؤتمر جنيف حول الانتهاكات الإسرائيلية للأراضي الفلسطينية المحتلة، بعد أن تعرضت لضغوط من الولايات المتحدة الأمريكية لمنح رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك المنتخب حديثا آنذاك فرصة للتقدم في السلام.


  • في التاسع من يوليو/تموز عام 2004 أصدرت محكمة العدل الدولية في لاهاي رأيا استشاريا يعتبر بناء الجدار العازل عملا غير قانوني، ويطالب إسرائيل بوقف عمليات البناء وبتعويض الفلسطينيين الذين تضرروا منه بما في ذلك سكان القدس الشرقية على اعتبار أن أراضيهم هي أراض محتلة. ولكن السلطة الفلسطينية لم تقم بأي جهد لرفع هذا القرار للجمعية العامة للأمم المتحدة لإعطائه طابعا قانونيا أكثر إلزامية، وهو ما أدى إلى إهماله على الرغم من أهميته القصوى خصوصا فيما يتعلق بالقدس الشرقية وتثبيت أنها أرض محتلة.


  • في شهر آب / أغسطس من العام 2007 وقفت السلطة الفلسطينية في وجه مشروع قرار قطري – إندونيسي قدم لمجلس الأمن، ويطالب برفع الحصار عن قطاع غزة، وبتسهيل مرور الناس والبضائع عبر معبر رفح، وقد قام المندوب الفلسطيني حسب تصريحات المندوب القطري بالمرور على كافة ممثلي الدول الأعضاء لحثهم على رفض مشروع القرار.

إن الأمثلة السابقة وغيرها الكثير من القرارات والإجراءات التي ربما لم تؤخذ بعدا إعلاميا كبيرا، تؤكد أن قرار السلطة الفلسطينية بالموافقة على تأجيل مناقشة تقرير غولدستون لم يكن قرارا منعزلا، بل هو مجرد حلقة في سلسلة من القرارات التي تتناقض مع مصالح الشعب الفلسطيني، بل وتتعارض مع ما تسميه السلطة "المقاومة السلمية" ضد الاحتلال.


تجربة غولدستون والمشهد الفلسطيني في ظل الانقسام 


يظهر تعامل الشعب الفلسطيني ممثلا في السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وحكومة حماس في غزة مع ملف تقرير غولدستون خللا وارتباكا في المشهد الفلسطيني برمته.


ويمكن القول أن هذا الارتباك ينطبق على طريقة تعاطي الفلسطينيين مع كافة الملفات الوطنية المهمة، مثل الحل السياسي، والمصالحة، وإعادة إعمار غزة، وغيرها من الملفات الحساسة، ولكن تقرير غولدستون سلط الضوء على الخلل في المشهد الفلسطيني بشكل أكثر وضوحا بسبب الاهتمام الإعلامي.


وفيما يلي أهم معالم المشهد الفلسطيني في ظل الإنقسام:






  • يظهر تعامل الشعب الفلسطيني ممثلا في السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وحكومة حماس في غزة مع ملف تقرير غولدستون خللا وارتباكا في المشهد الفلسطيني برمته.
    غياب موقف وطني واحد تجاه كافة القضايا الوطنية، وهو ما يضعف الجانب الفلسطيني امام أعدائه وخصومه. لقد ظهر غياب هذا الموقف الموحد بشكل جلي في طريقة تعامل الفلسطينيين مع تقرير غولدستون، فكان التشتت هو سيد الموقف، ولم يقتصر الأمر على انعدام التنسيق بين الطرفين، بل إن التناقض كان واضحا بينهما في كثير من الأحيان وخصوصا بعد موافقة السلطة على تأجيل مناقشة التقرير.
  • وجود سلطة فلسطينية في الضفة الغربية تفتقد للسيادة وترتبط عضويا بإسرائيل والغرب، بحكم اعتمادها اقتصاديا وأمنيا على المساعدات الغربية، وتفتقر لأي نوع من أوراق الضغط بعد إعلانها المستمر أن المفاوضات هي برنامجها الوحيد في السعي لتحقيق المصالح الفلسطينية.
  • ارتباط مصالح السلطة الفلسطينية والأفراد المرتبطين بها، بالتعاون مع إسرائيل التي تملك التحكم بأمنها ووجودها وبنفوذها السياسي والاقتصادي وحتى بحركة قادتها في أراضي السلطة، ربما يفسر فشلها في مواجهة الضغوط الأمريكية والإسرائيلية، وهو ما أدى إلى رضوخها إلى مطلب تأجيل مناقشة التقرير وموافقتها عليه.
  • وجود سلطة فلسطينية في غزة لا تملك أي اعتراف دولي، وتعاني من حصار عالمي وإقليمي يعيق ممارستها لدورها كحكومة مسؤولة عن حياة أبناء شعبها. فغياب التمثيل الرسمي لهذه السلطة في المؤسسات الدولية جعل دورها هامشيا في متابعة تقرير غولدسون في هذه المؤسسات، على الرغم من نجاحها فيما بعد بقيادة الضغط الشعبي الذي ألزم السلطة الفلسطينية بإعادة طرح التقرير للنقاش والتصديق عليه في مجلس حقوق الإنسان.
  • معاناة الفلسطينيين من صراع داخلي مستمر منذ حوالي أربع سنوات، بعد رفض السلطة الفلسطينية التعامل بشكل سلس مع نتائج الانتخابات التي أدت إلى فوز كبير لحركة حماس في المجلس التشريعي، وهو ما أدى إلى التأثير على حياة الشعب الفلسطيني في كافة المجالات.

لقد أدى هذا الصراع إلى تعامل السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية مع شعبها في غزة كجزء غير رئيسي من الشعب الفلسطيني، كما أدى إلى إنشغال الفلسطينيين في صراعهم الداخلي على حساب تناقضهم الرئيس مع الاحتلال الإسرائيلي.


لقد ظهر هذا التوجه في سلوك السلطة أثناء الحرب الإسرائيلية على غزة، وكذلك في تجاهلها لأهمية متابعة تقرير غولدستون الذي ينصف -بشكل ما- ضحايا شعبها في غزة.


خيارات الشعب الفلسطيني في المرحلة القادمة 


على الرغم من السلبيات والمعاناة التي يعيشها الفلسطينيون في ظل انقسام سياسي وجغرافي حاد، إلا أن كل المحاولات والحوارات التي جرت على مدى أربع سنوات لم تفلح حتى الآن في الوصول إلى إنهاء الانقسام وتوحيد الشعب الفلسطيني.


وفي مواجهة هذا الواقع، فإن خيارات الشعب الفلسطيني يمكن أن  تتلخص في ثلاثة احتمالات:


أولا: استمرار الانقسام
ويقوم هذا الخيار على استبعاد الوصول إلى حل ينهي الانقسام الفلسطيني، وخصوصا بعد الفشل في إنجاز المصالحة التي كان من المفترض أن يتم الاحتفال بها في 24 أكتوبر / تشرين أول.


ومن المعلوم أن تعامل السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية مع تقرير غولدستون قد أضاف أجواءا سلبية أثرت على المشهد الفلسطيني برمته، وعلى مسيرة الحوار الفلسطيني بشكل خاص.


وقد ازدادت الأزمة تعقيدا بعد إصدار الورقة المصرية المسماة "وثيقة الوفاق الوطني الفلسطيني للعام 2009"، وهي الوثيقة التي رفضت حماس التوقيع عليها لأنها لا تتفق مع الورقة السابقة التي وزعت في منتصف شهر أيلول / ستمبر الماضي وكان من المتوقع أن توافق عليها حماس.


ومما يرجح احتمالية هذا الخيار المرسوم الرئاسي الذي أصدره الرئيس محمود عباس بتحديد الخامس والعشرين من شهر يناير/ كانون الثاني المقبل موعدا للانتخابات الرئاسية والتشريعية دون توافق وطني مع حركة حماس بحجة رفضها التوقيع على الوثيقة المصرية.


إن الاستمرار في خيار الانتخابات قبل التوافق، سوف يؤدي في الغالب إلى قيام حماس بمنع الانتخابات في قطاع غزة الذي يخضع لسلطتها، وهو ما يعني استمرار الإنقسام الفلسطيني وترسيخه حتى تتغير الظروف التي أدت إلى هذا الإنقسام.


ولكن هذا الخيار يشكل خطرا بالغا على القضية الفلسطينية، وسيكون عائقا أمام تحقيق أي إنجاز للشعب الفلسطيني، وهو ما أكدته تجربة الفلسطينيين مع تقرير غولدستون في ظل سلطتين متناحرتين.


كما أن استمرار الإنقسام سيواجه برفض مصري، بسبب رغبة مصر بإنهاء السلطة التي تقودها حماس في قطاع غزة، لأسباب داخلية تتعلق بخلاف النظام المصري مع الإخوان المسلمين، وأخرى أمنية بسبب المخاوف من انفجار قطاع غزة بفعل الحصار المستمر وهو ما سيؤثر سلبا على مصر قبل أي دولة أخرى.


ثانيا: الوصول إلى حل سياسي بناء على نتائج حوارات القاهرة



كل المحاولات والحوارات التي جرت على مدى أربع سنوات لم تفلح حتى الآن في الوصول إلى إنهاء الانقسام وتوحيد الشعب الفلسطيني.
إن هذا الخيار مبني على رغبة شعور طرفي الصراع الفلسطيني بأهمية التوصل إلى اتفاق ينهي الانقسام الجغرافي والسياسي الذي أرهق الشعب الفلسطيني وسلطتيه على حد سواء، وهو ما سيدفع كل طرف لتقديم "تنازلات "  للطرف الآخر في سبيل الوصول إلى الوحدة وإنهاء الانقسام.

إن مثل هذا الاتفاق قد يشكل حلا لأزمة كل من "السلطتين" الفلسطينيتين إضافة إلى مصر. فشرعية السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس  لن تكتمل دون استعادة توحيد الضفة وغزة، وسلطة حماس كما بات واضحا لن تتمكن من رفع الحصار الجائر على غزة دون حل النزاع الداخلي مع الرئيس عباس، ومصر لن تتخلص من أزمة غزة على حدودها الشمالية الشرقية دون إنهاء الانقسام الفلسطيني.


ولكن هذا الخيار، وإن بدا مخرجا مناسبا للأطراف الثلاثة المعنية بشكل مباشر بالشأن الفلسطيني، فإنه لا يشكل حلا جذريا للشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية.


فعلى الرغم من معاناة الشعب الفلسطيني من الإنقسام كما وضحت تجربة تقرير غولدستون، إلا أن نهاية الانقسام بناءا على نتائج حوارات القاهرة لا يشكل علاجا جذريا للأزمة، إذ أن المشكلة ليست بهذه الثنائية الحادة بين الانقسام أو عدمه، وإنما هي مشكلة خيارات وبرامج سياسية.


إن إنهاء أزمة الانقسام بهذا الشكل، يعني بقاء المشهد الفلسطيني تحت سقف السلطة المنبثقة عن اتفاقية أوسلو، وهي سلطة فاقدة للسيادة ترتبط ارتباطا عضويا بإسرائيل كما ذكر سابقا، وبالتالي فإن وحدة الشعب الفلسطيني تحت هذا السقف يعني محدودية خياراته في التعاطي مع الاحتلال ومع المجتمع الدولي، إذ أن المشكلة ليست محصورة في أن من يقود السلطة يمثل طرفا فلسطينيا دون الآخر، بل في طبيعة السلطة نفسها حتى لو كانت تحت قيادة جماعية تمثل الفلسطينيين جميعا بما في ذلك حركتي فتح وحماس.


ثالثا: إنهاء الإنقسام بناءا على اتفاق استراتيجي خارج السلطة
إن تجربة الحوارات الفلسطينية السابقة على مدى أربع سنوات، وتجربة "السلطتين" الفلسطينيتين مع تقرير غولدستون يؤكدان ضرورة إنهاء الانقسام، ولكن بناء على اتفاق استراتيجي، يركز في الحوار على منظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.



  • فالحوارات الفلسطينية المتعاقبة منذ فوز حماس في الانتخابات كانت تتوقف دائما بسبب طبيعة السلطة الفلسطينية، كسلطة "تعاقدية" منبثقة عن اتفاق أوسلو، وهي بذلك لن تتمكن من العيش إذا تمردت على شروط تشكيلها، وهو ما كانت تعبر عنه فتح دائما بقولها بأنها تريد من حماس الموافقة على وثيقة مصالحة "تنهي الحصار".
  • أما تجربة الفلسطينيين "بسلطتيهم" مع تقرير غولدستون فتؤكد أن السلطة حتى لو توحدت فإنها لن تستطيع تحقيق مصالح الشعب الفلسطيني. فهي ستكون إما سلطة فاقدة للسيادة لا تستطيع مقاومة الضغوط، وإما سلطة فاقدة للاعتراف الدولي اللازم للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني.

وبناء على ذلك فإن الخيار الأمثل للفلسطينيين هو إنهاء الانقسام من خلال الاتفاق على انتخابات في الوطن والشتات للمجلس الوطني الفلسطيني، وإعادة بناء منظمة التحرير على أساس نتائج هذه الانتخابات، لتأخذ دورها كممثل شرعي ووحيد للفلسطينيين في الداخل والخارج، و تمسك زمام الأمور فيما يتعلق بالمستقبل السياسي للفلسطينيين، وتمتلك حق تمثيلهم في المحافل الدولية.


أما السلطة فهي إدارة حكم ذاتي محدود يجب أن تترك قيادتها لحكومة " تكنوقراط " دون التزامات سياسية.


ولكي ينجح هذا الخيار، فلا بد من وجود الإرادة لدى الطرفين لإنهاء الانقسام جذريا، ويجب أن يمارس الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات ضغوطه على قياداته لتحقيق ذلك.
_______________
باحث في الشأن الفلسطيني