ملخص
يذكر المتفائلون بمستقبل راسخ لمجموعة العشرين بأن نشأتها "منتدىً حواريا" يشابه نشأة مجموعة الثمانية في صيغة منتدى حواري عام 1975، وفي ذلك تهوين من شأن إقدام الدول الصناعية على تفعيل مجموعة الـ20 لتحقيق أغراض محددة، دون التخلي عن نهج انفرادها في السيطرة على صناعة القرار الدولي، عبر منظمات غربية، أو منظمات عالمية.
ينبغي استبعاد أن يكون إقدام الدول الصناعية على تفعيل مجموعة الـ20 يعبر عن تبدّل في نهج انفرادها في السيطرة على صناعة القرار الدولي، عبر منظمات غربية، أو من خلال مواقعها المهيمنة في منظمات عالمية. |
من هنا ليس السؤال الأهم: ما مدى إسهام الدول الناهضة في التوصل إلى حلول للأزمات التي طرحتها الدول الصناعية على المجموعة، تحت عنواني المناخ والعلاقات المالية.. بل هو -بمنظور استشراف مستقبل المجموعة- ما هي قابلية تأثيرها من أجل صناعة نظام دولي جديد، بعد الحقبة الانتقالية الحالية، القائمة منذ نهاية الحرب الباردة. ولا يتحقق ذلك دون إصلاح الخلل في:
- موقع المنظمات الدولية المالية والاقتصادية من شبكة العلاقات الدولية.
- القواعد المتبعة في المعاملات المالية والتجارية الدولية.
- تغوّل مراكز القوة المالية على مراكز صناعة القرار السياسي.
وينبغي استبقاء ذلك معيارا في تقويم مستقبل مجموعة الـ20، وفي التعامل معها.
ويمكن للدول النامية، ومنها العربية والإسلامية، دعمها بحيث لا تبقى مقتصرة على خدمة هدف الدول الصناعية من إنشائها، ولا تتحول إلى مجموعة "صناعية" أكبر فحسب، والمحور الرئيسي للجهود الممكنة، هو -إضافة إلى التطور الذاتي في كل دولة- محور تعزيز التعاون الإقليمي والمنظمات الإقليمية، وتعزيز استقلاليتها عن قيود المؤسسات والمنظمات الدولية، في الميادين المالية والاستثمارية وعلى صعيد التجارة البينية ودعم العملات المحلية.
* * *
النص
لم يبق الكثير من "أجواء الحماسة" التي رافقت انعقاد قمة لندن لمجموعة العشرين (1-2 أبريل/نيسان 2009)، عندما تحدث غوردون براون، رئيس وزراء الدولة المضيفة، عن التوجه نحو نظام اقتصادي دولي جديد، واعتبر الرئيس الأمريكي باراك أوباما حصيلة القمة اتفاقا عالميا جديدا، وقال الرئيس الفرنسي نيقولا ساركوزي إن اتفاقية "بريتون وودز" أصبحت صفحة من الماضي، وقصد بذلك الاتفاقات التي انعقدت في بلدة "بريتون وودز" الأمريكية ورسمت مع نهاية الحرب العالمية الثانية خارطة الأسس التي تقوم عليها المعاملات المالية الدولية منذ ذلك الحين.
ارتبط مضمون هذه التصريحات السياسية وأمثالها بأثقال الأزمة الرأسمالية الأشد من سواها منذ ثمانين سنة، وإذ تراجع ذلك نسبيا مع نهاية 2009، بدأ عنصر "الاستمرارية" يستعيد مواقعه.
رغم ذلك يظهر مغزى هذه التصريحات في أصل تطرق مسؤولين سياسيين غربيين -ولو بصورة غير مباشرة- لانتقادات معروفة منذ زمن تجاه عمق الخلل في النظام المالي والاقتصادي الدولي وحدّة المظالم الناجمة عنه، وكان الانتقاد متركزا في ساحة الأطراف الأضعف ماليا واقتصاديا، وقد ازداد إلحاحها، كما بدأ الموضوع يخترق مراكز البحوث ومصانع الأفكار لدى الأطراف الأقوى ماليا واقتصاديا، بصورة موازية لازدياد اتساع الهوة وعمقها، بين شمال وجنوب، وبين ثراء وفقر، داخل كل بلد على حدة في الشمال وفي الجنوب.
والسؤال: هل وصل هذا التطور إلى الشروع في معالجة الخلل؟.. أو بصيغة أخرى:
هل سيكون لمجموعة العشرين مفعول لإصلاح هذا الخلل "الشمولي عالميا"، أم أنها كانت وليدة معطيات أخرى "في العالم الصناعي" وستلبي بالتالي احتياجات مرتبطة بها فقط؟..
كثير من اللقاءات الدولية، الدورية والطارئة، تناولت مشكلات معينة، كالفقر، والتنمية، والديون، والطاقة، والمواد الخام، وغير ذلك مما اتُخذت قرارات وإجراءات بصدده أحيانا، إنما بقي التحرك مقتصرا على "نتائج الخلل" هذه، وعولجت بمسكنات، وبقيت المشكلات أو تفاقمت، والشواهد كثيرة ومعروفة.
وفعلت انعكاسات الأزمات (المالية والمناخية أيضا) على مستوى الشعوب فعلها في أن الكلام عن "نظام اقتصادي دولي جديد" على هامش قمة لندن، انتقل من الساسة المسؤولين إلى عالم الإعلام، وكان المحور الرئيسي في الأشهر التالية (بين مطلع نيسان/ إبريل وآخر إيلول/ سبتمبر 2009) يقول إن الاعتماد على مجموعة العشرين سيحقق تغييرا قادما، وبقي "فقط!" تحديد معالم الهدف ووسائل الوصول إليه.
هل يمكن القول بذلك فعلا؟..
يُلاحظ مبدئيا أمر أساسي، أن "مصانع الفكر الغربية"، أي مراكز البحوث ومعاهد الدراسات الجامعية، لم تشارك السياسيين والإعلاميين في طرح تلك التوقعات، السياسية بحذر والإعلامية بتفاؤل، والتي ما لبثت أن تراجعت بصورة ملحوظة مع انعقاد القمة التالية لمجموعة العشرين (24-25 سبتمبر/أيلول 2009) في بيتسبورج بالولايات المتحدة الأمريكية.
وعلى افتراض أن الإرادة السياسية توافرت لتكون "مجموعة العشرين" وسيلة من وسائل التغيير المحتملة، فالأمر الأهم أن التوقعات المتفائلة لا تأخذ بعين الاعتبار سؤالا هاما آخر بدأت تركز "مصانع الفكر" عليه:
هل تملك آليات صناعة القرار السياسي في شبكة العلاقات الدولية حاليا القدرة على إحداث تغيير جذري في الشبكة المالية ذات التأثير المباشر على النظام الاقتصادي الدولي، أم أن السياسة أصبحت واقعيا هي التابعة لآليات صناعة القرار المالي في البنية الهيكلية الدولية؟..
إن التأمّل في مجموعة العشرين ومستقبلها في تركيبة العلاقات الدولية وأثرها عليها، وقابلية التأثير من خلالها، يطرح أسئلة يدور محورها حول هذه الإشكالية في نهاية المطاف، ومن هنا سيتجنب التقرير الخوض مسألة التعامل مع أزمة المناخ، رغم أنها النقطة الكبرى الثانية على جدول أعمال المجموعة، وسيركز على ما يرتبط بالجانب المالي.
كما لن يتطرق التقرير أيضا إلى جانب آخر بالغ الأهمية (ولكن يحتاج إلى بحث منفصل) ويرتبط بواقع المركزية الغربية لبنية العلاقات الدولية أو النظام الدولي حاليا، والمقصود: الأرضية الفكرية الفلسفية لمستقبل التفاعل بين الديمقراطية السياسية، كآلية للحكم تُربط نشأةً وتطبيقاً بقضايا "حقوق الإنسان" الأساسية، وبين الرأسمالية الاقتصادية كنهج يرتكز إلى مبدأ "الحرية الفردية أو الشخصية" وفق الرؤية الفلسفية "الليبرالية" لها.
على ضوء ما سبق تدور فقرات البحث التالية حول:
- مجموعة العشرين بين دوافع إنشائها ومحددات عملها دوليا
ضوابط دولية للتعامل مع مجموعة العشرين وتعاملها مع الأزمات الدولية. - المعطيات المتوافرة في هيكلية مجموعة العشرين وحصيلة عملها.
- استشراف مستقبل مجموعة العشرين ومداخل التأثير (العربي والإسلامي) من خلالها.
الولادة والنشأة في محضن الأزمات
تضخيم التوقعات
حدود الواقع وقيوده
غياب "مخالب" قوة التأثير
مواطن التغيير المطلوب
أسئلة حول فعالية التأثير مستقبلا
الولادة والنشأة في محضن الأزمات
لم يتردد اسم مجموعة العشرين كثيرا إلى أن تفاقمت الأزمة المالية العالمية (الرأسمالية منهجيا في جوهرها) إلى درجة مقارنتها المتكررة بالأزمة العالمية في عشرينات القرن الميلادي العشرين.
تؤكد الشواهد أن القرارات الغائبة أو المغيبة عن مجموعة العشرين هي القرارات التي يمكن أن تحدث تغييرا فعليا على الوضع الراهن للنظام المالي والاقتصادي الدولي لإزالة الخلل الكبير فيه. |
المتفائلون بمستقبل راسخ لمجموعة العشرين يذكّرون أن نشأتها "منتدىً حواريا" يشابه نشأة مجموعة الثمانية (6 دول ثم 7 ثم 8) في صيغة منتدى حواري عام 1975، وقد كانت نتيجة آثار الأزمة النفطية الأولى ومع الأخذ بنظام "حقوق السحب الخاصة" بعد ضعف الدولار (تحت وطأة نفقات حرب فييتنام) في احتياطي صندوق النقد الدولي.
الأزمة المالية في جنوب شرق آسيا كانت بدورها المنطلق الأول لتحرك الدول الصناعية الرئيسية من مجموعة السبعة/ الثمانية لمشاركة دول أخرى "ناهضة" في "الحوار" حول الأزمات الاقتصادية العالمية، وكان أول اقتراح بهذا الاتجاه عام 1997م أثناء مؤتمر آبيك (نوفمبر/تشرين الثاني 1997) في فانكوفر الأمريكية، فظهرت في البداية مجموعة الـ22 واجتمعت مرتين في واشنطن، وتوسعت إلى ما عُرف بمجموعة الـ33 عام 1999، وأوصلت في الحصيلة إلى قرار وزراء مالية مجموعة الثمانية (سبتمبر/أيلول 1999) بإنشاء مجموعة العشرين في صيغة دعوة موجهة إلى وزراء المالية ومدراء المصارف المركزية في الدول المعنية إلى الحوار حول سبل حماية الاقتصاد العالمي من الأزمات. منذ ذلك الحين كانت المجموعة تلتقي بانتظام على هذا المستوى، إلى أن تكثفت لقاءاتها عام 2009.
ويمكن ملاحظ أهم محدّدات مجال حركة مجموعة العشرين ابتداءا من خلال ظروف نشأتها الأولى ومسارها حتى الآن:
- المشاركة "المسموحة" في حل الأزمات وليس "المبادرة" إلى التأثير على جذور واقع دولي قائم.
- التركيز على البعد المالي للأزمات (ولهذا بدأت المجموعة على مستوى مسؤولين سياسيين ماليين وليس على مستوى القمة كمجموعة الثمانية) وينطوي ذلك على السعي لتحميل الدول الناهضة جزءا من الأعباء المالية التي يُفترض أن تحملها الصناعية على خلفية مسؤوليتها عن الأوضاع المالية الدولية (وهو ما اتضح في متابعة قضيتي المناخ والأزمة المالية التي بدأت كأزمة مصرفية).
من هنا ينبغي استبعاد أن يكون إقدام الدول الصناعية على تفعيل مجموعة الـ20 يعبر عن تبدّل في نهج انفرادها في السيطرة على صناعة القرار الدولي، عبر منظمات غربية، أو من خلال مواقعها المهيمنة في منظمات عالمية.
يضاف إلى فعالية تأثير تغييري دولي، لا تجد في مجموعة العشرين البنية الهيكلية اللازمة، فهي -علاوة على عدم تجانسها كقمة الثمانية- لا تحمل صفة منظمة دولية بمفهوم القانون الدولي، وليس لها نظام داخلي، ولا تصدر عنها قرارات ما، ولا تتجاوز مهمتها ما أنشئت من أجله، ويسري عليها ما ورد في الموقع الشبكي الرسمي المخصص لها من جانب الدولة البريطانية المضيفة لقمتها في نيسان/ أبريل 2009، مما يبين حدود حديث رئيس وزرائها عن "نظام اقتصادي دولي جديد".
فالمجموعة "منتدى غير رسمي، يدعم الحوار البنّاء المفتوح بين الدول الصناعية ودول السوق الناهضة حول قضايا أساسية لتحقيق استقرار اقتصادي، إسهاما في تثبيت البنية المالية الدولية ودعم ما ينهض بالحوار حول السياسات الوطنية (القومية)، والتعاون الدولي، والمؤسسات المالية الدولية، وتساعد مجموعة العشرين على تحقيق النمو الاقتصادي والتنمية عبر العالم"(1).
ويلاحظ أن جميع ما صدر عن المجموعة حتى الآن سبقه إعداد مباشر من جانب الدول الصناعية الرئيسية، وتلاه اتخاذ القرارات من خلال أجهزتها المشتركة وعلى انفراد، ولا ينفي ذلك أن بعض الدول الناهضة، كالصين والهند والبرازيل، تتبع نهجا "انفراديا" أيضا وفق مصالحها، وأن له تأثيره غير المباشر على قرارات الدول الصناعية، بغض النظر عن وجود المجموعة كساحة لحوار مشترك.
لا يستهان بأهميةالمجموعة في معالجة قضايا كبرى كالمناخ والأزمة المالية، وفتح أبواب المشاركة -ولو بدوافع تحقيق مصالح وأغراض ذاتية- في البحث عن حلول وتطبيقها أمام أطراف أخرى، ولكن لا ينبغي تضخيم الدور الحالي لمجموعة العشرين فيما يتجاوز نطاق مهمة المشاركة المنضبطة هذه.
توجد أسباب عديدة من وراء تضخيم التوقعات من مجموعة العشرين، من أهمها:
وطأة ما سبق التنويه به من خلل في النظام المالي الدولي وآثاره على امتداد ستة عقود مضت، إذ تجاوز هذا الخلل أزمات كارثية معروفة، كتراكم الديون، وانتشار الفقر والجوع، وامتد إلى صلب الهياكل الاقتصادية لبضع وثلاثين دولة صناعية تضمها منظمة "التعاون الاقتصادي والتنمية"، وهو ما سبق أن انعكس في آثار أزمة أسعار النفط والأزمة النقدية الأوروبية (والغربية عموما)، والأزمة المالية الآسيوية، وبلغ ذروته في الأزمة المصرفية وانتشار آثارها عالميا.ما وضع على مائدة "الحوار غير الملزم" في مجموعة العشرين، لم يكن قابلا ابتداء للوصول إلى مستوى "قرارات حاسمة وفاعلة" حول مجرى المعاملات المالية الدولية.
وارتفعت قديما أصوات تدعو إلى إصلاح الخلل الجذري، بوضع حد لمعايير "النمو الاقتصادي" و"التطوير التقني" بلا حدود، وبإصلاحات جذرية للمؤسسات والمنظمات الأهم من سواها في النظام المالي الحالي، أي صندوق النقد الدولي والمصرف المالي العالمي ومنظمة التجارة الدولية. وإذ لا يوجد على المسرح الدولي ما يشير إلى الاستجابة لهذه المطالب، كان لظهور مجموعة العشرين وتفعيلها أثره في تركيز التوقعات المتفائلة عليها.- لجوء الدول الصناعية إلى "تفعيل" مجموعة العشرين في التعامل مع أزمتي المناخ والمصارف تحديدا، ضاعف التفاؤل وانتشاره عالميا، نظرا إلى أن آثار هاتين الأزمتين كانت شاملة جغرافيا ومضمونا.
- ساهم بعض المسؤولين من الدول الصناعية في تضخيم هذه التوقعات، فإضافة إلى التصريحات المشار إليها في مطلع هذا التقرير، طرحت ألمانيا منذ عام 1997م، ما يسمى "عملية هايلِجنْ دام" -نسبة إلى البلدة التي استضافت قمة الثمانية آنذاك- ومحورها تحويل استضافة ممثلي الدول الناهضة إلى لقاء "مؤسساتي" منظم، ولم يغب هذا عن الأذهان عندما تحدثت المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل في منتصف عام 2009 أمام المجلس النيابي فقالت إن الدول الصناعية لم تعد قادرة وحدها على حل المشكلات المتفاقمة، وإن "قمة لاكويلا (القمة التالية لمجموعة الثمانية في إيطاليا) ستوضح أن شكل مجموعة الثمانية لم يعد كافيا"، وأضافت: "أعتقد أن مجموعة العشرين هي الشكل الذي ينبغي أن يشكل سقف المستقبل"(2).
ربما كان القصد الرئيسي آنذاك هو دفع الدول الناهضة إلى التلاقي مع الدول الأوروبية على صعيد مواجهة مشكلة المناخ لرفع مستوى الضغوط على الولايات المتحدة الأمريكية، إنما انعكست التصريحات على وسائل الإعلام بما تجاوز الحدود الألمانية، فبدأ الحديث عن "إدراك مجموعة الثمانية لعجزها" على حد تعبير الخبير الألماني في الشؤون الاقتصادية الدولية كارل تاسفادسكي، ورأى أن "مجموعة الثمانية تمثل الماضي ومجموعة العشرين تمثل المستقبل"(3).
وشبيه ذلك قول ديرك ميسنر، مدير المعهد الألماني للسياسة الإنمائية في بون، "لم تعد مجموعة الثمانية قادرة على أن تدعي لنفسها موقع الأداة المشروعة والفعالة في مركز السلطة لمعالجة المشكلات العالمية.. إن مجموعة العشرين هي الساحة المناسبة حاليا"(4).
كما انتشر شبيه هذه التوقعات عالميا وشمل الساحة الإعلامية العربية، ويعبر عنها مثلا ما أورده الوزير السابق وأستاذ العلوم السياسية الكاتب اللبناني د. عدنان السيد حسين جوابا على السؤال: "هل تؤسس مجموعة العشرين لنظام عالمي جديد؟" وقد جعله عنوانا لمقالة له يوم 8/4/2009 (5).
بينما قرأت صحيفة الرياض السعودية في قسمها الاقتصادي في قمة بيتسبورج ما أعطته عنوان: "الاتفاق على إحلال مجموعة العشرين محل "مجموعة الدول الثماني" ومنح الدول النامية دوراً أكبر في صندوق النقد والبنك الدوليين"(6).
واختارت صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية للتعبير عن ذلك عنوانا أكثر إثارة: "البيت الابيض يعلن "اتفاقا تاريخيا" لجعل مجموعة العشرين المرجع الاقتصادي الرائد (7).
وكانت صحيفة الاتحاد الإماراتية أكثر تواضعا فيما نقلته عن وكالة الصحافة الألمانية تحت عنوان "تعزيز دور الدول الناهضة في المؤسستين الدوليتين صندوق النقد الدولي والمصرف المالي العالمي" (8).
وبالمقابل يلفت النظر أن الإعلام الصيني المعبر عن "توقعات" الدولة، كان بعيدا تماما عن مثل هذه التوقعات الكبيرة، كما يؤخذ مما أوردته شبكة الصين الناطقة بالعربية على هامش قمة لندن (9).
هذه التوقعات مبالغ فيها مقابل التعامل الغربي -عبر الدول الصناعية الرئيسية- مع الوضع المالي القائم سعيا لضمان استمراريته كما كان من قبل، فكأنما لعبت لقاءات مجموعة العشرين أثناء الأزمة دور "عملية تجميل" فحسب، مع تحصيل ما يمكن تحصيله من الإمكانات المالية والاقتصادية من الدول الناهضة، لخروج الدول الصناعية بأقل خسارة ممكنة.
أما اتخاذ قرارات تغيّر من واقع النظام القائم فبقي بعيدا عن لقاءات المجموعة، ومن الشواهد على ذلك:
- أثارت الصين -ووجدت دعما هنديا وروسيا- مسألة موقع عملة الدولار عالميا، فلم يجد هذا الطلب طريقه إلى المناقشة في المجموعة التي تضم الدول المذكورة وسواها من الدول الناهضة.
كان الرفض أيضا من نصيب طلب نُسب إلى بريطانيا لفرض ضريبة على التبادلات المالية الدولية، وقال رئيس المصرف المركزي الأوروبي تريشيه، إن الاجتماع الوزاري لمجموعة العشرين في اسكوتلاندا (نوفمبر/تشرين الثاني 2009) لم يتطرق إلى هذا الموضوع أصلا، بل لم يكن مدرجا على جدول الأعمال ابتداءً كما ذكر وزير الخزانة الأمريكي تيموثي غايتنر، ولم يقم صندوق النقد الدولي بالإعداد له كما كان منتظرا منه (10).لا يزال طلب الحد من تسديد مكافآت إضافية بمبالغ خيالية لمدراء ماليين وإن سببت إدارتهم خسائر وأزمات، بعيدا عن التحقيق. - لا يزال طلب الحد من تسديد مكافآت إضافية بمبالغ خيالية لمدراء ماليين وإن سببت إدارتهم خسائر وأزمات، بعيدا عن التحقيق.
- أما تخصيص قمة لندن ما وصل إلى تريليون (ألف مليار) دولار لتعديل الأوضاع المالية بما في ذلك مكافحة الفقر، فقد أثار توقعات متفائلة، ولكن لم يتجاوز طبيعة وعود سابقة قبيل حلول الألفية الميلادية الثالثة، كانت حصيلتها الواقعية ما أعلنه "برنامج الغذاء العالمي" قبيل قمة بيتسبورج لمجموعة العشرين، أن عدد من يعاني من الجوع عالميا تجاوز المليار نسمة وكان قبل عامين في حدود 850 مليونا، وأن معونات "البرنامج" التابع للأمم المتحدة لم تعد تصل إلى أكثر من 10 في المائة ممن يعانون من الجوع عالميا(11).
هذه الشواهد تؤكد أن القرارات الغائبة أو المغيبة عن مجموعة العشرين هي القرارات التي يمكن أن تحدث تغييرا فعليا على الوضع الراهن للنظام المالي والاقتصادي الدولي لإزالة الخلل الكبير فيه، هذا مقابل تأثير قاعدة تبادل المصالح في نطاق الدول المشاركة في المجموعة مباشرة، كما هو الحال على صعيد العلاقات المالية والتجارية، بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية.
من العسير استبعاد وجود ضوابط من جانب الدول الصناعية لتحرك المجموعة، ويعزز القول بذلك ما شهدته الفترة التي سبقت مباشرة "تنشيط" لقاءات مجموعة العشرين، ففي قمة الثمانية (فبراير/شباط2009) في إيطاليا (التي استبقتها المستشارة الألمانية بالتنويه أنها ستشهد حلول مجموعة العشرين في الصدارة مكان مجموعة الثمانية) ساد التعميم مكان تحديد أهداف وإجراءات عملية، كما نقلت وكالات الأنباء يوم 15 فبراير/شباط 2009، وقيل إن السبب هو الرغبة في نقل المواضيع المطروحة لمواجهة الأزمة إلى مجموعة العشرين، والواقع أن امتناع الدول الصناعية شمل ما كان ينبغي أن يكون منطلقات وشروطا ضرورية لتتمكن مجموعة العشرين من اتخاذ خطوات عملية.
من ذلك مثلا تجنب قمة الثمانية في إيطاليا ما يحدّ من مفعول ظاهرة الحماية التجارية والجمركية في الدول الصناعية، والامتناع عن تحديد خطة فعالة لإدارة الأصول المصرفية "الهالكة" التي سببت اندلاع الأزمة المالية العالمية، وغير ذلك مما يشير إليه ماركو أنونزياتا، الخبير المالي من مصرف يونيكريديت الإيطالي، وجوليانو نوسي من أساتذة معهد بولي تكنيك الإيطالي في ميلانو(12)، وهو ما يعني أن ما وضع على مائدة "الحوار غير الملزم" في مجموعة العشرين، لم يكن قابلا ابتداء للوصول إلى مستوى "قرارات حاسمة وفاعلة" حول مجرى المعاملات المالية الدولية.
يمكن الحديث عن "تجميل" صناعة القرار الدولي وليس عن "توسيع" دائرة اتخاذه، إنما يبقى التساؤل مطروحا عن قابلية أن تصنع المجموعة تغييرا رغم ذلك وقد أصبحت موجودة على أرض الواقع. وهنا يحسن الوقوف عند تشكيلة المنظمة نفسها.
- تضم مجموعة العشرين ثمان دول أعضاء في مجموعة الثمانية: سبع دول كبرى صناعيا (ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا واليابان) والاتحاد الروسي، و11 دولة ناهضة (الصين والهند وأستراليا وكوريا الجنوبية والبرازيل والأرجنتين والمكسيك وجنوب إفريقية وإندونيسيا وتركيا والسعودية)، ويحتل الاتحاد الأوروبي الموقع العشرين، وتمثله الدولة التي تتولى رئاسة الاتحاد دوريا.
ليست المجموعة متجانسة إذن، فلا يكفي لبيان موقعها العالمي وصفها عموما بمجموعة الدول الصناعية والناهضة، ولا ما يتردد من أرقام إجمالية عنها، فضلا عن القول إنها "عالمية" في تمثيل "الأسرة البشرية".
عدد دول المجموعة (مع مراعاة عضوية الاتحاد الأوروبي) 42 من أصل 192 دولة في العالم، ورغم توزع هذه الدول على القارات الخمس، إلا أن الغياب القاري الإفريقي ملحوظ، وكانت قد استُبعدت مصر والمغرب وساحل العاج بعد أن كانت في مجموعة الـ33 التي انبثقت مجموعة الـ20 عنها. كما استُبعدت إيران (وربما مليزيا) لأسباب سياسية، بما يتناقض مع معيار الناتج الاجتماعي العام الذي اعتُمد في تحديد الدول الناهضة.إن تأثير مجموعة الـ20 مستقبليا في اتجاه تحقيق إصلاح على صعيد النظام الدولي مرتبط بمدى قابلية تأثيرها على هذه الميادين الثلاثة. - توصف المجموعة بأن عدد سكان دولها 65% من سكان العالم، وحجم الإنجازات الاقتصادية فيها يزهاء 88 في المائة من الإنجاز الاقتصادي العالمي، وهذه أرقام إجمالية تنطوي مثلا على:
- سكان الدول الصناعية (مع بقية الاتحاد الأوروبي): 16% من سكان العالم، وتملك زهاء 70% من مجمل الإنجاز الاقتصادي العالمي.
- سكان الدول الناهضة: 49%، وتملك 18% من الإنجازات.
كما تنطوي مثلا آخر على: - الولايات المتحدة الأمريكية: 4،5 (أربعة ونصف)% من سكان العالم، وتملك 25% من الإنجازات.
- الصين والهند: 37%، وتملك 8% من الإنجازات.
بينما لا تزال الارتباطات السياسية والأمنية والاقتصادية في المنظمات والمجموعات التي تنتسب إليها الدول "الناهضة" إقليميا، ارتباطات محدودة، إن لم نقل ضعيفة، وفي بعض الحالات معدومة.
ودون التهوين من شأن المنظمات المعنية، لا يمكن مقارنة صناعة القرار وتأثيره على مكانة الدولة العضو فيها دوليا، ما بين عضوية السعودية في مجلس التعاون الخليجي، أو كوريا الجنوبية في مجموعة جنوب شرق آسيا، أو جنوب أفريقيا في منظمة الوحدة الإفريقية، وبين عضوية إحدى الدول الصناعية في المنظمات والمجموعات التي تنتسب إليها.
ليس السؤال الأهم: ما مدى إسهام الدول الناهضة في التوصل إلى حلول للأزمات التي طرحتها الدول الصناعية على المجموعة، تحت عنواني المناخ والعلاقات المالية..
بل هو -بمنظور استشراف مستقبل المجموعة- ما هي قابلية تأثيرها من أجل صناعة نظام دولي جديد، بعد الحقبة الانتقالية الحالية، القائمة منذ نهاية الحرب الباردة.
إن السؤال عن قابلية إحداث تغيير عبر مجموعة العشرين، هو في واقعه السؤال عن قابلية تأثير الدول الناهضة بإمكاناتها -المحدودة وإن كانت كبيرة بالقياس إلى الدول النامية الأخرى- تأثيرا يفتح أبواب المشاركة في صناعة القرار الدولي، رغم هيمنة الدول الصناعية عبر المنظمات العالمية ذات التأثير الحاسم على شبكة العلاقات الدولية، لا سيما في الميادين المالية والاقتصادية، وعلى وجه التخصيص في صندوق النقد الدولي والمصرف المالي العالمي ومنظمة التجارة الدولية.
ولكن ما المقصود بخارطة النظام الدولي الراهن، أو الحقبة "الانتقالية" الراهنة التي يمر بها؟..
كلمة "النظام الدولي" تُستخدم كمصطلح دون تعريف محدد وساري المفعول، إنما تلتقي أدبيات العلوم السياسية والقانونية الدولية على عدد من العناصر التي يسمح توافرها بالحديث عن وجود "نظام دولي"، ويؤدي غياب أحدها إلى غيابه أو غلبة الغموض على معالمه الأساسية، ومن هذه العناصر:
- وجود قواعد ومبادئ أساسية للعلاقات الدولية.
- سريان مفعولها نسبيا في اللعبة الدائمة ما بين "النصوص" المجردة و"موازين القوى" الفاعلة.
- العامل الزمني المتمثل في الاستقرار على ذلك فترة معقولة يمكن قياسها بعدة عقود على الأقل.
هذا ما أعطى العلاقات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية وصف "نظام دولي" أو نظام الحرب الباردة، رغم التفاوت الكبير بين الاستقرار السائد (اعتمادا على الردع النووي المتبادل) في الشريط الشمالي من الكرة الأرضية وبين استمرار النزاعات والحروب في الجنوب عموما.
هل تنزلق الدول الناهضة لتصبح جزءا مصلحيا من الدول الصناعية حاليا، دون تغيير في نهج التعامل مع بقية العالم، أي مع "الجنوب" الذي ما تزال الدول الناهضة تنتمي إليه؟ |
دون التعرض هنا إلى مفعول موازين القوى على الأصعدة الأمنية والسياسية وغياب مرجعية قضائية دولية عليا بصلاحيات تعلو على صلاحيات مجلس الأمن الدولي.. يبقى أن التغيير المطلوب من أجل نظام دولي جديد أفضل هو ما يتركز على "مكامن" الخلل المالي وبالتالي الاقتصادي، ولا ينفسح المجال للتفصيل فيها ومنها ما أظهرته الأزمة الرأسمالية العالمية، وهو مرتبط بالبنية الهيكلية للنظام الدولي فيما بعد الحرب العالمية الثانية، فهو يتركز ( مثل المطالب المتزايدة لإصلاح الخلل) على:
- موقع المنظمات الدولية المالية والاقتصادية من شبكة العلاقات الدولية.
- القواعد المتبعة في المعاملات المالية والتجارية الدولية.
- تغوّل مراكز القوة المالية على مراكز صناعة القرار السياسي.
إن تأثير مجموعة الـ20 مستقبليا في اتجاه تحقيق إصلاح على صعيد النظام الدولي مرتبط بمدى قابلية تأثيرها على هذه الميادين الثلاثة.
يقول يورن كالينسكي (المسؤول الإعلامي في منظمة أوكسفام غير الحكومية لمكافحة الفقر عالميا) تعقيبا على كثرة الحديث عن نظام دولي جديد في قمة لندن لمجموعة الـ20 "مثل هذا النظام يجب أن يكون ساري المفعول لصالح 192 دولة، وليس لصالح 8 دول أو 20 دولة"(13).
في مؤتمر "إثراء المستقبل الاقتصادي للشرق الأوسط" في الدوحة يوم 4 مايو/أيار 2009، تلاقت أصوات عديدة على تحديد مواضع الإصلاح المطلوبة، فقالت البارونة فاليري إيموس، من مجلس اللوردات البريطاني إن "مستقبل النظام الاقتصادي الدولي يرتكز على إصلاح المؤسسات المالية الدولية الكبرى مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة"، وأشارت إلى استخدامها بطريقة غير عادلة وفيها تمييز، مؤكدة الحاجة إلى مجموعات دولية جديدة تظهر على الساحة، وأكد جون سوليفان، نائب وزير الخارجية الأميركي السابق ضرورة أن تصبح المؤسسات الدولية جزءا من مجموعة العشرين، وأن تتخلى الولايات المتحدة عن بعض سلطتها، وأن تضم الدول النامية مثل ما حصل مع أوروبا أعقاب الحرب العالمية الثانية(14).
ويؤكد ديرك ميسنر، مدير المعهد الألماني للسياسة الإنمائية في بون، أن "منظمات بريتون وودس (أي صندوق النقد الدولي والمصرف المالي العالمي) تواجه أزمة مصداقيتها، ويجب أن تتحول إلى منظمات عالمية شاملة، لها شرعيتها في نظر جميع الدول الأعضاء، وتتصرف بنزاهة وحيادية، فلا تخضع لمصالح الدول الأقوى. يجب تغيير نظام التصويت في صندوق النقد الدولي والمصرف المالي العالمي، لتحسين إمكانات تأثير الدول النامية والناهضة"(15).
وينتقد الكاتب عصام الجردي في جريدة الخليج الإماراتية أن إضافة 500 مليار دولار لصندوق النقد الدولي لا تمثل إجراء حاسما، لأن الموضوع ليس هنا في أي حال، بل في نظام التصويت داخل الصندوق، الذي تتمتع فيه الولايات المتحدة بحق النقض، وكذلك في تعديل نظام التصويت لمصلحة الدول النامية والصاعدة".
لهذا ولأسباب أخرى يخلص إلى القول في تقويم تفعيل مجموعة الـ20 إلى ما يمكن اعتباره وصفا دقيقا لحدود مجال حركتها وتأثيرها في الوقت الحاضر "إنه “تحالف الضرورة” في مجموعة العشرين.
الدول الاثنتا عشرة التي “قبلتها” الدول الثماني في هذا النادي، الذي نشأ في خريف 2008 على أنقاض أزمة الدول الثماني، لا يفيدها في شيء، لكون هذه المجموعة باتت تمثل نحو ثلثي سكان العالم، ونحو 90% من الناتج المحلي العالمي، وما يعادل 80% من التجارة الدولية، بمقدار ما تفيدها حيازة حصة عادلة من تلك الأرقام المركبة في صيغة الجمع. وهذا لن يحصل بعيدا عن تعديلات جوهرية في النظام المالي والاقتصادي العالمي وفي مؤسساتهما.
والفرصة متاحة أمام مجموعة العشرين للضغط في الاتجاه المذكور"(16).
أسئلة حول فعالية التأثير مستقبلا
الفرصة متاحة للتغيير عبر مجموعة الـ20 بشروط، في مقدمتها ما تطرحه الأسئلة المبدئية التالية:
هل تتطور أهداف الدول الصناعية من (أ) مرحلة الاستعانة بالدول الناهضة في مواجهة الأزمات المالية في الدول الصناعية، بحيث تدعم موقعها المهيمن عالميا حتى الآن، إلى (ب) مرحلة الاستعانة بها، لحلحلة العقد المستعصية في العلاقات الدولية، على محاور الشمال والجنوب، والثراء والفقر، والتقدم والتخلف، بما يشمل تعديل واقع المنظمات الدولية والقواعد المتبعة في المعاملات المالية والاقتصادية؟..من يريد أن يفرض لنفسه وجودا في خارطة الغد، وفق رؤاه ومصالحه، يحتاج إلى وسائل، ويجب أن يوجدها أولا إن لم تتوافر..
ويترتب على ذلك السؤال: إن لم تتطور هذه الأهداف، فما هو السبيل للضغوط في هذا الاتجاه؟..- على فرض توافر الإرادة السياسية في البلدان الصناعية لهذا التغيير، ما مدى قدرتها على التحرر من تأثير المصالح الذاتية لصانعي القرار المالي والاقتصادي، عبر المؤسسات المالية العملاقة والشركات العابرة للقارات؟..
ويتفرع عن ذلك السؤال: هل يوجد بين يدي أطراف أخرى في الساحة الدولية، كالدول الناهضة، ما يمكن يؤثر على صعيد هذه العلاقة بالاتجاه الصحيح؟.. - هل تنزلق الدول الناهضة لتصبح جزءا مصلحيا من الدول الصناعية حاليا، دون تغيير في نهج التعامل مع بقية العالم، أي مع "الجنوب" الذي ما تزال الدول الناهضة تنتمي إليه؟.. وقد كان تحرك دول العالم بمفعول الأزمة المالية، أن "بعضها يسعى لإنقاذ نفسه، وبعضها الآخر يسعى لانتهاز الفرصة لتحقيق ميزات لنفسه" على حد تعبير الصحفي الصيني جوي هاو المقيم في ألمانيا(17).
يعني ذلك ضرورة بقاء "التغيير المطلوب لإصلاح الخلل عالميا" معيارا في تقويم مستقبل مجموعة الـ20، وفي التعامل معها. - هل تتطور أهداف الدول الناهضة من السعي لكسب مواقع متقدمة على الساحة الدولية، دون العمل لإزالة الخلل الأكبر في البنية الهيكلية للنظام الدولي، إلى السعي لإزالته بما يحقق مصالح الدول النامية الأخرى؟..
إن لم يحدث ذلك فما هي وسائل تأثير الدول النامية لدفع الدول الناهضة إلى هذا التحرك؟.. - إذا كانت كل دولة من الدول الناهضة على انفراد لا تملك ما يكفي من وسائل التأثير لإحداث تغيير في العلاقات الدولية، فما هي السبل المتاحة لتلاقيها على أهداف مشتركة من جهة، ولتعزيز ربط مصالحا في ذلك مع مصالح الدول النامية الأخرى؟..
وينبثق عن ذلك السؤال: ما هي السبل الأخرى الممكنة أمام المنظمات والمجموعات الإقليمية على مستوى البلدان النامية، لإزالة الخلل في العلاقات الدولية، عبر مجموعة الـ20 وخارج نطاقها؟.. - التغيير مطلوب بإلحاح أكبر من منظور المنطقة العربية والإسلامية تخصيصا -وهي التي تأثرت سلبيا بأحداث ما بعد الحرب الباردة أكثر من سواها- وهنا ينبغي التساؤل عن مدى قابلية أن تستفيد من ظهور دور مجموعة العشرين، في مرحلة ظهر فيها وجود "تناقض واضح بين الأسس التي قام عليها نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية حيث انتصار أمريكا وحلفائها، وبين الأسس التي يمكن أن يقوم عليها النظام البديل حيث هزيمة أمريكا وحلفائها في حروب القرن الواحد والعشرين" وينبني عليها ما ظهر من "حدود للقوة العسكرية، فيما لا حدود للقوة الاقتصادية والتكنولوجية، في عالم الغد.. عالم بدأ إعادة التشكل من قوة الدفع التي حظيت بها مجموعة العشرين"(18).
لا توجد أجوبة جاهزة على هذه التساؤلات، ولكن يبقى ثابتا:
- من يريد أن يفرض لنفسه وجودا في خارطة الغد، وفق رؤاه ومصالحه، يحتاج إلى وسائل، ويجب أن يوجدها أولا إن لم تتوافر..
- مضت الدول الناهضة شوطا على هذا الطريق.. وأمام دول نامية أخرى شوط أكبر..
- تضم مجموعة العشرين ثلاث دول من المنطقة العربية والإسلامية، وهي السعودية وتركيا وإندونيسيا، ولكل منها ميزات إقليمية تصلح منطلقا لمضاعفة فاعليتها في المجموعة وخارج نطاقها..
ويؤخذ من هذه المعطيات:
المدخل إلى توافر القدرة الذاتية على التأثير دوليا، هو مدخل التطور الذاتي لكل دولة على حدة، وهو ما يشمل مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والعلمية والتقنية.مجموعة العشرين فرصة قائمة تربط الاستفادة منها لتطوير العلاقات الدولية وإزالة الخلل القائم فيها، بمدى توثيق الارتباط بين الدول النامية والناهضة عموما. - مضاعفة القدرة الذاتية على التغيير تفرض مضاعفة الجهود في زيادة تشابك المصالح الإقليمية المشتركة، وهو ما يشمل المشاريع التطويرية في مختلف الميادين.
- مجموعة العشرين فرصة قائمة تربط الاستفادة منها لتطوير العلاقات الدولية وإزالة الخلل القائم فيها، بمدى توثيق الارتباط بين الدول النامية والناهضة عموما، وعبر المنظمات الإقليمية الجامعة للطرفين على وجه التخصيص.
- الحرص على ألا تتحول مجموعة العشرين إلى جزء من الخلل في النظام الدولي بدلا من أن تصبح مدخلا لإصلاحه، يفرض أن يكون التعامل بين الدول النامية عموما، بما فيها الدول العربية والإسلامية، داخل المجموعة وخارجها، قائما على إعطاء الأولوية لمضاعفة شبكة المصالح المتبادلة، مقابل العلاقات الانفرادية والجماعية، مع الدول الصناعية.
- لا تتوافر دعائم أرضية مناسبة لتنمية شبكة المصالح بين الدول النامية والدول الناهضة، دون إيجاد مؤسسات إقليمية بقدرات مالية واقتصادية وتجارية، تخفف من حجم الارتباط بمؤسسات شبكة العلاقات المالية والاقتصادية (صندوق النقد والمصرف العالمي ومنظمة التجارة) القائم حتى الآن على مستوى علاقات كل دولة على حدة مع هذه الشبكة الدولية.
الإجراءات أو الخطوات العملية لتحقيق ذلك مرتبطة بالمعطيات المتوافرة في البلدان المعنية، بما فيها البلدان العربية والإسلامية، ومنظماتها الإقليمية، وليس في نطاق مجموعة العشرين بالضرورة، ويمكن طرح بعض الأمثلة بصورة عامة على الباحثين وأصحاب القرار:
- تطوير المنظمات والمجموعة الإقليمية بتوسيع نطاق اتخاذ القرارات المشتركة والإلزامية من خلالها، وإنشاء آليات لحل الخلافات إقليميا.
- تطوير العلاقات بين الدول النامية والدول الناهضة بما يوازن تدريجيا توثيق العلاقات بين الناهضة والصناعية في الوقت الحاضر.
- تكوين جهاز مالي مشترك على مستوى البلدان العربية على الأاقل، وفق استراتيجية تدعم استقلالية دول المنطقة تجاه إملاءات المؤسسات المالية الدولية ويدعم تشابك علاقاتها الاستثمارية، بما يشمل دولا نامية وناهضة.
- دعم شبكة المصارف والمؤسسات المالية الإقليمية، وإيجاد بدائل للتعامل المباشر بينها بديلا عن اعتماد المصارف والمؤسسات العملاقة كصلة وصل فيما بينها.
- تنويع الاحتياطي النقدي في كل دولة على حدة، ودعم العملات المحلية من خلال فتح أبواب اعتمادها في تنمية العلاقات التجارية البينية.
- تقليص حجم الاستيراد الاستهلاكي وتعزيز التجارة البينية على أساس مخططات إقليمية تراعي عنصر التكامل والكفاية الذاتية في ميادين الأمن الغذائي والزراعي وما يرتبط بهما من القطاع الصناعي.
- تعزيز صيغ الحوار بين الدول النامية والناهضة تثبيتا للقواسم المشتركة التي تسمح بالتعامل مع مختلف الأطراف والمنظمات الدولية من خلال مواقف مشتركة.
_______________
باحث في العلاقات الدولية
هوامش
(1) United Kingdom 2009, What is the g20?
(2) Henrik Böhme, Die letzte Stunde der G8? (الساعة الأخيرة لمجموعة الثمانية؟), Deutsche Welle, 7.7.2009
(3) Karl Zawadzky, Das Ende der G8 (نهاية مجموعة الثمانية), Deutsche Welle, 10.7.2009
(4) Dirk Messner, Weltbank und IWF reformieren (إصلاح المصرف العالمي وصندوق النقد الدولي) , Deutsche Welle, 29.7.2009
(5)- د. عدنان السيد حسين، هل تؤسس مجموعة العشرين لنظام دولي جديد؟ موقع صحيفة أوان الكويتية اليومية، 8/4/2009م.
(6) - أحمد اليامي، ومفيد عبدالرحيم في موقع صحيفة الرياض السعودية، 27/9/2009م.
(7) - مينا العريبي، في موقع صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية، 26/9/2009م.
(8)- مقال إخباري نقلا عن وكالة الصحافة الألمانية في موقع صحيفة الاتحاد الإماراتية، 28/9/2009م.
(9)- شبكة الصين: تحليل إخباري: هل ستحقق قمة مجموعة العشرين فى لندن شيئا مهما؟، 30/3/2009م.
(10) مجموعة العشرين منقسمة حيال المناخ والاقتصاد، صحيفة النهار اللبنانية، 8/11/2009م نقلا عن وكالات الأنباء.
(11) Miodrag Soric, UN-Organisation muss Armutshilfe einschränken (منظمة الأمم المتحدة مضطرة لتقليص المساعدات لمكافحة الفقر), Deutsche Welle, 6.8.2009.
(12) وسائل إعلام عديدة نقلا عن وكالة الصحافة الفرنسية بالعربية، والنبأ الأصلي محفوظ في سجل أخبار جوجلي على الرابط هنا.
(13) Henrik Böhme, Die Weltfinanzordnung vor einem Neuanfang (النظام المالي العالمي أمام بداية جديدة), Deutsche Welle, 2.4.2009.
(14) زهير حمداني، "مستقبل الاقتصاد العالمي في إصلاح المؤسسات الدولية"، شبكة الجزيرة، 4/5/2009م:
(15) Dirk Messner, Weltbank und IWF reformieren (إصلاح المصرف العالمي وصندوق النقد الدولي) , Deutsche Welle, 29.7.2009.
(16)- عصام الجردي، "تحالف الضرورة في مجموعة العشرين"، جريدة الخليج الإماراتية، 13/9/2009م.
(17) Henrik Böhme, Die letzte Stunde der G8? (الساعة الأخيرة لمجموعة الثمانية؟), Deutsche Welle, 7.7.2009.
(18) إبراهيم غالي ومحمود عبده علي، مجموعة العشرين.. نواة أولى لتحول عالمي وشيك، إسلام أون لاين، 1/10/2009م.