*كريستينا كاوش
ترجمة وقراءة شريفة دحروش
تتناول ورقة العمل التي قدمتها الباحثة كريستينا كاوش ونشرتها مؤسسة فريدي للعلاقات الدولية والحوار الخارجي- في إطار ما تنشره من مواضيع حول العالم العربي والإسلامي على موقعها(1)-، مسألة الحوار المباشر بين الإسلاميين المعتدلين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (المنطقة العربية) وحكومات دول الاتحاد الأوروبي، وقد اعتمدت الدراسة على حوارات سرية ولم تكشف عن مصادرها جرت بين ممثلين عن الاتحاد الأوروبي وسياسيين إسلاميين حول علاقاتهم وارتباطاتهم وسياساتهم.
وبقي لدى الكاتبة أسئلة لم تطرح لها أجوبة قد تثير جدلا مثل: كيف؟، أين؟، متى؟ ومع من تمت هذه الاتصالات؟، الأمر الذي يقود إلى اعتماد سياسة الحد الأدنى المشترك في داخل الاتحاد الأوروبي والتي تدور عادة حول النقاط الساخنة في المنطقة.
وتجدر الإشارة إلى أنه يمكن الاطلاع على المدخل إلى الورقة وملخصها في الفقرة التالية أدناه، أو يمكن تجاوزهما لقراءة عرض الورقة كاملا. أضغط لتجاوز المدخل والملخص إلى عرض القراءة.
* * *
المدخل
ترى الدراسة أن إدماج الجماعات الإسلامية والوصول إلى حوار مباشر معها ما زالت مسألة نظرية حتى الآن، ولم ينتج عنها أي تقدم لإقامة علاقات إستراتيجية من خلال اتصالات منهجية منظمة مع الجماعات الإسلامية المعتدلة في المنطقة العربية.
إدماج الجماعات الإسلامية والوصول إلى حوار مباشر معها ما زالت مسألة نظرية حتى الآن، ولم ينتج عنها أي تقدم لإقامة علاقات إستراتيجية من خلال اتصالات منهجية منظمة مع الجماعات الإسلامية المعتدلة في المنطقة العربية. |
وبالمقابل فقد أظهر زعماء بعض الحركات الإسلامية استعدادهم للحوار المباشر والمفتوح مع دول الاتحاد الأوروبي وذلك بقصد تحسين صورتهم في الغرب، واقتناعا منهم بأن الحوار المباشر سيساعدهم على تغيير النظرة الضيقة إلى الإسلاميين التي ترى فيهم جميعا إرهابيين ومتطرفين، وإبدالها بنظرة أكثر واقعية ترى فيهم قوة سياسية إصلاحية ومعتدلة.
وأبدت تقريبا كل الحركات الإسلامية شاركت في ندوة علمية(2) احتضنتها مدينة إشبيلية حول "الإسلام السياسي وسياسة الجوار للاتحاد الأوروبي"، استعدادها للتفاعل إيجابا مع مبدأ الحوار والتعاون مع الاتحاد الأوروبي، إلا أنهم أبدوا توجسا من عدم جدية هذا الحوار الذي لم يعتمد حتى الآن سياسة رسمية معلنة بشأن التواصل معهم، ولقد اعتبر في هذا الصدد السيد حمادي الجبالي، القيادي في "حركة النهضة" (المحظورة في تونس) أن كل تعاون "يُحتِّم وجود طرفين على الأقل يتبادلان الاعتراف قبل الشروع في التعاون"، وافترض بأن ذلك يتم عندما "تتوفّـر إرادة صادِقة للتعاون، وثقة مُـتبادلة ومُـصارحة لخدمة مصلحة الطرفين".
وتساءل الجبالي "هل أوروبا مستعدّة الآن (ويؤكد على كلمة الآن)، لأن تعترف بالواقع وتُقرَّ بوجود طرف له وزنه وحضوره الشعبي ومصداقيته، إضافة إلى حقه الطبيعي في الوجود على الساحة السياسية المحلية والعالمية"؟
والواضح أن هذه الجماعات تريد إبعاد الأفكار الجاهزة عنها، كما نجد عددا منها يريد، ولو من بعيد، التأثير في السياسات الأوروبية تجاه المنطقة وإبعادها عن التعاون مع حكومات "غير ديمقراطية".
* * *
ملخص الورقة
تقول الباحثة كريستينا كاوش إن الحوار المباشر مع الحركات السياسية الإسلامية عموما كان أمرا محظورا على حكومات دول الاتحاد الأوروبي، إلا أن السنوات الأخيرة أثبتت قصور هذه المقاربة التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي والقاضية بالتعاون مع الحكام وتجاهل التواصل مع الحركات الإسلامية ولو من بعيد، بهدف ضمان الاستقرار في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والدفاع عن مصالح دول الاتحاد الإستراتيجية فيها.
فالأوروبيون بالرغم من إدراكهم لما تتمتّع به هذه الحركات من ثقل شعبي وسياسي، إلا أنهم لا يشعرون بالاطمئنان تجاهها ولا يثقون بنواياها وأهدافها، ويخشون من عواقب الانخراط في حوار مباشر معها، كي لا يُثيروا شكوك وغضب الحكومات العربية، التي تربطهم بها صداقات وصلات تعاون وثيق في مختلف المجالات الحيوية.
ولكن هذا لم يمنع من ظهور تناقضات عدة في هذا الشأن، حيث تبدلت المواقف وأخذ الأوروبيون يبحثون عن سياسات بديلة للتعامل مع ما يسمونهم بالإسلاميين "المعتدلين".
والحقيقة أن هناك ضرورة لانتهاج سياسات بديلة قد تدفع واضعي السياسات الأوروبية إلى تغيير مواقفهم من الإسلاميين المعتدلين، مع العلم أن الحوافز لإعادة توجيه مسار سياسات الاتحاد الأوروبي في المنطقة قليلة، ويعتبر منع التطرف جزء لا يتجزأ من إستراتيجية الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإرهاب، بل إن فكرة الحوار بين الاتحاد الأوروبي والقوى الإسلامية نشأت في الأصل لأسباب أمنية.
ويرى الاتحاد الأوروبي بأن الوسيلة الوحيدة لتحقيق الاستقرار في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي الضغط على الحركات الإسلامية من الداخل، وغالبا ما وصفوا "بالاعتدال" الأحزاب الإسلامية التي تتطلع إلى الحكم عبر المسار الديمقراطي ولها دور فاعل في التأثير والتغيير.
وترى الدراسة أن اندماج بعض الجماعات الإسلامية "المعتدلة" في السياسة الوطنية ونمو طاقاتها وحصولها على دعم واسع من المجتمع وكذا نجاح بعضها في الانتخابات ، أهلها لتصبح محاورا سياسيا على قدر من الأهمية.
* * *
الانقسام الأوروبي حول الحوار وكلفته
ضرورة الحوار وعوائقه أوروبيا
خلاصات واستنتاجات
الانقسام الأوروبي حول الحوار وكلفته
لقد تضاعفت في السنوات الأخيرة المناقشات والتحليلات حول الإسلام السياسي مما أسهم في تفرق وجهات النظر الغربية تجاه وسائل وأهداف هذه الظاهرة، كما حامت الشكوك حول نوايا الحركات الإسلامية والفوائد المحتملة من التعاطف معها، وطرحت عدة تساؤلات حول جديتها في التزام المسار الديمقراطي.
فهناك من يرى أن الإسلاميين غير ديمقراطيين ويتخذون الديمقراطية وسيلة للوصول إلى الحكم، ويؤكد بعض النقاد أن الحوار بين حكومات دول الاتحاد الأوروبي والجماعات الإسلامية قد يعطيها اعتبارا وشرعية لا تستحقهما.
يؤكد بعض النقاد أن الحوار بين حكومات دول الاتحاد الأوروبي والجماعات الإسلامية قد يعطيها اعتبارا وشرعية لا تستحقهما |
فهكذا، الأوروبيون منقسمون على أنفسهم فيما يتعلق بإقامة حوار مباشر ولكل فريق منهم مبرراته التي تنطلق في الحالتين من مصلحة الاتحاد الأوروبي.
وهنا يجب أن يوضع الفرق:
- بين الإسلاميين الذين يقفون ضد النظام، ويلجأون إلى العنف لتحقيق ما يريدون.
- وبين أولئك الإسلاميين (المعتدلين) الذين يتحملون المسؤولية ويلتزمون بعدم استعمال العنف وينتهجون الطرق القانونية والدستورية في عملهم.
وهناك على كل حال من يرى بأن نعت الإسلاميين بالاعتدال يقود إلى الخطأ والتبسيط، أما كاوش معدة الدراسة فمن جهتها تميز بين رأيين:
- فهناك المحللون السياسيون الذين يرون أنه من الضروري أن تدخل دول الاتحاد الأوروبي في حوار مباشر مع الإسلاميين.
- وبالمقابل هناك الحكومات التي لا ترى ذلك ضروريا حيث لا يجد الدبلوماسيون الذين يحاولون التحاور مع الإسلاميين أي دعم سياسي من طرف حكوماتهم.
الحوارات القائمة وكلفتها
أما بالنسبة للدوائر السياسية في الاتحاد الأوروبي فهناك وعي بضرورة التغيير في السياسة الحالية تجاه البلدان العربية، لكنهم متخوفون مما قد ينتج عن ذلك من التزامات ومن تغيير سلبي في أوضاع المنطقة.
كما أن مسألة التوقيت وكيفية الوصول إلى حوار مباشر مع الإسلاميين في المنطقة العربية لابد أن تعالج بطريقة خاصة ومرنة، اتقاء لاحتمال توتر في العلاقات الثنائية بين حكومات دول الاتحاد، وحكومات الدول المستضيفة للحوار.
ومن أهم العوامل المحددة لإقامة حوار مع أي جماعات إسلامية هي مصلحة الدول الأوروبية واتصاف هذه الجماعات بشروط محددة، مثل:
- القوة السياسية للجماعة ومدى مصداقيتها.
- علاقتها بالنظام القائم.
- مدى أهمية الاتصال بها، وما يمكن أن ينتج عنه من مصالح إستراتيجية أو أمنية.
- وكذا ما قد ينتج عن هذا الاتصال بالنسبة للعلاقات الثنائية بين الأنظمة الوطنية ودول الاتحاد.
ومن ذلك أن الحوار المباشر بين الجماعات الإسلامية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وبين حكومات الاتحاد الأوروبي يخضع لعلاقة هذه الحكومات بأنظمة تلك الدول في شتى المجالات: كالهجرة والتجارة والطاقة أو وضعية الجاليات الكبرى للمهاجرين المسلمين في أوروبا.
فهناك اتصالات موجودة بالفعل ومنتظمة مع الحركات الإسلامية "المعتدلة" في المغرب والأردن والكويت والبحرين، باعتبار أنها حركات فاعلة ومعترف بها ولها تمثيل داخل البرلمان، كما يتوفر في هذه الدول أجواء شبه ليبرالية تمكن السفارات الأوروبية هناك من إقامة لقاءات ظرفية مع بعض هذه الحركات حتى المحظورة منها، مثل "جماعة العدل والإحسان" في المغرب لكن بطريقة سرية، مع العلم أن الأمر يبقى جد حساس، لأن الأنظمة الحاكمة لا تحبذ هذا النوع من الاتصالات، لكنها لا تحول دونها لأنها لا تؤدي إلى أزمة دبلوماسية.
وتحظى أيضا الجماعات الإسلامية "المعتدلة" في الجزائر بالاعتراف والشرعية ولها تمثيل داخل البرلمان، مثل "حركة مجتمع السلم" و"حركة الإصلاح " و"حركة النهضة"، ولكن الاتصالات في الواقع من طرف الأوروبيين مع هؤلاء البرلمانيين جد محدودة، ويستبعد أن تؤثر سلبا على العلاقات الجزائرية الجيدة مع نظرائها في أوروبا، بل على العكس فحتى لو تمت هذه الاتصالات قد تكون مجرد لقاءات عابرة غير واعدة.
أما بالنسبة لمصر فهناك اهتمام أوروبي خاص لجهة الاتصال بجماعة "الإخوان المسلمين"، وأغلب السفارات الأوروبية تتصل دوريا ببرلمانيي الإخوان.
مسألة التوقيت وكيفية الوصول إلى حوار مباشر مع الإسلاميين في المنطقة العربية لابد أن تعالج بطريقة خاصة ومرنة، اتقاء لاحتمال توتر في العلاقات الثنائية بين حكومات دول الاتحاد، وحكومات الدول المستضيفة للحوار |
وبالنسبة لحالتي فلسطين ولبنان فهي حالات جد معقدة وحساسة، مع العلم أن لا "حماس" ولا "حزب الله" تتوفر على الشرط الأساسي "للاعتدال" ألا وهو عدم استعمال العنف، والذي تتبناه أوروبا كأساس لأي حوار.
ولكن لا يمكن تجاهل التنظيمين ووضعهما جانبا، لأن أي تقييم للاتصالات الأوروبية مع الحركات الإسلامية المعتدلة لا بد من أن يأخذ بعين الاعتبار الظروف الإقليمية والأوضاع السياسية في المنطقة.
فالاتصال المفتوح بحزب الله كان يتم وبدون أية مناقشة لأن له تمثيلا داخل الحكومة، ونجد معظم دول الاتحاد الأوروبي تعتبر هذا الاتصال مبررا بل ضروريا، لأن "حزب الله" حزب شرعي ويشكل طرفا أساسيا في المشهد السياسي اللبناني، والجميع يؤكد بأنه لا يمكن طرح أي حل في المنطقة بدونه.
أما الاتصالات السياسية "بحماس" فهي ممنوعة رسميا من طرف حكومات دول الاتحاد الأوروبي، وذلك منذ أن تم إدراجها ضمن لائحة المجموعات الإرهابية سنة 2006، لكن النرويج كدولة خارج الاتحاد الأوروبي اتصلت بحماس وبطريقة مفتوحة، وبكل تأكيد هناك عدد من دول الاتحاد الأوروبي اتصلوا "بحماس" لكن بطريقة سرية جدا، وفي مناطق خارج الاتحاد، وذلك تفاديا لإعطاء تبريرات أو تجنبا لوقوع الدول الأعضاء في الحرج.
ووسط هذا التنوع، هنالك أسباب تدفع الاتحاد الأوروبي للاتصال بمجموعات محددة من الإسلاميين المعتدلين، منها محاولة التوصل إلى معلومات دقيقة وموثقة عن أهدافهم، وعن مناظراتهم ونقاشاتهم السياسية، وعن تطلعاتهم وعن كيفية تحليلهم للأحداث الوطنية (...والإقليمية...).
وإذا أخذت بعين الاعتبار الشروح غير الصحيحة التي كان يعطيها الغرب في الماضي عن الاتجاهات السياسية في المنطقة، يمكن الإدراك أن التحليل الأوروبي للأحداث الوطنية والإقليمية في المنطقة العربية، كان ينطلق من معلومات مستقاة بالدرجة الأولى من مصادر نموذجية ومهتمة بالوضع، ولكن أحيانا تكون النتائج غير مطابقة خاصة إذا تعلق الأمر بالإسلاميين.
فالدبلوماسيون يصرون على ضرورة الحوار المباشر مع الإسلاميين المعتدلين لتسهيل الوصول إلى معلومات واقعية حول الحالة السياسية للبلد الذي ينتمون إليه تمهيدا لإيصالها إلى عواصمهم، لأن صورة هذه الجماعات وجماعات أخرى معارضة هي في منطقة تخضع وسائل إعلامها لمراقبة من طرف النظام، بما تعطي صورة غير واضحة وغير كافية عن الأوضاع السياسية والأمنية فيها.
ويلح المحللون الأوروبيون من جانبهم على ضرورة الاتصال بالجماعات الإسلامية ليتمكن الغرب من التأثير إيجابيا على سير الأحداث الوطنية وكي يشجع المسار الديمقراطي فيها، وكذا كي تحسن صورتها، إلا أن هذه الأسباب قلما تشكل دافعا قويا ومهما ليجري الأوروبيون اتصالات مع الجماعات الإسلامية المعتدلة.
لكن من جهة أخرى نجد عددا من الإسلاميين يرفضون الدعوات لزيارة أوروبا أو أي نوع من العروض الأخرى سواء للحوار أو للتعاون خوفا من التدابير القمعية التي قد يعانون منها عند رجوعهم إلى بلدانهم، إذ تتصاعد المخاطر بالنسبة للإسلاميين بعدما يعرف عنهم اتصالهم بالغرب.
وعلى الصعيد الداخلي، نجد زعماء إسلاميين بارزين يعطون الأولوية للحوار مع جمعيات أوروبية غير حكومية لأنها أقل ضررا بالنسبة للأنظمة الحاكمة، وهذا على أمل أن تؤثر هذه الاتصالات مستقبلا على الرأي العام الأوروبي وتجعله في صفها.
يصعب إدراك الخطوط المشتركة بين دول الاتحاد الأوروبي حول موضوع الحوار المباشر مع الجماعات المعارضة بصفة عامة والجماعات الإسلامية بصفة خاصة، والشيء الوحيد الذي اتفقت عليه جميع دول الاتحاد هو تحديد لائحة الأشخاص والجماعات الإرهابية، ويكفي إدراج اسم شخص أو جماعة في هذه اللائحة حتى يصبح الاتصال بها محظورا.
امتلأت الوثائق السياسية للاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة بالنداءات الداعية للدخول في حوار مباشر مع الإسلاميين "المعتدلين" وإشراكهم فيه سواء داخل أوروبا أو خارجها |
وقد امتلأت الوثائق السياسية للاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة بالنداءات الداعية للدخول في حوار مباشر مع الإسلاميين "المعتدلين" وإشراكهم فيه سواء داخل أوروبا أو خارجها، وكذلك دعمهم بهدف وقف جميع أسباب العنف التي تؤدي إلى التطرف، ومن الأمثلة على ذلك ما جاء في إحدى الوثائق وتقول: "يجب علينا أن نتواصل مع الأصوات المعتدلة وأن نتواصل مع منظمات وجماعات المؤمنين المسلمين الذين يرفضون النسخة المشوهة للإسلام مثل تلك التي تقترحها القاعدة و غيرها. يجب علينا ضمان عدم تفاقم الانقسام ...".
مع الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي بدأ إستراتيجيته لمحاربة التطرف بدء من سنة 2005.
فموضوع استيعاب الإسلاميين المعتدلين حاضر في عدد من وثائق الاتحاد الأوروبي إلا أنه مجرد إشارات ضمنية وأحيانا غامضة، والاستثناء الوحيد في هذا الشأن هو قرار البرلمان الأوروبي حول الإصلاح في العالم العربي والذي قدمه الوزير الفرنسي السابق ميشال روكار في مايو/أيار 2007 ، ويتضمن اعترافا مفاده بأن "اعتدال الإسلام يتوقف على قوة السياق المؤسساتي الذي تتطور فيه هذه القوى، وكذا على الفرص التي يقدمها الإسلاميون للتأثير في تطوير السياسات" ويطلب القرار نفسه من أوروبا "تقديم دعم سياسي واضح للمنظمات السياسية التي تعزز الديمقراطية الليبرالية المعتدلة، بما فيها الفاعلين العلمانيين والإسلاميين المعتدلين".
والتنفيذ العملي لهذه المطالب بما فيها فتح الحوار مع الإسلاميين، لا يعتد به من طرف الاتحاد الأوروبي لأن معظم اتصالات الدول الأعضاء مع الجماعات الإسلامية هي اتصالات غير رسمية، وثنائية سرية وتتم بطريقة جد خاصة.
كما أنه ليس هناك من سياسة مشتركة فيما يتعلق بالعلاقات أو بالحوار مع الجماعات الإسلامية المعتدلة، وبنفس الوقت لا يوجد -بالنسبة للتعاون التقني والاقتصادي- نص صريح لدى لاتحاد الأوروبي يحذر من تقديم المساعدة للجماعات الإسلامية، إلا أن المنظمات والجمعيات ذات الميول الإسلامية تبقى دائما مبعدة عن المشاركة الرسمية في برامج المساعدة والتعاون من لدن الاتحاد الأوروبي.
وعلى العموم لا مسار برشلونة ولا السياسة الأوروبية للجوار عززا العلاقات مع الإسلاميين المعتدلين، ولا يرتقب حدوث أي تغيير من دول اتحاد المتوسط بهذا الخصوص.
الصلات البرلمانية مع الإسلاميين
اتخذ البرلمان الأوروبي نهجا مختلفا تماما في تواصله مع الجماعات الإسلامية، لأنه أقل عرضة للحساسيات سواء من قبل دول الاتحاد الأوروبي أو من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ولأن هذه المؤسسة لها تاريخ طويل في علاقاتها مع السياسيين الإسلاميين، حيث تجتمع في العادة الوفود البرلمانية الأوروبية مع نظرائها من الإسلاميين ضمن برامج تبادل الزيارات بين البرلمانيين في كل المنطقة، كما تدعو قرارات البرلمان الأوروبي إلى فتح العلاقات وتطويرها مع المعارضة بما فيهم الإسلاميين المعتدلين.
وبالطبع لا تضم هذه الحوارات الجماعات الإسلامية المعتدلة التي ليس لها ممثلين في البرلمان، لأنه لا يوجد لها أي صفة رسمية يمكن من خلالها الاقتراب من هذه الجماعات وصولا إلى التحاور معها، باعتبار أن الوضعية القانونية أولا وعلاقة هذه الجماعات بالنظام ثانيا وهي الأهم، تحددان درجة الخطر الذي قد تطرحه أية علاقة يباشرها الأوربيون.
عوائق الحوار
ترصد الباحثة كاوش المفارقة السياسية في التعامل الأوروبي مع المنطقة العربية، وتتجلى في التناقض بين ثلاث:
- برامج التنمية من جهة.
- وبرامج الأمن والتجارة من جهة أخرى.
- ومسألة الحفاظ في نفس الوقت على علاقات طيبة مع حكومات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من جهة ثالثة.
أغلب موظفي دول الاتحاد الأوروبي الذين كلفتهم حكوماتهم بإقامة اتصالات مع الاسلاميين، يرون أن لاجدوى من الحوار، خاصة وأنه ينقص من شعبيتهم |
لذا نجد معظم المحاورين الأوروبيين يطلبون عدم الإفصاح عن هويتهم، كما أنهم يظهرون عدم ثقتهم بالمعلومات التي يتلقونها خوفا على مسارهم الوظيفي، كما أن بعضهم يرجع عدم كفاءة الدبلوماسيين الأوروبيين المكلفين بهذه المهمة إلى عدم معرفة أغلبهم باللغة العربية، والتي هي من العوامل التي تقلل من جدوى أى حوار مع الاسلاميين المعتدلين، وهو ما عبر عنه أحد الدبلوماسيين غير الملمين باللغة العربية حتى قال: "لا أدرى ما الجدوى من وجود منصب كالذي أشغله لأن أي حوار لا يوصل إلى أي نتيجة".
المعايير ودورها
إن معايير الحكومات الأوروبية في اختيار محاورين أو شركاء إسلاميين لها قليلة وغير واضحة. والمسألة الوحيدة التي تتفق عليها جميع الحكومات الأوروبية هي لائحة الارهابيين، أما مسألة الحوار فتأتي في الدرجة الثانية.
كما أن لكل منها تقييمها المختلف عن سواها في ما يتعلق بتوصيف "الاعتدال " أو "عدم استعمال العنف"، وكذلك ليس هناك من إجماع حول الاتصال بالفاعلين الاسلاميين المعتدلين خاصة الذين لا يشغلون مناصب رسمية، إذ نجد جميع المحاورين يتعللون بصعوبة الاتصال، كما أن صفة الاعتدال التي يشترطها الاتحاد الأوروبي تجعل المسألة غير ميسرة وهذا عائق في حد ذاته.
مع الإشارة إلى أن مستوى التواصل المسموح به مع الإسلاميين يتعلق بمجموعة من المعايير تتصل بوضعية المجموعة وشرعيتها ومكانتها داخل المؤسسات السياسية، لذا فأغلب الاتصالات المباشرة بين ممثلي حكومات دول الاتحاد الأوروبي والاسلاميين المعتدلين تدور في مناطق تقع "وسط" الطرفين، أي خارج الاتحاد الأوروبي وخارج المنطقة العربية وبطرق غير رسمية، وغالبا في سرية تامة.
وهذه الاتصالات تفتقر إلى: ميزة الاتصال المباشر واستغلال فرص التحاور دون استفزازات أو مشاكل، وهي النقطة التي يركز عليها الدبلوماسيون المكلفون بمهمة الاتصال لأنهم مطالبون دائما بالتحفظ و الدقة لإنجاح اتصالاتهم.
وللتنبيعه فإن المقصود بهذه "الاتصالات" هي تلك التي تكون مع الأطراف المعتدلة غير الممثلة بالبرلمان أو الحكومة، لأن الجماعات الممثلة رسميا يتم الاتصال بها حسب المقاييس والشروط المحددة دوليا.
أخذا بالاعتبار قيمة البحث في موضوع "الحوار المباشر مع الإسلاميين المعتدلين" على مستوى إقليمي، وكذلك قلة استعداد الحكومات الأوروبية لتقديم معلومات دقيقة وواضحة بشأن هذه المسألة يمكن التوصل من خلاله إلى استنتاجات:
- من الجانب الأوروبي نجد توافقا في المبادئ واختلافا في الشروط والأحكام، إذ هناك إحساس مشترك بين الدول الأعضاء للاتحاد الأوروبي بضرورة عدم الاقتصار على إقامة حوار فقط، إنما تجاوز ذلك إلى تأسيس آلية لإقامة "اتصال استراتيجي" أكبر مع الإسلاميين المعتدلين في المنطقة العربية.
إن مستوى الخبرة والنقاش حول الإسلام السياسي لا يزال ضعيفا داخل المؤسسات الحكومية الأوروبية، وهناك الكثير من صانعي السياسات الأوروبية على مستويات عليا لم يجتمعوا بصفة شخصية ولم يتبادلوا قط الرأي مع ممثلين عن أحزاب إسلامية. والتزام هذا الموقف أمر محسوم بالنسبة لهم، لما يمكن أن تجلبه هذه الاتصالات من تأثير سلبي على الناخبين الذين لا يزالوا متأثرين بعامل الخوف من جراء تأثيرات تفجيرات 11 سبتمبر/أيلول، حيث لا يزال هناك –وفي كثير من الأحيان- من يرى كلمة " الإسلام" مرادفة لكلمة "الإرهاب".مستوى الخبرة والنقاش حول الإسلام السياسي لا يزال ضعيفا داخل المؤسسات الحكومية الأوروبية - سياسات دعم الديمقراطية تفتقر إلى المصداقية ما دامت حكومات دول الاتحاد الأوروبي ليست مستعدة لمواجهة نظرائها في المنطقة العربية، بوجوب فتح الحوار المباشر مع الجماعات الإسلامية المعتدلة، وخاصة أن الأخيرة لا تزال تعيش في عزلة خطيرة.
- إن تحقيق السلام والديمقراطية عن طريق الاتصال والحوار والاندماج هو مكمن قوة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، والتساؤل المطروح: لماذا لا يطبق الاتحاد الأوروبي هذه القوة في علاقاته مع الحركات الإسلامية؟ خاصة وأن تطور هذه الحركات و تبنيها للديمقراطية أمر حاسم في تحديد مستقبل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
- الاتحاد الأوروبي مطالب بتغيير سياسته في التعامل مع الإسلاميين المعتدلين وفتح اتصالات معهم وكذا تشجيعهم على ذلك للحؤول دون ضعف مسار الاعتدال فيهم، ولأن أي مسار معاكس لهذا سوف يعزز الانطباع بأن سياسات الاتحاد الأوروبي تجاه الدول العربية هي مجرد سياسة احتواء، سواء للإسلاميين أو للتغيير السياسي في المنطقة.
_______________
* كريستينا كاوش تعمل في برنامج "قضايا ديمقراطية" بمؤسسة فريدي للعلاقات الدولية والحوار الخارجي منذ العام 2004، وكانت سابقا باحثة في "البرامج حول الديمقراطية" بمؤسسة بلترسمان.
(1) يمكن الاطلاع على الورقة الأصلية والمراجع التي اعتمدت عليها، على موقع مؤسسة فريدي للعلاقات الدولية والحوارات الخارجي والمؤرخة بتاريخ 5/2/2009، والمتوفرة باللغتين الإنكليزية والإسبانية، مع الإشارة إلى أن القراءة المنشورة في موقع مركز الجزيرة للدراسات قد اعتمدت على النص الإسباني لغة مؤسسة فريدي الأساسية.
(2) الندوة حملت عنوان "الإسلام السياسي وسياسة الجوار للإتحاد الأوروبي"وقد عقدت في مدينة أشبيلية الأندلسية يومي 24 و25 نوفمبر/تشرين الثاني 2006، وشارك في إعدادها وتنظيمها ثلاث مؤسسات: أولها، (مركز الدراسات السياسية الأوروبية) (CEPS) ، الذي يتّـخذ من بروكسل مقرا له. وثانيها، "مؤسسة العلاقات الدولية والحوار الخارجي (فريدي) مقرها مدريد. وأخيرا، منظمة إسبانية تسمى (مؤسسة الثقافات الثلاث لدول حوض المتوسط).