مستقبل الأوضاع في السودان (1)

تعرض السودان لتدخلات خارجية من قبل دول ومؤسسات غربية إضافة إلى نشاط محموم من قبل إسرائيل والمنظمات الموالية لها في الغرب التي تولت تلفيق الحقائق والمعلومات، واستخدمت هذه الأطراف أزمة جنوب السودان وقضية دارفور لفرض العقوبات على الحكومة السودانية ولمحاصرتها أو لإسقاطها.







ياسر أبو حسن


تعرض السودان لتدخلات خارجية من قبل دول ومؤسسات غربية إضافة إلى نشاط محموم من قبل إسرائيل والمنظمات الموالية لها في الغرب التي تولت تلفيق الحقائق والمعلومات، واستخدمت هذه الأطراف أزمة جنوب السودان وقضية دارفور لفرض العقوبات على الحكومة السودانية ولمحاصرتها أو لإسقاطها.





السودان في الفكر الإستراتيجي الإسرائيلي مجموعة عرقيات وأقليات تختلف فيما بينها. وانطلاقاً من هذه النظرة اتخذت إسرائيل من السودان حقلاً لتطبيق إستراتيجيتها المعروفة بـ (شد الأطراف ثم بترها).
وفي إطار الاستهداف الخارجي الأمريكي والإسرائيلي كشفت تطورات الأحداث وتصاعدها في دارفور عن تورط إسرائيل وضلوعها في دعم حركات التمرد بها من خلال القيام بتدريب المتمردين ومدهم بالأسلحة، وإغراق دارفور بالسلاح، حتى أصبحت دارفور مورداً أساسياً للسلاح الإسرائيلي في إفريقيا خلال الفترة الأخيرة، وهو ما يشير إلى الأهمية التي توليها إسرائيل لملف دارفور، وأنه أصبح يمثل مرتكزاً رئيسياً على أجنده الإستراتيجية الإسرائيلية حيال السودان.

وعلى العموم فإن السودان في الفكر الإستراتيجي الإسرائيلي مجموعة عرقيات وأقليات تختلف فيما بينها. وانطلاقاً من هذه النظرة اتخذت إسرائيل من السودان حقلاً لتطبيق إستراتيجيتها المعروفة بـ (شد الأطراف ثم بترها) والتي يتلخص مضمونها في إقامة علاقات تحالفية مع الجماعات الإثنية والعرقية المحيطة بالدول العربية والموجودة على أطرافها من خلال دعمها وتشجيعها على مناهضة السلطة المركزية، وبالتالي تحقيق الانفصال بهدف تفتيت هذه الدول وتقويضها.


ومن ثم اهتم واضعو هذه الإستراتيجية برصد وملاحظة كل ما يجري في السودان عن طريق إيجاد ركائز إما حول السودان أو داخله، وذلك من خلال دعم حركات التمرد ثم المناداة بالانفصال عن الوطن الأم، وهو ما تعتبره إسرائيل إستراتيجية مهمة لتكريس أمنها واستقرارها.


ولكن في مقابل عامل التصعيد الدولي الذي تتولى مسؤولياته إسرائيل بالدرجة الأولى، هناك جهود لإرساء المصالحة أو لإيجاد الحلول سواء في الجنوب أو في دارفور، وهو ما يحاول هذا التقرير الوقوف عنده في هاتين المنطقتين من خلال إفراد كل منهما بقسم على حدة.


ولهذا فإن هذه التقرير سينشر على قسمين، الأول منه في هذه الصفحة.



*   *   *


القسم الأول:
اتفاقية نيفاشا ومستقبل جنوب السودان


عانى السودان كثيراً من الحرب التي دارت رحاها في جنوبه مع حركات التمرد المسلحة، وقد استمرت تلك الحرب لسنوات طوال قدرت بزهاء خمسين عاماً تضررت مقدرات ومكتسبات البلاد منها بشكل كبير وملحوظ، وقد بذلت الحكومات المتعاقبة على حكم السودان مجهودات مضنية بغية الوصول إلى سلام شامل ودائم ولكن لم توفق في تلك المساعي، فقد نجح نظام مايو إلى حد في إيقاف الحرب عبر اتفاقية أديس أبابا في العام 1972 مع (الأنانيا). ولكن الصراع تجدد بصورة أكثر عنفاً في العام 1983 بقيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة العقيد جون قرنق.


حكومة الإنقاذ واتفاقية نيفاشا
القضايا المؤثرة على شركاء نيفاشا
مقترحات وحلول


حكومة الإنقاذ واتفاقية نيفاشا 


وعندما جاءت ثورة الإنقاذ الوطني إلى السلطة في 1989 وضعت سلام الجنوب في مقدمة سلم أولوياتها، وأقامت العديد من المؤتمرات، وأجرت الكثير من الجولات التفاوضية المتعددة مع الحركة الشعبية في الكثير من المدن الأفريقية مع مواصلة جنباً إلى جنب العمل العسكري والجهادى.


وبعد سنوات من التفاوض بين حكومة الإنقاذ والحركة الشعبية تحت مظلة دول الإيقاد الإفريقية ومشاركة عدد من الدول الغربية توصل الطرفان إلى اتفاقية السلام الشامل التي وقعت في نيفاشا (نيروبي) في التاسع من يناير/ كانون الثاني 2005. وتمثل الاتفاقية كسباً غير مسبوق لأهل الجنوب لأنها منحتهم فوق ما كانوا يتطلعون إليه في ظل كل الحكومات السابقة.


وتتمثل أهم معالم الاتفاقية في إعطاء أهل الجنوب حق تقرير المصير بنهاية الفترة الانتقالية في 2011، وتمكين الحركة الشعبية من السيطرة تماماً على إدارة الولايات الجنوبية أثناء الفترة الانتقالية (2005-2011)، ومشاركة أبناء الجنوب في الحكومة الاتحادية بنسبة 28%، وفي ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق الشماليتين بنسبة 45% لأن بعض أبنائها كانوا قد حاربوا مع الحركة الشعبية، إضافةً إلى احتفاظ الحركة الشعبية بمليشياتها المقاتلة إبان الفترة الانتقالية وخروج القوات المسلحة من حدود جنوب السودان، كما أعطتهم فرصة اقتسام عائدات البترول من الحقول الموجودة في الجنوب مناصفة بين حكومة الجنوب والحكومة المركزية، واستثناء الجنوب من تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية وكذلك أبناء الجنوب غير المسلمين في العاصمة القومية، وترسيم الحدود بين الشمال والجنوب.


وقد حظيت اتفاقية نيفاشا بتأييدٍ كبيرٍ من كل القوى السياسية في الشمال والجنوب رغم أنها كانت ثنائية بين المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم) والحركة الشعبية، وتم اقتسام السلطة على المستوى الاتحادي والإقليمي والولائي لمصلحة الحزبين. ولعل السبب في ذلك التأييد هو إيقاف الحرب الدامية بين الشمال والجنوب، وأن الاتفاقية كانت شاملة لكافة القضايا المتنازع عليها بين طرفي الوطن.





في مقابل عامل التصعيد الدولي الذي تتولى مسؤولياته إسرائيل بالدرجة الأولى، هناك جهود لإرساء المصالحة أو لإيجاد الحلول سواء في الجنوب أو في دارفور.
وفى خلال ثلاث سنوات من عمر الاتفاقية فقد تم تنفيذ معظم بنود الاتفاقية مثل: صدور الدستور الانتقالي، وتكوين الحكومة الاتحادية المشتركة، وتكوين الحكومة الإقليمية وحكومات الولايات، واقتسام عائدات البترول، وانسحاب القوات المسلحة من الجنوب، وإجراء التعداد السكاني الذي تتم على أساسه معرفة أوزان الأقاليم وما تستحقه من تمثيل في البرلمان، وصدور قانون الانتخابات، وتكوين معظم المفوضيات التي نصت عليها الاتفاقية، وترسيم الحدود الذي أوشك على الانتهاء، وتعيين العديد من الجنوبيين في جهاز الأمن الوطني وأجهزة الخدمة المدنية، واستصدار عملة وطنية جديدة تعبر عن الهوية الجديدة، وتشكيل المحكمة الدستورية، وإشراك منسوبي الحركة في الحكومات الولائية في الشمال.

وقد أصبح أمر تنفيذ الاتفاقية عبر السنوات القليلة الماضية محلاً لتبادل الاتهامات بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني بعدم الجدية في تنفيذ بنودها، وكان من الواضح أن الحركة الشعبية تأثرت إلى درجة كبيرة برحيل زعيمها جون قرنق الذي كان يتمتع بكاريزما غير متوفرة لدى أي قيادي بالحركة، الأمر الذي أدى إلى تعدد الأصوات المتناقضة والمختلفة داخل الحركة حيال مختلف القضايا، ولم يكن باستطاعة رئيس الحركة سلفاكير ضبط القيادات بموجهات محددة.


وقد لجأت الحركة الشعبية إلى الانسحاب من الحكومة الاتحادية في أكتوبر/ تشرين الأول 2007 احتجاجاً على ما أسمته تباطؤ المؤتمر الوطني في إنفاذ الاتفاقية، واشتكى المؤتمر الوطني بدوره من مصادرة حكومة الجنوب للسلطات الاتحادية في الإقليم مثل: سلطات الجمارك على الحدود والطيران المدني وخدمات الاتصال والاعتداء على مباني فروع الجامعات المؤسسات الإسلامية، وغير ذلك من الانتهاكات.


القضايا المؤثر على شركاء نيفاشا 


وهناك العديد من القضايا التي ستؤثر على علاقة الشريكين وفي تعاطيهما مع مجمل القضايا الماثلة وتتمثل تلك القضايا في الآتي:


1- نتائج التعداد السكاني
شككت "الحركة الشعبية لتحرير السودان" في صحة نتائج التعداد الرسمي للسكان وهو يعد الخامس من نوعه منذ استقلال السودان عام 1956 والذي أعلنته الحكومة المركزية مؤخراً، ومن خلاله يتحدد تبعاً له نصيب الجنوب من السلطة والثروة وتحديد الدوائر الجغرافية للانتخابات المقبلة.


يرجع اهتمام الحركة الشعبية بنتائج التعداد إلى أنه بموجب اتفاق نيفاشا للسلام الذي وقعته الحكومة مع الحركة لإنهاء التمرد في جنوب البلاد عام 2005، فإن أي إشارة تدل على أن الجنوب يشكل أقل من ثلث إجمالي التعداد السكاني للسودان سيؤدي إلى مراجعة نسبة ما ستحصل عليه الحكومة الإقليمية التي تتزعمها الحركة في الجنوب من السلطة والثروة وخاصة النفط، كما سيلعب شكل الخريطة السياسية والدينية والقبلية للسكان والتي سيرسمها الإحصاء دوراً مهما في تقرير مصير جنوب السودان فيما يخص استمرار وحدته مع الشمال أو الانفصال في استفتاء 2011. وكذلك سيحدد الإحصاء والتعداد الدوائر الانتخابية لأول انتخابات رئاسية وتشريعية سيجريها السودان في ظل حكومة الوحدة الوطنية، والمزمع إجراؤها في أبريل/نيسان 2010.


وقد أشار سياسيون جنوبيون إلى أنهم سيرفضون أي تعداد يظهر أن هناك أقل من 15 مليون جنوبي من إجمالي تعداد السكان، وفى تطور سياسي متجدد أعلنت الحركة أنها لن تقبل أي إجراء انتخابي يتم وفقاً للتعداد السكاني المرفوض أصلاً من قبل الحركة، إشارة لتوزيع الدوائر الجغرافية والتي من خلالها تكون مقاعد البرلمان، ويعد هذا التطور بمثابة شكوك تفضي إلي أن الحركة تسعى لعرقلة الانتخابات القادمة.


إن تحفظات الحركة الشعبية ومفوضية التعداد التابعة لها حيال نتائج التعداد لم تكن مقنعة، فشهادات الخبراء الأجانب بمن فيهم أولئك الذين قدموا من الدنمارك والهند وجنوب أفريقيا وفرنسا والأمم المتحدة وغيرها من الدول الأخرى، وكذلك المجموعة العالمية الاستشارية ومقرها باريس والتي شهدت كذلك بصحة التعداد، وشهادة كبير المستشارين بلجنة المراقبة مستر(بالي ليهوهلا) الخبير العالمي الذي يعمل مديراً لجهاز الإحصاء في جنوب إفريقيا والذي قال: "إن التعداد في السودان كان ناجحاً بل هو النجاح بعينه"، وأوصى بأن تُعمم التجربة السودانية بكثافة حتى يستفيد منها الآخرون خاصة البلدان التي تعاني من صراعات أو الخارجة من النزاعات. كذلك لم تجد تحفظات الحركة تأييداً من مجموعة العمل الفنية ولا من المانحين السبعة ولا صندوق الأمم المتحدة للسكان ولا لجنة المراقبة والمتابعة القومية ولا من خبرائها في السودان.


2- الانتخابات



معطيات الواقع الآن تشير إلى عدم تهيؤ أطراف اللعبة السياسية فعلياً وجدياً للدخول في تنافس سياسي حقيقي يؤدي إلى فرض واقع سياسي جديد معافى يخرج البلاد من دائرة الاضطراب إلى دائرة الاستقرار.
لا جدال في أن قيام الانتخابات في موعدها يعد من استحقاقات اتفاقية السلام الشامل بين (المؤتمر والحركة)، ولكن المهم في نموذج الحالة السودانية هو التفكير مليَّاً في عاقبته النهائية، ذلك أن العبرة ليس بإجرائها فحسب، ولكن بعواقبها ونتائجها التي ستتمخض عنها، ومدى انعكاسها إيجابياً على البلاد حاضراً ومستقبلاً. وهنا يمكن الإشارة إلى أن معطيات الواقع الآن تشير إلى عدم تهيؤ أطراف اللعبة السياسية فعلياً وجدياً للدخول في تنافس سياسي حقيقي يؤدي إلى فرض واقع سياسي جديد معافى يخرج البلاد من دائرة الاضطراب إلى دائرة الاستقرار.

ويرى كثير من المراقبين أن إجراء انتخابات في مثل هذه الظروف والأزمات المعقدة التي تعيشها البلاد سيفضي حتماً إلى الدوران في الحلقة المفرغة ذاتها، ويؤدي أيضا إلى خلق أزمات جديدة قد تستعص على الحل، ومن ثم تتحول الفرصة من نعمة منتظرة تعيد الأمل للسودانيين في أنفسهم وفي بلادهم وتضع حداً لحالة الهوان التي يعيشها الوطن والمواطن في بلد ممزق بالصراعات والحروب الأهلية، إلى نقمة تزيد النار المشتعلة اشتعالاً، وتضيع بذلك آخر الآمال في حدوث التغيير إلى الأفضل، وستحاول بعض القوى الانتهازية إثارة بعض النعرات الجهوية والعنصرية وتوظيفها على نحو ينحرف بالبلاد باتجاه (الصوملة أو العرقنة). وفي هذا السياق ينبغي الاستفادة من تجارب الدول التي تعيش ظروف مشابهة ونتائجها قبل اتخاذ أي موقف بسبب أن الاتفاقية تلزم الطرفين بالوفاء بالالتزامات المقطوعة.


من جانبِ آخر يمر النظام الحزبي السوداني حالياٌ بأسوأ حالاته، وتتساوي في ذلك كل الأحزاب السودانية دون استثناء، وما حالة التشرذم والانقسام التي طالت كل الأحزاب الآن إلا دليل على مدى التخلف الذي يعتري بنية الأحزاب نفسها وعجزها عن النمو والتطور ومواكبة متطلبات التحول الديمقراطي، والحركة الشعبية ليست استثناء في هذا الشأن، فهي تحذر من عدم قيام الانتخابات في موعدها وتؤكد جاهزيتها لخوضها ولكنها في الواقع ليست جاهزة ولا تعنيها الانتخابات في كثير، بل هي تتبنى الاتجاه المعاكس دوماً وبمحفزات خارجية ووعود بالوقوف إلى جانبها دوماً، خاصة بعد علم بعض قادتها بالقناعات التي تشكلت لدى كثير من الخبراء والمراقبين وقطاعات مقدرة من الرأي العام السوداني من أن البيئة السودانية الحالية ليست مهيأة لقيام انتخابات في ظل تفاقم مشكلة دارفور وفي تقبّل نتائجها أيضاً، إضافةً إلى موقف السودان من المحكمة والجنائية الدولية والمساومات التي قد تطرح بهدف الوصول إلى صفقة مع القوى الدولية الفاعلة مع توقع لكافة السيناريوهات المحتملة. وترى الحركة الشعبية أن تلك الشواغل وغيرها قد تخدم إلى حدٍ بعيدٍ خطها وتضعف إلى درجة مؤثرة سائر القوى الشمالية الأخرى.


3- قانون الاستفتاء
ينص دستور السودان الانتقالي لسنة 2005 بخصوص الاستفتاء لجنوب السودان على الآتي:



  • تصدر الهيئة التشريعية القومية (المجلس الوطني ومجلس الولايات) قانون اسـتفتاء جنـوب السـودان في بـداية السـنة الثالثة للفترة الانتقالية،أي في يوليو/تموز 2007.
  • تنشئ رئاسة الجمهورية مفوضية استفتاء جنوب السودان.
  • يجري الاستفتاء قبل ستة أشهر من نهاية الفترة الانتقالية أي يناير/كانون الثاني 2011، بإشراف دولي تنظمه مفوضية الاستفتاء بالتعاون مع الحكومة القومية وحكومة جنوب السودان.

وفي ظل هذه الأسس الدستورية تسعى الحركة الشعبية لتحقيق إستراتيجيتها عن طريق المقترحات التالية:



  1. تعيين مفوضية الاستفتاء بواسطة رئيس الجمهورية وموافقة النائب الأول (وليس فقط بالتشاور معه).
  2. أن يكون عدد أعضاء المفوضية تسعة (5 من الجنوب و4 من الشمال).
  3. أن يكون رئيس المفوضية جنوبياً ونائبه شمالياً.
  4. أن يكون للمفوضية فرع في الجنوب مسؤول عن المكاتب الولائية (أي أن يدير عملية الاستفتاء في الولايات الجنوبية العشر).
  5. أن يكون التسجيل والاقتراع للناخبين في الجنوب مما يعني سفر الجنوبي الذي يعيش في الشمال إلى الجنوب ليسجل هناك، ويسافر مرة أخرى للتصويت! وأن من يحق له التصويت هو من يولد من أبوين جنوبيين أو أحدهما، أو ينحدر جده أو جدته من القبائل الأصيلة في جنوب السودان، أو أن يكون هو أو أحد والديه مستوطناً في الجنوب منذ الأول من يناير/كانون الثاني 1956. وقد برزت أثناء المفاوضات تعديلات جديدة أكثر تشدداً من هذا النص المضمن في دستور جنوب السودان. وترى الحركة أن يكون الاقتراع في صندوقين مختلفين يحمل أحدهما رمزاً للوحدة والآخر رمزاً للانفصال، وأن يحرس عملية الاقتراع جنود من الجيش الشعبي، وأن يتم ترجيح الوحدة أو الانفصال بالأغلبية البسيطة ولو كانت 51% مقابل 49%.




يبدو تشدد المؤتمر الوطني إزاء الوحدة في اقتراحه أن تكون نسبة المسجلين للاستفتاء تبلغ 75% من عدد الجنوبيين المؤهلين للتصويت، وأن لا تقل نسبة المقترعين في الاستفتاء عن 75%، وأن يرجح الانفصال في حال التصويت له بنسبة 75%، أما ترجيح الوحدة فلا يحتاج إلى أكثر من 51%.
واقترح المؤتمر الوطني من جانبه أن يكون أعضاء المفوضية 15 عضواً يعينهم الرئيس بالتشاور مع النائب الأول، وأن تكون الرئاسة مشتركة بين الشريكين مثل الحال في مفوضية مراجعة الدستور، وأن يكون التسجيل والاقتراع في كل الأماكن التي يوجد بها جنوبيون داخل السودان، وأن الجنوبي هو من ولد لأبوين جنوبيين أو لأحدهما، وينتمي للجماعات الأهلية المستوطنة في جنوب السودان والمقيم في الجنوب منذ أول يناير/كانون الثاني 1956، وأن يكون التصويت في صندوق واحد بنعم أو لا للوحدة، أو على رمزين للوحدة والانفصال، وأن تكون الحراسة للقوات المدمجة والمشتركة.

ويبدو تشدد المؤتمر الوطني إزاء الوحدة في اقتراحه أن تكون نسبة المسجلين للاستفتاء تبلغ 75% من عدد الجنوبيين المؤهلين للتصويت، وأن لا تقل نسبة المقترعين في الاستفتاء عن 75%، وأن يرجح الانفصال في حال التصويت له بنسبة 75%، أما ترجيح الوحدة فلا يحتاج إلى أكثر من 51%.


وقد صرّح باقان أمومِ الأمين العام للحركة الشعبية: "بأنه إذا تعذر علينا الوصول إلى اتفاق حول قانون الاستفتاء فإن الحركة الشعبية مستعدة لإعلان الانفصال من داخل برلمان الجنوب، ولنا سابقة في برلمان السودان عام 1955 حين أعلن استقلال البلاد دون إجراء الاستفتاء الذي نصّت عليه اتفاقية الحكم الذاتي".


وهناك إجماع على أن مثل هذا الانفصال لو حدث ستترتب عليه عواقب وخيمة لأنه يجعل الطرف الحكومي في حلٍ من استكمال تنفيذ اتفاقية السلام الشامل، وهناك قضايا شائكة معلقة ستكون محل مواجهة وصراع قد تؤدي إلى حرب جديدة (الحدود، البترول، مياه النيل، الجنسية، ديون السودان، أصول حكومة السودان، الوحدات العسكرية المدمجة، المشاورة الشعبية للنيل الأزرق وجنوب كردفان، قانون الأمن الوطني، قانون الصحافة والمطبوعات، حقوق غير المسلمين في العاصمة القومية).


لذلك يوصى بأن يقبل الطرفان بمفوضية الانتخابات الحالية التي يترأسها مولانا "أبيل ألير" لإجراء استفتاء الجنوب، وأن يجرى الاستفتاء للجنوبيين في كل أنحاء السودان، وأن يكون تنظيم العملية في الولايات الجنوبية بواسطة لجان مشتركة تكونها المفوضية، وأن يكون التصويت في صندوق واحد برمزين مختلفين للوحدة والانفصال وأن تتولى القوات المدمجة حماية وتأمين عملية الاستفتاء، وأن تتولى مؤسسات دولية الإشراف على الاستفتاء بمراقبة القوى السياسية والمنظمات المدنية السودانية، وأن تكون نسبة ترجيح الانفصال 60% أو أكثر من المقترعين، والوحدة بنسبة51% فقط، على أن تكون نسبة المسجلين والمقترعين في حدود 50% لكل منهما.


4- ترسيم الحدود
تضمّن أتفاق نيفاشا على ضرورة ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب، وفى هذا الإطار يرى المؤتمر الوطني أن هذا الأمر يجري على قدم وساق وفق ما وضعته الاتفاقية، فإن عامل الزمن هو الحاسم الأساسي لتحقيق هذا الهدف، بينما ترى الحركة الشعبية (كالعادة) أن هناك تلكؤ من المؤتمر في تنفيذ بنود اتفاقية السلام بما في ذلك ترسيم الحدود.


5- الانقسامات في الحركة الشعبية
بدأت الحركة الشعبية تعانى كغيرها من التنظيمات السياسية السودانية من ظاهرة الانقسام والتشظي، ولعل عدوى الانقسام انتقلت إليها كنتاج طبيعي للوضع السياسي والاجتماعي والقبلي في السودان. وما إعلان دكتور لام أكول لحزبه الجديد إلا دليل وخير شاهد على ذلك، فانقسام الحزب الجديد يعزي لاعتبارات قبلية ومصلحيه وأخرى ترتبط بالصراعات الداخلية في الحركة الشعبية حول القيادة وامتلاك السلطة.


وبعد إعلان حزب لام أكول الجديد وظهوره في الساحة السياسية، اتهمت الحركة الشعبية المؤتمر الوطني أنه وراء انقسام الحركة وتفتيتها من أجل إضعافها، ومن جهة أخرى فإن المؤتمر الوطني نفى إدعاء الحركة وأعتبره إدعاء لا أساس له في أرض الواقع.


6- المواجهات القبلية في الجنوب
يعرف جنوب السودان بأنه متعدد القبائل ومتباين الأعراق والإثنيات، فرغم أن الحركة الشعبية هي المسيطر الحكومي على أرض الجنوب، والحركة نفسها مسيطرة عليها قبيلة الدينكا، فإن هذا الوضع يفرز استياء وتضجر عام لقبائل الجنوب الأخرى التي ترى نفسها مهمشة من قبل الحركة (أي الدينكا) كما ترى نفسها خارج اللعبة السياسية في خضم سيطرة الحركة والدينكا على السلطة والثروة، وبالتالي فإن الصراعات والنزاعات ستكون هي المسيطر على الجو العام السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الجنوب.


7- قضية أبيي



ضمان استقرار وأمن الجنوب هو ذاته ضمان واستقرار الشمال، والذي يأتي عبر سودان موحد قائم على أساس العدل والمساواة والاحترام الحقيقي للتعدد الديني والثقافي والعرقي والابتعاد نهائياً عما يعكر صفو هذه الرؤية.
كان التعايش السلمي هو الوضع السائد في أبيي منذ زمن طويل حتى اتفاقية نيفاشا، وكانت قبيلتا المسيرية ودينكا نقوك وهما أكبر القبائل الموجودة في أبيي تعيشان في سلام ووئام دون أي صراع تاريخي، وبعد تفجر النفط في المنطقة أصبح التوتر والاضطراب يزداد شيئاً فشيئاً، فأصبحت الحركة الشعبية تدعم قبيلة الدينكا وتقوي من موقفها وبالمقابل وقفت الحكومة بجانب المسيرية.

ورغم إن اتفاقية نيفاشا كانت قد حددت موقفها تجاه أبيي من خلال بروتوكولات خاصة، إلا أن الحكومة السودانية رفضت توصيات لجنة الخبراء الخاصة بأبيي واتهمتها بأنها تجاوزت تفويضها في القضية، لكنها وافقت على تحويل القضية إلى محكمة العدل الدولية التي فصلت فيها في 22 يوليو/تموز 2009، وقضت بتقسيم المنطقة بين طرفي النزاع بشكل أوجد رضا الطرفين في وقت كانت التحذيرات تنساب من أن الصراع فيها سيتجدد ولا يمكن حسمه في الوقت القريب، وبعد قرار المحكمة تبقى على شريكي الحكم تنفيذ قراراتها بالسرعة المطلوبة وبذلك يكون ملف أبيي قد عولج بطريقة مرضية للطرفين ما لم تظهر مستجدات أخري تعكّر صفو المنطقة مستقبلاً.


8- البعد الدولي
يمثل البعد الدولي أحد المؤثرات الرئيسية في علاقة الشريكين (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية)، ونسبةً للتدخلات الأجنبية المكثفة في شئون البلاد الداخلية بتطويل أمد الحرب في الجنوب، أصبحت المنظمات تفرز إيحاءاتها السالبة على أرض السودان، كما كانت للدول الكبرى دور كبير في تأجيج أوار الصراع وذلك بدعم حركة التمرد بالسلاح والعتاد والتدريب، كما كان الانحياز الواضح لصف الحركة من قبل أميركا وبريطانيا وفرنسا وهولندا والنرويج والدنمارك، أما إسرائيل فدورها أخطر لأنها تعمل بطريقة سرية تحت ستار المنظمات التي تبث السم القاتل والمتمثل في تدفق السلاح وإثارة النعرات العنصرية ومحاولة إزاحة العنصر العربي من الجنوب السوداني في إطار عمل مكثف لتنفيذ إستراتيجيتها المعروفة بـ (شد الأطراف ثم بترها).


9- قضية الوحدة والانفصال
تبدو قيادة الحركة الشعبية منقسمة بين مؤيد للوحدة ومؤيد للانفصال، وتتلخص حجج الانفصاليين في أنه مهما كسب الجنوب من الاتفاقية سيظل الجنوبيون أقلية في مجتمع عربي إسلامي، وأن تطلع أهل الشمال لتطبيق الشريعة الإسلامية يجعل الجنوبي غير المسلم مواطناً من الدرجة الثانية، حيث لم تكن هناك قواسم مشتركة بين أهل الشـمال والجنوب سوى الحدود الجغرافية التي وضعها الاستعمار البريطاني، هذا إضافةً إلى التفاوت التعليمي والاقتصادي الذي يجعل الشقة كبيرة بين الشمال المتقدم والجنوب المتخلف.


ومن الناحية الأخرى فإن دعاة الوحدة يرون أنه نسبةً لضعف البنيات التحتية في الجنوب وقلة الكوادر المهنية والإدارية فإن الشمال يمكن أن يلعب دوراً إيجابياً في تشييد البنيات التحتية وتوفير الكوادر التي يحتاجها الجنوب وهم أعرف بالجنوب من دول الجوار الأفريقية الأخرى، إضافةً إلى أن الجنوب مقسم أيضاً إلى قبائل عديدة تختلف في لغاتها وعاداتها وأديانها وسبل كسب عيشها ودائماً ما تحدث بينها مشاحنات ومنازعات، لذا فإن ارتباطها بالشمال يشكل لها قدراً من الوحدة كما حدث ذلك منذ الاستقلال. فالانفصال عن الشمال قد يقود إلى دعوات انفصالية أخري بين مناطق الجنوب الثلاث، كذلك فإن الانفصال لا يخلو من مخاطر النزاع والحرب على الحدود مع الشمال.


ومن المؤكد أن انفصال الجنوب -لو حدث- سيفتح الباب على مصراعيه لمناطق مثل: جبال النوبة وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق ودارفور لكي تطالب بحقها في إقامة دولة لذاتها أو على الأقل ليكون هناك نظام للحكم كونفيدرالي. فالسودان لا يتحمل الانفصال فهو يعاني من تفتيت واحتقانات في معظم أجزائه، لذلك يجب على القوى السياسية أن تتدخل وتفتح حواراً حول استحقاقات الوحدة، وهناك إجماع على أن الانفصال سيرمي بظلال سالبة على الجنوب والشمال، فالجسم الجنوبي به وهن وضعف ناتج عن الحروب والجوع والفقر، والانفصال سيدخل الجنوب في دوامة حروب قبلية وأهلية جديدة، ولن يكون الجنوب تلك الدولة المستقرة الهانئة كما يتصور البعض.


ومن ثم فإن ضمان استقرار وأمن الجنوب هو ذاته ضمان واستقرار الشمال، والذي يأتي عبر سودان موحد قائم على أساس العدل والمساواة والاحترام الحقيقي للتعدد الديني والثقافي والعرقي والابتعاد نهائياً عما يعكر صفو هذه الرؤية.


وترجح الكفة حتى الآن لمصلحة الانفصال بين القواعد في الجنوب وذلك لأسباب تاريخية ونفسية ومصلحيه، ولكن القيادات الجنوبية قد تكون أقرب للحفاظ على الوحدة. وإذا ما حزمت الحركة الشعبية أمرها ونزلت بثقلها مع خيار الوحدة كما نادى بذلك زعيم الحركة والنائب الأول لرئيس الجمهورية سلفاكير ميارديت في مؤتمر الحوار الجنوبي الذي عقد في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2008، فإن خيار الوحدة سيكون هو الراجح عند الاستفتاء بحكم سيطرة الحركة التامة على مقاليد الأمور في الجنوب.


مقترحات وحلول 


ومن كل ما ذكر أخلص إلى الاقتراحات الآتية:






  1. وترجح الكفة حتى الآن لمصلحة الانفصال بين القواعد في الجنوب وذلك لأسباب تاريخية ونفسية ومصلحيه، ولكن القيادات الجنوبية قد تكون أقرب للحفاظ على الوحدة.
    تمديد أجل سريان الاتفاقية بالإبقاء على الالتزامات المنصوص عليها مع إعادة النظر في الآجال الموضوعة للترتيبات وتنفيذ البنود، ونخص في ذلك الأجل الموضوع للانتخابات للاستفتاء.


  2. تأجيل الانتخابات لمدة كافية أخرى تعكف خلالها القوى السياسية لدراسة النُظم والترتيبات الكفيلة بتحقيق الاستقرار والنجاح والعدالة في الحكم. على أن تتم هذه الدراسات والترتيبات وفق جدولة زمنية معقولة تكفل دقة وفاعلية الدراسات، كما تكفل جدية وحقوق الأطراف المختلفة وحمايتهم من التباطؤ والتلكؤ في إنفاذ المطلوبات.


  3. تأجيل الاستفتاء لمدة كافية وطويلة يتم خلالها إشاعة ثقافة السلام والتعايش في تأنٍ وصبر، باعتبار أنه هدف يصلح به حال الطرفين اندماجاً أو انفصالاً، وتطبيق اتفاق نيفاشا وإعطائه الفرصة كي يبرز خيراته وانعكاساته الايجابية على السودان ومواطنيه،  ولإتاحة الفرصة للداعين إلى الوحدة أن يعلنوا عن دعوتهم، وللداعين للانفصال كي يقدموا مبرراتهم وحججهم، ومن حق الشعب السوداني في الشمال و الجنوب أن يعرف الخيارات المتاحة أمامه والداعين إليها.


  4. الاستمرار في هذا الوضع القائم تحت ظل حكومة الوحدة الوطنية، والسعي لتوسيعها لتكون أكثر شمولاً وإرضاء للألوان السياسية المختلفة في البلاد.


  5. الإسراع في تنفيذ اتفاقية السلام في كل بنودها عدا (الانتخابات والاستفتاء). مع السعي الجاد لتحسين جوانبها ومعالجة القصور فيها، وتلمس ما أفرزته التجربة والواقع، واستكمال نظم وترتيبات الانتخابات والاستفتاء.


  6. استكمال البناء السياسي والدفع به للأمام، والإسراع في دفع عمليات التنمية في الجنوب والشمال والغرب والشرق السوداني وذلك بدعم مشاريع التنمية وتوعية المواطنين.


  7. يمكن توقيع اتفاقية خاصة بين الشريكين استناداً على قوة ودستورية اتفاقية نيفاشا لتحديد مدى زمني جديد ومستقبلي، لا تؤثر عليه ضغوط الحرب ولا ضغوط الحكم والسياسة، لتنفيذ عمليتي الانتخابات والاستفتاء، وإقناع المجتمع الدولي بقبول الطرفين بهذه الخطوة لتحقيق مصالح ومكاسب البلاد العليا.

______________
باحث وكاتب سوداني


المصادر والمراجع
1. عبد الرحمن أرباب، مشكلة أبيي: رصد وتحليل لمسار مشكلة أبيي بعد تقرير لجنة الخبراء، الطبعة الأولى، الخرطوم: مركز الراصد للدراسات السياسية والاستراتيجية، 2008م.
2. المركز السوداني للخدمات الصحفية، بتاريخ 7مايو 2009م.
3. نشرة "كنعان" الالكترونية، السنة التاسعة، العدد 1996م.
4. صحيفة الصحافة السودانية، بتاريخ 20 يونيو 2009م.
5. الرابط،http://www.sudanile.com، 24 يونيو 2009م.
6. المنتدى الدوري لمركز الراصد للدراسات السياسية والاستراتيجية، بتاريخ 1 يوليو 2009م.
7. صحيفة الانتباهة، بتاريخ 23 يونيو2009م.
8. الرابط، Sudaneseonline.com، بتاريخ 26 يونيو 2009م.
9. صحيفة الوفاق السودانية، بتاريخ 29 يونيو2009م.
10. صحيفة الصحافة السودانية، بتاريخ 29 يونيو2009.
11. صحيفة الصحافة السودانية، بتاريخ 28 يونيو2009م
12. صحيفة الانتباهة السودانية، بتاريخ 29 يونيو 2009م.
13. صحيفة الرائد السودانية، بتاريخ 29 يونيو2009م.
14. الرابط، http://www.aljazeera.net، 4 مايو 2008م
15. صحيفة الرأي العام السودانية، بتاريخ 1سبتمبر2009م العدد4287.
16. صحيفة أخبار اليوم السودانية، بتاريخ 1سبتمبر2009م العدد 12534.