عودة صراع المحاور إلى منطقة المغرب العربي

إن العودة القوية للمحاور أرجعت المنطقة المغاربية سنوات إلى الوراء، بعدما بدا أنها زالت مع الحرب الباردة. وأذكى هذا الاستقطابُ العائد الصراعات بين الجيران؛ فتسارعت جهود التسلح وكثرت الأحلاف العسكرية مع القوى الكبرى، بذريعة تآمر الجار وخوض الحرب على الإرهاب.







 

رشيد خشانة


لا تزال منطقة المغرب العربي تعاني من صراع محاور، طرفاه الجزائر والمغرب، وقد أصبح شبيها بذاك الذي كان بينهما في مرحلة الحرب الباردة، لكن في سياق جديد تطغى عليه عناوين الحرب على الإرهاب.





لا تزال منطقة المغرب العربي تعاني من صراع محاور، طرفاه الجزائر والمغرب، وقد أصبح شبيها بذاك الذي كان بينهما في مرحلة الحرب الباردة، لكن في سياق جديد تطغى عليه عناوين الحرب على الإرهاب.
فتح هذا النوع الجديد من الصراع بين البلدين الرئيسين، الأبواب للقوى الدولية المهتمة بثروات المنطقة -وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا- لتعزيز نفوذها الإستراتيجي، وتكثيف حضورها العسكري في المنطقة. وفي أعقاب اجتماعات سياسية وعسكرية وأمنية رفيعة المستوى استطاعت الجزائر تشكيل محور إقليمي ضم كلا من ليبيا وموريتانيا ومالي والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو، بالإضافة للجزائر.

وأسفرت الاجتماعات المكثفة بين رؤساء الأركان في البلدان السبعة عن تشكيل قوة تدخل مشتركة، لمكافحة "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي". وتم في هذا السياق تشكيل لجنة أركان لقيادة العمليات المشتركة بين الجزائر ومالي وموريتانيا والنيجر مقرها في مدينة تمنراست جنوب الجزائر، وهي تُعنى بالتنسيق الاستخباراتي والمعلوماتي في محاربة الإرهاب، والجريمة المنظمة، وشبكات تهريب السلاح، وخطف السيّاح الأجانب في المنطقة.


رسميًا أتى تبلور هذا التحالف الجديد ردًّا على تصعيد عمليات خطف الرهائن الغربيين وترحيلهم إلى منطقة الساحل والصحراء، التي تبدو ملاذًا آمنًا للجماعات المسلحة، ما حمل البلدان المعنية على تكثيف جهودها من أجل محاولة القضاء عليها عسكريًا. هذا، وقد سجل المراقبون تراجعًا واضحًا في عمليات الفرع الجزائري لـ"القاعدة" في المحافظات الجزائرية بسبب تضييق الخناق على عناصره في الفترة الأخيرة. ولم تقتصر عمليات الخطف هذه على المواطنين الغربيين، وإنما شملت أيضًا مواطنين سعوديين اعتادوا على التوغل في المناطق الصحراوية -خاصة الجزائرية والتونسية- في فصل الخريف لصيد الحبارى وأصناف من الغزلان، وتصل قوافلهم إلى شمال مالي والنيجر. وقد تعرضت هذا العام قافلة مؤلَّفة من ثلاث سيارات رباعية الدفع كان يستقلها صيادون سعوديون ومرافقوهم إلى هجوم في غرب النيجر، كشفت التحقيقات الجنائية أنه كان من عمل عصابات تهريب تتعامل مع تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي".


وكان الهدف تسليمهم لهذا التنظيم مقابل عمولة كبيرة كي يستطيع المساومة بهم كرهائن من أجل تحصيل فدية تساعده على تمويل عملياته. لكن الهجوم انتهى بمجزرة راح ضحيتها السعوديون الأربعة ومرافقوهم الذين كانوا مسلحين واشتبكوا مع خاطفيهم. وأرسلت الحكومة السعودية لاحقا بعثة تحقيق إلى النيجر لاستجلاء ظروف مقتل مواطنيها، لكن لم يُعلن حتى الآن عن النتائج التي توصلت لها.


الأبعاد الإستراتيجية
سباق التسلح المغاربي
الغرب وشبح "القاعدة"


الأبعاد الإستراتيجية 


لكن من الواضح أن الجزائر هي عرَّاب هذا الحلف الذي أوجد محورا مغاربيًا-صحراويًا جديدًا يضم ثلاثة بلدان مغاربية وأربعة صحراوية. ويبدو أن الدول المشاركة قد سلمت لها بدورها القيادي في بناء هذا المحور الذي أقصى كلا من المغرب وتونس. كما أن الحلف تجاوز ليبيا أيضًا وهي التي كانت وراء إنشاء "تجمع دول الساحل والصحراء" عام 1998، وإن حرص الجزائريون على إشراكها في جميع المراحل التي أدت إلى تبلوره.


غير أن وزير الدولة الجزائري للشؤون المغاربية والإفريقية "عبد القادر مساهل" عزا -في تصريحات صحفية- استبعاد المغرب إلى أنه ليس بلدا مطلا على الصحراء الكبرى. وبالمقابل شددت وجهة النظر المغربية -مثلما عبر عنها وزير الخارجية "الطيب الفاسي الفهري" في كلمة ألقاها في ندوة حول الأمن الأوربي المتوسطي في الرباط، بعد أيام قليلة من اجتماع الجزائر- على "ترابط الأمن في شمال إفريقيا". ووصف الأوضاع في المنطقة المغاربية بأنها تشكل "أخطارًا متقاطعة"، مؤكدًا أنه "لا يمكن التضحية بالقضايا الأمنية تحت طائلة أفكار سياسية مسبقة أو حسابات تكتيكية"، في إشارة إلى الخلافات التقليدية بين المغرب والجزائر حول الصحراء.


ولم يُعلق "مساهل" على تغييب تونس التي لم يورد إعلامُها أية كلمة عن تبلور الحلف الجديد. أما ليبيا التي كانت مشغولة برئاستها الدورية للقمة العربية، وإعدادها لاستضافة قمة إفريقية في الخريف المقبل، فاكتفت بالمشاركة في جميع الاجتماعات، لكنها لم تُنازع الجزائر على قيادة المبادرة. ويمكن تفسير هذا التفهم المتبادل بأن الجزائر هي التي تخوض حربًا مفتوحة مع تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، بينما استطاعت ليبيا تفكيك التنظيمات المسلحة لديها باعتقال قياداتها، ثم فتح حوارات معها انتهت بتخليها عن استخدام العنف.





وصفت السلطات المغربية مناوراتها المشتركة مع الأميركيين بكونها "رهانًا إستراتيجيًا للمغرب أمنيًا وعسكريًا" في إطار مشاركتها مع دول الساحل في محاربة القاعدة والجريمة المنظمة.
وأعقب هذه المبادرة قيام المغرب بعد أكثر من شهرين بمناورات عسكرية ثنائية مع الولايات المتحدة -والتي اعتبرها بعض المراقبين، ردًّا مغربيًا على الخطوة الجزائرية- أُجريت في ثلاث مدن مغربية هي طانطان والقنيطرة وتارودانت. وبحسب الجانب المغربي فإن المناورات التي أُطلق عليها اسم "الأسد الإفريقي" كانت تهدف إلى "تعزيز التنسيق والتعاون بين قوات البلدين، والتفاهم المشترك على التقنيات العسكرية والإجراءات المتبعة في كل بلد". ونُقل عن السفارة الأميركية في الرباط قولها: "إن المناورات العسكرية تتخذ أشكالاً متعدّدة للتكوين العسكري، بما فيها زعامة القيادة العسكرية، والتدريبات الخاصة باستعمال الأسلحة النارية، وعمليات حفظ السلام، والتزود بالوقود جوًّا، والتدريب على التحليق بالطائرات على علو منخفض". وعبَّرت الجزائر عن قلقها علنًا من تلك المناورات التي رأت فيها تحديًا لها من الرباط، تزامنًا مع عودة التصريحات والتصريحات المضادة بين مسؤولي البلدين، على خلفية الصراع على الصحراء المستمر منذ عام 1974.

مع ذلك يظهر من التصريحات التي أطلقها مسؤولون في الرباط والجزائر أن هناك خطرًا مشتركًا يواجهه كل طرف بمفرده، وهو المتمثل في التنظيمات المسلحة وفي مقدمتها فرع "القاعدة" الإقليمي؛ فمثلما أكد قائد أركان الجيش الجزائري الفريق "أحمد قايد صالح"، لدى افتتاحه اجتماع قادة جيوش الدول السبع، أن التعاون العسكري والتنسيق الأمني هو الرهان الإستراتيجي لتلك الدول للقضاء على "الإرهاب"، وملاحقة تنظيم "القاعدة". وقد وصفت السلطات المغربية مناوراتها المشتركة مع الأميركيين بكونها "رهانًا إستراتيجيًا للمغرب أمنيًا وعسكريًا" في إطار مشاركتها مع دول الساحل في محاربة القاعدة والجريمة المنظمة. ويدل هذا التطابق في الأهداف على حاجة الطرفين إلى وضع إستراتيجية موحدة لمكافحة التهديدات المشتركة؛ وذلك استنادًا إلى إحصاءات جمعتها أجهزة أمنية أوربية تُقدِّر عدد العناصر المسلحة المتمركزة في منطقة الساحل بـ 200 عنصر، وهي مكلفة بتقديم الدعم المادي لتنظيم "القاعدة" في الشمال، "من خلال ريع أموال الفديات التي يتم جنيها من عمليات اختطاف السياح الأجانب، علاوة على الأموال التي يتم جنيها من العمليات الإجرامية بالتنسيق مع عصابات الإجرام في منطقة الساحل الصحراوي" على امتداد شمال مالي والحدود المتاخمة لموريتانيا وبوركينا فاسو والنيجر. ثم تتم الاستفادة منها في تمويل التنظيم في منطقة الشمال، في ظل قدرة الأجهزة الأمنية على تجفيف منابعه، بعدما نجحت في تفكيك أغلب شبكات الدعم والإسناد، وفي وقت اتسم بتراجع عدد كبير من المتعاطفين مع التنظيم عن مساندته، في أعقاب الإدانات التي صدرت عن بعض العلماء لهذه النشاطات.


لكن واشنطن هي التي بدت المستفيد الأول من المناكفة الجزائرية المغربية؛ إذ حرصت على الإبقاء على علاقات جيدة مع البلدين المتخاصمين؛ فأيدت اجتماع قادة جيوش دول الساحل في العاصمة الجزائرية لوضع الإستراتيجية الأمنية الخاصة بالمنطقة، وأطلقت في الوقت نفسه مناورات مشتركة مع المغرب. وفي هذا الإطار أوردت بعض الصحف المغربية أن المناورات التي شارك فيها نحو 850 جنديًا أميركيًا، ترمي من بين ما ترمي إليه، إلى إحباط "المحاولات الدؤوبة للجزائر للالتفاف على الدور المحوري الذي أضحى المغرب يلعبه في العلاقة مع الحلف الأطلسي والقيادة العسكرية الإفريقية أفريكوم؛ وذلك من خلال سعي الجزائر إلى إقصائه من التنسيق الجديد بين عدد من دول غرب إفريقيا". وقررت واشنطن مضاعفة قيمة المساعدات العسكرية للمغرب من 6,3 مليون دولار إلى 9 ملايين، لتطوير إمكانات الجيش الملكي الذي يتنافس مع الجيش الجزائري، عِلمًا أن هذا الأخير يحتل المرتبة الثانية في إفريقيا من حيث التجهيز والتقنية.


غير أن إجراء مناورات ثنائية لم يقتصر على المغرب؛ إذ سبق أن أجرت قوات بحرية جزائرية مناورات دامت ثلاثة أيام في مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2009 بميناء الجزائر العاصمة، ثم في عرض البحر مع قوات أميركية. وشاركت المدمرة قاذفة الصواريخ الأميركية "أرلاي بارك دي.دي.جي-51" في المناورات، التي ركزت خصوصًا على الأمن البحري وكل ما هو مرتبط بالهجرة السرية، وتهريب المخدرات، والصيد غير الشرعي، ومكافحة القرصنة. وأُضيفت تلك المناورات إلى سلسلة المناورات المشتركة التي يجريها دوريًا جيشا البلدين في مختلف الاختصاصات العسكرية، خاصة بعدما زودت الولايات المتحدة الجزائر بمعدات وتجهيزات عسكرية حديثة، ورفعت الحظر الذي كانت تضربه عليها.


ومن هذه الزاوية، يمكن القول: إن هذا النوع من المناورات من أية جهة جاء -مع الولايات المتحدة الأميركية- يكرِّس في الواقع مسار إغراق المنطقة في تحالفات خارجية، ويفتح الأبواب أمام مزيد من التدخلات الأجنبية على حساب التفاهم والتعاون بين الجيران.


سباق التسلح المغاربي 





يتفق محللون عرب وأوربيون على أن "الهزيمة التي تعرضت لها القاعدة في كل من العراق وأفغانستان جعلت هذا التنظيم يبحث عن ملاذ آخر يُمكِّنه من تنفيذ مخططاته".
وتزامن الدور الإقليمي الذي تسعى الجزائر لأن تلعبه في منطقة الساحل والصحراء مع تنامي نزعة التسلح؛ فقد عاد تدفق الأسلحة الروسية بشكل كرَّس تجاوز ما يُعرَف بـ "أزمة الأسلحة الفاسدة" عندما أعادت الجزائر سربًا من الطائرات المقاتلة لموسكو بسبب مخالفات تقنية. وكانت الجزائر وروسيا قد وقّعتا خلال زيارة بوتين للجزائر عام 2006، على صفقة بقيمة إجمالية قدرها 6.3 بليون دولار مخصصة لشراء الأسلحة، وخُصص من هذه الصفقة مبلغ 3.5 بليون دولار لاقتناء الطائرات الحربية.

وفي المقابل، وافقت روسيا على مسح الديون الجزائرية المتراكمة منذ عهد الاتحاد السوفياتي. وتسلمت الجزائر أيضًا في الفترة الأخيرة تجهيزات وأسلحة متطورة لتكثيف حربها على الجماعات المرتبطة بـ"القاعدة"، بما فيها قاذفات ودبابات وأنظمة روسية مضادة للطائرات. كما أعلنت وكالة الأنباء الروسية "إنترفاكس" أن موسكو ستشرع في تسليم الجزائر 38 نظامًا مضادًا للطائرات من نوع "بانتسير إس 1" خلال الفترة ما بين 2010 و2011، في إطار تكملة العقد الذي تم التوصل إليه بين الدولتين خلال زيارة بوتين للجزائر في 2006.


كما كثفت الجزائر في الوقت نفسه التعاون العسكري مع فرنسا على رغم توتر العلاقات السياسية؛ إذ أُجريت في مارس/آذار الماضي في تولون مناورة ثنائية للمراقبة والأمن البحريين في غرب البحر المتوسط، بمشاركة قوات بحرية فرنسية وجزائرية، لكي تُستكمل المناورة في سواحل العاصمة الجزائرية. واندرجت المناورة في إطار اتفاق التعاون والصداقة في المجال الدفاعي الموقَّع بين الجانبين في 21 يونيو/حزيران 2008، ووسعت الجزائر هذا التعاون بإضافة أميركا بسبب حاجتها الأكيدة للتكنولوجيات الأميركية المتطورة مثل الطائرات بدون طيار، ومناظير الرؤية الليلية، ومعدّات أخرى ذات فاعلية في الحرب غير التقليدية، التي تشنها قواتها على الجماعات المسلحة في مناطق شديدة الوعورة، تتسم بتنوع التضاريس من غابات وجبال وصحاري. كما أعلن وزير الخارجية "مراد مدلسي" خلال زيارته الأخيرة لواشنطن أن التعاون العسكري يشمل حاليًا تكوين الموارد البشرية وتبادل المعلومات.


ويدل هذا الاهتمام الذي تُبديه القوى الغربية الرئيسية بتوثيق العلاقات الأمنية والعسكرية مع بلدان المنطقة، وخاصة الجزائر والمغرب، على أن الأمر لا يقتصر على البعد الثنائي، وإنما هو يعكس رؤيتها الإستراتيجية للمنطقة التي تُركز على  تزايد حجم الثروات النفطية والغازية والمنجمية التي يتم اكتشافها تباعًا في المنطقة الممتدة من تشاد شرقًا إلى موريتانيا غربًا. لكن هذا لا يعني التقليل من مركزية مكافحة الإرهاب في الإستراتيجيتين: الأميركية والأوربية؛ إذ تؤكد التقارير الأوربية على أن "القاعدة تحاول تركيز وجودها في منطقة الصحراء الكبرى والساحل الإفريقي"، للقيام بعمليات إرهابية تستهدف المصالح الغربية في المنطقة. ويتفق محللون عرب وأوربيون على أن "الهزيمة التي تعرضت لها القاعدة في كل من العراق وأفغانستان جعلت هذا التنظيم يبحث عن ملاذ آخر يُمكِّنه من تنفيذ مخططاته".


يرجحون أن هذا التنظيم "يراهن على منطقة جنوب الصحراء الكبرى باعتبارها المنطقة الأقرب إلى أوربا"، كما أنها تتسم بتضاريسها الوعرة والشاسعة مما يجعل من الصعب بمكان فرض القانون فيها بشكل تام.


الغرب وشبح "القاعدة" 


وتُبدي العواصم الأوربية مخاوف عميقة من محاولة التنظيم نقل عملياته إلى أوروبا عن "طريق الاستفادة من بعض المجنَّدين الذين يعيشون في البلدان الأوروبية والذين ينحدرون من أصول مغاربية".


ونقلت صحيفة الفاينانشيال تايمز بهذا الشأن -في عددها الصادر في 27 أبريل/نيسان الماضي- عن "جان لوي بروغيير"، منسق الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة في شؤون مكافحة الإرهاب، قوله: "إن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" هو التهديد الأكبر لفرنسا، التي تُعد موطن إقامة جالية جزائرية كبيرة". ومن هذه الزاوية يمكن تفسير المناورات السنوية الكبرى التي تشارك فيها قوات من 15 بلدًا إفريقيًا وأوربيًا بإشراف القيادة الأميركية لإفريقيا المعروفة بـ"أفريكوم". وقد انطلقت تلك المناورات من واغادوغو في الثالث من مايو/أيار لتستمر ثلاثة أسابيع، ثم تنتقل من بوركينا فاسو إلى السنغال فمالي ثم موريتانيا فتشاد فالنيجر لتُختتَم في المغرب.





تُبدي العواصم الأوربية مخاوف عميقة من محاولة التنظيم نقل عملياته إلى أوروبا عن "طريق الاستفادة من بعض المجنَّدين الذين يعيشون في البلدان الأوروبية والذين ينحدرون من أصول مغاربية".
وشارك في المناورات التي تتكرر كل سنة منذ 2005 والتي أُطلق عليها "فلينتلوك 10" نسبة إلى سنة 2010، 1200 عسكري بينهم 600 من القوات الخاصة الأميركية و400 من تسعة بلدان إفريقية (الجزائر وتونس والمغرب وبوركينا فاسو والسنغال ومالي وموريتانيا وتشاد والنيجر)، و150 من خمسة بلدان أوربية (فرنسا وأسبانيا وبريطانيا وهولندا وبلجيكا). وترمي المناورات رسميًا إلى القضاء على "القاعدة"، والتهريب المنظم عبر الحدود بمختلف أنواعه، سواء الهجرة غير الشرعية أو الأسلحة أو السلع، لكن هذه المناورات تندرج في إطار الأهداف التي من أجلها أُنشئت القيادة الأميركية لإفريقيا "أفريكوم" أو Afric Command  في 2007 والمتفرعة من القيادة المركزية للقوات الأميركية في أوربا. وترمي هذه القيادة -التي يوجد مقرها في شتوتغارت بألمانيا- إلى تطوير "مكافحة الإرهاب" في القارة الإفريقية بتعزيز التنسيق الاستخباراتي والعسكري مع 53 دولة إفريقية، وتنظيم تدريبات دورية لقواتها على عمليات حفظ السلام والاستقرار، ومدها بالمساعدات العسكرية والطبية. وقد حاول الأميركيون نقل مقر هذه القيادة إلى الجزائر أو لاغوس، إلا أن مساعيهم أخفقت.

قصارى القول: إن العودة القوية للمحاور أرجعت المنطقة المغاربية سنوات إلى الوراء، بعدما بدا أنها زالت مع الحرب الباردة. وأذكى هذا الاستقطابُ العائد الصراعات بين الجيران؛ فتسارعت جهود التسلح وتكثفت المناورات مع القوات الأجنبية، على نحو وضع أمن الدول والاستقرار الإقليمي في خطر. وتُبرِّر كل دولة تكديس السلاح، وعقد أحلاف عسكرية مع القوى الكبرى بتآمر الجار عليها، أو بخوضها حربًا على ما تُسميه إرهابًا. وتستثمر الدول الكبرى -وخاصة أميركا وفرنسا- هذا العداء لتوسيع نفوذها الاقتصادي والسياسي، وتعزيز انتشارها العسكري في المنطقة. فهي تُعلن دائما أنها ترغب بعودة الوئام وتكريس التكامل الاقتصادي بين دول اتحاد المغرب العربي، لكنها –في الواقع- مستفيدة من الانقسام الذي يجعلها تنفرد بكل بلد على حدة، وتبتز منه مواقف لا يمكن أن تحصل عليها من نفس الدول لو كانت موحدة.


أكثر من ذلك، عطّلت هذه الأجواء المشحونة مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مع تصاعد الإنفاق العسكري واستمرار غلق الحدود المغربية-الجزائرية. وبرزت الجزائر وليبيا باعتبارهما البلدين الأكثر إنفاقًا على التسلح، بدعوى أنهما مستهدفتان من قوى خارجية، بينما أصبحتا في الواقع متحالفتين معها. ونتيجة لإهدار الإمكانات المالية الكبيرة في صفقات سلاح لا تتناسب مع الحاجات الدفاعية الحقيقية، واستمرار الانقسامات والتناحر، تخسر البلدان المغاربية نقطتين من معدلات النمو كل سنة، ما يعني خسارة 200 ألف فرصة عمل سنويًا.


كما أن التفكك بين اقتصاداتها ظل يتفاقم ويزيد من تبعيتها لأوربا؛ إذ إن حجم مبادلاتها البينية يتراوح بين 3 و7 %، بينما يبلغ متوسط حجم المبادلات مع أوربا 70 %. وفي الوقت الذي يوجد فيه ما لا يقل عن 3 ملايين عاطل عن العمل في البلدان المغاربية، لا تُقدم الحكومات حلولاً للأزمات الاجتماعية، وتستعيض عن ذلك بتضخيم الخطر الآتي من الجيران لتبرير تكديس السلاح من الشرق والغرب، وفرض قيود على الحريات، وعقد أحلاف مع الخارج، على حساب السيادة والتضامن بين الأشقاء.
_______________
كاتب ومحلل تونسي

نبذة عن الكاتب