كثير من الإحباط الذي يشعر به المتابعون لسياسات الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما بعد قضائه عامه الأول في الحكم نابع -في تقديري- من فصلهم سياسات أوباما عن سياقها الواقعي عند تحليلها.
فسياسات أوباما تبدو أكثر منطقية، وربما أكثر نجاحا، لو تناولناها -كما نبرهن خلال هذا التقرير- ضمن السياق الذي حدده أوباما لنفسه والذي تفرضه البيئة السياسية في واشنطن وحول العالم.
السياق الأول: الحزب الديمقراطي
السياق الثاني: أميركا اليمينية
السياق الثالث: أوباما والبحث عن "وسط اليسار"
السياق الرابع: الظروف الدولية والانحسار الأميركي
السياق الخامس: أسلوب صناعة القرار
سادسا: مبادئ أوباما
سابعا: في نقد اليسار واليمين لسياسات أوباما
ثامنا: تبريرات مؤيدو أوباما
خاتمة: حدود وسطية أوباما
سنوات حكم بوش كانت بمثابة امتداد لعقود من هيمنة الجمهوريين على السياسة الأميركية عقودا سيطروا فيها على واشنطن والإعلام والناخبين الأميركيين. |
التيار المحافظ رفض التغيير السريع، لاسيما على طريقة ناخبي الحزب الجدد، والذين تبنوا أجندة "اليسار الجديد" المعادية للحروب، والمؤيدة للأقليات والمهاجرين والأفارقة الأميركيين والعمال والفقراء، وهي أجندة ليبرالية باقتدار، جذابة براقة، مثلها مثل بعض أجزاء خطاب أوباما في الوقت الراهن، ولكنها أفكار لا يجمع عليها السياسيون الأميركيون، وخاصة نخبهم، لذا عجز "اليسار الجديد" عن الدفع بأي من قادته السياسيين إلى سدة الحكم في أميركا حتى الآن (3).
أما محافظو الحزب الديمقراطي فظلوا في صراع مع جناحه "اليساري الجديد" منذ ذلك الحين فخسروا السلطة فيما عدا أربع سنوات تولى فيها جيمي كارتر الحكم في أواخر السبعينيات، ثم وصلوا مرة أخرى إلى الحكم في عام 1992 مع بيل كلينتون، والذي فاز بولاية ثانية، ولكنه مال إلى اليمين في فترة حكمه لدرجة أزعجت كثيرا من الديمقراطيين (4).
ونتيجة لذلك، خسر آل جور - نائب كلينتون- أمام المرشح الجمهوري قليل الخبرة والحيلة جورج دبليو بوش في انتخابات عام 2000 الرئاسية (5)، ليقود بوش بعد توليه الحكم فترة مد جمهوري جديدة، ولمدة ثماني سنوات أهدر خلالها موارد أميركا بشكل غير مسبوق، مما دفع البعض إلى تسمية فترة حكمه "بالعقد الأميركي المفقود" أو ببداية انحسار الإمبراطورية الأميركية (6).
سنوات حكم بوش كانت بمثابة امتداد لعقود من هيمنة الجمهوريين على السياسة الأميركية عقودا سيطروا فيها على واشنطن والإعلام والناخبين الأميركيين.
في هذه الظروف ظهر أوباما، وهو يدرك أنه مرشح في بلد مال إلى اليمين كثيرا، وأن قوى اليمين في أميركا مازالت نافذة، وأن غضب الأميركيين على حروب بوش وعلى الأزمة الاقتصادية دفعهم إلى اليسار إلى حين، وأن أميركا مازالت يمينية سياسيا إلى حد كبير، فحتى صعود الديمقراطيين سياسيا منذ عام 2006 ارتبط بالتفافهم وراء عدد لا بأس به من "الديمقراطيين المحافظين" (7)، الذين جمعوا بين أجندة محافظة على المستويات الأخلاقية وربما على مستويات داخلية عديدة وبين أخرى خارجية رافضة لحروب بوش، وإن لم تكن رافضة للحرب في حد ذاتها.
لذا حذر بعض المتابعين قادة الحزب الديمقراطي من الغرور أو الزهو بانتصاراتهم في انتخابات 2006 و2008 (8).
فأميركا -وفقا لهؤلاء- تبدو في الآونة الأخيرة متقلبة المزاج بصورة واضحة، فقد أعطت الجمهوريين السيطرة على البيت الأبيض وعلى الكونجرس بمجلسيه في عام 2002 ونزعتها منهم خلال ست سنوات فقط، لتمنح النصر للديمقراطيين في المؤسسات الثلاثة السابقة مجتمعة في عام 2008.
كما أن مشكلات أميركا الكبرى وعلى رأسها الأزمة الاقتصادية، قد تدفع الأميركيين للاحتماء بمفاهيم كالدين والوطنية والانعزالية ومن ثم اليمين (9).
لذا، ومنذ البداية تبنى أوباما نفسه أجندة مالت إلى "الوسط" أو إلى "وسط اليسار" الأميركي، وهي أجندة عبر عنها بوضوح خلال حملته الانتخابية.
أجندة أوباما "الوسطية" نالت إعجاب كثير من الديمقراطيين لأنها كانت بمثابة الأمل في أن يمتلكوا "وسط" السياسة الأميركية من جديد. فالديمقراطيون أدركوا جيدا أن بقاءهم في الحكم لا يتوقف على رضا قواعدهم الجماهيرية الليبرالية بقدر ما هو مرهون بالقدرة على سحب البساط من تحت أقدام الجمهوريين.
لذا ظل الديمقراطيون يمنون أنفسهم بوجه ديمقراطي جديد مثل أوباما يتبنى أجندة تجمع بين اليمين واليسار (10). وجه جديد، لا يحمل إرث الماضي وصراعاته، سياسي يمكن أن يعيد الديمقراطيين إلى موقع حزب الأغلبية من جديد، ويغير صورتهم إلى صورة الحزب الوسطي القادر على حماية أميركا، وإيجاد حلول عملية لمشاكلها المختلفة.
ويبدو أن أوباما كان الفارس المنتظر، فهو وجه جديد غير معروف، ويتبنى خطابا براقا يجمع بين تناقضات السياسة الأميركية المختلفة، وهو ليبرالي يدافع عن حقوق الشواذ، ولكنه في نفس الوقت متدين لا يجد غضاضة في الحديث عن تدينه، وهو أسود من أم بيضاء يتحدث عن المصالحة العرقية، وهو معارض لحرب العراق ولا يعارض الحروب في حد ذاتها (11).
الأفكار السابقة كانت رسالة أوباما منذ البداية، فرغبة أوباما "المثالية" في تخطي تناقضات السياسة الأميركية، كان بمثابة سعي حثيث وواع لتوسيع خيمة الديمقراطيين السياسية وتمكينهم من إعادة السيطرة على وسط السياسة الأميركية من جديد (12).
الظروف الدولية والانحسار الأميركي
الأزمة الاقتصادية الدولية الأخيرة ألحقت ضررا بالغا بالأساس الاقتصادي للقوة الأميركية، وأسرعت بعملية انحسار النفوذ الأميركي العام بشكل غير متوقع. |
والواضح هنا أن الأزمة الاقتصادية الدولية الأخيرة ألحقت ضررا بالغا بالأساس الاقتصادي للقوة الأميركية، وأسرعت بعملية انحسار النفوذ الأميركي العام بشكل غير متوقع، وذلك لأن الأزمة الاقتصادية أفقدت ثروة أميركا كدولة وشعب ترليونات الدولارات التي تبخرت مع الأزمة، وأثقلت ميزانيتها بالديون، وحدت من قدرتها على الإنفاق، وزعزعت ثقة العالم في عملتها (14).
نتيجة لما سبق، تراجعت الدعامة الاقتصادية للقوة الأميركية، واضطرت الدول الغربية إلى إفساح المجال أمام قوى جديدة صاعدة لقيادة العالم اقتصاديا وعلى رأسها الصين والهند والبرازيل، وتحولت قيادة النظام الاقتصادي العالمي من مجموعة الثمانية إلى مجموعة العشرين (15).
على المستوى السياسي أثبتت حروب بوش الصعوبة الكبيرة التي يواجهها الجيش الأميركي في الفوز بحروب خارج أرضه، كما كشفت أيضا عن عيوب خطيرة في التخطيط والرؤية والقدرة على خوض الحروب الطويلة.
وبالطبع تضرر نفوذ أميركا السياسي إلى حد كبير نتيجة لما سبق، فقد بدت أميركا في نهاية حكم بوش سيئة السمعة والصورة جماهيريا على الأقل، كما تبدو حاليا أكثر احتياجا لدعم القوى الكبرى مثل الصين وروسيا في التعامل مع إيران وكوريا الشمالية، وأكثر اعتمادا على دول حلف الناتو في التعامل مع أفغانستان.
وأخطر من ذلك، تشير استطلاعات الرأي الأميركية إلى ارتفاع غير مسبوق في نزعة العزلة الدولية لدى الشعب الأميركي لدرجة تفوق شعور الأميركيين بالعزلة والانكفاء على الداخل خلال حرب فيتنام (16).
في ظل الظروف السابقة بدت مهمة أوباما في علاج مشاكل أميركا أصعب بكثير، فعلى عكس كلينتون، تولي أوباما حكم أميركا في فترة كساد وانحسار وانكسار، وبات على أوباما القيام بمهمة صعبة للغاية، فعليه الظهور بمظهر القوي في ظل موارد أقل، وعليه تحسين صورة أميركا في العالم دون الظهور بصورة الضعيف.
هذا يعني أن أوباما مقيد في حركته، وأن عليه القبول ببعض السياسات البرجماتية التي تفرضها عليه محدودية موارد أميركا من ناحية ورغبته في الحفاظ على هيبتها ونفوها من ناحية أخرى.
في ظل السياقات الأربعة السابقة، رأي البعض أن فوز أوباما في الانتخابات كان بمثابة ثورة بلا ثوار (17)، فأوباما فاز في انتخابات حملت شعار التغيير، ولكنه سرعان ما أحاط نفسه على مستوى السياسة الخارجية بشخصيات براجماتية وواقعية إن لم تكن صقورية (18).
فنائبه جون بايدن لا يمكن أن يوصف بالثورية، ولا هو وجه جديد أو من دعاة التغيير، فهو براجماتي إلى حد كبير، وجزء من المؤسسة السياسية الأميركية منذ السبعينيات.
وكبير موظفي البيت الأبيض رام إيمانويل أكثر صقورية وتحزبا من بايدن حيث اشتهر بدعمه لحرب العراق وبتحزبه الواضح.
كما احتفظ أوباما بوزير دفاع ولاية بوش الثانية روبرت جايتس، وأعطى وزارة الخارجية لهيلاري كلينتون المعروفة بصقوريتها.
وأحاط نفسه بعدد متزايد من الصقور، مثل ريتشارد هولبروك مبعوث أوباما لأفغانستان، ودينيس روس مستشار الرئيس "للمنطقة الوسطى" بمجلس الأمن القومي، والجنرال السابقة جيمس جونز كمستشار للأمن القومي الأميركي.
وتبدي مقالات نشرت عن صناعة قرار السياسة الخارجية الأميركية في عهد أوباما تعجبها من هذا العدد الكبير من المستشارين والخبراء الكبار الذين أحاط بهم أوباما نفسه في مجال السياسة الخارجية، ورأي البعض أن قبول أوباما بهذا الوضع خطأ ينذر بصدام وصراع هؤلاء السياسيين مع أوباما أو مع بعضهم البعض (19).
ومع ذلك، وبعد مرور عام على حكم أوباما، أبدى كثيرون إعجابهم بأسلوب صناعة القرار الخارجي داخل الإدارة الأميركية، حيث رأي هؤلاء أن أوباما نجح في فرض أسلوبه على الجميع، وأن أوباما ينصت للجميع، وأنه حريص على التعلم، مع حرصه على فهم القضايا المختلفة كما يفهمها مستشاروه ووزراءه الكبار (20).
ويرى هؤلاء أن أوباما نجح إلى حد كبير في صناعة السياسة الخارجية خلال عامه الأول، فلم يعرف العام الماضي صراعات تذكر بين مستشاري أوباما الكبار، كما أنه لم يعرف التسريبات إلا نادرا (21)، كما أن أوباما ظهر بشكل مستمر كصانع قرار قوي وواع، واستطاع الحد من جموح كثير من مستشاريه الكبار مثل هيلاري كلينتون، والتي بدت مستسلمة -إلى حد كبير- في منصبها كوزيرة للخارجية.
في المقابل أبدى فريق أخر استياءهم من أسلوب أوباما السابق، حيث رأى المسؤول السابق في إدارة بوش عن ملف الديمقراطية والشرق الأوسط بمجلس الأمن القومي إليوت إبرامز -وهو أحد أهم رموز المحافظين الجدد - أن أوباما انفرد مع رام إيمانويل ومع مبعوثه لعملية السلام جورج ميتشل بصناعة السياسة الأميركية تجاه عملية السلام في العام الماضي، وبالطبع لم يكن إبرامز راضيا عن تلك السياسة ولا عن أسلوب صناعتها ولا عن دور أوباما (22).
يبدو أوباما أكثر واقعية وبرجماتية في التعامل مع قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، فهو يريد إلزام أميركا بتطبيق تلك المعايير أولا، ومطالبة الآخرين بالالتزام بها ثانيا. |
أولا: أوباما يؤمن باستخدام القوة أو الحرب كخيار أخير، وهو يرى أن الحرب جزء ضروري من التاريخ البشري المفتقد للكمال (24).
ولعل حرب أفغانستان هي نموذج أوباما للحرب العادلة، فهو يرى أنها فرضت على أميركا بعد أحداث 11-9، وذلك على عكس حرب العراق والتي عارضها منذ البداية (25).
ويبدو أوباما هنا متسقا مع وعوده قبل الفوز بالرئاسة الأميركية، حيث عبر عن رغبته في الانسحاب من العراق بشكل نهائي وتدريجي، كما عبر عن رغبته في تحقيق النصر في أفغانستان باعتبارها حرب أميركا الحقيقية ضد القاعدة.
ثانيا: يؤمن أوباما بالعمل الدولي، فهو يهدف إلى تقوية المؤسسات الدولية المختلفة وإلى بناء التحالفات وإلى دعوة دولة العالم المختلفة إلى تحمل مسئولياتها تجاه قضايا عديدة لا تقتصر على الأمن (26).
وتظهر هنا رغبة أوباما في الحوار مع قوى كالصين وروسيا، وفي التعاون الدولي في قضايا المناخ، وفي دعمه لجهود الحد من انتشار الأسلحة النووية.
ثالثا: ينادي أوباما بضرورة فتح الباب بشكل مستمر أمام الخصوم أو النظم المعارضة للسياسات الأميركية من أجل العودة إلى المجتمع الدولي، ويكون ذلك من خلال الدبلوماسية المباشرة مع النظم المعارضة وتجنب الدخول في صراعات مباشرة متعجلة معها، وكذلك من خلال السعي إلى بناء تحالفات دولية لمواجهتها ثم الضغط عليها بوسائل مختلفة كالعقوبات الاقتصادية والسياسية أولا، مع عدم استبعاد الحرب كخيار بديل (27).
وتمثل إيران الخيار الأبرز في هذا السبيل، حيث يقاوم أوباما -كما يرى البعض (28)- الضغوط الرامية إلى الدفع بأميركا في مواجهة مسلحة مع إيران في الوقت الراهن، ويفضل في المقابل الدبلوماسية والردع وبناء التحالفات الدولية وفرض العقوبات تجنبا للحرب.
رابعا: انطلاقا من المبدأ السابق يبدو أوباما أكثر واقعية وبرجماتية في التعامل مع قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، فهو يريد إلزام أميركا بتطبيق تلك المعايير أولا، ومطالبة الآخرين بالالتزام بها ثانيا، وترك الباب مفتوحا أمام الدول الديكتاتورية لتحسين سجلها (29).
في نقد اليسار واليمين لسياسات أوباما
مبادئ أوباما السابقة وتطبيقاتها خلال عامه الأول لم تسلم من نقيد اليمين واليسار على حد سواء.
حيث عارض اليمين الأميركي رسائل أوباما الدبلوماسية إلى إيران وتردده في دعم المعارضة الإيرانية لنتائج الانتخابات الرئاسية (يونيو/حزيران 2009)، كما عارضوا توجهه الدبلوماسي وسعيه لبناء تحالف دولي ضد إيران، ورأوا في ذلك مضيعة للوقت (30).
وعلى المنوال نفسه عارضوا رفض أوباما خطط بوش السابقة لإقامة حائط صاروخي في شرق أوربا (بولندا والتشيك)، ورأوا في ذلك إضعافا لأميركا ولموقفها الإستراتيجي (31).
ورفضوا أيضا لغة أوباما الدبلوماسية نحو الصين وإحجامه عن نقد سجلها الداخلي (32).
كما رفضوا ضغط أوباما على إسرائيل ومطالبته الحكومة الإسرائيلية بوقف المستوطنات، ورأوا أنه ساهم في رفع توقعات عباس والفلسطينيين مما وضع عباس نفسه في موقف حرج، كما أنه لم يفهم طبيعة الأوضاع داخل إسرائيل وصعوبة الضغط على تحالفها الحكومي الهش (33).
وقد رأي اليمينيون في السياسات السابقة خطرا على نفوذ أميركا، وتنازلات غير مبررة، وإضعافا لصورتها في عيون العالم (34).
ورأي بعضهم أن أوباما لا يمتلك منهجا واضحا أو أيدلوجية أو خطة بعيدة المدى، وأن حديثه عن الدبلوماسية والعمل الدولي هو حديث عن أدوات يفتقر لرؤية شاملة، وأنه حديث لم يختبر بجدية خاصة في حالة إيران (35).
أما على اليسار، فقد انتقد الليبراليون أوباما لأسباب مختلفة، وعلى رأسها عدم إغلاقه لمعسكر جوانتانامو، وإرساله مزيدا من الجنود الأميركيين إلى أفغانستان، وإشعاله عجلة الحرب في باكستان، ولتجنبه إثارة قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان في التعامل مع النظم الديكتاتورية حول العالم، ولأن سياسته لم ترتق لمستوى خطابه البراق وبددت أكثر حذرا وترددا (36).
أما مؤيدو أوباما فقد رصدوا الأسباب التالية لتأييده:
أولا: أن أوباما نجح في تغيير خطاب السياسة الخارجية الأميركية إلى حد كبير، وأن هذا النجاح الخطابي هام لأنه غير صورة أميركا في عيون العالم، وغير لهجة الخطاب السياسي داخل واشنطن، ومال كثيرا إلى الجانب الدبلوماسي والدولي، كما ترك تبعات سياسية يصعب إنكارها خاصة على صعيد خفض حدة التنافس والصراع مع قوى كروسيا والصين (37).يُذكر مؤيدو أوباما خصومه بإرثه الثقيل، فهو لم يبدأ حربي أفغانستان والعراق وإنما ورثهما، كما أنه ورث سياسة خارجية مثقلة بالديون وبأعباء الأزمة الاقتصادية في الداخل والخارج.
ثانيا: أوباما واجه ضغوطا كثيرة للتشدد في سياسته ضد روسيا والصين وإيران، وأن أوباما نجح في مواجهة تلك الضغوط ورفض الدفع في بلاده في مواجهات أخرى وخاصة في مواجهة عسكرية ضد إيران (38).
ثالثا: أوباما يصنع قراره الخارجي بحكمة وتريث، ويصبر، ويستمع للآخرين، كما يبحث عن طرق وسط (39)، ويضرب هؤلاء بقرار إرسال مزيد من القوات الأميركية إلى أفغانستان نموذجا على الأسلوب الجديد لصناعة السياسة الخارجية الأميركية في عهد أوباما، حيث استغرق أوباما فترة طويلة في اتخاذ القرار، وحرص على سماع أراء مختلف مستشاريه، ورفض الضغوط المفروضة عليه من قبل الجمهوريين لاتخاذ قرار سريع ومتشدد (40).
رابعا: يرى مؤيدو أوباما أن الظروف الدولية لم تسعفه، فعلى سبيل المثال تبدو الظروف بالشرق الأوسط أكثر تعقيدا واستعصاء، فالفلسطينيون منقسمون بشكل غير مسبوق، وكذلك الإسرائيليون، مما يترك أميركا بلا شريك قوي قادر على اتخاذ قرارات سياسية جريئة تدفع عملية السلام إلى الأمام.
خامسا: يُذكر مؤيدو أوباما خصومه بإرثه الثقيل، فهو لم يبدأ حربي أفغانستان والعراق وإنما ورثهما، كما أنه ورث سياسة خارجية مثقلة بالديون وبأعباء الأزمة الاقتصادية في الداخل والخارج، مما يعني أن اللحظة التاريخية لم تكن مواتية لتغيير كبير في سياسة أميركا (41).
سادسا: يؤكد مساندو أوباما على فكرة أن للسياسات الأميركية تبعات، فالانسحاب الفوري من العراق -والذي يرفضه أوباما- قد يؤدي إلى انهيار النظام السياسي العراقي الهش، والحال نفسه ينطبق على أفغانستان والتي تجاور بلدا نوويا يعاني هو الأخر من عدم الاستقرار السياسي (42).
بقى لنا أن نركز على عدد من الدروس الأساسية المستفادة من تحليلنا السابق:
أولا: يجب النظر إلى أوباما كرئيس ساع لحلول وسط ترضي اليمين واليسار الأميركيين، وهي حلول مفروضة على أوباما لاعتبارات أو قيود داخلية وخارجية عديدة يصعب التخلص منها، كما أنها لن ترضي الجميع، وإن كان يتوقع لها أن تكون أقل صقورية من سياسات اليمين الأميركي، وأقل مثالية من سياسات اليسار (43).
ثانيا: وسطية أوباما هذه لا تعني عدم ارتكابه لأخطاء، أو تغليبه الواقعي على المثالي، ولعل في تراجعه أمام إسرائيل فيما يتعلق بالمستوطنات، واعترافه بهذا التراجع، وقوله أنه لم يكن يدري حجم الصعوبات الخاصة بعمليه السلام، وأنه لم يكن "ليرفع التوقعات" لو علم بحجم "المشاكل السياسية على الطرفين" (44)، مثالا واضحا على تغليب أوباما للاعتبارات البرجماتية الواقعية قصيرة النظر على التغيير الجذري بعيد النظر.يجب النظر إلى أوباما كرئيس ساع لحلول وسط ترضي اليمين واليسار الأميركيين، وهي حلول مفروضة على أوباما لاعتبارات أو قيود داخلية وخارجية عديدة يصعب التخلص منها.
ثالثا: السعي إلى الوسطية عملية صعبة للغاية، فهي عمليه تدريجية طويلة تنذر بنفاذ صبر المعارضين والمؤيدين على حد سواء (45).
كما أن السياسة الأميركية لا تعرف وسطا واحدا، فالوسطية بين اليسار واليمين الأميركيين ليست نقطة واحدة واضحة للجميع يسهل الوصول إليها، بل هي على العكس من ذلك، مساحة متحركة يصعب الإمساك بها، وهذا يعني أن أوباما في مساعيه للوسطية قد يتحرك يمينا أكثر من اللازم كما فعل بيل كلينتون قبله، وهو سيناريو خطير يجب الحذر منه ومراقبته (46).
خاصة أن أمام أوباما تحديات سياسة ضخمة وعلى رأسها التعامل مع إيران وعلاقته بقوى كروسيا والصين وإمكانية فشل الحرب الأميركية في باكستان وأفغانستان وتدهور الأوضاع هناك، وهي ملفات صعبة قد تنذر بفشل الدبلوماسية الأوباماوية وتبني مواقف أكثر تشددا (47).
رابعا: خطاب أوباما يحتوي على قدر كبير من المثالية والأخلاقية، وسياساته لا تخلو من قدر كبير من الواقعية والبرجماتية، والخطر هو أن يستمر أوباما في تقديم تبريرات أخلاقية ومثالية لسياساته المختلفة، حتى لو انزلقت نحو اليمين أو نحو التشدد والصقورية (48).
_______________
باحث سياسي
مصادر
1- Thomas B. Edsall, “The Implosion Of the Democrats; And Why Prospects for a Party Revival Are Bleak,” The Washington Post, 20 Nov 1994, C3.
Daniel Larison, “Battling Over What's Left,” American Conservative, 18 June 2007, Vol. 6, No. 12, 16.
2- Norman Podhoretz, “Life of His Party; How Bill Clinton saved the Democrats,” National Review, 13 Sept 1999, Vol. LI, No. 8.
3- Thomas B. Edsall, “Show of Party Unity Masks Scars of Ideological Battle; Center Wins Day in Democrats' Tug of War,” The Washington Post, 13 July 1992, A1.
Kurt Shillinger, “Democrats' Bugbear: Who Are We, Anyway?,” Christian Science Monitor, 26 August 1996, 1.
4- Leon Hadar, “Symbolic Bow to a New Geo-Political Balance; Obama's Conciliatory Stance is Part of an Effort to Adjust American Position in the Asia-Pac,” The Business Times Singapore, 24 Nov 2009.
5- Peter Beinart, “A Fighting Faith,” The New Republic, 13 Dec 2004, 17.
Larison, “Battling Over What's Left.”
6- Jeffrey Kuhner, “A Decade of Decline” The Washington Times, 1 Jan 2010.
Christopher Layne and Benjamin Schwarz, “After the Pax,” Los Angeles Times, 29 Sept 2009, 25.
Timothy Garton Ash, “Obama's Beijing Balancing Act Points to the New Challenge for the West,” The Guardian, 19 Nov 2009, 31.
7- Michael Lind, “A warning for Democrats?,” Salon.com, 9 June 2009.
8- Michael Lind, “A warning for Democrats?.”
9- Michael Lind, “A warning for Democrats?.”
10- Ken Brociner, “The Left's Identity Crisis,” In These Times, Nov 2007, 38.
11- Sullivan, “The new face of America.”
E. J. Dionne Jr., “Obama’s Eloquent Faith,” The Washington Post, 30 June 2006.
Jonathan Chait, “Obama Nation: Liberating Democrats from the Clinton’s Siege Mentality,” The New Republic, 13 Feb 2008.
12- E.J. Dionne, “Obama's Centre-Left Two-Step; The President's Goal is to Create a Durable Coalition that Excludes Only the Far Right,” The Toronto Star, 26 May 2009, A23.
13- Andrew Sullivan, “America Wakes up to the Shift in Global Power,” The Sunday Times (London), 6 Dec 2009, 21.
14- Peter Goodspeed, “Future Shock; America's Pre-Eminence in World Affairs Fading,” National Post (Canada), 26 Dec 2009, A18.
Christopher and Schwarz, “After the Pax.”
15- Clark Campbell, “Rich Nations Give India and China More Sway in IMF,” The Globe and Mail (Canada), 26 September 2009, A19.
16- Andrew Sullivan, “America Wakes up.”
17- Horace G Campbell, “Obama and the Revolutionary Moment without Revolutionaries: Reflections on the Electoral Victory of Barack Hussein Obama,” The Tennessee Tribune, 22-28 Jan 2009, A5 Vol. 20 No. 4.
18- Paul Richter, “No Sure Things for Obama Advisors; The President Fills out his Foreign Policy Team Largely with Centrists, Overlooking Many Liberal Loyalists,” Los Angeles Times, 11 Feb 2009, A14.
E. J. Dionne Jr., “Obama's Bush Doctrine,” The Washington Post, 28 Nov 2008, A29.
19- Doyle McManus, “Reality and a Team of Rivals, “Los Angeles Times,” 26 July 2009, A33.
Jon Ward, “An 'Empire of Envoys'; Policy Patchwork Confusing, Unclear,” The Washington Times, 25 August 2009.
20- Michael Crowley, “The Decider: Who Runs U.S. Foreign Policy?,” The New Republic, 12 August 2009, 24.
21- Doyle McManus,” Reality and a Team of Rivals.”
22- Elliott Abrams, “All Process, No Peace: The Obama Administration Needs to Press the Reset Button on Its Middle East Diplomacy,” The Weekly Standard, 25 Jan 2010, Vol. 15, No. 18.
23- David E. Sanger, “Obama Embraces 'Just war' Belief; Over 11 Months, Policy has Evolved and Taken on a Much Harder Edge,” The International Herald Tribune, 12 Dec 2009.
24- David Brooks, “Obama’s Foreign Policy: A Cold War Liberal Hones His Doctrine,” The Oregonian, 16 Dec 2009.
E. J. Dionne Jr., “Obama's Bush Doctrine”.
25- David E. Sanger, “Obama Embraces 'Just war' Belief.”
26- David Ignatius, “Testing Obama's Doctrine; Lofty Ideals and Afghan Reality,” The Washington Post, 8 Oct 2009, A29.
Michael Gerson, “Death of a Doctrine; Obama Discovers Engagement's Limits,” The Washington Post, 29 July 2009, A17.
27- Scott Wilson, “Shared Interests Define Obama's World; In Engaging Adversaries, The President Sometimes Unsettles Allies,” The Washington Post, 2 Nov 2009.
Doyle McManus, “The Obama Doctrine Takes Shape,” Guelph Mercury (Ontario, Canada), 15 Dec 2009, A11. 28- Talk of the Nation, “Brzezinski Assesses Obama's Foreign,” National Public Radio (NPR), 14 Dec 2009.
29- Barack Obama, “Remarks by the President at the Acceptance of the Nobel Peace Prize,” 10 Dec 2009, http://www.whitehouse.gov/the-press-office/remarks-president-acceptance….
30- Michael Gerson, “Death of a Doctrine.”
31- Jim Inhofe, “Obama's 'You're on Your Own' Foreign Policy,” The Washington Examiner, 23 Sept 2009.
Frank J. Gaffney Jr., “The Obama Doctrine; Capitulation Sugarcoated With Smart Words,” The Washington Times, 23 Sept 2009, A19.
32- John Pomfret, “U.S. Hopes to Strengthen Ties.”
Timothy Garton Ash, “Obama's Beijing balancing act.”
33- Frank J. Gaffney Jr., “The Obama Doctrine.”
Elliott Abrams, “All Process, No Peace.”
34- Scott Wilson, “Shared Interests Define Obama's World.
35- David Ignatius, “Testing Obama's Doctrine.”
36- Leon Hadar, “Symbolic Bow to a New Geo-Political Balance.”
37- Talk of the Nation, “Brzezinski Assesses Obama's Foreign.”
Doyle McManus, “Reality and a Team of Rivals.”
38- Talk of the Nation, “Brzezinski Assesses Obama's Foreign.”
39- Michael Crowley, “The Decider.”
40- Michael Crowley, “The Decider.”
41- Michael O'Hanlon, “Four Global Crisis Spots; American Decisions Shape Security,” The Washington Times, 5 Jan 2010.
Talk of the Nation, “Brzezinski Assesses Obama's Foreign.”
Andrew Sullivan, “America Wakes up.”
42- Talk of the Nation, “Brzezinski Assesses Obama's Foreign.”
43- Matt Miller, “Obama Wants to Move the Center Left: The President’s Liberal Critics Miss the Bigger Picture,” The Wall Street Journal, 24 Feb 2009.
44- Amy Teibel, “US Envoy Starts Mideast Tour Amid Obama Pessimism,” The Associated Press, 22 Jan 2010.
45- E.J. Dionne, “Obama's Centre-Left Two-Step.”
46- Leon Hadar, “Symbolic Bow to a New Geo-Political Balance.”
47- David E. Sanger, “Obama Embraces 'Just war' Belief.”
Doyle McManus, “The Obama Doctrine Takes Shape.”
48- E.J. Dionne, “Obama's Centre-Left Two-Step.”