في 27 مايو/أيار 2010، تمّ إعلان وثيقة الأمن القومي الأميركي للعام 2010 (National Security Strategy)(*)، وهي الأولى في عهد الرئيس باراك أوباما، والثانية عشرة منذ بدأت الإدارات الأميركية المتعاقبة بإعدادها بموجب قانون (Goldwater-Nichols Act) لعام 1986. وينص القانون على أن تقوم الإدارة الأميركية بإعداد وثيقة للأمن القومي بشكل دوري ليتم رفعها إلى الكونغرس، وترسم فيها الخطوط الرئيسية للمخاوف المتعلقة بالأمن القومي للبلاد، والكيفية التي تخطط بها الإدارة لمواجهة هذه المخاوف.
تتألف وثيقة الأمن القومي الأميركي (NSS) للعام 2010 من 60 صفحة متضمنة التقديم الرئاسي لها، وتتوزع على أربعة محاور تتضمن مقدّمة وخاتمة إضافة إلى بابين تحت عنوان الرؤية الإستراتيجية، وتعزيز المصالح القوميّة.
وفيما يلي قراءة لأهم ما جاء في الوثيقة، موزّعة على المحاور التالية:
- الإطار العالم للوثيقة
- أولويات الأمن القومي الأميركي
- سياسات أميركية متّصلة بالعالم العربي والإسلامي
- ملاحظات أساسية على الوثيقة
يتحدّث الإطار العالم للوثيقة عن البيئة الإستراتيجية التي تتناول وصفا للعالم، وللتحولات الكبيرة التي طرأت عليه بعد الحرب الباردة وخلال العقدين الماضيين تحديدا، وخلقت تحدّيات كبيرة للدول والمؤسسات الدولية خاصة مع بروز اللاعبين غير الحكوميين وتعاظم دورهم، وهو ما انعكس في هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، والتي شكّلت نقطة تحوّل للولايات المتّحدة، وأظهرت كيف يمكن للمجريات البعيدة جدا عن البلاد أن تهدد بشكل مباشر الأمن الشخصي للشعب الأميركي.
ثم تنتقل الوثيقة بعدها للحديث عن العالم الذي تسعى إليه واشنطن، وعن السياسات العامة الواجب اتباعها لتعزيز مصالحها حول العالم، ولتجديد الزعامة الأميركية، كما يلي:
أولا: في الأفكار الرئيسية
ويمكن اختصار أهم الأفكار الواردة في مجمل الوثيقة بأربع نقاط أساسية هي:
لا تزال الولايات المتّحدة تمتلك العناصر التي أعطتها القوة والقيادة العالمية منذ عقود. لكن لا يمكن لأعباء القرن الجديد أن تقع على كاهل أميركا وحدها؛ ولذلك يجب العمل على تأسيس علاقات شراكة أكثر عمقا وفاعلية مع مراكز التأثير والنفوذ الرئيسية الأخرى في العالم بما فيها الصين والهند وروسيا، بالإضافة إلى الدول التي يتزايد تأثيرها ونفوذها مثل البرازيل وجنوب أفريقيا وإندونيسيا، خاصة في المواضيع والقضايا ذات الطابع الثنائي والعالمي.يعدّ الاقتصاد الأميركي حجر الأساس في نفوذ أميركا العالمي؛ فالازدهار هو منبع القوة الأميركية، وهو مصدر تمويل القوات، وهو المصدر الذي تعتمد عليه المبادرات الديبلوماسية والتنموية الأميركية في العالم. - يعدّ الاقتصاد الأميركي حجر الأساس في نفوذ أميركا العالمي؛ فالازدهار هو منبع القوة الأميركية، وهو مصدر تمويل القوات، وهو المصدر الذي تعتمد عليه المبادرات الديبلوماسية والتنموية الأميركية في العالم. ومع أنّ الولايات المتّحدة لا تزال تحافظ على تفوق عسكري كبير عالميا إلا أنّ قدراتها التنافسية تراجعت في السنوات الأخيرة، وهو ما يتطلب إعادة بناء الاقتصاد بما يخدم تحقيق هذا الهدف عبر الاهتمام بالتعليم والصحة والتكنولوجيا والإبداع والتنافسية، وبتحقيق نمو مستدام وتنمية، وبتوفير أموال دافع الضرائب الأميركي وصرفها في المكان المناسب.
- التزام أميركا بالديمقراطية وحقوق الإنسان وحكم القانون مصدر ضروري لقوة ونفوذ واشنطن في العالم. وأفضل وسيلة للترويج لهذه القيم على الصعيد العالمي دون الحاجة إلى فرضها، تكمن في الالتزام بممارستها في الداخل ورفض كل ما من شأنه أن يتعارض مع القيم المتصلة بها.
- تشوب النظام الدولي الحالي نواقص عددية، ومؤسساته القائمة اليوم والتي أُنشئت بعد الحرب العالمية الثانية غير قادرة على مواجهة المستجدات الدولية والتهديدات والمخاطر الجديدة الطارئة، وهو ما يتطلّب تحديثها وتطويرها لتكون أكثر فاعلية عبر إتاحة المجال للقوى الناشئة بأن تحظى فيها بصوت أكبر ومسؤوليات أكبر، بشكل يؤدي إلى تعزيز المصالح الأميركية، وتحقيق الغاية التي تنشدها واشنطن في النهاية.
ثانيا: في التوجهات العامة للإدارة الأميركية
حدّدت الوثيقة التوجهات الإستراتيجية العامة للإدارة الأميركية بثلاثة عناوين رئيسية، هي:
- "بناء الأسس في الداخل": وتتضمن إعادة بناء القدرات الاقتصادية كأساس لقوة أميركا الشاملة، وتحصين الأمن القومي بما يخدم هذا الهدف، وتعزيز النموذج الديمقراطي الأميركي القائم على الحريات واحترام حقوق الإنسان، كنموذج ملهِم لكل من هم في الخارج على اعتبار أنّ القيادة الأخلاقية قائمة على قوة النموذج وليس على فرض النظام على الشعوب الأخرى.
- اعتماد سياسة "الانخراط الشامل": وتتضمن التعامل مع الأمم والمؤسسات والشعوب حول العالم على أساس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، على اعتبار أنّ هذه السياسة ستشكّل الأداة الفعالة التي ستتيح لأميركا المشاركة في صياغة الأحداث بدلا من الحياة في عزلة ذاتية تحرمها من القدرة على تحديد النتائج. يبدأ الانخراط بأقرب الأصدقاء والحلفاء من أوروبا إلى آسيا، ومن أميركا الشمالية إلى الشرق الأوسط، ويتم من خلاله تعميق التعاون مع كل من روسيا والصين والهند. ويعتمد التواصل الناجح مع كل الأطراف على الاستخدام الفعّال والمتكامل لكل عناصر القوة الأميركية وخاصة الديبلوماسية والتنمية لتسهيل التعاون العالمي بشأن قضايا مثل: التطرف والعنف، وانتشار الأسلحة النووية، وتغير المناخ، وعدم الاستقرار الاقتصادي العالمي، وهي قضايا تمثل تحديا مشتركا لجميع الدول، ولا يمكن لدولة واحدة مواجهتها بشكل منفرد.
- تطوير نظام دولي عادل: يعزز المصالح المشتركة للدول، ويدفع باتجاه العمل الجماعي لمواجهة التحديات المشتركة أيضا، ويعترف بحقوق وواجبات كل الأمم، ويوفر الحوافز التي تشجع الدول على التصرف بمسؤولية، ويحاسب أولئك الذين لا يلتزمون بمسؤولياتهم بالعزل عبر الحرص على إيجاد بدائل فعّالة ومؤثرة للعمل العسكري تتضمن العقوبات وإجراءات أقوى تجبر هذه الأطراف على تغيير سلوكها.
أمّا أولويات الأمن القومي، فقد تمّ التعامل معها في الوثيقة على قاعدة أنّ ما يحدث في داخل الولايات المتّحدة سيحدد قوّة ونفوذ واشنطن خارج حدودها وعلى مستوى العالم. وعليه فقد تمّ الانتقال في التعامل مع مستويات التهديد من المستوى الداخلي الذي يتضمن مواجهة طيف واسع من المخاطر ومن ضمنها الإرهاب، والكوارث الطبيعية، وهجمات الفضاء الإلكتروني (الإنترنت)، والأوبئة، إلى مستوى محاربة القاعدة؛ حيث الربط بين الداخل والخارج وصولا إلى المستوى الخارجي المتمثل بمنع انتشار الأسلحة النووية.
أولا: مستوى "الأمن الداخلي، والقدرة على التعافي"
وتعمل الإدارة الأميركية فيه على:
تعزيز الأمن في الداخل: من خلال منع وردع الهجمات داخل حدود الدولة، وحماية المنشآت الحيوية والموارد الرئيسية، وتأمين الإنترنت.يتم العمل في أفغانستان على حرمان تنظيم القاعدة من الملاذ الآمن، ومنع حركة طالبان من القدرة على قلب نظام الحكم، وتعزيز قدرات قوات الأمن الأفغانية والحكومة حتى تتمكن من تحمل المسؤولية. - إدارة حالات الطوارئ بشكل فعّال: من خلال التحضير لمواجهة الكوارث، ومن خلال القدرة على الرد وعلى التعافي من الحوادث الكبيرة.
- تشجيع الجاليات على مواجهة التعصب: وهي أفضل وسيلة في مواجهة التطرف.
- تحسين القدرة على التعافي: من خلال تعزيز شراكة القطاعين العام والخاص عبر العودة لممارسة الحياة العادية بسرعة، وتعلُّم الدروس من الكوارث وترجمتها إلى أعمال عند الضرورة.
ثانيا: مستوى "عرقلة وتفكيك وهزيمة القاعدة"
ويتم فيه مواجهة القاعدة وفروعها المتطرفة والعنيفة في كل من أفغانستان وباكستان وحول العالم أينما وُجِدت عبر رؤية تتضمن:
- منع الهجمات على أميركا وفي داخلها: بتوظيف كل القدرات الأمنية الممكنة، وتطبيق القانون بما يحقق هذا الهدف، والتنسيق بشكل أفضل مع الشركاء في الخارج لتحديد وتعقب الإرهابيين والحد من عمليات تمويلهم ومنع سفرهم.
- تعزيز أمن الطيران: من خلال إجراءات التفتيش والتعريف الدقيق بالمسافرين إضافة إلى إجراءات أخرى تتضمن استخدام تقنيات فحص متطورة.
- حرمان الإرهابيين من أسلحة الدمار الشامل: من خلال تكثيف جهود تأمين كل المواد النووية الممكن الحصول عليها، وحمايتها بشكل كامل بحلول عام 2013، إضافة إلى جهود منع الانتشار النووي، واتخاذ إجراءات لحماية المعرفة والقدرات في العلوم الحيوية والكيميائية من الاستخدام السيئ.
- منع القاعدة من تهديد الشعب الأميركي: بمواجهة نواتها الكبرى في باكستان، وعرقلة عملها أينما كان، وحرمانها من الملاذات الآمنة في دول مثل اليمن والصومال والمغرب.
- تطبيق العدالة ومقاومة الخوف: من خلال الوقوف إلى جانب القيم الإنسانية وحقوق الإنسان، وسحب الذرائع التي تسمح "للإرهابيين" بتجنيد المزيد من المتعاطفين، وذلك "باعتماد نهج قانوني دائم يتفق مع أمننا وقيمنا.. وتقديم المتهمين إلى العدالة وفق القانون" وإغلاق معتقل غوانتنامو، وبذل المزيد من الجهود لحل الصراع العربي الإسرائيلي "لأنه لطالما كان مصدرا للتوتر". واعتماد سياسة معاكسة "للإرهابيين" تبين للجميع "بأنهم يهدمون ونحن نبني"، سياسة تقوم على التواصل مع جميع الأديان والثقافات ومع الجاليات والمجتمعات الإسلامية، وتنفي الصبغة الدينية عن القاعدة، على اعتبار أنّهم لا ينتمون إلى الدين الإسلامي، ولا يمثلون أي سلطة فيه كما بالنسبة إلى باقي الأديان.
ثالثا: مستوى "وقف انتشار الأسلحة النووية والبيولوجية"
ويتم العمل على هذا المستوى عبر خطّة تتضمن:
- السعي إلى تحقيق عالم خال من الأسلحة النووية: وهو أمر لا يمكن إنجازه خلال فترة حكم هذه الإدارة، لكن السعي إلى تحقيقه سيؤدي إلى زيادة الأمن العالمي، وتكريس الالتزام بمعاهدة منع الانتشار النووي، وبناء التعاون المثمر مع روسيا وعدد من الدول، وهو ما حققت الإدارة جزءا منه مؤخرا من خلال التصديق على اتفاقية "ستارت" جديدة مع موسكو إضافة إلى عدد آخر من الإجراءات.
- تعزيز معاهدة منع الانتشار النووي: من خلال تبني معادلة تدفع الدول التي تمتلك السلاح النووي إلى نزعه مقابل تخلي الدول الأخرى عن السعي للحصول عليه، وضمان حق جميع الدول في الحصول على الطاقة النووية السلمية مع ضرورة الإيفاء بالتزاماتها وفق المعاهدة.
- تقديم خيار واضح لكل من كوريا الشمالية وإيران: يقوم على إتاحة المجال أمامها لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، وتحقيق اندماج أكبر مع المجتمع الدولي في حال التعاون حول برامجها النووية، أو العمل على زيادة عزلتها ودفعها في النهاية إلى الوفاء بالتزاماتها الدولية.
- تأمين الأسلحة والمواد النووية، ومواجهة التهديدات البيولوجية: بما يخدم الهدف الأساسي وهو منع الانتشار والاستخدام الإرهابي أو العسكري، وتعزيز الأمن.
سياسات أميركية متّصلة بالعالم العربي والإسلامي
تضمّنت الوثيقة عددا من السياسات المتّصلة بملفات تحظى باهتمام العرب والمسلمين في قضايا لا تزال مشتعلة إلى اليوم، ومنها:
أولا: أفغانستان وباكستان
ويتم العمل في أفغانستان على حرمان تنظيم القاعدة من الملاذ الآمن، ومنع حركة طالبان من القدرة على قلب نظام الحكم، وتعزيز قدرات قوات الأمن الأفغانية والحكومة حتى تتمكن من تحمل المسؤولية. أما في باكستان، فيتم التعاون مع الحكومة لمواجهة المخاطر المحلية والإقليمية والعالمية من المتطرفين الذين يمارسون العنف. ويتم تحقيق هذه الأهداف في البلدين من خلال إستراتيجية تتكون من ثلاثة عناصر:
مواصلة القوات الأميركية وقوات إيساف استهداف حركة التمرد، والعمل على تأمين المراكز السكانية الرئيسية، وزيادة الجهود المبذولة لتدريب قوات الأمن الأفغانية، بما يسمح بتهيئة الظروف لنقل المسؤولية إلى الأفغان، على أن يتم البدء في تخفيض القوات الأميركية بطريقة مسؤولة في يوليو/تموز 2011، مع الأخذ في الاعتبار الظروف على أرض الواقع.وثيقة أوباما جاءت بعد فشل إدارة بوش في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية وغرقها في حروب أفغانستان والعراق، وبعد الأزمة المالية العالمية، وهي بهذا المعنى تعتبر ردّا على فشل إدارة بوش الابن وعلى سياسة المحافظين الجدد. - مواصلة العمل مع الشركاء، والأمم المتحدة، والحكومة الأفغانية لتحسين الحكم الخاضع للمساءلة والشفافية.
- تعزيز العلاقات مع باكستان على أسس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، والاستمرار في توفير المساعدة الأمنية والالتزام بالشراكة الإستراتيجية، وتعزيز الديمقراطية والتعاون في طيف واسع من المجالات.
ثانيا: العراق
ويتمثّل الهدف الأساسي في جعل العراق سيّدا ومستقرا وقادرا على الاعتماد على نفسه، وهو ما يستوجب الاستمرار في دعم حكومة عراقية عادلة ومسؤولة، تمثّل العراقيين وتعمل على حرمان الإرهابيين من الملاذ الآمن، إلى جانب التزام أميركا المستمر بعراق ديمقراطي وحكومة منتَخَبة، بما يؤدي إلى تعزيز العلاقات الثنائية فيما بعد على أساس من المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، وبما يفضي إلى بناء روابط اقتصادية وتجارية بين العراق والعالم، ويتيح له تبوّء مركزه المستحق في المجتمع الدولي ليسهم في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.
ويتم تحقيق هذه الرؤية من خلال إستراتيجية تقوم على ثلاثة مكونات رئيسية، هي:
- إنجاز المرحلة الانتقالية، ونقل الأمن بشكل كامل ليكون من مسؤولية العراقيين، ووقف العمليات القتالية في شهر أغسطس/آب 2010، مع الاستمرار في تدريب وتجهيز قوات الأمن العراقية، وتقديم المشورة لها، والقيام بعمليات محددة الأهداف لمكافحة الإرهاب بما يتفق مع التزامات أميركا مع العراق ومن بينها الاتفاقية الأمنية، على أن يتم سحب القوات العسكرية في نهاية عام 2011، مع الإبقاء على وجود مدني قوي في العراق بما يخدم المصالح الإستراتيجية.
- الحفاظ على الجهود السياسية والدبلوماسية والمدنية المبذولة لمساعدة الشعب العراقي، وحل الخلافات المعلقة، ودمج اللاجئين والمشردين الذين يستطيعون العودة بمجتمعهم، ومواصلة تطوير المؤسسات الديمقراطية ومعايير المساءلة.
- اعتماد الدبلوماسية الإقليمية لضمان تحقيق انسحاب مسؤول من شأنه أن يوفّر للعراق فرصة لتعزيز الأمن الدائم والتنمية المستدامة له ولمحيطه في الشرق الأوسط.
ثالثا: عملية السلام في الشرق الأوسط
للولايات المتحدة وإسرائيل والفلسطينيين والدول العربية مصلحة في التوصل لاتفاق سلام يتضمن التطلعات المشروعة للإسرائيليين والفلسطينيين في الأمن والكرامة. ولتحقيق ذلك، تسعى أميركا للتوصل إلى دولتين تعيشان جنبا إلى جنب في سلام وأمن: دولة إسرائيل اليهودية تتمتع بأمن حقيقي، وتحظى بالقبول وتوفر الحقوق لجميع الإسرائيليين، ودولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة تنهي الاحتلال الذي بدأ في عام 1967، وتعكس إمكانات الشعب الفلسطيني وتطلعاته.
ويتطلب ذلك التواصل على الصعيد الإقليمي مع الشركاء الذين يشاطرون أميركا نفس الرأي من أجل المضي قدما في المفاوضات التي تتناول قضايا الوضع الدائم: الأمن للإسرائيليين والفلسطينيين، والحدود، واللاجئين، والقدس. وستسعى أميركا أيضا للحصول على الدعم الدولي لبناء المؤسسات التي ستقوم عليها الدولة الفلسطينية بينما يتم التركيز على تنمية اقتصادية تؤمن الفرص للشعب الفلسطيني.
وبينما تعمل الإدارة الأميركية لتحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ستسعى أيضا للسلام بين إسرائيل ولبنان، وإسرائيل وسوريا، وسلام أوسع نطاقا بين إسرائيل وجيرانها، من خلال مبادرات إقليمية بمشاركة متعددة الأطراف إلى جانب المفاوضات الثنائية.
رابعا: إيران
ويكمن الهدف في تحويل إيران إلى دولة تتحمل مسؤولياتها والتزاماتها الدولية، وتأخذ مكانها الصحيح في المجتمع الدولي، وتحظى بالفرص السياسية والاقتصادية التي تستحقها ويستحقها شعبها؛ فقد ظلت إيران لعقود تهدد الأمن الإقليمي والولايات المتّحدة، كما فشلت في تحمّل مسؤولياتها الدولية؛ فبالإضافة إلى برنامجها النووي غير المشروع، لا تزال تدعم الإرهاب، وتقوض السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وتحرم شعبها من حقوقه العالمية. وبدلا من أن يؤدي الحوار والانخراط مع طهران لسنوات عديدة إلى عكس هذه الدورة وهذا السلوك، أصبح سلوك إيران أكثر خطورة؛ ولذلك، فإن خيار أميركا هو الانخراط مجددا مع إيران بحيث يمكن أن يوفر لها ذلك طريقا لمستقبل أفضل، على أن يكون القادة الإيرانيون مستعدين لاتخاذ القرار المناسب، وإلا فإن بلادهم ستواجه عزلة كبيرة.
تعدّ الوثيقة انعكاسا دقيقا لرؤية الرئيس باراك أوباما الشخصية وفكره المرتبط بشعار "الواقعية والتغيير"، وللسياسات التي اتبعها منذ مجيئه إلى سدّة الرئاسة مع بداية العام الماضي في مواجهة الوضع الأميركي المتدهور، ومواجهة التحديات المتعاظمة التي تواجهها الولايات المتحدة في ظل المتغيرات العالمية التي طرأت منذ سنوات، وتحديدا منذ ولاية الرئيس جورج بوش الابن وهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، ومن ثمّ حربي العراق وأفغانستان والأزمة المالية العالمية.
ظهر اختلاف في الوسط السياسي الأميركي بين من يرى الوثيقة مجرد حملة علاقات عامة تعكس سذاجة رؤية أوباما وتوجهه الذي يؤدي إلى تقهقر قوة أميركا وتراجع مركزها العالمي، وبين من يرى أنها تعطي الانطباع الإيجابي المطلوب لكونها تغيير دراماتيكي عما طرحته إدارة بوش وتخدم مصالح أميركا. |
وتشير التعليقات الأوّلية التي ظهرت في الوسط الأميركي حول هذه الوثيقة، إلى أنّ هناك اختلافا في الآراء والمواقف تجاه الحكم عليها: بين من يعتقد في الوسط الإعلامي أنّها مجرّد امتداد للأفكار التي نُشِرت في عهد بوش الابن إلا أنها صيغت بلغة مخففة وجذابة، وبين من يعتقد أنها اتجاه جديد يحاول الجمع بين مثالية الوعود التي قطعها الرئيس أوباما في حملته الانتخابية وبين الواقع الذي تكتنفه العديد من المصاعب والتحديات التي يجب التعامل معها بطريقة خلاقة ومغايرة لما اختبرته الإدارة السابقة.
وكذلك في الوسط السياسي ظهر اختلاف بين من يرى أنّها مجرد حملة علاقات عامة تعكس سذاجة رؤية أوباما وتوجهه الذي يؤدي إلى تقهقر قوة أميركا وتراجع مركزها العالمي (الجمهوريون غالبا والمحافظون الجدد)، وبين من يرى أنها تعطي الانطباع الإيجابي المطلوب لكونها تغيير دراماتيكي عما طرحته إدارة بوش وتخدم مصالح أميركا (طاقم الرئيس والمؤيدون له).
والمثير للاهتمام أنّ الانقسام الحاصل حول الرؤى عكسته الوثيقة نفسها التي أوردت في خاتمتها فقرة تشير إلى أنه وخلال الحرب الباردة، وعلى الرغم من وجود خلاف حاد حول بعض التوجهات آنذاك، إلا أنه كان هناك "إيمان بأن القادة السياسيين الأميركيين يتقاسمون أهدافا مشتركة، حتى ولو اختلفوا في كيفية الوصول إلى تحقيقها. أما في البيئة السياسية الحالية -وبسبب تصرفات من كلا الحزبين- فإن الشعور بوجود هدف مشترك قد لا يكون موجودا في بعض الأوقات في الحوار عن الأمن القومي؛ مما من شأنه أن يؤثر على سياسات وموقف أميركا حول العالم".
ومن المهم الإشارة في هذا المجال، إلى أن جزءا من هذا الانقسام إنما يعود إلى حقيقة أنّ وثيقة بوش إنما جاءت في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، وهي بهذا المعنى تعتبر ردّا على هذه الهجمات وفي سياقها. أمّا وثيقة أوباما فقد جاءت بعد فشل إدارة بوش في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية وغرقها في حروب أفغانستان والعراق، وبعد الأزمة المالية العالمية، وهي بهذا المعنى تعتبر ردّا على فشل إدارة بوش الابن وعلى سياسة المحافظين الجدد. وهذا بحد ذاته يعدّ فارقا جوهريا بين الوثيقتين يساعد على فهم أفضل لسياق الطرح والهدف منها، إضافة إلى عدد آخر من الفوارق، لعل أهمها:
أولا: في مجال استخدام القوّة
على عكس وثيقة بوش لا تشير وثيقة أوباما من قريب أو بعيد إلى الضربات الوقائية. وعلى الرغم من أنّ الوثيقة تحذّر من الاعتماد على القوّة ولا تتخلى كليّا عن التحرك بشكل أحادي إنْ تطلّب الأمر في الحالات الاستثنائية، إلاّ أنها تربط ذلك بسلسلة من الشروط: منها استنفاد كل الخيارات والوسائل، وقياس التكاليف والمخاطر الناجمة عن استخدام القوة مقابل الامتناع عنها، إضافة إلى السعي للحصول على دعم دولي واسع، على اعتبار أنّ الالتزام بذلك من شأنه أن يقوي أولئك الذين يعملون وفق أحكام الأنظمة والمعايير الدولية ويعزل الآخرين.
ثانيا: في مجال التعامل مع القاعدة
فيما يتعلّق بالإرهاب، عمدت وثيقة أوباما إلى تحديد الخصم بشكل جلي وواضح وعزله عن أية مؤثرات خارجية من الممكن أن تُدخل أميركا في صراع مع الدين الإسلامي ومع الدول الإسلامية، فتمّ تغيير مصطلحات بوش عن "محاربة الإرهاب الإسلامي" أو حركات التطرف الإسلامي" إلى حركات "التطرف العنفية"، لإنكار الصبغة الدينية وبالتالي القدرة على تحديد المستهدف من المجهود الأميركي وهو "القاعدة وأفرعها" في إطار ضيق ومحدد.
ثالثا: في مجال العلاقة مع الدول الأخرى
في وثيقة بوش، كان المعيار الأساسي لطبيعة العلاقة مع الدول يعتمد بشكل حصري على المنظور الأحادي لمحاربة الإرهاب، بينما حرصت وثيقة أوباما على أن لا يكون هذا العنصر -رغم أهميته- هو الذي يحدد ويحكم شكل العلاقة مع الدول الأخرى ومع العالم، وإنما مجموعة واسعة من القضايا ذات الاهتمام المشترك للدول الأخرى: ومن بينها "الانتشار النووي، والتغير المناخي، وانتشار الأوبئة، والدول الفاشلة، وغيرها من القضايا، وهي أمور إما أنها لم تلقَ أي اهتمام أو ذِكر في وثيقة بوش، أو أنّ الاهتمام بها كان ضعيفا جدا.
رابعا: في مجال التعاون الدولي
بينما ذكرت وثيقة بوش أن الولايات المتّحدة لن تسمح أبدا بصعود قوة عظمى منافسة، فإن وثيقة أوباما ترى أنّ الولايات المتحدة تعتمد خيار "الانخراط الإيجابي الشامل" مع العالم. ولأن المشاكل التي يتم مواجهتها هي ذات طابع عالمي ولا يمكن لأية دولة أن تحلها بمفردها كما لا يمكن لأية جهة أن تحلها من دون الاستعانة بالولايات المتحدة الأميركية؛ فالأفضل أن يتم التعاون على أساس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل مع القوى الموجودة، ومع القوى الصاعدة والناشئة بما يحقق الأهداف المرجوة، ويحافظ على الزعامة الأميركية.
وفي الختام،
رغم هذه الفروقات بين وثيقة أوباما ووثائق بوش، قد يجد البعض ما هو مشترك بين وثائق الرجلين إذا ما أراد مقارنة بعض الجمل والمفاهيم، وهو أمر مفهوم لأن التقرير في نهاية المطاف هو وثيقة للأمن القومي الأميركي، بمعنى أنّها تصاغ في الأساس لتحقيق مصالح الولايات المتحدة الأميركية.
لكن وبغض النظر عمّا يقوله الطرفان، قد لا تُوقِع هذه الوثيقة طلاقا جذريا مع ما سبقها، إلاّ أنّه من المهم جدا عدم إغفال وجود اختلاف بين الوثيقتين على الأقل من ناحية الظروف والسياق الذي طُرحت فيه كل منهما، لأن اللجوء إلى عكس ذلك لا يخدم الهدف من قراءتها، ويعكس قصورا في فهم السياسة الأميركية وكيفية الاستفادة منها.
_______________
هامش
(*) للاطلاع على الوثيقة من الموقع الإلكتروني للبيت البيض الأميركي. إضغط هنا.