مآل العقوبات على إيران.. الملخص التنفيذي

تقرير معمَّق لمركز الجزيرة للدراسات ساهم في إعداده مجموعة من الباحثين. ويرصد مواقف الدول المحيطة والمؤثرة من العقوبات على إيران، في ضوء المصالح الاقتصادية أو الرؤى الإستراتيجية التي تؤثر بشكل مباشر على كيفية وحدود قبول العقوبات أو الاستمرار فيها إن فرضت.







مركز الجزيرة للدراسات


أصبحت إيران منذ اللحظة الأولى لقيام نظام ولاية الفقيه بعد ثورة 1979 عرضة لعقوبات انفرادية من طرف بعض الدول الكبرى وخاصة من قبل الولايات المتحدة الأميركية، وأخرى أممية تمثلت في قرارات ثلاث، القرار 1737 وصدر في ديسمبر/كانون الأول 2006، والقرار 1747 الذي صدر في مارس/آذار 2007، وأخيرا القرار 1803 الذي صدر في مارس/آذار 2008.


وبدلاً من أن تسهم هذه القرارات والعقوبات في إثناء إيران عن المضي في بعض سياساتها المرفوضة غربيًا؛ فإنها تسببت بنتائج عكسية، لتزداد بذلك الفجوة بين طهران والدول المعنية بفرض العقوبات، لاسيما الدول الغربية. وترسخت قناعة لدى إيران بأن السبيل الوحيد للتفاهم مع الغرب هو تغيير موازين القوة على الأرض عبر حيازة أدوات القوة، أو هكذا تبدو الأمور.


والواضح أن التلازم بين الخوف من امتلاك إيران التقنية النووية -فضلاً عن السلاح النووي- والتزام الغرب بحماية أمن إسرائيل، أصبح من الحقائق الراسخة في سياسات القوى الدولية الكبرى، وأن أية إجراءات دولية أو انفرادية ستُتخذ ضد إيران ستحمل بصمة هذا التلازم. لكن الظروف الدولية الحالية تَشي بأن التصعيد العسكري لا يحظى بالأولوية لدى واشنطن لأسباب تخص القوة الأميركية؛ فجنودها مستغرَقون في حربين مكلفتين في أفغانستان والعراق، وجهدها منصب على ترتيب الوضع الداخلي في خضم أزمة مالية عالمية ضارية أصابت الاقتصاد الأميركي في العمق، وأربكت سياساتها الخارجية وقدرتها على المبادرة تجاه العديد من القضايا.


لهذا فإن فرض عقوبات على طهران يبدو الإجراء الأنسب لواشنطن في المرحلة الراهنة، وستحرص على أن تكون العقوبات مشددة كي تضمن إعاقة "طموحات إيران النووية"، أو قدرتها على التأثير الفعال في جوارها الإقليمي، بما يمنح واشنطن الفرصة لإعادة ترتيب الأوراق قبل أن تُقدم على خطوات لاحقة أكثر قسوة. وتحقيقًا لهذا الغرض تسعى الدبلوماسية الأميركية وبالتحالف مع أوروبا، إلى تأمين إجماع واسع على إقرار هذه العقوبات كي تكون فعالة وناجعة من ناحية التطبيق. وفي هذا السياق تراوحت السياسة الأميركية بين تقديم تنازلات، أو فرض ضغوط وبوجه خاص على الدول المجاورة لإيران وأهمها تركيا ودول الخليج، وكذلك على الدول الكبرى المؤثرة مثل روسيا والصين.





أي حرب في المنطقة قد تتسبب بإغلاق مضيق هرمز وتعرقل تدفق النفط باتجاه الكثير من الدول المستهلكة، وأوروبا مثل سواها من الدول المنتجة أو المستهلكة ستعمل جاهدة لتجنب كل ما يؤدي إلى مثل هذا السيناريو المكلف
ويحاول هذا التقرير المعمَّق أن يرصد مواقف هذه الدول من مبدأ فرض عقوبات جديدة على إيران، وذلك في ضوء المصالح الاقتصادية أو الرؤى الإستراتيجية التي تحكم علاقتها مع طهران؛ لأن هذه المصالح ستؤثر بشكل مباشر على كيفية وحدود قبول هذه الدول فرض العقوبات، كما ستحدد مقدار التزامها بها وبمداها الزمني في حال فرضها، وبالتالي التحقق من مدى فعاليتها وتحقيقها لأهدافها المرجوة.

ولا يهدف هذا التقرير إلى تحديد صورة مسبقة لما ستكون عليه العقوبات، بل ملاحظة العوامل -السياسية والاقتصادية والدولية والإقليمية وما إلى ذلك- التي ستأخذها الدول المعنية بعين الاعتبار عند تحديد خياراتها واتخاذ قراراتها المتعلقة بشأن العقوبات. فهذه العوامل ستظل فاعلة حين تنفيذ العقوبات (إذا ما تم إقرارها)، بحيث تعزز إرادة الدول المعنية على الاستمرار في العقوبات والالتزام بها، أو قد تدفعها للتحايل عليها أو التخلي عنها. أضف إلى ذلك أن هذه العوامل ستترك تأثيرات متفاوتة على علاقة إيران بهذه الدول؛ لأن من التزم بالعقوبات فقط لن يكون حتمًا كمن سعى إلى فرضها في التقييم الإيراني، كما أن من التزم بها على غير رغبة منه ليس كمن جعلها أحد أهدافه.


وتحقيقًا لهذه الغاية، فقد تم تكليف عدد من الباحثين بدراسة مواقف الأطراف المعنية بالعقوبات، وتحديدا تلك المؤثرة أو المحيطة بإيران، بحيث يرصد التقرير المنظور الخاص الذي تنظر منه كل دولة إلى العقوبات. كما تم إضافة استنتاجات وخلاصات حددت هدف العقوبات والطبيعة التي ستكون عليها في المحصلة، كما أوجزت مواقف الدول المعنية بالعقوبات والسياسات التي قد تتبعها إزاء فرضها على إيران، وذلك في ضوء ما تم بحثه في التقرير المعمق بمجمله.


العقوبات والخيار الدبلوماسي






كانت الكيفية التي يجب اعتمادها في مقاربة الملف النووي الإيراني إحدى نقاط الافتراق بين أوروبا وبين إدارة الرئيس السابق جورج بوش، فقد كانت أوروبا تجنح إلى اعتماد الخيار الدبلوماسي والتفاوض المباشر مع إيران، مدفوعة بهاجس حفظ مصالحها الإستراتيجية والاقتصادية، خاصة تلك التي تتعلق بمستقبل تأمين الطاقة وحفظ أمن مصادرها وخطوط نقلها. فأي حرب في المنطقة قد تتسبب بإغلاق مضيق هرمز وتعرقل تدفق النفط باتجاه الكثير من الدول المستهلكة، وأوروبا مثل سواها من الدول المنتجة أو المستهلكة ستعمل جاهدة لتجنب كل ما يؤدي إلى مثل هذا السيناريو المكلف. كما أن النفط الإيراني نفسه لا يمكن تجاهله وكذلك الموقع الجغرافي لهذا البلد.  فإيران رغم استثنائها حتى الآن لا تزال طريقا إستراتيجيا محتملا لخط أنابيب نابوكو الذي سينقل الغاز الطبيعي كما النفط، من دول في حوض بحر قزوين والعراق والشرق الأوسط إلى أوروبا، ولا تستطيع أوروبا على المدى البعيد أن تبقى عرضة لتكرار أزمة استيراد النفط والغاز من الاتحاد الروسي، دون أن تفكر بالخيار الإيراني ولو على سبيل الاحتياط.


وباعتماد الرئيس باراك أوباما الخيار الدبلوماسي في مقاربة الأزمة النووية الإيرانية، فقد فتح مجالا للتحاور مع الدول الكبرى المؤثرة وتلك المعنية بالملف النووي الإيراني، وكانت أولى الخطوات التي قام بها أن اعترف بحق إيران في حيازة التقنية النووية والطاقة النووية السلمية، وانخرط فيما سمي "الخيار المزدوج" الذي يجمع بين المفاوضات مع إيران دون شروط من جهة، مع الإعداد لفرض عقوبات دولية عليها إذا تطلّب الأمر ذلك.


ويبدو أن "الخيار المزدوج" يسير باتجاه ترجيح كفة  العقوبات، حيث تنشط الإدارة الأميركية لفرض عقوبات جديدة ومشددة، وهي فضلا عن ذلك حريصة على أن يكون تحركها مدعوما بإجماع دولي في مختلف المراحل، حتى يتم إشراك جميع الدول المعنية  في أية خطوات مستقبلية ضرورية.


روسيا والصين
من المؤكد أن التفاوض حول العقوبات سيشمل التفاوض حول مصالح الدول المعنية وما يتعلق بمخاوفها، فهناك الدول الكبرى والمؤثرة ومن أهمها روسيا والصين، اللتان تحتفظان بمصالح اقتصادية وإستراتيجية مع إيران ولا يمكن لهما تجاهلها أو القفز فوقها نحو المجهول.


فالبلدان يلتقيان مع إيران إستراتيجيا في محاولة الحد من النفوذ الأميركي في العالم وتتقاطع مصالحهما ونفوذهما مع إيران في العديد من القضايا والمناطق، مثل منطقة الشرق الأوسط  وآسيا الوسطى والقوقاز.


وعلى الصعيد الاقتصادي فإن روسيا تجني أموالا طائلة من وراء التعاون مع إيران في المجال النووي، فقيمة العقد الذي وقَّعته روسيا مع إيران فقط لبناء محطة بوشهر على سبيل المثال بلغ حوالي مليار دولار، وهناك مشاريع نووية أخرى بالانتظار وقد ترى النور في المستقبل المنظور، هذا فضلا عما يدخل الخزانة الروسية من إيرادات أخرى نتيجة لعقود التعاون في مجال التسلح والتبادل التجاري وسواها.


وللصين أيضا مصالح اقتصادية مهمة مع إيران وفي القطاع النفطي على وجه الخصوص، فإيران تعد ثالث أكبر مصدر للنفط الخام إلى الصين بعد السعودية وأنغولا (تراجعت الآن إلى المركز الرابع) بواقع 250 ألف برميل يوميًا، وتشكل 12% من احتياجات الصين النفطية. هذا فضلا عن التعاون في عدة مجالات أخرى إضافة إلى تزايد حجم التبادل التجاري بينهما الذي وصل إلى 36 مليار دولار في العام المنصرم.


ومن جهة أخرى فإن التزام البلدين اتجاه طهران لن يصل إلى حد التضحية بمصالحهما مع واشنطن، فروسيا متمرسة في مفاوضة أميركا ومساومتها وتدرك تماما الحدود التي يجب أن تقف عندها، لهذا من المتوقع أن تتجه نحو القبول بعقوبات ما على إيران ولكن من دون إهدار مصالحها الحيوية في نفس الوقت. كما أن الطرف الصيني قد أصبح يولي أهمية أكبر لسياسته الخارجية بعد أن طرأت تغييرات عميقة على رؤيته لنفسه وللعالم من حوله، ومن المتوقع أن تشمل مفاوضاته مع أميركا حول العقوبات على إيران قضايا أخرى مثل قضيتي تايوان والتبت، إضافة إلى عملية السلام في الشرق الأوسط التي  ترغب بكين أن تلعب فيها دورا أكثر فاعلية. ولكن مهما كانت النتائج فإن الدبلوماسية الصينية ليست كالروسية، فهي تقف أمام خيارات قاسية أحلاها مُر، لأن ما ستقدمه أو تخسره في كلا الحالين ليس بالهين.


تركيا ودول الخليج



تدرك دول الخليج أنها في مقدمة من سيتحمل الكلفة الأكبر في حال فرض عقوبات جديدة على إيران، وستزداد الأجواء العدائية في المنطقة، وستتزايد مخاطر اندلاع الحرب بتزايد احتمالات الاحتكاك بين البحرية الإيرانية والقوات الأميركية
هناك مجموعة كبيرة من الملفات التي تتطلب من إيران وتركيا التعاون حولها، وإلا فإنها ستعود بالضرر على الدولتين، منها تحديات النزعة الانفصالية الكردية داخل أراضيهما، تصاعد النزعة المذهبية في المنطقة عموما بعد سقوط بغداد، ورغبة البلدين المحافظة على استقرار المنطقة لتنشط فيها المشاريع الاقتصادية وخاصة تلك المتعلقة بمسار أنابيب النفط والتي تحرص عليها أنقرة، لاسيما مشروع خط أنابيب باكو-جيحان، من باكو عبر جورجيا إلى ميناء جيحان على البحر الأبيض المتوسط والذي بدأ العمل به عمليًا. وكذلك المشروع الثاني -والذي يعني إيران- خط أنابيب نابوكو والذي يحظى باهتمام أوروبي ما، كما سبقت الإشارة إليه.
 
وعلى الصعيد الاقتصادي يمكن الإشارة إلى أن حجم التجارة بين تركيا وإيران يقارب عشرة مليارات دولار، ويتطلع رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان إلى أن يرتفع الرقم إلى ثلاثين مليار دولار خلال خمس سنوات، خصوصًا وأنه يرى إيران بمثابة بوابة تركيا إلى آسيا، كما أن تركيا بوابة إيران إلى أوروبا، هذا إلى جانب  صادرات النفط والغاز الإيرانية إلى تركيا التي تحتل حيزًا كبيرًا من التبادل التجاري؛ حيث تلبي تركيا أكثر من 30 % من احتياجاتها من الطاقة من إيران.

وبالنسبة لدول الخليج فهي تدرك أنها في مقدمة من سيتحمل الكلفة الأكبر في حال فرض عقوبات جديدة على إيران، لأن التجارة بين ضفتي الخليج ستتأثر تأثرا شديدا، وستدفع العقوبات باتجاه زيادة عمليات التهريب على سواحل الخليج، وستوسع في الوقت ذاته السوق السوداء للوقود في المنطقة، وستتورُّط دول المنطقة في مشكلات قانونية (أو سياسية) مع الشركات التي تصدِّر البنزين لإيران، وقد تدخل البنوك وشركات التأمين التي تلتزم تأمين جانب من الصادرات (التجارية العامة) المتجهة إلى إيران في تعقيدات قانونية مع الأمم المتحدة، وستُزجُّ السلطات المالية في المنطقة في معترك قانوني قد يكون أكثر صعوبة من ذلك الذي واجهته مطلع التسعينيات عند بدء فرض العقوبات على العراق.


وفضلا عما سبق ستزداد الأجواء العدائية بين الجهتين، وستتزايد مخاطر اندلاع الحرب بتزايد احتمالات الاحتكاك بين البحرية الإيرانية والقوات الأميركية المنتشرة في المنطقة ولو لم يكن هناك قرار حرب، بل قد تلجأ إيران نفسها إلى اعتراض سفن تجارية معينة كرد فعل على اعتراض أو تفتيش السفن المتجهة إلى موانئها، فضلا عن احتمالات إغلاق مضيق هرمز والتي ستضر بدول أخرى كما بدول الخليج، ولكن الضرر الأعظم سيكون على هذه الأخيرة.


سناريوهات العقوبات المحتملة وجدواها
إن العقوبات السابقة التي فرضت على إيران، الدولية منها فضلا عن الانفرادية، لم تدفع طهران إلى تغيير سياساتها؛ ولم تترك تأثيرات نوعية تدفع بإيران إلى التخلي عن طموحاتها النووية (السلمية بحسب وصفها والمشكوك بها بحسب التقديرات الغربية)، خاصّة وأنّه كان بإمكان طهران الالتفاف على الكثير من هذه العقوبات بسهولة نسبية، كما أن الدول المعنية لم تلتزم بالعقوبات وحصلت خروقات كبيرة لها حتى من قِبل أميركا وإسرائيل نفسهما فضلا عن الدول الأخرى.


وبالنسبة للعقوبات المستقبلية التي قد تفرض على إيران فمن المتوقع أن تحاول تجنب نقاط الضعف التي ظهرت في القرارات السابقة ومن المتوقع أن تكون من خلال أحد مسارين:


أ- المسار الجماعي عبر مجلس الأمن:


وذلك بفرض حزمة رابعة من العقوبات الدولية المؤثّرة وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتّحدة، الأمر الذي يتطلّب موافقة 9 من أصل 15 عضوًا في مجلس الأمن، إضافة إلى عدم استخدام حق النقض من قِبل أي من الدول الخمس دائمة العضوية في المجلس. وهي عملية مؤلمة ومعقدة وقد تنتهي بفرض عقوبات لا "أنياب" لها البتة.


ب- المسار الفردي:


وهو المسار الذي من المرجح أن يتم اعتماده  في حال فشل الاعتماد على المسار الجماعي. وستقوم جهتان بالالتزام بتطبيقه كما هو واضح حتى الآن استنادًا إلى تشريعات محليّة، هما الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا. ومن المتوقع أن تكون العقوبات الأحادية قاسية وقويّة لأنها لا تحتاج إلا إلى إجماع الدول الراغبة في فرض العقوبات، وبالتالي قد تنقل الصراع خطوة إلى الأمام بدلاً من المساعدة على حله، بحيث تصبح مدخلا لنزاع عسكري قد يقود إلى حرب، لأن فرض حظر على واردات النفط الإيرانية قد يتسبب بقيام إيران بإغلاق مضيق هرمز أو يدفعها للقيام بإجراءات انتقاميّة ردًّا على ذلك.


وليس من المتوقع أن تكون هذه العقوبات فعالة، ما لم تكن ضمن سياسة محددة، وأن تصاحب بنظام مراقبة صارم وبالتزام دولي كبير، خاصة من دول الجوار والدول الكبرى المؤثرة. وهناك من يضيف شرطا آخر، هو ضرورة إخضاع "واردات البنزين والقطاع النفطي" للعقوبات لإجبار طهران على تغيير مواقفها، الأمر الذي قد يكون مدمرا، وقد يكون بمثابة إعلان عن نهاية الخيار الدبلوماسي.


استنتاجا





ت وخلاصات





إن عدم قدرة إيران وجوارها العربي عمومًا، والخليجي خصوصًا، على تأسيس علاقات إقليمية مستقرة جعل المنطقة أشبه بمنطقة فراغ تستدرج صراعًا غربيًا إيرانيًا، وجعل العرب عاجزين عن المبادرة لإيجاد حلول تبعد شبح العقوبات.
 بدأت فكرة العقوبات على إيران أميركية وإسرائيلية، ولكن النقاش الجاري حولها تجاوز هاتين الدولتين ليأخذ طابعا دوليا، علما بأن المسافة التي تفصل هذه النقاشات عن اتخاذ قرار دولي بفرض عقوبات فاعلة، ستقررها طبيعة الإستراتيجيات المختلفة التي تتبعها الدول المؤثرة إقليميا ودوليا، وكذلك مصالح ومخاوف دول الجوار الجغرافي المحيطة بإيران، فضلا عن حجم هذه العقوبات والصورة التي ستنتهي إليها، وهذا ما يمكن الوقوف عنده في الخلاصات والاستنتاجات التالية: 

1- إن هدف العقوبات الأساسي والمعلن هو منع طهران من حيازة السلاح النووي، ولكن المسار الذي ستسلكه الدول المعنية والمؤثرة في تشكيل حزمة العقوبات المحتملة يستند على تقديرات للتحدي الإيراني بما يتجاوز ملفها النووي، ليصل على سبيل المثال إلى دورها الإقليمي المتعاظم أو الخطر الذي تمثله -أو يمكن أن تمثله- على إسرائيل.


2- ستحدد طبيعة العقوبات المراد فرضها على إيران -إلى حد كبير- النتيجة التي ستتمخض عنها الجهود الأميركية الدبلوماسية وتفاعلاتها مع مواقف الدول الأخرى المؤثرة، لا سيما الكبرى منها، وكذلك مقدار الثمن، أي التنازلات التي تستطيع أن تقدمها واشنطن للدول المعنية بهذا الملف، مع الأخذ في الاعتبار أن الملف النووي الإيراني أصبح يشكل أولوية للولايات المتحدة الأميركية لتقاطعه مع ما بات يعرف بـ"الأمن النووي العالمي"، و"أمن إسرائيل". هذا، فضلاً عن اتهام إيران المزمن "بالإرهاب وتصعيد العنف" في منطقة الشرق الأوسط.


3- إن فعالية العقوبات تتطلب وجود سياسة واضحة ومحددة المعالم، والتزامًا صارمًا من الدول المعنية بتنفيذ هذه العقوبات. وبحسب استقراء السياسة الأميركية في المنطقة يمكن القول إن الشرق الأوسط -المعني الأول بالعقوبات باعتباره المحيط الإقليمي لإيران- هو الجدار الأضعف في الدبلوماسية الأميركية، والذي دائمًا ما تُؤتى من قبله. وهو من ناحية أخرى الحلقة الأقوى والركيزة الأهم لطهران وحلفائها.


4- إن أحد أهم أهداف واشنطن من فرض عقوبات جديدة هو عدم السماح لإيران بالاستفادة من عنصري الوقت والفراغ الإقليمي النسبي، وهما اللذان وفرتهما -وما زالت- الأزمة المالية العالمية، والتحديات التي تواجهها واشنطن في أفغانستان والعراق، فهذه التحديات حالت دون أن توجه واشنطن جهودها ومواردها ناحية طهران بصورة مركزة حتى الآن. وتريد واشنطن بالعقوبات الجديدة مواجهة ما تصفه بأنه "إستراتيجية طهران في كسب الوقت، والقائمة على الاستفادة من المهل الزمنية التي تمنح لها، وتوقيع الاتفاقات والتحلل منها لاحقًا"؛ وذلك بإستراتيجية مضادة تعرقل طهران وتعوقها دبلوماسيًا وعملياتيًا عن تطوير برنامجها النووي أو قدراتها الاقتصادية العسكرية، بالإضافة إلى تجريدها من قدراتها على المبادرة والتأثير الإقليمي.


5- إن روسيا ليست معنية بأي عقوبات تتجاوز في هدفها الحد من قدرة إيران على حيازة أسلحة نووية، وأي عقوبات تتجاوز هذه الغاية هي عُرضة للمساومة والمقايضة روسيًّا، ما لم تمس أمنها أو مصالحها الإستراتيجية. وفي كل الأحوال، لن يتطابق تصور روسيا لنوعية العقوبات المحتملة على إيران مع الغاية التي تنشدها واشنطن. وكذلك فإن روسيا، كما تدفعها مصالحها الاقتصادية لإبقاء التعاون النووي السلمي مع إيران، فإن مخاوفها أو مصالحها الإستراتيجية قد تدفعها لإبطاء أو حتى إيقاف هذا التعاون لو تطلب الأمر، وهو ما سيحدده الحوار الجاري بين واشنطن وموسكو. ولكن هذا لا يعني أن تعاون روسيا مع طهران في المجالات الأخرى التي تقع خارج إطار العقوبات -إن فُرضت- سيتوقف؛ لأن طهران ستتفهم على نحو أو آخر مصالح موسكو بحسب تقديرات هذه الأخيرة؛ بحيث تصبح العقوبات أحد محددات العلاقة بين البلدين، وليست حاجزًا بينهما.


6- إن الصين معنية بتقليص عدد الدول النووية في العالم، والحؤول دون إطلاق سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط، لكنها مع ذلك ليست مقتنعة بالصورة التي تروجها الإدارة الأميركية وإسرائيل عن التقدم النووي الإيراني؛ ولهذا فهي ليست متحمسة لفرض عقوبات جديدة على طهران وستحاول التخفيف من حدتها خاصة أنها تتعارض مع مصالحها الاقتصادية الحيوية ولاسيما النفطية منها. لكنها في الوقت نفسه، ترى في حاجة أميركا لها فرصة مناسبة لتفرض على واشنطن الجلوس معها وجهًا لوجه، للتفاهم معها حول الملفات الكبرى وأخذ مصالح الصين الإقليمية والدولية بعين الاعتبار. وبطبيعة الحال ستحاول بكين التخفيف من حدة العقوبات، بيد أن ما يجمعها مع أميركا من مصالح مشتركة أو ما تحذَرُه مما قد يتأتى منها من سوء، سيدفعها للتعامل مع قضية إيران وما يتصل بها من ملفات، باعتبارها إحدى الأوراق التفاوضية القابلة للمساومة مع واشنطن.


7- ترى أوروبا بشكل عام في الالتزام بأي عقوبات دولية صارمة بديلاً أفضل من نتائج أي حرب يمكن أن تُشن على إيران. بل إن هذا المنظور، مضافًا إليه تقديرات أوروبا للتحدي الإيراني، من المتوقع أن يدفع دول أوروبا للمشاركة في العقوبات ولو صدرت عن واشنطن بصورة منفردة. فهواجس أوروبا الأمنية من التحدي الإيراني تلتقي مع تلك التي لدى واشنطن، سواء فيما يتعلق "بالأمن النووي العالمي" أو "بأمن إسرائيل"، وبعلاقة إيران بما يسمى "الإرهاب"، وبالصراع في الشرق الأوسط، ومحاولة "الهيمنة الإقليمية". هذا، فضلاً عن تهديد طهران لأمن أوروبا نفسها؛ لأن التطور الصاروخي مع التطور النووي الإيراني سيجعل أوروبا هدفا للآلة العسكرية الإيرانية، وفي المستقبل القريب وليس البعيد بحسب بعض التقديرات الأوروبية.


8- ترفض تركيا مبدأ العقوبات على إيران وتنشط للحؤول دون تنفيذه، لكن موافقة الصين وروسيا على العقوبات المحتملة سيجعل تركيا وحيدة ولن تصمد في مواجهتها، كما لن تستطيع التهرب من التقيد بها. لكن تركيا ستكون حتمًا أشد المناهضين للعقوبات، بالنظر إلى متانة الروابط الاقتصادية بين طهران وأنقرة، فضلاً عن ارتباط الأمن القومي التركي بما يجري في إيران والمنطقة بحكم تأثير الجوار الجغرافي. وموقف تركيا هذا، يمكن أن يتغير في حال حصول تغيير في السلطة ورحيل حكومة العدالة والتنمية التي يقودها رجب طيب أردوغان؛ لأن السياسة التي تنتهجها حكومة حزب العدالة والتنمية التركي لم تصبح بعدُ سياسة راسخة للدولة التركية وما زالت في طور التأسيس، والمراهنة على تغير السياسة التركية تجاه كثير من القضايا عند تغير الحكومة الحالية ما يزال مطروحًا. ولكن بنفس الوقت لن يصل التغيير لو حصل إلى حد تشجيع تركيا للعقوبات أو الحرص على التشدد في الالتزام بها، فالمتوقَّع أن تلتزم بالقدر الذي يبرئ ذمتها أمام المجتمع الدولي وليس أكثر.


9- لن تشجع دول الخليج العربي العقوبات على إيران، لكنها مع ذلك ستلتزم بها فور إقراراها دوليًا؛ لأنها جميعا معنية بتجنب الحرب وعدم تكبد كلفتها العالية، ولأن الشكوك تجاه إيران في تزايد مستمر في عواصم هذه الدول؛ أما في حال فشل إقراراها دوليًا فليس من المؤكد أن تلتزم بها بشكل جماعي أو جدي في حال صدورها عن واشنطن وحلفائها الغربيين؛ لأنها عندئذ ستتخذ طابعًا عدائيًا خاصًا.


10- إن عدم قدرة إيران وجوارها العربي عمومًا، والخليجي خصوصًا، على تأسيس علاقات إقليمية مستقرة، بالرغم من كل الوشائج والروابط التي تجمع بين الطرفين، قد جعل المنطقة أشبه بمنطقة فراغ تستدرج صراعًا غربيًا إيرانيًا، وجعل العرب عمومًا عاجزين عن المبادرة لإيجاد حلول تبعد شبح العقوبات في منطقة هم معنيون بها وبضمان أمنها واستقرارها قبل غيرهم.


11- هناك تشكيك واسع في قدرة العقوبات على تحقيق الهدف الذي أُنيط بها وذلك قبل إقراراها، حتى من أوساط مؤثرة في واشنطن؛ مما يشي باحتمال قوي مفاده أن العقوبات التي تدخل ضمن الإستراتيجية الأميركية الراهنة هي جزء من إستراتيجية أشمل، قد تكون الحرب في آخرها أو في بعض مراحلها.







لقراءة التقرير كاملا على هيئة PDF، يرجى اتباع الرابط التالي:


مآل العقوبات على إيران.. ومواقف الدول المؤثرة والمحيطة



_______________
أعدت الورقة بإشراف قسم البحوث والدراسات بمركز الجزيرة للدراسات، وتولى تحرير التقرير شفيق شقير. واعتمدت الورقة على مساهمة:
علي باكير، نورهان الشيخ، عزت شحرور، محمد نور الدين، عبد الجليل المرهون، ونبيل شبيب.