إفريقيا جنوب الصحراء وليبيا.. رهانات وآفاق

استفاد ثلاثون بلداً أفريقيا من أصل خمسين من الاستثمارات الليبية فكيف سيتصرف الثوار الليبيون في حال فوزهم وأخذهم زمام الأمور بطرابلس؟ هل سيواصلون تأسيس البنك المركزي الإفريقي والبنك الإفريقي للاستثمارات، وهي أمنيات لمعمر القذافي كان قد حصل بخصوصها على موافقة نظرائه الأفارقة؟
201172174746529580_2.jpg

ربما تكون ليبيا أكثر بلد إفريقي قدّم خدمات لإفريقيا جنوب الصحراء، ولا يتجلى ذلك على المستوى السياسي فقط، بل عبر دعم أكثر من 50% من ميزانية تسيير منظمة الاتحاد الإفريقي، وكذلك أيضا على المستوى الاقتصادي والمالي والتكنولوجي.

خلال السنوات الأخيرة، تحسّن الأداء الاقتصاد الكلي بشكل كبير على مستوى القارة الإفريقية، عكس ما يعتقده الكثيرون. وفي هذه الدراسة القصيرة، سوف نتطرق إلى الاستثمارات الليبية في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ونرسم صورة للطيف الذي يشمل قادة وشعوب المنطقة التي يُعتَقد أنها مهد الإنسانية، ثم نتحدث عن مستقبل العلاقات المقبلة في هذه القارة، متطرقين لليبيا المستقبل، كل هذا على ضوء عملية حلف شمال الأطلسي بليبيا: "فجر الأوديسة".

صناديق الاستثمار الليبية

تمتلك ليبيا أكبر احتياطات نفط في إفريقيا، وتقدر بـ42 مليار برميل نفط وأكثر من 1.3 مليار متر مكعب من الغاز. مع أنه لم يتم، حتى الآن سوى الكشف المسحي عن 25% من الأراضي الليبية. وخلال السنوات المقبلة، قد تصبح هذه البلاد الأولى اقتصاديا في منطقة إفريقيا. ورغم تعدد صناديق الاستثمار الليبية، بل وتشتتها أحيانا، إلا أنها كلها تعتمد على المؤسسة الوطنية الليبية للنفط: Libyan National Oil Corporation NO وقد مكنت هذه الصناديق الاستثمارية الاقتصاد الإفريقي، على الرغم من الأزمة الدولية، من التطور بشكل كبير. فمن معدل 2.6% في سنة 2009، تضاعف معدل نمو الناتج الداخلي الخام تقريباً ليصل إلى 5% سنة 20

اشترت شركة "أويليبيا" (OiLibya) في جميع بلدان إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى شركة النفط الإنجليزية/الهولندية "شيل". وفي السودان وإثيوبيا وجيبوتي، تواصل "المجموعة الحكومية الليبية" توسعها القاري في القطاع الإنتاجي النفطي (التكرير والتوزيع). في المقابل، تراجعت شركة "إيكسون موبيل" -الشركة الأمريكية الأصل المتعددة الجنسيات" بنسبة 67% في إفريقيا. وخلال نفس الفترة، تراجع تواجد "شيفرون" (الشركة الأمريكية الأصل المتعددة الجنسيات كذلك وهي من أكبر شركات البترول العالمية والتي تعمل في كافة مراحل صناعة البترول) بنسبة 37 بالمائة و"شيل" بنسبة 20 بالمائة. بل إن شركة "أويل ليبيا"، التي تزايد عدد محطات خدماتها بنسبة 596 بالمائة على مستوى القارة في ظرف خمس سنوات، قد غطت حتى على شركة "توتال" (شركة نفط فرنسية)... فبينما أضحت توتال آخر شركة نفطية تقاوم الصعود الصاروخي لأويليبيا بأربعة آلاف محطة، فإن الشركة الليبية تتوفر على ما قدره 2200 محطة خدمات، وشهيتها الهائلة ما زالت مفتوحة.

كما تقدمت ليبيا في القطاع الفندقي كذلك حيث استثمرت الشركة الليبية العربية للاستثمارات الإفريقية (LAAICO)، أو صندوق محفظة ليبيا إفريقيا للاستثمار (LAP)، بشكل مهم في قطاع السياحة. وانطلاقاً من "ذا سيتي" في لندن (حيث تم إنشاء صندوق تغطية)، وهي -نوعاً ما- منصة انطلاق يدعمها سماسرة بورصة محنكون، وصلت استثمارات الشركة الليبية العربية للاستثمارات الإفريقية من 25 مليون دولار سنة 1991 إلى 1.5 مليار دولار سنة 2008. وهكذا، نشاهد ليبيا وهي تستحوذ على فنادق مرموقة على امتداد إفريقيا، لا سيما في مالي (فندق أميتيي) أو في توغو وغيرهما.

تأتي الحالة الأكثر خصوصية، والتي تسترعي انتباه الملاحظين المطلعين، من غامبيا، حيث اعترف رئيس الجمهورية يحيى جاميه بسرعة بالمجلس الانتقالي الوطني الليبي. مع أن الصناديق الليبية استثمرت في غامبيا بشكل مكثف في مجال الفندقة، عبر بناء مركب فندق "جيرما بيتش"، وشراء فندق "أتلانتيك" و"دريم بارك". وهكذا، يتساءل بعض المراقبين: هل يريد الرئيس الغامبي الاستحواذ على هذه الأملاك في حال سقوط معمر القذافي؟ وسواء كان ذلك في غينيا، أو السنغال، أو ليبيريا، أو النيجر، أو زامبيا، فإن الشركة الليبية العربية للاستثمارات الإفريقية تمتلك، ربما، 100% من حصص الاستثمار في القطاع السياحي في هذه الدول.

كيف تنظر إفريقيا لما يحدث في ليبيا؟

لا تنظر أغلب الشعوب في دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بعين الرضا إلى ما يحدث في ليبيا، ليس فقط من وجهة نظر مستقبلهم الأمني، لكن كذلك بالنظر إلى مستقبل إفريقيا بشكل عام. فمن الملاحظ لمتابع الشأن الإفريقي أن شعوب هذه القارة تستنكر حرب "إعادة الاستعمار" الغربية تحت قيادة حلف شمال الأطلسي، وتنتقد حكامها الذين تصفهم بالأتباع بصمتهم المدوي وترددهم في إطار الإتحاد الإفريقي. بل أسوأ من ذلك، يُنظَر إلى هؤلاء الحكام على أنهم "خاملون وحقيرون"... فأمام "حرب الافتراس" القائمة في ليبيا، فإن إفريقيا هي التي تُقتل مرة أخرى بعد أن قُتلت لمرات لا تحصى. وبما أنه يتم الحديث في الميدان حول تواجد مرتزقة إلى جانب معمر القذافي، فإن المخاطر متعددة. فهذا معناه زعزعة دولة تشاد المجاورة؟ وفي حال نشوب نزاع تشادي جديد، فإن الكاميرون المجاورة لن تكون في مأمن. وماذا عن مالي أو النيجر؟ في الغالب سيفرّ الجميع وفي أيديهم أسلحة كلاشنيكوف.

وبسبب نقص الأموال، ستجد هذه الدول الأخيرة نفسها في مواجهة التهريب والنهب، بل وحتى الإرهاب باسم مطالب سياسية. وسيشكل تنقل الأسلحة التي تطرح نفسها بحدة إشكالية أكبر، وخطراً حقيقياً على أمن الدول وشعوبها. فقد تعززت المجموعات الإرهابية التابعة لتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، المتواجدة في طول شريط منطقة الساحل، لدى الثوار الليبيين واستولت على خزائن أسلحة مهمة كما تناقل أكثر من مصدر أمني وإعلامي. تسببت نتائج الحرب في ليبيا في عودة أكثر من مليون مهاجر إلى إفريقيا، اضطروا إلى الفرار في ظروف مأساوية غالباً، دون احتساب من قتلوا من قبل الثوار الليبيين بسبب الاشتباه في أنهم مرتزقة. وقد تبخرت مساهماتهم من العملة الصعبة، والتي كانت تدعم عائلاتهم، وبشكل غير مباشر اقتصاد بلدانهم، كما يتبخر الثلج تحت أشعة الشمس.

هكذا، وبالعودة إلى تمويل ليبيا للقمر الاصطناعي "راسكوم" الذي تملك فيه هذه الدولة النفطية أكثر من 61% من الحصص، والذي كان سيمكن إفريقيا من ادخار مبالغ طائلة كانت تصرفها على الاتصالات، خصوصاً وأن الغرب يحصد منذ وقت طويل مبلغ نصف مليار دولار كل سنة على حساب المستهلك الإفريقي. في حين كان من المفروض أن تؤمن "راسكوم" التغطية الشاملة للقارة بالنسبة للاتصالات الهاتفية والتلفزيون والإذاعة وعدة استعمالات أخرى مثل التطبيب والدراسة عن بعد. ولأول مرة، تصبح إمكانية التواصل بكلفة منخفضة ممكنة بالنسبة لمجموع القارة، حتى في المناطق القروية بفضل نظام الراديو WMAX.

التغيير المحتمل في العلاقات الإفريقية-الليبية

على ضوء النزاع القائم حالياً في الجماهيرية، فإن مستقبل علاقة هذه البلاد بإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى غير واضح. وقد تأتي بسرعة إمكانيات فقدان مناصب الشغل والتأميم من قبل الدول التي تتواجد فيها هذه الأموال الليبية، وتطرح نفسها على غير العادة بحدة. وسوف يكون هناك مشكل حقيقي بين المجلس الوطني الانتقالي، الذي سيطالب بهذه الأموال، والحكومات الإفريقية. وتحسباً لذلك، سيكون هناك من جهة، الثوار الليبيون، ومن جهة أخرى، الدول الإفريقية حيث استثمرت ليبيا بكثافة، بما قدره 60 مليار دولار في أرجاء إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. فالمعادلة الصعبة التي ستُطرح ستكون بدون شك خرابا ذا نطاق واسع لا بد من ترميمه. إذن، كيف سيتصرف الثوار الليبيون في حال فوزهم بالحرب؟ الله وحده يعلم. فمع 23 وحدة فندقية في ملكية الشركة الليبية العربية للاستثمارات الإفريقية، والمنتشرة في 15 بلداً، وهي تونس، جنوب إفريقيا، تنزانيا، أوغندا، رواندا، الغابون، الكونغو، بوركينافاسو، تشاد، إفريقيا الوسطى، غانا، غامبيا، مالي، وتوغو، فإن في الأمر ما يحيّر ويتيه معه المرء في هذه البركة العميقة.

وعلى العموم فقد استفاد من الاستثمارات الليبية 30 بلداً، من أصل 50 التي تضمها إفريقيا اليوم بحساب مدغشقر، و55 إذا احتسبنا جميع الأرخبيلات وجنوب السودان الذي وُلِد مؤخراً. فبالإمكان، إذن، منطقياً أن نضيف إلى هذه اللائحة الطويلة كلا من موريتانيا، مدغشقر، ساو تومي، و برانسيب، دون الحديث عن الكاميرون حيث كانت ليبيا تريد وضع مقر صندوق النقد الإفريقي الذي كانت ترغب في إنشائه انطلاقاً من هذه السنة 2011. فهل سيواصل الثوار كذلك تأسيس البنك المركزي الإفريقي والبنك الإفريقي للاستثمارات، وهي أمنيات لمعمر القذافي كان قد حصل بخصوصها على موافقة نظرائه الأفارقة؟ هنا بالتحديد تكمن عقدة المشكلة.
_______________
باحث وكاتب كاميروني

نبذة عن الكاتب