أسباب متعددة فاقمت الظاهرة
لا شك أن الموقع الجغرافي للصومال له دور كبير في هذه الكارثة الطبيعية، وتفسير ذلك أن التيارات البحرية تعرّض المناطق الساحلية للجفاف، وذلك حينما تهب من تلك البحار رياح تتميز بقدرتها على امتصاص بخار الماء، ونادرًا ما تُسقط أمطارًا؛ إذ إن شدة الحرارة تعمل على تبخر الماء ولا تكون هناك فرصة لتكثيفه. ثم إن عدم الاستخدام الأمثل للموارد البشرية والمادية وللتكنولوجيا الحديثة أمر فاقم هذا التحدي الطبيعي، فكثيرا ما عمد الإنسان في الدول الإفريقية عموما والصومال خصوصا إلى إزالة الغابات والنباتات الطبيعية والتوسع في الرعي الجائر مما يؤدي إلى قلة الرطوبة في الجو، ويؤدى ذلك إلى ازدياد التبخر لمياه المطر، وزيادة تعرية التربة.
ويرجع جزء كبير من تفاعل هذه الكارثة واستحكامها إلى الدولة الصومالية نفسها؛ فعدم وجود حكومة مركزية، والحرب الأهلية المستعرة أدخل البلاد في دوامة من الفوضى تجاوزت عشرين عامًا، فانتهز بعض التجار هذه الحالة وقاموا بقطع الأشجار وإزالة الغابات بآلات متطورة وسريعة. وانتعشت على إثر ذلك تجارة الفحم وتصديرها إلى الخارج، وهذه الأمور كلها أدت لتحول الصومال إلي صحراء قاحلة. وكانت دراسة صدرت عن المنظمة العربية للتنمية الزراعية في مجال مكافحة التصحر في الوطن العربي عام 1996 قد حذرت من خطورة الوضع في الصومال؛ حيث ذكرت أن 82.70% من مساحة الصومال مهددة بالتصحر؛ مما يعني كثيرا من تكرار الجفاف والمجاعة في المستقبل وهو ما حدث بالفعل.
الجفاف في الصومال.. موجات متتالية
تكرر الجفاف في الصومال في القرن الماضي أكثر من عشر مرات على مدى عشرة عقود تقريبًا، ومن أشهر أعوام الجفاف التي لا ينساها الصوماليون في تاريخهم الحديث ذلك الذي حدث عام 1964، والذي أطلقوا عليه (عام جفاف المكرونة)، نسبة إلى المكرونة التي كانت توزع علي المتضررين في ربوع الصومال. بعد عشر سنوات ضربت موجة جفاف جديدة البلاد عام 1974، وعُرفت محليا أيضا بالجفاف "طويل الأمد"، ولكن تم آنذاك التغلب على آثاره بفضل وجود الحكومة المركزية، والتي أنقذت كثيرا من المواطنين ونقلتهم من الأقاليم الوسطى إلى الأقاليم الجنوبية حول ضفاف نهري جوبا وشبيلى.
في عام 1992 وقعت أسوأ موجة جفاف في القرن العشرين في الصومال، ويُقدَّر عدد من قضوا نحبهم بسببها بأكثر من 300 ألف نسمة، وقد خيّم الجوع آنذاك علي أجزاء واسعة من البلاد، وهي الموجة التي جاءت على إثرها قوات أمريكية وأممية في ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه بموجب قرار دولي من أجل حماية وتأمين وصول الإغاثة للمتضررين. توالت بعد ذلك على الصومال سنوات أخرى من الجفاف اتخذت طابع الاستمرار، فبعد أن كانت تلك الموجات متباعدة (حوالي كل عشر سنوات تقريبا كما سبق القول) صارت في الأعوام الأخيرة شبه متواصلة.
الآثار على الوضع الإنساني
حذرت وكالات الإغاثة الدولية التابعة للأمم المتحدة من أن الجفاف والمجاعة في الصومال قد يؤديان إلى مأساة إنسانية ذات أبعاد وخيمة؛ إذ سيحتاج شخص واحد من بين كل ثلاثة أشخاص إلى مساعدات إنسانية عاجلة. ومما يزيد من تفاقم الوضع ارتفاع أسعار الحبوب وندرة المياه الصالحة للشرب في العديد من المناطق. ويمكن فهم المزيد من جوانب المأساة التي خلفتها موجة الجفاف الحالية في الصومال من بعض المعطيات الأساسية الواردة في تقرير منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) الصادر في شهر إبريل/نيسان الماضي:
- يوجد2.41 مليون نسمة بحاجة ماسة لمساعدات إنسانية، بزيادة قدرها 30% مقارنة بأعدادهم قبل ستة أشهر.
- نزح 1.46 مليون نسمة من سكان المناطق الوسطى والجنوبية بسبب المجاعة والصراع الدائر بين الفرقاء السياسيين.
- يعاني 940,000 من السكان أزمة غذائية حادة، ويشتكون من ضيق سبل الرزق.
- أصاب الجفاف وبخاصة في المناطق الجنوبية 241,000 طفل دون سن الخامسة بأمراض سوء التغذية الحادة، بزيادة نسبتها 9% عن ما كانوا عليه قبل ستة أشهر. (يبلغ معدل سوء التغذية الحاد في جميع أنحاء الصومال 16%).
- أدت موجة الجفاف الحالية إلى أن يكون إنتاج المحاصيل في الموسم الزراعي الحالي هو الأقل منذ عام 1995.
- ارتفعت أسعار المواد الغذائية وغير الغذائية التي تستخدمها الأسر التي تقطن الجنوب بنحو 35 % منذ عام 2009.
الحلول المتواضعة
لعبت المنظمات الإغاثية بالتنسيق مع المنظمات الأهلية المحلية دورًا مهما في التخفيف من تداعيات هذه الأزمة رغم الحصار المفروض عليها من المعارضة، وعلى الرغم أيضا من عدم قدرة الحكومة على رعاية أمن موظفي هذه المنظمات، لكن ذلك لم يمنع وكالات الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي ووكالات غوث أخرى من دقّ نواقيس الخطر، والتحذير من أنه في حال عدم معالجة الأزمة خلال الأسابيع المقبلة فإنها ستتفاقم وتتعقد وتصبح أسوأ، بل وقد تتحول إلى كارثة إنسانية مشابهة لتلك التي حلت بالصومال في تسعينيات القرن الماضي.
ولعل التدخل السريع لتدارك أزمة كارثة الجفاف بغرض إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وتكاتف جهود المنظمات الإغاثية، وإنشاء آلية لتنسيق العمل الإنساني في الصومال ينبغي أن يكون على رأس الأولويات الآن. ومن المفترض أن يقع العبء الأكبر في ذلك على الدول الإسلامية والمنظمات الخيرية العاملة فيها لدعم صندوق الإغاثة وإعادة الإعمار في الصومال. ومن الجلي أن السعي الجاد للوصول إلى حل سياسي للمعضلة الصومالية سيشكل إسهاما في تخفيف آثار كارثة الجفاف، هذا فضلا عن ضرورة تأسيس مركز دراسات خاص لدراسة التغيرات البيئية واستشعار الجفاف والتصحر، بحيث يكون بمثابة محطة إنذار مبكر.
وعلى الجانب العملي أيضا لا بد من تفعيل المنظمات البيئية لتحارب القطع الجائر للغابات والأشجار والقيام بتوعية المواطنين بالأضرار الناتجة عن تدمير الغطاء النباتي، وإرشاد المواطنين إلي بدائل للفحم النباتي. ولن يتم هذا الأمر إلا بإصدار تشريعات ولوائح تحرم تجارة الفحم النباتي وتصديره للخارج، وتحرم كذلك قطع الأشجار، ومحاسبة الخارجين عن القانون.
_______________
عميد كلية الشريعة والقانون – جامعة بنادر – مقديشو