المشهد التركي على أبواب انتخابات 2011

يتميز المشهد السياسي التركي قبيل إجراء الانتخابات بحركة حثيثة من مختلف الأحزاب التركية وخلت لأول مرة برامجها الانتخابية من الخوض في المسائل الأيديولوجية، وركّزت على عرض مشروعات سياسية وتنموية ستنعكس بشكل مباشر على الحياة السياسية والوضع الاقتصادي والاجتماعي للمواطن التركي.
1_1062109_1_34.jpg







 

محمد العادل


تستعد تركيا لخوض الانتخابات التشريعية في 12 يونيو/حزيران المقبل؛ حيث يتنافس 15 حزبا سياسيا على نيل ثقة قرابة 53 مليونا من الناخبين الأتراك الذين سيختارون 550 نائبا لمجلس الأمة التركي من مجموع 7492  مرشحا حزبيا و203 مرشحين مستقلّين.


وقد انطلقت الحملات الانتخابية في تركيا، وطرحت جميع الأحزاب المشاركة في العملية الانتخابية وعودها للناخب التركي وسط أجواء ديمقراطية، لكن الهجوم المسلح الذي تعرّض له موكب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يوم 3 مايو/أيار الجاري في محافظة قسطمونو، (تبعد عن العاصمة أنقرة 250 كلم)، عكّر صفو المشهد الانتخابي في تركيا، وبدأ الحديث في الشارع التركي عن عامل جديد قد يؤثّر على سير العملية الانتخابية ونتائجها أيضا لاسيما عقب مقتل رجل أمن وجرح آخر كانا ضمن الفريق الأمني لتأمين سير موكب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، الأمر الذي يشير إلى أن الجهة التي تقف وراء هذا العمل المسلّح قد تلجأ إلى نفس الأسلوب أيضا للتأثير على سير العملية الانتخابية.


المشهد السياسي التركي.. حراك ديمقراطي
العوامل المؤثرة على المسار الانتخابي ونتائجه
استطلاعات الرأي.. فوز مرتقب لحزب أردوغان
تركيا والدور الإقليمي المنتظر


المشهد السياسي التركي.. حراك ديمقراطي 





يعتبر أردوغان أن الدستور الحالي، الذي سطّره الجنرالات الأتراك في آخر انقلاب عسكري قاموا به، هو العائق الكبير أمام مشروعاته الإصلاحية لتعزيز الديمقراطية.
يتميز المشهد السياسي التركي قبيل موعد إجراء الانتخابات بحركة حثيثة من مختلف الأحزاب التركية، تعرض فيها برامجها الانتخابية ووعودها للناخبين الأتراك، وتختلف التعهدات التي تطرحها الوثائق الانتخابية لمعظم الأحزاب التركية هذه المرة عن سابقاتها؛ حيث تجنّبت الأحزاب التركية -ولأول مرة- الخوض في المسائل الأيديولوجية، وركّزت على عرض مشروعات سياسية وتنموية محددة مرفقة بما تتوقعه من نتائج تنعكس بشكل مباشر على مستقبل الحياة السياسية في تركيا، والوضع الاقتصادي والاجتماعي للمواطن التركي.

يَعِد حزب العدالة والتنمية الحاكم في برنامجه الانتخابي المواطنين الأتراك -في حال تجديد الثقة فيه لدورة ثالثة- بأن يطرح صياغة جديدة لدستور مدني لتركيا، يشكّل أرضية صلبة لما وعد به من إصلاحات سياسية تأتي على رأسها مسألة الحل السياسي والسلمي للقضية الكردية؛ حيث يعتبر أردوغان أن الدستور الحالي، الذي سطّره الجنرالات الأتراك في آخر انقلاب عسكري قاموا به، هو العائق الكبير أمام مشروعاته الإصلاحية لتعزيز الديمقراطية. ومن هذه الإصلاحات، حقوق المواطنين الأتراك ذوي الأصول الكردية، وغيرها من القضايا العالقة ذات الصلة بحقوق الإنسان والحريات العامة والخاصة كقضية الحجاب والتعليم الديني وحق تعلّم اللغة الأم (مثل: الكردية والعربية وغيرها..).


ويطرح أردوغان وحزبه رؤية يراها متكاملة لتحقيق تنمية سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية لتركيا تكون غير مرهونة بفترة بقاء حزبه في السلطة؛ لذلك يعرض مشروعات طموحة يصل مداها إلى عام 2023 ، موعد الذكرى الأولى لمرور مائة عام على تأسيس الجمهورية التركية. وتركز وعود أردوغان في حملته الانتخابية على المضي قدما في تعزيز بنية الاقتصاد الوطني ليبلغ المرتبة العاشرة في الاقتصاديات العالمية الكبرى، مشيرا إلى أن دخل الفرد التركي تجاوز خلال هذا العام 10 آلاف دولار أمريكي، واعدا المواطن التركي بأن يبلغ دخل الفرد 25 ألف دولار عام 2023، ولم يغفل أردوغان في وثيقته الانتخابية تعزيز الدور الإقليمي لتركيا وتفاعلها الإيجابي مع قضايا المنطقة، وإعطاء الأولوية لدول الجوار وفق متطلبات الأمن القومي التركي.


ولا يخلو المشهد السياسي التركي من مدّ وجزر بين حزب العدالة والتنمية الحاكم وبقية أحزاب المعارضة الرئيسية، وأبرزها حزب الشعب الجمهوري (الكمالي)، وحزب الحركة القومية، وحزب السلام والديمقراطية (الكردي)؛ فتتعالى أصوات أحزاب المعارضة لاسيّما حزب الشعب الجمهوري باتّهام حكومة حزب العدالة والتنمية، ورئيسها رجب طيب أردوغان والمحيطين به، بالفساد الإداري والمالي واستغلال النفوذ لتحقيق مصالح شخصية؛ حيث يردّد زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليشدار أوغلو زعمه بأن " أردوغان وأنصاره يزداد ثراؤهم يوما بعد آخر، في الوقت نفسه الذي ينتشر الفقر فيه وترتفع حدّته بين أوساط الشعب التركي"، مشيرًا إلى بروز ما يصفه بـ "البرجوازية الإسلامية" في تركيا، وظهور مجموعات اقتصادية جديدة في ساحة الأعمال التركية مقرّبة من أردوغان، الأمر الذي يعتبره كليشدار أوغلو مؤشّرا واضحا على "تفاقم ظاهرة الفساد المالي والتلاعب بالمال العام"، واصفا السياسات الاقتصادية لحكومة رجب طيب أردوغان بالفاشلة، ومتهما إياه بترويج مؤشرات مغلوطة ومبالغ فيها عن حركة الاقتصاد التركي، موضّحا أن أردوغان يطرح مشروعات خيالية لتخدير المواطن التركي، قاصدا بذلك مشروع المجرى المائي المعروف بقناة إسطنبول.


أما حزب الحركة القومية فيركز على اتهام حزب أردوغان بزعزعة ما يعتبره "هيبة الدولة" عقب الزج بقادة عسكريين في السجون بتهم يعتبرها زعيم الحركة القومية دولت بهجلي باطلة وتعكس رغبة أردوغان في "الانتقام من المؤسسة العسكرية"؛ الأمر الذي يعتبره بهجلي خطرا كبيرا على السلم الاجتماعي في البلاد؛ ويعتقد معظم المراقبين أن الوثيقة الانتخابية ووعود حزب الحركة القومية لا تبدو مقنعة للناخب التركي، ربما بسبب انشغال الحزب بخلافاته الداخلية التي نتج عنها انشقاق عدد من القوميين المحافظين عنه؛ الأمر الذي يعيق حزب الحركة القومية عن تجاوز الحاجز الانتخابي الـ (10%)؛ وبالتالي قد يتعذّر عليه دخول مجلس الأمة التركي (البرلمان)، وهو ما سيعزّز رصيد حزب العدالة والتنمية في كسب قسم كبير من أصوات القوميين الأتراك، لاسيما المحافظين منهم.


وهناك حزب السلام والديمقراطية (الكردي) الذي خرج هذه المرة ليَعِد أنصاره، ومعظمهم من المواطنين الأكراد، بأن يطالب بشكل علني بحق المواطنين الأكراد في تركيا في حكم ذاتي أو استقلال كامل للحكم المحلّي للمناطق ذات الأغلبية الكردية وفق ما تحدّده المعايير الأوروبية. ويبدو أن استقرار الحكم الذاتي للأكراد في شمال العراق وتعالي أصوات الثورات العربية قد شجّع حزب السلام والديمقراطية الكردي في تركيا على رفع سقف مطالبه؛ ويرى الكاتب التركي خير الدين طوران " أن توجّه حكومة أردوغان للحوار مع زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان المعتقل في السجون التركية قد سحب من حزب السلام والديمقراطية ورقة مهمة كان يضغط بها على أنقرة"، ويضيف طوران قائلاً: "إنّ حزب السلام والديمقراطية الكردي يعمل الآن على استخدام الأجنحة الكردية المسلحة والمعارضة للزعيم الكردي عبد الله أوجلان والمتمركزة في شمال العراق لاستخدامها كورقة ضغط على حكومة حزب العدالة والتنمية". وكان أردوغان قد ألمح إلى صلة أطراف سياسية كردية بالهجوم المسلّح على موكبه مؤخرا، ما يرى فيها بعض المراقبين إشارة واضحة لضلوع حزب السلام والديمقراطية الكردي في الهجوم المسلح الأخير على موكب رئيس الوزراء التركي.


ويبقى حزب السعادة (الإسلامي) يراوح في أزمته بعد غياب قيادته التاريخية ووفاة زعيمه نجم الدين أربكان؛ حيث يقول الكاتب التركي إسماعيل كابان: "إن حزب السعادة الإسلامي لم ينجح في إفراز قيادة جامعة يلتف حولها محبّو الزعيم نجم الدين أربكان". ويرى كابان "أنَّ نعمان كرطلموش الذي تولّى زعامة حزب السعادة خلفا لنجم الدين أربكان فترة قصيرة، كان مرشحا للقيام بدور قيادي بارز في هذا الحزب ليعيد له زخمه غير أن الخلافات الداخلية دفعته إلى التخلّي عن قيادة حزب السعادة، وجعلته يتوجّه لتأسيس حزب صوت الشعب؛ الأمر الذي يقطع الطريق أمام أي دور مستقبلي لحزب السعادة، وقد يكون سببا مباشرا في تشتّت أصوات الحركة الأربكانية التي سيستثمرها أردوغان وحزبه خلال الانتخابات المقبلة".


العوامل المؤثرة على المسار الانتخابي ونتائجه 





يبقى العامل الاقتصادي هو المحرّك الرئيسي للناخب التركي؛ لذلك جاءت وعود الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات التركية لتعطي مسألة الرفاه الاقتصادي والاجتماعي للمواطن التركي أولوية مطلقة.
يبقى العامل الاقتصادي هو المحرّك الرئيسي للناخب التركي؛ لذلك جاءت وعود الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات التركية لتعطي مسألة الرفاه الاقتصادي والاجتماعي للمواطن التركي أولوية مطلقة، وركزت المشروعات التي تطرحها مختلف الأحزاب التركية على مكافحة الفساد، والعمل على إنهاء ظاهرة البطالة، وتأمين الضمان الاجتماعي والصحي لجميع المواطنين دون استثناء، والالتزام بتحسين الأجور والرفع من دخل الفرد، وتحتلّ مسألة الإصلاحات السياسية المرتبة الثانية في أولويات الناخب التركي، فالشارع التركي يُولي أهمية كبيرة للوعود بتعزيز بناء الديمقراطية وحقوق الإنسان واستقلال جهاز القضاء من خلال صياغة دستور جديد للبلاد يُنهي حالة التداخل بين صلاحيات المؤسسات الدستورية، ويجعلها علاقة تكاملية وغير تنافسية، وينهي بشكل كامل وصاية بعض المؤسسات الدستورية لاسيّما جهاز القضاء والمؤسسة العسكرية على خيارات الشعب التركي والقرار السياسي في أنقرة.

ويرى الأكاديمي التركي إبرهيم أدهم آروغلو "أن الشجاعة التي تحلّى بها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في مواجهة ملفّ (منظمة أرغنكون) أو ما يعرف بالدولة الخفية في تركيا -والتي كشفت عن تورّط العديد من القيادات العسكرية والأمنية وشخصيات سياسية وإعلامية واقتصادية في هذا التنظيم السرّي داخل هياكل الدولة التركية، والذي كان يخطّط للإطاحة بحكومة أردوغان عبر انقلاب عسكري- هذه الشجاعة ستعزز من حظوظ فوز حزب العدالة والتنمية بدورة ثالثة لإدارة تركيا"، مشيرا إلى "أنه لم يكن يتوقع أي مواطن تركي أن يرى في يوم من الأيام قادة عسكريين أتراكا يقفون خلف القضبان، ويُحاكمون أمام محاكم مدنية، وهو ما كان يحتاج إرادة سياسية قوية وشجاعة نادرة تجلّت في شخص أردوغان".


ولا شكّ أن انفتاح حكومة حزب العدالة والتنمية على الطائفة العلوية في تركيا، واستقطاب شخصيات كبيرة منهم في نسيج الحزب والحكومة، قد قطع الطريق أمام مساندة الطائفة العلوية التقليدية لحزب الشعب الجمهوري (الكمالي)، لاسيّما عقب إدراج مادة التربية الدينية للطائفة العلوية في مناهج التعليم التركي وإفساح المجال أمامهم لإقامة معابد للطائفة يطلق عليها بيوت الجمع.


ويحذر الكاتب التركي محمد كوجك من خطورة توجّه بعض التنظيمات الكردية المسلحة إلى خلط الأوراق قبيل موعد الانتخابات العامة، في إشارة إلى الهجوم المسلح الذي استهدف موكب رئيس الوزراء التركي؛ حيث قال كوجك: "إن اللّجوء للعمل المسلح لتوجيه سير العملية الانتخابية لن يخدم حقوق الأكراد بل سيعزّز حظوظ حزب أردوغان في الانتخابات، وسيجعله أمام الرأي العام التركي طرفا مظلوما، والمزاج التركي معروف دائما بوقوفه إلى جانب المظلوم".


وبرغم التباين في وجهات النظر بين الأحزاب السياسية التركية بشأن الحلّ السياسي للقضية الكردية أو كيفية التعاطي مع حقوق الطائفة العلوية وبقية الأقليات العرقية والدينية في تركيا إلاّ أن جميع الأحزاب التركية تتفق على ضرورة التوصل إلى حل سياسي وسلمي داخل البيت التركي في إطار إصلاحات سياسية شاملة، وبناء ديمقراطي يستوعب جميع الأطراف بعيدا عن إملاءات الأطراف الخارجية، لاسيما الأوروبية منها، وهو ما يفسّر توجّه حزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية إلى طرح مبادرات في هذا الشأن أُدرجت في برامجهم الانتخابية.


وتكاد السياسة الخارجية لتركيا تغيب عن مشهد الانتخابات بسبب انشغال السياسيين والمواطنين الأتراك بكل ما يرتبط بالشأن الداخلي، لكن الإعلامي التركي بدر الدين حبيب أوغلو يرى "أن النجاحات التي حققتها حكومة رجب طيب أردوغان في السياسة الخارجية، والدور الإقليمي الفاعل لتركيا الذي حقق المصالحة التاريخية بين تركيا ومحيطها الجغرافي عموما والجوار العربي والإسلامي خصوصا، قد قوبل بارتياح شعبي كبير في تركيا، لاسيّما أن أنقرة قد استثمرته لتحقيق مصالح سياسية واقتصادية وأمنية، انعكست بشكل إيجابي على الشعب التركي، وحقّقت متطلبات الأمن القومي لتركيا؛ الأمر الذي سيعزز حظوظ أردوغان وحزبه في الفوز بفارق كبير في الانتخابات المقبلة".


استطلاعات الرأي.. فوز مرتقب لحزب أردوغان 


تشير آخر استطلاعات الرأي، التي أُجريت في الساحة التركية، إلى احتمالات فوز حزب العدالة والتنمية الحاكم بنسبة لا تقل عن 48% من أصوات الناخبين الأتراك، يليه حزب الشعب الجمهوري (الكمالي) بنسبة تقارب الـ 25%، ثم يحتلّ المرتبة الثالثة حزب الحركة القومية بنسبة تناهز 11%، في حين تظهر استطلاعات الرأي الأخيرة عدم تجاوز حزب السلام والديمقراطية (الكردي) نسبة 7%، والتي لا تؤهله لدخول مجلس الأمة التركي، وقد يكون ذلك ما دفعه إلى توجيه عدد من مرشحيه إلى الترشّح للانتخابات بصفة مستقلّة ليجتمعوا بعد ذلك داخل البرلمان في كتلة واحدة.


يقول المحلّل السياسي التركي أرجون بابهان: "إن حزب العدالة والتنمية الذي جاء إلى السلطة في أنقرة عام 2002 بنسبة تناهز 35 % من أصوات الناخبين، ثم جدّد الشعب التركي ثقته في حكومة أردوغان في انتخابات 2007 وانتخبه لدورة ثانية بنسبة 47 %، يطمح اليوم أيضا للفوز في انتخابات 12يونيو/حزيران المقبل بنسبة لا تقل عن 45 % ". و يشير بابهان إلى "أن حزب أردوغان يبدو مطمئنا للحصول على هذه الننتيجة لعدة أسباب، أولها: أن أحزاب المعارضة الرئيسية في تركيا لا تشكّل منافسة حقيقية، بالإضافة إلى عملية التجديد التي قام بها أردوغان في صفوف حزبه وإعطائه فرصة أكبر للشباب التركي لخوض غمار السياسة في سنّ مبكرة".


تركيا والدور الإقليمي المنتظر 





لا شكّ أن الفوز المحتمل لحزب أردوغان في انتخابات 12 يونيو/ حزيران المقبل سيدفع حكومة العدالة والتنمية إلى المضي قدما في تنمية تعاونها السياسي والاقتصادي والثقافي مع مختلف البلدان العربية والإسلامية.
لا شك أن الفوز المنتظر لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات المقبلة لن يعكس فقط مساندة الشعب التركي للسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تنتهجها حكومة أردوغان بل سيعكس أيضا الرضا الشعبي في تركيا على النّجاحات التي تحققها حكومة العدالة والتنمية في مجالات السياسة الخارجية وتفاعلها الإيجابي مع قضايا المنطقة، وإدراكها أن أمنها القومي مرتبط بشكل كبير بما يجري في جوارها عموما ومحيطها العربي والإسلامي خصوصا، وهو ما يرشّح أنقرة لدور أكثر فاعلية في الساحتين العربية والإسلامية، ليس فقط لرغبتها في المصالحة وبناء شراكة مع محيطها الجغرافي بل لأن متطلبات أمنها القومي تقتضي ذلك؛ يقول الكاتب التركي هاكان البيرق: "إن التحولات التي تشهدها البلدان العربية لاسيما بعد نجاح ثورتي الشعبين التونسي والمصري ستفرض على أنقرة واقعا جديدا يجب أن تتعامل معه بعقلانية"، ويرى البيرق "أن تركيا التي يراها معظم العرب نموذجا ديمقراطيا ناجحا ينتظرون منها تفاعلا حقيقيا وتعاونا مع مطالب الشعوب العربية في تحقيق العدالة وبناء أنظمة حكم ديمقراطية"، مشيرا إلى " أن أنقرة تبدو أكثر انحيازا لمطالب الشعوب العربية لقناعتها بأن إقامة الشراكات الحقيقية مع الدول العربية ستحقق نجاحا أكبر مع أنظمة ديمقراطية في الساحة العربية".

لا شكّ أن الفوز المحتمل لحزب أردوغان في انتخابات 12 يونيو/ حزيران المقبل سيدفع حكومة العدالة والتنمية إلى المضي قدما في تنمية تعاونها السياسي والاقتصادي والثقافي مع مختلف البلدان العربية والإسلامية، لكن تحويل هذا التعاون إلى شراكة حقيقية ذات أبعاد استراتيجية بين تركيا والدول العربية يستوجب تفاعلا أكبر من البلدان العربية ونخبها ومؤسساتها الثقافية والأكاديمية والإعلامية ومنظماتها الأهلية، والمساهمة في إطلاق مبادرات عربية تجاه أنقرة لتحقيق الشراكة المنشودة بين الطرفين، وعدم انتظار المبادرات التركية فقط من جانب واحد.
_________________
مدير المعهد التركي العربي للدراسات بأنقرة