الاتحاد الأفريقي.. والصمت المطبق إزاء الأزمة الليبية

يرى دافيد زونمينو أن دور الاتحاد الأفريقي في إدارة ثورات شمال أفريقيا كان دون المطلوب وعليه تغيير أسلوبه والمشاركة في تحديد ملامح نظام سياسي جديد مبني على احترام حقوق الإنسان، وهذا ما سيعزز مصداقيته ويعطيه قيمة في أعين الشعوب الأفريقية وشعوب العالم
1_1053367_1_34.jpg







دافيد زونمينو
ترجمة منير البغدادي



لم يكن للاتحاد الأفريقي قيمة تُذكر أو دور يعلبه في الأحداث التي شهدتها منطقة شمال أفريقيا. ففي حوار له مع الصحافة مؤخراً خلال رحلة إلى باريس، ذكّر الرئيس الجنوب أفريقي جاكوب زوما بوجود ثقافة داخل الاتحاد الأفريقي والمنظمة السابقة التي انبثق عنها، منظمة الوحدة الأفريقية، تشي بالطريقة التي يتعامل بها القادة الأفارقة مع مختلف القضايا.


التفاعل الأفريقي الباهت
عطايا القذافي شلت العمل الأفريقي
الاتحاد الأفريقي أمام امتحان صعب
كيف كان القذافي يشتري الأصدقاء في أفريقيا


التفاعل الباهت






ماعدا تعيين هيئة من قادة الدول لمحاولة التوسط في النزاع الليبي، لم يُظهر الاتحاد الأفريقي أية مبادرة أو يعقد أية قمة طارئة لمناقشة الأحداث الجارية في شمال أفريقيا
ما من شك أن زوما كان يتحدث عن اللامبالاة التي غالباً ما تطبع هذه المنظمة، أو في أفضل الأحوال عن التباطؤ في التعامل مع القضايا التي تتطلب رد فعل عاجل من القادة الأفارقة.


ماعدا تعيين هيئة من قادة الدول لمحاولة التوسط في النزاع الليبي، لم يُظهر الاتحاد الأفريقي أية مبادرة أو يعقد أية قمة طارئة لمناقشة الأحداث الجارية في شمال أفريقيا.


هذا التفاعل الباهت مع الأحداث يبدو متناقضاً مع وضع منظمة تطمح إلى خلق مبادئ عامة و"قيم مشتركة"، في الوقت الذي اتخذت فيه الثورات التي شهدتها منطقة شمال أفريقيا قيمة تاريخية كبرى بالنسبة للقارة الأفريقية بأكملها.


فهذه الأخيرة تواجه صعوبات كبيرة في بحثها عن الديمقراطية والحوكمة الرشيدة، وهما المطلبان الأساسيان لملايين المواطنين في شمال أفريقيا الذين خرجوا في المظاهرات وتحدوا قادتهم وحكامهم الاستبداديين.



وبالرغم من أن الاتحاد الأفريقي يتبنى مبادئ الحرية والديمقراطية، فإنه يحافظ كذلك على موقف معارض لتغيير الحكومات بطريقة غير دستورية. غير أن دستورية ما يقع في شمال أفريقيا من انتفاضات شعبية متتابعة يبقى محل جدل كبير. فصعوبة تحديد الوضع في شمال أفريقيا يزيد من تعقيد الأمور بالنسبة للمنظمة الأفريقية.


عطايا القذافي شلت العمل الأفريقي






ليبيا هي من بين المساهمين الكبار الخمسة في الاتحاد الأفريقي، وهي ثامن أكبر مساهم في مجموعة البلدان الأعضاء الـ77 في بنك التنمية الأفريقي بحصة 300 مليون دولار ويمتلك القذافي سلسلة فنادق واستثمارات أخرى في كل من بوركينافاسو، زامبيا، أوغندا، التوغو، والغابون، وغيرها، إلى جانب سخائه الكبير مع بعض الأنظمة الأفريقيةلجلب الدعم له داخل دوائر صناعة القرار بالاتحاد الأفريقي وتخفيف عزلته الدولية
في محاولة منا لفهم صمت الاتحاد الأفريقي، هناك على الأقل خمسة عوامل مهمة يجب الإشارة إليها:



أولاً، لا تتوفر منطقة شمال أفريقيا على تجمع اقتصادي إقليمي قائم بذاته، وهذا ما يزيد من تعقيد الأمور بالنسبة للاتحاد الأفريقي. فما تبقى من اتحاد المغرب العربي اندثر تقريباً بالكامل مع استقالة كل من الرئيسين التونسي بن علي والمصري حسني مبارك. ومن دون تجمّع اقتصادي إقليمي قادر على القيادة، وِفق مبدأ التفويض الذي يتبناه الاتحاد الأفريقي، فإن طريقة تعامل هذا الأخير مع الأحداث كانت تتسم بالحذر خشية أن لا يجد صوته آذاناً صاغية بالمرة.



ثانياً، يبقى تأثير المنظمة محدوداً بسبب التأثير المالي الواضح لبلدان شمال أفريقيا على ميزانيتها. فموازنة الاتحاد الأفريقي السنوية تصل إلى حوالي 129 مليون دولار، تُغطّي الدول الأعضاء منها 58 مليوناً فيما الباقي تتبرع به أطراف مانحة خارجية مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية. ولا يتوقف دعم بلدان شمال أفريقيا على تغطية مساهمات الدول الأعضاء في الاتحاد، بل أهم من ذلك نجد أن العديد من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تستفيد من الدعم المالي لحكومات بلدان شمال أفريقيا.



فمثلاً، نجد أن ليبيا هي من بين المساهمين الكبار الخمسة في الاتحاد الأفريقي، وإلى جانبها جنوب أفريقيا، نيجيريا، مصر، والجزائر. كما أنها ثامن أكبر مساهم في مجموعة البلدان الأعضاء الـ77 في بنك التنمية الأفريقي بحصة 300 مليون دولار. بالإضافة إلى ذلك، يمتلك القذافي سلسلة فنادق واستثمارات أخرى في كل من بوركينافاسو، زامبيا، أوغندا، التوغو، والغابون، وغيرها، إلى جانب سخائه الكبير مع بعض الأنظمة الأفريقية في محاولة لجلب الدعم له داخل دوائر صناعة القرار بالاتحاد الأفريقي وتخفيف عزلته الدولية. كما قدّم نظام القذافي الدعم لعدة حركات ثورية، بما فيها الجبهة الوطنية القومية الليبرية لتشارلز تيلور، والجبهة المتحدة الثورية لفوداي سنكوح في سيراليون، وحركات التمرد التي قادها الطوارق في شمال مالي والنيجر.



ثالثاً، هناك مسألة الهوية. فسكان شمال أفريقيا غالباً ما يرفضون ربطهم بمنطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، بينما يفضلون أن يكونوا جزءاً من الهوية العربية أو المتوسطية أو الإسلامية. بعبارة أخرى، فإن شعوب شمال أفريقيا تشعر بقربها من أوروبا الغربية والشرق الأوسط أكثر من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء المجاورة لها. كما أن انخراط شمال أفريقيا في الاتحاد من أجل المتوسط، والذي يضم 43 بلداً من أوروبا وشمال أفريقيا والبلقان، يزيد من تعزيز هذا التقارب في الهويات.



رابعاً، هناك شعور بأن الاتحاد الأفريقي لم يلعب دوراً أساسياً في تعزيز الديمقراطية بهذه البلدان، وفي القارة الأفريقية بصفة عامة، نظراً للعلاقات السياسية المعقدة بين بلدان الاتحاد. فهذا الأخير يتكون من مجموعة من الدول الضعيفة، ما أثر سلباً على عمله كمنظمة دولية لسنوات عدة. فهو لا يمكن أن يكون سوى انعكاس للقدرات الحقيقية لدوله الأعضاء.



وأخيراً، تخشى العديد من دول الاتحاد الأفريقي من ردات الفعل الانتقامية لبلدان شمال أفريقيا وحتى من مواطنيها. فالخوف من قدرة القذافي على تجاوز الأزمة الحالية، والانتصار على معارضيه في ليبيا، ساهم في تأرجح القادة الأفارقة بين اتخاذ موقف حازم يدين استخدامه المفرط للعنف ودعوته إلى الاستماع لمطالب شعبه المشروعة في الحرية.



الاتحاد الأفريقي أمام امتحان صعب





لا أحد سوف يبكي على فراق القذافي بسبب تطفله في صناعة قرارات الاتحاد الأفريقي وربما يوجد هناك بعض المنطق في فكرة أن تصرفاته الغريبة كان لها أثر إيجابي على المنظمة، إذ فرضت على الدول الأعضاء ضرورة التجاوب معه، وفي بعض الحالات إجراء تعديلات مبتكرة في طريقة إدارة المنظمة
لكن، مثلما كان الحال بالنسبة لموجات الديمقراطية التي اجتاحت منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في بداية التسعينات، فإن الثورة في شمال أفريقيا لن تعود إلى نقطة الصفر مرة أخرى. ورغم أن بعض القادة الأفارقة استطاعوا أن يتجاوزوا ثورات التسعينات من خلال التلاعب بعمليات الإصلاح السياسي، إلا أن العديد منهم بلغ نظامهم مرحلة الاحتضار.


لذلك، فإن القمع العنيف الذي تعرفه الثورة في ليبيا يتطلب رد فعل صارم وواضح من قبل الاتحاد الأفريقي. وبينما يعتقد بعض الملاحظين أن تنحية القذافي عن السلطة سوف تتبعها أزمة خانقة في ميزانية الاتحاد الأفريقي، إلا أن العكس هو ما سيحصل تماماً على أرض الواقع. فالاتحاد الأفريقي له موارد مالية تتعدى ما يجود به القذافي، بل إنه أحياناً يعاني من التخمة في الموارد.


لذلك، سوف تكون هذه الأزمة بمثابة فرصة بالنسبة لهذه المنظمة الأفريقية من أجل اتخاذ المبادرة وتأكيد استقلاليتها المالية. ولا شك أن قرار الرفع من مساهمة الدول الأعضاء في "صندوق السلام" من 6 إلى 12% كان قراراً مُرحباً به في هذا الاتجاه.



ومن الواضح أن لا أحد سوف يبكي على فراق القذافي بسبب تطفله في صناعة قرارات الاتحاد الأفريقي لدرجة عرقلته لها، ولكن ربما يوجد هناك بعض المنطق في فكرة أن تصرفاته الغريبة والمفعمة بالحيوية كان لها أثر إيجابي على المنظمة، حيث أنها فرضت على الدول الأعضاء ضرورة التجاوب معه، وفي بعض الحالات إجراء تعديلات مبتكرة في طريقة إدارة المنظمة.



وفي الوقت الذي بدأ فيه الاتحاد الأفريقي يفكر في إمكانية تطبيق التنظيم المؤسسي للقيم المشتركة، أصبحت أمامه فرصة تاريخية للتقرب أكثر من الشعوب. وبعبارة أوضح، لقد حان الوقت لتصبح هذه المنظمة اتحاداً أفريقياً للشعوب، وليس للحكام. ولا شك أن نجاح الاتحاد الأفريقي في إدارة ثورات شمال أفريقيا، والمشاركة في تحديد ملامح نظام سياسي جديد مبني على احترام حقوق الإنسان، سوف يذهب بعيداً باتجاه تعزيز مصداقية المنظمة وإعطائها قيمة حقيقية في أعين شعوبها وباقي بلدان العالم.



كيف كان القذافي يشتري الأصدقاء في أفريقيا



بعد أن ولى إخوة القذافي من رؤساء العالم العربي أظهرهم عنه، لجأ القائد الليبي أكثر فأكثر إلى باقي القادة الأفارقة وجعل من الاتحاد الأفريقي نقطة تركيزه الأولى.




إجمالي ميزانية الاتحاد الأفريقي 256,75 مليون دولار


مساهمات الدول الأعضاء 122,6 مليون دولار


الشركاء الدوليون 134,15 مليون دولار


المساهمة الليبية الرسمية (15%) 18,39 مليون دولار



وبطريقة غير رسمية، كان القذافي يدفع متأخرات العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي، كما واصل تمويل مساهماتهم في الاتحاد من أجل كسب تصويتهم في هذا الأخير لصالح فكرته الخاصة بتكوين "الولايات المتحدة الأفريقية".


تساهم ثلاث دول أعضاء بالاتحاد الأفريقي من شمال أفريقيا (ليبيا ومصر والجزائر) بما يصل إلى 45% من حصة الدول الأعضاء في ميزانية الاتحاد الأفريقي.


في قمة الاتحاد الأفريقي المنعقدة في يوليو/تموز 2010، اقترحت ليبيا كذلك استضافة واحدة من كل اثنتين من القمم نصف السنوية للاتحاد في مدينة سرت الليبية، مع توفير جميع المرافق والتكاليف، وهو ما يتطلب نفقات بعدة ملايين من الدولارات.
_______________
كبير الباحثين ببرنامج التحليل الأمني الأفريقي بمعهد الدراسات الأمنية


تمت ترجمة النص بالاتفاق بين مركز الجزيرة للدراسات ومعهد الدراسات الأمنية في بريتوريا بجنوب أفريقيا
                    http://www.iss.co.za