أدرك عنصر المفاجأة إيران شأنها شأن بقية دول العالم حول لحظة انطلاق الثورات العربية، وقد تجلى عنصر المفاجأة ذلك في لحظات الصمت الإيرانية، ولا سيما في الأيام الأولى حول ما جرى، والنزوع إلى التصريحات الكلية التي كثيرا ما تسعى إلى ألا تظهر موقفا واضحا، تكتيك تتبعه الدول دون استثناء لشراء وقت إضافي لفهم ما يجري ومعرفة أبعاده، وتتأخر تلك المواقف عادة إذا لم تستطع الدولة حسم موقفها لتبقى فترة أطول في المنطقة الرمادية.
ربما كان التقييم الأولي حول موقف إيران من الثورات العربية أن طهران ستسر لانتقال جذوة الثورات إلى الدول العربية، وهو موقف يردده أصحابه معتمدين على مقولة تقليدية سيطرت ولا تزال تسيطر على المنهج العربي في دراسة إيران، وهي مقولة تصدير الثورة. لكن تلك المقولة الكلية لا تعبر عن الموقف الإيراني، والأهم أنها تغلق الأفق أمام تفكير خلاق قد يحاول فهم الموقف الإيراني.
من هنا لا يمكن الحديث عن موقف إيراني واحد متكامل من الثورات العربية، فهناك في الحقيقة أكثر من موقف، وفي كل موقف ثمة تفاصيل متباينة تفرض علينا عدم التعميم، وعدم تبني المنهج الاستشراقي القائم على التعميم وعدم مراعاة الخصوصية.
محددات فهم الموقف الإيراني
"مواقف" إيرانية لا "موقف"
إيران وما بعد الثورات العربية
لا يبدو ممكنا الحديث عن موقف إيراني من الثورات العربية، فالواضح من متابعة المشهد السياسي للثورات وتطورات المواقف المختلفة منها أن هناك مواقف، وأن تلك الموقف تعتمد على طبيعة التصنيف الإيراني لذلك النظام، ومدى ثقله السياسي وفق المعايير الإيرانية. |
تعززت هذه الإستراتيجية في ظل الحرب العراقية الإيرانية، فجاء خطاب تصدير الثورة متناسقا مع هذا الفهم الإيراني، بعبارة أخرى ففكرة تصدير الثورة هي نوع من خلق خط حماية أول للنظام، رغم أنه في الحقيقة خلق لإيران أعداء كثرا. هذه الإستراتيجية وأمام الضغوط الدولية المتزايدة والانتقادات الموجهة لها بسبب ما تسميه تلك الدول بالتدخل في شؤونها الداخلية، طرأ عليها نوع من التغيير.
هذا التغيير بدأه الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رافسنجاني في المؤتمر الإسلامي التاسع في السنغال في العام 1991، حيث أظهرت إيران رغبة في الانفتاح على دول العالم الإسلامي مع التركيز على العالم العربي، وقد تبع هذه الإستراتيجية حكومتا الرئيس السابق محمد خاتمي.
التغيير دفع بإيران إلى التركيز على التعامل مع الأنظمة القائمة وعدم معاداتها، ولا سيما أنها في خطابها الثوري المنتقد للأنظمة الشمولية لم تنجح في إحداث التغيير الذي كانت ترغب، بل على العكس فإن الخطاب الإيراني استفادت منه بعض الدول العربية المنتقدة، وتحول مسار النقاش إلى بعد قومي عربي-فارسي أو بعد مذهبي سني-شيعي.
عدم النجاح هذا دفع بإيران إلى تحسين علاقاتها مع الأنظمة العربية في مصر وتونس والأردن والجزائر والمغرب وحتى ليبيا، كما أن علاقاتها مع دول الخليج العربية بقيت في مستوى مقبول، رغم المواجهات السياسية والدبلوماسية المتكررة.
لقد أصبحت إيران (الدولة) ترى أن مصالحها السياسية تتحقق في ظل تراجع أو تخفيف خطاب إيران (الثورة)، وعليه فإن إيران استطاعت أن تكسب في الشارع العربي عبر نجاح الإصلاحيين 1997-2005، وصار الحديث بإعجاب كبير عن النوع الخاص من الدينامية في المشهد السياسي الإيراني الداخلي الذي ألقى بظلاله على سياسة إيران الخارجية.
هذا التحول في الإستراتيجية لم يكن يعني أن إيران تخلت تماما عن خطابها المعادي لإسرائيل، الذي بحد ذاته ساعد في بقاء حالة الإعجاب لدى الرأي العام العربي في إيران وانتقاد الأنظمة العربية التي قبلت بالسير في مسيرة التسوية السياسية.
ثمة عامل آخر يتعلق بفهم السلوك الإيراني المرتبط بأن حالة إيران الثورية في حد ذاتها تعطيها ميزة إضافية تجعلها متفوقة على كثير من الدول العربية، والبقاء في مركز التفوق ربما يستدعي المحافظة على الوضع القائم في تلك الدول، وغير بعيد عن هذا السياق يبرز عامل المذهب، حيث ثقافة الاستشهاد والتضحية عند الشيعة التي تدفع إلى الثورة والمواجهة، في مقابل غالبية سنية في حالة من الركون والاستسلام.
إن توقيت شرارة الثورات العربية عامل حاسم في ما يتعلق بفهم الموقف الإيراني، فالثورات حدثت بعد حوالي 18 شهرا من الانتخابات الرئاسية الإيرانية العاشرة في يونيو/حزيران 2009، تلك الانتخابات التي تم التشكيك فيها داخليا ثم خارجيا، وتلاها من الاحتجاجات ومواجهة تلك الاحتجاجات ما ترك أثرا كبيرا وغير إيجابي على صورة إيران لدى الرأي العام الإيراني.
تلك الاحتجاجات التي امتدت لتطول مشروعية النظام والتساؤل عما إذا كانت الثورة الإسلامية قد حققت أهدافها في العدالة؟ لقد تغيرت الصورة التي تتحدث عن دولة تجري فيها انتخابات نزيهة وفترات رئاسية محترمة، وبدأت هناك مقارنات لدى قطاع من الرأي العام العربي بين صور الجمهوريات التي تحولت إلى ملكيات، ونسب النجاح في الانتخابات التي تتحدث عن أكثر من 95% والنتائج التي تتغير في ليلة وضحاها وبين ما جرى في إيران والتشكيك في تلك النتائج ممن هم محسوبون على النظام بل وبناته الأساسيون.
من هنا ربما يمكن القول إن مقولة النموذج المبهر والقابل للاقتداء تحولت من إيران إلى تركيا، وربما ساعد في ذلك ارتفاع درجة الحساسية المذهبية بعد احتلال العراق في العام 2003، والبعد الطائفي الذي تنامي بعد ذلك.
كما سبق أن أشير فإنه لا يبدو ممكنا الحديث عن موقف إيراني من الثورات العربية، فالواضح من متابعة المشهد السياسي للثورات وتطورات المواقف المختلفة منها أن هناك مواقف، وأن تلك الموقف تعتمد على طبيعة التصنيف الإيراني لذلك النظام، ومدى ثقله السياسي وفق المعايير الإيرانية الذي هو مرتبط بشكل مباشر بحضور تلك الدولة في المشهد السياسي الإقليمي والدولي وتأثير ذلك الحضور على إيران.
على صعيد متصل فإن وجود ملفات مفتوحة مع أنظمة سياسية معينة هي أيضا عامل ضبط للإيقاع الإيراني مع تلك الثورات، فموضوع الشيعة في البحرين وبروز دور سعودي والقرب الجغرافي عوامل حاسمة في موقف إيران من التطورات السياسية في البحرين.
كما أن قضية اغتيال الإمام موسى الصدر في العام 1978 الذي ترى إيران وحزب الله أن ليبيا وتحديدا نظام العقيد معمر القذافي مسؤول عنه، هي من العوامل المؤثرة على الموقف الإيراني المتبلور تدريجيا.
بالتأكيد ستأخذ مصر قلق دول الخليج بجدية أكبر ولا سيما السعودية، خاصة أن مصر قد تحتاج هذه الدول لتحقيق النهوض الاقتصادي المطلوب، وهذا سيجعل عجلة العلاقة بين مصر وإيران تسير ببطء. |
إن من المهم التركيز على طبيعة المصطلحات المستخدمة في الإعلام الرسمي أو شبه الرسمي، إذ إن هذه المصلحات هي في الحقيقة ما تساعد على فهم طبيعة المواقف الإيرانية من تلك الثورات.
المواقف الإيرانية من الثورات العربية يمكن فهمها من خلال تحديد جوهر التقييم الإيراني لتلك الثورات، ذلك الجوهر الذي يرى أن تلك الثورات وجدت في الثورة الإسلامية قبل 40 عاما إلهاما لها، حيث ثار الإيرانيون على استبداد نظام الشاه.
من هنا جاء الموقف الرسمي في أحد جوانبه موجها للشعوب التونسي والمصري والبحريني والليبي واليمني، و"ضرورة أن تصغي حكومات تلك الدول لصوت شعوبها"، لكن هذا الموقف المستند وفق التصريحات الإيرانية على مقاومة الاستبداد لا يبدو متجليا في ما يتعلق بالموقف من التطورات المتسارعة في العراق وسوريا.
اللافت للانتباه في هذا السياق أن ثمة انقساما في الداخل الإيراني حول فكرة "الإلهام الإيراني"، فالدوائر المحافظة المتنفذة من مرجعيات وحكومة ترى الثورة الإسلامية هي الملهمة، لكن التيار الإصلاحي وعلى رأسه الحركة الخضراء، يرى أن حركة الاحتجاج الإيرانية على الانتخابات الرئاسية التاسعة هي الملهمة للشباب العربي.
من جهة أخرى فإن الحديث عن ضرورة استماع الأنظمة العربية التي ثارت شعوبها عليها إلى صوت ذلك الشعب يطرح سؤالا في الداخل الإيراني وربما في الخارج، لمَ لم تستمع الدولة لصوت الشعب الإيراني بعد الانتخابات الرئاسية العاشرة؟
لقد كان التركيز الإيراني والإسرائيلي على مسألة عبور سفينتين عسكريتين إيرانيتين قناة السويس إلى البحر المتوسط، وتحديدا إلى ميناء اللاذقية السوري، مثيرا للانتباه، فهو العبور الأول لسفن عسكرية إيرانية إلى البحر المتوسط منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران.
لكن تزامنه مع أحداث الثورة المصرية وتنحي الرئيس المصري حسني مبارك أعطى انطباعا بأن بوادر التغيير بدأت، وأن الموافقة المصرية للسفن العسكرية على المرور من قناة السويس ما هي إلا دفعة على حساب التغيير الذي أتت به الثورة المصرية من إيران.
لكن هذا التقييم يتجاهل أن النموذج السياسي الإيراني الحاكم لا يتناسب والمطالبات التي رفعها الثائرون في مصر، ولا المرحلة التي تدخلها مصر بعد الثورة، لا سيما إذا ما قارنا المطالبات التي رفعها أهل الثورة في مصر، من مزيد من الحريات والديمقراطية والشفافية، التي هي مطالبات التيار المعارض في إيران، الذي يأتي على رأسه الحركة الخضراء التي تشكلت بعد الانتخابات الرئاسية عام 2009.
إن من الصعب الحديث عن تغير محوري في حركة العلاقات بين طهران والقاهرة في مصر ما بعد الثورة، وربما هذا يعود إلى أولويات مصر، وهي التي تركز على أولوياتها الداخلية وإعادة النهوض اقتصاديا. كما أن القلق من الثورة المضادة والعودة إلى مربع المواجهات مسألة جدية يواجهها النظام السياسي المؤقت في مصر.
بالتأكيد ستأخذ مصر قلق دول الخليج بجدية أكبر ولا سيما السعودية، خاصة أن مصر قد تحتاج هذه الدول لتحقيق النهوض الاقتصادي المطلوب، وهذا سيجعل عجلة العلاقة بين مصر وإيران تسير ببطء.
وإذا كانت المواقف الإيرانية من الثورات العربية تحددها طبيعة التصنيف الإيراني لتلك الأنظمة، فإن هذا ليس العامل الوحيد الذي يتحكم في المواقف الإيرانية، فهناك دور العامل الخارجي وتقييماته لتلك الثورات. حيث ترى إيران أن الموقف الدولي في دعم تلك الاحتجاجات في كل من تونس ومصر وليبيا ليس نفسه في ما يتعلق بالبحرين الدولة الخليجية ذات العلاقة القوية مع الولايات المتحدة، وهذا الأمر دفع طهران للمطالبة بدعم مطالبات "الشعب البحريني الذي يحكم من قبل أقلية سنية" على حد وصفها.
وهنا يبرز سؤال حول مسألة الأغلبية والأكثرية كمعيار لاتخاذ موقف سياسي من حدث ما، فعلى سبيل المثال حين تتحدث إيران عن دعم مطالبات الشعب البحريني والتركيز في وسائل الإعلام على أن غالبية المجتمع البحريني هم من "الشيعة ويحكمون من أقلية سنية"، لا تستخدم نفس الفرضية أساسا لموقفها مما يحدث في سوريا، إذ إن من المعروف أن العلويين وهم أقلية بلغة الأرقام يحكمون سوريا.
تتبنى إيران التقييم السوري الذي يركز على أن الجمهورية السورية مستهدفة بسبب مواقفها السياسية ومناهضتها لإسرائيل، وأن ما يجري ما هو إلا محاولة لتصدير الثورات العربية إلى سوريا، لكن البحرين -وفق القراءة الإيرانية- لا تدخل ضمن هذه المواصفات التي تتحدث عن دول مستهدفة لمواقفها.
وتتبنى وسائل الإعلام الحكومية في إيران التقييمات السورية دون أي تعليق، وهي رواية تتحدث بنفسها عن موقف صارم ضد ما يحدث، فعلى سبيل المثال تبنت وكالة الأنباء الإيرانية الرواية السورية حول الهجوم على درعا، كما أنها تتبنى الربط بين تيار المستقبل في لبنان والحديث عن علاقات التيار السلفي في تصعيد الأوضاع في سوريا.
إن نوع السلوك الإيراني ستحدده بشكل كبير طبيعة القيادات القادمة في دول ما بعد الثورات وتحالفاتها السياسية -وهذا الأمر سيكون متصلا بمستقبل علاقة تلك القيادات السياسية مع الولايات المتحدة بشكل محدد- وكذلك مستقبل المشهد السياسي الإيراني. |
كل هذا يعيد القضية إلى جذورها من حيث التنافس على دور أكبر في المنطقة، سواء بين إيران والولايات المتحدة أو بين إيران ولاعبين إقليميين كالسعودية.
من جهة أخرى فإن طهران ترى أن تبني موقفا من مسألة البحرين ينطبق ومبادئ سياستها الخارجية، مثل (المادة 152) من الدستور الإيراني، التي تلزمها بالدفاع عن المستضعفين، وهنا المستضعفون هم شيعة.
إن المواقف الإيرانية من كل حركات الاحتجاج السياسي في سوريا متأثرة من أن أي تغيير في سوريا قد يؤدي إلى تغيير في قواعد اللعبة السياسية في المنطقة، التي تتمتع إيران فيها بقوة أكبر، ولا سيما في ظل التحالف السوري الإيراني الذي استطاع المحافظة على نفسه أكثر من أربعة عقود.
إيران ترغب في أن تهدأ الأمور في سوريا، لأن استمرار الاحتجاجات التي ستؤدي إلى ظهور انتقادات دولية، وقد يذهب المجتمع الدولي إلى عقوبات اقتصادية ضد دمشق، ربما هذا يضطر النظام إلى مراجعة أولوياته والتفكير ربما في المحافظة على نفسه بدل التركيز على تحالفات ثمنها باهض.
طهران على يقين أكثر من غيرها بأن ثبات الجبهة الداخلية هو ضمان أساسي لسياسة خارجية قوية وفاعلة، وقد رأت بنفسها كيف تراجعت سياستها الخارجية في السنوات القليلة الماضية، ولا سيما بعد الانتخابات الرئاسية العاشرة عام 2009.
إيران -وعلى صعيد متصل- ربما تعرف أن موقفها من تطورات المشهد السوري سيؤثر بشكل كبير على صورتها المتأثرة أصلا لدى الرأي العام السوري والعربي، وربما تواجه انتقادا شديدا أقوى من ذلك الذي وجه إلى تركيا بسبب موقفها من الثورة الليبية، الذي رأى فيه النظام السياسي الجديد في ليبيا وآخرون نوعا من التواطؤ مع نظام معمر القذافي.
بالتأكيد لا يمكن فصل كل ذلك عن علاقة إيران مع حزب الله في لبنان، ومدى التحدي الذي سيواجه تلك العلاقات في المستقبل إذا تطورت الأمور في سوريا. إن الثورات التي أعطت أملا لحركات التحرر والمقاومة في المنطقة لا تبدو كذلك في الحالة السورية، حيث إن تطورات الأحداث قد تدفع النظام مرة أخرى لمراجعة الأولويات، بما في ذلك الدعم لتلك الحركات، وهذا سيطرح سؤالا حول ما إذا كان محور الممانعة قادرا على الاستمرار بنفس القوة التي كان عليها؟
تجعل الجغرافيا السياسية الإيرانية طهران في مركز حدث الثورات العربية، لكنها في الوقت نفسه تواجه ما تواجهه دول أخرى مثل تركيا، حيث حالة الانتظار والترقب، فحدث الثورات يبدو متدحرجا وربما يكون من الصحيح مقارنته بانهيار جدار برلين في العام 1989، حيث توالت الأحداث على أوروبا الشرقية ومن ثم العالم، حيث انهيار الاتحاد السوفياتي في العام 1991.
فإذا اعتبرنا الثورة التونسية كنقطة بداية: هي انهيار حائط برلين، فليس المعروف بعد ماذا سيكون الحدث الذي سيوازي انهيار الاتحاد السوفياتي.
إن التغيير الذي خلقته الثورات في المنطقة بغض النظر عن عدم نجاحها بشكل كامل في بعض الدول، قد خلق حقائق جديدة على الأرض، هذه الحقائق تدفع باتجاه تغيير لم يكن متوقعا من حيث التوقيت، لكن هذا التغيير لن يكون بالسرعة التي ربما يتوقعها البعض.
فالثورات التي بدأت بهوية محلية ومطالبات عنوانها الأساسي الكرامة والحقوق، ستخلق رؤية جديدة حول كيفية تعامل الدول العربية مع الآخر، سواء كان في المنطقة كإيران وتركيا وإسرائيل أو خارج المنطقة كالولايات المتحدة وأوروبا، فمعيار الكرامة الذي تتحدث عنه الثورات سيمتد إلى حقل العلاقات الخارجية، هذا في حال استطاعت الثورات أن تتجاوز عثرات الثورات المضادة والتحديات الاقتصادية.
وعليه فإن إيران ستتأثر بمثل هذه التغييرات، ولعل أهم تغير أن مفهوم التفوق الذي كانت تستشعره إيران بأنها الأمة الثائرة والأنشط سياسيا في المحيط الإسلامي قد انتهى بشكل كامل، فقد حلت تركيا بنموذجها الأكثر ديناميكية وإنجازا في الميادين الاقتصادية والسياسية، وربما تمهد الثورات العربية إلى نوع من الحكومات أكثر ديمقراطية وتمتعا بالحريات التي تصبح في منافسة مع تركيا في موضوع تقديم نماذج أخرى في المنطقة.
إن نوع السلوك الإيراني ستحدده بشكل كبير طبيعة القيادات القادمة في دول ما بعد الثورات وتحالفاتها السياسية -وهذا الأمر سيكون متصلا بمستقبل علاقة تلك القيادات السياسية مع الولايات المتحدة بشكل محدد- وكذلك مستقبل المشهد السياسي الإيراني، هل ستتحرك إيران نحو نموذج إصلاحي شبيه أو أقرب إلى ذلك الذي حكم إيران بين 1997-2005، أم ستبقى في قبضة القوى المحافظة وتحالفها بين رجال الدين والمؤسسة العسكرية والأمنية.
إن التغيرات التي ربما تحدث في سياسة إيران الخارجية نحو دول ما بعد الثورات العربية ستتأثر بمواقف تلك الدول العربية من تطورات قادمة بشأن الملف النووي الإيراني، لا سيما تفعيل قرارات العقوبات والمساهمة أكثر في السياسة المسماة "عزل إيران". |
من الجدير التأكيد على أن مسار الأحداث في سوريا والنتيجة التي ستؤول إليها الأحداث ستلقي بظلالها على ما يسمى بقوى الممانعة الذي تشكل سوريا محطة الارتباط الأساسية فيها، وما إذا كانت حركات المقاومة قادرة على البقاء والاستمرار في مسارها وتجاوز الانعكاسات السلبية للثورات العربية عليها.
إن التغيرات التي ربما تحدث في سياسة إيران الخارجية نحو دول ما بعد الثورات العربية ستتأثر بمواقف تلك الدول العربية من تطورات قادمة بشأن الملف النووي الإيراني، لا سيما تفعيل قرارات العقوبات والمساهمة أكثر في السياسة المسماة "عزل إيران".
________________
أكاديمي متخصص في تاريخ إيران المعاصر والشرق الأوسط