مصر: التفاوض كتكتيك حربي

المفاوضات التي يراهن عليها النظام المصري للرد على الثورة هي تكتيك من تكتيكات الحرب المعروفة ليشل خصومه فيحافظ على بقائه.







 

ديفيد أفريقيا


بلغت حركة الاحتجاج المصري، كنتيجة لنجاحاتها، لحظة إستراتيجية حاسمة في تطورها. وعلى ضوء فشل نظام مبارك حتى الآن في هزيمة هذه الحركة، بدا الآن في مظهر الطرف الحريص على التفاوض، المتقبل لمطالب الشعب المصري، وعلى استعداد لإجراء محادثات مع جميع الأطراف الرئيسية في المعارضة. وقد لقي اختيار نائب الرئيس عمر سليمان لرئاسة هذه العملية ترحيبا حارا من الولايات المتحدة والعواصم الأوروبية. لا يمكن رفض التفاوض من حيث المبدأ، بل هو دائما الوسيلة المفضلة لتسوية النزاعات السياسية المعقدة، غير أنه ينبغي للحركة تقييم ما إذا كان نوع المفاوضات المقترحة سوف يقدم أو يعرقل السير نحو تحقيق حلم مصر الحرة.





لا يمكن للنظام أن يكون سببا للنزاع الحالي وفي نفس الوقت منسقا للمفاوضات من أجل ضمان حل هذا النزاع.
لا يمكن للنظام أن يكون سببا للنزاع الحالي وفي نفس الوقت منسقا للمفاوضات من أجل ضمان حل هذا النزاع. إذن عند هذه النقطة من الحكمة بالنسبة لأولئك المبهورين بالتفاؤل المفاجئ حيال المفاوضات أن ينظروا في طبيعة النظام المصري الذي يقاتل المتظاهرون على مدى الأسبوعين الماضيين لإزالته. فالإستراتيجية السياسية القائمة على حصر النظام في شخص حسني مبارك تعارض كل الأدلة الواضحة عن أنه نظام -(معروف بأنه نظام حكم، وسلطات الحكومية، وحكم وسلطة وسيطرة، وقيادة، وتوجيه، وإدارة)- قاد البلد بوحشية على مدى السنوات الثلاثين الماضية، وحظر المعارضة واعتقل وعذب المعارضين السياسيين بل ودمر الإعلام الناقد. النظام ليس مجرد مبارك، ولكنه شبكة أمنية واسعة في الحزب الحاكم قضمت جزءًا كبيرا من الاقتصاد المصري والمساعدات الخارجية، ويشاركه عدد من العائلات السياسية البارزة. الأهم من ذلك أن هذا النظام ظل يتلقى الدعم السياسي والمادي من الحكومات الغربية على مدى السنوات الثلاثين الماضية. إذن، فالمفاوضات التي يقودها سليمان هي مفاوضات برئاسة مبارك، وسوف تكون النية مبيتة بوضوح لضمان بقاء نظام مبارك.

التغييرات السياسية الأساسية، في أفريقيا وغيرها، تتم دائما عن طريق الإبعاد القسري للنظام أو انهياره أو بمفاوضات ينسقها كيان موثوق به. لا يمكن أبدا للنظام القمعي نفسه أن يقوم بتسهيل عملية التفاوض، وليس من المؤكد أن يُقدَّر لنظام مبارك أن يأتي بسابقة تاريخية في هذه الحالة. التاريخ مليء بأمثلة من المفاوضات الصادقة ظاهريا التي تهدف في الواقع وأحيانا إلى إدامة وإنقاذ نظام قمعي. فقد اعتقدت حكومة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا أنها تستطيع التفاوض بينما تحاول القضاء على شريكها الرئيسي في بداية التسعينيات. وروبرت موغابي في زيمبابوي فاوض معارضيه بينما كان يضرب مؤيديهم بالهراوات لإجبارهم على الاستسلام في السنوات الأخيرة.


حركة المقاومة المصرية ظلت صامدة ومتحدة في مواجهة ترهيب حكومة مبارك وعنفها، وينبغي أن تحتفظ الآن بنفس الموقف في وجه مفاوضات سليمان. فكون أن تلقى هذه الخطوة تأييدا بحرارة من قبل القوى الغربية هو في حد ذاته سبب للقلق. ذلك لأنه منذ تأسيس الجمهورية المصرية، سعت القوى الأوروبية الأطلسية لقمع أية مؤشرات على استقلال كل من مصر وشعبها. ويكفي للتدليل على ذلك تأييدهم لإسرائيل في حربي 1967 و1973، ودعمهم لنظام ديكتاتوري لأكثر من ثلاثين عاما.


ما الذي يجب فعله في ضوء الضغط من أجل التوصل إلى حل تفاوضي للمواجهة الحالية من جانب النظام وحلفائه الغربيين؟


أولا، يجب أن لا تنسى المقاومة أن بحوزتها مبادرة سياسية إستراتيجية ضد نظام يشهد العالم أنه فقد مصداقيته عند المصريين، وفشل، رغم كل جهوده، في قمع الحركة من أجل مصر حرة. فمطالب المقاومة مشروعة ومشروعيتها مستمدة من الشعب المصري، وليس من العواصم الغربية. ولذلك يجب عدم الدخول في المفاوضات من أجل ترضية المحور الأوروبي الأطلسي، اللهم إلا إذا كان ذلك يحقق أهداف مصر حرة.





التفاوض هو تكتيك من الحرب السياسية وعلى حركة المقاومة المصرية أن تدرك أن نظام مبارك يستخدمه من هذا المنطلق.
ينبغي أن تقوم جهة ذات مصداقية بتسهيل وإدارة المفاوضات. وفي هذا الصدد هناك عدة مقترحات قدمت من بينها مقترح لمجموعة من المثقفين المصريين البارزين، والزعماء السياسيين والعسكريين والدينيين. المهم في الأمر مصداقية الجهة وشرعيتها لدى الشعب المصري.

ويجب أن تكون النتيجة الأساسية للمفاوضات واضحة منذ البداية. ورغم أن سليمان ومبارك، وبعض حلفائهم الغربيين، يشيرون إلى استمرار التزامهم في التعاطي مع مخاوف المحتجين، كما لو كانت قضايا بسيطة، لا بد أن يكون لأي مفاوضات هدف واضح وهو إقامة نظام ديمقراطي فعال، وحرية التعبير عن الأفكار وتفكيك أجهزة الدولة القمعية التي اضطهدت الشعب المصري، ليس فقط في الأسبوعين الماضيين فحسب، بل على مدى السنوات الثلاثين الماضية.


التفاوض هو تكتيك من الحرب السياسية وعلى حركة المقاومة المصرية أن تدرك أن نظام مبارك يستخدمه من هذا المنطلق. فالنظام يسعى لاستخدام مفاوضاته بقيادة سليمان كبوابة خلفية للاحتفاظ بالسلطة. وفي هذا أود أن أستشهد بمَثَل مجازي لأحد قادة مناهضة نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، الزعيم جو سلوفو، حين قال أن الحكومة تحاول منع كرة ثلج المقاومة من أن تصبح جلمودا.
_______________
خبير في الشؤون الأمنية-جنوب إفريقيا
ملاحظة: ترجمة لنص منشور على موقع الجزيرة الانجليزية في 7 فبراير/شباط 2011