وثيقة سلام دارفور الموقعة بالدوحة بين رؤيتين

ما الدوافع التي حدت بحركة التحرير والعدالة القبول بوثيقة سلام دارفور والتوقيع عليها في الدوحة؟ ولماذا تحفظت عليها حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان جناح عبد الواحد نور؟ وكيف ستكون العلاقة بين من وقعَّوا ومن رفضوا التوقيع؟
1_1074033_1_34.jpg

مراسم التوقيع على وثيقة سلام دارفور في الدوحة (الجزيرة)

سيدي أحمد ولد أحمد سالم

شهدت العاصمة القطرية الدوحة يوم الخميس الرابع عشر من يوليو/تموز 2011 توقيع وثيقة "سلام دارفور" بين الحكومة السودانية وحركة التحرير والعدالة، بينما رفضت حركة العدل والمساواة  وحركات أخرى التوقيع.

وتعالج وثيقة سلام دارفور أسباب وتداعيات النزاع في هذا الإقليم؛ من ذلك على سبيل المثال: اقتسام السلطة والثروة وحقوق الإنسان واللجوء والنزوح والتعويضات ووضع الإقليم الإداري والعدالة والمصالحات. وقد أجيز الاتفاق على هذه المسائل مؤخرا عبر مؤتمر لأهل المصلحة في دارفور عقد بالدوحة في وقت سابق من هذا العام.

وتجيء وثيقة سلام دارفور بعد نحو 30 شهرا من المفاوضات المباشرة وغير المباشرة.

  • فما هي الدوافع التي حدت بحركة التحرير والعدالة القبول بهذه الوثيقة والتوقيع عليها؟
  • ولماذا تحفظت عليها حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان جناح عبد الواحد نور؟
  • وهل ستضع هذه الوثيقة حدا للنزاع الذي طال أمده في هذا الإقليم؟ وما هي التحديات والعقبات التي تعترض مسار تنفيذ بنوده؟

هذه الأسئلة وغيرها هي موضوع الحلقة النقاشية التي نظمها مركز الجزيرة للدراسات يوم الخميس 21 يوليو/تموز 2011، والتي تحدث فيها ممثلون عن حركة التحرير والعدالة وحركة العدل والمساواة.

مسار الاتفاقيات المتواصل
مبررات توقيع التحرير والعدالة
لماذا رفضت العدل والمساواة التوقيع؟
مستقبل العلاقة بين الطرفين

مسار الاتفاقيات المتواصل

التهميش والغبن والظلم والحرمان... مفردات وردت بل تكرر ورودها على ألسنة المتكلمين من هنا وهناك؛ حيث اتفق المتدخلون على أنه منذ نشأة الدولة السودانية والأقاليم البعيدة عن المركز (الهامشية) تشعر بالحرمان الاقتصادي والظلم الاجتماعي، ويُتهم المركز في الخرطوم بممارسة الاستعلاء وخلق اختلال بنيوي في العلاقة بين مكونات الشعب السوداني؛ لذلك ظهرت أكثر من حركة مسلحة في دارفور رفضًا لهذا التهميش، وسعيا لإصلاح هذا الخلل. وقد دخلت هذه الحركات في مباحثات كثيرة مع النظام السوداني، وتم توقيع العديد من الاتفاقيات التي جعلت السودان واحدة من أكثر الدول التي وقعت على اتفاقيات في العقدين الماضيين.

فمنذ اللقاءات التي تمت في إنجمينا بتشاد والتي مهدت لاتفاق وقف إطلاق النار بين حركتي العدل والمساواة (بزعامة خليل إبراهيم) وحركة تحرير السودان (جناح عبد الواحد محمد نور) من جهة، وبين الحكومة السودانية من جهة ثانية في 8 أبريل/نيسان 2004 ظلت الاتفاقية تتجدد؛ حيث تواصل الحوار بعد هذا الاتفاق فاجتمع الموقعون عليها مرة أخرى في أديس أبابا في 28 مايو/أيار 2004 تحت رعاية الاتحاد الإفريقي للاتفاق من جديد على نشر القوات الإفريقية بإقليم دارفور، وعلى تعيين لجنة للإشراف على تنفيذ وقف إطلاق النار وأخرى مشتركة لمراقبة تطبيق الاتفاق.

باشرت الأطراف جولات مفاوضات بأبوجا بنيجيريا، وقد تُوِّجت بتوقيع بروتوكولين، أحدهما عن الوضع الإنساني والثاني عن الوضع الأمني؛ وذلك في نوفمبر/تشرين الثاني 2004.

وقد تلا ذلك التوقيع على اتفاق إعلان المبادئ بأبوجا في 5 يوليو/تموز 2005 تحت رعاية الاتحاد الإفريقي وبحضور مراقبين دوليين. ومع نهاية هذه السنة انشطرت حركة تحرير السودان إلى جناح بزعامة مني أركو ميناوي وآخر بزعامة عبد الواحد محمد نور.

وقد كُلِّل منبر أبوجا بالتوقيع على اتفاق جزئي بين جناح مني ميناوي والحكومة عُرف باسم اتفاق سلام دارفور، وغابت عن توقيعه الحركات الأخرى التي أسس بعضها جبهة الخلاص الوطني (ومن أبرز المؤسسين: حركة العدل والمساواة؛ وحركة تحرير السودان "جناح خميس عبد الله"؛ وحركة التحالف الفيدرالي الديمقراطي السوداني بزعامة أحمد إبراهيم دريش).

وقد دخلت الحركات الدارفوية في مفاوضات جديدة مع نهاية 2007؛ فاجتمع المتفاوضون في مؤتمر "محادثات السلام في دارفور" في سرت في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2007 برعاية يان إلياسون وسالم أحمد سالم، المبعوثين الخاصين للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، ولم تكن لذلك اللقاء بسرت نتيجة نظرا لغياب حركتي العدل والمساواة وتحرير السودان "جناح عبد الواحد نور".

واصل سالم أحمد سالم اتصالاته بجميع الأطراف فاجتمع بمنتجع أروشا بتنزانيا في 4 أغسطس/آب 2008 اثنا عشر فصيلا وحركة شاركت في المحادثات وغابت حركة تحرير السودان "جناح عبد الواحد محمد نور"، غير أن مشاورات أروشا لم تسفر عن شيء.
وفي سنة 2009 انتقل التفاوض بشأن دارفور إلى منبر الدوحة بقطر، فدخلت حركة العدل والمساواة في جولات تفاوضية توجت بالتوقيع على إعلان حسن النوايا وبناء الثقة في 27 فبراير/شباط 2009، ثم على الاتفاق الإطاري في شهر فبراير/شباط 2010.

وكان من آخر ما حدث في منبر الدوحة التوقيع يوم الخميس 14 يوليو/تموز 2011 على وثيقة للسلام في إقليم دارفور بين الحكومة السودانية وحركة التحرير والعدالة بالإقليم. فلماذا وقعت حركة التحرير ورفضت الحركات الأخرى التوقيع وخصوصا العدل المساواة؟ وما طبيعة مستقبل العلاقة بين الحركات الدرافورية في ضوء ما حصل؟

مبررات توقيع التحرير والعدالة

ترى حركة التحرير أن الاتفاقية بعد توقيعها لقيت استحسانا وقبولا لدى المجتمع الدارفوري، خلافا لاتفاقية أبوجا التي ما إن وقعها مني ميناوي سنة 2006 بأبوجا حتى خرجت مظاهرات من لدن المتأثرين بالحرب من غير الراضين عن تلك الاتفاقية. وترى حركة التحرير أن اتفاقية الدوحة لم تُواجه بمثل تلك المظاهرات بل قوبل بالتبريكات والتهاني.

تقوم رؤية حركة التحرير والعدالة على تقديم نظرة عامة للسياق الأمني والسياسي في دارفور، وانطلاقا من هذه النظرة تحدد الحركة جملة من النقاط التي شكلت دوافع لتوقيع هذه الاتفاقية؛ فالحركة ترى أن اتفاق الدوحة لا يلبي جميع تطلعاتها ومع ذلك فهي تقبل به لأنه هو ما استطاعت إنجازه. وتعتبر الحركة أنها قد اصطلت بنار الحرب طويلا وفي ظروف جد حرجة، وقد حصلت تغييرات على الأرض في دارفور فضلا عن وجود نية مبيتة من المركز في أن يُحدث تغييرات ديموغرافية ستؤول إلى مزيد من تهميش أهل دارفور وإعطاء أرضهم لغيرهم، ولو فقد أهل دارفور أرضهم فسيفقدون كل شيء، ولو استمر الوضع السكاني الذي خلقه المركز في الاستمرار فستكون النتيجة كارثية.

وتُتوج هذه الاتفاقية مسعى إستراتيجيا لدى الحركة وهو الحوار السياسي، والحوار السياسي أداة قبلت به، خصوصا وأن النظام محشور –في نظر حركة التحرير- في زاوية ضيقة ويمر بفترة ضعف تمكِّن الحركة من تحقيق مكاسب لا يمكن تحقيقها في ظروف أخرى. ومن الصعب ترك شعب دارفور في معسكرات من النازحين والمشردين خصوصا وأن اللحظة مناسبة لإجراء اتفاق سلمي.

ووفقا لهذا التشخيص ترى الحركة أن هنالك عدة نقاط دفعت بها إلى توقيع اتفاقية الدوحة، وهي:

  • تطور الوضع بجنوب السودان: فما وقع في جنوب السودان من اتفاق بين الحركة الشعبية والخرطوم أربك –حسب حركة التحرير والعدالة- تطور الأمور في دارفور، وزاد مسارها تعقيدا.
  • الانقسام والتفتت: حيث تعرف الحركات الدارفورية اختلافا وانقساما وانعدام تنسيق. وقد أثرت هذه الانقسامات على المجتمع الدارفوري قبليا وحتى على مستوى أصغر من القبيلة؛ مما أضعف موقف هذه الحركات؛ لذلك ظهرت رغبة جامحة عند أهل دارفور تنادي بضرورة طي هذا الملف.
  • الفتور الدولي: حيث يوجد نوع من الركود لدى دول العالم المهتمة بشأن دارفور والداعمة للثورة بهذا الإقليم، بل تحولت النظرة الدولية من اعتبار الصراع ذا طابع سياسي إلى حصره في كونه مسألة إنسانية، وهو موقف أضر كثيرا بالقضية الدارفورية حسب الحركة.
  • عدم الإقصاء: فالوثيقة تدعو لإدماج الآخرين (حركة العدل والمساواة، وحركة مني مناوي، وحركة عبد الواحد نور...) في الاتفاقية، وتترك الباب مفتوحا للتوقيع لأجل مدته ثلاثة أشهر.
  • شبه إجماع: ترى حركة التحرير أنها لم تنفرد بالتوقيع؛ فلئن غابت الحركات الرئيسية الأخرى فإن المجتمع المدني الدارفوري والنازحين والمثقفين قد وقعوا على الاتفاقية وشهدوا حفلها، وباركتها قوى دولية ومنظمات عالمية على رأسها الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي.

وترى حركة التحرير أن الاتفاقية بعد توقيعها لقيت استحسانا وقبولا لدى المجتمع الدارفوري، خلافا لاتفاقية أبوجا التي ما إن وقعها مني ميناوي سنة 2006 بأبوجا حتى خرجت مظاهرات من لدن المتأثرين بالحرب من غير الراضين عن تلك الاتفاقية. وترى حركة التحرير أن اتفاقية الدوحة لم تُواجه بمثل تلك المظاهرات بل قوبل بالتبريكات والتهاني.

لماذا رفضت العدل والمساواة التوقيع؟

سعت الوساطة لإعطاء حركة العدل والمساواة فرصة للحوار مع الحكومة حتى يتم إدراج مواقفها المختلفة في ملفات الوثيقة الستة، إلا أن الحكومة السودانية ظلت غير راغبة في إدراج أي موقف من تلك المواقف وحريصة على إبقاء النص كما وقعت عليه هي مع التحرير والعدل

لم توقع حركة العدل والمساواة على اتفاقية الدوحة؛ فمسار علاقتها مع الحكومة السودانية عرف -منذ هجوم الحركة على أم درمان في مايو/أيار 2008- تصعيدا ظل يتفاعل ويزداد حتى بعد إنهاء وجود الحركة بتشاد. وقد ألقى الاستقطاب الحاصل بين الحركة والخرطوم بظلاله على موقف الحركة من اتفاقية الدوحة.

شاركت الحركة في مراحل سابقة في مفاوضات الدوحة، ثم انقطعت عنها لتعود إليها من جديد وتجد أن حركة التحرير والعدالة قد قطعت أشواطا مع الحكومة في مسار التفاوض. استلمت حركة العدل والمساواة، وقد عادت إلى منبر التفاوض، ستة ملفات هي: هي: حقوق الإنسان والحريات الأساسية؛ تقاسم السلطة والوضع الإداري لدارفور؛ تقاسم الثروة والموارد القومية؛ التعويضات وعودة النازحين؛ العدالة والمصالحة؛ وقف إطلاق النار الدائم والترتيبات الأمنية النهائية والحوار والتشاور الداخلي وطرائق التنفيذ. وقد عرضت هذه الملفات على حركة العدل والمساواة بتاريخ 22 فبراير/شباط 2001. وقد درستها مدرجة مواقفها منها في صيغة جديدة للوثيقة وسلمتها للواسطة المشرفة، التي قدمت مسودة للمتفاوضين 27 أبريل/نيسان 2011 لكنها لم تدرج تلك الموافق كما تقول حركة العدل والمساواة.

لذلك هناك عدة نقاط حسب حركة العدل والمساواة جعلتها تمتنع عن توقيع اتفاقية الدوحة، وهي:

  • عدم تعديل نص الاتفاق: لم تدرج الوساطة مواقف حركة العدل والمساواة في المسودة بخصوص الملفات الستة التي علقت عليها الحركة جميعها، خصوصا وأنه لدى الحركة الكثير من الملاحظات عن مختلف القضايا، مثل حقوق الإنسان والثروة والنازحين... إلخ.
  • عدم رغبة الحكومة في الحوار: سعت الوساطة لإعطاء حركة العدل والمساواة فرصة للحوار مع الحكومة حتى يتم إدراج مواقفها المختلفة في ملفات الوثيقة الستة، إلا أن الحكومة السودانية ظلت غير راغبة في إدراج أي موقف من تلك المواقف وحريصة على إبقاء النص كما وقعت عليه هي مع التحرير والعدل.
  • قصر المدة المخصصة للحوار: أُعطيت الحركة أربعة أيام لمناقشة مواقفها من الوثيقة غير أن هذا الوقت القصير لم يسمح إلا بمناقشة ملف واحد وهو ملف "حقوق الإنسان والحريات الأساسية"؛ لذلك ترى الحركة أن الفترة غير موضوعية، وأن القضايا ونقاشها هي التي تحدد الفترة الزمنية لا العكس.
  • الالتفاف على مطالب حركة العدل والمساواة: شاركت الحركة في مؤتمر "أهل المصلحة" بالدوحة والذي جمع ناشطي المجتمع المدني وممثلي النازحين والمثقفين وغيرهم... وناقش المؤتمر ترتيبات وقضايا عامة وقضايا تفصيلية، وفوجئت حركة العدل والمساواة بأن الحكومة التفّت على نتائج هذا المؤتمر وحاولت مع حركة التحرير ومع الوساطة صياغة مسودة تم تسويقها للاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة، ولم تأخذ تلك المسودة بمواقف "العدل والمساواة".

مستقبل العلاقة بين الطرفين

وضعت اتفاقية الدوحة مستقبل علاقة حركة التحرير بغيرها من حركات دارفور وخصوصا العدل والمساواة على المحك؛ فإذا كانت الاتفاقية قد نصت على إعطاء فرصة ثلاثة أشهر للحركات غير الموقعة حتى تلتحق بقاطرة التوقيع فإن العدل والمساواة ترى أن الوثيقة ستكون أساسا لأي حل إذا كانت قابلة للمراجعة، أي أنه من الضروري إجراء مفاوضات جديدة يتم بموجبها تعديل نص الاتفاقية وهو ما تعنيه الحركة بمبدأ "فتح الوثيقة". أما إذا كان السبيل المفتوح أمام الحركات غير الموقعة هو التفاوض على صيغة معينة لدمج قواتها المسلحة ضمن الجيش السوداني، واستيعاب كادرها السياسي ضمن الهيئات السياسية والإدارات الإقليمية والمركزية فهذا يضع علامة استفهام أمام صلاحية هذه الاتفاقية.

ترى العدل والمساواة أنها حركة أساسية في خارطة دارفور لا يمكن تجاوزها، ولا بد من إعطائها فرصة كافية للحوار مع الحكومة، فضلا عن فتح الوثيقة ونقاش ملفاتها الستة وتناول كافة القضايا المطروحة للتفاوض، فذلك ما سيؤدي إلى سلام شامل، وأي سلام لا يجمع كل الأطراف وخصوصا القوى الحاملة للسلاح على الأرض لا يمكن أن يكون شاملا.

ومن الواضح أن صراع "العدل والمساواة" وكذلك جناح مني ميناوي وجناح عبد الواحد نور مع الحكومة صراع باق؛ فهل يعني هذا أن هذا الصراع سيشمل أيضا حركة التحرير التي ستصبح في وقت قريب حليفا للحكومة إن لم تكن جزءا منها، خصوصا وأن حركة التحرير ست&