وقعت حركتا فتح وحماس اتفاق المصالحة الوطنية في القاهرة، برعاية مصرية، وسط ترحيب عربي وإسلامي، بعد أربع سنوات من الانقسام الفلسطيني، وعشرات الجولات من الحوار بين الحركتين، في عدد من المدن الفلسطينية والعربية.
وقد قوبل الاتفاق بحالة من الفرح والتفاؤل في الأوساط الشعبية الفلسطينية، التي رأت فيه نهاية لحقبة استثنائية من تاريخ الحركة الوطنية، شهدت انقساما غير مسبوق سياسيا وجغرافيا.
والسؤال بعد ذلك عن فرص نجاح أو فشل اتفاق المصالحة، من خلال تحليل بنوده، وقراءة العوامل الداخلية والخارجية التي قد تؤثر فيه، وهي المتغيرات الإقليمية والدولية، والثقة بين حركتي حماس وفتح، والموقفين الإسرائيلي والدولي من الاتفاق.
المصالحة أمام المتغيرات الإقليمية والدولية
امتحان الثقة بين حركتي حماس وفتح
الموقف الإسرائيلي: التلويح بالعصا
الموقف الدولي: حذر وترقب
بنود الاتفاق: مخاطر المسكوت عنه
خلاصات
المصالحة أمام المتغيرات الإقليمية والدولية
شكلت المتغيرات الإقليمية والدولية عاملا ضاغطا نحو سرعة إنجاز اتفاق المصالحة في القاهرة، ومن المتوقع أن تساهم في إنجاح الاتفاق، أو على الأقل في تثبيته في المستقبل المنظور. ومن أهم هذه المتغيرات:
أولا: نجاح الثورة المصرية في إسقاط نظام الرئيس حسني مبارك، وهو النظام الذي مثل لإسرائيل " كنزا استراتيجيا " خلال عقود حكمه الثلاثة، وعمل على تحييد مصر من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي، وأعطى الفرصة لإسرائيل لتمارس سياسة الاحتلال ضد الفلسطينيين دون وضع الموقف المصري في الحساب.شكلت المتغيرات الإقليمية والدولية عاملا ضاغطا نحو سرعة إنجاز اتفاق المصالحة في القاهرة، ومن المتوقع أن تساهم في إنجاح الاتفاق، أو على الأقل في تثبيته في المستقبل المنظور.
ومع دخول حماس إلى الساحة السياسية الفلسطينية بعد فوزها في انتخابات المجلس التشريعي في يناير/كانون الثاني عام 2006، أضيف بعد آخر لتأثير السياسية المصرية في الوضع الفلسطيني، حيث تعاملت مصر في تلك المرحلة وحتى سقوط مبارك مع الملف الفلسطيني من الزاوية الأمنية، ومن منطلقات داخلية مصرية نظرت إلى حركة حماس باعتبارها الفرع الفلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين العدو الأول لنظام حسني مبارك، وهو ما دفع السياسية المصرية إلى الانحياز التام لحركة فتح والرئيس عباس في الخلاف الداخلي الفلسطيني ضد حركة حماس.
وتبدو أهمية هذا المتغير الإقليمي، بالنظر إلى أن اتفاق المصالحة يتضمن التوقيع على ورقة المصالحة المصرية التي قدمت في 17 أكتوبر / تشرين الأول 2009، مع إضافة ما بات يعرف بورقة " تفاهمات دمشق"، وهي الورقة التي تتضمن ملاحظات واستدراكات حماس على الورقة المصرية. وقد كانت هذه التفاهمات محل توافق بين وفدي حماس وفتح في لقاءات دمشق في سبتمبر/أيلول 2010، ولكن الرئيس عباس أرسل وفدا تراجع عنها في نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام، بسبب تعرضه للضغوط من النظام المصري، حسب اتهامات حركة حماس.
وإذا تجاوزنا اتهامات حماس باعتبارها طرفا في الصراع، فإن العودة إلى وثائق الدبلوماسية الأمريكية التي سربها موقع ويكيليكس، يعطي صورة كاملة عن موقف الدبلوماسية المصرية وجهاز مخابراتها برئاسة عمر سليمان من الملف الفلسطيني، والذي يتلخص بتقوية الرئيس عباس وإضعاف حماس بكل صورة ممكنة.
وتبرز أهمية العامل المصري أيضا، من خلال قدرة مصر الجديدة على إعاقة أية مخططات إسرائيلية لتعزيز الحصار على غزة ردا على توقيع الاتفاق، وقد بدا ذلك واضحا في تصريحات وزير الخارجية المصري نبيل العربي، المؤكدة على إعادة فتح معبر رفح، ووقف استخدامه كأداة لتعميق الحصار على القطاع.
ثانيا: الضغوط الشعبية الفلسطينية التي توجت بمظاهرات الخامس عشر من مارس/آذار، وتركزت على رفع شعار " الشعب يريد إنهاء الانقسام "، وهو ما شكل ضغطا كبيرا على حركتي حماس وفتح لإنجاز الاتفاق، ومن المتوقع أن يستمر الضغط الشعبي الفلسطيني باتجاه إنجاح الاتفاق أو تثبيته على الأقل خلال الفترة القادمة، مستفيدا من الزخم الذي تشكله الثورات الشعبية في أكثر من دولة عربية، بحيث أثبتت التجارب أن بقاء واستمرار الضغوط الشعبية، يؤدي في نهاية الأمر إلى الحفاظ على الإنجازات، وهذا ما حصل ويحصل في تونس ومصر، وهذا ما سيضعه الحراك الشعبي الفلسطيني في الحسبان لمنع فشل اتفاق المصالحة.
ثالثا: اشتعال الانتفاضة السورية، التي وضعت النظام السوري في مأزق سياسي وأمني لا يتوقع له أن ينتهي قريبا، وهو ما شكل عامل ضغط سياسي على حركة حماس للتوقيع على اتفاق المصالحة، بهدف فتح بوابات دبلوماسية وسياسية جديدة لها في المنطقة، وخصوصا مع النظام المصري الجديد، الذي يهمه تحقيق إنجازات إقليمية ومحلية تساعده في إرضاء الحراك الشعبي الثوري في مصر.
صحيح أن حماس كانت مستعدة في نوفمبر/تشرين الثاني 2010 للتوقيع على هذا الاتفاق، ولكن مع سقوط نظام مبارك أعلنت على لسان العديد من قادتها أن الورقة المصرية أصبحت في حكم الملغى، وأن أي اتفاق لإنهاء الانقسام الفلسطيني يجب أن يكون منسجما مع الحقائق الإستراتيجية المستجدة في مصر، وهو ما يؤكد أن توقيع حركة حماس على هذا الاتفاق الذي اعتبرته لاغيا قبل أقل من شهرين، ما كان ليتم لولا المتغيرات التي تعصف بالساحة السورية، والتي تؤثر بشكل مباشر على أوراق القوة التي تملكها الحركة.
رابعا: التراجع النسبي في القدرة الأمريكية والغربية على فرض إرادتها على دول المنطقة، بسبب التغييرات التي حصلت في مصر، وانطلاقا من دخول الإرادة الشعبية العربية في حسابات الأنظمة العربية والدول الغربية على حد سواء، بعد أن أدركت كل الأنظمة أنها ليست عصية على التغيير في مواجهة الإرادة الشعبية.
خامسا: التوقف الكلي في عملية السلام، والرفض الإسرائيلي لتقديم أي " تنازل " في قضية الاستيطان يؤدي إلى تحقيق اختراق في المفاوضات، وإعلان الولايات المتحدة أنها لن تمارس المزيد من الضغوط على إسرائيل لوقف الاستيطان.
إن أهمية هذا المتغير تكمن في كونه عاملا أساسيا في الضغط على الرئيس عباس، بعد أن فقد المبادرة على التحرك والمناورة بعد توقف مشروعه السياسي بشكل كامل، وهو ما يحد من قدرته على التراجع عن اتفاق المصالحة، كما أن الرئيس عباس يستطيع التذرع بالموقف الإسرائيلي المعطل للسلام، لمواجهة أية ضغوط محتملة من الولايات المتحدة والدول الغربية، التي تتحفظ على الاتفاق.
سادسا: التصعيد العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة، الذي شهد أسبوعين ساخنين في بداية شهر إبريل / نيسان الماضي، وتصاعد التهديدات الإسرائيلية على لسان المسئولين السياسيين والعسكريين بشن حرب واسعة ضد حماس في غزة، وهو ما يشكل ضغطا كبيرا على حركة حماس ويدفعها للتمسك باتفاق المصالحة، حتى لا تترك وحيدة في مواجهة أي عدوان إسرائيلي محتمل، كما حدث في حرب الرصاص المصبوب عامي 2008 و2009.
سابعا: التفكك الشديد في تنظيم حركة فتح في قطاع غزة، وتنظيم حركة حماس في الضفة الغربية، والمعاناة الكبيرة لكوادر الحركتين من تداعيات الانقسام خلال السنوات الأربع الماضية، وهو ما يشكل عامل ضغط على قيادتي الحركتين للتمسك بالاتفاق بهدف تخفيف معاناة كوادر حماس في الضفة الغربية، وكوادر فتح في قطاع غزة.
امتحان الثقة بين حركتي حماس وفتح
ساهمت سنوات الانقسام الفلسطيني، وما سبقها من أحداث دامية، في إحداث شرخ كبير بين حركتي فتح وحماس، وأدت الحملات الإعلامية الشرسة المتبادلة خلال السنوات الخمس الماضية إلى فقدان الثقة بين الطرفين. |
إن تطبيق الاتفاق الذي يحتوي على الكثير من العموميات والنقاط التي تحتاج إلى تفصيل وتفسير، سيتطلب قدرا كبيرا من " التسامح " بين الطرفين في تفسير هذه النصوص، وهو أمر لن يتم دون إعادة بناء الثقة بينهما، وهو ما يعني أن الفترة الانتقالية التي يفترض أن تسبق الانتخابات وتستمر لمدة عام، ستكون فترة حاسمة، باتجاه إعادة بناء الثقة وإنجاح الاتفاق، أو باتجاه تعزيز الخلاف وانهيار الاتفاق.
ومن هنا تأتي أهمية الإجراءات العملية التي قد تساهم في إعادة بناء الثقة، مثل الإفراج عن المعتقلين السياسيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإجراء المزيد من جولات الحوار الميدانية، ووقف الحرب الإعلامية بين الطرفين، وإعادة ترتيب الأوضاع في غزة والضفة لفتح المجال للحركتين للعمل بحرية في كافة أراضي السلطة الفلسطينية، وهي أمور سيبنى عليها الكثير في إيجاد الأرضية المناسبة لإنجاح اتفاق المصالحة وتجنب الفشل في تطبيقه.
الموقف الإسرائيلي: التلويح بالعصا
يشكل الموقف الإسرائيلي عاملا مهما في الضغط على الأطراف، نظرا لامتلاك دولة الاحتلال الكثير من أوراق القوة في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث تستطيع ممارسة المزيد من التصعيد العسكري في القطاع ورفع وتيرة الحصار عليه، كما أنها تمتلك معظم أوراق اللعب في الضفة الغربية بسبب سيطرتها الأمنية على الأرض، وقدرتها على التحكم بالوضع الاقتصادي في الضفة بشكل كامل.
لقد كان الموقف الإسرائيلي واضحا منذ الإعلان عن قرب التوصل للاتفاق، حين قالت الحكومة الإسرائيلية إن على الرئيس عباس أن يختار بين حماس وبين السلام، واستبقت توقيع الاتفاق بإجراءات عملية تمثلت بوقف تحويل أموال الضرائب المستحقة للسلطة الفلسطينية بحجة أن إسرائيل تريد التأكد من أن الأموال لن تصل إلى حماس، فيما اعتبر رئيس الوزراء توقيع اتفاق المصالحة ضربة كبيرة للسلام وانتصارا " للإرهاب".
ي إطار الإجراءات العملية، بدأت إسرائيل حملة دبلوماسية لإقناع الدول الغربية بخطورة الاتفاق على عملية السلام، والترويج أن المصالحة مع حماس ليست فقط ضد المصلحة الإسرائيلية، ولكنها أيضا ضد مصالح الغرب في المنطقة. كما تحدثت مصادر إعلامية إسرائيلية عن سعي نتنياهو لدى القاهرة، لبحث المخاوف الإسرائيلية من المواقف المصرية الجديدة المتمثلة بالتقارب مع إيران ورعاية اتفاق المصالحة الفلسطينية.
إن الموقف الإسرائيلي الرافض لتوقيع اتفاق المصالحة، سيشكل ضغطا كبيرا على الرئيس عباس بشكل خاص، سواء كان ذلك بشكل مباشر من خلال الإجراءات الأمنية والعقوبات الاقتصادية على الحكومة الفلسطينية القادمة، أو بشكل غير مباشر من خلال التأثير على موقف الرباعية الدولية والدول الغربية ومحاولة فرضها رفض التعامل مع الحكومة التي سيفرزها الاتفاق كما حدث بعد توقيع اتفاق مكة في الثامن من شباط / فبراير 2007، وهو ما سيجعل مصير الاتفاق معلقا بقدرة الحكومة القادمة على الصمود، وبإصرار الرئيس على موقفه الرافض لكل الضغوط التي تحاول منعه من الاستمرار في طريق المصالحة الوطنية إلى نهايتها.
شكل الموقف الدولي من حركة حماس عائقا أمام التوصل إلى اتفاق للمصالحة الفلسطينية خلال السنوات الأربعة الماضية، وكان لهذا الموقف دور كبير في إفشال اتفاق مكة بسبب مقاطعة حكومة الوحدة الوطنية برئاسة إسماعيل هنية، وقطع المساعدات المالية عنها، وهو ما وضع الحكومة في مأزق سياسي ومالي، قبل أن تنتهي بالحسم العسكري لحماس في قطاع غزة بعد حصار خانق، ومقاطعة دبلوماسية وانفلات أمني مبرمج من قبل بعض الأطراف التي كانت متنفذة في حركة فتح في ذلك الوقت.
ومن خلال قراءة المواقف الدولية من اتفاق القاهرة، يبدو أن تغيرا ملحوظا قد طرأ على هذه المواقف من المصالحة الفلسطينية، انطلاقا من التغييرات الإستراتيجية في المنطقة، إضافة إلى عامل الاطمئنان الذي وفرته بعض البنود التي وردت في الاتفاق، وخصوصا ما يتعلق بتشكيل حكومة تكنوقراط غير فصائلية وغير ملتزمة سياسيا، ما يعطي الفرصة لهذه الحكومة للتحلل من متطلبات الرباعية الدولية.
ورغم وجود هذا التغيير في الموقف الدولي من المصالحة، إلا أن هذا لا يعني أن الاتفاق أصبح محل توافق دولي، إذ أظهرت معظم المواقف الدولية بعض التحفظات.
- تأرجح موقف الرئيس الأمريكي بارك أوباما بين اعتبار الاتفاق فرصة للسلام أو عائقا له، وكانت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون قالت، إن الولايات المتحدة "تنتظر رؤية التفاصيل" قبل أن تحكم على اتفاق المصالحة. وأكدت إن واشنطن "لا تستطيع دعم حكومة تضم حركة حماس إلا في حال تبنت مبادئ اللجنة الرباعية".
- أما الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، فقد أعرب عن أمله بأن يتقدم الفلسطينيون نحو "الوحدة بما يخدم السلام والأمن، ضمن إطار السلطة الفلسطينية والتزامات منظمة التحرير"، وطالب ببعض الإيضاحات للإجابة على " دواعي قلق إسرا