العلاقات الصينية الباكستانية، الصداقة الملائمة لكل الظروف

توصف العلاقة الباكستانية الصينية بأنها "الصداقة الملائمة لكل الظروف"، بسبب موقع باكستان الجغرافي والسياسي الذي يقع على مفترق طرق بين مناطق: آسيا الوسطى وجنوب آسيا وغربها. فهذه الصداقة تمثل حصنا يحول دون تطويق الصين، وجسرًا لتواصلها التجاري مع بحر العرب.
1_1066487_1_34.jpg

 

عارف كمال

لقيت زيارة رئيس الوزراء الباكستاني يوسف رضا جيلاني التي استمرت لأربعة أيام إلى الصين في مايو/أيار عناية خاصة نظرا لتوقيتها الدقيق والإشارات الإيجابية المرسلة من بكين كواحدة من نتائجها الواضحة. وتأتي هذه الزيارة في أعقاب "التدهور" الذي لم يسبق له مثيل في العلاقات الباكستانية-الأميركية عقب الإجراء أحادي الجانب من الولايات المتحدة ضد أسامة بن لادن في أبت أباد. وأثار هذا الحدث مخاوف باكستانية من أن تتخذ الولايات المتحدة المزيد من الإجراءات المماثلة في سياق حملتها ضد ما تسميه "الملاذات الآمنة للإرهابيين" داخل الأراضي الباكستانية؛ ما قد يستحث "الصقور" في نيودلهي للدفع بالهند لانتهاج سياسة مماثلة.

مشاركة إسلام اباد في الحرب العالمية على ما يسمى الإرهاب -والتي تنال من النسيج الاجتماعي للبلد، ومن قوته المؤسسية والاقتصادية- ستظل تشكِّل ظاهرة مستمرة، هذا في الوقت الذي لن تكف فيه الولايات المتحدة عن طلب المزيد من الجهود الباكستانية.
والأهم من ذلك أن الزيارة تتزامن مع تأكيد بكين على الملأ -ما يُعتبر مطلبا أساسيا- بضرورة احترام "سيادة وسلامة الأراضي الباكستانية"، وهي نفس الرسالة التي تردد صداها في الحوار الإستراتيجي بين الصين والولايات المتحدة في واشنطن. هذه السلسلة من الأحداث تُعزز الأهمية القصوى للعامل الصيني في صمود الدولة الباكستانية، لا سيما إزاء "الضغط المضاعف" الذي تواجهه في هذه الأوقات العصيبة.

إن أهمية دور العامل الصيني في دعمه لباكستان، في المسرح المعاصر لدول جنوب آسيا، على الرغم من تجذره كما بدا في تجربة العقود الخمسة الماضية، أصبح اليوم أكثر وضوحا من ذي قبل، فهو يتناول التقارب في المصالح والاستمرار في التفاهم الإستراتيجي الذي يتجاوز التوجهات الأيديولوجية لكلا الجانبين. وبوجود هذا العامل في أعلى سلم الأولويات، فإنه لا يخفف الضغط الذي تواجهه باكستان في المرحلة الحالية فحسب بل يتجاوز ذلك بخطوات؛ وذلك لسببين: الأول: أن مشاركة إسلام اباد في الحرب العالمية على ما يسمى الإرهاب -والتي تنال من النسيج الاجتماعي للبلد، ومن قوته المؤسسية والاقتصادية- ستظل تشكِّل ظاهرة مستمرة، هذا في الوقت الذي لن تكف فيه الولايات المتحدة عن طلب المزيد من الجهود الباكستانية. الثاني: تشهد الهند صعودا باعتبارها قوة هيمنة إقليمية مرتبطة بلاعبين دوليين رئيسيين، مع استمرارها في العمل على تقويض قدرة باكستان على المناورة في الساحة. تأسيسا على هذه الخلفية، فإن العامل الصيني يكتسب أهمية كبيرة وارتباطا سياقيا لصيقا يعمل على بعث الشعور بالثقة لدى باكستان لتتصرف كدولة وتبحر بثبات في مياه هوجاء.

والجدير بالذكر، أن العلاقة الباكستانية-الصينية توصف عمومًا بأنها "الصداقة الملائمة لكل الظروف" مع إتباعها عادة بتعبيرات أخرى متكررة مثل: "أعمق من المحيطات" و"أطول من جبال الهيمالايا". هذه الدلالة انعكست بنفس القدر في الخطاب الرومانسي في عهد ماو ولاحقا في "حكمة" دنغ شياو بينغ. وهذا يذكرنا بتطور العلاقة خلال فترة الحرب الباردة وما بعدها؛ حيث انفردت باكستان عن الآخرين في الغرب لتعلن اعترافها بجمهورية الصين الشعبية واتخذت إجراءات متناسقة لكسر عزلتها، وبعد ذلك لعبت دورا كجسر بين واشنطن وبكين، وهناك موقف الصين المؤيد لباكستان في حربي 1965 و1971 الذي جاء معاكسا لتراجع الحلفاء الغربيين، إضافة إلى المساهمات الصينية في بناء قدرات باكستان الأمنية والاقتصادية. فهذه الدلالة تؤكد من جديد دروس التاريخ التي مفادها أن وجود باكستان كدولة ديناميكية أمر حيوي لأمن الصين والعكس صحيح، بقدر ما يتصل بقضايا في سيناريو جنوب آسيا.

ومن المصادفة أن كلا البلدين يتطلعان إلى عام 2011 كـ"عام الصداقة"، يستلهمان منه قوة وعمق العلاقة الإستراتيجية المستمرة بينهما، وهي مناسبة للتذكير بالقضايا المهمة:

  • العلاقة الإستراتيجية ترتكز على الاحترام المتبادل لـ"المصالح الحيوية" للجانبين: دعم الصين الثابت لاستقلال باكستان وسيادتها وسلامة أراضيها. وبالمثل، التزام باكستان الصارم بسياسة الصين الموحدة ومعارضة أي توجهات انفصالية، سواء المتعلقة بالتبت أو سينجيانغ.

  • المساعدة الصينية لباكستان مع التركيز على تحقيق "الاعتماد على الذات" و"دون شروط"، كتنفيذ المشاريع الضخمة مثل بناء الطريق السريع المعروف باسم KK Highway، ومجمع الآليات الثقيلة في تيكسيلا والمنشأة النووية في شاسما. وهناك أيضا الإنتاج الدفاعي المشترك وهو مجال آخر يحتاج للتفصيل.

  • على خلفية الاتفاق بين الولايات المتحدة والهند لنقل التكنولوجيا النووية المدنية، تدعم الصين باكستان من خلال التعاون النشط في مجال توليد الطاقة النووية، وتعد الاتفاقات الأخيرة لإقامة محطتين للطاقة النووية أبرز دليل على ذلك.

  • التعاون الثنائي بين البلدين في العقود الأخيرة ما زال يركز على القضايا السياسية والدفاعية بينما تأتي العلاقات الاقتصادية في مرتبة أقل نسبيا. غير أن الصين أصبحت بالفعل ثالث أكبر شريك تجاري لباكستان (ارتفع حجم التبادل التجاري من مليار دولار أميركي في عام 2001 إلى 8 مليارات دولار في 2010) بالإضافة إلى أن اتفاقية التجارة الحرة ستوفر الفرصة لزيادات مطردة.

  • تشهد الهند صعودا باعتبارها قوة هيمنة إقليمية مرتبطة بلاعبين دوليين رئيسيين، مع استمرارها في العمل على تقويض قدرة باكستان على المناورة في الساحة.
    وفي الوقت الحالي هناك عدة مشاريع صينية ضخمة للبنية التحتية جارية في باكستان: منها ميناء غوادر في المياه العميقة، والطريق السريع الذي يربط بين كراتشي الساحلية مع غوادر، وتأهيل طريق كاراكوروم السريع، ومحطات الطاقة النووية وعدد من مشاريع الطاقة الكهرومائية التي يجري تنفيذها في الجانب الباكستاني وما حولها من ولاية جامو وكشمير المتنازع عليها مع الهند.

  • من القضايا الملحة في جدول الأعمال السياسية بين الطرفين أن هناك رؤى مشتركة فيما يتعلق بتنشيط الروابط التجارية بين البر الصيني وبين بحر العرب عبر باكستان. وعلى حد تعبير دبلوماسي باكستاني رفيع المستوى: "إن إنشاء طريق كاراكوروم السريع وتحسين السكك الحديدية ووجود ممر للطاقة، وتمديد كابل الألياف الضوئية ليصل عبر الحدود بين باكستان والصين سوف يكون ضمانا لقدر أكبر من المعاملات الاقتصادية والتجارية. وهذا الطريق، قبل كل شيء، واحد من طرق الحرير التقليدية منذ الماضي". 

  • ميناء غوادر الباكستاني يبشر بوصول الصينيين والآسيويين من آسيا الوسطى إلى المراكز التجارية في منطقة الخليج وما وراءها. وقد سبق أن أُسندت إدارة هذا المشروع، وهو ميناء المياه العميقة الذي أنشأته الصين، لشركة من سنغافورة في الماضي، وتشير التقارير إلى أن إدارته ستؤول إلى شركة صينية الآن.

ويجب توضيح أن التصريحات الأخيرة حول قوة وعمق العلاقات بين باكستان والصين هي أكثر من مجرد ألفاظ؛ فزيارة رئيس مجلس الدولة الصيني ون جياباو إلى إسلام أباد في ديسمبر/كانون الأول 2010، وزيارة رئيس الوزراء جيلاني إلى بكين في مايو/أيار المنصرم تميل إلى نقل صورة ذات أبعاد ثلاثة إلى شرائح أكبر، وهذا هو التقدم الحاسم نحو تعزيز موقع باكستان؛ فأولا: هي تدل على أن العلاقات الباكستانية-الصينية تعمل في الواقع في حركة مرورية ذات اتجاهين وهي مفيدة للطرفين إستراتيجيًّا (العلاقة تخدم المصالح الجوهرية للبلدين). ثانيا: هذه العلاقة لها انعكاسات إقليمية وعالمية متشعبة (تتكرر الإشارة إلى العلاقة من حيث تأثيرها المحتمل على السلام والاستقرار في المنطقة وخارجها). وثالثا: الحفاظ على حق باكستان في اختيار مسار تنميتها بما يتوافق مع واقعها (إشارة لمناهضة الهيمنة والأحادية).

إن الأبعاد الاقتصادية للعلاقة وانعكاساتها المحتملة على الواقع عموما، مسألة إيجابية للغاية في نواحٍ كثيرة؛ فالتعهدات الصينية، سواء كانت في شكل عمل فعلي أو وعود، هي مكسب كبير لتحسين صورة باكستان في هذه المرحلة الحرجة؛ فقد كشفت الصين في إطار التبادلات الأخيرة، عن عقود مع باكستان تصل إلى 30 مليار دولار، وهي قفزة إلى الأمام لتنشيط الاقتصاد الباكستاني. والأهم من ذلك، أنها تبشر بتأثير إيجابي فائق ومضاعف من حيث النمو، وتمثل دعوة للآخرين في المجتمع الدولي للاستثمار في باكستان؛ فالمبادرة الصينية مهيئة للفرص في المجال الاقتصادي -وهي فرص لا تزال موجودة في الساحة الباكستانية- على الرغم من استمرار عملية "مكافحة الإرهاب"، وتشير أيضا إلى أنه "إذا كان هناك فراغ (بسبب إهمال الآخرين) فإن الصين سوف تملؤه".

ويُنظر دائما إلى المشاركة الصينية مع باكستان على خلفية العامل الهندي، سواء كان ذلك في سياق تطورها في عهد ماو أو باستلهام من عهد دينغ المعروف بالنمو وضبط النفس، وفي نفس السياق، يأتي تطبيع العلاقات الصينية الهندية على أنها تتمة لإعادة هيكلة السياسة الصينية في إطار أوسع وليس خطوة مستقلة نحو الهند، والواقع هو أن بكين سعت لتحسين علاقاتها ليس فقط مع نيودلهي بل مع عدد من البلدان الأخرى، وأهمها الولايات المتحدة الأميركية.

وعلى كل حال كان هناك محطات مختلفة تعكس أنماط العلاقات الصينية-الباكستانية عبر العقود ولكن الذي لم يتغير هو التقاء المصالح واستمرار التفاهم الإستراتيجي؛ فـ"تحسن العلاقات بين الهند والصين لم يؤد إلى إضعاف التوافق الصيني-الباكستاني....". بينما تواصل الصين تعزيز علاقتها مع باكستان فإنها كذلك تشجع على اتخاذ خطوات لتحسين العلاقات بين باكستان والهند، وتوفير مناخ ملائم في آسيا ككل.

والمحللون في هذه النقطة يتفقون على أنه حتى لو تطورت العلاقات الصينية الهندية تطورا كبيرا، فإن علاقات الصين مع باكستان سوف تستمر في الازدهار. في هذه الحالة، ستكون الصين في وضع أفضل لحث الهند على الاعتدال في سياستها تجاه باكستان، ذلك لأن الدعم الصيني لباكستان هو عامل ثابت يتعلق في جوهره بالمصالح الأساسية للبلدين.

إن تطور معادلة "الصداقة الملائمة لكل الظروف" بين باكستان والصين هو إدراك وانعكاس لموقع باكستان الجغرافي والسياسي على مفترق طرق بين مناطق: آسيا الوسطى وجنوب آسيا وغرب آسيا. وبعبارة أكثر تحديدا، تكمن فوائد هذا التطور في ناحيتين: كونه حصنًا يحول دون تطويق الصين، وكونه جسرًا للتواصل التجاري للصين مع بحر العرب.

العلاقة الباكستانية-الصينية توصف عمومًا بأنها "الصداقة الملائمة لكل الظروف" مع إتباعها عادة بتعبيرات أخرى متكررة مثل: "أعمق من المحيطات" و"أطول من جبال الهيمالايا".
إذن مكانة باكستان لدى الصين لا تزال كما هي دون تغيير على الرغم من التحسن في العلاقات بين الصين والهند في عصر يتسم بالنمو والتركيز على "وضع الخلافات جانبا" لمصلحة الأجيال القادمة (ليس هناك تأثير سلبي على الملف الاقتصادي الهندي-الصيني). وستضع الصين في الحسبان، من المنظور البعيد، نوعين من العوامل المتشابكة: أولا: التناقضات ما بين التعاون الاقتصادي الهندي-الصيني، وبين التصور الصيني الخاص بالتهديد وحسابات التأهب العسكري في البلاد. وثانيًا: الوعي الشديد لدى الهند بهوس الولايات المتحدة فيما يتعلق بالصين كقوة عظمى محتملة، ومن هنا، جاء التقدم النوعي في التعاون بين الهند والولايات المتحدة.

إذا كان المستقبل يحمل أي أهمية، سيتعين على الصين مواصلة تعزيز صمود الدولة الباكستانية وبقائها، لتؤدي، مرة أخرى، دورا حيويا في مفترق الطرق بين المناطق.
__________________
دبلوماسي سابق وباحث متخصص في الشأن الباكستاني



نبذة عن الكاتب