آفاق المسيرة السياسية في بوروندي

توجد مشكلة سياسية كبرى ببوروندي على الرغم من وجود حكومة ذات شرعية قائمة على انتخابات تعددية حيث لا بد لهذه الحكومة من اعتماد إستراتيجية شاملة تتبنى دفع الضرر عن المواطن فهي أفضل له من ديمقراطية قد تخيب الآمال ولا تصنع آفاقا واعدة
1_1078896_1_34.jpg

عمر نتزيمبريري

يعيش الشعب البوروندي الفترة الرئاسية الثانية للنظام الديمقراطي الذي تأسس بعد عقود من الصراع المرير بين قبيلتي الهوتو والتوتسي. وهذا النظام جاء نتيجة مفاوضات السلام والمصالحة الشاقة بين البورونديين التي امتدت قرابة خمس سنوات. والمصالحة عبارة عن تقنين حق المشاركة السياسية، وبالتالي، اجتثاث النزعة العدائية بين أبناء الشعب الواحد.

ترتكز عوامل تطبيق النظام الديمقراطي في بوروندي على استراتيجية الترقب والتوازن من حيث الهيمنة، حتى لا تكون هناك مجموعة قبلية تنفرد بحكم البلاد دون غيرها. وبالتالي، هذه الاستراتيجية أوحت بأن النظام الديمقراطي في بوروندي، عبارة عن النظام الانتقالي المقنن الذي لجأ إليه استراتيجيو التوتسي بعد أن واجهوا الهزيمة النكراء في أول انتخابات ديمقراطية حرة جرت عام 1993، حيث أدركوا أن تطبيق هذا النظام، قد يبعدهم إلى خط اللاعودة، وبالتالي لن يتولوا أي منصب حكومي في بوروندي.

إن الإشكالية الديمقراطية في بوروندي تكمن في مؤسسية الدستور، الذي يرعى مصلحة كل مجموعة قبلية بغض النظر عن كونها أغلبية أو أقلية. ولكن بحكم الواقع المعيش لمستقبل هذا البلد فقبول هذا النوع من الديمومة الانتقالية للحكم، كان ضروريا من أجل تطهير اسم بوروندي من دنس الثنائية "الهوتية/التوتسية" المتصارعة وكأنهما الأوس والخزرج قبل ظهور نور الإسلام في الجزيرة العربية.

خصوصيات الانتخابات العامة الثانية
التداعيات السياسية
تعاطى دول الجوار
الواقع السياسي لمنطقة البحيرات
الدروس المستفادة
آفاق الخروج من الأزمة

خصوصيات الانتخابات العامة

تمكن خصوصية الانتخابات الماضية في كونها كرست التركيز على الجو التنافسي الذي ساد فيه منذ بداية الانتخابات المجالس المحلية، وذلك بمشاركة كل القوى السياسية بما فيها حزب جبهة التحرير الوطنية، التي ظلت حتى وقت قريب واجهة حركات الهوتو المتمردة المتشددة، التي ترفض الجلوس في المفاوضات مع الأقلية التوتسية
إن الحكومة التي كان يرأسها بيير نكورونزيزا منذ عام 2005، كان مطلوبا منها أن تسير على خط تحديد أولوية المرحلة. خاصة أنها تتمتع بالأغلبية الساحقة في مجلسي النواب والشيوخ. وهذه الأولوية كانت من المفروض أن تعتمد مبدأين:

1- إجراء تقييم عام حول التطور الذي حدث في ميثاق الوفاق الوطني. والغرض منه، والتدرج نحو التخلي عن نظام التمثيل النسبي في الحياة العامة للدولة، وذلك حسب النتائج الإجمالية للأصوات في الانتخابات العامة.

2- دمج جدول الانتخابات بحيث تجرى كلها في يوم واحد. فإبقاء النظام الحالي لإجراء الانتخابات على مدى شهرين، له تداعيات خطيرة على المستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.

ومهما يكن، فقد تم تنظيم الانتخابات الديمقراطية الثانية في بوروندي في العام الماضي، وكان الشعب البوروندي قد تمنى أن يرى هذه الانتخابات تصب في خانة تعزيز الوحدة الوطنية، ومن ثم انطلاق نحو التنمية والرقي ورفع مستوى المعيشة للمواطنين الذي ظل مترديا طيلة أربعة عقود مضت.

وتمكن خصوصية الانتخابات الماضية في كونها كرست التركيز على الجو التنافسي الذي ساد فيه منذ بداية الانتخابات المجالس المحلية، وذلك بمشاركة كل القوى السياسية بما فيها حزب جبهة التحرير الوطنية، التي ظلت حتى وقت قريب واجهة حركات الهوتو المتمردة المتشددة، التي كانت ترفض أي محاولة لجلوس على طاولة المفاوضات مع الأقلية التوتسية.

وقد تم تحويل هذه الحركة إلى حزب لسياسي بعد مفاوضات شاقة رعتها وساطة دولة جنوب إفريقيا.

التداعيات السياسية في بوروندي

أصبح جو المنافسة بعد الانتخابات بين الأحزاب: الحزب الحاكم من جهة وحزب أوبرونا الذي كان يسعى للحفاظ على موقعه في السلطة حسب ما ينص اتفاق أروشا للسلام والمصالحة من جهة أخرى
كما أشرنا آنفا، فإن انتخابات العام الماضي، كانت لها ميزة خاصة من حيث الدفء السياسي والتنافس الانتخابي اللذان شهدتهما الساحة البوروندية. لقد ظهر حزب جبهة التحرير الوطنية بزعامة أغطون غواسا، منافسا حقيقيا للحزب الحاكم: المجلس الوطني للدفاع عن الديمقراطية-القوى من أجل الدفاع عن الديمقراطية (CNDD-FDD) بزعامة الرئيس بيير نكورونزيزا. وتميز المشهد الانتخابي بما آنذاك يلي:

1- تمتع حزب جبهة التحرير الوطنية بتأييد كبير من قبيلة الهوتو، مثله مثل الحزب الحاكم.

2- ينحدر رئيس حزب جبهة التحرير الوطنية من نفس الولاية نغوزى التي ينحدر منها الرئيس بيير نكورونزيزا.

3 - تم دمج بعض محاربي حزب جبهة التحرير الوطنية ضمن القوات المسلحة والشرطة.

ويبدو أن قادة حزب جبهة التحرير الوطنية قد أخطأوا في قراءة الموقف السياسي لحزبهم بناء على النتائج الافتراضية على هذا النحو:

- إيمانهم بأن الحزب يمثل طموح الأغلبية في بوروندي.

- إيمانهم بأن حزبهم يمثل وجوها جديدة في الساحة السياسية في بوروندي.

- اعتقاد جازم بأن الفوز سيكون لصالحهم، نظرا للانقسامات التي هزت أركان الحزب الحاكم.

- إفراط في تقدير الموقف بأن شعبية الحزب الحاكم في تقهقر عقب الكشف عن ملفات الفساد المالي الكثيرة.

وفى ظل وجود مثل هذا اليقين السياسي، لم يكن من السهل أن نجد صانعي القرار داخل حزب جبهة التحرير الوطنية سيتقبلون بنتائج انتخابات المجالس المحلية بمجرد إعلان عن النتائج الأولية. فالانتخابات المحلية، هي التي كانت ستعطى الصورة العامة لقوة كل حزب ومن سيخرج منتصرا في نهاية المطاف.

فما كان على حزب جبهة التحرير الوطنية إلا أن رفض نتائج هذه الانتخابات بشكل قاطع، واتهم الحزب الحاكم بتزويرها بل وبسرقة بعض الصناديق أثناء فرزها. وقد أعلن حزب جبهة التحرير الوطنية وبعض الأحزاب القليلة الحظ مقاطعة كل الانتخابات القادمة، ما لم تقبل المفوضية القومية للانتخابات إعادة فرز الأصوات أو إعادة الانتخابات نفسها. الشيء الذي رفضته اللجنة وحكمت أنه ضرب من الخيال. فتسرعت الأحزاب المقاطعة إلى إنشاء تحالف سياسي عرف باسم التحالف الديمقراطي من أجل التغيير.

أما الحزب الحاكم، فقد نفى بشدة حدوث أي تزوير أو سرقة، واعتبر أن الانتخابات جرت في جو من الشفافية والنزاهة كما أكدت على ذلك المفوضية. ولم يكتف الحزب الحاكم بهذه المقاطعة فحسب، بل استغل فرصة تذبذب موقف حزب أوبرونا "

UPRONA" ذي الأغلبية التوتسية، وحليفه في إدارة البلاد منذ 2005، بإعلان أنه سيواصل مشاركته في كل الانتخابات حتى النهاية. فأصبح جو المنافسة بعد ذلك بين الأحزاب: الحزب الحاكم من جهة، وحزب أوبرونا الذي كان يسعى للحفاظ على موقعه في السلطة حسب ما ينص اتفاق أروشا (بتنزانيا) للسلام والمصالحة من جهة أخرى. 

تباينت مواقف الشعب البوروندي بين مؤيد لقرار المعارضة بالمقاطعة ومؤيد قرار مفوضية الانتخابات بتزكية ما جرى. وبين هذا وذاك، اتجه الموقف نحو التصعيد على النحو التالي:

- ضعف عدد الناخبين المشاركين في الانتخابات التي تلت المجالس المحلية.

- اتهام الحكومة لقادة المعارضة بالسعي على قلب النظام.

- مغادرة بعض قادة المعارضة البلاد، وخاصة الرئيس حزب جبهة التحرير الوطنية أغطون غواسا، والذي يعتقد أنه مختبئ في الغابات شرقي الكونغو الديمقراطية.

- تذبذب موقف حزب أوبرونا بين الاعتراف بنتائج الانتخابات وبين رفضها.

ومن الواضح، أن مقاطعة أحزاب المعارضة باقي الانتخابات، أعطت الحزب الحاكم فرصة ثمينة لضمان فوزه في جميع الانتخابات، وخاصة بعد عدول حزب أوبرونا عن موقفه الأول وإعلانه المضي قدما في المشاركة في جميع الانتخابات.

والآن، وبعد مضي عشرة أشهر على تولى الرئيس بيير نكورونزيزا فترة رئاسته الثانية، فما فتئت صورة المشهد السياسي البورندي تزداد ضبابية يوما بعد يوم أكثر من السابق، وآمال البورونديين في مشاهدة بلدهم يتجه نحو السلم الأهلي والديمقراطي في المنطقة بدأت تتبدد وذلك للأسباب التالية:

1- يبدو أن السياسيين الذين فروا من البلاد، يخططون لزعزعة الأمن والاستقرار. والدليل على ذلك زيادة معدل أعمال القتل والعنف السياسي.

2- انعدام الأمن والاستقرار بصورة كبيرة في كل مناطق ريف بوجمبورا وبعض الأحياء في العاصمة، حيث يكثر سماع إطلاق النار خاصة في الليل.

3- زيارات متكررة من كبار مسؤولين الدولة إلى هذه المناطق، وحثهم المواطنين على حفظ الأمن والاستقرار وعدم استماع إلى الأقوال المخربين.

4- الإثبات ثم النفي من مسؤولي الجيش بأن هناك تنسيقا أمنيا بين الجيش البوروندي والجيش الكونغولي.

5-رسالة رؤساء البعثات الدبلوماسية المقيمين في بوروندي إلى وزير الخارجية بوروندي، يطالبون فيها الحكومة الحد من مسلسل القتل والعنف الجاريين الآن في البلد.

6- اتهام جناح شباب الحزب الحاكم بأنه يقود عمليات تصفية أنصار حزب جبهة التحرير الوطنية بطريقة ممنهجة والعكس تماما.

و هناك أمران جديران بالذكر:

1- إن المعارضة استطاعت حتى هذه اللحظة أن تحاصر حكومة بيير نكورونزيزا، دبلوماسيا وإعلاميا وسياسيا وأصبحت الحكومة تجد نفسها في قفص الاتهام خصوصا فيما يتعلق بتدهور حالة الأمن والاستقرار. وأكثر من ذلك، فقد أصبحت الظروف لصالح المعارضة نظرا للاتهامات المتكررة حول ملفات الفساد والمتهمين فيها ليسوا سوى بعض صانعي القرار في الحكومة وفى الحزب الحاكم. وهذا الأمر في غاية الأهمية حيث إن الدول المانحة رفضت تقديم أي مساعدة مالية لبوروندي ما لم تتخذ خطوات جدية لمحاربة عناصر الفساد داخل الحكومة وخارجها. والمعروف أن 50% من ميزانية بوروندي العامة تأتى من الدول المانحة، فامتناع هذه الدول عن تقديم هذه القروض سيشد عضد المعارضة في موجهتها لحكومة بوجمبورا.

2- والأمر الثاني، يتعلق بموقف اليأس الذي يعيشه أغلب أنصار الحزب الحاكم، عقب ورودلمعلومات بشكل يومي عن فساد مالي وكثرة سماسرة الحكومة ممن يعملون بصالحهم خاصة، والصمت المريب من قبل الرئيس بيير نكورونزيزا، حيال اتخاذ الإجراءات العقابية ضد هؤلاء رغم علمه بهذه القضايا.

وقد أدى هذا الموقف الضبابي خاصة من قبل الحزب الحاكم، إلى ظهور بعض الأصوات في أوساط بعض أركان الحزب الحاكم، تندد علنا بتفشي الرشوة والمحسوبية في جسم الدولة والحزب الحاكم.

ومن ضمن هؤلاء، الكولونيل ماناسى نزوبونيمبا، أحد أبرز قادة الحزب الحاكم وعضو برلمان شرق إفريقيا. وقوبلت انتقاداته العلنية بامتعاض شديد من قبل مسؤولي الحزب الحاكم، وقرروا لذلك السبب عقد مؤتمر استثنائي حضره الرئيس بيير نكورونزيزا نفسه للنظر في تصرفه حيال الحزب والحكومة. ولم يدم ذلك المؤتمر سوى بعض دقائق، حيث قرر المشاركون فصله عن الحزب وقطع أي اتصال أو أي علاقة به.

ومثل هذه التطورات والأحداث صارت جزءا من سياسات حكومة نكورونزيزا وقد زادت من هشاشتها بعد انتخابات العام الماضي.

تعاطي دول الجوار

تعيش دول جوار بوروندي تشابها حقيقيا مع بوروندي من حيث تنوع البنية العرقية والقبلية تنوعا قابلا للانفجار والاستقطاب، ولم تستطع دول الجوار حتى الآن وضع خطة مستقبلية لإنهاء هذه الصراعات على غرار النموذج البوروندي
عندما نتعمق في تحليل الواقع السياسي البوروندي، ومراحل تطوره بناء على ماضيها المؤلم، نجد أن هذه الدولة وبمساعدة دول أفريقية والمجتمع الدولي، استطاعت أن تطوى صفحاتها الصراع الطائفي السوداء بين الهوتو والتوتسي، وقد قدمت نموذجا حقيقيا للتعايش السلمي والوفاق الوطني في إطار ممارسة النظام الديمقراطي ورعاية مصلحة كل مجموعة بغض النظر على كونها أغلبية أو أقلية.

تعيش دول جوار بوروندي تشابها حقيقيا مع بوروندي من حيث تنوع البنية العرقية والقبلية تنوعا قابلا للانفجار والاستقطاب، ولم تستطع دول الجوار حتى الآن وضع خطة مستقبلية لإنهاء هذه الصراعات على غرار النموذج البوروندي.

إلا أنها بالمقابل، وحسب رأى كثير من المراقبين، لا ترغب في القيام بخطوة من شأنها إحداث انفتاح سياسي أو إطلاق الحرية لكل أبناء شعبها.

ويؤكد هؤلاء المحللون، أن الاضطرابات السياسية في بوروندي قد تجد من الترحيب من قبل دول الجوار ما لا يجده تنظيم انتخابات ديمقراطية، ففي أغلب هذه الدول حكومات تتسم بأحادية الحزب وإن كانت تمارس في الظاهر ديمقراطية "مزيفة".

ويعزز هؤلاء المحللون تحليلاتهم بمبررات كثيرة أهمها برودة في تعامل الدبلوماسي ما بين بوروندي وجيرانها. فقد قام كبار المسؤولين في بوروندي بزيارات رسمية للكونغو الديمقراطية ولرواندا من أجل تعزيز وتجسيد العلاقات مع دول الجوار، شارحين لهم آخر مستجدات الوضع في الساحة البوروندية ومقدرين ومثمنين لسلطات البلدين لما بذلوه من جهد لمساعدة بوروندي على الخروج من &

نبذة عن الكاتب