للمرة الرابعة في أقل من ست سنوات، انتخب أكثر من 400 ألف ناخب وناخبة من الكويتيين، في الثاني من فبراير/شباط 2012، نواب مجلس أمتهم الرابع عشر، على أمل إخراج البلاد من دوامة الأزمات السياسية المتلاحقة التي تكابدها منذ سنوات.
فقد أثارت الانتخابات البرلمانية الأخيرة، التي جاءت في أعقاب حراك شعبي أسقط الحكومة ومجلس الأمة السابقين، تساؤلات وطرحت إشكاليات متباينة تتعلق بواقع ومستقبل المسيرة الديمقراطية في دولة الكويت، حيث بات واضحًا وجود حالة من القلق والترقب تنتاب المواطنين الكويتيين، على اختلاف مشاربهم، بسبب توالي الأزمات السياسية بين الحكومة ومجلس الأمة، وسط غياب تام للتنمية الحقيقية.
إن النتائج التي أفرزتها انتخابات مجلس الأمة الرابع عشر تشير إلى أن الكويتيين قد وضعوا كلاً من المجلس المنتخب الجديد والحكومة المرتقب الإعلان عنها في غضون الأيام القليلة المقبلة، أمام لحظة فارقة، تفرض على كلا السلطتين الاعتراف بأنهما أمام تحديات كبرى، بما يستدعيه ذلك من ضرورة إعادة النظر في النهج السائد في العلاقة بينهما، وطرح رؤى ثاقبة، وبلورة فهم مخالف لما كان بالأمس.
من هذا المنظور يسلط هذا التقرير الضوء على نتائج انتخابات مجلس الأمة الجديد، ويحاول استقراء دلالاتها السياسية، ويسعى إلى تقديم إجابات بشأن عدد من القضايا والتساؤلات، من قبيل: إلى أي مدى يمكن تحقيق تعاون وتكامل في أداء الحكومة المقبلة ومجلس الأمة الجديد؟ والكيفية المتوقع أن تؤول إليها العلاقة بين هاتين السلطتين فيما بعد مرحلة الانتخابات، وتداعيات ذلك على صورة الديمقراطية الكويتية، وما هي السيناريوهات الخاصة بعمر هذا المجلس؟ وما أهم التحديات التي ستواجهها الحكومة الجديدة؟ وإلي أين تتجه الديمقراطية الكويتية في المستقبل؟
ديمقراطية "مأزومة" ومناخ انتخابي "ملتهب"
بالرغم من كونها صاحبة الريادة في منطقة الخليج العربي، لم تفتأ الديمقراطية الكويتية تعاني من أزمات متكررة، على النحو الذي تجلَّى في حل مجلس الأمة أربع مرات في غضون أقل من ست سنوات (أعوام 2006، و2008، و2009، و2011)، وذلك في إطار الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، باعتباره أحد أسباب أزمة الديمقراطية في الكويت.
فيما تشير معطيات الواقع السياسي إلى وجود أن ديموقراطية كويتية حقيقية مقارنة بالغالبية العظمى من الدول العربية، إلا أن الواقع ينبئ أيضًا عن وجود أزمة مركَّبة ومتراكمة تعانيها هذه الديمقراطية تفاقمت في الأعوام الأخيرة.
فعلى مدى سنوات، لم تنته الأزمات السياسية قط؛ إذ شُكِّلت سبع حكومات وحُلَّ البرلمان أربع مرات، فيما لم يُحل البرلمان سوى مرتين فقط على مدى أكثر من عشرين عامًا منذ إجراء أول انتخابات لمجلس الأمة عام 1963 وحتى عام 1986م، حيث كان الحل عامي م1976 و1986م.
وقد بلغت أزمة الديمقراطية الكويتية مبلغها خلال العام 2011م، ودخلت منعطفًا خطيرًا مع أواخر العام، حين احتدم الصراع بين نواب المعارضة في المجلس والحكومة؛ حيث سادت حالة من التجاذب والصراع السياسي، شهدت خلاله البلاد احتقانًا غير مسبوق، وخروج بعض القوى السياسية للشارع، والمطالبة، لأول مرة، بإقالة رئيس الوزراء، وسط احتقان ومواجهات مع حكومات رئيس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح، وبعد مواجهات وتجاذبات كبيرة مع القوى السياسية في مجلس الأمة، وذلك كله على خلفية ما بات يُعرف إعلاميًّا بفضيحة "الإيداعات والتحويلات المليونية".
وجاء كل ذلك مصحوبًا بتدنٍّ غير مسبوق في لغة الخطاب السياسي، وتطور الخلاف من الكلام إلى الفعل واللجوء لتحريك الجماهير.
وقد وصف بعض المراقبين المشهد الديمقراطي والسياسي الكويتي بأنه" في الكويت ديمقراطية دون ديمقراطيين"(1).
وقد بلغ هذا الاحتقان السياسي ذروته باقتحام البرلمان في سابقة لم تحدث في تاريخ الكويت، وانتهى بإقالة الحكومة وحل مجلس الأمة.
وهكذا، جرت انتخابات مجلس الأمة الرابع عشر في مناخ سياسي يختلف كثيرًا عن سابقتها. ومنذ انطلاق الحملات الانتخابية شهدت الساحة السياسية صراعًا محمومًا بين التيارات المختلفة والمستقلين. وقد انعكس ذلك على مجمل معطيات الأجواء التي أُجريت فيها الانتخابات، التي شهدت استقطابًا كبيرًا في الدوائر الانتخابية.
وبالرغم من هذا المناخ الانتخابي الصاخب، إلا أن الانتخابات اتسمت بأعلى مستويات الشفافية والنزاهة من خلال الصناديق الزجاجية حيث جرى الفرز أمام الجميع ونُقِل على الهواء مباشرة.
كما جاءت الرقابة على سير هذه الانتخابات مغايرة كذلك؛ ففي خطوة غير مسبوقة وافقت السلطات الكويتية على إشراك مراقبين مستقلين في رصد عملية الانتخاب، وقد تم نشر 300 منهم في أنحاء الكويت لرصد أية مخالفات.
خارطة مجلس الأمة الجديد ودلالاتها السياسية
أظهرت نتائج الانتخابات البرلمانية حدوث تغيير في تركيبة مجلس الأمة للفصل التشريعي الـ 14 بلغ متوسط نسبته 52%، وقد تفاوتت تلك النسبة بين الدوائر الانتخابية الخمس، وحظيت الدوائر الأولى والثالثة والخامسة بنسبة تغيير هي الأعلى وبلغت 60% لكل منها حيث أُعيد انتخاب أربعة نواب عن كل دائرة على حدة من أصل عشرة كانوا في المجلس التشريعي السابق، وحظيت الدائرتان الثانية والرابعة بنسبة تغيير بلغت 40% بعد إعادة انتخاب ستة نواب عن كل دائرة من أصل عشرة كانوا في المجلس السابق(2).
ويتمثل المتغير الأكبر الذي أسفرت عنه هذه الانتخابات البرلمانية في تغير تركيبة مجلس الأمة الجديد لتصبح المعارضة هي الأكثرية وليست الأقلية النيابية كما كان معتادًا في مجالس الأمة السابقة.
فقد باتت المعارضة، التي وضعت حملتها الانتخابية تحت شعاري "الإصلاح" و"محاربة الفساد"، تسيطر بشكل كامل على قرار البرلمان بعد أن ارتفع عدد نوابها إلى 34؛ إذ إنها بحاجة إلى 33 مقعدًا لتجاوز تأثير تصويت الوزراء غير المنتخبين البالغ عددهم 15 وزيرًا، والذين يتمتعون بموجب الدستور بحق التصويت في مجلس الأمة.
وتشير القراءة المتأنية لهذه النتائج إلى عدد من الدلالات ذات الصلة بمستقبل المسيرة الديمقراطية في الكويت عمومًا، ومستقبل العلاقة بين السلطتين على وجه الخصوص، وذلك على النحو التالي:
• الدلالة الأولى: غلبة الاتجاه الداعي للتغيير على الاتجاه الداعي للاستمرار، وخاصة في أوساط الشباب الذي يمثل شريحة كبيرة من المجتمع الكويتي، عبر دعم المعارضة السياسية في مجلس الأمة.
• الدلالة الثانية: العودة القوية للتيار الإسلامي السني، ممثلاً في غلبة الحركة الدستورية الإسلامية "حدس" والسلفيين والمستقلين، نحو (23 نائبًا) على تركيبة برلمان 2012 مقابل 9 مقاعد فقط في المجلس السابق.
وبهذه النتيجة يستعيد الإسلاميون ثقلهم النسبي وحضورهم القوي داخل مجلس 2012 ، مجددين تجربتهم في مجلسي 2006، و2008.
وفي هذا السياق، شهد البرلمان الجديد عودة أعضاء الحركة الدستورية الإسلامية "حدس"، وعودة أعضاء كتلة "التنمية والإصلاح"، فضلاً عن أعضاء كتلة العمل الشعبي التي يقودها النائب المخضرم أحمد السعدون رئيس المجلس السابق وفوز أحد أعضائها وهو النائب مسلم البراك فوزًا ساحقًا برقم تاريخي يصل إلى 30118 صوتًا.
ويمكن -بقدر كبير من الاطمئنان العلمي والواقعي- تفسير المكاسب التي حققها النواب ذوو التوجهات الإسلامية -إلى حد بعيد- بسبب مواقفهم القوية تجاه الحكومة، فضلاً عن مرجعيتهم الدينية.
• الدلالة الثالثة: سقوط كثير من النواب الموالين للحكومة السابقة في مختلف الدوائر الانتخابية الخمس.
• الدلالة الرابعة: غياب التمثيل النسائي في مجلس أمة 2012 بعد أن حققت المرأة دخولاً تاريخيًّا في 2009 بوجود أربع نائبات، لكنهن خسرن مقاعدهن جميعًا هذه المرة.
فيما كان دور النائبات السابقات عاديًّا ولا يرقى إلى مستوى طموح المرأة الكويتية التي تسعى إلى تحقيق متطلباتها المعيشية.
• الدلالة الخامسة: انحسار تمثيل أعضاء كتلة العمل الوطني بالبرلمان الحالي بحيث تقلص العدد من خمسة أعضاء إلى عضو واحد؛ حيث خسر معظم مرشحيها المخضرمين.
وهو ما يعود بدرجة أساسية إلى التوازن الذي اتسمت به مواقف وسياسات تلك الكتلة إزاء التفاعلات الداخلية الساخنة التي عرفتها الكويت على مدار الشهور الماضية.
وإن تضمن المجلس الجديد عددًا من النواب المقربين أو المحسوبين على التيار الليبرالي في الكويت عمومًا، وأبرزهم: محمد الصقر، وشايع الشايع، وعلي الراشد.
• الدلالة السادسة: تقلُّص عدد النواب الذين ينتمون إلى المذهب الشيعي في المجتمع الكويتي إلى سبعة نواب مقابل تسعة في المجلس السابق.
ومن أبرز النواب الشيعة الذين خسروا مقاعدهم النائب د.حسن جوهر؛ حيث يغيب لأول مرة عن عضوية مجلس الأمة بعد أن احتفظ بمقعده النيابي على مدى ستة مجالس متتالية (1996-1999-2003-2006-2008-2009).
• الدلالة السابعة: تراجع عدد النواب الذين خاضوا الانتخابات الفرعية، مقارنة بحضورهم النيابي في مجلس 2009، بما يشير إلى غلبة الانتماء للدولة على حساب الانتماءات الأقل، وزيادة الوعي والإدراك لدى شرائح مجتمعية- لاسيما من جيل الشباب- بتعارض هذه الأمور مع حقوق المواطنة ومرتكزات دولة القانون.
• الدلالة الثامنة: نجاح وظهور مرشحين من الشباب الجدد لأول مرة، والذين حصدوا مراكز متقدمة، مما يؤشر لتغير نوعي في أعمار نواب مجلس الأمة مستقبلاً لصالح الجيل الجديد من الشباب.
• الدلالة التاسعة: خروج عدد من النواب المخضرمين السابقين رغم الإرث السياسي الذي يحملونه، إلا أنه لم يحالفهم الحظ هذه المرة بسبب تراجع شعبيتهم في الدوائر التي يتبعون لها، فضلاً عن توجه الناخبين الشباب لاختيار أصحاب الدماء الجديدة والأفكار المتطورة لتفعيل نهج التغيير.
الحكومة المرتقبة والمجلس الجديد
يتوقع مراقبون أن المجلس الرابع عشر (قد يكون مجلسًا انتقاليًّا) بمعنى أن يكون عمره قصيرًا (ما بين 6 أشهر إلى عامين)(3)؛ ومن ثَمَّ لا يؤدّي الفوز الكبير للمعارضة وحصولها على قدرة حسم التصويت في مجلس الأمة إلى نهاية التأزم السياسي، مستشهدين باحتدام المعركة على كرسي رئاسة المجلس نفسه التي بدأت سخونتها تطفو على السطح منذ البداية.
ويرى آخرون أن هذا المجلس يحتوي على تناقضات جمّة تجعله أقرب إلى حقل ألغام قابل للانفجار من الداخل في أية لحظة(4)، ووصفه بعض النواب الجدد بأنه "مجلس متطرف"، وشبّهوه بأنه "كبحر الظلمات"(5).
كما يتوقع آخرون، تزايد المواجهات البرلمانية وتلاحق الأزمات السياسية بين السلطتين التنفيذية والتشريعية؛ حيث يرجحون أن تحاول المعارضة ممارسة دور «الند» ضد الحكومة بعد اقتراب عدد أعضائها من 34 عضوًا بما يشكِّل 66% من أعضاء البرلمان المنتخبين البالغ عددهم 50 نائبًا.
وفي المقابل تبدو وجهة نظر متفائلة بحصول المعارضة على أكثر من نصف المقاعد، على النحو الذي يجعل لها "دورًا في قيادة دفة الحكومة؛ وحيث يكون هناك استجوابات لأنهم سيعرفون أنه سيكون هناك قوة للإصلاح والرقابة في وجه الحكومة"(6)؛ ومن ثَمَّ يصبح المحدد في المستقبل رهنًا بقدرة الحكومة الجديدة على التعاون مع "واستقطاب" التيار الاسلامي.
ومن المؤكد، أنَّ العلاقة بين الحكومة المرتقبة والمجلس الجديد ستكون هي "كلمة السر" في تحديد مستقبل المسيرة الديمقراطية والتنموية في البلاد.
ذلك، أن أربعة مجالس برلمانية، حُلَّت كلها بسبب تفاقم الأزمة بينها وبين السلطة التنفيذية في السنوات الخمس الماضية؛ مما جعل روح الإحباط تسري في قطاع واسع من الناخبين، على النحو الذي عبَّرت عنه نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة والتي لم تتعدَّ 62% مقارنة بأكثر من 85% في انتخابات سابقة.
فقد أدَّى تفاقم الصراع النيابي-الحكومي إلى الإضرار بالممارسة البرلمانية وتعطيل النشاط التشريعي؛ حيث أهدر الكثير من الوقت والجهد، وأسقط عددًا من الأعراف والتقاليد في المبارزات واستعراضات القوة مع الحكومة عن طريق تقديم الاستجوابات للحكومة ووزرائها ورئيسها.
وغالبًا ما كانت الصورة مشوّشة، فلا يُعرف إذا كانت تلك نتيجة مناكفات شخصية أو أجندات "حزبية" أو دوافع إصلاحية بحتة، فلم يُتَح للمجالس الأربعة الأخيرة التي حُلّت أن تختبر أعضاءها في مناقشة خطط وتشريعات تطويرية وتنموية أعدّتها الحكومة ويفترض أنها تهم الشعب والبلد.
وهكذا تعقدت عناصر الأزمة السياسية التي يتحمل الأداء والسياسة الحكوميان مسؤولية أيضًا في ترسيخها، إمَّا بسبب غموض الرؤية لبعض القرارات، أو لعدم وجود تشاور وشفافية، سواء بالنسبة إلى خيارات سياسية واقتصادية داخلية، أو حتى بالنسبة إلى توجهات في السياسة الإقليمية مع تصاعد التوتر بين دول الخليج وإيران.
وبوجه عام، يرى بعض المراقبين أن تشكيلة الحكومة الجديدة، التي يتعين على رئيس الوزراء المكلَّف إعلانها قبل الخامس عشر من فبراير/شباط 2012، ستحدد ولو جزئيًا مدى النجاح الذي ستحققه في حل الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد خلال السنوات الأخيرة، وثمة مؤشر جيد في هذا الصدد، يتمثل في وجود حديث متداول حاليًا في الكويت عن وجود تفاهم بين رئيس الحكومة المكلَّف والنواب.
ولاشك أن الخروج من دوامة الأزمات السياسية المتوالية يتطلب جهودًا مضاعفة من المجلس النيابي والحكومة على السواء، عبر تعزيز تعاون بين السلطتين الذي هو أساس النظام الديموقراطي.
فالمطلوب حكومة قوية مبادرة مالكة لقرارها وواثقة بنفسها، لديها برنامج عمل سياسي واضح، يحظى بتوافق البرلمان وفق روح الدستور.
وفي المقابل، مطلوب من نواب مجلس الأمة الجديد ترشيد استخدام أدوات الرقابة الدستورية، ومنح الفرصة للحكومة الجديدة كي تطرح رؤاها وبرامجها، ومنحها الوقت الكافي لتنفيذ هذه البرامج والرؤى، بحيث لا يتم تسليط سيف الرقابة الدستورية قبل تقييم التطبيق والأداء الحكومي على أرض الواقع.
ومن شأن ذلك أن تكون هناك سلطتان متعاونتان ومتكاملتان، لإيجاد تشريعات تخدم الكويت، والعمل على تسهيل تنفيذها بما يخدم المواطنين.
الانتخابات ومستقبل الديمقراطية الكويتية
لعل السؤال المثار الآن كويتياً هو: هل يُعاد إنتاج الأزمات وتكرارها، وفق وتيرة متقاربة، دون أن تتمكن أي من السلطتين: التنفيذية (الحكومة) والتشريعية (مجلس الأمة) الجديدين، من التوصل إلى صيغة توافقية تجنِّب الكويت، بعد حوالي خمسين عامًا من المشاركة السياسية والحياة البرلمانية، الاحتقان وانسداد الأفق الدائم الذي أصبح سمة محبطة وغير مجدية، تخصم من رصيد التجربة البرلمانية الكويتية؟
لقد باتت الحاجة ملحة اليوم لإيجاد صيغة أو توليفة ناجحة تخرج الديمقراطية الكويتية من الدوامة المعيقة لتجربة بدأت في مطلع الستينيات من القرن الماضي بزخم وتفاؤل وتميز.
وفي المحصلة النهائية، وبعد نصف قرن من التجربة البرلمانية الكويتية، بات لزامًا أن تنتج الكويت نظامًا وآلية تنجح في إيجاد صيغة سياسية توافقية بأغلبية واضحة للسلطة التنفيذية، وعلى نحو يسمح بحراك سياسي -منظَّم لا يعطِّل أو يعوق التقدم- ويبعد الكويت عن دوامات الاستقطاب والاصطفاف والشد والجذب وحل المجلس واستقالة الحكومة، ضمن تجاذب سياسي بات محبطًا وطاردًا للكفاءات، وسببًا لدى الآخرين للتشكيك في جدوى التجربة الكويتية.
مثل ذلك التوافق المنشود سيسمح لمجالس الأمة بأن تكمل مددها الدستورية، ويحصِّن الحكومة بأغلبية برلمانية هي أقرب للنظام البرلماني، وبشكل لا يتكرر معه سيناريو المواجهات والاستجوابات.
خاتمة
صفوة القول: إن الكويتيين يأملون أن تكون الانتخابات البرلمانية الأخيرة بداية لعودة الاستقرار إلى الحياة السياسية وانطلاق عملية التنمية بعد فاصل من المشاحنات السياسية والأزمات.
فهل سيكون بالفعل هناك مجلس أمة يتعاطي إيجابيًا مع قضايا المجتمع الكويتي، أم أنه سيكون مجددًا مجلس "صراع سياسي" يضر بالمناخ السياسي والمجتمعي بأكثر مما يكون بحق –كما يرغب المواطنون الكويتيون وكما رغب من قبل الآباء المؤسسون للبلاد- "درة التاج" في الديمقراطية الكويتية الرائدة.
_____________________________________
محمد بدري عيد-باحث متخصص في الشؤون الخليجية
المصادر
1- سامي عبد اللطيف النصف: "تأملات في الانتخابات"، صحيفة الأنباء الكويتية، 5/2/2012م.
2- وكالة الأنباء الكويتية "كونا"، 3/2/2012م.
3- انظر على سبيل المثال: د.محمد الرميحي: "قراءة في الانتخابات الكويتية"، صحيفة الاتحاد الإماراتية، 7/2/2012م.
4- عبد الله النيباري: "انفجار صراع المجلس تهديد للمجتمع ككل"، صحيفة القبس الكويتية، 8/2/2012م.
5- تصريحات النائب نبيل الفضل للصحف الكويتية، 4 و6 فبراير 2012م.
6- النائب د.وليد الطباطبائي، صحيفة الوطن الكويتية، 6/2/2012م.