مؤتمر لندن حول الصومال.. توقعات وتخوفات

لا يؤمل المتابعون للشأن الصومالي من مؤتمر لندن الذي سينعقد في 23 فبراير 2012 كثيرا فلن يحل مشكلة الصومال بل قد يفضي إلى فرض وصاية غير مباشرة على الصومال يمكن أن تمنع الدول للحيلولة دون أطماع الدول الأخرى في المشاركة في إعادة إعمار الصومال.
201221611344388734_2.jpg
لا يؤمل المتابعون للشأن الصومالي من مؤتمر لندن الذي سينعقد في 23 فبراير 2012  كثيرا (الجزيرة)

بعد عشرين عاما من عدم الاهتمام البريطاني الجدي بالصومال منذ انهيار حكومتها المركزية 1991، أعلنت حكومة رئيس الوزراء البريطاني عزمها عقدَ مؤتمر خاص بالصومال في لندن في 23 من فبراير/ شباط 2012، وحشدت جميع طاقاتها الدبلوماسية دوليا وإقليميا لإقناع دول العالم المهتمة بالصومال للمشاركة الفعالة في المؤتمر، الذي قالت إنه يهدف إلى توحيد الجهود لمواجهة الخطر الذي تشكله قضية الصومال وتداعياتها الأمنية والسياسية على القرن الإفريقي والعالم وبريطانيا بالتحديد على حد سواء.

ويتساءل المراقبون والمتابعون للشأن الصومالي عن السبب وراء هذا الاهتمام المفاجئ بالقضية المنسية، والتي كانت لا تبرح الأدراج المهملة عدا المتابعة عن بعد والدعم الإغاثي الخجول عبر المنظمات الدولية، رغم أن في بريطانيا نفسها توجد أكبر جالية صومالية في القارة الأوروبية.

وتتفاوت التفسيرات حول هذا الأمر كل من منطلقه الخاص، كما تختلف مواقف الأطراف الصومالية والدولية والإقليمية في تعاطيها مع هذا المؤتمر وتختلف في تأييدها أو التخوف منها أو ممارسة الحذر الدبلوماسي معها. ويجزم العديد من المراقبين أن وراء الأكمة ما وراءها، وأن المؤتمر ليس لزرقة عيون الصوماليين بل لأغراض أخرى ليس لها علاقة بالصومال والصوماليين، إن لم تكن ضد أهدافهم الوطنية.

بريطانيا والصومال.. خلفية تاريخية

تاريخيا استعمرت بريطانيا القسم الشمالي من الصومال والذي كان يعرف بـ"الصومال البريطاني" وتحرر هذا القسم في 27 يونيو / حزيران 1960 ليشكل مع القسم الجنوبي الذي تحرر في 1 يوليو من نفس العام ما سمي بجمهورية الصومال.

وتعتبر التركة الاستعمارية التي خلفها الاستعمار البريطاني والإيطالي معا إحدى جذور الأزمة الصومالية الراهنة، حيث ساعدت إيطاليا إثيوبيا في غزوها لإمارة هرر الإسلامية والاستيلاء عليها في 26 يناير/ كانون الثاني 1887. ووهبت بريطانيا منطقة الأوغادين إلى إثيوبيا عام 1889 بعد اشتراكها في إخماد الثورة المهدية في السودان، كما ضمت إثيوبيا أيضا الأراضي المحجوزة ومنطقة هرر وأكدت بريطانيا رضاءها بذلك في معاهدة 1897 التي بموجبها تم تعيين الحدود بين الصومال البريطاني وبين إثيوبيا. كما قامت بريطانيا بضم منطقة "أنفدي" المنطقة الشمالية الحدودية إلى كينيا، والتي تشكل نصف مساحة كينيا المعروفة اليوم تقريبا في الستينات.

وتعتبر الأزمة التي تمر بها الصومال منذ الاستقلال حتى هذه اللحظة -في جانب منها- امتدادا للصراع على الحدود بين الصومال وإثيوبيا والصومال وكينيا اللتين يعتبرهما الصوماليون محتلتين لأراض صومالية وتسعيان إلى تقويض أي حل لإعادة الكيان الصومالي إلى الوجود من جديد منذ انهياره عام 1991.

كما تعتبر بريطانيا وإيطاليا من الدول الأوربية العارفة بخفايا الأمور في الصومال لكونهما درستا المجتمع الصومالي دراسة مستفيضة ونشرت مراكزهما الكثير من البحوث والكتب حول الصومال في شتى مراحله منذ الرواد الأوائل للاستعمار حتى اللحظة الراهنة التي لم تتوقف فيها الدولتان من المتابعة والدراسة الحثيثة لكل ما يحدث في الصومال رغم الإعراض السياسي عن الخوض بجدية في حل أزمتها.

أهداف المؤتمر.. المعلن منها وغير المعلن

يتساءل العديد من المراقبين حول توقيت المؤتمر ولماذا جاء بعد واحد وعشرين عاما من الإهمال السياسي المتعمد، وترك القضية برمتها لدول الجوار ؟ ولماذا الآن بالذات؟

الأهداف المعلنة للمؤتمر
تقول الحكومة البريطانية إنه بعد فشل جميع الجهود التي بذلتها منظمات دولية وإقليمية ودول من المجتمع الدولي فإن الوضع في الصومال ما زال يتدهور، ولذا فإنه يحتاج إلى جهد دولي لإحداث التغيير من المجتمع الدولي ومن الزعماء السياسيين الصوماليين ورؤساء الإدارات الفيدرالية والذاتية.

ولهذا فقد دعت لمؤتمر في  23 من فبراير 2012، وسيشارك فيه ممثلون رفيعو المستوى من أكثر من 40 حكومة ومنظمة متعددة الأطراف من الشركاء الذين لديهم مصلحة أساسية في الصومال، بهدف تقديم مقاربة دولية جديدة للصومال، ومناقشة كيف يمكن للمجتمع الدولي متابعة جهودها لمعالجة الأسباب الجذرية للأزمة الصومالية والآثار المترتبة عليها إقليميا ودوليا.

وقد حددت سبعة محاور على أمل أن يتفق المجتمع الدولي على سلسلة من التدابير العملية حولها وهي:

  1. الأمن: إيجاد التمويل المستدام لبعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال (أميصوم)، ودعم قطاعي الأمن العدالة في الصومال.
  2. العملية السياسية: الاتفاق على سيخلف المؤسسات الانتقالية في مقديشو في أغسطس/ آب 2012، وإنشاء مجلس للإدارة المالية المشتركة.
  3. الاستقرار المحلي: إنشاء مجموعة دولية منسقة لدعم الصومال والمناطق الإدارية الصومالية.
  4. مكافحة الإرهاب: التزام متجدد للتصدي بشكل جماعي على التهديد الإرهابي القادم من الصومال.
  5. القرصنة: كسر نموذج التجارة المعتمدة على القرصنة.
  6. الإنسانية: تجديد الالتزام بمعالجة الوضع الإنساني.
  7. التنسيق الدولي: الاتفاق بشأن التعامل الدولي مع القضايا الصومالية.

وتعرف الحكومة البريطانية أن هذه القضايا المعقدة لا يمكن حلها بين عشية وضحاها. لذا ستكون بحاجة لبناء ودعم عمل الأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي والمنظمات غير الحكومية والدور الحيوي للمجتمع المدني في الصومال.

ومن الجهات المدعوة للمؤتمر الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، والهيئة الحكومية للتنمية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وجامعة الدول العربية. وممثلين للمؤسسات الصومالية الانتقالية، ورؤساء جمهورية صوماليلاند وبونتلاند وجلمدغ وتنظيم أهل السنة والجماعة.

ما وراء المعلن
لقد اقتنعت الحكومة البريطانية أن الصومال يمثل خطرا على الأمن، ليس فقط لبريطانيا بل للمجتمع الدولي، كما يتضح من تزايد التطرف والقرصنة في الصومال. فلندن تنظر إلى حركة الشباب، وهي جماعة مدرجة على قائمة الجماعات الإرهابية، أنها تمثل مصدر قلق أمني متزايد بسبب وجود الجالية الصومالية الكبيرة في انجلترا. ويشاركها هذا القلق دول أخرى مثل كندا والولايات المتحدة، وغيرها في أوروبا وإفريقيا. وبالمثل، فإن التهديد المتنامي للقرصنة في الصومال يؤثر على العديد من الدول في جميع أنحاء العالم.

وعلاوة على ذلك، فإن المجاعة المتكررة وغيرها من الاحتياجات الإنسانية في الصومال تمثل تحديات لا تقل أهمية. وبالإضافة إلى ذلك فإن مما يعقد هذه الأمور ضعف المؤسسات والبيئة السياسية المعقدة في الصومال.

هذا كله مفهوم، إلا أن هذا الهدف المعلن من تحسس الخطر الأمني الذي يشكله الصومال على بريطانيا وللمجتمع الدولي صاحبته أمور أخرى وجب التنبه لها، ومنها أن هناك صراعا على الثروة النفطية التي برزت في الصومال والتي بسببها أبرمت عدة دول اتفاقيات مع إدارات إقليمية في الصومال للتنقيب عن النفط وباشرت فعلا في ذلك. وتقدر العائدات النفطية المعلنة رسميا لمنطقة بونتلاند فقط، والتي تقوم بها شركة أسترالية للتنقيب عن البترول 1.9 تريليون دولار أمريكي، بالإضافة إلى مناطق عديدة في الصومال تأكد وجود النفط واليورانيوم فيها.

ويعود تاريخ إجراء الكشوفات البترولية في الصومال إلى ثمانينيات القرن الماضي؛ حيث تعاقدت حكومة سياد بري مع شركات أمريكية منها: شركة كونوكو، وشيفرون، وأميكو، وشركة فيلبس قبل اندماجها مع شركة كونوكو في عام 2002. ولكن عند اندلاع الحرب الأهلية تم سد منافذ الكثير من الآبار المكتشفة الغنية بالنفط، كما تم التمويه على الكثير منها، وحفظت خرائط مفصلة عنها إلى حين العودة مرة أخرى في ظل نظام موال، كما يقول أحد العارفين، وتشهد الصومال حاليا تكالبا عليها من قبل الدول الصاعدة كتركيا والهند والصين وجنوب إفريقيا.

كما أبرمت الشركات الفرنسية اتفاقات مع كينيا للتنقيب عن النفط داخل الحدود البحرية الصومالية، وهو سبب محاولة كينيا الاستيلاء على منطقة جوبا والتي دخلتها منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2011، بحجة محاربة الإرهاب في الصومال. كما أن عددا من الصوماليين يرى أن الاهتمام المفاجئ لتركيا بالصومال من ورائه أسباب إستراتيجية لا يخلو منها موضوع النفط، وهذا كله أسال لعاب الحكومة البريطانية للحصول على حصتها من هذا الكنز حالا وتكون هي الممسكة بخيوط الموضوع.

أما السبب الثاني الذي يعزى إليه الاهتمام المفاجئ لبريطانيا في المسألة الصومالية هو دخول تركيا على الخط في المسألة الصومالية بكل ثقلها عبر البوابة الإغاثية والإنسانية وتقود تنمية فريدة من نوعها اكتسبت ثقة المجتمع الصومالي وتسعى إلى التأثير السياسي بمقاربة لم تعهد من قبل مما أثار مخاوف الكثير من دول الجوار والدول الكبرى.

ومن جانب ثالث تزامنت الدعوة إلى هذا المؤتمر مع تحولات تشهدها الساحة الصومالية تعتبر في جانب منها إيجابية وأخرى تعتبر سلبية وتنذر بعواقب وخيمة.

اللاعب التركي ودخوله القوي
شهدت الصومال خلال العام الماضي أكبر مجاعة خلال الـ60 عامًا الأخيرة هرعت لها الدول والمنظمات الإسلامية التي لعبت دورا بارزا في مواجهة المجاعة؛ ولولاها لكانت الكارثة أكبر بكثير مما كانت عليه. وقامت الحكومة التركية بقيادة رجب طيب أردوغان بنصيب الأسد في ذلك. ولم يكتف أردوغان بتقديم المساعدة الإغاثية فقط بل قاد حملة دولية وإسلامية لإنقاذ الصومال. كما فتح أردوغان موسم الزيارات الرفيعة المستوى إلى الصومال، فما إن أعلن نيته زيارة الصومال حتى استبقه إليها الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيلي في 17 أغسطس/ آب 2011 التي لم تلق الكثير من الاهتمام والتي قال إنها تهدف إلى لفت أنظار العالم إلى المجاعة في الصومال. وبعد يومين جازف أردوغان بزيارة العاصمة التي تشهد قتالا دائما بين "الشباب" وقوات الاتحاد الإفريقي المعززة للقوات الحكومية الضعيفة، وكان ذلك في 19 أغسطس/ آب 2011 وبرفقته زوجته وأولاده. كما جاء معه بوفد كبير من الوزراء ونواب من البرلمان وكبار رجالات الدولة التركية، للفت أنظار العالم إلى حجم الكارثة ولإظهار التضامن والتعاطف مع الشعب الصومالي، وكان أول وفد رفيع المستوى من نوعه وأول رئيس وزراء يزور الصومال منذ 20 عاما.

ومن مقديشو ألقى أردوغان خطابه التاريخي الذي لن ينساه الصوماليون حيث أعلن حبه لهم وشنع على الحضارة الغربية التي قال إن مأساة الصومال اختبار حقيقي للقيم التي تتغنى بها، ووجه كلامه إلى الدول الغربية قائلا: "هذه فرصتكم لتثبتوا أن حضارتكم ليست مجرد كلمات فارغة".

وأعلن أردوغان إعادة افتتاح السفارة التركية في مقديشو، ووجودا دائما لمؤسسات العون التركية في الصومال لتقديم المساعدات التركية إلى المتضررين من الجفاف والمجاعة، وتعهد بإنشاء عدد من الشوارع في العاصمة مقديشو.

كما تابع أردوغان قضية الصومال في الأمم المتحدة إلى وقف على منصتها في 22 سبتمبر/ أيلول 2011 ليعرض قضية الصومال قائلا: "شعب الصومال يسير الآن في اتجاه الموت أمام أعين المجتمع الدولي الذي يشاهد الصومال كأنه يشاهد فيلماً من دون ردة فعل. علينا أن نتعامل مع هذه الصورة التي تشكل اختباراً للإنسانية". وشدد أردوغان "أقولها بصراحة، لا يمكن لأحد أن يتحدث عن السلام، العدالة والحضارة في العالم إلا إذا سمع صوت الصومال. لا يمكن للكلمات أن تصف الألم في الصومال".

ثم توالت المشاريع العملاقة التي قادتها الكتيبة التي تركها أردوغان في الصومال، من بينها بناء مدارس وحفر الآبار، وبناء ستة مستشفيات كبرى تسع ألفا وخمسمائة سرير، وستة مستشفيات متوسطة الحجم، ومساعدات نقدية أخرى لم يعلن عن تفاصيلها. كما أنه تقرر رصف الطريق بين المطار ومركز مقديشو، وتوفير عربات نقل القمامة لتنظيف المدينة ومحرقة للتخلص من النفايات. وعلاوة على ذلك، فإن الشعب التركي انطلاقا من روح التضامن مع الشعب الصومالي، قد جمع بسخاء تبرعات يصل مقدارها 280 مليون دولار، لدعم جهود الإغاثة في الصومال، لتمكين البلاد من التغلب على هذه الكارثة.

وقد فتحت زيارة الزعيم التركي الباب أمام زيارات أخرى توالت على الصومال من شخصيات عالمية مرموقة ومسؤولين دوليين، ومن بينها الزيارة الإنسانية التي قام بها د سلطان بن خليفة بن زايد آل نهيان مستشار رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة للصومال في 19 أغسطس/ آب 2011، والزيارة التي قام بها رجل الأعمال السعودي الأمير الوليد بن طلال مع وفد من التجار السعوديين في 27 أغسطس/ آب 2011، وكذلك الزيارة غير المسبوقة التي قام بها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والوفد المرافق له في 9 ديسمبر/ كانون الأول 2011، وآخرها زيارة وزير خارجية بريطانيا وليام هيغ المفاجئة في 2 فبراير/ شباط 2012. وكل هذه الزيارات المتوالية ولا سيما تلك التي قام بها الأمين العام للأمم المتحدة ودعا فيها إلى نقل مكاتب المنظمات الدولية إلى العاصمة مقديشو، كانت تحمل في طياتها رسالة مفادها بأن الأمن في العاصمة الصومالية مقديشو قد تحسن ويمكن لجميع البلدان فتح سفاراتها في البلاد.

تراجع حركة الشباب المجاهدين
من جانب آخر شهدت الحركة المتشددة المناوئة للحكومة الصومالية تراجعا في انتصاراتها العسكرية مما جعلها تنسحب من العاصمة حتى من مناطق نفوذها التقليدية بعد ضربات موجعة تلقتها من قوات الاتحاد الإفريقي والقوات الحكومية مما جعل هذه الزيارات ممكنة وأيضا جعل العاصمة كلها تحت سيطرة الحكومة الصومالية.

وقد لوحظ أن الولايات المتحدة الأمريكية ترغب في التركيز على الصومال في محاربتها للإرهاب بعد اكتمال انسحابها من العراق حسبما أعلنه وزير الدفاع الأمريكي من اكبر قاعدة أمريكية بمنطقة القرن الإفريقي في جيبوتي.

كينيا وإثيوبيا... التدخل العسكري المزدوج
تمثل التدخل العسكري المزدوج في إرسال دول الجوار (كينيا وإثيوبيا) قوات عسكرية إلى المناطق الصومالية المتاخمة لحدودها في وسط وجنوب البلاد لمواجهة ما سموه الجماعة الإرهابية المتمثلة بحركة الشباب والتي رأوا فيها خطرا محدقا على أمنهم، وهي التي تسيطر على أكثر من ثلثي جنوب ووسط الصومال.

اجتاحت القوات الكينية مدنا وقرى ساحلية قرب الحدود بين البلدين، كما قصفت طائراتها الحربية قرى ومدنا أخرى في الداخل الصومالي كان معظم ضحاياها من المدنيين الصوماليين وسط بيانات المنظمات الحقوقية العالمية مثل منظمة العفو الدولية التي طالبت بوقف انتهاكات الحكومة الكينية لحقوق المدنيين الصوماليين.

كما استولت وحدات من القوات الإثيوبية ترافقها قوات من الحكومة الانتقالية على مدينة بلدوين وسط البلاد، والتي كانت خاضعة لحكم حركة الشباب المجاهدين. ورأى الكثير من الوطنيين الصوماليين الذين يحملون إرثا من الحساسية التاريخية تجاه الدولتين الإفريقيتين بأنهما تنفذان أجندة خاصة بهما وإنما تتخذان من حركة الشباب "مسمار جحا" لينفذوا من خلالها أهدافهما.

تغيرات في المشهد السياسي
في المشهد السياسي الصومالي تبدو خارطة التجاذبات بين الأطراف السياسية داخل الحكومة الانتقالية والمؤامرات لإخضاع الخصم شديدة بعد الاتفاق في كمبالا منتصف العام الماضي 2011 على التمديد لمؤسسات الحكومة الانتقالية عاما واحدا ينتهي في أغسطس/ آب  2012.

في أواسط ديسمبر/ كانون الأول 2011، أعلن نواب من البرلمان الانتقالي إقالة رئيس البرلمان شريف حسن شيخ أحمد خلال غيابه عن الوطن فرفض الامتثال للأمر بعد عودته واصفا الخطوة بغير القانونية وبمخالفة الدستور واللوائح البرلمانية. واعتبر الكثيرون ذلك من تدبير الرئيس شريف شيخ أحمد الذي يريد إزاحة منافسه من منطقة قوته.

في سبتمبر/ أيلول 2011 عقدت الأمم المتحدة مؤتمرا تشاوريا في مدينة جروي عاصمة إقليم بونتلاند ولم يدع إليها رئيس البرلمان بينما شارك فيه الشيخ شريف ورئيس وزرائه لوضع خارطة طريق لكيفية مواجهة الاستحقاق الذي ستواجهه مؤسسات الحكومة الانتقالية في أغسطس/ آب 2012 حيث ستنتهي دستوريا، ووضع خطوط عريضة تتفق عليها الأطراف المشاركة لمن سيخلف هذه الحكومة.

وقد شارك في المؤتمر الحكومة الانتقالية وتنظيم أهل السنة والجماعة وإدارة ولاية بونتلاند. واتفق المشاركون مبدئيا في الجولة الأولى على تحقيق الأمن والاستقرار، وتعزيز المصالحة الوطنية، وكتابة الدستور، وممارسة الحكم الرشيد. ثم اجتمعوا في جولة ثانية في 22-24 ديسمبر/ كانون الأول 2011 واتفقوا على ما سمي بـ ”مبادئ جروي“ وهي انتهاء فترة الحكومة الانتقالية الحالية في الوقت المحدد لها، وحل البرلمان الحالي، وتشكيل برلمان جديد على أسس قبلية، تشكل حكومة انتقالية جديدة تنتهي دورتها في 2016.

يرى الكثير من المراقبين أن هذا المؤتمر شكل استجابة لرغبات المانحين الدوليين الذين ينفذون أجنداتهم عبر الأمم المتحدة والقوى المسيطرة حاليا على الحكم في الحكومة الانتقالية وبونت لاند وتنظيم أهل السنة والجماعة، وأن هذه الأجندات تعيد إنتاج نفسها ولا تحل الأزمة الصومالية.

التطور الآخر والمهم جدا هو اندلاع معارك طاحنة داخل ما يسمى بجمهورية أرض الصومال والتي نعمت بالاستقرار مدة بين حكومة أرض الصومال وثلاثة أقاليم أعلنت رغبتها في العودة إلى الوطن الأم (جمهورية الصومال) وإعلان ولاية أو حكومة “خاتمو” ولا تزال المعارك جارية بينهما في محاولة لثني هذه الأقاليم عن خطوتها التي ستشكل خطرا على كيان ارض الصومال الذي يقوم على شرعية الحدود الاستعمارية للصومال البريطاني، وأنها لم تستطع استيعاب القبائل التي لا تنتمي لقبلية إسحاق داخل نظام الدولة، مما يؤشر أن المشكل القبلي في كل مكان في الصومال ولا يمكن استثناء منطقة دون أخرى من هذا الداء.

تطور في المشهد التنموي
شهدت الصومال في الفترة الأخيرة منذ دخول العملاق التركي فيها إطلاق مشاريع كبيرة بعضها تم تنفيذها وبعضها في طور التنفيذ وتجري على قدم وساق ومنها على سبيل المثال، استكمال تشييد قرية "قطر" للنازحين في العاصمة مقديشو التي نفذتها مؤسسة قطر الخيرية وتتسع لألف أسرة صومالية، تضم مراكز للعبادة والتعليم ومستوصفا لعلاج مرضى القرية وصرف الأدوية، وملعبا رياضيا.

وفي نهاية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 زار مقديشو وللمرة الثانية، وفد رفيع المستوى من الحكومة التركية برئاسة نائب رئيس الوزراء التركي بكير بوزداغ لإعلان بدء أو انتهاء مشاريع إنمائية في البلاد.

ومن هذه المشاريع المنح التعليمية التي وفرتها تركيا بسخاء في مختلف المجالات ولا سيما العلمية منها لعشرات من الشباب الصومالي الذين غادروا الصومال على متن الخطوط التركية إلى تركيا والتحقوا بجامعاتهم. ومنها مشروع المدرسة التركية النموذجية التي افتتحت في مقديشو، ومشروع توسعة وتجهيز مطار العاصمة مقديشو الذي يجري العمل فيه، وبناء المستشفيات الخاصة للأطفال والنساء، ومشروع الطريق السريع الذي يربط المطار بالقصر الرئاسي، ومشروع بلدية اسطنبول لحل مشكلة القمامة في العاصمة مقديشو، ومشروع مدّ العاصمة مقديشو بالمياه النظيفة.

مؤتمر لندن بين الاستجابة والرفض

أبدت معظم الأطراف الصومالية التي دعيت إلى مؤتمر لندن استعدادها للمشاركة ولم يتردد منها سوى جمهورية "أرض الصومال" التي أعلنت انفصالها عن الصومال من جانب واحد الذي تطلب موافقتها إلغاء الحظر القانوني على مشاركتها في المؤتمرات الدولية التي تعقد للصومال. وقد وافق 101 نائباً على هذا التغيير خلال جلسة 5 فبراير/ شباط 2012 المشتركة لمجلسي البرلمان في هرجيسا، بينما صوت ثلاثة أعضاء ضد هذا القرار. ثم أعلن وزير خارجيتها محمد عبد الله عمر أن حكومة بلاده ستشارك في المؤتمر واصفا المؤتمر بأنه فرصة لـ "جمهورية أرض الصومال" لإيضاح وجهة نظرها وقضيتها أمام الأسرة الدولية ، مشيرا إلى أن أحزاب المعارضة وقيادات المجتمع المدني وافقت على قبول المشاركة في المؤتمر بعد مشاورات معه وأنه يمثل فرصة لا تعوض.

ويعزى إعلان مشاركة أرض الصومال للمؤتمر وتغييرها هذا الحظر إلى أن الدولة الداعية لهذا المؤتمر هي حليفها الاستراتيجي الذي يدعمها سياسيا في مشروعها للانفصال عن الصومال كما يعتبر من أكبر داعميها اقتصاديا إذ تخصص بريطانيا 40? من مساعداتها للصومال لـ"أرض الصومال"، وهي إن رفضت المشاركة بعد أن تم توجيه الدعوة إليها ستخسره وربما إلى الأبد. لذا فضلت المشاركة وإعلان قضيتها أمام المشاركين في المؤتمر والذي يعقد تحتضنه وتدعو إليه دولة تعرف قضيتها أكثر من أي دولة أخرى.

ويخشى صوماليون من المعارضين لانفصال الشمال أن تسعى بريطانيا من خلال كواليس المؤتمر إلى تسويق أحقية أرض الصومال على الانفصال لما حققته من استقرار نسبي وتنمية وديمقراطية.

أما الحكومة الانتقالية، فقد أعلنت أنها ستشارك في المؤتمر وذلك بعد الزيارة التاريخية التي قام بها وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ إلى العاصمة الصومالية مقديشو على رأس وفد بريطاني رفيع المستوى، مصطحبا معه أول سفير بريطاني للصومال منذ انهيار الحكومة المركزية للصومال قبل 20 عاما، الذي قدم أوراق اعتماده كسفير للرئيس الصومالي.

وفيما بعد عبر رئيس الوزراء الصومالي عبد الوالي محمد علي غاس عن أمله في أن يثمر مؤتمر لندن الخاص ببلاده، عن "خطة مارشال" لإنهاء عقدين من الفوضى.

كما أعلنت كل من ولاية بونتلاند وجلمذغ وتنظيم أهل السنة والجماعة موافقتها بالمشاركة في المؤتمر بوفود رفيعة من قياداتها.

وعلى هذا فلا يوجد في الصومال أحد من الأطراف المدعوة للمؤتمر أعلن رفضه للمشاركة بل هناك تهافت من قبل بعض الولاية المعلنة والتي لم تدع إلى المؤتمر وتبعث برسائل تحتج على تجاهلها!

أما حركة الشباب المجاهدين فإنها لم تدع إلى المؤتمر وأعلنت رفضها مسبقا لكل ما سيتمخض عن ذلك المؤتمر، واستبقت ذلك إلى إعلان انضمامها رسميا إلى القاعدة بعد أن كانت تحمل فكرها وتواليها.

وأما الدول الأخرى غير الصومال فقد تأكد مشاركتها في المؤتمر وبعض الدول العربية الخليجية يقال أنها تمول المؤتمر.

مخاوف المشاركين من الجانبين الأجنبي والصومالي

على الرغم من إعلان معظم المدعوين على استعدادهم للمشاركة إلا أن كل الأطراف تتوجس من الأجندة غير المعلنة للمؤتمر كل بحسب مصالحه، بدءا من الأطراف الصومالية، وانتهاء بالدول الكبرى.

فالحكومة الصومالية الانتقالية، ولا سيما مؤسسة الرئاسة، تخشى من أن لا تتمكن من الرجوع من الباب الخلفي حسبما هو مخطط لها للحكم مرة أخرى والاستئثار بفترة 4 سنوات القادمة والتي أقرت في مؤتمر جروي. وجمهورية أرض الصومال تتخوف من أن تكون مشاركتها ومساواتها بالولايات والأقاليم الأخرى داخل الصومال وعدم معاملتها كدولة من قبل راعيتها الأولى في المؤتمر إيذانا بانتهاء هذه الرعاية وإدخالها في خضم المشاكل المستعصية لجنوب الصومال.

أما على مستوى الدول فقد نشرت مواقع وصحف صومالية أن إيطاليا التي ترى نفسها أحق بالاستئثار بملف الصومال في أوروبا، لكونها الدولة التي استعمرت الصومال واختارها الصوماليون لفترة الوصاية، تسعى بالتعاون مع مصر لإفشال المؤتمر، بالرغم من أن كليهما سيحضران المؤتمر.

كما تخشى فرنسا من أن تفقد ما حققته من خلال دعمها العسكري للقوات الكينية في جنوب الصومال لدحر حركة الشباب وإنشاء كيان شبه مستقل تحت الحماية الكينية في منطقة عزانيا، والتي تنوي فرنسا أن يؤمن لها تلك المعاهدات الخاصة التي أبرمتها شركة "توتال" الفرنسية مع كينيا للتنقيب عن النفط في منطقة الجرف القاري التابع للصومال، كما تطمح كينيا إلى أن تضمها إلى كيانها.

أما منظمة التعاون الإسلامي -الذي تقودها تركيا حاليا- فإنها تستبق المؤتمر بعقد اجتماع مشترك في لندن في 20 من فبراير/ شباط 2012 يشارك فيه مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة، ومنظمة التعاون الإسلامي، والمنتدى الإنساني، ويجمع ما يصل إلى 90 من المنظمات الإنسانية الرائدة من أكثر من 20 دولة مانحة مسلمة، والدول الغربية، والنظام المتعدد الأطراف، والصومال.

ويحمل المؤتمر شعار "الإنسانية قبل السياسة" والذي يأتي من الاعتقاد بأن صوت المحتاجين لم يسمع بعد، وأن تلبية الاحتياجات الإنسانية والتنموية في الصومال يجب أن تكون على رأس أي أجندة للتغيير، بحسب ما أعلنه المنظمون.

أما الجامعة العربية فقد تحدثت لأول مرة عن مؤتمر في 9 فبراير/ شباط 2012 وذكرت أنها تعقد لقاء خاصا حول الصومال، وحول مؤتمر لندن الذي قالت إنه ذو أهمية وتأثير.

وذكر بيان صدر عن مقر الجامعة في القاهرة أن الجامعة تعقد لقاء اسثنائيا عن قضايا الصومال، وخاصة عن المؤتمر الذي نادت به بريطانيا للصوماليين.

وذكر فيه أن اللقاء العربي الذي سيعقد قبل أربعة أيام عن الوقت المعلن للمؤتمر في التاسع عشر من فبراير 2012 سيناقش فيه بعمق الوضع الراهن في الصومال، والمؤتمر الصومالي المزمع انعقاده في بريطانيا، وأنها ستتخذ موقفا موحدا عن هذا المؤتمر.

ولا يعلم رسميا عن توجه مؤتمر الجامعة، ولا عن تأثيره بأجندات مؤتمر لندن حول الصومال، ولكن من غير المرجح أن يأتي معارضا، إذ أن الدول العربية المدعوة للمؤتمر أعلنت مشاركتها للمؤتمر قبل انتظار ما ستعلنه الجامعة.

ويتخوف معظم الصوماليين من أن يكون المؤتمر تكريسا للعقلية الاستعمارية الأوروبية الجديدة في القرن 21 حيث لم يتم التشاور أبدا مع الصوماليين حول طبيعة ونطاق ونوايا المؤتمر.

ويتساءلون "كيف يمكن أن تنظم بريطانيا مؤتمرا للتضامن مع الشعب الصومالي الذين يتوقون لمعالجة المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وفي الوقت نفسه تستمر في دعم جرائم الحرب التي ارتكبت بشكل مستمر من قبل إثيوبيا وكينيا التي انضمت مؤخرا إلى ممارسة التدخل العسكري في الصومال؟"

وفيما يلي التفسير الذي أعطاه أحد الكتاب الصوماليين لما أعلن عن محاور للمؤتمر:

  • الأمن: يعني عدم وجود قوات أمن وطني مسؤولة ومهنية تخضع حصريا لحكومة وطنية شرعية، وبدلا من ذلك فرض جلب مزيد من القوات الأجنبية للصومال تكون الحكومة الصومالية أسيرة لها.
  • العملية السياسية: يعني استمرار وسائل الحكومة الانتقالية وجعلها الصورة النموذجية لمؤسسات الحكم، وإدارات أو حكومات مناطقية قائمة على العشائرية، والفساد، والتدخل الإثيوبي في الصومال، خارطة طريق مخادعة.
  • الاستقرار المحلي: يعني التوسع في سياسة المسار المزدوج الذي يعجل بتفتيت الصومال والصراع من أجل المنافسة على الموارد والسلطة.
  • مكافحة الإرهاب: يعني انعدام وسائل الأمن، وفقدان الكرامة والحرية والموت للأبرياء في مطاردة الإرهابيين، وحرمان الصوماليين من دخل التحويلات الخارجية والحرمان من المساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى فرض حظر قاس على الشباب وبسببه يتم الضغط على البنوك لوقف عمليات نقل الأموال إلى الصومال لمكافحة الإرهاب.
  • القرصنة: يعني تقييد استخدام المياه الإقليمية الصومالية والموارد البحرية، وفرض منطقة اقتصادية خالصة، واستمرار عمليات الصيد غير القانونية وإلقاء النفايات السامة.
  • الإنسانية: يعني تكثيف هجرة السكان في الصومال الحالي عن طريق زيادة اللاجئين والسكان المشردين والمعوزين بسبب التدخلات العسكرية واسعة النطاق والإجراءات في الصومال.
  • التنسيق الدولي: يعني زيادة الدعم للاستقطاب والتفكيك والانقسام في الصومال بدلا من زيادة الدعم للصومال ودفعه نحو السلام والمصالحة وبناء الأمة.

كما يخشى الصوماليون أن يكون هدف هذا المؤتمر إعادة الوصاية على الصومال بطريقة القرن 21 وليس بطريقة القرن الماضي فتحكم الصومال من قبل المنظمات الدولية وهذا ما دعت إليه الحكومة الإيطالية صراحة واستبقت به المؤتمر وهو ما نشر خلال زيارة رئيس الوزراء الصومالي وتدعو إلى فرض وصاية دولية على الصومال على غرار ما فعلته الأمم المتحدة في العراق. ولا يدرى هل أرادت بذلك إحراج المؤتمر أم جس النبض، وهو الأمر الذي أثار معظم النخبة الصومالية والشعب الصومالي على حد سواء.

وقد عقد المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتهام هاوس) البريطاني مؤتمرا تشاوريا في 8 من فبراير/ شباط 2012 مع نخبة من الخبراء والناشطين الصوماليين في بريطانيا، وكان المؤتمر على فترتين؛ الفترة الصباحية كانت مغلقة في غرفة صغيرة مع ثلة من الخبراء وعقدت تحت القاعدة المعروفة بـ"قاعدة تشاتهام هاوس" التي تتيح استخدام المعلومات ولا تسمح بنسبتها إلى قائلها حتى يتحدث الناس بأريحية دون الإحساس بالمحاسبة على الكلام، والفترة المسائية كانت مع عدد أكبر وفي قاعة كبيرة -وكان كاتب هذه السطور من المشاركين في الفترتين المسائية والصباحية- ، قالت الحكومة البريطانية إنها أرادت استشارة الصوماليين المغتربين في بريطانيا في المحاور التي حددتها للمؤتمر، وشارك فيه وزراء ومسؤولون حكوميون استمعوا خلالها إلى الصوماليين. وقد أبدى بعضهم صراحة مخاوفهم، واستمع إليهم المسؤولون البريطانيون ولكن من غير المؤكد أن يؤخذ برأيهم.

ما هو المتوقع من هذا المؤتمر؟

لقد خلق الإعلان عن هذا المؤتمر زخما كبيرا للشأن الصومالي على جميع المستويات، وسيستمر هذا الزخم إلى ما بعد المؤتمر ولكن التوقعات ليست كبيرة، ويخشى الكثيرون أن يصبح إضافة جديدة إلى المؤتمرات العديدة التي تجاوزت سني عمر الأزمة والتي عقدت حول الصومال ثم كانت عديمة الفائدة وعقدت المسألة أكثر فأكثر.

ويتأكد ذلك إذا لم تغير آلية معالجة القضية الصومالية والبناء على الصيغ السابقة للمعالجة التي اعتمدت على المحاصة القبلية والفيدرالية والإدارات المناطقية شبه المستقلة والتي تعتمد العشائرية، التي تحمل عوامل انهيارها من داخلها بل هي معالجات أثبتت فشلها في السابق ولا يمكن أن تأتي بنتيجة مختلفة هذه المرة.

ولقد تأكد لدى الكثيرين من المشاركين في المؤتمر التشاوري في مشاورات "تشاتهام هاوس" أن بريطانيا لا تسعى إلى تغيير المعالجة بقدر ما تسعى إلى التحكم في القضية وهي مهتمة بحل ما يهمها مما يشكل خطرا عليها من ما تسميه الإرهاب والقرصنة أكثر مما تقدم معالجة جديدة للمشكلة.

ويؤكد المتشائمون من المؤتمر أنه سيزيد تقسيم الصومال لأنه سيعتمد على المحاصة القبلية للمناصب السياسية وهي الصيغة التي أكدت فشلها منذ اعتمادها في مؤتمر عرته بجيبوتي عام 2000.

كما سيعتمد ”المسار المزدوج“ الذي يعني أن يتم دعم الإدارات المناطقية المعتمدة على العشائرية بطريقة مستقلة عن الحكومة الصومالية في مسار، ويتم عقد الاتفاقات والصفقات الدولية معها دون الرجوع إلى الحكومة مما يسهل على الدول الكبرى ممارسة النهب بطريقة قانونية، وفي المسار الآخر دعم الحكومة الانتقالية في المجالات الأمنية والسياسية والاقتصادية من خلال المنظمات الدولية، وهذا يجعل الحكومة غير مسؤولة أمام شعبها بقدر ما هي ملزمة باتباع ما يملى عليها من هذه المنظمات.

وهذا بدوره سيؤدي إلى تفتيت الصومال إلى كيانات صغيرة مستقلة عن بعضها إلا اسما ولا تحكم من الحكومة المركزية، وهو ما كانت تسعى إليه إثيوبيا وكينيا ومعظم الدول الغربية بما فيها بريطانيا.

أصبح من شبه المؤكد أن أقصى ما سيصدر من المؤتمر أن يعلن عن انتهاء المرحلة الانتقالية والدعوة إلى تشكل حكومة موحدة تعتمد التمثيل القبلي والعشائري، وإنشاء هيئة دولية تشرف على عملية الانتقال السياسي في الصومال بعد أغسطس/ آب 2012، والدعوة إلى زيادة دعم قوات الاتحاد الإفريقي وإرسال مزيد من القوت الأجنبية لتنتشر جنوب ووسط الصومال، ثم تستكمل بإنشاء صندوق مالي لدعم الصومال يكون تحت إدارة دولية موحدة من الدول المانحة، وهذا كله سيؤدي في النهاية إلى فرض وصاية غير مباشرة على الصومال يمكن أن تمنع الدول للحيلولة دون أطماع الدول الأخرى في المشاركة في إعادة إعمار الصومال.

وعلى ضوء ما تقدم فإن المأمول من المؤتمر ليس كثيرا وإن كان سيغير بعض المعادلات على أرض الواقع ولكنه لن يحل مشكلة الصومال بقدر ما يخلق لها وجها آخر للاستمرار.
___________________________
محمد الأمين محمد الهادي-مدير مركز الشاهد للبحوث والدراسات الإعلامية - لندن

نبذة عن الكاتب