التيار السلفي في دولة الكويت: الواقع والمستقبل

يجتهد هذا التقرير في تسليط الضوء على التيار السلفي في الكويت، واستجلاء أبعاد ومعطيات الوضع القائم حاليًا لهذا التيار على الخريطة السياسية في البلاد، وكذلك منطلقاته الفكرية، ومرتكزاته الأيديولوجية، وأسس وآليات حركته السياسية، واستشراف مستقبله في المرحلة المقبلة.
2012529123439664734_2.jpg

يجتهد هذا التقرير في تسليط الضوء على التيار السلفي في الكويت، واستجلاء أبعاد ومعطيات الوضع القائم حاليًا لهذا التيار على الخريطة السياسية في البلاد، وكذلك منطلقاته الفكرية، ومرتكزاته الأيديولوجية، وأسس وآليات حركته السياسية، واستشراف مستقبله في المرحلة المقبلة.

وسوف يتناول التقرير هذه المسائل في ضوء المحاور الرئيسية التالية:

  • التيارات والتكتلات والأحزاب السياسية في الدستور الكويتي
  • نشأة وتكوين التيار السلفي في دولة الكويت
  • الرؤية العامة والمنطلقات الفكرية
  • المرتكزات الأيديولوجية
  • التوجهات والخطاب العام
  • الأهداف العامة وآليات الحركة
  • الهيكل التنظيمي
  • التكتلات والتجمعات السلفية
  • مكانة التيار السلفي على الخريطة السياسية الكويتية
  • التيار السلفي والعمل السياسي والبرلماني
  • نقاط القوة والضعف
  • مستقبل التيار السلفي في دولة الكويت

مقدمة

تشهد الساحة السياسية الكويتية جدلاً سياسيًا وإعلاميًا ومجتمعيًا حول مستقبل تيار الإسلام السياسي في هذا البلد الخليجي، لاسيما في ضوء ما تمخضت عنه ما أصبحت تُعرف بـ "ثورات الربيع العربي" من نتائج نوعية، ألقت بظلالها على مجمل الأوضاع الإستراتيجية، الداخلية والخارجية، في مختلف بلدان منطقة الشرق الأوسط، وفي القلب منها دول مجلس التعاون الخليجي.

ويُعد التيار السلفي، بجميع مدارسه التقليدية، من أبرز التيارات التي وُضعت تحت المجهر، في الآونة الأخيرة، بعد أن دشن ثقلاً كبيرًا وحضورًا فاعلاً في المشهد الإسلامي في عدد من الدول العربية، حتى تلك التي لم تشهد ثورات من الناحية العملية، لكنها شهدت حراكًا مجتمعيًا وزخمًا سياسيًا غير مسبوق، كما هو خليجياً في الحالة الكويتية.

حقق التيار السلفي الكويتي نجاحًا كبيرًا في انتخابات مجلس الأمة الأخيرة التي أُجريت مطلع شهر فبراير 2012 (الجزيرة - أرشيف)

فقد حقق التيار السلفي الكويتي نجاحًا كبيرًا في انتخابات مجلس الأمة الأخيرة التي أُجريت مطلع شهر فبراير/شباط 2012، حيث عزز تواجده النيابي ليكون الفصيل الإسلامي الأكثر تمثيلاً وحضورًا في البرلمان وعلى المشهد السياسي الكويتي عمومًا؛ مستفيدًا من هامش الحرية الواسع نسبيًا في الكويت، وتغاضي الحكومة عن تشكيل التيارات السياسية ونشاطاتها التي لا يقرّها دستور البلاد.

التيارات والتكتلات والأحزاب السياسية في الدستور الكويتي

على الرغم من أن دستور دولة الكويت لا يسمح بإنشاء الأحزاب السياسية، إلا أنَّ قادة العديد من القوى السياسية المحلية المعبِّرة عن مختلف التوجهات والتيارات الفكرية والأيديولوجية، يرون أن الدستور وإن كان لم يقر هذه الأحزاب فإنه لم يحرمها، ويذهب البعض للقول بأن المذكرة التفسيرية للدستور أشارت ضمنًا لمثل هذه التكتلات السياسية.

ورغم عدم الشرعية القانونية للأحزاب السياسية؛ فإنه لم يسجل في تاريخ النظام السياسي في الكويت - حتى الآن- أن اتُّخِذ أي إجراء سلبي حيالها، فلم يتم استدعاء مؤسسيها أو التحقيق معهم كما لم تُمس اجتماعاتهم من قريب أو بعيد؛ فقد شهدت الساحة السياسية الكويتية ظهور تكتلات عديدة تعبر عن مختلف ألوان الطيف السياسي، والتي بدأت تتعاطى مع الأحداث المحلية والإقليمية والدولية، وتعبر عن مواقفها إزاء هذه التطورات والأحداث.

نشأة وتكوين التيار السلفي في دولة الكويت

تُعد السلفية جزءًا من تيار الإسلام السياسي السنّي في الكويت، وهو تيار يتسم بالاتساع، ليضم العديد من القوى المتباينة في الفكر والطرح والرؤى على نحو ما سيتم التعرض له بالتفصيل لاحقًا.

1- إرهاصات النشأة التاريخية (السلفية الأم أو التراثية)
لم تكن نشأة السلفية في بداياتها منظمة في الكويت -بعكس الحال بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين- بل كان العمل والممارسة أقرب إلى الطابع العفوي غير المؤسسي، حيث تعمل كل مجموعة من الدعاة في منطقة أو مسجد، وكانت أهدافها دعوية بحتة تركز على التوحيد ومحاربة البدع، ولم يكن السلفيون، آنذاك، يهتمون بالعمل السياسي ولا بالنشاط الطلابي.

وتؤصّل غالبية المراجع التاريخية والمؤلفات السياسية المُعتبرة لبدايات التيار السلفي في الكويت إلى عشرينيات القرن الماضي؛ حيث ظهر عدد من دعاة السلف وشيوخها من أمثال: الشيخ عبد الله خلف الدحيان (1872 - 1929)، والشيخ عبد العزيز الرشيد (1881 – 1927)، والشيخ محمد بن سليمان الجراح (1902- 1987)، والشيخ يوسف العيسى القناعي وغيرهم، جيث قامت جذور التيار السلفي في الكويت، على أكتاف هؤلاء المشايخ، ونشأ تيار يعبر عن النسق السلفي التقليدي الذي يمارس نشاطه الدعوي والخيري(1).

وقد أسهمت عدة عوامل ومعطيات محلية وإقليمية في تزايد تواجد التيار السلفي، واتساع نفوذه في الكويت، على الصعيد المجتمعي أولاً، ثم على الصعيد السياسي منذ منتصف الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن الماضي. وتتمثل أبرز هذه العوامل في الآتي:

  • قدوم بعض العلماء من ذوي الاتجاهات السلفية إلى الكويت خلال هذه الفترة الزمنية، من أمثال الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق.
  • عودة الطلبة الكويتيين الدارسين الذين درسوا الفكر السلفي إلى بلدهم في أواخر السبعينيات؛ إذ مع رجوعهم ترعرع التوجه السلفي فيما يُعرَف بالمناطق الخارجية في الكويت؛ حيث كان للخصائص البيئية المشتركة والثقافات المتقاربة لهذه المناطق المحافظة عامل إضافي أشاع هذا الفكر ونشر أدبياته، بينما بقيت المناطق الداخلية "الحضر" إلى يومنا هذا لا تشكِّل ثقلاً للتيار السلفي.
  • تركيز السلفيين في بداية النشأة على الدعوة للعقيدة الخالصة ومحاربة "البدع والخرافات" بعيدًا عن السياسة ودهاليزها، في وقت كان الكويتيون يعزفون فيه عن المشاركة في التيارات والتجمعات السياسية أو الانتماء إليها؛ ومن ثم أصبح للتيار السلفي وجود قوي داخل المجتمع الكويتي، لاسيما بعد تراجع التجمعات والحركات الغير إسلامية بدءًا من هزيمة يونيو/حزيران 1967م التي أدت إلى تراجع الخطاب السياسي القومي(2).

2- مرحلة التأسيس
في أوائل الثمانينيات تم إنشاء جمعية "إحياء التراث الإسلامي" لتكون واجهة رسمية لعمل الجماعة السلفية على غرار جمعية "الإصلاح الاجتماعي" الممثلة للإخوان المسلمين. وقد رفعت جمعية إحياء التراث خلال الفترة التي سبقت الانتخابات البرلمانية عام 1981 لواء رفض دخول مجلس الأمة، من منطلق كونه يمثل سلطة التشريع الوضعي المخالف للقاعدة التي يقوم عليها الحكم الإسلامي.

تمحورت أهداف وأنشطة "إحياء التراث الإسلامي" كجمعية نفع في "الدعوة إلى كتاب الله تعالى وسُنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم ومنهج السلف، والدعوة إلى عبادة الله وحده، والعمل على تعاون المسلمين على البر والتقوى، ونشر الخير والفضيلة، وإحياء التراث من خلال نشر كتب السلف، وتحذير المسلمين من البدع والمحدَثات التي شوهت جمال الإسلام وحالت دون تقدم المسلمين، وإنشاء المساجد والمؤسسات الصحية والتعليمية والمشاريع الخيرية والإنسانية في جميع أنحاء العالم عبر مجموعة من اللجان المتخصصة".

وفي مرحلة ما بعد التحرير من الغزو العراقي عام 1991، شهدت جمعية إحياء التراث حالة انقسام فكري كبيرة في صفوفها، حيث خرج من رحمها "الحركة السلفية العلمية" بقيادة الشيخ حامد العلي، وتبعتها جماعة المدينة بقيادة الشيخ د. فلاح مندكار، كما انفصلت عنها عدة شخصيات إسلامية سلفية أخرى.

وقد جاء هذا الانقسام متزامنًا مع الانقسام الذي شهده البيت السلفي الخليجي عمومًا والذي تمحور حول عدد من القضايا الشرعية.

3- العلاقة بين التيار السلفي في الكويت ونظيره في السعودية
وفقًا للأسس التاريخية للحركة السلفية في الكويت، يمكن القول إنها جاءت امتدادًا للفكر والنهج الذي حمل رايته في المملكة العربية السعودية –كدولة جوار مباشر للكويت- وأسسه الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1703-1792)؛ حيث ترتبط جمعية إحياء التراث التي تعبِّر عن التيار السلفي التقليدي بعلماء المملكة العربية السعودية ارتباطًا وثيقًا في مجال الفتوى وتنمية الوعي السلفي لدى أنصارها؛ وتستضيفهم في منتدياتها وأنشطتها ومحافلها.

رغم بعض النداءات من داخل التيار السلفي نفسه والتيار الإسلامي بشكل عام التي تدعو إلى ضرورة أن تكون الفتوى في القضايا الشائكة والمحورية صادرة عن علماء الكويت لدرايتهم بالشأن المحلي وتفاصيله؛ فإن السلفية التراثية ما زالت ترجع إلى كتب بن باز وبن عثيمين في بناء الثقافة الشرعية للمنتمين إليها، وإلى هيئة كبار العلماء في المملكة السعودية لاستفتائها في عظائم الأمور.

الرؤية العامة والمنطلقات الفكرية

ترتكز رؤية التيار السلفي في الكويت مثل غيره من التيارات  السلفية، على منهج "الاتباع المستبصر لفهم القرآن والسنة، واحترام العلماء الذين قاموا بفهم هذا الدين وتبليغه واقتفاء آثارهم في ذلك".

وتقوم الأصول العلمية للدعوة السلفية في الكويت كما كتب الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق ، الذي يعد الأب الروحي لجمعية إحياء التراث الاسلامي - على ثلاث ركائز، هي:

  1. أولاً: التوحيد: ويعني (الإيمان بصفات الله تعالى وأسمائه دون تحريف أو تأويل والإفراد له بالعبادة، وحق الله تعالى دون سواه بالتشريع للبشر في شؤون دنياهم).
  2. ثانيًا: الاتباع: بمعنى (أن النبي محمدًا -صلّى الله عليه وسلّم- رسول مبلغ عن ربه جلّ وعلا، وأنه جاء بوحيين: القرآن والسنة، وأن الدين هو المنهج والطريق، وأن منزلة الرسول الكريم عظيمة أوجبت علينا الطاعة المطلقة والحب له).
  3. ثالثًا: التزكية: أي (تزكية النفوس وتطهيرها من الرذائل والشرك)(3).

لقد سعت جمعية إحياء التراث الإسلامي إلى إعادة ترتيب أوراقها بعد الهزة الكبيرة التي تعرضت لها صفوفها عقب تحرير الكويت من الغزو العراقي، فقامت بإنشاء ذراع سياسي باسم "التجمع السلفي" خاضت به غمار العمل البرلماني وأقحمت به نفسها في التوازنات والصفقات السياسية، وهي قضية اختلف عليها السلفيون كثيرًا وكانت محل انقسام بينهم خاصة في ظل ما تبعه الانخراط في العمل السياسي من قبول لـ "الديمقراطية" كنظرية سياسية يُنظَر إليها كنقيض لمبدأ الشورى الإسلامي.

وهكذا حدث تطور في فكر ورؤية التيار السلفي واستجابة لمتطلبات الواقع السياسي في ظل مسارعة كل القوى الإسلامية والليبرالية والوطنية لتشكيل تيارات وحركات سياسية بعد تحرير الكويت، حيث يؤكد رموز الجماعة السلفية على أن برنامجهم "أقرب إلى الإستراتيجية الدعوية منه إلى البرنامج العلمي السياسي".

المرتكزات الأيديولوجية

تتمحور أيديولوجية التيار السلفي في الدعوة إلى إقامة الدولة الإسلامية وفقًا للسياسة الشرعية من خلال استخدام القنوات الدستورية، ونبذ أسلوب العنف، والتدرج في إقامة المجتمع الإسلامي من خلال إصلاح الفرد ثم المجتمع، ولكن ليس هناك برنامج مرحلي محدد لتحقيق ذلك، ومن ثم يمكن القول: إن برنامج التيار السلفي أقرب إلى الاستراتيجية منه إلى البرنامج العملي. وقد شهدت السنوات الأخيرة عدة مؤشرات عملية تعكس عمومًا، التغير الحركي والأيديولوجي للتيار السلفي، وأهمها: 

  • التصدي لمشاركة بعض المؤلَّفات الأدبية والسياسية لبعض الكُتَّاب والروائيين الذين ينتمون للنخب الليبرالية ذات التوجه العلماني. 
  • قيام رموز السلفية بقيادة مظاهرات واعتصامات تندد بتعدي مواطن ينتمي للمذهب الشيعي بالتطاول على أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، وتلبية لتلك المطالب أصدرت الحكومة الكويتية مرسومًا يقضي بسحب الجنسية عن هذا المواطن(4).

ويعكس هذا المؤشر تجاوز فكرة التيار السلفي لفكرة التعاطي مع القضايا الإسلامية بصورة أو بأخرى بالخطابات والاستنكارات والشجب، وتحوله عن رؤيته الأيديولوجية التي ظلت تحكمه منذ عقود، وهي التركيز على التربية بأشكالها المختلفة والمتنوعة التي لا تخرج عن أبواب الفقه والتراث، الأمر الذي يعطي انطباعًا بتطور فكر وأيديولوجية هذا التيار الذي طالما وُصِف بأنه الأقل حركية من غيره من التيارات الإسلامية الأخرى، وقد أضفى هذا التطور نضجًا على مواقف التيار السلفي بما جعله أكثر حزمًا وأكثر فاعلية من ذي قبل.

التوجهات والخطاب العام

اعتنى التيار السلفي قبل عام 1990، بتجريد التوحيد من درن الشرك وبالعمل الخيري، ولم يكن له اهتمام كبير بالعمل السياسي، خاصة وأنه يُعد من التيارات الدينية المتحفظة تجاه المفاهيم السياسية الحديثة، ومفهوم الدولة الحديث، ومقتضيات الديمقراطية، والعمل السياسي. كما يُسلّم أصحاب هذا الفكر للسلطة بأن تقوم باتخاذ كل القرارات نيابة عن الأمة، ما دامت تقيم الصلاة وترفع الآذان في عموم الوطن، بيد أنَّ متبني هذا الفكر قرروا مع اشتداد الخلافات والنزاعات الفقهية والفكرية، الدخول في الحلبة السياسية، وقبول التعاطي مع الواقع القائم(5).

ويركز السلفيون في طروحاتهم على منطلقات عامة تتمثل في المطالبة ببناء المواطن الصالح وتشكيل الحكومة وفق إفرازات انتخابات مجلس الأمة، وفيما يرى هؤلاء ضرورة معالجة العديد من القضايا المحلية من وجهة نظر شرعية لم يقدموا منهجًا واضحًا وبرنامجًا تفصيليًا لهذه القضايا المتمثلة في التعليم المميز، والخدمات الصحية، والبيئة الاستثمارية العادلة، وتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وخلق فرص عمل جديدة، ومواجهة غلاء الأسعار، وإيجاد حلول لأزمة الإسكان، وتعزيز الأمن الوطني عبر تحكيم الشريعة، وتبني برنامج واضح لإعداد أمن وطني متكامل.

ومع اتساع مساحة الديمقراطية التي تشهدها الكويت يصر السلفيون على اجتهاداتهم القائلة بوجوب طاعة الحاكم ومبدأ المناصحة السرية لولي الأمر، كما يتمسكون برؤاهم الرافضة لمظاهر الاحتجاج والتظاهر السلمي للتعبير عن الحقوق خشية إثارة الاضطرابات والفوضى.

وما زال الموقف السلفي من قضية المرأة كما هو لم يتغير؛ ففي الوقت الذي حصلت فيه المرأة الكويتية على حقوقها السياسية عام 2005 لم يتعاط السلفيون مع هذا التطور إلا من زاوية الاستفادة منه عبر حشد النساء للتصويت لمرشحيهم باعتبار ذلك أمرًا واقعًا، ويكتفون فقط بالقول إنهم يؤيدون حقوق المرأة وفق الشريعة، ولكي يضفي السلفيون على طرحهم بخصوص المرأة مسحة من الواقعية راحوا يطالبون برعاية أولاد الكويتية المتزوجة من غير كويتي، وإعمال مبدأ تكافؤ الفرص في العمل والأجر للرجل والمرأة على السواء، وتوفير العلاوة الاجتماعية والسكنية للكويتية التي تتولى أمر أولادها في حالة وفاة الزوج أو إذا كانت متزوجة من غير كويتي، والإسراع في إجراءات التقاضي في قضايا الأحوال الشخصية.

الأهداف العامة

يسعى التيار السلفي إلى تحقيق الأهداف التالية: 

  1. ممارسة العمل الدعوي ممثلاً في نشر الإسلام في كافة أرجاء العالم. 
  2. العمل على العودة بالعقيدة الإسلامية إلى أصولها الصافية.
  3. إبراز فضائل التراث الإسلامي ودوره في تطوير الحضارة الإنسانية.
  4. تنقية التراث الإسلامي من البدع والخرافات.
  5. تقديم العون والمساعدة عبر آليات العمل الخيري.

أدوات التيار
يمكن إيجاز أدوات التيار بما يلي:

  1. المسجد كوسيلة لنشر أهداف التيار.
  2. اللجان الخيرية واستخدامها كوسيلة للتمويل.
  3. الاهتمام بشريحة الشباب.
  4. الاهتمام بحل المشاكل الاجتماعية والأسرية، والتأكيد على المحافظة على الأخلاق والفضائل الإسلامية.

الهيكل التنظيمي

ليس لدى هذا التيار -في مجمله-  بناء تنظيمي واضح وقوي بعكس الحال بالنسبة للحركة الدستورية الإسلامية "حدس" (المعبِّرة عن فكر ونهج جماعة الإخوان المسلمين في الكويت)، ويتركز الأمر بالنسبة للتيار السلفي على جمعيات النفع العام واللجان الخيرية.

ومع ذلك، فقد استغل التيار السلفي الإمكانات والتسهيلات التي وفرتها الجهات الرسمية لمد نفوذه إلى مراكز الشباب المنتشرة في مناطق الكويت. فيما يشير البعض إلى وجود هيكل تنظيمي للتيار السلفي يتسم بالسرية التامة حيث لا يُعرَف أعضاء هيئته التأسيسية ولا هوية القادة الرئيسيين للجماعة(6).

غير أنه هناك قيادات من السلف الذين لهم باع كبير في التنظير لمواقف الجمعية والدفاع عن أدبياتها ومنطلقاتها الفكرية، من أمثال كل من: م. طارق العيسى، ود. وائل الحساوي، والشيخ ناظم المسباح، والنائب الحالي في مجلس الأمة خالد السلطان، والشيخ أحمد الكوس.

التكتلات والتجمعات السلفية 

كان التيار السلفي في البداية تيارًا واحدًا يتبع جمعية إحياء التراث الإسلامي، وهي إحدى جمعيات النفع العام الإسلامية، لكن خلافات فكرية وسياسية قسمته إلى عدة تكتلات وتجمعات فرعية خرجت من تحت عباءته، وإن ظلت تشترك مع بعضها البعض في العديد من القواسم الأيديولوجية، والتوجهات والخطاب العام.

وأهم هذه التفرعات السلفية ما يلي:

1- التجمع السلفي
التجمع الإسلامي السلفي، وهو التيار السلفي الأكبر، ويمثل توجه جمعية إحياء التراث، وهو التجمع السلفي التقليدي، غير أن الجمعية عادة ما ترفض ربط نفسها به إعلاميًا حيث يمنع القانون الكويتي جمعيات النفع العام من التدخل في السياسة أو المشاركة في الانتخابات، وقد أسسه السلفيون بعد تحرير الكويت في 1992 ليكون الواجهة السياسية لجمعية إحياء التراث.

ويسعى التجمع -بحسب أوراق تأسيسه- إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في حياة الأمة، من خلال النظام السياسي الكويتي الذي ارتضاه مؤسسوه على قاعدة أن "الشريعة منهاج رباني ودستور حياة، وأنها سبيل العز والتمكين واستتباب الأمن والاستقرار للفرد والمجتمع ولا سبيل لتطبيقها إلا بالحكمة والموعظة الحسنة".

وكبديل للأحزاب ينادي التجمع السلفي بإطلاق "نظام سياسي معتدل ومتكامل يكون لمجلس الأمة الرأي فيه لمنح الثقة المسبقة لتكليف رئيس الوزراء واختيار أعضاء الحكومة"، غير أنه لم يحدد ماهية هذا النظام ومحاوره وآليات تنفيذه واختصاصاته.

2- الحركة السلفية
تأسست عام 1996 على خلفية اختلاف علماء السلف بشأن الاستعانة بالقوات الأجنبية في تحرير الكويت، وقد مثّل ذلك نقطة تحول كبيرة على صعيد تجديد الفكر السلفي واختراق المحرمات السلفية التاريخية في مراجعة العلماء وانتقاد تصوراتهم ومناقشة الإشكالات العلمية الشرعية في الدعوة السلفية، وقد نجحت نخبة من الأكاديميين والمثقفين -الذين خرجوا من معطف السلفية التراثية وعارضوا التدخل الأجنبي في المنطقة- في قيادة هذا المسعى نحو توجيه المزاج السلفي لجهة الاهتمام بالقضايا الكبرى.

النائب وليد الطبطبائي (يسار) يتحدث في إحدى جلسات مجلس الأمة (الجزيرة - أرشيف)

ومن أبرز مؤسسي الحركة التي حُذف لاحقًا من اسمها كلمة "العلمية"، د. حامد العلي أمينها العام السابق ود. عبد الرزاق الشايجي المتحدث السابق باسمها، وأمينها الحالي د. حاكم المطيري وتركي الظفيري وبدر الشبيب ود. ساجد العبدلي، غير أن الحركة ما لبثت أن شهدت استقالة العديد من كوادرها بسبب الخلافات الداخلية وتباين التوجهات (7).

وقد ظهرت الحركة السلفية بداية باسم "السلفية العلمية" ثم غيرت اسمها عام 2006 إلى "الحركة السلفية" ويُعَد عضو مجلس الأمة النائب د. وليد الطبطبائي قريبًا منها(8).

3- حزب الأمة
تأسس عام 2005 كذراع سياسية للحركة السلفية وهو أول حزب سياسي في الكويت ومنطقة الخليج، وقد جاء إشهاره بالمخالفة للقانون الكويتي، ولذلك تصدت له الحكومة وأحالت مؤسسيه إلى المدعي العام بتهمة السعي لتغيير نظام الحكم.

يهدف الحزب -حسب وثائق تأسيسه المعلنة- إلى تشجيع التعددية والتداول السلمي للسلطة، والسعي إلى تعديل الدستور بحيث يسمح صراحة بتشكيل الأحزاب، ويقدم الحزب طرحًا جديدًا ومتقدمًا لقضايا الحريات العامة ومجمل القضايا السياسية والتنموية، بما في ذلك تأييده لحقوق المرأة السياسية، على نحو مغاير جذريًا للموقف التقليدي للسلف بأنه لا يجوز إعطاء المرأة المسلمة هذه الحقوق لما يترتب عليها من مفاسد عظيمة، وقد تناول أمين عام الحزب السابق حاكم المطيري العديد من هذه القضايا بالتفصيل في كتابه "الحرية أو الطوفان".

4- تجمع ثوابت الأمة
ظهر هذا التجمع ذو التوجه السلفي في أواخر عام 2003، ويسعى إلى "الدفاع عن ثوابت الأمة ومصالحها، والدعوة إلى التمسك بالكتاب والسنة وهدي سلف الأمة، والمطالبة بتحكيم وتطبيق الشريعة الإسلامية، وبيان الحق للأمة والدعوة إليه، والتحذير من الباطل والمنكر والنهي عنه، وتعظيم شعائر الله تعالى في نفوس الأمة والحض على التمسك بها، ومحاربة التغريب والغزو الفكري، وفضح الأفكار الهدامة والدخيلة على الأمة والتحذير منها، وإنكار الظواهر السلبية وبيان خطرها على الأمة، والدعوة إلى الوسطية الحقيقية للإسلام ومحاربة التطرف والغلو، وتفعيل القوانين الموجودة التي تخدم القضايا الإسلامية وتوافق الشريعة".

ولا يمتلك هذا التجمع قواعد جماهيرية مؤدلجة لها رؤية واضحة، غير أن توجهاته تحظى بالقبول لدى قطاعات جماهيرية عريضة نظرًا لغلبة القضايا ذات البعد الأخلاقي التي يتبناها؛ كالدعوة إلى تنقية البرامج الإذاعية والتلفزيونية من جميع المواد التي يراها فاسدة ومحرمة، وتشدده في منع عرض الأفلام الأجنبية التي تروج للفاحشة والانحلال، وتصديه للحفلات الفنية واستضافة المطربات والمغنيات، فضلاً عن تبنيه مواقف متشددة من حق المرأة في المشاركة السياسية(9).

في ضوء ما سبق، يمكن القول: إن أفكار الحركة السلفية وحزب الأمة أشبه بالثورة التصحيحية على المدرسة السلفية التقليدية.

وفي هذا السياق، يمكن ملاحظة تنوع مواقف السلفيين التقليديين "التراثيين" إزاء نظرائهم الجدد؛ فهناك فريق يخفف من حدة الانقسام فيقول: إنها مجرد اجتهادات ضمن الإطار العام للفكر السلفي.  ويذهب آخرون إلى أنهم خرجوا عن منهج السلف وارتموا في عباءة الإخوان المسلمين فكرًا ومنهجًا.  ويرى تيار ثالث أن الحركة السلفية تتشابه في منطلقاتها مع منهج السروريين (نسبة إلى محمد بن سرور السوري الأصل الذي جاء إلى السعودية وأسس منهجًا يجمع بين الفكر الحركي الإخواني والأفكار السلفية)، وحقيقة الأمر أن السلفيين العلميين ما زالوا يكنُّون الاحترام لكبار علماء السلفية غير أنهم لا يجدون حرجًا في نقد آرائهم ومخالفتهم خاصة في المسائل السياسية المتعلقة بإشهار الأحزاب والحريات وتداول السلطة ومعارضة الحاكم.

مكانة التيار السلفي على الخريطة السياسية الكويتية

 بدأ التيار السلفي دخول المعترك السياسي في الكويت في أكتوبر/تشرين الأول عام 1976 من خلال المقالات التي نُشرت في جريدة "الوطن" التي خصصت صفحتين كل يوم جمعة تحت مسمى الشؤون الدينية، وتولى تحريرها عدد من قيادات وكوادر السلفيين.

وفي يناير/كانون الثاني عام 1989 أصدر التيار السلفي مجلة "الفرقان"، التي تعتبر لسان حال الجماعة السلفية في الكويت،  حيث تبنت المجلة كل ما يصدر من آراء وفتاوى من قبل السلف.

وشارك التيار السلفي لأول مرة في انتخابات مجلس الأمة الخامس التي أجريت في فبراير/شباط عام 1981 باثنين من قياديي الجماعة، وهما:  جاسم العون، وخالد السلطان.

وبرّر خالد السلطان مشاركة "الجماعة السلفية" في الانتخابات بالقول: "إن عملهم السياسي في البرلمان كان يهدف إلى تغيير المادة الثانية من الدستور، والدعوة إلى إقامة حكم الله وتغيير نظام الحكم في البلاد إلى حكم الشرع" (10)، واستطاع ممثلو الجماعة الفوز بمقعدين في مجلس الأمة.

كما استطاع التيار السلفي في الكويت الاستحواذ على قدر مهم من الساحة السياسية في الفترة التي أعقبت تحرير البلاد من الغزو العراقي.

وفي أعقاب التحرير شارك التيار السلفي مع القوى السياسية الأخرى في التحركات السياسية التي شهدتها الساحة السياسية في الكويت، حيث سعت هذه القوى إلى تجديد مطالبها السياسية والتي تمحورت حول الدعوة إلى العمل بدستور 1962، وإجراء انتخابات لمجلس الأمة الذي حُلّ عام 1986، ولهذا وقّع ممثلون عن "الجماعة السلفية" على بيان "الرؤية المستقبلية لبناء الكويت الجديدة" الذي يُعتبر بمنزلة الأرضية المشتركة التي جمعت القوى السياسية.

التيار السلفي والعمل السياسي والبرلماني

يمثل التيار السلفي قوة انتخابية كبيرة في قطاع كبير خاصة في الدائرة الانتخابية الثالثة، وتأتي منطقة كيفان كمركز الثقل الأساسي للتيار السلفي بمختلف أجنحته في الكويت.

 وهي القاعدة الأكبر التي نجحت وأوصلت عددًا من النواب السلفيين في عموم الكويت، فقد حصدت منطقة كيفان 10 مقاعد لنواب سلفيين من أصل 14 مقعدًا هي مجموع مقاعد الدائرة خلال 7 انتخابات(11).

ومنذ انتخابات 1992 ازداد حضور وقوة التيارات الإسلامية في المجتمع الكويتي وتُرجِم بزيادة الحجم السياسي لتلك التيارات، ومنها التيار السلفي.

وفي انتخابات 1996 تعرّض التيار السلفي في الكويت إلى هزة كبيرة جرّاء زيادة واتساع الجرعة السياسية في نشاطاته، وفي المحصلة النهائية انقسم السلفيون إلى جناحين سياسيين، أحدها ظلّ تابعًا لجمعية إحياء التراث والآخر حمل اسم الحركة السلفية.

وفي انتخابات 1999 تراجعت حدة الخلافات السلفية قليلاً وتمكن السلفيون من الاستفادة من العودة مجددًا إلى البرلمان. وتكرر الأمر في انتخابات 2003، أما انتخابات 2006 فكانت الأفضل للسلفيين، حيث حصدوا ثلاثة مقاعد دفعة واحدة في مناطق الدائرة الانتخابية الثالثة (12)

وخلال الانتخابات التشريعية التالية أعوام 2008، و2009، و2012، حافظ التيار السلفي على ثقله السياسي داخل مجلس الأمة؛ حيث واصل نوابه الاحتفاظ بمقاعدهم النيابية؛ إذ زاد عدد مقاعد السلف من المنتمين والمستقلين في المجلس الحالي إلى 12 مقعدًا(13).

نقاط القوة والضعف

تتمثل أبرز نقاط القوة في الشعبية الكبيرة للتيار السلفي وخاصة في المناطق الخارجية حيث تركُّز تواجد القبائل، وتوافر التمويل الكبير من جانب اللجان الخيرية.

أما على صعيد نقاط الضعف التي يعانيها التيار السلفي، فتتلخص في الافتقار إلى الخبرة السياسية الكافية مقارنة بالحركة الدستورية الإسلامية، حيث لم يكن لدى التيار السلفي الرغبة في دخول النشاط السياسي من قبل، بل كان نشاطه في البداية ينصب على جهود التوعية والإرشاد الديني وفقًا لمبادئه وقناعاته.

مستقبل التيار السلفي في الكويت

يتسم هذا التيار بخصائص تميزه عما سواه من تيارات إسلامية سلفية مماثلة، سواء أكان ذلك داخل المنطقة العربية أو خارجها.

وذلك، بدءًا من فكرة الانطلاق في المشاركة بالانتخابات البرلمانية، وعدم اعتزال الواقع السياسي، مرورًا بالحضور القوي على المستويات الفكرية والثقافية عبر المشاركة في مواقع خدمية ونشاطات، تتعدد أشكالها وأنماطها في ظل انسجام تام بلا تنافر أو تخاصم مع التيارات الفكرية الأخرى، وانتهاءً بالوجود الإعلامي بشكل بارز.

لكن من جهة أخرى، نجد أنه على الرغم من مشاركة السلفيين في الحياة السياسية وانتخابات مجلس الأمة منذ عام 1981، ونجاحهم في إحراز مواقع متقدمة على مستوى السلطتين التشريعية والتنفيذية، بما يُعتبر تطورًا مبكرًا في موقف السلفيين مقارنة بذات التوجه في دول أخرى؛ على الرغم من ذلك كله ما يزال هناك كثير من الإشكاليات والقضايا عالقة التي لم يحسمها التيار السلفي وفي مقدمتها: موقفه من الحقوق السياسية للمرأة، وأسلمة القوانين ولاسيما الدعوات لتعديل المادة الثانية من الدستور.

خاتمة

صفوة القول إنه في ضوء المؤشرات السياسية الراهنة ومعطيات الواقع الثقافي والاجتماعي الكويتي؛ فضلاً عن البيئة الإقليمية الجديدة التي تشهد صعود نجم تيار الإسلام السياسي في ما بات يُعرف بدول ثورات الربيع العربي؛ يُتَوقع أن يزداد حضور وثقل التيار السلفي في الكويت باعتباره أبرز روافد تيار الإسلام السياسي السني في هذه الدولة.
_____________________________________
محمد بدري عيد - باحث متخصص في الشؤون الخليجية

المراجع
(1) رجب الدمنهوري، "الحالة السلفية في الكويت.. البدايات والمآلات، مركز جسر التواصل للبحوث:  http://josortwasul.com/display/5

(2) فلاح عبد الله المديرس، الجماعة السلفية في الكويت.. النشأة والفكر والتطور (1965-1999)، ( الكويت: دار قرطاس للنشر، ط1، 1999م).

(3) علي حسين: "إمام الدعوة السلفية في الكويت"،  مجلة الكويت، (وزارة الإعلام الكويتية:، العدد  341، 28/3/2012م).

(4) صطفى زهران: "سلفيو الكويت.. حالة خاصة"، صحيفة القدس العربي.

(5) أحمد شهاب: "خريطة الكتل السياسية الكويتية بعد التحرير"، شبكة النبأ المعلوماتية الإلكترونية،  http://www.annabaa.org/nbanews/71/810.htm

(6) فلاح المديرس، الجماعة السلفية في الكويت: النشأة والتطور (1965 - 1999)، (الكويت: دار قرطاس للنشر، 1999)، ص 6 - 7.

(7) عبد الحميد بدر الدين: "خريطة التجمعات السياسية في الكويت"، الجزيرة نت – 3/10/2004م.

(8) وكالة الأنباء الكويتية "كونا": "التجمعات السياسية في الكويت"، 15/10/2009م.

(9) أحمد شهاب، مرجع سبق ذكره.

(10) فلاح المديرس، التجمعات السياسية الكويتية (مرحلة ما بعد التحرير)، (الكويت: مطابع المنار، 1996)، ص 7 - 9.

(11) صالح السعيدي: "الدوائر الخمس.. إعادة تشكيل أم استمرار للخريطة الانتخابية؟ - 3"، صحيفة القبس، 20/2/2007م.

(12) المرجع السابق.

(13) محمد بدري عيد: " انتخابات مجلس أمة 2012 ومستقبل الديمقراطية الكويتية"، سلسلة تقارير مركز الجزيرة للدراسات، 12 فبراير/شباط 2012م.