مصر: تأرجح الموازين بين الثورة والنظام القديم

تبدل سلوك المصريين الانتخابي بين التشريعيات والرئاسيات، ففي الأولى كانت مشاركتهم أكبر ونتائج مرشحي النظام القديم أضعف، أما في الثانية فكانت مشاركتهم أقل ونتائج مرشح النظام أكبر حتى كادت توصله لسدة الرئاسة.
2012715124529841734_20.jpg
القوى الانتخابية المصرية بين الثورة والنظام القديم (الجزيرة)

سيذكر المصريون لفترة طويلة صوت المستشار "فاروق سلطان" وهو يعلن فوز الدكتور محمد مرسي برئاسة الجمهورية. لقد أعلن رئيس اللجنة العليا للانتخابات هزيمة أحمد شفيق مرشح النظام القديم، وأعلنت الأرقام ضمنًا أن الثورة وإن استطاعت حسم جولة مهمة، فإن مواجهتها مع الدولة العميقة لم تُحسَم بعد.

لم تكن المواجهة (محسومة) كما هو مفترض بين مرشح الثورة -وإن لم يتوحد الثوار على دعمه- وبين من يكرر أن (مبارك) مثله الأعلى، حيث ظهر المجتمع المصري منقسمًا، واستسلمت بعض القوى السياسية لمزاعم -أسستها هي نفسها- عن المستقبل المظلم في عهد الرئيس الإسلامي وبررت بها موقفها الداعم لرئيس وزراء أسقطه الميدان منذ أشهر قليلة، وتوجه الجميع إلى صناديق الاقتراع وسط حالة من اللايقين وترقب المجهول.

من الانتخابات البرلمانية إلى الرئاسية

جرت الانتخابات البرلمانية في ظل حالة من الأمل والتفاؤل كونها أول انتخابات حقيقية تتم بعد الثورة، نتج عنها تحديد مبدئي ومؤقت لأوزان الكتل السياسية، وجاء تحالف الحرية والعدالة في مقدمة السباق يليه تحالف النور السلفي، ثم أحزاب وتحالفات ليبرالية ويسارية وحزب الوسط الإسلامي.

التحالف (الحزب) عدد الأصوات   النسبة المئوية لعدد الأصوات
 تحالف الحرية والعدالة ( تسعة أحزاب، أهمها الحرية والعدالة والكرامة وغد الثورة والعمل)  10138134  37%
 تحالف النور (النور- البناء والتنمية- الأصالة)  7534266  28%
 حزب الوفد الجديد  2480391  9%
 تحالف الكتلة المصرية (المصريين الأحرار- مصر الديمقراطي الاجتماعي- التجمع)  2402238  8.6%
 حزب الوسط الجديد  989004  3.6%
 تحالف الثورة مستمرة ( أحزاب وحركات يسارية)  745863  2.6%
 أحزاب منبثقة عن الحزب الوطني المنحل
(الحرية- المواطن المصري- مصر القومي - الاتحاد)
 1315827  4.7%

جدول (1) نتائج انتخابات الثلثين الخاصة بالقوائم بمجلس الشعب 2012

صوَّت ما يقرب من 70% من الناخبين للأحزاب الإسلامية، ولم تستطع بقايا الحزب الوطني تجميع أشلائه المبعثرة، وظن الجميع أن الانتخابات أنهته اجتماعيًا بعد أن أسقطته الثورة والقضاء سياسيًا وقانونيًا، إلا أن الانتخابات الرئاسية فيما يبدو أبرزت صورة أخرى، خاصة وأنها أُجريت في ظروف مختلفة، ميزتها الملامح التالية:

  1. لم تتمتع الانتخابات الرئاسية بنفس (النكهة الثورية) التي صبغت انتخابات البرلمان، صحيح أن الاستقطاب حول الهوية لم يغب عن المشهدين، لكن في الأولى تبرأ الجميع من النظام القديم وأعلن ولائه اللامشروط للثورة. في الانتخابات الرئاسية سادت حالة من اللايقين الشعبي بجدوى الثورة في ظل انقسام واستقطاب حاد بين القوى السياسية، وفي ظل استمرار أزمات معيشية وأمنية متكررة، اتُّهِمت فيها الحكومة بتعمد إرهاق المواطنين وامتحان صبرهم وإيمانهم بحتمية التغيير الجذري.
  2. بالغت الأحزاب الفائزة في الانتخابات البرلمانية في رفع سقف وعودها للناخبين، بما يتجاوز صلاحيات ودور البرلمان البعيد عن سلطة التنفيذ، فبدا وكأنه غير مهتم بهموم المواطنين في الوقت الذي بذلت فيه لجان البرلمان المختلفة جهدًا معتبرًا ظلَّ حبيسًا بين أروقة البرلمان ومضابط الجلسات. لا يمكن تجاهل أن قلة خبرة النواب (80% من نواب البرلمان لم يسبق لهم دخول أيٍّ من مجلسي الشعب والشورى) لعبت دورًا في ارتباك أدائه بما جعله لا يقوم بإصلاحات ثورية في البنية القانونية والتشريعية، خاصة بعد إقرار تعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية في أقل من 72 ساعة، بينما مرت شهور دون أن يقدم للكثير من المصريين ما يحقق تطلعاتهم.
  3. لعب الإعلام دورًا مهمًّا في المشهد قبل وأثناء الانتخابات الرئاسية، فبالغ في الهجوم على البرلمان (الذي يصفه بالإسلامي) لدرجة الترويج لأمور مختلقة (قانون مضاجعة الوداع – قانون تخفيض سن الزواج –إلغاء قانون الختان –إلغاء قانون التحرش)، ولم يتمكن الإسلاميون من مواجهة هذا الهجوم بسبب هيمنة النخب الليبرالية على المشهد الإعلامي، وسيطرة رأس المال السياسي القلق من الإسلاميين عمومًا والراغب في وقف تقدمهم لاستلام مقاليد الحكم، أو المرتبط مباشرة بالنظام السابق. قدم الإخوان فرصة ذهبية لخصومهم تمثلت في إدارة ملف الجمعية التأسيسية للدستور -الأولى- بطريقة تفتقر إلى نهج التوافق الذي أعلنه الإخوان بعد سقوط النظام.

مع إعلان جماعة الإخوان تقديم مرشح رئاسي بلغ الاستقطاب ذروته، وازداد عمقًا ليتجاوز الشرائح المسيسة والثورية إلى شرائح اجتماعية أكثر تغلغلاً في نسيج المجتمع، خاصة مع غياب الترويج والإخراج السياسي للقرار (المشروع)، وبلوغ موجة الرفض والهجوم الإعلامي على الإخوان مستويات لم يصل إليها حتى في فترة النظام السابق.

رسائل الصناديق والأرقام

تصدَّر الانتخابات الرئاسية خمسة مرشحين، وقف الإخوان بمفردهم تقريبًا خلف مرشحهم، مع تأييد الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح ورموز السلفية القاهرية وشباب الجبهة السلفية. فضّل التيار السلفي السكندري والجماعة الإسلامية دعم عبد المنعم أبو الفتوح الذي ساندته رموز إسلامية وليبرالية وكاد أن ينتج حالة توافق بين الاتجاهات السياسية، إلا أن حمدين صباحي مؤسس حزب الكرامة ذي التوجهات اليسارية الناصرية، استطاع في نهاية فترة الدعاية استقطاب أغلب النخب الليبرالية واليسارية، وظهر كبديل عن المرشحين الإسلاميين غير المرحب بهما إعلاميًا، بالإضافة لكونه وجهًا ثوريًا لا ينتمي للنظام القديم ويتمتع بحضور إعلامي ومهارات خطابية مسّت تطلعات طبقات اجتماعية فقدت –أو أُفْقِدت!– الثقة في الإسلاميين.

لم يخجل الفريق أحمد شفيق من نسبته للنظام القديم، على العكس من عمرو موسى الذي تبرأ من مبارك ونظامه، وقدَّم نفسه كأحد المعارضين من داخل النظام الذين دفعوا ثمن رفضهم لسياساته. تسابق المرشحان على أصوات الأقباط، وبدا أن عمرو موسى صاحب الحظوظ الأوفر بعد أن دعمه حزب الوفد. مع قرب الاستحقاق الانتخابي بدا واضحًا أن أحمد شفيق مدعوم من خلايا الحزب الوطني وشبكة علاقاته ومصالحه الضاربة في عمق الدولة المصرية؛ حيث خرجت كوادر الحزب المنحل في المحافظات، لأول مرة منذ سقوط النظام، بشكل سافر تروِّج للفريق شفيق باعتباره الرجل القوي الذي خَبِر جهاز الدولة ولديه القدرة على ضبط الفوضى وتحقيق الاستقرار.

ذهب المصريون إلى صناديق الاقتراع دون سابقة تؤشر على تفضيلات الكتل الاجتماعية الانتخابية، أو ترصد حظوظ الكتل السياسية، باستثناء استطلاعات رأي يُنظَر إليها كجزء من الترويج لبعض المرشحين، واعتماد مطلق على نتائج انتخابات البرلمان دون اعتبار خصوصيتها. وهو ما ظهر واضحًا مع إعلان النتائج التي جاءت مفاجأة للجميع من عدة زوايا:

المرحلة الأولى          المرشح  عدد الأصوات  النسبة المئوية
 د. محمد مرسي  5764952  24.8%
 الفريق أحمد شفيق  5505327  23.7%
 حمدين صباحي 4820273    20.7%
 د. عبدالمنعم أبو الفتوح  4065239  17.5%
 عمرو موسى  2588850  11%
 د. محمد سليم العوا  235374  1%
 مرشحو اليسار (خالد علي-
أبو العز الحريري- هشام البسطويسي)
 203335  0.8%
 آخرون ( محمود حسام – محمد عيسى
حسام خير الله – عبدالله الأشعل)
 82166  0.5%
 مرحلة الإعادة   د. محمد مرسي  13230131  51.73%
 الفريق أحمد شفيق  12347380  48.27%

جدول (2) نتائج المرحلة الأولى للانتخابات الرئاسية

1. بعكس المتوقع وبالرغم من الزخم الإعلامي غير المسبوق، تراجعت نسبة الإقبال في المرحلة الأولى، حيث بلغت 46,4% (23672236 من إجمالي 50996746) بينما بلغ متوسط الإقبال في المراحل الثلاثة لمجلس الشعب حوالي 59% (29635009 من إجمالي 50397957) ما يعكس الإحباط الذي انتاب قطاعًا من المصريين لم تقدم لهم الثورة ما يتوقعونه، فبعد أن تم الحكم إعلاميًا بفشل البرلمان، وعدم صلاحية الإخوان بقدراتهم وتنظيمهم للحكم، قرر ما يقرب من ستة ملايين ناخب صوتوا في الانتخابات البرلمانية -ربما لأول مرة في حياتهم- عدم جدوى المسار الحالي ولم يجدوا فارقًا بين جميع المرشحين.

2. صعد حمدين صباحي على حساب عبد المنعم أبي الفتوح. لم تكتمل حالة (التوافق) حتى النهاية؛ وفرض استقطاب الهوية نفسه على المعادلة من جديد خاصة مع قرار الدعوة السلفية والجماعة الإسلامية تأييد أبي الفتوح وما تبعه من تراجع رموز ليبرالية عن دعمه، لتروج لصباحي كمرشح وحيد للقوى (المدنية). حصل صباحي على غالبية أصوات الكتلة المصرية وتحالف الثورة مستمرة (ما يزيد عن 2,5 مليون)، ونجح في إقناع مليوني ناخب تقريبًا ممن صوتوا للإسلاميين في البرلمان. لم يستطع أبو الفتوح وحزب النور إقناع جمهور التيار السلفي، فحصد حوالي40% فقط من كتلته التصويتية السابقة، بالإضافة لما يقرب من مليون صوت ضمنها له دعم حزب الوسط وبعض الرموز الإسلامية والليبرالية.

3. لم يتوقع المعسكران (المؤيد والرافض) للإخوان حصولهم على تلك النتيجة؛ فالإخوان توقعوا تراجعًا في نسبة التصويت لهم ولكن ليس بهذا الشكل الحاد، بينما ظن الرافضون أن مرشح الإخوان خارج الحسابات. خسر الإخوان ما يزيد عن 40% من أصواتهم (أكثر من أربعة ملايين وربع المليون) خلال أربعة أشهر. ويقارن الجدول أدناه نتائج تحالف الحرية والعدالة في الانتخابات البرلمانية ومرحلتي الرئاسة.

المحافظة الفردي القائمة المجموع التمثيل من إجمالي
مقاعد المحافظة

رئاسة
أولى

رئاسة
إعادة
القاهرة 12/18 14/36 26/54 48% 17% 44.3%
الإسكندرية 6/8 6/16 12/24 50% 15% 57.6%
الجيزة 8/10 8/20 16/30 53% 28% 59.7%
القليوبية 5/6 5/12 10/18 55% 23% 41.7%
البحيرة 7/10 7/20 14/30 46% 29% 58.7%
الدقهلية 8/12 9/24 17/36 47% 23% 44.4%
الغربية 6/10 7/20 13/30 43% 18% 37%
المنوفية 6/8 6/16 12/24 50% 19% 28.4%
الشرقية 10/10 8/20 18/30 60% 36% 45.7%
كفر الشيخ 2/6 4/12 8/18 44% 17% 55.4%
الفيوم 6/6 6/12 12/18 66% 47% 77.8%
دمياط 3/4 3/8 6/12 50% 24% 56%
بورسعيد 1/2 1/4 2/6 33% 15% 45.7%
الإسماعيلية 1/2 2/4 3/6 50% 26% 54.3%
السويس 1/2 1/4 2/6 33% 24% 62.7%
بني سويف 4/6 5/12 9/18 50% 41% 66.5%
المنيا 4/8 7/16 11/24 46% 43% 64.5%
أسيوط 6/8 7/16 13/24 54% 31% 61.5%
سوهاج 3/10 5/20 8/30 26% 39% 58.2%
قنا 3/6 5/12 8/18 44% 25% 55.9%
أسوان 0/2 1/4 1/6 16% 23% 51.9%
الأقصر 1/2 2/4 3/6 50% 22% 47%
البحر الأحمر 1/2 2/4 3/6 50% 21% 49.4%
الوادي ج 1/2 1/4 2/6 33% 29% 63.4%
مطروح 0/2 1/4 1/6 16% 20% 80.3%
ش سيناء 2/2 2/4 4/6 66% 38% 61.5%
ج سيناء 0/2 2/4 2/6 33% 20% 49.4%
الإجمالي 107/166
64%
 127/332
38%
 234/498  47%  24,7%  51,7%

جدول (4) نتائج تحالف الحرية والعدالة في انتخابات مجلس الشعب المصري2011، ونتائج د. محمد مرسي في المحافظات المختلفة في انتخابات الرئاسة (1)

التراجع الذي يقلق جماعةً عوَّدتها الانتخابات على تحقيق المكاسب، لا ينفي أن تنظيمها العميق حافظ على تماسكه بصورة لافتة، وأثبت أن الاستثمار لسنوات طويلة في بناء تنظيم تحوطه روابط وأنشطة اجتماعية ودعوية متشابكة آتى ثماره، واستطاع بآلته الانتخابية إدارة حملة رئاسية فاقت سابقتها البرلمانية، ووضعت مرشحها في مقدمة السباق وبأصوات الكتلة الصلبة (التنظيم وروابطه الأسرية والاجتماعية القريبة)، بالإضافة للصوت السلفي المرتبط برموز السلفية القاهرية التي دعمت مرشح الإخوان تحت مظلة تطبيق الشريعة.

4. صعد أحمد شفيق على حساب عمرو موسى. نجحت الدولة العميقة في القفز بمرشحها بما تجاوز كل التوقعات، ولم يتوقف طموح  رئيس وزراء في عهد مبارك عند ما يقرب من مليون ونصف المليون صوت حصدتها أحزاب النظام القديم في انتخابات البرلمان، بل تمكن من استقطاب ما يقرب من 70% من أصوات الأقباط البالغة حوالي 3 مليون (2)، وهو ما يفسر التراجع غير المتوقع لعمرو موسى.

حقق الفريق شفيق نتائج مرتفعة في المحافظات الكبيرة من حيث كتلتها التصويتية، وهو ما قفز به إلى المركز الثاني رغم تراجعه الشديد في محافظات الصعيد (في الجولة الأولى أكثر من نصف أصواته في خمس محافظات فقط: القاهرة، الشرقية، الدقهلية، الغربية، المنوفية. وتكرر ذلك في الإعادة مع إضافة القليوبية) وهي محافظات ريفية، باستثناء القاهرة. تلك المحافظات لا يجمعها سوى كثافتها السكانية المرتفعة وقربها من مركزية الدولة وتغلغل جهازها الإداري، مع تراجع أو غياب تأثير أنماط الولاء الأخرى (العائلة والقبيلة مثلاً)؛ فالتقسيم الإداري لهذه المحافظات، وما يستتبعه من تضخم جهاز الدولة وزيادة المجالس والوحدات المحلية، يضعها في المقدمة من حيث عدد المجالس الشعبية (تمثل مجتمعة 35% من إجمالي 7401 مجلسًا شعبيًا على مستوى الجمهورية)، تأتي في المقدمة محافظة الدقهلية (667 مجلسًا)، تليها محافظات الشرقية (657)، البحيرة (635)، المنيا (462)، الغربية (429)، المنوفية (424)، القاهرة (400). لا توجد أي معايير لهذا التقسيم وإنما يخضع فقط لرغبة الحكومة التي أطلق القانون يدها في رسم حدود الدوائر والمراكز وحدودها دون تقيدها بعدد سكان أو مساحة جغرافية (3) (قارن مثلاً بين عدد سكان ومساحة كل من محافظة المنوفية ومحافظة القاهرة).

5. أظهرت النتائج انقلابًا في التوزيع الجغرافي التقليدي لشعبية التيار الإسلامي؛ فمحافظات الدلتا التي تضم الثقل (التنظيمي) للإخوان والسلفيين صوتت بكثافة ضد المرشحين الإسلاميين –باستثناء البحيرة- في الجولتين، بينما محافظات الصعيد التي يُنظر إليها دائمًا باعتبارها مناطق النفوذ الأضعف للإخوان هي من أوصل مرشح الجماعة لكرسي الرئاسة.

المحافظات  حصتها من
إجمالي الناخبين
 إجمالي المقاعد  مقاعد التحالف التمثيل%    نتيجة الرئاسة الأولى نتيجة الرئاسة إعادة 

 حضرية
القاهرة، الجيزة، الإسكندرية، بورسعيد، السويس

 (31%)  120  56  46.5% 19.8%  54% 
 حضرية – ريفية (الدلتا) الدقهلية، القليوبية، الغربية، البحيرة، الشرقية، كفر الشيخ، المنوفية، دمياط، الإسماعيلية  (41.9%) 204  101  49.5%  23.8%  46.8% 
 حضرية – ريفية (الصعيد) الفيوم، بني سويف، المنيا، سوهاج، قنا، أسيوط، أسوان، الأقصر  (25.5%) 144  56  45%  28.7%  60.4% 
 حدودية (طرفية) شمال سيناء، جنوب سيناء، مرسى مطروح، الوادي الجديد، البحر الأحمر  (1.6%)  30  12 40%  25.6%  60.8% 

جدول (5) نتائج تحالف الحرية والعدالة موزعة حسب تصنيف المحافظات، ومقارنتها بنتائج جولتي الانتخابات الرئاسية.

يمكن تفسير ذلك باعتبار أن السياسيين المصريين لايزالون يختبرون مجتمعهم، فحجم المشاركة التي لم تحدث من قبل (مقارنة بانتخابات 2005 مثلاً) جعلت قدرات الإخوان التنظيمية والعددية غير قادرة على حسم المنافسة، وبدت وكأنها تمثل آلة حشد وماكينة انتخابية فقط. كان يكفي عدة آلاف من الأصوات لفوز مرشح الإخوان في الماضي يوفرها غالبًا التنظيم نفسه في ظل إحجام المصريين عن المشاركة، أما في حالة تصويت بالملايين فإن قدرات الإخوان على الحشد والتعبئة واجهتها قدرات (الدولة العميقة) وقدرتها على الحشد، كما أصبح للآلة الإعلامية تأثير حاسم في توجيه ملايين الأصوات التي لا يستطيع التنظيم مخاطبتها بشكل مباشر، وهذا ما يعاني منه الإخوان في ظل ضعف جهاز الجماعة الإعلامي وعدم قدرته على منافسة إعلام الدولة وقنوات رجال الأعمال المناهضة لهم.

خاتمة... مستقبل الثورة

وضعت الانتخابات الرئاسية الثورة المصرية أمام الأسئلة الصعبة التي تم تهميشها -على أهميتها- لصالح مواجهة ثانوية بين التيارات السياسية، فشوَّشت المرحلة الانتقالية وزادتها ارتباكًا وجعلت مستقبل الثورة محل تساؤل. وبالرغم من إقصاء مرشح الثورة المضادة فإن النظام المنهار ظهر قويًّا قادرًا على المنافسة، ووفر له الدعم المعلن من بعض النخب والأحزاب الليبرالية واليسارية شرعية سياسية وأخلاقية تؤهله لمزيد من التنافس في المستقبل.

الثورة على أعتاب مواجهة مفتوحة مع الدولة العميقة التي انتصبت كالعنقاء بعد أن رقدت جثتها بلا حراك لما يقرب من عام. وأصبحت قادرة على استدعاء أدواتها المتمثلة في جهازها الإداري الذي يضم ما يزيد عن خمسة ملايين من المصريين، علاوة على أن الكثير من مفاصله خاضعة لنفوذ الماضي القادر على ابتزاز أو إغراء قطاعات من العاملين. كما أن طبقة رجال الأعمال التي ارتبطت بالحزب الوطني ولجنة سياساته وحكوماته المتعاقبة يؤرقهم هاجس قضاء الثورة والإسلاميين على مصالحهم، وأظهرت الانتخابات أنهم يملكون من المال والنفوذ ما يجعلهم قادرين على حشد مئات الآلاف من العاملين بمصانعها وأسرهم، بالإضافة لامتلاكهم ماكينة إعلامية مؤثرة وفاعلة.

ارتبط بالحزب الوطني والنظام السابق أعداد غفيرة ما بين أعضاء في الحزب وأعضاء في المجالس المحلية (بلغ عددهم في آخر انتخابات 52000 عضو) بالإضافة لطبقات اجتماعية ارتبط وضعها الاجتماعي بقربها من النظام (عائلات الشرطة والجيش مثلاً).

أظهرت الانتخابات أن الثورة لا يمكنها خوض المواجهة دون تنظيم الإخوان العميق، كما أظهرت أن الإخوان لن يمكنهم المواجهة دون دعم القوى الثورية وقطاعات شعبية تتجاوز قدرتهم منفردين على الحشد؛ فالمواجهة مع الفريق شفيق أعادت للقوى الثورية بعضًا من الوحدة على أساس الثورة، وهو ما ظهر في نتائج الإعادة خاصة في القاهرة والإسكندرية بطبيعتهما السياسية الحية والمتنوعة؛ فمرشح الإخوان تقدم في الثانية بعد أن حلَّ ثالثًا في الجولة الأولى، واستطاع تقليل الفارق في القاهرة بعد أن توقع الجميع أن نتيجتها قد تحسم السباق لصالح شفيق، فضلاً عن ارتفاع نسبة التصويت بشكل عام.

بات واضحًا أن الخوف المفرط من المستقبل هو أخطر سلاح يحمله الماضي، من هنا يتحتم على الإخوان والرئيس المنتخب تفهُّم سلوك الأقباط التصويتي، بل وسلوك طبقات اجتماعية لم تصوِّت لشفيق إلا قلقًا من الإسلاميين. يعاني الأقباط من نفس المشاكل السياسية والاجتماعية التي عصفت بالمصريين في السنوات الأخيرة، ولا يوجد ثمة عائق حقيقي ليكونوا ضمن التوافق على أجندة ثورية تتجاوز الاستقطاب الأيديولوجي، وهو ما أصبح أمرًا حتميًّا لاستمرار مسيرة الثورة وأهدافها، وسلاحًا ربما وحيدًا في المواجهة مع الثورة المضادة التي لم تعد محاصرة أو ضعيفة.
_________________________________
عمار أحمد فايد - باحث في الشؤون المصرية

 الهوامش
1. جميع نتائج الانتخابات البرلمانية الواردة في هذه الورقة تم الرجوع فيها لأرقام اللجنة العليا للانتخابات البرلمانية، وبيانات حزب الحرية والعدالة الرسمية. ولمزيد من التفاصيل حول هذه النتائج، انظر: عمرو هاشم ربيع (تحرير)، انتخابات مجلس الشعب 2011/2012، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، الأهرام، القاهرة 2012. كما تم الاستناد في جميع نتائج الانتخابات الرئاسية إلى نتائج اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، والنتائج التي أعلنتها غرفة العمليات بحزب الحربة والعدالة فيما يخص نتائج المحافظات.
2. لا يوجد رقم رسمي معلن منذ سنوات لعدد الأقباط، غير أن آخر إحصاء رسمي، وبعض المصادر الدولية، يظهران أن الأقباط يمثلون نسبة تتراوح بين 6-8% من إجمالي سكان مصر.
3. انظر مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، التقرير الاستراتيجي العربي 2007-2008، انتخابات المجالس الشعبية المحلية 2008، ص 403-420.

نبذة عن الكاتب