قراءة في المشهد السياسي الكيني

ستكون لنتائج الانتخابات القادمة بكينيا تداعيات قد تشكل تحديات سيدفع الكينيون فاتورتها عندما يفوز تحالف "اليوبيل" بقيادة "كينياتا" خصوصا وأن المرشح الرئاسي ونائبه متهمان في جرائم إنسانية من لدن المحكمة الجنائية الدولية. وقد تؤدي تلك المتابعات القضائية عند تنفيذها لفراغ سياسي خطير.
201333830345734_20.jpg
 

ستجرى الانتخابات الكينية القادمة في 4 مارس/ آذار 2013 في ظروف يصاحبها القلق والخوف وسط اهتمام إقليمي وعالمي، خوفا من تكرار سيناريو العنف خاصة وأن تجربة انتخابات سنة 2007 لا زالت ماثلة في الأذهان. وتشهد الساحة الكينية تنافسا هو الأشد من نوعه منذ استقلال البلاد عن بريطانيا سنة 1963م؛ فيما سيخوض غمار هذه الانتخابات أكثرُ من ثمانية مرشحين من بينهم متهمون في قضايا جنائية على خلفية أحداث العنف التي أعقبت الانتخابات السابقة من قبل المحكمة الجنائية الدولية.

وفي هذه الدراسة سنلقي الضوء على تاريخ الانتخابات الكينية في ظل التعددية الحزبية، ونتائج الانتخابات السابقة المثيرة للجدل وتداعياتها على البلاد. كما سنتناول خريطة الأحزاب السياسية ومسار التحالفات الحزبية في بلد ظل العامل القبلي هو الحاسمَ في أي عملية انتخابية، وذلك على ضوء قراءة الأحداث الجارية وتطورات المشهد الحالي. ومع أن نتائج هذا الاستحقاق لا تزال مجهولة إلا أنه من المتوقع أن يشكل منعطفا جديدا في حياة الكينيين. وسنستعرض جانبا من دور الأقلية المسلمة وموقعها من العملية الانتخابية، بالإضافة إلى سيناريوهات المستقبل محاولين عرض احتمالات الانتخابات القادمة ونتائجها المرتقبة وما سيترتب عليها من انعكاسات على الواقع السياسي والاجتماعي وكذلك الأمني والاقتصادي.

تاريخ التعددية الحزبية

نالت كينيا استقلالها في 12 ديسمبر/ كانون اِلأول عام 1963م وبعد الاستقلال سيطر عليها نظام الحزب الواحد لفترة طويلة، خاصة حزب اتحاد الوطني الإفريقي الكيني (KANU) بقيادة الزعيم الراحل جومو كنياتا، أول رئيس لكينيا بعد الاستقلال. وفي ظروف غامضة توفي جومو كينياتا عام 1978م بعد خمسة 15عاما من القهر والاستبداد، وتسلم السلطة بعد ذلك نائبه دانيال أراب موي الذي ينحدر من قبيلة "كالنجين". ولم يرض هذا التحول نخبة "الكيكويو" التي كان ينتمي إليها كنياتا، فحاولت إزاحة الرئيس موي عن الحكم، ولكنها فشلت واستخدم موي قوة جهاز الدولة للاستحواذ على السلطة مستغلا من نظام الحزب الواحد الذي كان يسيطر على مفاصل الدولة. ولم تكن حقبة الرئيس موي التي استمرت 24 عاما مختلفة عن فترة سلفه كينياتا في نظام الحكم حيث اتسمت هي الأخرى بالقبضة الحديدية.

وفى عام 1991 أعلن الرئيس الكينى دانيال أراب موى عن موافقته على إجراء انتخابات تعددية بعد ضغوط قوية مارستها الدول الغربية وربطت فيها تقديم المساعدات الاقتصادية لحكومة نيروبي بإحداث إصلاحات سياسية واقتصادية، يضاف إلى ذلك ضغوط قوى المجتمع المدنى في كينيا، متمثلة في الطبقة الوسطى الحضرية التي تساندها معظم الطبقة الأرستقراطية، والمؤسسات المستقلة كالكنائس وتنظيمات المحامين ومجالس المسلمين، والتي وجدت لها مؤيدين كثر في الشارع الكيني حيث عمت المظاهرات المطالبة بالإصلاح السياسي؛ وهكذا كان التحول الديمقراطي استجابةً لضغوط داخلية وخارجية تزامنت مع ظهور الولايات المتحدة الأمريكية على الساحة الدولية كقطب أحادي، ومن ثم أجريت أول انتخابات رئاسية وبرلمانية ومحلية في ديسمبر/ كانون الأول 1992في ظل التعددية الحزبية(1)، وشارك في هذه الانتخابات أكثر من سبعة أحزاب يتقدمها حزب "كانو" بقيادة الرئيس موي وحزب "فورد كينيا" بزعامة جاراموغي أودينغا والد رئيس الوزراء الكيني الحالي رايلا أودينغا. كما شارك حزب "فورد أسلي" بزعامة ماتيبا والحزب الديمقراطي وكان مرشحه مواي كيباكي الرئيس الكيني الحالي. فيما كانت البقية عبارة عن أحزاب صغيرة، الا أن هذه الانتخابات لم تأت بجديد؛ حيث فاز فيها الرئيس أراب موي والذي استفاد من قدرات الدولة وأجهزتها الأمنية بالإضافة إلى ضعف وقلة المراقبين الأجانب.

وفي ديسمبر/ كانون الأول 1997 أجريت الانتخابات الثانية في وقت استيقظ العقل السياسي الكيني نتيجة الحوار السياسي الذي تواصل طيلة الأعوام 1992/ 1997، ولذلك ازداد الاستقطاب ووصل عدد المرشحين إلى 15 مرشحا، وكان أقوى المرشحين دانيال أراب موي الذي كان يمثل قوة الدولة وسطوتها، ومواي كيباكي الرئيس الحالي، ورايلا أودينغا رئيس الوزراء الحالي وهو ابن الزعيم المعروف جيراموغي أودينعا. وحصل هؤلاء على نسبة 80% من مجمل الأصوات في حين أن الرئيس موي لم ينل من ثقة الشعب أي قسط، ورغم ذلك أصبح رئيسا لكينيا لخمس سنوات أخرى حتى جاءت انتخابات 2002، وكان الشعب الكيني يتطلع لتغيير محدود في خريطة الطبقة الحاكمة ومورست ضغوطٌ خارجية وداخلية على الرئيس دانيال أراب موي تطالبه بالتنحي مما أجبره على عدم الترشح لمنصب الرئاسة مرة أخرى، لكنه حافظ على وضعه كرئيس لحزب "كانو"، في حين رشح الحزب لخوض سباق الرئاسة أوهورو كنياتا ابن الرئيس السابق جومو كنياتا، وكان الرئيس موي يرى أن أوهورو سيفوز بنسبة كبيرة لأنه أولا نجل الزعيم التاريخي "جومو كينياتا"، وثانيا لأنه من قبيلة الكيكويو الأكثر تعدادا في البلد، ولأنه أيضا مرشح الحزب الحاكم، ولكن كانت المفاجئة أن مكونات الطبقة الحاكمة الأخرى رأت أن مصالحها مهددة، فشكلت تحالفا قويا باسم "تحالف قوس قزح"(National Rainbow Coalition (NARC"" برئاسة الرئيس الحالي مواي كيباكي الذي أحاط نفسَه بالسيد رايلا أودينغا على أن يتولى رايلا رئاسة الوزراء وأن يطبق مبدأ اللامركزية في الحكم لاحقا بعد تعديل الدستور في حالة فوز التحالف حسب ما نصت مذكرة تفاهم سابقة وقع عليها قادة التحالف، وترشح لهذه الانتخابات خمسة مرشحين فقط وكان الفائز فيها مواي كيباكي، وأحرز ائتلاف قوس قزح الوطنى 125 مقعداً برلمانياً من أصل 210. (2)

ولكن سرعان ما طفت على السطح خلافات بين قيادات الائتلاف الحاكم بعد فترة قصيرة من مزاولة الحكومة الجديدة أعمالها، حيث طالبت مجموعة من أعضاء الحزب الديمقراطي الليبرالي الذي كان جزء أساسيا من الائتلاف بقيادة رايلا بأن يعامل حزبهم كشريك في الحكومة، وأن يتم إنشاء منصب رئيس الوزراء وتعيين أودينغا في هذا المنصب، كما اتهمت هذه المجموعة الرئيس مواى كيباكى بخيانة بنود الاتفاق المبرم بينهم، وتفاقم الأمر حتى وصلت العلاقة بين الرجلين إلى حد القطيعة ليقود رايلا بعد ذلك تمردا سياسيا ضد الرئيس كيباكي، كما رفض رايلا تعديلات دستورية أعدتها حكومة كيباكي في أواخر عام 2005 مبررا موقفه من أن التعديلات عززت صلاحيات الرئيس، الأمر الذي اعتبره المراقبون تراجعا عن الديمقراطية النسبية التي تميزت بها كينيا عن سائر نظيراتها في شرق ووسط إفريقيا. لم يكتف رايلا برفض المشروع فقط وإنما انسحب من الائتلاف الحاكم مكونا حركة سياسية جديدة أطلق عليها اسم الحركة الديمقراطية البرتقالية (Orange Democratic Movement ODM)

الانتخابات السابقة وتداعياتها على البلاد

اجريت الانتخابات السابقة، التي خلفت دمارا وخرابا وأثارت جدلا واسعا حول نتائجها، في 27 من ديسمبر/ كانون الأول 2007 في أجواء مليئة بالتوتر والشحن القبلي، وقد بلغ عدد الأحزاب المشاركة فيها 87 حزبا إلا أن التنافس الشديد انحصر بين حزبين رئيسيين هما: حزب الوحدة الوطنية الذى كان يتزعمه الرئيس المنتهية فترة ولايته "مواى كيباكى" وكان يضم سبعة أحزاب، فيما تزعم "رايلا أودينغا" الحركة الديمقراطية البرتقالية المعارضة. وفى إطار الحملات الانتخابية للمرشحين طغت قضايا عدة على برامجهم الانتخابية عكست الواقع السياسي والاقتصادي، وكذلك الاجتماعي الذى يعانى منه الشعب الكيني. كما أن الخطاب السياسي المتبادل بين السياسيين أدى إلى زيادة وتيرة الاحتقان السياسي والاجتماعي في مجتمع قبلي متوتر أصلا. وبالرغم من أن كيباكي اعتمد في حملاته الانتخابية على رصيده الإنجازي في المجال الاقتصادي الذي شهد نموا غير مسبوق في فترته الرئاسية الأولى، إلا أنه لم يستطع أن يصمد أمام زعيم المعارضة "رايلا" المعروف بحنكته في عقد التحالفات الانتخابية وقدرته العالية على تعبئة الجماهير، مما جعل فئات الشباب والفقراء يرونه مدافعا عن حق المحرومين وداعية لتقاسمٍ أكثر عدلا لثروات البلاد التي يعيش أكثر من نصف سكانها على أقل من دولار واحد في اليوم. وقد حقق مرشح المعارضة "أودينغا" في هذه الانتخابات تقدما ملحوظا على مدى مراحل العملية الانتخابية المختلفة. وكان الفارق بينه وبين الرئيس "كيباكى" في النتائج الأولية أكثر من مليون صوت، إلا أن نتائج الانتخابات جاءت عكس التوقعات والمعطيات الانتخابية. وقد تأخر إعلان النتيجة النهائية لعدة أيام، وترددت لجنة الانتخابات عن الإعلان، وأرجعت سبب التأخير إلى مشاكل لوجستية مما أدى إلى سريان موجة من الاشاعات والتوتر. وأخيرا أعلن رئيس اللجنة "صمويل كيفتو" في 30 من ديسمبر/ كانون الأول ومن غرفة مغلقة متصلة بالإذاعة والتلفزيون الكيني عن فوز "كيباكي" بفترة رئاسية ثانية بفارق انتخابي أكثر من مائتي ألف صوت، وأدى الرئيس كيباكي القسم بعد نصف ساعة من إعلان النتيجة تحت جنح ظلام الليل. وفي الحقيقة شكل هذا الأمر منعطفًا خطيرا في تاريخ الكينيين، وكانت له تداعيات خطيرة مباشرة، منها الانقسام الحاد بين المجتمع الكيني من جهة، ومنها اندلاع موجة من العنف والاضطرابات عقب تظاهر مؤيدي رايلا مشككين في مصداقية تلك النتيجة، ورأوا أنها مزورة؛ خاصة في ظل حصول المعارضة على معظم مقاعد البرلمان. كما شكك المراقبون الأجانب في مصداقية هذه الانتخابات مما زاد جرأة المتظاهرين، واستمر العنف وشمل أنحاء واسعة من البلاد خاصة مناطق التماس بين الكيكويو وقبيلة الكالجين التي كانت متحالفة مع رايلا آنذاك، وكانت الحصيلة أكثر من ألف وثلاثمائة قتيل خلال ثلاثة أيام، فضلا عن تشريد الآلاف من ديارهم ومزارعهم. حيث لا زالت آثار ذلك العنف بادية حتى اليوم(3). وكادت كينيا أن تنضم إلى نادي دول الملتهبة وهي التي طالما ظلت قلعة المفاوضات الآمنة في منطقة شرق ووسط إفريقيا، وطالما تمتعت بسلام عزّ على جيرانها.

لكن كان المجتمع الدولي سريعا في تدخله لاحتواء الأزمة؛ لما تمثله كينيا من أهمية استراتيجية للغرب، حيث تم إيفاد الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان للوساطة بين الرئيس كيباكي وخصمه أودينغا بعد أن فشل في تلك المهمة رئيس غانا السابق "جون كوفور" الذي كان حنيذاك رئيسا للاتحاد الإفريقي. وانتهت وساطة أنان بإبرام اتفاق تقاسم السلطة بين الطرفين، بيد أن تداعيات هذه الانتخابات لم تنته مع توقيع الاتفاق، وإنما امتدت في ما بعد ليشمل لهيبها النخب السياسية الكينية. وكانت الإشكالية التي أربكت هذه النخب هي قيام المحكمة الجنائية الدولية برفع دعوى ضد مسئولين كبار في الحكومة الكينية بتهمة التحريض على العنف في أعقاب انتخابات عام 2007 ، ومن بينهم نائب رئيس الوزراء أوهورو كينياتا أبرز المرشحين للرئاسة الكينية في الانتخابات القادمة ووزير الزراعة السابق وليام روتو، ولذلك فإن التداعيات من شأنها أن تستمر إلى ما بعد تلك الانتخابات القادمة.

الانتخابات القادمة ومسار التحالفات الحزبية

سيخوض غمار الانتخابات الكينية القادمة والتي ستجرى في 4 من مارس/ آذار 2013 أكثر من ثمانية أحزاب منحت لجنة الانتخابات والحدود الكينية شهادات لمرشحيهم بعد أن توفرت فيهم شروط الترشيح. وسنكتفي بالحديث عن تحالفين قويين يتمتعان بشعبية جارفة يتوقع أحدهما أن يفوز بالرئاسة وهما: التحالف من أجل الإصلاح والديمقراطية "CORD" ويتكون هذا التحالف من ثلاثة أحزاب:

  • الحركة الديمقراطية البرتقالية بقيادة رئيس الوزراء الكيني" أودينغا"، وهو من قبيلة اللوو ثالث أكبر قبيلة في البلاد؛
  • وحركة الممسحة الديمقراطية ويترأسها نائب الرئيس الكيني كالونسو موسيوكا الذي ينتمي إلى قبيلة "كامبا" الخامسة تعدادا، 
  • بالإضافة حزب فورد كينيا تحت زعامة وزير الخارجية السابق مؤسس "وتانغلا"، وهو من قبيلة اللهيا الثانية تعدادا، ومرشح هذا التحالف هو رايلا أودينغا.

أما التحالف الآخر فهو "JUBILLE" ومعناه "اليوبيل" ويتكون من ثلاثة عشر حزبا، يتقدمها:

  • التحالف الوطني TNA بزعامة نائب رئيس الوزراء الكيني، "أوهورو كينياتا"، وهو من قبيلة الكيكويو الأكثر سكانا في البلاد، والمتهمة باستئثارها بالسلطة وخيرات البلاد؛
  • والحزب الجمهوري المتحد URP برئاسة الوزير السابق" وليام روتو" الذي ينحدر من قبيلة الكالجين التي تأتي المركز الرابع حسب ترتيب القبائل الكينية.

وإلى جانب هذين التحالفين يوجد العديد من التحالفات الصغيرة ليس لها حظوظ تذكر لكنهم قد يدفعون البلاد لعقد جولة ثانية في حال فشل أي مرشح للحصول على (50+1).

وعلى الرغم من أن هذه التكتلات تبدو سياسية في الظاهر، إلا أنها قلبية أكثر منها سياسية، لأن كينيا ليست بعيدة عن النموذج السائد في إفريقيا والذي تتشكل أحزابه دائماً على القبلية، ولهذا تكونت الأحزاب السياسية في كينيا منذ أمد بعيد على أساس قبلي بحت، إذ أن عملية الانتخابية لا تعدو أن تكون عملية إحصائية للكشف عن التوازن القبلي، ولذا فإن الولاءات القبلية هي العامل الأكثر حسماً في تحديد السلوك الناخبين في بلد غير متجانس عرقيا وثقافيا، حيث يعيش فيه أكثر من 41 قبيلة.

يبلغ عدد الناخبين الكينيين الذين يحق لهم التصويت في 4 من مارس/ آذار 2012 أربعة عشر مليونا من مجمل السكان كينيا البالغ عددهم أربعون مليونا. وهناك مناطق تشكل المعقل الرئيسي ومواقع الثقل الانتخابي لكل تحالف وهي:

رقم

اسم الاقليم

عدد الناخبين

لصالح

1

إقليم الوادي المتصدع

3. 372. 353 ناخب

لصالح تحالف " اليوبيل

2

إقليم الوسطى

2. 190. 477 ناخب

""

3

الإقليم الشرقي

2. 092. 883 ناخب

لصالح تحالف "كورد

4

إقليم نيانزا

1. 954. 756 ناخب

تنافس والترجيح

5

إقليم نيروبي

1. 778. 908 ناخب

"

6

والإقليم الغربي

1. 424. 987 ناخب

"

8

وإقليم الساحل

1. 164. 082 ناخب

"

9

والإقليم الشمالي الشرقي

350,000 ناخب

"

  • ومن خلال عرضنا لهذه المناطق نجد أن تحالف الإصلاح والديمقراطية بقيادة أودينغا يسيطر على الإقليم الشرقي والغربي، بينما يسطر تحالف "اليوبيل" على إقليم الوادي المتصدع، والوسطى، لكن هناك أقاليم سيدور عليها التنافس وسترجح الكفة لصالح طرف معين.
  • وحسب السجل الانتخابي الماثل أمامنا يرى بعض المراقبين أن الشعب الكيني إذا صوت على أساس الانتماء القبلي فإن تحالف اليوبيل سوف يكسب المعركة، وإذا صوت على أساس البرامج الانتخابية والمقدرات السياسية (وإن لم تكن مرجحة) فإن تحالف الإصلاح والديمقراطية سينال ثقة الشعب، ولكن يرى آخرون أن الانتماء القبلي فقط لن يحسم الأمور بسهولة مبررين ذلك على أساس أن هناك مجموعة عواملَ خارجيةً أخرى ربما تغير قواعد اللعبة ومنها قضية المحكمة الدولية، وموقف المجتمع الدولي من بعض المرشحين.
    ونحاول هنا أن نستعرض نقاط الضعف والقوة في كلا التحالفين:

أولا: تحالف "كورد" من أجل الإصلاح والديمقراطية بقيادة أودينغا:

1- نقاط القوة

  • يمثل هذا التحالف طبقةَ الفقراء والفئاتِ الشبابيةَ، حيث يرى الكثير من المواطنين أنه تحالف إصلاحي، لأن رايلا أودينغا له ميول إصلاحية، ومن ثم قد يستطيع أن يقتلع جذور الفساد المستشري في البلاد، فالرجل يسنده تاريخ ناصع في الإصلاح السياسي والاجتماعي. 
  • يتمتع المرشح الرئاسي لهذا التحالف بتأييد غربي واسع النطاق، وتجلى ذلك من خلال تصريحات أدلى بها أكثر من مسؤول غربي. وقد حذرت واشنطن في 8 فبراير/ شباط 2013 على لسان مساعد وزير الخارجية لشؤون إفريقيا "جوني كارسون" الناخبين الكينيين من عواقب التصويت لصالح مرشح تحالف اليوبيل "أوهورو كينياتا"، ويضاف إلى ذلك تصريحات السفير البريطاني في نيروبي في 13 فبراير/ شباط 2013 وذلك خلال حوار مسلسل أجرى معه تلفزيون Citizen)) المحلي حيث قال: "إذا انتخِب كينياتا فإن اتصالنا معه سيكون محدودا". وكذلك أدلى السيد كوفي أنان أثناء زيارته لكينيا في العام الماضي تصريحات أثارت جدلا بين الكينيين، حيث نصح الكينيين بأن لا يختاروا قيادة متهمة بارتكاب جرائم إنسانية في حق الكينيين؛ في إشارة واضحة على أن أنان أراد أن يقول للكينيين اختاروا الطرف المنافس. 
  • كما أن كلا من أودينغا ونائبه كالونسو يتمتعان بخبرة طويلة، حيث تولى الأول عدة وزارات منذ التسعينات أثبت من خلالها جدارته، ثم أصبح رئيسا للوزراء، بينما عمل الثاني محاميا متمرسا ووزيرا سابقا للخارجية ثم نائبا للرئيس، الأمر الذي من شأنه أن يرفع رصيدهما الشعبي.

2- نقاط الضعف
لا يحظى هذا التحالف بتأييد إقليمي لا سيما في دول شرق إفريقيا، والسبب يعود إلى أن هذه الدول، وبما أنها أنظمة دكتاتورية، فإن لديها هواجس من أن تمتد رياح التغيير والديمقراطية التي يقودها أودينغا إلى دولهم، ويستثنى من هذه الدول دولة جنوب السودان الفتية والتي تقف إلى جانب هذا التحالف، وذلك بسبب العلاقات العرقية بين قبيلتي "اللوو" الكينية التي ينتمي إليها أودينغا وبين قبيلة "دينكا" في جنوب السودان.

ثانيا: تحالف "اليوبيل" وهو التحالف الذي يقوده أهورو كنياتا:

1- نقاط القوة

  • يمتلك هذا التحالف ثروة مادية هائلة قد تغير قواعد اللعبة، ويمكن أن يستخدم هذه الأموال لشراء الأصوات والرشوة وغير ذلك من الوسائل. 
  • يسيطر على المؤسسات الأمنية.

2- نقاط الضعف

  • إن المرشح الرئاسي للتحالف أهورو كنياتا، ونائبه وليام روتو كليهما متهمان في قضايا جنائية وقد مثّلا أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي أكثر من مرة – آخرها في 14 فبراير/ شباك 2013  بتهمة جرائم ضد الإنسانية شملت القتل، والتهجير القسري، والاغتصاب، مما يقلل إلى حد ما من شعبيتهما. 
  • أنه تحالف طبقي، لأن أهورو هو ابن الزعيم جومو كنيتا، ويقدر ثروته حولي 500 مليون دولار، ويمتلك ثلث الأراضي الزراعية في كينيا ولهذا يرى المواطنون أنه لن يغير شيئا من الواقع إذ فاز في الانتخابات في ظل الرأسمالية الوحشية التي تسود في المجال الاقتصادي.
  • هناك اعتقاد سائد لدى أغلبية الكينيين بأن الرجلين تحالفا من أجل تكريس الفساد، ويريدان أن يستأثرا بالسلطة، إذ أن القبيلتين اللتين ينتميان إليهما سادتا البلاد منذ الاستقلال حتى اليوم، فكينياتا وكيباكي هما من الكيكويو، بينما الرئيس السابق أراب موي الذي حكم البلاد 24 عاما كان من الكالنجين وهي نفس قبيلة روتو. ويشير التقرير الذي أصدرته المفوضية الوطنية للوحدة والتعايش أن 40% من الوظائف الحكومية تستفيد منها القبيلتين وذلك بسبب ارتباطهما بالحكم منذ الاستقلال حتى اليوم(4).

 موقع الأقلية المسلمة من العملية الانتخابية

بما أن المسلمين في كينيا جزءٌ من الواقع المتأزم فإن موقفهم يتسم بالضبابية حول الانتخابات القادمة. وقد عانوا طويلًا من ظلم اجتماعي وسياسي واقتصادي، ولذلك لم يختاروا أن ينضموا إلى أي من المجموعات العرقية والإثنية المتنافسة على السلطة في البلاد على الرغم من بروزهم لأول مرة في تاريخ التعددية الحزبية في الانتخابات الماضية، حيث تحالفوا مع رايلا أودينغا بعد مذكرة تفاهم وقع عليها الطرفان. ويثمل المسلمون كتلة ذاتَ تأثير سياسي، وبإمكانهم ترجيح الكفة التي يريدونها في الانتخابات. كما يحظى المسلمون باهتمام كبير واستقطاب منقطع النظير من جميع الأحزاب والتكتلات السياسية، حيث يحرص كل تجمع سياسي إظهار وجود المسلمين في مكوناته التنظيمية، وذلك أملا أن يحصل على أصواتهم.

ومع أن المسلمين في هذه الانتخابات لا يساندون رسميا أيا من التحالفين كالانتخابات السابقة فإن الأغلبية منهم سوف يصوتون لصالح التحالف من أجل الإصلاح والديمقراطية؛ وذلك بعد أن أعلن منتدى قيادات المسلمين الذي يضم كلا من: مجلس الأئمة والدعاة ولجنة الجامع الكبير في نيروبي دعمهم لأودينغا، وفي مؤتمر صحافي عقده المنتدى في 25 من ديسمبر/ كانون الأول 2012 عقب دعوة غداء من رئيس الوزراء ريلا أودينغا في بيته للمنتدى أكد المنتدى تأييده لأودينغا. وكان الشرط الوحيد الذي اشترطه المنتدى هو تطبيق الدستور الكيني الجديد، لأنهم يرون أن الدستور هو الضامن لحقوقهم، كما أن هناك هواجس لدى المسلمين من تحالف اليوبيل، فالسيد وليام روتو نائب الرئيس المرتقب للتحالف كان له مواقف مناهضة للمسلمين منها معارضته الشديدة -أثناء الاستفتاء على الدستور الجديد التي تم تمريره في عام 2008م- بالمحاكم الشرعية، وهي محاكم خاصة بالأحوال الشخصية للمسلمين. لكن بالمقابل فإن هناك من يرى من المسلمين أنه من الأفضل التصويت لتحالف اليوبيل وذلك عقابا لأودينغا حيث يتهمونه بالخيانة والنفاق نظرا لنكوصه عن الاتفاق المبرم بينه وبين المسلمين في الانتخابات السابقة. زيادة على ذلك فهناك من يرى إنه من غير الحكمة الانضواء تحت تحالف واحد وبالتالي يجب على المسلمين أ ن لا يغيبوا عن الطرفين في أمر يبدو على أنه توزيع للأدوار.

سيناريوهات المستقبل

ولئن كان الصراع الانتخابي يحتدم بين تحالفين قويين بقيادة ابني زعيمين سابقين "كنياتا" و"أودينغا" خاض كل منهما صراعا ضد الآخر من أجل البقاء، فإن وطأة هذا الصراع تبدو أكثر حدّة من الابنين "أوهورو" و"رايلا" الأمر الذي سينعكس سلبا على الشعب الكيني. فبالنسبة لسيناريوهات المستقبل ما زال الغموض يلف مسار الانتخابات القادمة في ظل الاستقطاب الجهوي الذي تشهده الساحة الكينية وهو استقطاب بلا شك سيكون لها تداعيات على مستقبل البلاد. فهناك قلق متزايد يسود الأوساط الكينية خوفا من تكرار سيناريو العنف في الانتخابات السابقة، بيد أن هناك اطمئنانا قليلا لدى المواطنين بعد أن كونت الحكومة الكينية فريقا لمراقبة الخطاب التحريضي. وانتظارا لما ستسفر عنه الانتخابات القادمة هناك ثلاثة احتمالات يمكن أن ينتهي به المشهد الانتخابي الكيني:

  1. أن يفوز أحد المرشحين في الجولة الأولى، وإن كانت نسبة نجاح هذه الفرضية بسيطة، هذا إذا سلمت الانتخابات من التزوير، وأجريت في أجواء نزيهة وخالية الشوائب.
  2. أن تجرى جولة ثانية إذا لم يحصل أحد المرشحين النسبة المطلوبة للفوز في الجولة الأولى، وحسب تكهنات المراقبين فإن كلا المرشحين لن يحصل على النسبة المطلوبة 50+1 للفوز بكرسي الرئاسة خاصة أن بعض الاستطلاعات تشير إلى أن أيا من المرشحين لن يفوز في الجولة الأولى، وإن كانت الاستطلاعات تميل إلى تقدم أدوينغا بنسبة طفيفة، حيث أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "إيبسوس سينوفاتي" ونشرته يوم الجمعة، 25 يناير/ كانون الثاني  2013، عن تقدم رايلا أودينغا في انتخابات الرئاسة، يليه منافسه، نائب رئيس الوزراء، أوهورو كينياتا. وقد استطلعت المؤسسة آراء 5895 ناخبا مسجلا في 47 منطقة بين 12 و20 يناير/ كانون الثاني  2013. وقد أظهر الاستطلاع وفقا لصحيفة "استانداد" الكينية تقدم التحالف من أجل الإصلاح والديمقراطية الذي يقوده أودينغا على تحالف اليوبيل الذي يترأسه كينياتا، بعد أن حصل الأول على تأييد 46% من الذين شملهم الاستطلاع فيما حاز الثاني على 40%. (5) وتشير هذه النتائج المتقاربة إلى إمكانية إعادة الانتخابات بعد شهر من الجولة الأولى، لكن الإشكالية تبقى أن موعد إجراء الجولة الثانية يتزامن مع الموعد الذي سيمثل السيد أوهورو ونائبه المرتقب وليام روتو أمام المحكمة الجنائية الدولية. 
  3. أن يقوم تحالف اليوبيل الذي يتزعمه أوهورو كينياتا بتزوير الانتخابات، لأنه من قبيلة الكيكويو التي ينتمي إليها أيضا الرئيس كيباكي علما أن الانتخابات ستجرى تحت ولايته. ويسيطر كيباكي على المؤسسات الأمنية (القوات المسلحة – الشرطة – المخابرات) مما يعزز من إمكانية عملية التزوير، خاصة وأن هناك إشاعاتٍ متداولةً في الأوساط الكينية بأن الأجهزة الأمنية قد أعدت فعلا خطة لعملية التزوير، وإذا حدث هذا فإن كينيا ستشهد عنفا عرقيا غير مسبوق. لكن يبقى هذا احتمال التزوير غير وارد إلى حد ما، في ظل كثرة المراقبين الأجانب والمحليين، والحرص الغربي الحثيث على استقرار كينيا.

 أزمة متوقعة

والخلاصة أنه لا شك في أن نتائج الانتخابات القادمة ستكون لها تداعيات على البلاد ربما تشكل فيما بعد تحديات جسيمة سيدفع الكينيون فاتورتها وذلك في حالة فوز تحالف  اليوبيل" بقيادة "كينياتا" ذلك أن كلا من السيد أهورو ونائبه المرتقب متهمان في جرائم إنسانية لدى المحكمة الجنائية الدولية. وقد حددت المحكمة الجنائية الدولية 11 نيسان/أبريل 2013 للنظر في القضايا المرفوعة ضدهما، أي بعد شهر من إجراء الانتخابات العامة في كينيا. وقد أكدت المدعية العامة بالمحكمة فاتو بن سويدا في25 أكتوبر/ تشرين الأول 2012 أن المحاكمة ستمضي قدما بغض النظر عما إذا كان كينياتا أو روتو قد فازا بمنصب الرئيس من عدمه(6). وحسب جدول المحكمة فإنهما سيمثلان أمام المحكمة كل شهر تقريبا لمدة ثلاث سنوات قادمة -هذا إذا تعاون المتهمان- مما سيؤدي حتما إلى فراغ سياسي في البلاد والذي بدوره سيرشح الأمور إلى إجراء انتخابات مبكرة ربما لا تستطيع كينيا تحملها اقتصاديا. أما إذا رفض المتهمان التعاون مع المحكمة الدولية على غرار مواقف الرئيس السوداني فلا شك أن المحكمة ستلجأ إلى منطق القوة للقبض عليهما، مستفيدة من كثافة النشاط الاستخباراتي الغربي في نيروبي؛ علما أن كينيا دولة موقعة على ميثاق المحكمة، وبالتالي فإن كينيا مقبلة على أزمة يصعب احتواؤها، ومن بينها عقوبات اقتصادية قد يفرض المجتمع الدولي عليها إذا ما نظرنا إلى تلميحات المسئولين الغربيين.
___________________________________
علي جبريل الكتبي - كاتب وباحث كيني.

الإحالات
1 – أحمد فارس عبد المنعم، الانتخابات ومستقبل التطور الديمقراطي في كينيا، الأهرام.
http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=219105&eid=320  
2 – حسن محمد مكي، قابلية مشروع الدولة الكينية للعطاء والاستمرارية، مجلة دراسات إفريقية الصادرة من مركز البحوث والدراسات الإفريقية – الخرطوم، العدد 39.
3 - الانتخابات الكينية ومشاركة المسلمين فيها، سلسلة دراسات استراتيجيات(2) معهد دراسات الإسلام والعالم المعاصر- الخرطوم
4 - انظر موقع جريد "اThe star" الكينية عبر الرابط الآتي:
 http://www.the-star.co.ke/news/article-67270/kikuyu-kalenjin-dominate-civil-service-jobs
5 - انظر الموقع الالكتروني لجريدة "استاندرد" الكينية
http://www.standardmedia.co.ke/?articleID=2000075843&story_title=Kenya-Poll:-Raila,-Uhuru-will-not-win-elections-round-one
6 - انظر موقع شبكة "Sabahionlien"
http://sabahionline.com/ar/articles/hoa/articles/newsbriefs/2012/10/26/newsbrief-05

المصادر والمراجع
(1) أحمد فارس عبد المنعم، الانتخابات ومستقبل التطور الديمقراطي في كينيا، الأهرام. http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=219105&eid=320 
(2) حسن محمد مكي، قابلية مشروع الدولة الكينية للعطاء والاستمرارية، مجلة دراسات إفريقية الصادرة من مركز البحوث والدراسات الإفريقية – الخرطوم، العدد 39.
(3) الانتخابات الكينية ومشاركة المسلمين فيها، سلسلة دراسات استراتيجيات(2) معهد دراسات الإسلام والعالم المعاصر- الخرطوم.
(4) انظر موقع جريد "اThe star" الكينية عبر الرابط الآتي: http://www.the-star.co.ke/news/article-67270/kikuyu-kalenjin-dominate-civil-service-jobs
(5) الموقع الالكتروني لجريدة "استاندرد" الكينية، http://www.standardmedia.co.ke/?articleID=2000075843&story_title=Kenya-Poll:-Raila,-Uhuru-will-not-win-elections-round-one
(6) موقع شبكة "Sabahionlien"
 http://sabahionline.com/ar/articles/hoa/articles/newsbriefs/2012/10/26/newsbrief-05

نبذة عن الكاتب