العلاقات الصينية الإفريقية.. الديمقراطية والتوزيع

يمكن للشراكة الصينية-الإفريقية أن تستفيد من إخفاقات الشراكات الأخرى مثل الشراكة الإفريقية-الأوروبية، إذ يتعين علي الصين مواصلة دعمها لإفريقيا في المجالات ذات الأولوية، وتقوية قدرات الدول الإفريقية علي تحقيق ذلك، وتشجيع البلدان بوسائل مختلفة للاستجابة لمطالب الشعوب الراهنة ذات الطابع السياسي.
2013430111417596734_20.jpg
 

صادق المنتدي الخامس للتعاون الصيني الإفريقي (FOCAC) في بكين مؤخرا علي خطة عمل للفترة ما بين 2015- 2013 ستمكن الدول الإفريقية من الحصول علي قروض ميسرة قيمتها عشرون مليار دولار لتطوير البني التحتية، الزراعية والصناعة.

يمثل هذا القرض الميسر ضعف ما تعهد به المنتدى في عام الفين وعشرة. في سنة الفين وإحدى عشر بلغ حجم التبادل بين الجمهورية الصينية الشعبية وإفريقيا مئتان وستون مليار دولار؛ منها مائة وستة وستون مليارا شكلت قيمة الصادرات الصينية إلي إفريقيا. وتمثل هذه الأرقام طفرة جذرية مقارنة بمليار دولار واحد في عام 1980.

ارتفع مستوي الاستثمار الصيني في إفريقيا أثناء الأزمة المالية في الولايات المتحدة وأروبا مما أدي إلي انخفاض قيمة المساعدات مقابل قيمة التداولات، وتعمل الصين الآن في مجالي الأمن والسلام في إفريقيا.(1) كما تساهم أيضا في عمليات حفظ السلام في دارفور وليبيريا والصحراء الغربية وجمهورية الكونغو الديمقراطية.(2) ومؤخرا ساهمت الصين بقيمة خمسة ملايين دولار لدعم أجهزة حفظ السلام لبعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال (أميسيوم).

رؤيتان متعارضتان للشراكة ما بين الصين وإفريقيا

يفسر البعض العلاقة بين الصين وإفريقيا من خلال رؤيتين متعارضتين: رؤية تصور الصين علي أنها المنقذُ والشريكُ الحقيقيُّ لإفريقيا، ويري أصحاب هذه الرؤية أنها شريك ليست له طموحات استعمارية، بل ويتقاسم مع عديد من البلدان النامية الأخرى نفس الخلفية التاريخية. فالجمهورية الصينية الشعبية شريك يقدم دعما مهما بدون أية شروط مسبقة، بل إن الصين تتفهم أكثر الأولويات الإفريقية، كما أن لها صيتًا حسنةً بين البلدان الإفريقية من حيث احترام ثقافات البلدان الأخرى.

في المقابل هناك رؤية أخرى تصنف الصين، كما أكدت وزيرة الخارجية الامريكية السابقة هيلاري كلينتون على ذلك، بأنها القوة الاستعمارية الجديدة في إفريقيا، ويشكل وجودها مصدرَ قلق بالنسبة للعديد من الحكومات الغربية.(3) ويرى من يذهب إلى هذا التصور أن الصين تعتبر العائق الأكبر لعملية السلام والأمن في المناطق الغنية بالنفط كما هو الحال في دارفور. والصين أيضا وفق هذه الرؤية تدعم أنظمة الاستبداد في زمبابوي والغابون المعروفتين بسجلهما السيئ في مجال حقوق الإنسان.(4) زيادة علي ذلك تعتبر الصين بلدا عملاقا يريد الاستحواذ علي الموارد وعلى الطاقة، يستغل عدم كفاءة وفساد الحكومات في توجه انتهازي من الناحية التجارية، وملوث حقيقي للبيئة في إفريقيا.

صين إفريقيا وصين الغرب: لعبة اللوم والرضى

ليس من الضروري التأكيد على أن الأفارقة يفهمون طبيعة علاقاتهم بالصين ويعبرون عن قلقهم إزاء الخلل في التبادل التجاري، ورداءة نوعية السلع والخدمات الصينية، وعدم تطبيق أدني معايير الحفاظ على البيئة. ويشكل تورط المؤسسات الصينية في الفساد والسعي للحصول على العمالة الرخيصة فضلا تدني معايير السلامة مصدر نقاش جدي في العديد من البلدان الإفريقية، وقد ظهر ذلك في البرامج الانتخابية في بلدان مثل زامبيا والسنغال.

كما أثرت الهجرة الصينية إلي إفريقيا سلبا علي سوق العمالة وهو ما أدي إلي اصطدامات ببعض المجموعات المحلية.

وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها بعض الدول الإفريقية مثل أثيوبيا ونيجيريا في نقل التكنولوجيا والمهارات من الشركات الصينية إلى إفريقيا إلا أن النتائج لا تزال مخيبة للآمال.

ومع ذلك، فالنظرة التي تعكس ما يكتب حول الشراكة بين الصين وإفريقيا نظرة سلبية جدا (5)، وهذا غير مبرر، كما تعطي وسائل الإعلام صورة شنيعة للغاية لا تتواءم مع ما تستخرجه الصين من مواد خام من إفريقيا.

ومن المعروف أن الصين تركز أكثر علي الاستثمار في الصناعات الاستخراجية مقارنة بالصناعات الأخرى.(6) وفي الواقع فإن الصناعات الاستخراجية تمثل ثلث إجمالي الاستثمارات الصينية. ومقارنة بالولايات المتحدة الامريكية ودول نامية أخرى فإن حصة الصين من الاستثمار الاستخراجي منخفضة في قطاع المعادن علي سبيل المثال، ولكنها تلقي تغطية أكبر في مجالي الاعلام والكتابة. ويركز ثلثا الاستثمار الصيني علي البناء والصناعة والتمويل.(7)

وبالنسبة للولايات المتحدة الامريكية فإن أهدافها الاستثمارية الرئيسية تتركز في غينيا الاستوائية ومصر وجنوب إفريقيا وأنغولا. وقد يكون الخطاب الأمريكي الحالي المنصب على علاقة الصين بإفريقيا له ما يبرره إلا أنه مبالغ فيه، وهو يركز على مصالح الصين في إفريقيا وخصوصا في مجالات الطاقة والموارد الطبيعية والسلع والخدمات.

هناك تغطية واسعة لتزايد أعداد المهاجرين الصينين الباحثين عن العمل بإفريقيا، وهذا يؤثر سلبا علي سوق العمالة المحلي ويؤدي إلي التصادم مع المجتمعات الإفريقية المحلية.(8)

وفضلا عن هذا فسنركز في هذه الورقة أساسا علي تأثير الشراكة الصينية علي المسار الديمقراطي في إفريقيا.

الصين أحد الفاعلين العالميين في إفريقيا

من المهم أن يكون هناك مخطط شامل للفاعلين العالميين في إفريقيا لتقييم الجوانب السلبية والإيجابية للشراكة ما بين الصين وإفريقيا. لا شك أن الصين من أهم الفاعلين المتنافسين في هذا المشهد الاقتصادي والأمني وهي علي علاقة مواتية بإفريقيا. الشراكة الصينية الإفريقية تأتي من بين شراكات أخرى طورها الاتحاد الإفريقي مع الاتحاد الاوروبي والهند وتركيا وأمريكا اللاتينية والولايات المتحدة الامريكية.

لا شك أن الغرب والشرق كليهما متنافسان علي الموارد والأسواق الإفريقية كما هو الحال بالنسبة لمجالات النفوذ كالدبلوماسية والأمن.

لقد خلق النهج البراغماتي للصين نوعا من العداء القوي مع الدول الاوروبية؛ ولم يكن ذلك بسبب تأثيره السلبي علي الجهود الغربية لدعم حقوق الإنسان والديمقراطية فقط، ولكن كان أساسا نتيجة نفوذ الصين المتزايد علي الحكومات الإفريقية، والسيطرة علي الموارد والأسواق. تَعتبِر البلدان والمؤسسات الغربية أن المؤسسات الصينية نافستها باللجوء إلي الرشوة والفساد، فضلا عن وسائل أخرى غير مشروعة كانتهاك المعايير والنظم العالمية للشفافية ولحقوق الإنسان. ذلك أن مراعاة هذه المعايير الدولية قد تحرم الصين من التعامل مع بعض البلدان الإفريقية، لكن هذه المآخذ نفسها ظلت الشركات الغربية متورطة فيها ومتهمة بانتهاكاتها وارتكابها في الماضي. تبقي وجهة نظر الأفارقة مهمة جدا لفهم الصورة العامة لوجود الصين في إفريقيا، وبالنسبة لعديد منهم فإن التاريخ له دور مهم في ذلك. فالصين علي عكس الغرب ليس لها إرث تاريخي يهدد إفريقيا كما هو الحال بالنسبة للقوى الاستعمارية الغربية في الماضي؛ حتى إن الصين وإفريقيا تتقاسمان العديد من الخلفيات التاريخية المماثلة. ويوجد هناك نوع من التحفظ في ما يتعلق بالانتقادات والهواجس الصادرة من الغرب، وبالتالي فإن هذه الانتقادات لا تؤخذ علي محمل الجد. كما أن معظم الأفارقة يرضون بالشراكة مع جمهورية الصين، وبالنسبة لهم فإن علاقتها بإفريقيا تختلف تماما عن علاقتها بالغرب. تعتبر القروض الميسرة والحصول علي التمويلات، والتوزيع السريع للخدمات والسلع الصينية، وتاريخ التنمية المتبادلة، ركائز مهمة لجذب الصين إلي إفريقيا. في هذا الصدد هناك ثلاثة أسباب رئيسية للشراكة ما بين الصين وإفريقيا.

  • أولا: ضعف الدول وغياب السلطة التشريعية والتنفيذية، إلي جانب خدمة الحكومات لمصالحها الخاصة.
  • ثانيا: ميول الصين إلي عدم احترام القواعد المتعلقة باستدامة التعاملات التجارية والرشوة مما يتعارض بشكل واضح مع المصالح الوطنية للبلدان الإفريقية.
  • ثالثا: دور الصين المتراجع في تشجيع المسار الديمقراطي في إفريقيا.

لمعالجة هذا النقص لا بد من إصلاحات حقيقية من كلا الجانبين والتي من شأنها أن تساعد بشكل كبير علي استدامة الشراكة بين الصين وإفريقيا.

لجمهورية الصين مصالح واضحة في إفريقيا: الموارد وتأمين الطاقة والدخول في الأسواق والدعم الدبلوماسي الدولي خاصة في جهودها الرامية إلي عزل تايوان ومن ثم استعادتها. ثم إن إفريقيا كذلك لها مصالح واضحة، فهي تحتاج الصين؛ لأنها توفر مصدرا بديلا للتمويل في إفريقيا، وتوفر مؤسساتها بشكل سريع سلعا رخيصة وخدمات وقروض يحتاجها المواطن الإفريقي.

باختصار، تحتاج إفريقيا إلي الصين باعتبارها المورد-الممول، والموزع، وتأتي ميول الصين لضمان مصلحتها الوطنية من خلال علاقاتها الاقتصادية في إفريقيا ومؤسساتها أمرا مساعدا جدا للحاجيات الإفريقية. والسؤال الأهم هو ما إذا كانت إفريقيا مستعدة للاستفادة من هذه الشراكة والدخول للمنافسة بين الشرق والغرب. إن تفاعل الصين مع إفريقيا يعكس طبيعة الدول المضيفة والحكومات. الشراكات الصينية تتأقلم بسرعة مع أنظمة شركائها؛ فهي تتعامل بشفافية مع الأنظمة ما دامت الأخيرة تتعامل بشفافية، أما إذا كان هناك فسادٌ في الأنظمة فإنها تتعامل وفقا لذلك بطريقة فاسدة. وتستغل الشركات الصينية وغيرها الفساد الإداري والمالي لصالحها وبالتالي فإن الأفارقة ينالون حصة الأسد من المسؤولية من هذا الضعف.

ومع ذلك تتحمل الصين جزءا من المسؤولية ولو بدرجات أقل؛ وذلك بغياب الآليات والمعايير للمراقبة في تعاملها مع إفريقيا.

توزيع وديمقراطية

ساعدت الصين البلدان الإفريقية بسرعة لتلبية مطالبها من خدمات عامة وبنية تحتية مثل الطرق، ومبانٍ وجسور ومطارات ومستشفيات ومدارس وجامعات واتصالات سلكية ولاسلكية. تعوَّد الكثير من الناس علي سرعة توزيع الخدمات من قبل الشركات الصينية، وشعروا بالمزيد من الرغبة في التعامل معها. إن  الصين تبعث عن طريق نموذجها التنموي غير التقليدي رسائل ملهمة للعديد من القادة الأفارقة بغض النظر عما إذا كان هذا النموذج يمكن تكراره في إفريقيا أم لا. سمح التعاون الصيني اللامشروط للحكومات الإفريقية بالحصول علي التمويل والخبرة بدون أية شروط سياسية، واكتسبت الحكومات الحالية في هذه البلدان نوعا من المصداقية مما يقوض جهود العالم الغربي لما يقارب الخمسة عقود لتغيير نظام الحكم في البلدان الإفريقية حيث كانت المساعدة الغربية بمثابة الجزرة.

علي مر عقود من الزمن ظلت الأنظمة الإفريقية بؤرة سوء الحوكمة والمشاكل الاقتصادية. في الواقع فإن الدول الإفريقية غالبا ما تكون دولا بوليسية تسعى لتأمين السلطة القائمة، وظلت في نفس الوقت دولا هشة وعاجزة عن تأمين أراضيها، كما أصبحت تستمد قوتها من أساليب خاطئة باستخدام القمع ضد مواطنيها وتلجأ إلي الاستخبارات للحفاظ علي السلطة. وأصبحت هذه الدول البوليسية فعالة لكنها في نفس الوقت عاجزة عن تحقيق مهامها المنوطة بها مثل إقامة دولة القانون والنظام والحفاظ علي الأمن والمساهمة في الحفاظ علي البني التحتية الرئيسية.

توصف الحكومات الإفريقية بأنها عدوة لمجتمعاتها، وتحت تأثير مختلف التدخلات الخارجية والداخلية تقلص دور الحكومات والفاعلين المحليين، ويرجع ذلك أساسا إلي الدعم الدولي الذي يقدم العديد من الخدمات التي كان المفترض أن تقدمها هذه الحكومات، ولذلك ظهر اتفاق واشنطن من بين العديد من المبادرات الغربية لتمكين منظمات المجتمع المدني من العمل في مجال الأمن تحت شعار شركات الأمن الخاصة علي حساب الدولة مما نتج عنه ضعف الدولة وعجزها عن القيام بمسؤولياتها ومهامها مما يعطيها مصداقية. وقد أدي تزايد مصداقية الفاعلين غير الحكوميين إلي ردات فعل من الحكومات في محاولة لخنق منظمات المجتمع المدني في العديد من البلدان. وقد وفرت الصين من خلال برنامجها التنموي وعن طريق القروض الميسرة إمكانية ترجيح ميزان الشرعية للدول علي الأقل بتوزيع بعض السلع العامة؛ ونتيجة لذلك أدي وجود الصين إلي نوعين من النقاشات الإيديولوجية في ما يتعلق بالتنمية والدولة. النقاش الأول يتساءل لماذا وكيف زاد نمو الصين لتصبح ثانيَ اقتصاد في العالم في أربعة عقود. وهذا يشكل مصدر استفسار وتطلع ما إذا كان النموذج الصين التنموي صالحا لمساعدة الدول الإفريقية للخروج من الفقر نحو التنمية. وكل هذا يوحي بأن القضاء علي الفقر عن طريق التنمية أمر ممكن.

أما النقاش الثاني فيشير إلي دور الحكومة في تنمية البلد. فما هو دور الحكومة الصينية في الحياة الاقتصادية في البلدان الإفريقية؟ وهل علي الحكومات أن تكون الموزع الوحيد للسلع الأساسية والمراقب الوحيد لإستراتيجيات وقواعد اللعبة الاقتصادية؟

رسالة ملهمة من الصين.. الدولة التنموية

يهتم العديد من الأفارقة بالدروس المستخلصة من طريقة النمو غير التقليدية للصين ودور الدولة في هذا المسار؛ ففي عام 1978 بدأت الصين استراتيجية سياسية لبناء اقتصاد ديناميكي سيمر بثلاث مراحل:

تضاعف الناتج المحلي في 10 سنوات لإطعام و إكساء السكان،
تضاعف الناتج المحلي الإجمالي في 20 عاما لتحقيق الازدهار،
وخلال 70 عاما جعل اقتصاد الصين اقتصادا عالميا حديثا.(9)

إن دخل الفرد الصيني الآن زاد بخمسة أضعاف. وهناك عاملان وراء هذا النمو الخارق:

  1. تراكم الأصول الرأسمالية من خلال المدخرات المحلية المرتفعة.
  2. الإنتاجية العالمية للعمل من خلال التكوين وهو ما يتماشى مع ارتفاع قيمة الكونفوشيوسية في التعليم العالي.(10)

وتقليديا كان العنصر الرئيسي الدافع للنمو الاقتصادي أن يكون رأس المال أساسا في المنافسة بين قوى السوق. واستنادا إلى الفكر الاقتصادي التقليدي فإن الإنتاجية لم تكن أبدا شرطا للنمو الاقتصادي. فبلوغ متوسط معدل النمو نسبة 4% يعد أعلى نسبة مسجلة. وهذا هو ما يميز النمو الاقتصادي في الصين. إن مساهمة إنتاجية النمو الاقتصادي الاستثنائي في الصين أمر لا مثيل لها في تاريخ ثروة الأمم. هذه هي نظرية "آدم سميث" غير التقليدية للنمو الاقتصادي لموازنة غير مرئية لقوى السوق الحر. كيف نمت الصين بهذه السرعة؟ وهل يمكن لهذا النمو أن يكون مثالا للبلدان الأخرى؟ يعتقد الخبيران الاقتصاديان "جفري ساكس" و"وينغ وو" أنه بالإمكان تطبيق نفس الخطة في بلدان أخرى في حين أن آخرين مثل "فيليب ناوتون" و"رونالد ماكينون" يرون عكس ذلك.

يعتقد البعض أن الصين تطورت في فضاء ديمقراطي محدود بحيث أنها فرضت سياسة الطفل الواحد علي السكان، واستخدمت القوات المسلحة لتعزيز التنمية الاقتصادية، كما تجاهلت حقوق الملكية الفكرية وحقوق الأقليات.

ولهذا يستحيل تطبيق خطة الصين التنموية في إفريقيا بسبب هذه الخصائص غير الديمقراطية وبسبب قضايا ثقافية أخرى. هناك تشابه بين الصين ما قبل 1978 والعديد من البلدان الإفريقية من حيث الكثافة السكانية ومن حيث النقص في المواد الغذائية، وارتفاع مستوى الأمية في المجتمع الفلاحي.

خلال ثلاثة عقود استطاعت الصين الخروج من مستوى الفقر لتصبح ثاني أكبر اقتصاد عالمي. وقد لعبت الدولة أدوارا حيوية وباتت الحكومة الصينية تستمد شرعيتها من الأداء إلا أنها لا تحظى بشرعية من الشعب.

لهذه الأسباب فقد ألهم النمو الاقتصادي الصيني الكثير من الزعماء الأفارقة للتمكن من لعب دور مماثل للحكومات الإفريقية.

هذا الدور التنموي تبنته البلدان في العديد من سياساتها التنموية. كما ساهمت القروض الميسرة العديد من الحكومات الإفريقية علي تجنب الضغط الذى تفرضه المؤسسات الدولية لتلبية الشروط والمعايير المتعلقة بالإصلاحات السياسية والاقتصادية. ومن خلال أخلاقيات العمل والتوزيع السريع استطاعت الشركات الصينية أن تغرس الشعور بالإلحاح في تقديم الخدمات والسلع في إفريقيا مما يساعد الحكومات علي التفكير في إجراء إصلاحات في السياسات الاستثمارية.(11) والأهم من ذلك فقد تمكن هذه الحكومات من تقديم الخدمات العامة التي حسنت من أدائها مما أكسبها شرعية. لقد ساهم التعاون الاقتصادي العديد من الدول غير الديمقراطية في إفريقيا والتي لا تحظي بشعبية من شعوبها أن تظل في السلطة. ساهمت العلاقات الاقتصادية الصينية القوية مع الدول والحكومات المتهمة علنا بانتهاك حقوق الانسان والاستبداد مثل زمبابوي والسودان وتشاد وجمهورية الكونغو الديمقراطية في تزايد الانتقادات للنزعة الرجعية الصينية عندما يتعلق الأمر بحقوق الانسان والديمقراطية.

وتتهم الصين أيضا بعدم اهتمامها الكافي بمبادرة دعم قرارات مجلس الأمن الدولي بشأن دارفور التي تهدف إلى وقف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من قبل جميع الأطراف هناك. فكم من مرة أشهرت الصين حق الفيتو ضد أي مبادرة لمجلس الأمن الدولي في هذا الاتجاه.(12) وقد تورطت الصين بشكل غير مباشر في كارثة دارفور من خلال تعاملها الواسع في مجالي النفط وصفقات السلاح.(13) "ففي البلدان الإفريقية التي تتسم علاقاتها مع الغرب بوضع إشكالي فإن الصين تستفيد من سياستها في عدم التدخل في السياسة الداخلية لهذه البلدان. فعلاقتها مع السودان مثلا، وهي الدول المدانة من قبل الأمم المتحدة بما قامت به في دارفور، تمثل إشكالا أخلاقيا بالنسبة للاستراتيجية الصينية".(14) وتوضح التقارير أن المداخيل المكتسبة من الصادرات الإفريقية إلي الصين استخدمت لتحقيق مكاسب سياسية للأحزاب الحاكمة في بلدان مثل أنغولا.(15)

وقد زار العديد من الزعماء الدكتاتوريين الجمهورية الصينية في العديد من المناسبات. أما الرئيس الصيني ''خو جينتاو'' فقد زار الغابون والسودان،(16) ويعتقد أن للصين تأثيرا كبيرا علي هاتين الدولتين، وتفيد التقارير أن ''خو جينتاو'' ناشد الرئيس السوداني ''عمر البشير'' بقبول نشر قوات موحدة من الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة في دارفور،(17) كما تشير التقارير إلي أن جمهورية الصين مسؤولة عن استقالة العديد من السياسيين البارزين في أنغولا.(18)

يبقى العملاق الآسيوي مسؤولا كذلك وبطريقة غير مباشرة عن عرقلة عملية السلام وحقوق الانسان في بعض البلدان الإفريقية.

مخاطر التوزيع في غياب الديمقراطية

تستخدم الاحتجاجات الشعبية في شمال إفريقيا أساليب مختلفة لكن رسالتها لا تتغير. وغالبا ما يثور الشعب في البلدان التي لا تحترم إرادة شعوبها وعلي الحكومات أن تحظي بشرعية واسعة النطاق أو تواجه باستمرار مثل هذه الاحتجاجات. والأهم من ذلك أن تتفهم ضرورة كسب هذه الشرعية، لأن استخدام القوة قد يكون خطيرا للغاية.

مهما تمادي النظام الدكتاتوري في قمع المواطنين واستخدام القوة فإن ذلك قد يزيد من الاحتجاجات التي قد تصل إلي نقطة اللاعودة. وعلي المدي البعيد، وبدعم دولي فإن الاحتجاجات الشعبية ستكون في مواجهة مع النمط الاستبدادي كما أظهرت الثورات في شمال إفريقيا؛ فقد طالبت الشعوب بالديمقراطية وتسليم السلطة معا، لضمان الحريات العامة واتخاذ القرارات التي ينبغي أن تدار بها بلدانهم.

شجعت خطة الصين التنموية حكومات إفريقية بما فيها تلك التي أطاحت بها الثورات كما حدث في تونس ومصر. ولتحقيق الاستقرار والاصلاح الاقتصادي، لابد من إصلاحات سياسية لدعمه.

الواقع أن الثورات في شمال إفريقيا قد كشفت عن أن الحكومات التي تعتمد أساسا علي الشرعية الشعبية تواجه احتجاجا أقل من التي تعتمد علي شرعية الأداء فقط. ومع وجود حكومة شعبية منتخبة ديمقراطية تتطلع الشعوب إلي التسامح والمساواة. في نفس الوقت تفقد الحكومات الشعبية المنتخبة شعبيتها إذا لم تف بوعودها، في المقابل فقد توسع الحكومات عالية الأداء شعبيتها بالرغم من شرعيتها المحدودة في الوقت المناسب. وقد تبدأ الاحتجاجات بالمطالبة بالديمقراطية وتسليم السلطة معا حقوق الإنسان و الفساد في بلدانهم.

خلاصة الأمر.. الطريق الأمثل

تحتاج إفريقيا إلي قروض مسهلة من الصين وإلى خدمات سريعة وسلع رخيصة. كما أن إفريقيا تزود جمهورية الصين بأسواق غير مستغلة نسبيا، موارد طبيعية ضخمة إلى جانب الطاقة. تحتاج الصين وإفريقيا بعضهما البعض من خلال الدعم المتبادل في الديبلوماسية العالمية بما في ذلك إصلاح الامم المتحدة ومجلس الأمن الدولي. تدعم جمهورية الصين جهود الاتحاد الإفريقي علي المستوي الدولي عن طريق مجموعة دول "بريكس"، ويلقي هذا الدعم مباركة من طرف أربعة وخمسين دولة عضوا في الاتحاد الإفريقي. إن الشراكة الصينية تزداد في الوقت الذي يستبدل فيه الأفارقة المساعدات بالأعمال. ويعتبر العديد من الشركاء في التنمية أن دول شمال إفريقية غير مشمولة بالاضطرابات التي تحدث الآن في الدول الإفريقية جنوب الصحراء. ويتم قياس الأداء التنموي لهذه الدول بواسطة إحصائيات مؤشر النمو، والنمو الاقتصادي ومؤشر الأعمال. وقد أملت السياسات الخارجية للقوي العالمية الكبري مثل الولايات المتحدة والصين سياسة تحسين المستوي المعيشي من خلال التوزيع وليس بالضرورة عن طريق الديمقراطية، ومع ذلك تحتاج إفريقيا إلي الديمقراطية، ويتعين علي الصين أن تشجع شركائها في إفريقيا علي ممارسة السلطة وقف الشرعية الديمقراطية، وبهذه الطريقة فقط ستتمكن من إرساء دعائم لشراكة مستديمة. تعتمد مكانة الصين في الساحة العالمية علي سلامة تعاملاتها ومصداقية الحكومات التي تتعامل معها. وستواجه الصين طلبات متزايدة لتعزيز مكانتها فيما يتعلق بحقوق الإنسان والديمقراطية مع شركائها. وما فتئت الصين تتجاهل مثل هذا الضغط إلا في حالة تخوفها علي مصالحها في إفريقيا. وقد تحاسب الأجيال القادمة والحكومات المنتخبة حديثا في بلدان مثل زامبيا والسنغال جمهورية الصين لا علي الإنجازات الاقتصادية ولكن أيضا في الناحية السياسية.

تحتاج الصين وشركائها الأفارقة إلي دراسة سياسة تواجدها في إفريقيا بل من أجل مصلحتها الخاصة وبالتالي لا بد للصين أن تدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان. هل تملك الصين القدرة على التأثير علي السياسة الإفريقية؟ نعم. هل لدي جمهورية الصين الرغبة في التأثير علي الأنظمة السياسية بشكل فوري؟ ربما لا؟

الصين معروفة ببراغماتيتها

تحققت المعجزة الصينية الاقتصادية بفضل الخبرة والتقدير التدريجي للقوة الموجودة داخل البلاد وخارجها. وتتلخص البراغماتية الصينية في مقولة شهيرة لـ(دينغ شاربينغ) وهو زعيم سابق ساهم في تحويل الاقتصاد قال فيها: "لا يهم إن كان القط أبيض أو أسود طالما يصطاد الفئران".

وحتى الآن لم تسجل أية حالة رفضت فيه الصين مطالب شركائها لتغيير نمط التعامل علي عكس الدول الغربية التي غالبا ما تفرض على إفريقيا تغيير خطتها وأولوياتها طبقا لشروط الدول الغربية. وبدلا من أن تفرض الصين نفسها فإنها تحاول التأقلم مع خطط التنمية في البلدان الإفريقية، ومن غير المرجح أن تحاول الصين فرض إرادتها علي بلد إفريقي أو حتى ترفض مطلبا للتفاوض علي مبدأ الشراكة.

في كثير من الحالات كالصومال وجنوب السودان وجمهورية السودان وليبيا ودول أخرى عانت من أزمات سياسية سارت الصين في ركب المجتمع الدولي مما يعكس سعيها في مواصلة التعاون الاقتصادي مع تلك الدول دون الشروع في إجراء تغييرات.

لا يمكن للصين الدفاع عن حقوق الإنسان في إفريقيا نتيجة لسجلها السيئ في هذا المجال، ولكن في كلا الجانبين تبقي الديمقراطية مطلبا للأجيال القادمة. وهذا لا يعني أن الصين تحتاج إلي نهج الغرب بالتعالي أحيانا على إفريقيا وعلى ديمقراطيتها. ومع ذلك تحتاج إلي الانخراط أكثر بمهارة مع الدول التي تتعامل معها لدعم بعضها البعض لتحقيق الديمقراطية كما هو الحال في مجال الاقتصاد، وتحتاج الصين إلي إعادة النظر في سياستها الخارجية في إفريقيا لذا لابد للاتحاد الإفريقي من تحديد القواعد والمعايير المنصوص عليها.

كما هو الحال في المجال الاقتصادي فإن السياسة الخارجية للصين وموقفها من السلام والأمن ومن السياسة الداخلية للبلدان الإفريقية أمور تحتاج إلى إعادة نظر. ويفترض أن تنطلق سياسة الصين الخارجية في إفريقيا من القواعد المنصوص عليها في الشراكة بين الاتحاد الإفريقي والصين. يحتاج الاتحاد الإفريقي إلي بدء هذا النقاش بالتعاون مع المنتدي الصيني الإفريقي، ويمكن لهذا الأمر أن يكون بمثابة نقطة دخول ممتازة لمعالجة هذه المعيارية وغيرها من المشاكل الداخلة في نطاق هذه الشراكة. كما ينبغي للاتحاد الإفريقي إشراك صناع القرار الصينيين في النظر في تهيئة وإنشاء إرادة سياسية تجمع الطرفين. والمطلوب هو إيجاد موقف سياسي قوي من قبل الصين تجاه العديد من الحكومات الإفريقية التي ما زالت تحتاج إلى أن تتدرج في المبادئ التي تحكم منتدى التعاون الصيني الإفريقي. ومن خلال منتدى التعاون الصيني  الإفريقي، يمكن للصين أيضا دعم جهود الاتحاد الإفريقي من الناحية الفنية باستثمار وجود الصين في جمعية البذور والمحيط الهادئ وآسيا (APSA) وغيرها نحو إقرار مزيد من الحكامة في إفريقيا وترسيخ الديمقراطية وحقوق الإنسان وأنظمة الحماية. ويمكن توظيف الاتحاد الإفريقي كواجهة متعددة الأطراف لوضع المعايير المشتركة والمبادئ التوجيهية المعيارية والإشرافية، وعندها ستكون الصين في حمى من تهمة التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الإفريقية، في حين، وربما أكثر حسما في نفس الوقت، من شأن هذا النهج أيضا تخفيف النقد الذي يمس سمعة الصين على المستوى العالمي باعتبارها تركز الفساد في إفريقيا وتحول دون إحلال فرص السلام في هذه القارة.

كما أنه يمكن للشراكة بين الصين وإفريقيا أن تستفيد من إخفاقات الشراكات الأخرى مثل الشراكة ما بين إفريقيا وأوروبا، ويبقى السؤال هو: كيف ننقل النقاش إلي آفاق جديدة من الشراكة لضمان أقصى قدر ممكن من الاستفادة الإفريقية في سياق المنفعة المتبادلة. ويتعين علي الصين مواصلة دعمها للبلدان الإفريقية في المجالات ذات الأولوية، كما تتعين عليها تقوية قدرات الدول الإفريقية علي تحقيق ذلك، وفي الوقت نفسه ينبغي تشجيع البلدان بوسائل مختلفة للاستجابة لمطالب الشعوب الراهنة ذات الطابع السياسي.

ويمكن لوزارة الخارجية أن تسعى إلى أن يكون التعاون مع إفريقيا أكثر استجابة لمعايير وقواعد الاستثمار المعهودة، بل يجب علي الحكومة الصينية استعادة هذا الدور. و من المهم وضع الاطار التوجيهي للمشاركة علي مستوى الاتحاد الإفريقي وسيكون التعاون بحاجة لسياسات وطنية تتعلق في مجال الاستعمار والتنمية. وتكون البلدان الإفريقية قد استفادت من الشراكة الصينية إذا كانت لديها آليات تنظيمية وتنفيذية قوية وكذلك في التفاوض مع الصين.

إن تصميم السياسات التشريعية والتنظيمية وبناء آليات إنقاذ فعالة تبقي ملقاة علي عاتق الأفارقة فهم المستفيدون في النهاية من هذا الإصلاح، كما يمكن إصلاح الإطار التشريعي والتنفيذي للبلدان الإفريقية مما قد يعطي الإصلاح التدريجي الملائم والمتناغم مع الوقت الضروري لإحداث تغييرات.
___________________________________
 بقلم: د. مهاري مارو - كاتب وباحث أثيوبي
ترجمة: يعقوب بن أبو مدين - معلوماتي ومترجم موريتاني

الإحالات
1- Maru, Makda, Abraha, Senai and Goa, May (2011) A New Imperialism? Assessing the Impact of Chinese ODI in Africa, a paper presented to conference in October 2011, Cambridge, Massachusetts.
2- Servant, Jean Christophe (2009) China’s Trade Safari in Africa, Le Monde Diplomatique, http://mondediplo.com/2005/05/11chinafrica (accessed 12 June 2012).
3- Rothberg, Robert (2008) China into Africa, Trade, Aid and Influence, Brookings Institution Press, Washington, D.C.
4- Clarke, Nikia (2011) Looking East: China and African Democracy, 05 June 2012, available from
http://siteground274.com/~democr86/index.php?option=com_content&view=article&id=133:looking-east-china-and-african-democracy&catid=1:blog (accessed 26 August 2012).
5- Maru, Makda, Abraha, Senai and Goa, May (2011) A New Imperialism? assessing the Impact of Chinese ODI in Africa, a paper presented to conference in October 2011, Cambridge, Massachusetts.
6- Ibid.
7- Ibid.
8- Ibid.
9- Mengkui, Wang (2004) ‘China’s Course of Modernization and its Outlook’,  China’s Economy, China Basics Series, China Intercontinental Press, Pp. 4-6
10- Hu, Zuliu and Khan, Mohsin (1997) Why Is China Growing So Fast? Economic Issues, International Monetary Fund Services, Washington, U.S.A, ISBN: 1-55775-641-4 (ISSN: 1020-5098) P. 1
11- Maru, Makda, Abraha, Senai and Goa, May (2011) A New Imperialism? Assessing the Impact of Chinese ODI in Africa, a paper presented to conference in October 2011, Cambridge, Massachusetts.
12- Washington Post and Sudan Tribune May 3 2007.
13- AP and Sudan Tribune ,Sudan divestment campaign over Darfur goes global, Wednesday 2 May 2007.
14- Servant, Jean Christophe (2009) China’s Trade Safari in Africa, Le Monde Diplomatique, http://mondediplo.com/2005/05/11chinafrica  (accessed 12 June 2012).
15-  Servant, Jean Christophe (2009) China’s Trade Safari in Africa, Le Monde Diplomatique,  http://mondediplo.com/2005/05/11chinafrica , available from http://mondediplo.com/2005/05/11chinafrica   (accessed 12 June 2012).
16- AP and Sudan Tribune Sudan divestment campaign over Darfur goes global, Wednesday January 2007, and Servant, Jean Christophe (2009) China’s Trade Safari in Africa, Le Monde Diplomatique, http://mondediplo.com/2005/05/11chinafrica  (accessed 12 June 2012).
17- AP and Sudan Tribune Sudan divestment campaign over Darfur goes global, Wednesday January 2007.
18- Servant, Jean Christophe (2009) China’s Trade Safari in Africa, Le Monde Diplomatique, http://mondediplo.com/2005/05/11chinafrica  (accessed 12 June 2012).

نبذة عن الكاتب